ثالثا: التبعية الفكرية والثقافية.
رابعاً: الربط السياسي بالمصالح من خلال الدعم المالي والاقتصادي والعسكري”. أ.هـ
وبعد هذا الاستعراض للوعي الشيعي والإيراني بالحرب الناعمة، لن نستغرب إذا وجدنا معدي تقرير الحرب الناعمة في رؤية الخامنئي يقدمون التوصية التالية:
“ولهذا ينبغي تأسيس مراكز أبحاث وكليات ومعاهد لدراسة الحرب الناعمة وتدريب كوادر على أسس هذه الحرب وتخريج عناصر وضباط وقادة يقاتلون في جبهات هذه الحرب، وهذا الأمر تحدث عنه الإمام القائد أعزه المولى عندما شبه أساتذة الجامعات ومراكز البحث العلمي والطلاب المخلصين وعلماء الدين بأنهم قادة وضباط جبهة الحرب الناعمة، وهو كان تشبيها واقعيا ميدانيا وليس تشبيها مجازيا أدبيا أو بلاغيا”.
تطبيق الشيعة وإيران الخميني للحرب الناعمة باستخدام الإعلام
مركزية الإعلام في السياسة الشيعية المعاصرة: يمكن التدليل على مركزية الإعلام في السياسة الشيعية المعاصرة، من خلال النقاط الثلاث التالية:
1- اعتماد ثورة الخميني على الدعاية الإعلامية من خلال أشرطة الكاسيت التي كانت تنقل خطب الخميني لعامة الناس، حتى سميت ثورة الكاسيت، وقد جذبت أنصارا كثرا للثورة وألهبت حماس الجماهير حتى أسقطوا حكم الشاه وعاد الخميني منتصراً.
وقد تميزت خطابات الخميني([9]) تلك بالتركيز على الشاه فقط دون استعداء الآخرين في الداخل (الجيش والجنود) أو في الخارج كالغرب، بل سعى إلى أن يخاطب الجنود ويكسبهم لصفه مما فتح المجال أمامه للانتشار ولم يشكل جبهة مضادة له، كما أنه حرص في خطاباته تلك على تقديم صورة البديل القادم بشكل جذاب وجميل وبأنه عصر الحرية والعدل، مما يدل على دهاء إعلامي خطير، بالطبع كل وعود الخميني للشعب وتطميناته للجيش كانت سرابا وأكاذيب، فقد نصب المشانق لقادة وجنود الجيش، وأدخل الشعب الإيراني في حالة من الضنك والضيق الشديد.
2- ربط مسؤولية الإشراف العام على جهاز الإعلام في إيران بالمرشد الأعلى من خلال الدستور الإيراني، حيث ينص الدستور في المادة 175: على أنه “يجب تأمين حرية النشر والإعلام طبقاً للمعايير الإسلامية ومصالح البلاد في الإذاعة والتلفزيون.
– يتم تعيين رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران وإقالته من قبل قائد الثورة”([10]).
وهذا يدل على محورية دور الإعلام في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية.
3- لعل مما يؤكد هذا الدور المركزي للإعلام في السياسة الشيعية والإيرانية تصريح المرشد الحالي علي خامنئي الذي يقول فيه: “وسائل الإعلام في هذا العصر لها قدرة تدميرية تعادل القنبلة الذرية”([11])، وقالوا في شرح هذا التصريح: “لا نكون في موقع المبالغة إذا حددنا أن كل فضائية معادية تعادل سرب طائرات أو حاملة طائرات في قوتها الناعمة في سياق معادلات هذه الحرب الجديدة، وكل موقع أو شبكة إنترنت تعادل مدفعا ثقيلا في قوتها الناعمة، وكل مقالة أو تصريح يعادل قذيفة صاروخية في قوته الناعمة، كما أن كل تصريح أو خطاب لقائد من قادة الفتنة يوازي كمينا بعبوة ناسفة متفجرة في قوته الناعمة. فهذه هي أسلحة الحرب الناعمة”.
