حديث إن المؤذنين أطول الناس أعناقًا يوم القيامة
عن موقع الجامع الأزهر الشريف
قال المؤلف -رحمه الله تعالى:
(وَعَنْ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ)(1).
فيقول المصنف -رحمه الله تعالى: (وعن معاوية)، معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه ورحمه-، توفي سنة ستين، وله مناقب وفضائل -رضي الله عنه-، ومما يُستحسن ما جاء في صحيح مسلم أنه -عليه الصلاة والسلام- أرسل إليه مَنْ يدعوه، فقيل له: إنه يأكل، ثم أرسل إليه مرة أخرى، فقيل: إنه يأكل، فقال -عليه الصلاة والسلام: «دَعُوهُ، لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ»(2)، وهذا أورده مسلم في المناقب، في مناقب معاوية -رضي الله عنه-، وأيش وجه إيراده في المناقب؟ أورده في مناقبه، حينما ذكر معاوية وغيره.
كأنّه -والله أعلم- كما ذكر بعض أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما صح عنه؛ قال: «اللَّهُمَّ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ؛ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَطُهْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(3)، وفي اللفظ الآخر: «لَيْسَ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ»(4)، فيكون الدعاء له من باب الدعاء له بالزكاة والطُّهرة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «إِنِّي اتَّخَذْتُ عَلَى اللهِ عَهْدًا»(5)، وفي اللفظ الآخر في صحيح مسلم لَمَّا جاءه رجلان فسَبَّهُما -عليه الصلاة والسلام-، فقلت: يا رسول الله! ما لقي أحدٌ من الشّرّ مثلما لقي هؤلاء، قال: «مَا عَلِمْتِ أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي أَيُّما مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ؛ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَطُهْرَةً تُطَهِّرُهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(6).
فمن هذا كان دعاؤه عليه هو من باب المنقبة له -رضي الله عنه-؛ لأنه قال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ»، وقد يبدو منه -عليه الصلاة والسلام- كما يبدو من غيره ما يبدو من البشر -صلوات الله وسلامه عليه-، وإن كان له من الخصائص ما ليس لغيره، لكن قال ما قال، وقال: «اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي».
يقول -عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(7)، وتقدمت في الآية المتقدمة، ويمكن ما سبق الكلام عليها في قوله -تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا﴾(، هذا أيضًا ينبه إلى أن المصنف -رحمه الله- ذكرها في هذا الباب إشارة إلى أن النداء كان مشروعًا للصلاة، ولذا قال: ﴿إِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ﴾، والمراد بالصلاة الصلاةُ المفروضة. وفيه أيضًا أن النداء للأذان يكون بالصوت الرفيع، قال: ﴿إِذَا نَادَيْتُمْ﴾، والنداء هو الصوت الرفيع، يُبين أن النداء يشرع كذلك، بل إنه شرط، أو ركن له، كما في حديث عبد الله بن زيد لما قال: «أَلْقِهِ عَلَى بِلاَلٍ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى»(9)، وفي اللفظ الآخر: «أَمَدُّ صَوْتًا مِنْكَ»(10).
﴿إِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا﴾، وهؤلاء هم المنافقون الذين يسخرون ويستهزئون.
وفي حديث رواه النسائي وغيره من حديث أبي محذورة(11) أنه -عليه الصلاة والسلام- لما رجع من حُنين بعد فتح مكة؛ سمع غِلمانًا، وكان قد أذن بعض أصحابه، أو أذنوا للصلاة، سمع غلمانًا من غلمان مكة يؤذنون استهزاءًا، فسمع صوت إنسانٍ منهم أعجبه صوته، فدعاهم، فقال: «مَنْ صَاحِبُ الصَّوْتِ؟» قال: فأشاروا إليَّ كلهم، قال: ثم دعاني -عليه الصلاة والسلام-، فوضع يده على رأسه، ثم أَمَرَّهَا على وجهي، ثم أَمَرَّهَا على صدْري، ثم قال: «اللَّهُمَّ بَارِكْ فَيهِ وَبَارِكْ عَلَيْهِ»، ثم دعا له بشيء فأعطاه إياه، يتألفه بها، صرة دراهم، ثم أمره أن يؤذن لأهل مكة، فكان المؤذن في مكة -رضي الله عنه- أبو محذورة أوس بن مِعْيَر.(12)
بعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــده***