[rtl]آثار الحضارة الإسلامية في التاريخ – د. مصطفى السباعي (2/2)[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]ثالثها: في ميدان اللُّغة والأدَب: [/rtl]
[rtl]
فقد تأثر الغَربيُّون -خاصَّة شعراء الإسبان- بالأدَب العَربي تأثرًا كبيرًا؛ فقد دخل أدب الفُرُوسيَّة والحماسة، والمجاز والتَّخيُّلات الراقية البديعة إلى الآدَاب الغَربية، عن طريق الأدَب العَربي في الأندَلس على الخصوص؛[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] يقول الكاتب الإسباني المشهور "أبانيز": "إنَّ أوربا لم تكن تعرف الفُرُوسيَّة، ولا تدين بآدابها المرعيَّة، ولا نخوتها الحماسيَّة قبل وفود العَرب إلى الأندلس، وانتشار فُرسانهم وأبطالهم في أقطار الجنوب".[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]ويدلنا على مدى تأثر الادباء الغربيين بالعربيه وادابها فى تلك العصور مانقله لنا دوزي في كتابه عن الاسلام من رساله ذلك الكاتب الاسبانى (الغارو) الذى كان يأسي أشد الأسي لاهمال لغة اللاتين والاغريق والاقبال على لغه المسلمين [/rtl]
[rtl]فيقول ( ان ارباب الفطنه والتذوق سحرهم رنين الادب العربي فاحتقروا اللاتينيه وجعلوا يكتبون بلغة قاهريهم دون غيرها)[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وساء ذلك معاصرا كان على نصيب من النخوه الوطنيه أوفي من نصيب معاصريه فأسف على ذلك مُرّ الاسف وكتب يقول: [/rtl]
[rtl]( ان اخوانى المسيحيين يعجبون بشعر العرب واقاصيصهم ويدرسون التصانيف التى كتبها الفلاسفه والفقهاء المسلمون ولا يفعلون ذلك لادحاضها والرد عليها بل لاقتباس الاسلوب العربي الفصيح [/rtl]
[rtl]فأين اليوم – من غير رجال الدين – من يقرأ التفاسير الدينيه للتوراه والانجيل؟ [/rtl]
[rtl]وأين اليوم من يقرأ الأناجيل وصحف الرسل والأنبياء؟ واأسفاه![/rtl]
[rtl]إن الجيل الناشىء من المسيحيين الأذكياء لا يحسنون أدبا أو لغه غير الأدب العربي واللغه العربيه[/rtl]
[rtl]وانهم ليلتهمون كتب العرب ويجمعون منها المكتبات الكبيره بأغلى الاثمان ويترنمون فى كل مكان بالثناء على الذخائر العربيه [/rtl]
[rtl]فى حين يسمعون بالكتب المسيحيه فيأنفون من الاصغاء اليها محتجين بانها شيء لا يستحق منهم مؤنة الالتفات.[/rtl]
[rtl]فيا للأسى! إن المسيحيين قد نسوا لغتهم فلن تجد فيهم اليوم واحدا فى كل ألف يكتب خطابا الى صديق [/rtl]
[rtl]أما لغه العرب فما اكثر الذين يحسنون التعبير بها على احسن اسلوب [/rtl]
[rtl]وقد ينظمون بها شعرا يفوق شعرالعرب انفسهم فى الاناقه وصحه الاداء)[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]ومِن عباقرة الأدَب في أوربا في القرن الرابع عشر وما بعده - مَن لا يُشَكُّ أبدًا في تأثير الآدَاب العَربية على قصصهم وآدابهم؛ [/rtl]
[rtl]ففي سنة 1349هـ كتب "بوكاشيو" حكاياته المُسماة بـ "الصباحات العشرة"، وهي تَحذو حذو ألف ليلة وليلة، ومنها اقتبس شكسبير موضوع مسرحيته "العبرة بالخواتيم"، كما اقتبس لسنغ الألماني مسرحيته "ناتان الحكيم".[/rtl]
[rtl]وكان شوسر إمام الشعر الحديث في اللغة الإنجليزية أكبر المقتبسين من بوكاشيو في زمانه؛ فقد لَقِيَه في إيطاليا، ونظم بعد ذلك قصصه المشهورة باسم (حكايات كانتربري).[/rtl]
[rtl]أما (دانتي)، فيؤكد كثيرٌ من النُّقاد أنَّه كان في (القصَّة الإلهيَّة) -التي يصف فيها رحلتَه إلى العالم الآخر- متأثرًا برسالة الغفران للمعرِّي، ووصف الجنة لابن عربي.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]ذلك انه اقام فى صقليه على عهد الامبراطور فريدريك الثاني الذى كان مولعا بالثقافه الاسلاميه ودراستها في مصادرها العربيه وقد دارت بينه وبين داتني مساجلات فى مذهب ارسطو كان بعضها مستمدا من الاصل العربي[/rtl]
[rtl]وكان دانتي يعرف شيئا غير قليل من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) فاطلع منها على قصة المعراج والاسراء ووصف السماء.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]أما بترارك فقد عاش في عصر الثقافه العربيه بايطاليا وفرنسا وطلب العلم في جامعتي مونبلييه وباريس وكلتاهما قامتا على مؤلفات العرب وتلاميذهم في الجامعات الاندلسيه.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وقد تأثرت القصَّة الأوربيَّة في نشأتها بما كان عند العَرب من فنون القصص في القُرُون الوسطى، وهي المقامات، وأخبار الفُرُوسيَّة، ومُغامرات الفرسان في سبيل المجد والعِشق، [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وكان لألف ليلة وليلة -بعد ترجمتها إلى اللُّغات الأوربيَّة في القرن الثاني عشر- أثرٌ كبيرٌ جدًّا في هذا المجال؛ حتَّى إنها طُبعت منذ ذلك الحين حتَّى الآن أكثر من ثلاثمائة طبعَة في جميع لُغات أوربا؛[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] حتى لَيرى عددٌ من النُّقاد الأوربيين أن رحلات (جليفر) التي ألَّفها (سويفت)، ورحلة (روبنسون كروزو) التي ألفها (ديفوه) - مدينة لألف ليلة وليلة، ولرسالة "حي بن يقظان" للفيلسوف العَربي ابن طفيل.[/rtl]
[rtl]ولايشك أحد فى ان هذه الكثره الهائله لطبعات ألف ليله وليله دليل على اقبال الغربيين على قراءتها ومن ثم التأثر بها.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]ولا حاجة بنا إلى أنْ نذكر ما دَخَل اللُّغات الأوربية على اختلافها منْ كلمات عربيَّة في مُختلف نواحي الحَيَاة؛ حتَّى إنها لتكاد تكون كما هي في اللُّغة العَربية:[/rtl]
[rtl] كالقطن، والحرير الدِّمشقي، والمسك، والشراب، والجرة، والليمون، والصِّفر، وغيرها مِمَّا لا يُحصى.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وحسبنا فى هذا المقام قول للاستاذ ماكييل :[/rtl]
[rtl](كانت أوربا مدينه بأدبها الروائي الى بلاد العرب والى الشعوب العربيه الساكنه فى النجد العربي السوري تدين بأكبر قسم أو بالدرجه الرئيسيه لتلك القوى النشيطه التى جعلت القرون الوسطي الاوربيه مختلفه روحا وخيالا عن العالم الذى كان يخضع لروحه)[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]رابعها: في ميدان التَّشريع: [/rtl]
[rtl]
فقد كان لاتِّصال الطُّلاب الغَربيِّين بالمدارس الإسلامية في الأندلس وغيرها - أثرٌ كبيرٌ في نقل مجموعة من الأحكام الفقهيَّة والتشريعيَّة إلى لُغاتِهم، [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]ولم تكن أوربا في ذلك الحين على نظام مُتقن ولا قوانين عادلة؛[/rtl]
[rtl] حتَّى إذا كان عهد نابليون في مصر ترجمَ أشهر كُتُب الفقه المالكي إلى اللُّغة الفرنسيَّة، [/rtl]
[rtl]ومن أوائل هذه الكتب "كتاب خليل"، الذي كان نواة القانون المدني الفَرَنسي، [/rtl]
[rtl]وقد جاء مُتشابهًا إلى حدٍّ كبير مع أحكام الفقه المالكي،[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] يقول العلامة "سيديو": "والمذهب المالكي هو الذي يستوقفُ نظرنا على الخُصُوص؛ لما لنا من الصِّلات بعرب إفريقيَّة، وعهدت الحُكُومة الفرنسيَّة إلى الدكتور بيرون في أن يُترجم إلى الفرنسيَّة كتاب "المختصر في الفقه"، للخليل بن إسحاق بن يعقوب المتوفى سنة 1422م".[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]خامسها: في مفهوم الدَّولة وعلاقة الشَّعب بالحكومة: [/rtl]
[rtl]
فقد كان العالم القديم والوسيط يُنكر على الشَّعب حقَّه في الإشراف على أعمال حُكَّامه، [/rtl]
[rtl]كما يجعلون الصِّلة بينه وبين الحاكم صلةً بين العبد وسيِّده،[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] فالحاكم هو السيد المطلق يتصرَّف بالشَّعب كما يشاءُ، [/rtl]
[rtl]وكانت المملكة تُعدُّ ملكًا خاصًّا للملك تُورثُ عنه كما تورث بقيَّة أمواله، [/rtl]
[rtl]ويستبيحون من أجل ذلك أن تقوم الحرب بين دولة وأخرى من أجل المُطالبة بحصة أميرة في العرش، أو للخلاف على ميراث الأصهار.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]أمَّا العلاقة بين الأمم المُتحاربة، فهي استباحة الغالب لكُلِّ ما في يد المغلوب، وما في وطنه من مال وعِرض وحُرِّية وكرامَة، [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وظَلَّ الأمر كذلك حتَّى قامت الحضارة الإسلامية تعلن فيما تعلن من مبادئها:[/rtl]
[rtl] أن الشَّعب هو صاحب الحقِّ في الإشراف على حُكَّامه، [/rtl]
[rtl]وأن هؤلاء ليسوا إلاَّ أُجَرَاء يسهرون على مصالح الشَّعب وكرامَته بأمانة ونزاهة،[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] وفي هذا يقع لأول مرَّة في التاريخ أن يحاسب فردٌ من أفراد الشَّعب حاكمَه عما يلبس، من أين جاء به؟[/rtl]
[rtl] فلا يحكم عليه بالإعدام، ولا يُقاد إلى السجن، ولا يُنفَى من الأرض؛ [/rtl]
[rtl]ولكن يقدم له الحاكم حسابه حتَّى يقتنع ويقتنع الناس!، [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]ولأول مرَّة في التاريخ يقول أحد أفراد الرَّعيَّة لحاكمِه الأكبر: السَّلام عليك، أيُّها الأجير!،[/rtl]
[rtl] فيعترف الحاكمُ بأنَّه أجير الشَّعب، عليه ما على الأجير من حقِّ الخدمة بإخلاص، والنصح بأمانة،[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] أعلنت الحضارة الإسلامية هذا فيما أعلنته وطبَّقته بعد ذلك، فما هي إلا نسمة الحرية والوعي تهبُّ في الشعوب المجاورة للمُجتمع الإسلامي، فتتململ، ثم تتحرَّك، ثم تثور، ثم تتحرَّر[/rtl]
[rtl].[/rtl]
[rtl]وهذا ما وقع فى اوربا فلقد جاء الغربيون الى بلاد الشام في الحروب الصليبيه ورأوا من قبل في ممالك الخلافه الاندلسيه ان الشعوب تراقب حكامها وأن الحكام لا تخضع لاشراف احد غير شعبها[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وقارن الملوك الغربيون بين تحرر ملوك العرب والمسلمين من سلطان اى طبقه الا مجموع الشعب[/rtl]
[rtl]وبين خضوعهم هم لسلطان روما وتخويفهم بالحرمان والطرد بين ساعه واخرى اذا لم يقدموا خضوعهم لملك روما الديني ![/rtl]
[rtl]فثاروا بعد رجوعهم الى بلادهم حتى تحرروا ثم ثارت شعوبهم عليهم حتى تحررت[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وكانت الثوره الفرنسيه بعد ذلك فلم تعلن من المبادىء أكثر مما أعلنته حضارتنا قبل اثني عشر قرنا!.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وكان مما أعلَنَتْه حضارتنا في حُرُوبها: احترام العهود، وصيانة العقائد، وترك المعابد لأهلها، وضمان حُرِّيات النَّاس وكرامتهم، فأثارت في الشُّعوب المغلوبة لحكمها روح العِزَّة والكرامة، ونبهت فيهم معاني الإنسانية الكريمة العزيزة.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وكان في التاريخ لأول مرَّة أن يشكوَ والدُ مغلوبٍ الحاكمَ الغالبَ إلى رئيسِ الدَّولة الأعلى، من أنَّ ولدَ الحاكمِ قد ضرب ولده الصَّغير خفقتَين بالسَّوط على رأسه من غير حق، ويغضب رئيس الدَّولة الأعلى، ويحاسب ولد الحاكم ويقتَص منه، ويقرع الحاكم ويؤنبه، ويقول له: "متى استعبدتم النَّاسَ وقد ولدتهم أمَّهاتُهم أحرارًا؟! ".[/rtl]
[rtl]إنَّ هذه روح جديدة تبعثُها حضارتُنا في الأفراد والشعوب[/rtl]
[rtl]وقد كان هذا الوالد الذى شكا ضرب ولده كان قبل حكمنا وحضارتنا يعذب ويضرب ويسلب ماله ويضطهد في عقيدته فلايثور ولا يتألم ولا يحس بالعزة والكرامه حتى اذا اشرقت عليه شمس حضارتنا رفع صوته ليقول لأمير المؤمنين : أنا عائذ بالله وبك من الظلم[/rtl]
[rtl]وماكان الظلم الذى اشتكاه سفك دم ولا انتهاك عرض ولا سلب دين ولا اغتصاب ارض وانما ضربتين من ولد صغير لولده الصغير![/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]ان الغربيين اتصلوا بحضارتنا فى القرون الوسطى عن طريق بلاد الشام وعن طريق الاندلس وكانوا قبل اتصالهم بنا لا يعرفون ثوره ملك على رئيس دين ولا انتفاضه شعب على ملك ولا يجدون ان من حقهم ان يحاسبوا حاكما او ينصروا مظلوما[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وكانوا حين يختلف بعضهم مع بعض فى العقيده والمذهب يذبح بعضهم بعضا كما يذبح الجزار غنمه![/rtl]
[rtl]فلما اتصلوا بنا بدات نهضتهم وثورتهم ثم كان تحررهم[/rtl]
[rtl]فهل ينكر بعد هذا أثر حضارتنا فى تحرير العالم وانقاذ الشعوب؟.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وبعد، فهذه هي بعض الآثار الخالدة لحضارتنا في خمسة ميادين رئيسية هي أبرز مظاهر الحياة في الأمم والحضارات.. [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]ومن أجل ذلك كان لنا نحن أبناء هذه الحضارة دَين على الشعوب التي حررتها حضارتنا، يجب أن نسترده لا بالتفاخر الكاذب، ولا بالأماني والأباطيل، بل بمعرفتنا، لقدر أنفسنا، وقيمة حضارتنا وسمو تراثنا، واستحقاقنا لأن نكون الأمة الوسط التي تشهد على الناس، وتقودهم إلى الخير والحق والكرامة ولعلنا فاعلون إن شاء الله.[/rtl]
[rtl].......................[/rtl]
[rtl]تابع الجزء الاول من المقال[/rtl]
[rtl]آثار الحضارة الإسلامية في التاريخ – د. مصطفى السباعي (1/2)[/rtl]
[rtl]..........[/rtl]
[rtl]المصدر:[/rtl]
[rtl]من كتاب (من روائع حضارتنا) للدكتور مصطفى السباعي[/rtl]
[rtl].................[/rtl]
--
موضوع: آثار الحضارة الإسلامية في التاريخ – د. مصطفى السباعي (2/2) 
الإثنين ديسمبر 23, 2013 8:36 am
