منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
 الفتاوى........ الكبرى36(إبن تيمية) >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
 الفتاوى........ الكبرى36(إبن تيمية) >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

  الفتاوى........ الكبرى36(إبن تيمية)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 الفتاوى........ الكبرى36(إبن تيمية) Empty
مُساهمةموضوع: الفتاوى........ الكبرى36(إبن تيمية)    الفتاوى........ الكبرى36(إبن تيمية) I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 22, 2011 3:50 pm



الفتاوى........ الكبرى36(إبن تيمية*)

ضاحك ضاحك ضاحك ضاحك
والمقصود هنا أنه قد كذب على علي بن أبي طالب من أنواع الكذب التي لا يجوز نسبتها إلى أقل المؤمنين حتى أضافت إليه القرامطة والباطنية والخزميّة والمزدكية والإسماعيلية والنصيرية مذاهبها التي هي من أفسد مذاهب العالمين وادعوا أن ذلك من العلوم الموروثة عنه . وهذا كله إنما أحدثه المنافقون الزنادقة الذين قصدوا إظهار ما عليه المؤمنون وهم يبطنون خلاف ذلك واستتبعوا الطوائف الخارجة عن الشرائع فكانت لهم دول وجرى على المؤمنين منهم فتن حتى قال ابن سينا : إنما اشتغلت في علوم الفلاسفة لأن أبي كان من أهل دعوة المصريين يعني من بني عبيد الرافضة القرامطة فإنهم كانوا ينتحلون هذه العلوم الفلسفية ولهذا تجد بين هؤلاء وبين الرافضة ونحوهم من البعد عن معرفة النبوات اتصالاً وانضماماً يجمعهم فيه الجهل الصميم بالصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . فإذا كان في هذا الزمان القريب الذي هو أقل من سبعمائة سنة قد كذب على أهل بيته وأصحابه وغيرهم وأضيف إليهم من مذاهب الفلاسفة والمنجمين ما يعلم كل عاقل براءتهم منه ونفق ذلك على طوائف كثيرة منتسبة إلى هذه الملة مع وجود من يبين كذب هؤلاء وينهى عن ذلك ويذب عن الملة بالقلب والبدن واللسان فكيف الظن بما يضاف إلى إدريس أو غيره من الأنبياء من أمور النجوم والفلسفة مع تطاول الزمان وتنوع الحدثان واختلاف المال والأديان وعدم من يبين حقيقة ذلك من حجة وبرهان واشتمال ذلك على مالا يحصى من الكذب والبهتان . وكذلك دعوى المدعي أن نجم النبي صلى الله عليه وسلم كان بالعقرب والمريخ وأمته بالزهرة وأمثال ذلك هو من أوضح الهذيان لمباينة أحوال النبي وأمته لما يدعونه من هذه الأحكام فإن من أوضح الكذب قولهم : إِن نجم المسلمين بالزهرة ونجم النصارى بالمشتري مع قولهم : إِن المشتري يقتضي العلم والدين والزهرة تقتضي اللهو واللعب وكل عاقل يعلم أن النصارى أعظم الملل جهلاً وضلالة وأبعدها عن معرفة المعقول والمنقول وأكثر اشتغالاً بالملاهي وتعبداً بها . والفلاسفة كلهم متفقون على أنه ما قرع العالم ناموس أعظم من الناموس الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأمته أكمل عقلاً وديناً وعلماً باتفاق الفلاسفة حتى

فلاسفة اليهود والنصارى فإنهم لا يرتابون في أن المسلمين أفضل عقلاً وديناً وإنما يمكث أحدهم على دينه إما اتباعاً لهواه ورعاية لمصلحة دنياه في زعمه وإما ظناً منه أنه يجوز التمسك بأي ملة كانت وإن الملل شبيهة بالمذاهب الإسلامية فإن جمهور الفلاسفة من المنجمين وأمثالهم يقولون بهذا ويجعلون الملل بمنزلة الدول الصالحة وإن كان بعضها أفضل من بعض . وأما الكتب السماوية المتواترة عن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فناطقة بأن الله لا يقبل من أحد ديناً سوى الحنيفية وهي الإسلام العام : عبادة الله وحده لا شريك له والإيمان بكتبه ورسله واليوم الآخر . كما قال تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن ب الله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } البقرة : 62 ] . وبذلك أخبرنا عن الأنبياء المتقدمين وأممهم قال نوح : { فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين } يونس : 72 ] . وقال في آل إبراهيم : { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } البقرة : 130-132 ] . وقال : { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم ب الله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } يونس : 84 ] . وقال : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } المائدة : 44 ] . وقالت بلقيس : { رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } النمل : 44 ] . وقال في الحواريين : { أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون } المائدة : 111 ] . وقد قال مطلقاً : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام } آل عمران : 18-19 ] . وقال : { قولوا آمنا ب الله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } البقرة : 136 ] . { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ال عمران : 85 ] . فإذا كان المسلمون باتفاق كل ذي عقل أولى أهل الملل بالعلم والعقل والعدل وأمثال ذلك مما تناسب عندهم آثار المشتري والنصارى أبعد عن ذاك وأولى باللهو

واللعب وما يناسب عندهم آثار الزهرة كان ما ذكروه ظاهر الفساد . ولهذا لا تزال أحكامهم كاذبة متهافتة حتى إِن كبير الفلاسفة الذي يسمونه فيلسوف الإسلام يعقوب بن إسحق الكندي عمل تسييراً لهذه الملة زعم أنها تنقضي عام ثلاث وتسعين وستمائة وأخذ ذلك منه من أخرج مخرج الاستخراج من حروف كلام ظهر في الكشف لبعض من أعاده ووافقهم على ذلك من زعم أنه استخرج بقاء هذه الملة من حساب الجمل الذي للحروف التي في أوائل السور وهي مع حذف التكرير أربعة عشر حرفاً وحسابها في الجمل الكبير ستماثة وثلاثة وتسعون . ومن هذا أيضاً ما ذكر في التفسير أن الله لما أنزل : { آلم } قال بعض اليهود : بقاء هذه الملة أحد وثلاثون فلما أنزل بعد ذلك : { الر } و { الم } قالوا : خلط علينا فهذه الأمور التي توجد عن ضلال اليهود والنصارى أو ضلال المشركين والصابئين من المتفلسفة والمنجمين مشتملة من هذا الباطل على ما لا يعلمه إلا الله تعالى . وهذه الأمور وأشباهها خارجة عن دين الإسلام محرمة فيه يجب إنكارها والنهي عنها على المسلمين على كل قادر بالعلم والبيان واليد واللسان فإن ذلك من أعظم ما أوجبه الله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهؤلاء وأشباههم أعداء الرسل وسوس الملل ولا ينفق الباطل في الوجود إلا بثوب من الحق كما أن أهل الكتاب لبسوا الحق بالباطل فبسبب الحق اليسير الذي معهم يضلون خلقاً كثيراً عن الحق الذي يجب الإيمان به ويدعونه إلى الباطل الكثير الذي هم عليه وكثيراً ما يعارضهم من أهل الإسلام من لا يحسن التمييز ببن الحق والباطل ولا يقيم الحجة التي تدحض باطلهم ولا يبين حجة الله التي أقامها برسله فيحصل بذلك فتنة . وقد بسطنا القول في هذا الباب ونحوه في غير هذا الموضع . و الله أعلم والحمد لله رب العالمين وصلواته وسلامه على محمد وآله أجمعين . ت مسألة 237 ] : في معنى حديث أبي ذر -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال : > يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني

أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر لكم ذنوبكم جميعاً فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله عز وجل ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه < . الجواب الحمد لله رب العالمين . ولا حول ولا قوة إلا بالله . أما قوله تعالى : > يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي < . ففيه مسألتان كبيرتان كل منهما ذات شعب وفروع : إحداهما : في الظلم الذي حرمه الله على نفسه ونفاه عن نفسه بقوله : { وما ظلمناهم } هود : 101 ] وقوله : { ولا يظلم ربك أحداً } الكهف : 49 ] وقوله : { وما ربك بظلام للعبيد } فصلت : 46 ] وقوله : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها } النساء : 40 ] وقوله : { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا } النساء : 77 ] ونفى إرادته بقوله : { وما الله يريد ظلماً للعالمين } آل عمران : 108 ] وقوله : { وما الله يريد ظلماً للعباد } غاف الجواب 31 ] ونفى خوف العباد له بقوله : { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً } طه : 112 ] . فإن الناس تنازعوا في معنى هذا الظلم تنازعاً صاروا فيه بين طرفين متباعدين ووسط بينهما وخيار الأمور أوساطها وذلك بسبب البحث في القدر ومجامعته للشرع إذ الخوض في ذلك بغير علم تام أوجب ضلال عامة الأمم ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن التنازع فيه فذهب المكذبون بالقدر القائلون بأن الله لم يخلق أفعال العباد ولم يرد أن يكون إلا ما أمر بأن يكون وغلاتهم المكذبون بتقدم علم الله وكتابه بما سيكون من أفعال العباد من المعتزلة وغيرهم إلا أن الظلم منه هو نظير الظلم من الآدميين بعضهم لبعض وشبهوه ومثلوه في الأفعال بأفعال العباد

حتى كانوا هم ممثلة الأفعال وضربوا لله الأمثال ولم يجعلوا له المثل الأعلى بل أوجبوا عليه وحرموا ما رأوا أنه يجب على العباد ويحرم بقياسه على العباد وإثبات الحكم في الأصل بالرأي وقالوا عن هذا : إذا أمر العبد ولم يعنه بجميع ما يقدر عليه من وجوه الإعانة كان ظالماً له والتزموا أنه لا يقدر أن يهدي ضالاً كما قالوا : إِنه لا يقدر أن يضل مهتدياً وقالوا عن هذا : إذا أمر اثنين بأمر واحد وخص أحدهما بإعانته على فعل المأمور كان ظالماً إلى أمثال ذلك من الأمور التي هي من باب الفضل والإحسان جعلوا تركه لها ظلماً . وكذلك ظنوا أن التعذيب لمن كان فعله مقدراً ظلم له ولم يفرقوا بين التعذيب لمن قام به سبب استحقاق ذلك ومن لم يقم وإن كان ذلك الاستحقاق خلقه لحكمه أخرى عامة أو خاصة . وهذا الموضع زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام فعارض هؤلاء آخرون من أهل الكلام المثبتين للقدر فقالوا : ليس للظلم منه حقيقة يمكن وجودها بل هو من الأمور الممتنعة لذاتها فلا يجوز أن يكون مقدوراً ولا يقال : إنه هو تارك له باختياره ومشيئته وإنما هو من باب الجمع بين الضدين وجعل الجسم الواحد في مكانين وقلب القديم محدثاً والمحدث قديماً وإلا فمهما قدر في الذهن وكان وجوده ممكناً و الله قادرعليه فليس بظلم منه سواء فعله أولم يفعله . وتلقى هذا القول عن هؤلاء طوائف من أهل الإثبات من الفقهاء وأهل الحديث من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ومن شراح الحديث ونحوهم وفسروا هذا الحديث بما ينبني على هذا القول وربما تعلقوا بظاهر من أقوال مأثورة كما رويناه عن إياس بن معاوية أنه قال : ما ناظرت بعقلي كله أحدا إلا القدرية قلت لهم : ما الظلم قالوا : أن تأخذ ما ليس لك أو أن تتصرف فيما ليس لك قلت : فلله كل شيء وليس هذا من إياس إلا ليبين أن التصرفات الواقعة هي في ملكه فلا يكون ظلماً بموجب حدهم وهذا مما لا نزاع بين أهل الإثبات فيه فإنهم متفقون مع أهل الإيمان بالقدر على أن كل ما فعله الله هو عدل . وفي حديث الكرب الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم : > ما أصاب عبداً قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضائك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحاً < . قالوا : يا رسول الله ! أفلا نتعلمهن قال : > بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن < . فقد بيّن أن كل قضائه في عبده عدل ولهذا يقال : كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل ويقال : أطعتك بفضلك والمنة لك وعصيتك بعلمك أو بعدلك والحجة لك فأسألك بوجوب حجتك علي وانقطاع حجتى إلا ما غفرت لي . وهذه المناظرة من إياس كما قاله ربيعة بن أبي عبد الرحمن لغيلان حين قال له غيلان : نشدتك الله أترى الله يحب أن يعصى فقال : نشدتك الله أترى يعصى قسراً يعني قهراً فكأنما ألقمه حجراً . فإن قوله : يحب أن يعصى لفظ فيه إجمال وقد لا يتأتى في المناظرة تفسير المجملات خوفاً من لدد الخصم فيؤتى بالواضحات فقال : أفتراه يعصى قسراً فإن هذا إلزام له بالعجز الذي لازم للقدرية ولمن هو شر منهم من الدهرية الفلاسفية وغيرهم وكذلك إياس رأى أن هذا الجواب المطابق لحدهم خاصِمٌ لهم ولم يدخل معهم في التفصيل الذي يطول . وبالجملة فقوله تعالى : { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً } طه : 112 ] . قال أهل التفسير من السلف : لا يخاف أن يظلم فيحمل عليه سيئات غيره ولا يهضم فينقص من حسناته . ولا يجوز أن يكون هذا الظلم هو شيء ممتنع غير مقدور عليه فيكون التقدير لا يخاف ما هو ممتنع لذاته خارج عن الممكنات والمقدورات فإن مثل هذا إذا لم يكن وجوده ممكناً حتى يقولوا إنه غير مقدور وأراده كخلق المثل له فكيف يعقل وجوده فضلاً أن يتصور خوفه حتى ينفي خوفه ثم أي فائدة في نفي خوف هذا وقد علم من سياق الكلام أن المقصود بيان أن هذا للعامل المحسن لا يجزى على إحسانه بالظلم والهضم فعلم أن الظلم والهضم المنفي يتعلق بالجزاء كما ذكره أهل

التفسير وأن الله لا يجزيه إلا بعمله ولهذا كان الصواب الذي دلت عليه النصوص إن الله لا يعذب في الآخرة إلا من أذنب كما قال : { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } ص : 85 ] . فلو دخلها أحد من غير أتباعه لم تمتلىء منهم . ولهذا ثبت في > الصحيحين < في حديث تحاج الجنة والنار من حديث أبي هريرة وأنس : > أن النار تمتلىء ممن كان ألقي فيها حتى ينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط بعد قولها : هل من مزيد وأما الجنة فيبقى فيها فضل عمن يدخلها من أهل الدنيا فينشىء الله لها خلقاً آخر < ولهذا كان الصواب الذي عليه الأئمة فيمن لم يكلف في الدنيا من أطفال المشركين ونحوهم ما صح به الحديث وهو أن الله أعلم بما كانوا عاملين فلا نحكم لكل منهم بالجنة ولا لكل منهم بالنار بل هم ينقسمون بحسب ما يظهر من العلم فهم إذا كلفوا يوم القيامة في العرصات كما جاءت بذلك الآثار . وكذلك قوله تعالى : { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } فصلت : 46 ] يدل الكلام على أنه لا يظلم محسناً فينقصه من إحسانه أو يجعله لغيره ولا يظلم مسيئاً فيجعل عليه سيئات غيره بل لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وهذا كقوله : { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } النجم : 36-39 ] . فأخبر أنه ليس على أحد من وزر غيره شيء وأنه لا يستحق إلا ما سعاه وكلا القولين حق على ظاهره . وإن ظن بعض الناس أن تعذيب الميت ببكاء أهله عليه ينافي الأول فليس كذلك إذ ذلك النائح يعذب بنوحه لا يحمل الميت وزره ولكن الميت يناله ألم من فعل هذا كما يتألم الإنسان من أمور خارجة عن كسبه وإن لم يكن جزاء الكسب والعذاب أعم من العقاب كما قال صلى الله عليه وسلم : > السفر قطعة من العذاب < . وكذلك ظن قوم أن انتفاع الميت بالعبادات البدنية من الحي ينافي قوله : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } النجم : 39 ] . فليس الأمر كذلك فإن انتفاع الميت بالعبادات البدنية من الحي بالنسبة إلى الآية كانتفاعه بالعبادات المالية ومن ادعى أن الآية تخالف أحدهما دون الآخر فقوله ظاهر الفساد بل ذلك بالنسبة إلى الآية كانتفاعه بالدعاء والاستغفار والشفاعة وقد بينا في غير هذا الموضع نحواً من ثلاثين دليلاً شرعياً

يبين انتفاع الإنسان بسعي غيره إذ الآية إنما نفت استحقاق السعي وملكه وليس كل ما لا يستحقه الإنسان ولا يملكه لا يجوز أن يحسن إليه مالكه ومستحقه بما ينتفع به منه فهذا نوع وهذا نوع وكذلك ليس كل ما لا يملكه الإنسان لا يحصل له من جهته منفعة فإن هذا كذب في الأمور الدينية والدنيوية . وهذه النصوص النافية للظلم تثبت العدل في الجزاء وأنه لا يبخس عامل عمله . وكذلك قوله فيمن عاقبهم : { وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء } هود : 101 ] . وقوله : { وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين } الزخرف : 79 ] بين أن عقاب المجرمين عدلاً لذنوبهم لا لأنا ظلمناهم فعاقبناهم بغير ذنب . والحديث الذي في > السنن < : لو > عذب الله أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً من أعمالهم < . يبين أن العذاب لو وقع لكان لاستحقاقهم ذلك لا لكونه بغير ذنب وهذا يبين أن من الظلم المنفي عقوبة من لم يذنب . وكذلك قوله تعالى : { وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلمًا للعباد } غاف الجواب 30-31 ] . يبين أن هذا العقاب لم يكن ظلماً لاستحقاقهم ذلك وأن الله لا يريد الظلم . والأمر الذي لا يمكن القدرة عليه لا يصلح أن يمدح الممدوح بعدم إرادته وإنما يكون المدح بترك الأفعال إذا كان الممدوح قادراً عليها فعلم أن الله قادر على ما نزه نفسه عنه من الظلم وأنه لا يفعله . وبذلك يصح قوله . > إني حرمت الظلم على نفسي < وأن التحريم هو المنع وهذا لا يجوز أن يكون فيما هو ممتنع لذاته فلا يصلح أن يقال : حرمت على نفسي أو منعت نفسي من خلق مثلي أو جعل المخلوقات خالقة ونحو ذلك من المحالات . وأكثر ما يقال في تأويل ذلك ما يكون معناه : إني أخبرت عن نفسي بأن ما لا يكون مقدوراً لا يكون مني . وهذا المعنى مما يتيقن المؤمن أنه ليس مراد الرب وأنه يجب تنزيه الله ورسوله عن إرادة مثل هذا المعنى الذي لا يليق الخطاب بمثله إذ هو مع كونه شبه التكرير وإيضاح الواضح ليس فيه مدح ولا ثناء ولا

ما يستفيده المستمع فعلم أن الذي حرمه على نفسه هو أمر مقدور عليه لكنه لا يفعله لأنه حرمه على نفسه وهو سبحانه منزه عن فعله مقدس عنه . يبين ذلك أن ما قاله الناس في حدود الظلم يتناول هذا دون ذلك كقول بعضهم : الظلم وضع الشيء في غير موضعه كقولهم : من أشبه أباه فما ظلم أي : فما وضع الشبه غير موضعه ومعلوم أن الله -سبحانه- حكم عدل لا يضع الأشياء إلا مواضعها ووضعها غير مواضعها ليس ممتنعاً لذاته بل هو ممكن لكنه لا يفعله لأنه لا يريده بل يكرهه ويبغضه إذ قد حرمه على نفسه . وكذلك من قال : الظلم إضرار غير مستحق فإن الله لا يعاقب أحداً بغير حق وكذلك من قال : هو نقص الحق وذكر أن أصله النقص كقوله : { كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا } الكهف : 33 ] . وأما من قال : هو التصرف في ملك الغير فهذا ليس بمطرد ولا منعكس فقد يتصرف الإنسان في ملك غيره بحق ولا يكون ظالماً وقد يتصرف فى ملكه بغير حق فيكون ظالماً وظلم العبد نفسه كثير في القرآن . وكذلك من قال : فعل المأمور خلاف ما أمر به ونحو ذلك إن سلم صحة مثل هذا الكلام ف الله -سبحانه- قد كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم فهو لا يفعل خلاف ما كتب ولا يفعل ما حرم . وليس هذا الجواب موضع بسط هذه الأمور التي نبهنا عليها فيه وإنما نشير إلى النكت . وبهدا يتبين القول المتوسط : وهو أن الظلم الذي حرمه الله على نفسه مثل أن يترك حسنات المحسن فلا يجزيه بها ويعاقب البريء على ما لم يفعل من السيئات ويعاقب هذا بذنب غيره أو يحكم بين الناس بغير القسط ونحو ذلك من الأفعال التي يتنزه الرب عنها لقسطه وعدله وهو قادر عليها وإنما استحق الحمد والثناء لأنه ترك هذا الظلم وهو قادر عليه . وكما أن الله منزه عن صفات النقص والعيب فهو أيضاً منزه عن أفعال النقص والعيب . وعلى قول الفريق الثاني : ما ثم فعل يجب تنزيه الله عنه أصلاً والكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها يدل على خلاف ذلك ولكن متكلمو الإثبات لما ناظروا

متكلمة النفي ألزموهم لوازم لم ينفصلوا عنها إلا بمقابلة الباطل بالباطل . وهذا مما عابه الأئمة وذموه كما عاب الأوزاعي والزبيدي والثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم مقابلة القدرية بالغلو في الإثبات وأمروا بالاعتصام بالكتاب والسنة وكما عابوا أيضاً على من قابل الجهمية نفات الصفات بالغلو في الإثبات حتى دخل في تمثيل الخالق بالمخلوق وقد بسطنا الكلام في هذا وهذا وذكرنا كلام السلف والأئمة في هذا في غير هذا الموضع . ولو قال قائل : هذا مبني على مسألة تحسين العقل وتقبيحه فمن قال : العقل يعلم به حسن الأفعال وقبحها فإنه ينزه الرب عن بعض الأفعال ومن قال : لا يعلم ذلك إلا بالسمع فإنه يجوز جميع الأفعال عليه لعدم النهي في حقه . قيل له : ليس بناء هذه على تلك بلازم وبتقدير لزومها ففي تلك تفصيل وتحقيق قد بسطناه في موضعه وذلك إنا فرضنا إنا نعلم بالعقل حسن بعض الأفعال وقبحها لكن العقل لا يقول : إِن الخالق كالمخلوق حتى يكون ما جعله حسناً لهذا أو قبيحاً له جعله حسناً للآخر أو قبيحاً له كما يفعل مثل ذلك القدرية لما بين الرب والعبد من الفروق الكثيرة وإن فرضنا أن حسن الأفعال وقبحها لا يعلم إلا بالشرع فالشرع قد دل على أن الله قد نزه نفسه عن أفعال وأحكام لا يجوز أن يفعلها تارة بخبره مثنياً على نفسه بأنه لا يفعلها وتارة بخبره أنه حرمها على نفسه . وهذا يبين المسألة الثانية فنقول : الناس لهم في أفعال الله باعتبار ما يصلح منه ويجوز وما لا يجوز منه ثلاثة أقوال : طرفان ووسط . فالطرف الواحد : طرف القدرية وهم الذين حجروا عليه أن يفعل إلا ما ظنوا بعقلهم أنه الجائز له حتى وضعوا له شريعة التعديل والتجويز فأوجبوا عليه بعقلهم أموراً كثيرة وحرموا عليه بعقلهم أموراً كثيرة لا بمعنى أن العقل آمر له وناه فإن هذا لا يقوله عاقل بل بمعنى أن تلك الأفعال مما علم بالعقل وجوبها وتحريمها ولكن أدخلوا فى ذلك المنكرات ما بنوه على بدعتهم في التكذيب بالقدر وتوابع ذلك . والطرف الثاني : طرف الغلاة في الرد عليهم وهم الذين قالوا : لا ينزه الرب عن فعل من فعال ولا نعلم وجه امتناع الفعل منه إلا من جهة خبره أنه لا يفعله المطابق