توظيف الإعلام في السياسة الشيعية والإيرانية
في عهد الخميني: سعت إيران منذ بداية عهد حكم الخميني والملالي إلى الدعاية لثورتهم وفكرهم عبر المجلات لكونها الوسيلة الأفضل للتواصل مع الشعوب العربية في تلك المرحلة، فقد كانت إيران تصدر عددا من المجلات الدعائية بعناوين جذابة على غرار مجلة “الوحدة الإسلامية” و”التوحيد” و”الهدي” وغيرها، والتي كانت توزعها السفارات الإيرانية مجاناً ويتلقفها الشباب بلهفة، وكان لهذه المجلات دور في إيجاد شعبية لإيران والخميني لدى قطاع كبير خاصة من الطلبة بل وفي تشيع عدد منهم، وقد حدث هذا في تونس على سبيل المثال.
كما أن إيران الخميني استبدلت مسار القسم العربي في إذاعة طهران من الدعاية لفكر الشاه لبث فكر تصدير الثورة الخمينية.
اهتمت إيران الخميني بالإعلام مبكرا فاعتنت “بهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانيّة IRIB والتي تشمل أكثر من 35 قناة إذاعيّة وتلفزيونيّة حكوميّة، وتضم حالياً أكثر من 25000 موظف، تأسّست عام 1966، كان يرأسها منذ عام 1996 ولمدة عشر سنوات رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني قبل أن يكلف برئاستها عام 2005 العميد في الحرس الثوري المهندس عزت الله ضرغامي، ومما قاله خامنئي في قرار تكليف ضرغامي: “بالنظر لإمكانياتكم وتجاربكم ومعرفتكم الواسعة بشؤون هذه المجموعة الكبيرة والمؤثرة، أعينكم رئيسًا لهيئة الإذاعة والتليفزيون لمدة خمس سنوات”.
ويَعتبر ضرغامي أن هيئة الإذاعة والتليفزيون، أحد الأركان الأساسيّة للنظام، بعد أن جمع إلى نفوذه في السينما، والمسرح والموسيقى، والصحافة، نفوذاً على أكبر هيئة ثقافيّة إعلاميّة قوميّة. والعميد ضرغامي (غوبلز إيران) هو أحد المشاركين مع نجاد في احتلال السفارة الأمريكية في طهران عشية انتصار الثورة، وهو أحد أركان مجموعة المسؤولين المعتقدين في الولاية المطلقة للفقيه، من غير علماء الدين”([12]).
ويختصر علينا د. عصام السيد عبد الحميد البحث الطويل حول التوظيف السياسي للإعلام الإيراني فيقول: “وقد جرى تكثيف الخطاب الصحفي الخارجي بوصفه أداة من أدوات السياسة الخارجية خاصة في وقت الأزمات الدولية مثلما هو الحال في حالة إيران مع جيرانها وعلاقاتها الخارجية”([13]).
القنوات الفضائية: بحسب دراسة الفضائيات الشيعية التبشيرية([14]) هناك 33 قناة شيعية عربية على قمري عرب سات ونايل سات، تبث من إيران والكويت والعراق ولبنان، وهي تتبع لجهات ومرجعيات شيعية مختلفة، أغلبها على علاقة بإيران، والقليل منها يتبع التيار الشيرازي أو الشيعة الشيخية التابعين لمرجعية الإحقاقي.
وتعتبر قناة (سحر) التي أصبحت اليوم تحمل اسم قناة الكوثر الإيرانية أول بداية للإعلام الفضائي الشيعي المنظم حيث ظهرت عام 1980، عقب الثورة الإيرانية بأشهر قليلة جداً، وكانت تبث ساعة واحدة ثم أصبح بثها 18 ساعة([15]).
وتتنوع هذه الفضائيات الشيعية والإيرانية بين فضائيات دينية وهي نوعان: نوع يعتمد المواربة ويدعي التقريب والوحدة، ونوع صريح في نشر التشيع بخرافاته وغلوه، وقنوات سياسية إخبارية، وقنوات للأطفال، وقنوات فنية، وقنوات تنطق بلسان أحزاب شيعية في لبنان والعراق واليمن، وقنوات تعليمية.
ولم تقتصر إيران على إنشاء قنوات بالفارسية والعربية، بل أصبح لها قنوات بلغات عديدة مثل الإنجليزية والفرنسية والأفغانية واللهجات الأفريقية.
تحرص إيران والقوى الشيعية على تكوين أذرع إعلامية في أي بلد يستهدفونه، وذلك للدور الهام لهذه المؤسسات الإعلامية في تسويق الرؤية الشيعية/ الإيرانية في قضايا الدين والسياسة، وتشكيل حاضنة شعبية بين النخب والجمهور، وفيما يلى بعض الأمثلة العملية على ذلك:
1-أفغانستان: فها هي أفغانستان التي ضحى المسلمون كثيرا من أجل تحريرها من الشيوعية الروسة، تقع فريسة سهلة بيد التشيع، إذ أصبح فيها عشرات المؤسسات الإعلامية الشيعية، يقول غلام حسين موحدي، أحد كبار دعاة الشيعة هناك: “أدرك الشيعة الأفغان أهمية الإعلام وأنه سلاح العصر ويجب التعامل معه على هذا الأساس، فهم وبدعم خارجي سواءً من أمريكا وبريطانيا وفرنسا أو بدعم حكومي وشعبي من إيران أكثر فاعلية في القطاع الإعلامي، فعلى سبيل المثال خمس من القنوات الفضائية المهمة من بين أربع عشرة قناة في البلاد يملكها الشيعة مثل قناتي طلوع (الشروق) ولمر (الشمس) يملكها الشيعة الإسماعيلية بدعم وتمويل مباشر من زعيم الطائفة الإسماعيلية كريم أغاخان، إضافة إلى قناتي آريانا الوطنية وآريانا العالمية اللتين يملكهما رجل الأعمال الشيعي إحسان بيات، وأما القناة الخامسة واسمها (تمدن) أي الحضارة فيشرف عليها المرجع الشيعي المشهور في أفغانستان آيت الله آصف محسني، وهي من أشهر وأخطر القنوات الفضائية الدينية في أفغانستان، نظرًا لكثافة وتنوع برامجها الدينية إلى جانب الإعداد الجيد، والتطور المستمر في شمولية موادها.. ولا شك أن هذه القناة رافد مهم لنشر المذهب الشيعي في أفغانستان.
أما عن المؤسسات الإعلامية الشيعية والجرائد والمجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية فحدِّث ولا حرج، وبناءً على مسحٍ ميداني قام به أحد المشتغلين بالإعلام في العاصمة الأفغانية كابول فإن نصف الجرائد والمجلات الموجودة في السوق تقريبًا تصدر من قبل الشيعة. وقد حرص الشيعة بدعمٍ من إيران وغيرها من الدول على العمل في قطاع السينما، والدليل على ذلك أنه في المهرجانات السينمائية التي تقام في مدينتي كابول ومزار شريف يكون للأفلام السينمائية التي ينتجها المخرجون الشيعة نصيب الأسد”([16]).
2-الكويت: وفي الكويت دعم الشيعة رجلا شيعيا إيرانيا مجهولا تجنس بالواسطة ليصبح إمبراطور الإعلام في الكويت ويملك العديد من الصحف والقنوات، وهو المدعو محمود حيدر([17]).
3-المغرب: وفي المغرب مؤخرا سُمح للشيعة بترخيص مؤسسة رسمية لهم ذات طابع بحثي وإعلامي، وهذا يدل على وجود رؤية واضحة للغزو والتغلغل في المجتمع المغربي([18]).
4-قناة الميادين: ولعل إنشاء إيران لقناة الميادين([19]) سريعاً عقب بداية الربيع العربي والتصادم مع سياسة قناتي الجزيرة والعربية في رفض تمرير انقلاب شيعة البحرين تحت شعار الربيع العربي، يدل على مقدار الاهتمام بوجود قناة عربية تنقل رؤية إيران للواقع العربي ومتغيراته وتكون أكثر تحررا وانفتاحا في الضوابط الشرعية للوصول لشرائح غير ملتزمة، وفعلا استقال غسان بن جدو -المتشيع سياسيا وقد يكون عقديا- من قناة الجزيرة في 24/4/2011، وبدأت قناة الميادين المدعومة من إيران وحزب الله بالبث في 11/6/2012.
إن لقناة الميادين دورا مهما في ترويج الإشاعات عن الثورة السورية كفرية جهاد النكاح، وقد تسبب هذا في استقالة مذيعة الميادين في تونس مليكة الجباري، أو التغطية على جرائم الحوثيين، مما حدا بمذيعة الميادين منى صفوان في اليمن إلى الاستقالة بعد منع حلقة استضافت فيها صحفيا انتقد اعتداءات الحوثيين على الإعلاميين.
