داود
هو داود بن ايشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عويناذب بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عبد الله ونبيه، وخليفته في أرض بيت المقدس.
قال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه:
كان داود عليه السلام قصيراً، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب ونقيه. تقدم أنه لما قتل جالوت، وكان قتله له فيما ذكر ابن عساكر عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر، فأحبته بنو إسرائيل ومالوا إليه وإلى ملكه عليهم، فكان من أمر طالوت ما كان وصار الملك إلى داود عليه السلام، وجمع الله له بين الملك والنبوة بين خير الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط، والنبوة في آخر، فاجتمع في داود هذا وهذا.
هو الملك النبي داود أحد أنبياء بني إسرائيل، ينتهى نسبه إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ـ عليهم السلام.
ولد في القرن العاشر قبل الميلاد تقريبا، أي بعد نبي الله إبراهيم بما يقارب ألف سنة، وقد وُصف في بعض المرويات بأنه كان أزرق العينين، قليل الشعر.
كان حدادًا يصنع الدروع ويتقن صنعها، وعبدًا من عباد الله تقيًا مهديًا، آتاه الله المُلْك والحُكْمَ والنبوة، وأثنى عليه فيمن أثنى عليهم في قرآنه العظيم بقوله: (أولئك الذين هدى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ..).
وأثنى عليه النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: "أَحَبُّ الصلاة إلى الله صلاة داود ـ عليه السلام ـ وأَحَبّ الصيام إلى الله صيام داود؛ كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يومًا ويفطر يومًا".
وكان ـ عليه السلام ـ يأكل من عمل يده، ولا يُخلف إذا وعد، ولا يَفر إذا لاقَى.
أحوال عصره:
قام نبي الله موسى، وأخوه النبي هارون ـ عليهما السلام ـ بأمور بني إسرائيل حتى ماتا، فخلفهما على بني إسرائيل يوشع بن نون إلى أن مات، وبقي شأن بني إسرائيل في معصية وضعف، حتى امتن الله عليهم بنبي من ورثة هارون ـ عليه السلام ـ فطلب منه بنو إسرائيل أن يقيم لهم مَلِكًا يقودهم لقتال أعدائهم، من العماليق وغيرهم، وكان داودُ يومئذ صغير السن قليل الشهرة، معدودًا في الجنود، وقد أخبرهم نبيهم باصطفاء الله ـ تعالى ـ طالوتَ ملكًا عليهم؛ بما أوتي من بسطة في العلم والجسم، وقادهم طالوت الملك لقتال جالوت وجنوده، فانتصروا بعد اختبار، وكان داود ـ عليه السلام ـ صاحب دور كبير في تحقيق هذا النصر.
أعماله:
شارك داود ـ عليه السلام ـ جنديًا في جيش الملك طالوت؛ لقتال العماليق، وواجه ملكَهم جالوت نفسه، ووفقه الله تعالى إلى قتله، فانهزم جيش جالوت، وانتصر طالوت ومن آمن وصبر معه.
واكتمل فضل الله على عبده داود، فتولى الملك - بعد طالوت - على بني إسرائيل، وآتاه الله النبوة، وشدّ اللهُ ملكَه، وآتاه الحكمة وفصلَ الخطاب، وعلَّمه صناعة الدروع السابغاتِ المتقنة الصنعة؛ للتوقى من صولات الأعداء، فكان خير ممتثل لأمر الله.
مواقفه:
عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "كان داود النبي فيه غيرة شديدة، وكان إذا خرج أُغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع. فخرج ذات يوم وغُلِّقت الدار، فأقبلت امرأته تطَّلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل الدار والدار مغلقة؟! والله لتُفْتَضَحُنَّ بداود. فجاء داود فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال له داود: من أنت؟ قال: أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمتنع مني شيء!! فقال داود: أنت والله مَلَكُ الموت، فمرحبا بأمر الله، فرمل داود مكانه حيث قُبضت روحه" (رواه أحمد).
صلته بالقدس:
كان دواد ـ عليه السلام ـ واحدًا من القلّة التي اسْتَبَانَ الملكُ طالوتُ ثباتها وإيمانها، فخاض معه المعركة الكبيرة ضد جالوت وجنوده المسيطرين على الأرض المقدسة، وأجرى الله ـ تعالى ـ النصر على يديه بقتله لجالوت ملك الأعداء، وصار مَلِكًا ونبيًّا يُوحَى إليه، فقاد بَنِي إسرائيل وغَزَا بهم المدينة المباركة، وكانت مُقامة على الجانب الشرقي، فشيد في الجانب الغربي قصرَه وأبنيةً جديدة كادت تمثل مدينة أخرى، مستعينًا في ذلك بأهل بيت المقدس ذوي الأصول الساميّة العربية غالبًا.
وظلت القدس تحت حكمه عاصمةً لمملكته الموحدة لمدة أربعين سنة، ازدهرت فيها المملكةُ برَوَاجٍ تجاري بموانيها في البحر المتوسط وخليج العقبة.
وفاته:
وجد داود ملك الموت في بيته، وظنه رجلا غريبا، فلما عرفه، وأنه أتى قابضا، رحب بأمر الله، فقُبضت روحه، وطلعت عليه الشمس. فقال سليمان للطير: أظلي على داود، فأظلّت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض، فقال لها سليمان: اقْبِضي جناحًا جناحًا.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: مات داود ـ عليه السلام ـ فجأة، وكان بسبْتٍ، وكانت الطير تظله.
وقيل: شَيَّع جنازته ـ عليه السلام ـ أربعون ألف عابد، عليهم البرانس، فضلاً عن غيرهم من الناس.
ولم يجزع بنو إسرائيل بعد موت موسى وهارون لموتٍ أحد أشدَّ من جزعهم لموت داود ـ عليه السلام ـ الذي قُبض وعمره مائة سنة - فيما يقال.
كما قال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
وقال تعالى: {... وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}
أعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلة من الأعداء، وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها فقال:
{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي: لا تدق المسمار فيفلق، ولا تغلظه فيفصم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أفضل الصيام صيام داود، وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتا يكون فيها، وكانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه، ويبكي ببكائه كل شيء، ويصرف بصوته الهموم والمحموم)).
وإن شئت أنبأتك بصوم ابنه سليمان، فإنه كان يصوم من أول الشهر ثلاثة أيام، ومن وسطه ثلاثة أيام، ومن آخره ثلاثة أيام، يستفتح الشهر بصيام، ووسطه بصيام، ويختمه بصيام.
وإن شئت أنبأتك بصوم ابن العذراء البتول عيسى بن مريم، فإنه كان يصوم الدهر، ويأكل الشعير، ويلبس الشعر، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد، ليس له ولد يموت، ولا بيت يخرب، وكان أينما أدركه الليل صفَّ بين قدميه، وقام يصلي حتى يصبح، وكان رامياً لا يفوته صيد يريده، وكان يمر بمجالس بني إسرائيل فيقضي لهم حوائجهم.
وإن شئت أنبأتك بصوم أمه مريم بنت عمران، فإنها كانت تصوم يوماً، وتفطر يومين.
وإن شئت أنبأتك بصوم النبي العربي الأمي - محمد صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ويقول: ((إن ذلك صوم الدهر)).
بعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــده
Shaban Mubar