لعلمه بأنه لا يفعله . وهؤلاء منعوا حقيقة ما أخبر به من أنه كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم قال الله تعالى : { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } الأنعام : 54 ] . وفي > الصحيحين < عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : > إن الله لما قضى الخلق كتب على نفسه كتاباً فهو موضوع عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي < . ولم يعلم هؤلاء أن الخبر المجرد المطابق للعلم لا يبين وجه فعله وتركه إذ العلم يطابق المعلوم فعلمه بأنه يفعل هذا وأنه لا يفعل هذا ليس فيه تعرض لأنه كتب هذا على نفسه وحرم هذا على نفسه كما لو أخبر عن كائن من كان أنه يفعل كذا ولا يفعل كذا لم يكن في هذا بيان لكونه محموداً ممدوحاً على فعل هذا وترك هذا ولا في ذلك ما يبين قيام المقتضى لهذا والمانع من هذا . فإن الخبر المحض كاشف عن المخبر عنه ليس فيه بيان ما يدعوإلى الفعل ولا إلى الترك بخلاف قوله : كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم فإن التحريم مانع من الفعل وكتابته على نفسه داعية إلى الفعل . وهذا بين واضح إذ ليس المراد بذلك مجرد كتابته أنه يفعل وهو كتابة التقدير كما قد ثبت في الصحيح أنه قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء فإنه قال : كتب على نفسه الرحمة ولو أريد كتابة التقدير لكان قد كتب على نفسه الغضب كما كتب على نفسه الرحمة إذ كان المراد مجرد الخبر عما سيكون ولكان قد حرم على نفسه كل ما لم يفعله من الإحسان كما حرم الظلم . وكما أن الفرق ثابت في حقنا بين قوله : { كتب عليكم القصاص في القتلى } البقرة : 178 ] . وبين قوله : { وكل شيء فعلوه في الزبر } القم الجواب 52 ] . وقوله : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } الحديد : 22 ] . وقوله : > فيبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات فيقال له : اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد < . فهكذا الفرق أيضاً ثابت في حق الله ونظير ما ذكره من كتابته على نفسه كما تقدم قوله تعالى : { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين } الروم : 47 ] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : > يامعاذ! أتدري

ما حق الله على عباده < قلت : الله ورسوله أعلم قال : > حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك < قلت : الله ورسوله أعلم قال : > حقهم عليه ألا يعذبهم < . ومنه قوله في غير حديث : > كان حقاً على الله أن يفعل به كذا < . فهذا الحق الذي عليه هو أحقه على نفسه بقوله . ونظير تحريمه على نفسه وإيجابه على نفسه ما أخبر به من قسمه ليفعلن وكلمته السابقة كقوله : { ولولا كلمة سبقت من ربك } يونس : 19 ] . وقوله : { لأملأن جهنم } الأعراف : 18 ] و { لنهلكن الظالمين } . { فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار } آل عمران : 159 ] { فلنسألن الذين أرسل إليهم } الأعراف : 6 ] . ونحو ذلك من صيغ القسم المتضمنة معنى الإيجاب والمعنى بخلاف القسم المتضمن للخبر المحض ولهذا قال الفقهاء : اليمين إما أن توجب حقاً أو منعاً أو تصديقاً أو تكذيباً . وإذا كان معقولاً في الإنسان أنه يكون آمراً مأموراً كقوله : { إن النفس لأمارة بالسوء } يوسف : 53 ] . وقوله : { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى } النازعات : 40 ] . مع أن العبد له آمر وناه فوقه والرب الذي ليس فوقه أحد لأن يتصور أن يكون هو الآمر الكاتب على نفسه الرحمة والناهي المحرم على نفسه الظلم أولى وأحرى وكتابته على نفسه ذلك تستلزم إرادته لذلك ومحبته له ورضاه بذلك وتحريمه الظلم على نفسه يستلزم بغضه لذلك وكراهته له وإرادته ومحبته للفعل لوجب وقوعه منه وبغضه له وكراهته لأن يفعله يمنع وقوعه منه . فأما ما يحبه ويبغضه من أفعال عباده فذلك نوع آخر ففرق بين فعله هو وبين ما هو مفعول مخلوق له وليس في مخلوقه ما هو ظلم منه وإن كان بالنسبة إلى فاعله الذي هو الإنسان هو ظلم كما أن أفعال الإنسان هي بالنسبة إليه تكون سرقة وزناً وصلاة وصوماً و الله -تعالى- خالقها بمشيئته وليست بالنسبة إليه كذلك إذ هذه الأحكام هي للفاعل الذي قام به هذا الفعل كما أن الصفات هي صفات للموصوف الذي قامت به لا للخالق الذي خلقها وجعلها صفات و الله -تعالى- خلق كل صانع وصنعته كما جاء ذلك في الحديث وهو خالق كل موصوف وصفته .