جوانب من استراتيجية الغزو الإعلامي ناعم من قبل الشيعة وإيران
1- الحرص على استمرار وصول بث القنوات الشيعية والإيرانية للمجتمعات السنية، ويتمثل ذلك في ردة فعل إيران القوية والسريعة على قرار شركتي النايل سات والعرب سات بإيقاف بث قناة العالَم سنة 2009، بسبب سياسة القناة الإيرانية والمحرضة ضد الدول العربية، حيث اعترضتا بشدة، ومن ثم قامتا بالبث على القمر الأوربي الذي يلتقط في العالم العربي، وأيضا واصلت اتصالاتها حتى عاد بثها من النايل سات والعرب سات بعد مدة قصيرة.
2- الحرص على تعدد المنابر الإعلامية وتنوعها في المضمون والشكل والجمهور، حتى تصل لأكبر شريحة من جهة، وحتى تكرر الرواية الشيعية والإيرانية في الجانب الديني والسياسي بما يخدم المشروع الشيعي الإيراني.
3- تقوم القنوات الشيعية والإيرانية بنشر التشيع الديني بشكل مباشر أو غير مباشر، أما القنوات المباشرة فهي من مثل قناة فدك التي تتبع للمجرم الهارب ياسر الحبيب، والتي لا تخفي أي شيء من العقائد الشيعية الطائفية والغالية بتكفير الصحابة وأمهات المسلمين والطعن في ثوابت القرآن والسنة بكل وقاحة([20]).
وكذلك كثير من القنوات الشيعية الأخرى التي تنقل خطب ومحاضرات علماء الشيعة والتي تبث أفكاراً في غاية الغلو والطائفية، ويتم اقتطاع كثير من فقرات هذه الخطب والمحاضرات وتنشر في وسائل التواصل الاجتماعي كنماذج للغلو الشيعي.
وهناك قنوات وبرامج تعمد لنشر التشيع بطريقة غير مباشرة، فقناة الكوثر تقدم “برامج دينيّة تبشيريّة للمذهب الشيعي الإثني عشري، وفق الرؤى والأفكار الإيرانيّة (منها برامج: مطارحات في العقيدة ـ أحكام الإسلام ـ حقائق التاريخ ـ عقائد الإسلام ـ المهدي الموعود ـ مرايا الفكرـ الصّادق إمام المسلمين) ومن يتابع تلك البرامج بعين وأذن المراقب يتأكد دون أي مجال للشك أنها تهدف إلى إذكاء التعصب والتشدد المذهبي والطائفي وبث الفتنة من جهة، ومحاولة استمالة أبناء الفرق والمذاهب الإسلاميّة الأخرى نحو التّشيع الإيراني من جهة أخرى.
وبمراقبة المسلسلات التاريخيّة الإيرانيّة المدبلجة للعربيّة على قناة الكوثر، نتأكد أيضاً أن هناك استراتيجيّة ذكيّة وخطيرة تحوّر الحقائق ووقائع التاريخ (كنموذج: مسلسل يوسف الصّديق ـ مسلسل الطريق إلى الرّي) ومسلسلات للترويج لقوة وزارة اطلاعات (المخابرات) والأجهزة الأمنيّة الإيرانيّة في كشف وتتبع شبكات الجاسوسيّة والإجرام، على شاكلة ونموذج المسلسلات البوليسيّة الأمريكيّة، ونلاحظ أن كافة المسلسلات التلفزيونيّة الإيرانيّة المذكورة، تعرض على قنوات أخرى تتبع التوجه الإيراني كقناة الفرات والمنار وغيرهما”([21]).
ويرى الهيثم زعفان([22]) أن القنوات والبرامج التبشيرية الشيعية غير المباشرة تعمد إلى:
أ- تجنب السب المباشر للصحابة وأمهات المؤمنين، مع طرح مغالطات وافتراءات حولهم.
ب- محاصرة المشاهد بجرعة مكثفة من الأجواء الشيعية (اللطم، السواد، البؤس، الأضرحة…).
ج- إمطار المشاهد بسيل من الأحاديث الشيعية الكاذبة.
د- عدم استثناء الأطفال من غزوهم الفكري الديني.
ه- الوقاحة في تقديم وتجسيد شخصيات الأنبياء والصحابة وبطريقة غير محترمة أيضا.
4- برغم تعدد المنابر الإعلامية السياسية الإيرانية والشيعية إلا أنها تصدر عن رؤية مشتركة ليس في الخطوط العريضة بل حتى في معالجة الحدث السياسي الواحد، فهناك مطبخ سياسي/ إعلامي يقوم بتصدير الخبر والفكرة وطريقة علاجه، ويمكن رؤية نماذج تطبيقية لذلك في برنامج DNA الذي يقدمه نديم قطيش على شاشة قناة المستقبل، حيث يستعرض سيلا من التصريحات للإعلاميين التابعين لمحور إيران في عدد من الفضائيات حول قضية محددة فإذا هي نفس الجملة ونفس الفكرة !!
5- تقديم رواية متكاملة عن الحدث من عدة زوايا عبر عدة منابر حتى تكاد تصدق من شدة تفاصيلها وتكرارها وهي ليست في الحقيقة إلا سراب، وتعتمد في ذلك على:
الإغراق، التلفيق، قلب الحقائق، تحريف الحقائق، وقصة انقلاب شيعة البحرين تحت ستار الربيع العربي أفضل مثال لذلك([23]).
6- استغلال القضايا الإسلامية المركزية والمتفق عليها بين الجميع لتمرير المشروع الشيعي الإيراني، ومن أهم هذه القضايا التي استخدمت لتمرير الأجندة الشيعية والإيرانية: القضية الفلسطينية، شؤون المسلمين خاصة الكوارث والحروب، تعظيم آل البيت، ويتبدى هذا مثلاً في قناة العالَم و”السّياسة البرامجيّة والإخباريّة والخط التحريري العام (برامج منها: من طهران ـ من العراق ـ الإمبراطوريّة السّادسة ـ مع الحدث ـ الرّأي الأول ـ العين الإسرائيليّة ـ المحور.. إلخ)([24]).
7- توظيف الكتاب والإعلاميين من تيارات غير شيعية أو إسلامية أصلا للترويج للمشروع الإيراني الشيعي، جاء في وثيقة سرية إيرانية([25]) بخصوص الإستراتيجية الإعلامية الإيرانية المطلوبة لهذه المرحلة ما يلي: “إن من المهم أن ندرك بأن ثمار ما زرعناه في البلدان العربية منذ عقود من الزمن بعد الثورة الإسلامية، قد نضجت وحان وقت قطافها، مما يجعل استثمار رصيدنا العربي من الكتاب والمثقفين والساسة العرب، الذين عرف عنهم معاداة أمريكا في المراحل الماضية والوقوف ضد غزو العراق، ودعم ما يسمي بـ (المقاومة العراقية) الصدامية الوهابية ضرورة حاسمة، وخصوصا زج رصيدنا العربي مباشرة في الرد على خصومنا وجعلهم يتصدون للكتاب والصحفيين المناصرين للصّداميين والوهابيين أو العفالقة والوهابيين أنفسهم.
لقد حان وقت تحرك هؤلاء لأنهم يحظون بسمعة طيبة خصوصا في الأوساط المساندة للصداميين والوهابيين مما يخلق ارتباكا في صفوف مناهضي جمهورية إيران الإسلامية”([26]).
ثم فصلت الوثيقة كيفية توظيف هؤلاء المرتزقة الإعلاميين فقالت: “لتجنب كشف أو عزل أنصارنا من الكتاب العرب، يجب توزيع الأدوار بينهم بدقة، وعدم جعل أحدهم أو بضعة منهم يقومون بكل العمل الإعلامي المطلوب”([27]).
وكانت بداية هذا الاختراق لصفوف الإعلاميين القوميين على يد حزب الله، يقول أمير سعيد: “لا شك أن حزب الله قد نجح قبل الحرب وخلالها أن يوجد قواسم مشتركة مع التيار القومي بتنوعاته المختلفة… في مصر تحديداً أرفقت بعض الصحف القومية ملاحق لزعيم حزب الله وحاولت بعض الصحف اعتساف صورة قومية لحسن نصر الله”([28]).
ولعل مكتب قناة المنار في القاهرة من أبرز الأمثلة على هذا التوظيف للقوميين والناصريين لخدمة المشروع الشيعي الإيراني والدفاع عنه.
8- إسكات منابر الخصوم الإعلامية وهي سياسة تكررت كثيراً، سواء على الصعيد الإيراني حيث يتم إغلاق الصحف والمجلات واعتقال الصحفيين دوما في صراعات الأجنحة السياسية الإيرانية.
وأيضا حين لا تعجب الشيعة أي مادة إعلامية فإنهم يحتجون بل ويقتحمون المؤسسات الإعلامية، ففي الكويت في عام 2007 تم مهاجمة مقر إحدى القنوات بسبب اعتراض الشيعة على مسلسل تلفزيوني، وفعلا تم إيقاف المسلسل!([29]).
وفي لبنان وعقب اجتياح حزب الله لبيروت عام 2008 تم مباشرةً مهاجمة منابر خصومه من السنة، حيث تم اقتحام مقر قناة المستقبل، كذلك استولى الحزب على مقر صحيفة المستقبل وأشعل المسلحون النيران فيها، كما أن إذاعة الشرق أوقف بثها.
وقد تجلى هذا مؤخراً في اليمن حيث قام الحوثيون بالاستيلاء على قناة سهيل التابعة لحزب الإصلاح اليمني الممثل لجماعة الإخوان المسلمين يوم 22/8/2014 وحتى يوم 3/11/2014، حيث سلموه لأصحابه لكن بعد أن عاثوا فيه فسادا وتدميرا ونهبا لمحتوياته، فضلا عن إيقاف بث القناة طيلة تلك الفترة، وقد تكرر الإيقاف والاعتداء والخطف لبعض العاملين والإعلاميين في القناة لمدد متفاوتة.
9- المعيار الطائفي هو المقدم على أي شيء، فبرغم أن إيران والقوى الشيعية تتمسح بالقضية الفلسطينية وتتخذ منها وسيلة لاختراق صفوف المسلمين وكسب شعبية بينهم، إلا أن ذلك لا يكون على حساب الغلو الشيعي الطائفي، فقد رفض مراسل قناة تي برس في غزة بناء على توجيهات من إدارة القناة بإجراء أي تحقيق إعلامي أو متابعة خبرية لجريمة إسرائيل بقصف مدرسة في غزة، والتي راح فيها عدد من الأطفال والضحايا الأبرياء، وكان هذا الرفض فقط لأن المدرسة تحمل اسم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه([30])!!
وهذا يؤكد وجود رؤية إعلامية كلية ومركزية تتحكم بكامل المشهد الإعلامي، وتعمل على إسقاط رموز الإسلام الكبار من المشهد ولو في قضية جزئية مثل هذه، فمن سينتبه لاسم المدرسة مع وجود الأشلاء والضحايا؟ ولكنه الحقد الطائفي البغيض الذي يسعى لطمس حتى مجرد ذكرهم في اسم مدرسة أو شارع.
10- هناك تفاعل وتناغم عجيب بين ما تبثه وسائل الإعلام الشيعية والإيرانية من أكاذيب وافتراءات، وبين ما يتم تداوله في الشارع الشيعي في أي مكان، مما يكاد يخلق حالة كاملة من الوهم لدى الشارع الشيعي بل ويمتد لكثير من قطاعات السنة التي تتعرض للإعلام الشيعي والإيرانى أو تحتك بالشارع الشيعي خاصة إذا كان عندها تساهل مع الشيعة وعدم وعي بعقيدتهم وسياساتهم الطائفية([31]).
11- يزاوج الإعلام الشيعي والإيراني بين خطاب أبناء الطائفة الذي يهدف لشحنهم وشحذهم خلف سياسة إيران الشيعية، وبين خطاب الرأي العالمي، حيث يلجأ إلى مخاطبته بالقيم المشتركة والإنسانية، في مكر وخبث كبيرين([32]).
12- يتم تدريب الكوادر الإعلامية عبر مؤسسات متخصصة، ولا يسمح لأحد أن يتصدر للحديث باسم إيران إلا لمن تم تأهيله لهذه المهمة، وتجد أنهم يستخدمون تكتيكا موحدا للتخلص من الهجوم على إيران والشيعة، ويتمثل في: توقع طرح الإشكالات وتحضير الرد عليها مسبقاً ولو كانت غير مقنعة، والتطويل والتشعب في الإجابة بحيث يخرج عن نطاق السؤال، والتركيز على قضايا فرعية خارجة عن صلب الموضوع([33]).
ولعل في المتحدثين الإعلاميين لجماعة الحوثي ما يؤكد الاستعداد والاهتمام المسبق بصنع الكوادر الإعلامية.
الخاتمة:
تبين لنا بكل وضوح أن الشيعة وإيران يديرون معركة إعلامية مركزة وقوية، ويحشدون لها أفضل الطاقات، ويضخون فيها مبالغ ضخمة جداً، وقد كانت النتيجة حصولهم على شعبية جارفة في المنطقة العربية والأمة الإسلامية، صحيح أنها تضررت بشكل كبير عقب فضح طائفيتها في الثورة السورية، إلا أنها ما تزال تخدع قطاعا واسعا من المسلمين والناس، ولا تزال خيانة وغدر وعدوان وإجرام إيران والشيعة بحق الشعب العراقي والسوري واللبناني واليمني وغيرهم قضية جدلية تقبل النقاش والأخذ والرد عند قطاعات من العرب والمسلمين.
أما على الصعيد الدولي والعالمي فقد تمكنت إيران من إقناع دول كثيرة بكونها معتدلة ومحاربة للتطرف السني (داعش)، وأنها جزء من استقرار المنطقة، ومنها تمكنت من تعويم دميتها بشار الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن.
التوصيات:
1- يجب الاهتمام البالغ بصد الحرب الإعلامية التي تشنها إيران والقوى الشيعية علينا.
2- يجب التركيز على بناء كوادر إعلامية تجمع بين المهارة الإعلامية والعمق الشرعي بحقيقة الفكر الشيعي والتحليل السياسي الدقيق للسياسات الشيعية والإيرانية، ولذلك يجب العمل على مسارين: تزويد الدعاة والعلماء المقاومين للتشيع بالمهارات الإعلامية، وتزويد الإعلاميين المقاومين للتشيع بالمعرفة اللازمة عن التشيع عقيدة ودين، وسياسة وحركة ودور.
وقد شكل كلٌّ من د. محمد الهاشمي مالك قناة المستقلة، والإعلامي البارع محمد صابر في قناة صفا، والأستاذ أسامة خضر في قناة وصال، إضافة نوعية للإعلام المتصدي للتشيع، وذلك بعد أن تشبعوا بفهم حقيقة انحراف التشيع، فسخروا قدراتهم الإعلامية بشكل مذهل، حتى خرجت فتاوى مراجع الشيعة بتحريم مشاهدة أمثال هذه القنوات.
3- من الضرورة بمكان إيجاد مطبخ إعلامي سياسي موحد من خبراء إعلاميين ومتمرسين في الشأن الشيعي والإيراني، يقدم المشورة والتوجيه في معالجة الأحداث والمواقف، ويقدم مقترحات للتنفيذ لاقتناص الفرص الإعلامية في الحرب الناعمة، وتعمل بتوصيانه كافة منابر مقاومة التشيع.
4- دعم المؤسسات الإعلامية المقاومة للتشيع والقائمة، مع رفدها بالطاقات والإمكانيات، وفسح المجال لظهور منابر أخرى لخلق حالة تنافس إيجابي.
5- أهمية تكثير المنابر الإعلامية المقاومة للتشيع، والانفتاح على شرائح أوسع في داخل الأمة الإسلامية والعالم، وبعدة لغات.
6- الاستفادة من الكفاءات الإعلامية والسياسية المناقضة للمشروع الشيعي والإيراني من مختلف التوجهات، وتوظيفها في مصلحتنا، وهي تتميز بمهنية واحتراف نفتقدها، برنامج نديم قطيش مثلاً، برنامج عاكس خط لمحمد الوادعي بقناة سهيل اليمنية.
7- تطهير قنواتنا الإعلامية المختلفة من أبواق إيران الصريحة والمستترة، وهي للأسف كثيرة جداً.
[1] – صحيفة الشرق الأوسط، 12/2/2015.
[2] – موقع أخبار عربية 22/9/2014.
[3] – موقع المشهد اليمني 16/12/2014.
[4] – موقع الخبر اليمني، 27/1/2015.
[5] – مقال وسام الكبيسي “بعد صنعاء إلى أين سيتجه قطار تصدير الثورة الإيرانية؟، على موقع الخليج أونلاين 13/2/2015.
[6] – جاء في ملف “رؤية الإمام الخامنئي نحو الحرب الناعمة”: “وقد حدد كل من جوزيف ناي وهو نائب سابق لوزير الدفاع الأمريكي وجيمس غلاسمان وهو مدير مركز جورج بوش الابن للدراسات والوكيل السابق لهيئة حكام البث الإعلامي الحكومي ومايكل دوران وهو نائب مساعد وزير الدفاع للشؤون الدبلوماسية سابقا وغيرهم من المنظرين الاستراتيجيين الذين عالجوا الحالة الإيرانية السيناريوهات الموضوعة أمام القيادة الأمريكية للتعامل مع النظام في إيران حاصرين إياها في أربعة احتمالات:
1ـ المواجهة العسكرية المكلفة جدا بسبب جغرافية وتضاريس إيران وإمكاناتها.