ثم صفات المخلوقات ليست صفات له كالألوان والطعوم والروائح لعدم قيام ذلك به و كذلك حركات المخلوقات ليست حركات له ولا أفعالاً له بهذا الاعتبار لكونها مفعولات هو خلقها وبهذا الفرق تزول شبه كثيرة . والأمر الذي كتبه على نفسه يستحق عليه الحمد والثناء وهو مقدس عن ترك هذا الذي لو ترك لكان تركه نقصاً وكذلك الأمر الذي حرمه على نفسه يستحق الحمد والثناء على تركه وهو مقدس عن فعله الذي لو كان لأوجب نقصًا . وهذا كله بين ولله الحمد عند الذين أوتوا العلم والايمان وهو أيضا مستقر في قلوب عموم المؤمنين ولكن القدرية شبهوا على الناس بشبههم فقابلهم من قابلهم بنوع من الباطل كالكلام الذي كان السلف والأئمة يذمونه . وذلك أن المعتزلة قالوا : قد حصل الإتفاق على أن الله ليس بظالم كما دل عليه الكتاب والسنة والظالم من فعل الظلم كما أن العادل من فعل العدل هذا هو المعروف عند الناس من مسمى هذا الاسم سمعاً وعقلاً قالوا : ولو كان الله خالقاً لأفعال العباد التي هي الظلم لكان ظالماً فعارضهم هؤلاء بأن قالوا : ليس الظالم من فعل الظلم بل الظالم من قام به الظلم وقال بعضهم : الظالم من اكتسب الظلم وكان منهيًا عنه . وقال بعضهم : الظالم من فعل محرماً عليه أو ما نهي عنه ومنهم من قال : من فعل الظلم لنفسه . وهؤلاء يعنون أن يكون الناهي له والمحرم عليه غيره الذي بجب عليه طاعته ولهذا كان تصور الظلم منه ممتنعاً عندهم لذاته كامتناع أن يكون فوقه آمٍر له وناه . ويمتنع عند الطائفتين أن يعود إلى الرب من أفعاله حكم لنفسه وهؤلاء لم يمكنهم أن نازعوا أولئك في أن العادل من فعل العدل بل سلموا ذلك لهم وإن نازعهم بعض الناس منازعة عنادية . والذي يكشف تلبيس المعتزلة أن يقال لهم : الظالم والعادل الذي يعرفه الناس وإن كان فاعلاً للظلم والعدل فذلك يأثم به أيضاً ولا يعرف الناس من يسمى ظالماً ولم يقم به الفعل الذي به صار ظالماً بل لا يعرفون ظالماً إلا من قام به الفعل الذي

فعله وبه صار ظالماً . وإن كان فعله متعلقاً بغيره وله مفعول منفصل عنه لكن لا يعرفون الظالم إلا بأن يكون قد قام به ذلك فكونكم أخذتم في حد الظالم أنه من فعل الظلم وعينتم بذلك من فعله في غيره . فهذا تلبيس وإفساد الشرع والعقل واللغة كما فعلتم في مسمى المتكلم حيث قلتم : هو من فعل الكلام ولو في غيره . وجعلتم من أحدث كلاماً منفصلاً عنه قائماً بغيره متكلماً وإن لم يقم به هو كلام أصلاً وهذا من أعظم البهتان والقرمطة والسفسطة ولهذا ألزمهم السلف أن يكون ما أحدثه من الكلام في الجمادات وكذلك أيضاً ما خلقه في الحيوانات ولا يفرق حينئذ بين نطق ونطق وإنما قالت الجلود : { أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء } فصلت : 21 ] . ولم تقل : نطق الله بذلك ولهذا قال من قال من السلف كسليمان بن داود الهاشمي وغيره ما معناه : أنه على هذا يكون الكلام الذي خلق في فرعون حتى قال : { أنا ربكم الأعلى } النازعات : 24 ] كالكلام الذي خلق في الشجرة حتى قالت : { إنني أنا الله لا إله إلا أنا } طه : 14 ] . فإما أن يكون فرعون محقاً أو تكون الشجرة كفرعون وإلى هذا المعنى بنحو الاتحادية من الجهمية وينشدون : وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه وهذا يستوعب أنواع الكفر . ولهذا كان من الأمر البين للخاصة والعامة أن من قال : المتكلم لا يقوم به كلام أصلاً فإن حقيقة قوله إِنه ليس بمتكلم إذ ليس المتكلم إلا هذا ولهذا كان أولهم يقولون : ليس بمتكلم ثم قالوا : هو متكلم بطريق المجاز وذلك لما استقر في الفطر أن المتكلم لا بد أن يقوم به كلام وإن كان مع ذلك فاعلاً له . كما يقوم به بالإنسان كلامه وهو كاسب له أما أن يجعل مجرد إحداث الكلام في غيره كلاماً له فهذا هو الباطل . وهكذا القول في الظلم فهب أن الظالم من فعل الظلم فليس هو من فعله في غيره ولم يقم به فعل أصلاً بل لا بد أن يكون قد قام به فعل وإن كان متعدياً إلى غيره فهذا جواب . ثم يقال : لهم الظلم فيه نسبة وإضافة فهو ظلم من الظالم بمعنى أنه عدوان وبغي منه وهو ظلم للمظلوم بمعنى أنه بغى واعتدى عليه وأما من لم يكن معتدى عليه به

ولا هو منه عدوان على غيره فهو في حقه ليس بظلم لا منه ولا له و الله -سبحانه- إذا خلق أفعال العباد فذلك من جنس خلقه لصفاتهم . فهم الموصوفون بذلك . فهو سبحانه إذا جعل بعض الأشياء أسود وبعضها أبيض أو طويلاً أو قصيراً . أو متحركاً أو ساكناً أو عالماً أو جاهلاً أو قادراً أو عاجزاً . أو حياً أو ميتاً أو مؤمناً أو كافراً أو سعيداً أو شقياً أو ظالماً أو مظلوماً كان ذلك المخلوق هو الموصوف بأنه الأبيض والأسود والطويل والقصير والحي والميت والظالم والمظلوم ونحو ذلك و الله -سبحانه- لا يوصف بشيء من ذلك وإنما إحداثه للفعل الذي هو ظلم من شخص وظلم لآخر بمنزلة إحداثه الأكل والشرب الذي هو أكل من شخص وأكل لآخر وليس هو بذلك آكلاً ولا مأكولاً . ونظائر هذا كثيرة . وإن كان في خلق أفعال العباد لازمها أومتعد بها حكم بالغة كما له حكمة بالغة في خلق صفاتهم وسائر المخلوقات لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك . وقد ظهر بهذين الوجهين تدليس القدرية . وأما تلك الحدود التي عورضوا بها فهي دعاوى ومخالفة أيضاً للمعلوم من الشرع واللغة والعقل أو مشتملة على نوع من الإجمال فإن قول القائل الظالم من قام به الظلم يقتضي أنه لا بد أن يقوم به لكن يقال له : وإن لم يكن فاعلاً أو آمراً له لا بد أن يكون فاعلاً له مع ذلك فإن أراد الأول كان اقتصاره على تفسير الظالم بمن قام به الظلم كاقتصار أولئك على تفسير الظالم في فعل الظلم والذي يعرفه الناس عامهم وخاصهم أن الظالم فاعل للظلم وظلمه فعل قائم به وكل من الفريقين جحد بعض الحق . وأما قولهم : من فعل محرماً عليه أو منهياً عنه ونحو ذلك فالإطلاق صحيح لكن يقال : قد دل الكتاب والسنة على أن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة وكان حقاً عليه نصر المؤمنين وكان حقاً عليه أن يجزي المطيعين وأنه حرم الظلم على نفسه فهو سبحانه الذي حرم بنفسه على نفسه الظلم كما أنه هو الذي كتب بنفسه على نفسه الرحمة لا يمكن أن يكون غيره محرماً عليه أو موجباً عليه . فضلاً عن أن يعلم ذلك بعقل أو غيره . وإذا كان كذلك فهذا الظلم الذي حرمه على نفسه هو ظلم بلا ريب . وهو

أمر ممكن مقدور عليه وهو سبحانه يتركه مع قدرته عليه بمشيئته واختياره لأنه عادل ليس بظالم كما يترك عقوبة الأنبياء والمؤمنين وكما يترك أن يحمل البريء ذنوب المعتدين . ( فصل ) قوله : > وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا < ينبغي أن يعرف أن هذا الحديث شريف القدر عظيم المنزلة . ولهذا كان الإمام أحمد يقول : هو أشرف حديث لأهل الشام . وكان أبو إدريس الخولاني إذا حدث به جثى على ركبتيه . وراويه أبو ذر الذي ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة منه . وهو من الأحاديث الإلهية التي رواها الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه . وأخبر أنها من كلام الله -تعالى- وإن لم تكن قرآناً . وقد جمع في هذا الباب زاهر الشحامي وعبد الغني المقدسي وأبو عبد الله المقدسي وغيرهما . وهذا الحديث قد تضمن من قواعد الدين العظيمة في العلوم والأعمال والأصول والفروع فإن تلك الجملة الأولى وهي قوله : > حرمت الظلم على نفسي < . يتضمن جل مسائل الصفات والقدر إذا أعطيت حقها من التفسير وإنما ذكرنا فيها ما لا بد من التنبيه عليه من أوائل النكت الجامعة . وأما هذه الجملة الثانية وهي قوله : > وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا < . فإنها تجمع الدين كله فإن ما نهى الله عنه راجع إلى الظلم وكل ما أمر به راجع إلى العدل . ولهذا قال تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب } الحديد : 25 ] . فأخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط وذكر أنه أنزل الحديد الذي به ينصر هذا الحق فالكتاب يهدي والسيف ينصر وكفى بربك هادياً ونصيراً . ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد كما قال من قال من السلف : صنفان إذا صلحوا صلح الناس : الأمراء والعلماء . وقالوا في قوله تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } النساء : 59 ] . أقوالاً تجمع العلماء والأمراء .

ولهذا نص الإمام أحمد وغيره على دخول الصنفين في هذه الآية إذ كل منهما تجب طاعته فيما يقوم به من طاعة الله وكان نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كعلي ومعاذ وأبي موسى وعتاب بن أسيد وعثمان بن أبي العاص وأمثالهم يجمعون الصنفين . وكذلك خلفاؤه من بعده كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونوابهم ولهذا كانت السنة أن الذي يصلي بالناس صاحب الكتاب وهو الذي يقوم بالجهاد صاحب الحديد . إلى أن تفرق الأمر بعد ذلك فإذا تفرق صار كل من قام بأمر الحرب من جهاد الكفار وعقوبات الفجار يجب أن يطاع فيما أمر به من طاعة الله في ذلك . وكذلك من قام بجمع الأموال وقسمها يجب أن يطاع فيما يأمر به من طاعة الله في ذلك وكذلك من قام بالكتاب بتبليغ أخباره وأوامره وبيانها يجب أن يصدق ويطاع فيما أخبر به من الصدق في ذلك وفيما يأمر به من طاعة الله في ذلك . والمقصود هنا أن المقصود بذلك كله هوأن يقوم الناس بالقسط ولهذا لما كان المشركون يحرمون أشياء ما أنزل الله بها من سلطان ويأمرون بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان أنزل الله في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما يذمهم على ذلك وذكر ما أمر به هو وما حرمه هو فقال : { قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } الأعراف : 29 ] . وقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا ب الله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } الأعراف : 33 ] . وهذه الآية تجمع أنواع المحرمات كما قد بيناه في غير هذا الموضع وتلك الآية تجمع أنواع الواجبات كما بيناه أيضاً وقوله : { أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } الأعراف : 29 ] . أمر مع القسط بالتوحيد الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له . وهذا أصل الدين وضده هو الذنب الذي لا يغفر قال تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } النساء : 48 ] . وهو الدين الذي أمر الله به جميع الرسل وأرسلهم به إلى جميع الأمم قال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } الأنبياء : 25 ] . وقال تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } الزخرف : 45 ] . وقال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن

اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } النحل : 36 ] . وقال تعالى : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } الشورى : 13 ] . وقال تعالى : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } المؤمنون : 51-52 ] . ولهذا ترجم البخاري في > صحيحه < باب ما جاء في أن دين الأنبياء واحد ] وذكر الحديث الصحيح في ذلك وهو الإسلام العام الذي اتفق عليه جميع النبيين . قال نوح عليه السلام : { وأمرت أن أكون من المسلمين } النحل : 91 ] . وقال تعالى في قصة إبراهيم : { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } البقرة : 131-132 ] . وقال موسى : { يا قوم إن كنتم آمنتم ب الله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } يونس : 84 ] . وقال تعالى : { قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا ب الله واشهد بأنا مسلمون } آل عمران : 4 ] . وقال في قصه بلقيس : { رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العامين } المائدة : 44 ] . وقال : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } . وهذا التوحيد الذي هو أصل الدين هو أعظم العدل وضده وهو الشرك أعظم الظلم . كما أخرجا في > الصحيحين < عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت هذه الآية : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم نفسه فقال : > ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح : إن الشرك لظلم عظيم < . وفي > الصحيحين < عن ابن مسعود قال : قلت : يا رسول الله أي الذنب أعظم قال : > أن تجعل لله نداً وهو خلقك قلت : ثم أي قال : > ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك < قلت : ثم أي قال : > أن تزني بحليلة جارك < . فأنزل الله تصديق ذلك : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } الفرقان : 28 ] الآية . وقد جاء عن غير واحد من السلف وروي مرفوعاً : > الظلم ثلاثة دواوين : فديوان لا يغفر الله منه شيئاً وديوان لا يترك الله منه شيئاً وديوان لا يعبأ الله به شيئاً . فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئاً فهو الشرك فإن الله لا يغفر أن يشرك به . وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً فهو ظلم العباد بعضهم بعضاً فإن الله لا بد