2ـ التسوية السياسية، وهذا الأمر غير مرغوب فيه من طرف الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل.
3ـ الحرب الناعمة بهدف “تغيير شخصية القيادة الإيرانية” وهو الحل الذي رجحه أغلب الخبراء.
4ـ ترك إيران تتقدم في هذه المنطقة المهمة من العالم وهذا الأمر مستحيل”.
لكن يبدو أن السياسة الإيرانية الناعمة جعلت الرئيس الأمريكي باراك أوباما ينفذ المستحيل!!
[7] – على الرابط التالي: http://alwelayah.net/?p=12722
[8]– موقع شبكة المعارف الإسلامية،
http://www.almaaref.org/pagedetails.php?supcat=6&pageid=37
[9] – انظر كتاب دوائر نفوذ الولي الفقيه، د. يوسف محمد الشيخ، إثراء للنشر والتوزيع، عمان ط1، 2015، صفحات:73، 79، 103، 112، 133.
[10] – المصدر السابق، ص 149.
[11] – تقرير رؤية الإمام الخامنئي نحو الحرب الناعمة، مصدر سابق.
[12] – مقال: استراتيجيّات الإعلام الإيراني الموجّه للعالم العربي، فهد الأرغا المصري، موقع الحوار المتمدن 7/2/2010.
[13] – الخطاب الإعلامي للثورة الإيرانية وأثره على العلاقات الخارجية، د عصام السيد عبد الحميد، عين للدراسات والبحوث، القاهرة، ط1، 2006م، ص 166.
[14] – الفضائيات الشيعية التبشيرية دراسة وصفية مع تحليل محتوى قناة الكوثر الإيرانية، إعداد الهيثم زعفان، مركز التنوير للدراسات الإنسانية، القاهرة ، ص 18.
[15] – المصدر السابق، ص 21، 115.
[16] – في مقابلة معه نقلتها صفحة الشيخ سلمان العودة على موقع الإسلام اليوم، على الرابط التالي:
http://www.islamtoday.net/salman/services/saveart-13-125448.htm
[17] – من هو محمود حيدر، موقع الشيخ عثمان الخميس، على الرابط التالى:
http://www.almanhaj.com/vb/showthread.php?t=15056
[18] – تم الترخيص في شهر 2/2015، الخبر على الرابط التالي:
http://ar.yabiladi.com/articles/details/33610/%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%8A.html
[19] – مقال: القصة كاملة: ماذا تعرف عن «غسان بن جدو» مالك قناة الميادين؟!، موقع شام لايف 25/5/2014.
[20] – تم مساءلة القناة رسميا في بريطانيا بخصوص إثارتها للطائفية في شهر 4/2014.
[21] – مقال استراتيجيات الإعلام الإيراني، مصدر سابق.
[22] – الفضائيات الشيعية، مصدر سابق، ص 11.
[23] – دوائر نفوذ الولي الفقيه، مصدر سابق، ص 234، 541.
[24] – مقال استراتيجيات الإعلام الإيراني، مصدر سابق.
[25] – نشرت في كتاب بعنوان: قراءة في الخطة السرية الإعلامية الإيرانية، ضمن سلسلة كتب موقع الراصد رقم 5، ط1 2009، وتتوفر نسخة الكترونية منها في موقع الراصد، نافذة الإصداراتwww.alrased.net
[26] – ص 9.
[27] – ص 15.
[28] – حرب بلا نصر، أمير سعيد، مركز الرسالة للبحوث والدراسات، القاهرة، ص 133.
[29] – http://www.bahrainonline.org/showthread.php?t=183835&page=2
[30] – http://www.haqeeqa.net/Subject.aspx?id=1447
[31] – دوائر نفوذ الولي الفقيه، مصدر سابق، ص 584.
[32] – المصدر السابق، ص 225.
[33] – المصدر السابق، ص 184.
1,280 total views, 5 views today
الوسوم: إيران, الإعلام, الحرب الشيعية, مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيحية
التنصيف : دراسات