أن ينصف المظلوم من الظالم . وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً فهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه < . أي : مغفرة هذا الضرب ممكنة بدون رضى الخلق فإن شاء عذب هذا الظالم لنفسه وإن شاء غفر له . وقد بسطنا الكلام في هذه الأبواب الشريفة والأصول الجامعة في القواعد وبينا أنواع الظلم وبينا كيف كان الشرك أعظم أنواع الظلم ومسمى الشرك جليله ودقيقه فقد جاء في الحديث : > الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل < . وروي أن هذه الآية نزلت في أهل الرياء : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } الكهف : 110 ] . وكان شداد بن أوس يقول : يا بقايا العرب يا بقايا العرب إنما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية . قال أبو داود السجستاني صاحب > السنن < المشهورة : الخفية حب الرياسة . وذلك أن حب الرياسة هو أصل البغي والظلم كما أن الرياء هو من جنس الشرك أو مبدأ الشرك . والشرك أعظم الفساد كما أن التوحيد أعظم الصلاح ولهذا قال تعالى : { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين } القصص : 4 ] . إلى أن ختم السورة بقوله { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً } القصص : 83 ] . وقال : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوًا كبيرًا } الإسراء : 4 ] . وقال : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } المائدة : 32 ] . وقالت الملائكة : { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } البقرة : 30 ] . فأصل الصلاح التوحيد والإيمان وأصل الفساد الشرك والكفر كما قال عن المنافقين : { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون } البقرة : 11 ] . وذلك أن صلاح كل شيء أن يكون بحيث يحصل له وبه المقصود الذي يراد منه ولهذا يقول الفقهاء : العقد الصحيح ما ترتب عليه أثره وحصل به مقصوده والفاسد ما لم يترتب عليه أثره ولم يحصل به مقصوده والصحيح المقابل للفاسد في اصطلاحهم هو الصالح : وكان يكثر في كلام السلف : هذا لا يصلح أو يصلح كما كثر في كلام

المتأخرين : يصح ولا يصح . و الله -تعالى- إنما خلق الإنسان لعبادته وبدنه تبع لقلبه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : > ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب < . وصلاح القلب في أن يحصل له وبه المقصود الذي خلق له من معرفة الله ومحبته وتعظيمه وفساده في ضد ذلك فلا صلاح للقلوب بدون ذلك قط . والقلب له قوتان : العلم والقصد كما أن للبدن الحس والحركة الإرادية فكما أنه متى خرجت قوى الحس والحركة عن الحال الفطري الطبيعي فسدت . فإذا خرج القلب عن الحال الفطرية التي يولد عليها كل مولود وهي أن يكون مقراً لربه مريداً له فيكون هو منتهى قصده وإرادته . وذلك هي العبادة إذ العبادة كمال الحب بكمال الذل فمتى لم تكن حركة القلب ووجهه وإرادته لله -تعالى- كان فاسداً إما بأن يكون معرضاً عن الله وعن ذكره غافلاً عن ذلك مع تكذيب أو بدون تكذيب أو بأن يكون له ذكر وشعور ولكن قصده وإرادته غيره لكون الذكر ضعيفا لم يجتذب القلب إلى إرادة الله ومحبته وعبادته وإلا فمتى قوي علم القلب وذكره أوجب قصده وعلمه قال تعالى : { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم } النجم : 29-30 ] . فأمر نبيه بأن يعرض عمن كان معرضاً عن ذكر الله ولم يكن له مراد إلا ما يكون في الدنيا . وهذه حال من فسد قلبه ولم يذكر ربه ولم ينب إليه فيريد وجهه ويخلص له الدين ثم قال وذلك مبلغهم من العلم فأخبر أنهم لم يحصل لهم علم فوق ما يكون في الدنيا فهي أكبر همهم ومبلغ علمهم . وأما المؤمن فأكبر همه هو الله وإليه إنتهى علمه وذكره وهذا الآن باب واسع عظيم قد تكلمنا عليه في مواضعه . وإذا كان التوحيد أصل صلاح الناس والإشراك أصل فسادهم والقسط مقرون بالتوحيد إذ التوحيد أصل العدل وإرادة العلو مقرونة بالفساد إذ هو أصل الظلم فهذا مع هذا وهذا مع هذا كالملزوزين في قرن فالتوحيد وما يتبعه من الحسنات هو صلاح وعدل ولهذا كان الرجل الصالح هو القائم بالواجبات وهو البر وهو العدل

والذنوب التي فيها تفريط أو عدوان في حقوق الله تعالى وحقوق عباده وهي فساد وظلم ولهذا سمي قطاع الطريق مفسدين وكانت عقوبتهم حقاً لله تعالى لاجتماع الوصفين والذي يريد العلو على غيره من أبناء جنسه هو ظالم له باغ إذ ليس كونك عالياً عليه بأولى من كونه عالياً عليك وكلاكما من جنس واحد فالقسط والعدل أن يكونوا إخوة كما وصف الله المؤمنين بذلك والتوحيد وإن كان أصل الصلاح فهو أعظم العدل ولهذا قال تعالى : { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } آل عمران : 64 ] . ولهذا كان تخصيصه بالذكر في مثل قوله : { قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين } الأعراف : 29 ] . لا يمنع أن يكون داخلا

ضاحك ضاحك ضاحك ضاحك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفتاوى........ الكبرى36(إبن تيمية)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: المنتدى الاسلامى :: الفقه الاسلامى-
انتقل الى: