منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:41 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**

وَقْفٌ للهِ تَعَالَىٰ


تَأْلِيفُ
عبد العزيز المحمد السلمان
المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

الجزء الثالث

طُبِِعَ عَلَى نَفَقَةِ مَنْ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وجْهَ اللهِ وَالدَار الآخرةَ فجَزاهُ اللهُ عن الإسلام والمسلمينَ خيرًا وغَفَر له ولوالديه ولمن يُعيدُ طِبَاعَتَه أو يُعِيْنُ عليها أو يَتَسبَب لها أو يُشِيرُ على مَنْ يُؤمِلُ فيه الخيرَ أن يَطبَعَه وقفًا للهِ تعالى يُوزَّع على إخوانِهِ المسلمين ... اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم


من أراد طباعته ابتغاء وجه الله تعالى (لا يريد به عرضًا من الدنيا)؛ فقد أُذن له، وجزى الله خيرًا من طبعه وقفًا أو أعان على طبعه أو تسبب لطبعه وتوزيعه على إخوانه المسلمين؛ فقد ورد عن النبي  أنه قال: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله» الحديث رواه أبو داود. وورد عنه  أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» الحديث رواه مسلم.
وعن زيد بن خالد  أن رسول الله  قال: «من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخير فقد غزا» متفق عليه.
يا طالبًا لعلوم الشرع مُجتهدًا
في الفقه أسئلةٌ تُهدَى وأجوبَةٌ
كَم حُكْمُ شَرْعِ بقال الله مُقترنًا
تَبغي الفوائدَ دَانِيها وقاصِيها
أَلْمم بها تَرتوي من عَذب صافيها
أو قالهُ المُصْطَفى أودَعْتُهُ فِيها



طُبِع على نفقة من يَبْتَغِي بذلك وجه الله والدار الآخرة فجزاه اللهُ عن الإسلام والمسلمين خيرًا، وكثر من أمثاله في المسلمين ... اللهم صل على محمد وآله وسلم.


بسم الله الرحمن الرحيم

- 1 -
باب الهْدْيِ والأُضْحِيَّةِ
س1: ما هو الهدي؟ وما هي الأضحية؟ وما حكمها وما دليل الحكم؟ واذكر ما تستحضره من خلاف ورجح لما ترى أنه الأرجح.
ج: الهدي: ما يهدى للحرم من نَعَمٍ وغيرها، والأضحية: ما يذبح من إبل وبقر وغنم أيام النحر بسبب العيد تقربًا إلى الله تعالى، ومشروعيتهما ثابتة بالكتاب والسُّنة والإجماع. أما الهدي: فقال تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
ومن السُّنة: ما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «تمتع رسول الله  في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة».
رواه الشيخان، وقال علي : «أهدى النبي  مائة بَدَنةً، فأمرني بلحومها فقسمتها، وأمرني بجلالها ثم بجلودها فقسمتها» رواه البخاري.
وأما الأضحية فلقوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال جمع من المفسرين: المراد التضحية بعد صلاة العيد، ومن السُّنة: حديث أنس «ضحى النبي  بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر» متفق عليه. قال ابن القيم –رحمه الله-: والذبائح التي هي قربة إلى الله تعالى وعبادة هي الهدي والأضحية والعقيقة، وقال: القربان للخالق يقوم مقام الفدية عن النفس المستحقة للتلف فدية وعوضًا وقربانًا إلى الله وعبودية، ولم يكن للنبي  يدع الهدي، فثبت أنه أهدى مائة من الإبل في حجة الوداع وأرسل هديًا في غيرها ولم يكن يدع الأضحية.
وقد اختلف العلماء فيه فيها، فقيل: إنها سُّنة مؤكدة، وقيل: إنها واجبة. استدل القائلون بأنها سُّنة بما ورد عن جابر، قال: صليت مع رسول الله  عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه، فقال: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وعن علي بن الحسين عن أبي رافع «أن رسول الله  كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين» الحديث رواه أحمد. وروى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس، عن النبي  أنه قال: «ثلاث كتبن عليّ وهنّ لكم تطوع»، وفي رواية: «الوتر والنحر وركعتا الفجر»؛ ولأن النبي  قال: «من أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئًا» رواه مسلم. عله على الإرادة والواجب لا يعلق على الإرادة. وروي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يرى ذلك واجبًا؛ ولأنها ذبيحة لم يجب تفرقة لحمها فلم تكن واجبة كالعقيقة.
وهذا قول أكثر أهل العلم، روي ذلك عن أبي بكر وعمر وابن مسعود ، وبه قال سويد بن غفلة وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء والشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر. وقال ربيعة ومالك والثوري والليث والأوزاعي وأبو حنيفة هي واجبة لقوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ قال جمع من المفسرين: المراد التضحية بعد صلاة العيد والأمر للوجوب، ولما ورد عن أبي هريرة  أن رسول الله  قال: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» رواه أحمد وابن ماجه.
والذي يترجح عندي ما قاله الجمهور:أنها سُّنة مؤكدة على من قدر عليها من المسلمين المقيمين والمسافرين إلا الحاج بمنى. فقال مالك: لا أضحية عليهم، اختاره الشيخ تقي الدين وغيره. والله سبحانه أعلم.
ورخص بعض أهل العلم في الأضحية عن الميت، ومنع بعضهم؛ وقول من رخص مطابق للأدلة ولا حجة مع من منع. ومن الأدلة على سنية التضحية عن الميت ما ورد عن جابر بن عبدالله  قال: «صليت مع النبي  عيد الأضحى فلما انصرف أتى بكبش فذبحه، فقال: «بسم الله والله أكبر اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي»» رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وعن علي بن الحسين عن أبي رافع أن رسول الله  كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين؛ فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: «اللهم هذا عن أمتي جميعًا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ»، ثم يؤتى بالآخر فذبحه بنفسه، فيقول: «هذا عن محمد وآل محمد، فيطعمها المساكين» الحديث رواه أحمد، فهذان الحديثان فيهما دلالة واضحة على الأضحية عن الأموات؛ لأن من أمته  المُضحي عنهم الأحياء والأموات، ولو كانت مختصة بالأحياء لما أهمله ، وتقدمت الأدلة الدالة على أن من فعل قربة وجعل ثوابها لحي مسلم أو ميت نفعه ذلك. في الجزء الأول في آخر كتاب الجنائز (ص276).
** ** **
س2: متى شرعت الأضحية، وهل تجزي من غير بهيمة الأنعام؟ وما الأفضل أضحية من بهيمة الأنعام لمن يريد أن يضحي بأحدها؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: شرعت في السنة الثانية من الهجرة كالعيدين وزكاة المال وزكاة الفطر. ولا تجزي الأضحية من غير بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم الأهلية؛ لقوله تعالى: لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ، وقال: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ.
والأفضل في هدي وأضحية إبل فبقر فغنم إن أخرج ما أهداه أو ضحى به من بدنة أو بقرة كاملاً لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن» الحديث متفق عليه؛ ولأنها أكثر لحمًا وأنفع للفقراء والأفضل من كل جنس أسمن فأغلى ثمنًا لقوله تعالى: وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ.
قال ابن عباس: تعظيمها استسمانها واستحسانها؛ ولأنه أعظم لأجرها وأكثر لنفعها، وقال أبو أمامة عن سهل: كنا نُسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون. رواه البخاري، وروى استفرِهوا ضحاياكم فإنها في الجنة مطاياكم.
** ** **
س3: ما أفضل ألوانها وهل يفرق بين الذكر والأنثى في الأضحية؟ وأيما أفضل؟ أضحية بعشرة أو اثنتان بتسعة؟
ج: الأفضل الأشهب وهو الأملح وهو الأبيض النقي البياض. قاله ابن الأعرابي، أو ما بياضه أكثر من سواده. قال الكسائي: لما روى عن مولاة ابن ورقة بن سعيد قالت: قال رسول الله : «دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين» رواه أحمد بمعناه.
وعن أبي هريرة أن النبي  قال: «دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين» رواه أحمد. والعفراء التي بياضها ليس بناصع، وقال أبو هريرة: دم بيضاء أحب إلى الله من دم سوداوين.
وعن علي بن الحسين عن أبي رافع: «أن رسول الله  كان إذا أضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين» الحـديث رواه أحـمد. وعـن أبي سعيد قال: «ضحى رسول الله  بكبش أقرن مخب يأكل في سواد ويمشي في سواد وينظر في سواد» رواه الخمسة إلا أحمد وصححه الترمذي.
وعن عائشة: «أن النبي  أمر بكبش أقرن بطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد» الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
ثم يلي الأملح الأصفر ثم الأسود، وكلما كان أحسن لونًا فهو أفضل، قال الإمام أحمد: يعجبني البياض وذكر وأنثى سواء؛ لقوله تعالى: لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ولم يقل ذكر ولا أنثى.
وقد ثبت «أن النبي  أهدى جملاً كان لأبي جهل في أنفه برة من فضة» رواه أبو داود وابن ماجه. قال أحمد: الخصي أحب إلينا من النعجة؛ لأن لحمه أوفر وأطيب، والخصي: ما قطعت خصيتاه أو سلتا.
وقال الموفق –رحمه الله-: الكبش في الأضحية أفضل النعم؛ لأنها أضحية النبي ، وأفضل من ثنى معز جذع ضأن، قال أحمد: لا تعجبني الأضحية إلا بالضأن؛ ولأنه أطيب لحمًا من ثنى المعز وأفضل من سبع بدنة أو سبع بقرة، وسبع شياه أفضل من بدنة أو بقرة.
وزيادة عدد في جنس أفضل من المغالاة مع عدم التعدد. فبدنتان سمينتان بتسعة أفضل من بدنة بعشرة لما فيه من إراقة الدماء، ورجح شيخ الإسلام البدنة التي بعشرة على البدنتين بتسعة لأنها أنفس.
والذي يترجح عندي أن التعدد أفضل لما فيه من تعدد إراقة الدماء، ولما في التعدد من كثرة الشعر والصوف، فقد ورد عن زيد بن أرقم قال: قلت: أو قالوا: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: «سُّنة أبيكم إبراهيم»، قالوا: ما لنا منها؟ قال: «بكل شعرة حسنة»، قالوا: فالصوف. قال: «بكل شعرة من الصوف حسنة» رواه أحمد وابن ماجه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

س4: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: السن المجزى في الأضحية، الشاة عن الرجل وأهل بيته وعياله، إذا اشترك جماعة في بدنة أو بقرة وأراد بعضهم قربة وبعضهم لحمًا أو كان بعضهم ذميًا، الجواميس في الهدي والأضحية، إذا ذبح الأضحية على أنهم سبعة فبانوا ثمانية، إذا اشترك اثنان في شاتين على الشيوع، ذا اشترى سبع بدنة أو بقرة ذبحت للحم ليضحي به. اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: لا يجزي في الأضحية إلا الجذع من الضأن وهو ما له ستة أشهر، ويدل لإجزائه ما روت أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله  قال: «يجزي الجذع من الضأن أضحية» رواه ابن ماجه، والهدي مثله، والفرق بين جذع الضأن والمعز أن جذع الضأن ينزو فيلقح بخلاف الجذع من المعز، قاله إبراهيم الحربي.
ويعرف كونه أجذع بنوم الصوف على ظهره، ولا يجزي إلا الثني مما سواه، فثني الإبل ما كمل له خمس سنين، وثني بقر ما له سنتان كاملتان؛ لقوله : «لا تذبحوا إلا مسنة؛ فإن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن» رواه مسلم. والثنية من البقر هي المسنة، وثني معز ما له سنة كاملة.
وقال الشيخ تقي الدين: يجوز التضحية بما كان أصغر من الجذع من الضأن لمن ذبح قبل صلاة العيد جاهلاً بالحكم إذا لم يكن عنده ما يعتد به في الأضحية وغيرها، لقصة أبي بردة ويحمل قوله –عليه الصلاة والسلام-: «ولن تجزي عن أحد بعدك أي بعد ذلك» قاله في «الإنصاف».
وتجزي الشاة عن واحد وعن أهل بيته وعياله مثل امرأته وأولاده ومماليكه لما ورد عن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الأضحية فيكم على عهد رسول الله ؟ قال: كان الرجل في عهد رسول الله  يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون
حتى تباهي الناس فصاروا كما ترى. رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
وعن الشعبي عن أبي سريحة، قال: حملني أهلي على الجفاء بعدما علمت من السنة، كان أهل البيت يضحون باشاة والشاتين والآن يبخلنا جيراننا. رواه ابن ماجه، ولحديث: «على كل أهل بيت في كل عام أضحية».
وإن اشترك ثلاثة في بدنة أو بقرة أوجبوها على أنفسهم لم يجز أن يشركوا غيرهم فيها.
وإن ذبح قوم على أنهم سبعة فبانوا ثمانية ذبحوا شاة وأجزأهم ذلك، وإذا اشترك اثنان في شاتين على الشيوع أجزأ ذلك عنهما، وتجزي بدنة أو بقرة عن سبعة، روي عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة لحديث جابر: «نحرنا بالحديبية مع النبي  البدنة والبقرة عن السبعة» رواه مسلم. ويعتبر ذبح البدنة والبقرة عنهم لحديث: «إنما الأعمال بالنيات»، وسواء أراد كلهم قربة أو أراد بعضهم لحمًا أو كان بعضهم مسلمًا وأراد القربة وبعضهم ذميًا، ولكل ما نوى؛ لأن الجزء المجزي لا ينقص أجره بإرادة الشريك غير القربة ولو اختلفت جهات القربة والقسمة إفراز لا بيع.
وإذا اشترى سبع بدنة أو بقرة ذبحت للحم، فهو لحم اشتراه وليست أضحية. والجواميس في الهدي والأضحية كالبقرة في الإجزاء والسن وإجزاء الواحدة عن سبعة؛ لأنها نوع منها. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س5: تكلم بوضوح عما يلي: الجماء، البتراء، الخصي، مرضوض الخصيتين، ما خلق بلا أذن، ما ذهب نصف أليته، العوراء، قائمة العين مع ذهاب إبصارها، العجفاء، الهزيلة، العوجاء، المريضة، الجداء، الهتماء، الصمعاء، العضباء، المعيبة... إلخ.
ج: يجزي في الأضحية والهدي: جماء: لم يخلق لها قرن، وبتراء: لا ذنب لها خلقة أو مقطوعًا، وتجزي صمعاء: وهي صغيرة الأذن، وخصي: ما قطعت خصيتاه أو سلتا، ومرضوض الخصيتين: لأنه  ضحى بكبشين مرجوءين، والوجوء: رض الخصيتين، ويجزي في هدي وأضحية من إبل وبقر أو غنم ما خلق بغير أذن، أو ذهب نصف إليته فما دون.
ولا يجزي فيهما قائمة العينين مع ذهاب إبصارهما؛ لأن العمى يمنع مشيها مع رفيقتها ويمنع مشاركتها في العلف، وفي النهي عن العوراء التنبيه على العمياء.
ولا يجزي فيها عجفاء لا تنقي وهي الهزيلة التي لا مخ فيها ولا عرجاء لا تطيق مشيًا مع صحيحة، ولا بينة المرض لحديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله : «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة التي لا تنقى» رواه الخمسة وصححه الترمذي.
وعن أبي سعيد قال: اشتريت كبشًا أضحي به فعدا الذئب فأخذ الألية، قال: فسألتُ النبي ، فقال: «ضح به» رواه أحمد. ولا تجزي جداء وهي الجدباء، وهي ما شاب ونشف ضرعها؛ لأنها في معنى العجفاء بل أولى.
ولا تجزي فيهما هتماء وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها كالتي قبلها، ولا يجزي فيهما خصي مجبوب، ولا عضباء وهي ما ذهب أكثر أذنها أو أكثر قرنها لحديث علي قال: «نهى النبي  أن يضحى بأعضب الأذن والقرن» قال: ذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: العضب النصف فأكثر. رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
وتكره معيبة الأذن والقرن بخرق أو شق أو قطع لنصف منهما فأقل، لحديث علي «أُمرنا أن نستشرق العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء» أخرجه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
وروى يزيد ذو مصر، قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي، فقلت: يا أبا الوليد، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئًا يعجبني غير ثرماء، فما تقول؟ قال: ألا جئتني أضحي بها، قال: سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني، فقال: نعم، إنك تشك ولا أشك؛ إنما «نهى النبي  عن المضفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء. فالمضفرة التي تستأصل أذنها متى تبدو صماخها، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفًا وضعفًا، والكسراء التي لا تنقى» رواه أبو داود وأحمد والبخاري في «تاريخه»، وفي «الاختيارات الفقهية»: وتجزي الهتماء التي سقط بعض أسنانها في أصح الوجهين (ص120).
س6: تكلم عن صفة ذبح بهيمة الأنعام مقرونة بالدليل.
ج: السُّنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، لما روى زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر أتى على رجل أناخ بدنة لينحرها، فقال: «ابعثها قائمة مقيدة سُّنة محمد » متفق عليه. وروى أبو داود بإسناده عن عبدالرحمن بن سابط: أن النبي  وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة، وقيل في تفسير قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ أي قيامًا؛ لكن إن خشي أن تنفر عليه أناخها.
والسُّنة ذبح بقر وغنم على جنبها الأيسر موجهة إلى القبلة؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ولحديث أنس أن النبي  ضحى بكبشين ذبحهما بيده.
ويجوز ذبح الإبل ونحر البقر والغنم، ويحل لأنه لم يجاوز محل الزكاة ولعموم قوله : «ما أنهر الدم وذكر اسم الله، فكل».

س7: اذكر ما يقوله الذابح مقرونًا بالدليل.
ج: يسمى وجوبًا حين يحرك يده بالنحر أو بالذبح؛ لقوله تعالى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، وقوله: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ وتسقط التسمية سهوًا، ويكبر استحبابًا، ويقول: اللهم هذا منك ولك؛ لما روي عن ابن عمر «أن النبي  ذبح يوم العيد كبشين، ثم قال حين وجههما: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك وإليك»» رواه أبو داود.
وإن قال بعد هذا: اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك فحسن لمناسبة الحال، وفي حديث لمسلم: أن النبي  قال: «اللهم تقبل من محمد وآل محمد وأمة محمد». وفي كتاب المهذب: والمستحب أن يقول: اللهم تقبل مني؛ لما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: ليجعل أحدكم ذبيحته بينه وبين القبلة، ثم يقول: من الله وإلى الله، والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان إذا ضحى قال: من الله والله أكبر، اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني.
** ** **
س8: تكلم عن إسلام الذابح ونيته، وحضور ذبحها، والتوكيل في ذلك، والدليل أو التعليل.
ج: سن إسلام ذابح لأنها قربة، ويكره أن يوكل في ذبح أضحيته ذميًا كتابيًا؛ لقول علي وابن عباس وجابر ولحديث ابن عباس الطويل مرفوعًا: «لا يذبح ضحاياكم إلا طاهر».
ولا تحل ذكاةُ وثنِيّ ومجوسي ومرتد، والمستحب أن يتولى المُهدي أو المُضحي الذبح أو النحر بنفسه لحديث أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، ووضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر فذبحهما بيده؛ ولأنه  نحر مما ساقه في حجته ثلاثًا وستين بدنة.
ويجوز أن يستنيب غيره؛ لما روى جابر «أن النبي  نحر ثلاثًا وستين بدنة بيده، ثم أعطى عليًا  فنحر ما غير» الحديث رواه أحمد ومسلم. ويستحب لمن وكل في تذكية أضحيته أن يحضرها؛ لأن في حديث ابن عباس الطويل: واحضروها إذا ذبحتم فإنه يغفر لكم عند أول قطرة من دمها. وروي أنه  قال لفاطمة: «احضري أضحيتك يغفر لك بأول قطرة من دمها».
ولا بأس أن يقول الوكيل: اللهم تقبل من دمها، ولا بأس أن يقول الوكيل: اللهم تقبل من فلان أي الموكل له. وتعتبر النية من الموكل وقت التوكيل في الذبح، وفي «الرعاية»: ينوي الموكل كونها أضحية غير الذكاة أو الدفع إلى الوكيل وإن كانت الأضحية معينة فلا تعتبر النية ولا تعتبر تسمية المضحى عنه اكتفاء بالنية.
س9: تكلم بوضوح عن وقت ذبح أضحية، وهدي نذر أو تطوع، وهدي متعة وقران، وعما إذا فاتت الصلاة بالزوال، وبين حكم الذبح ليلاً ووقت الأفضل في الذبح، وإن فات وقت الذبح فما الحكم، وما هي شروط الأضحية. واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.
ج: وقت الذبح أوله من بعد أسبق صلاة العيد ولو قبل الخطبة؛ لحديث جندب بن عبدالله البجلي أن النبي  قال: «من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى»، وعن البراء بن عازب قال: قال رسول الله : «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى» متفق عليه.
وقيل: لابد من صلاة الإمام وخطبته وهو مذهب مالك، ورواية عن الإمام أحمد. قال في «الكافي»:
وأول وقت الذبح في حق أهل المصر إذا صلى الإمام وخطب يوم النحر، انتهى. استدل له ما في الرواية الأخرى من حديث جندب، قال: صلى النبي  يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح. الحديث متفق عليه.
والأفضل أن يكون الذبح بعد الصلاة وبعد الخطبة وذبح الإمام إن كان خروجًا من الخلاف، ولو سبقت صلاة إمام في البلد جاز الذبح أو بعد قدرها بعد دخول وقتها في حق من لا صلاة في موضعه كأهل البوادي من أهل الخيام والخركاوات ومحوهم؛ لأنه لا صلاة في حقهم معتبرة فوجب الاعتبار بقدرها؛ فإن فاتت بالزوال ذبح عند الزوال فما بعده إلى آخر ثاني أيام التشريق، فأيام النحر ثلاثة: يوم العيد ويومان بعده. وهو قول عمر وابنه وابن عباس وأبو هريرة وأنس.
وروي أيضًا عن علي، قال أحمد: أيام النحر ثلاثة من غير واحد م أصحاب رسول الله ؛ لأنه  نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ويستحيل أن يباح ذبحها في وقت يحرم أكلها فيه، ونسخ أحد الحكمين لا يلزم منه رفع الأجزاء.
وقال : أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده. وقال عطاء والحسن وغيرهما: وهذا مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره ابن المنذر والشيخ تقي الدين وغيرهما، قال ابن القيم: ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى وأيام التشريق، ويحرم صومها فهي إخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع، وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي  أنه قال: «كل منى منحر، وكل أيام التشريق ذبح» وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما الذبح في الليل فيكره خروجًا من خلاف من قال
بعدم جوازه فيها كمالك، قال الوزير: اتفقوا على أنه يجوز
ذبح الأضحية ليلاً في وقتها المشروع لها كما يجوز في نهاره
إلا مالكًا، وأبو حنيفة يكرهه مع جوازه، والتضحية وذبح هدي في أول أيام الذبح وهو يوم العيد أفضل وأفضله عقب الصلاة والخطبة وذبح الإمام إن كان لما فيه من المبادرة والخروج من الخلاف؛ فإن فات الوقت للذبح قضي الواجب وفعل به كالأداء المذبوح في وقته، كما لو ذبحها في وقته فلا يسقط الذبح بفوات وقته كما لو ذبحها في وقتها، ولم يفرقها حتى خرج وسقط التطوع بخروج وقته لأنه سُّنة فات محلها، فلو ذبحه وتصدق به كان لحمًا تصدق به، ووقت ذبح هدي واجب بفعل محظور من حين فعل المحظور كالكفارة بالحنث، وإن أراد فعله لعذر يبيحه فله ذبحه قبل فعل المحظور لوجود سببه، كإخراج كفارة عن يمين بعد حلف، وقيل: حنث، وكذا دم وجب لترك واجب في حج أو عمرة فيدخل وقته من تركه، وشروط أضحية أربعة:
1- نعم أهلية.
2- سلامتها من عيوب مضرة.
3- دخول وقت ذبح.
4- صحة ذكاة أن يذبحها مسلم أو كتابي. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

من النظم مما يتعلق بالهدي والأضحية
هذا بيان الهدي إن كنت مهديًا
فحافظ على تجويده تلقه غدًا
ففي كل شعر منه والوبر قربة
وأفضلها كوم من البدن بعدها
ومجزؤها جذع من الضأن ثم من
فيجزئ باستكمال ستة أشهر
ومن بقر ما جاز عامين عمره
وتجزئ إحدى البدن عن سبعة
فإن بان فيهم ثامن بعد ذبحها
وسبع من الأغنام تعدل ناقة
ويجزئ سبع مع شريك لقربة
ولم يجز مع عيب يضر بلحمها
فلا تجزئ العوراء ع خسف عينها
ولا تجزئ العجفاء يا صاح فيهما
ولا عاجز خلف القطيع لسقمه
ولا تجزئ العمياء وما جف ضرعها
ولا كل مجبوب ووجهان خذهما
ويكره عيب في الأذان بخرقها
ويجزئ خصي لم يجب وضحين
وسُّنة نحر البدن قائمة أنت
بنقرة أصل الصدر في رأس صدرها
وذبحك غير البدن يا صاح سُّنة
وسم وكبر ثمت انو لذبحها
فإن لم تسمى ساهيًا فمباحة
ويحرم ذبح من مجوس وعابد
ومن لبة المنحور موضع ذبحه
وبشرط قطع الحلق ثم مريه
وبكره إعجاله بقطعك عضوها
وعن ذبح حمل الأم يجزي ذبحها
وميقات ذبح الهدي عن ترك واجب
من الزمن المحتوم إيجابه به
وبعد صلاة العيد أو بعد قدرها
لأضحية والهدي عن متعة وعن
وقد قيل من بعد الصلاة وخطبة
فإن لم يصليها الإمام بمصره
ويومان بعد العيد مع ليلتيهما
فإن فات فاقض الفرض حتمًا ونقله
وقربان من يبغي تقرب مهتد
وسام أولى العزم الكرام وجود
وللفضل في شهب وصفر فأسود
من البقر انحر ثم للغنم إقصد
سواها ثني مجزئ فيهما قد
ومن معز مستكمل الحول فاحدد
ومن إبل خمس السنين فقيد
مع التشارك قبل الذبح لا بعده اشهد
فيجزئ معها ذبحهم شاة أمهد
وخير من التشريك شاة لمفرد
سواها ومن لم يبغ غير المقدد
ومانع تكميل الفداء للتزيد
ووجهين في عميائها لم توهد
وذلك ما لا مخ فيه لقصد
ومعضوب جل القرن وأذنه أصدد
ولا ذات هتم من أصول المحدد
ببتراء والجماء غير مفند
وشق وقطع دون نصف محدد
بأي مكان شئت ما لم تقيد
ومعقولة اليسرى بطعن محدد
وقطعك مشروط الذكاة فأكد
ولا بأس في عكس لفعل معدد
وأن تترك الأولى بفعلك فاشهد
على أشهر الأقوال عكس التعمد
سوى الله والمرتد والمتولد
إلى الرأس أنى شئت في العنق اقدد
وعنه مع الأوداج فارو وأسند
قبيل زهوق الروح مع حله اشهد
إذا بان كالمذبوح أو ميتًا قد
وعن فعل محظور متى شئت فاقدد
وإن تستبح للعذر إن شئت فابتدي
لمن لم يصل وقت ذبح المرصد
قران وهدي النذر فافقه وحدد
وقد قيل مع ذبح الإمام المقلد
فبعد الزوال الذبح حسب فقيد
وفي الليل قول لا يجوز فقلد
لتنحر فإن تقضي تثابن وتحمد


-2-
فصل فيما يتعلق به الهدي والأضحية
س10: تكلم عما يتعين به الهدي والأضحية وما لا يتعين به، وحكم نقل الملك فيما تعين، وحكم تعيين معلوم العيب، وإذا بانت معينة مستحقة، وحكم ركوبها.
ج: يتعين هدي بقوله: ها هدي، أو بتقليده النعل أو العرى وآذان القرب بنية كونه هديًا أو بإشعاره بنية الهدي لقيام الفعل الدال على المقصود مع النية مقام اللفظ كبناء مسجد، ويأذن للناس في الصلاة فيه، وتتعين أضحية بقوله: هذه أضحية.
ويتعين كل من الهدي والأضحية بقوله: هذا أو هذه لله ونحوه، ولا يتعين هدي ولا أضحية بنية ذلك حال الشراء؛ لأن التعيين إزالة ملك على وجه القربة، فلم يؤثر فيه مجرد نية كالعتق والوقف، ولا يتعين هدي ولا أضحية بسوقه مع نيته كإخراجه مالاً للصدقة به فلا يلزمه التصدق به للخير، وما تعين من هدي أو أضحية جاز نقل الملك فيه، وشراء خير منه لحصول المقصود به مع نفع الفقراء بالزيادة، ولا يجوز بيع ما تعين في دين ولو بعد موت، وإن لم يترك غيره كما لو كان حيًا، وتقوم ورثته مكانه في أكل وصدقة وهدية، وإن عين معلوم عيبه في هدي أو أضحية تعين، وكذا لو عين معلوم العيب مما في ذمته من هدي أو أضحية فيلزمه ذبحه، ولا يجزئه هديًا ولا أضحية، ويملك ردّ ما علم عيبه بعد تعينه كما يملك أخذ أرشه، ولو بانت معيبة مستحقة لزمه بدلها، ويباح لمهد ومضح أن يركب هديًا وأضحية معينين لحاجة فقط بلا ضرر.
قال الله تعالى: لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ، قال أحمد: لا يركبها إلا عند الضرورة، وهو قول الشافعي

وابن المنذر وأصحاب الرأي؛ لأن النبي  قال: «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرًا» رواه أبو داود.
ولأنه تعلق بها حق المساكين فلم يجز ركوبها من غير ضرورة كملكهم، وإنما جوز عند الضرورة للحديث؛ فإن نقصها الركوب ضمن النقص لأنها تعلق بها حق غيره؛ وأما ركوبها مع عدم الحاجة ففيه روايتان: إحداهما: لا يجوز لما تقدم.
والثانية: يجوز لما روى أبو هريرة: «أن رسول الله  رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: «اركبها»، فقال: يا رسول الله، إنها بدنة. فقال: «اركبها» ويلك في الثانية أو في الثالثة» متفق عليه.
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
** ** **

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:41 am

س11: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا ولدت معينة من هدي أو أضحية، شرب لبنها، جز صوفها، ونحوه، إعطاء الجزار منها، ماذا يعمل بجلدها وجلها، بيع شيء منها إذا سرق مذبوح من هدي أو أضحية، إذا ذبح في وقتها بلا إذن ربها واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.
ج: إن ولدت معينة ابتداء أو عما في ذمته من هدي أو أضحية ذبح ولدها معها؛ لأنه تبع لأمه سواء كان حملاً حين التعيين أو حدث بعده إن أمكن حمله أو سوقه إلى النحر، وإلا يمكن حمله ولا سوقه فهو كهدي عطب، ولا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها، ولم يضرها ولا نقص لحمها؛ لما روي عن علي  أن رجلاً سأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إني اشتريت هذه البقرة لأضحي بها، وأنها وضعت هذا العجل، فقال: «لا تحلبها إلا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم الأضحى فاذبحها وولدها عن سبعة» رواه سعيد والأثرم.
وقال أبو حنيفة: لا يحلبها ويرش على ضرعها الماء حتى ينقطع اللبن؛ فإن احتلبها تصدق به؛ لأن اللبن متولد من الأضحية الواجبة، فلم يجز لمضح الانتفاع به كالولد والذي يترجح عندي القول الأول؛ ولكن الصدقة به أفضل خروجًا من الخلاف. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ويباح أن يجز صوفها ونحوه كوبرها وشعرها لمصلحة، كما لو كانت تسمن به وله الانتفاع به وبجلدها كلبنها؛ لما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: دفت دافة من أهل البادية حضرت الأضحى زمان رسول الله ، فقال رسول الله : «ادخروا الثالث وتصدقوا بما بقي» فلما كان بعد ذلك، قيل لرسول الله : يا رسول الله، لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويحملون من الودك ويتخذون من الأسقية، فقال رسول الله : «وما ذاك؟» قالوا: يا رسول الله، نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال رسول الله : «إنما نهيتكم من أجل الدافة، فكلوا وتصدقوا وادخروا» فدل على أنه يجوز اتخذ الأسقية منها، وكان مسروق وعلقمة يدبغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه؛ فإن كان بقاء الصوف ونحوه أنفع لها لقيها حرًا أو بردًا حرم جزه.
ويستحب أن يتصدق بالجلد والصوف ونحوه.
ويحرم بيع شيء منها أي الذبيحة، هديًا كانت أو أضحية، ويحرم بيع الجلد والجل، لما ورد عن علي  قال: «أمرني رسول الله  أن أقوم على بدنة، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها» الحديث متفق عليه. وللمضحي والمهدي إعطاء الجازر منها هدية وصدقة؛ لما في حديث علي: وأن لا أعطي الجزر منها شيئًا، وقال: «نحن نعطيه من عندنا» متفق عليه؛ ولقوله  في حديث أبي قتادة بن النعمان: «ولا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي، وتصدقوا واستمتعوا بجلودها».
قال الميموني: قالوا لأبي عبدالله: فجلود الأضحية نعطيها السلاخ، قال: لا، وحكى قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تعط في جزارتها شيئًا منها»، قال: إسناده جيد، وإن عين أضحية أو هديًا فسرق بعد الذبح، فلا شيء عليه. وكذا إن عينه عن واجب في الذمة، ولو كان وجوبه في الذمة بالنذر، فلا شيء فيه؛ لأنه أمانة في يده، فلا يضمنه بتلفه بلا تعد ولا تفريط كوديعة، وإن لم يعين ما ذبحه عن واجب في ذمته، وسرق ضمن.
وإن ذبح المعينة من هدي أو أضحية ذابح في وقتها بلا إذن ربها؛ فإن نواها عن نفسه مع علمه أنها أضحية الغير لم تجز واحدًا منهما، أو نواها عن نفسه ولم يعلم أنها أضحية الغير وفرق لحمها لم تجزئ عن واحد منهما، وضمن ذابح ما بين قيمتها صحيحة ومذبوحة إن لم يفرق لحمها، وضمن قيمتها صحيحة إن فرقه؛ لأنه غاصب متلف عدوانًا، وإلا يكن الذابح يعلم أنها أضحية الغير بأن اشتبهت عليه، ولم يفرق لحمها أو علمه ونواها عن ربها أو أطلق أجزأت عن مالكها، ولا ضمان.
** ** **
س12: تكلم عن أحكام ما يلي: إذا ضحى اثنان كل بأضحية الآخر غلطًا، إذا أتلف المعينة أجنبي أو صاحبها، إذا مرضت فخاف عليها، إذا فضل عن شراء المثل شيء.
ج: إذا ضحى اثنان كل منهما بأضحية الآخر غلطًا كفتهما، ولا ضمان على واحد منهما للآخر استحسنًا لإذن الشرع فيه، ولو فرقا اللحم، وإن بقي لحم ما ذبحه كل منهما تراداه؛ لأن كل منهما أمكنه أن يفرق لحم أضحيته بنفسه، فكان أولى به.
وإن أتلفها أجنبي أو أتلفها صاحبها فضمنها بقيمتها يوم التلف تصرف قيمتها في مثلها لتعينها بخلاف من تعين لعتق، فلا يلزمه صرف قيمته في مثله، ولو مرضت معينة فخاف صاحبها عليها موتًا، فذبحها، فعليها بدلها لإتلافه إياها، ولو تركها بلا ذبح فماتت، فلا شيء عليه؛ لأنها كوديعة عنده، ولم يفرط.
وإن فضل شيء عن شراء المثل، بأن كان المتلف شاة مثلاً تساوي عشرة، ورخصت بحيث يساوي مثلها خمسة اشترى بالفاضل عن شراء المثل شاة، أو اشترى به سبع بدنة، أو سبع بقرة إن أمكن، وإن شاء اشترى بالعشرة كلها شاة؛ فإن لم يبلغ الفاضل ثمن شيء من ذلك تصدق به أو بلحم يشتري به، ويتصدق به.
** ** **
س13: تكلم عن الهدي العاطب، وجعل علامة على الهدي ليعرف، وعن ما إذا تلف أو عاب، وعما إذا سرق المعين في الذمة، وتكلم عن استرجاع العاطب والمعيب والضال.
ج: إن عطب بطريق هدي واجب، أو تطوع بنية دامت، أو عجز عن المشي صحبة الرفاق ذبحه موضعه وجوبًا، وسن غمس نعله في دمه، وضرب صفحته بالنعل المغموسة في دمه لتعرفه الفقراء فتأخذه.
وحرم أكله أو أكل حاضنه من الهدي الذي عطب ونحوه لحديث ابن عباس أن ذؤيبًا أبا قبيصة حدثه رسول الله  كان يبعث معه بالبدن، ثم يقول: «إن عطب منها شيء فخشيت، فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب بها صفحتها، ولا تطعمها أنت ولا أحد من رفقتك» رواه مسلم. وفي لفظ: «ويخليها والناس، ولا يأكل منها هو، ولا أحد من أصحابه» رواه أحمد.
وعن ناجية الخزاعي، وكان صاحب بدن رسول الله ، قال: قلت كيف أصنع بما عطب من البدن، قال: «انحره واغمس نعله في دمه، واضرب صفحته، وخل بين الناس وبينه، فليأكلوه» رواه الخمسة إلا النسائي. وإن تلف الهدي أو عاب بفعله أو تفريطه، لزمه بدله كأضحية، يوصله إلى تمراء الحرم، وإلا يتلف أو يعيب بفعله أو تفريطه أجزأ ذبح ما تعيب عن واجب بالتعيين كتعيينه معينًا، فبرئ عن عيبه؛ لحديث أبي سعيد قال: ابتعنا كبشًا نضحي به، فأصاب الذئب من أليته، فسألنا النبي : «فأمرنا أن نضحي به» رواه ابن ماجه.
وإن وجب ما تعيب، بلا فعله ولا تفريطه، قبل تعيين كفدية من دم متعة وقران، أو لترك واجب أو فعل محظور، وكدم منذر في الذمة إذا عين عند ما تعيب، فلا يجزيه ذبحه عما في ذمته؛ لأن الواجب دم صحيح، فلا يجزي عنه معيب.
وعليه نظير ما تعيب، ولو راد الذي عينه عما في ذمته كدم تمتع، عين عنه بقورة مثلاً فتعيَّبت بفعله أو تفريطه يلزمه بقرة نظيرها لوجوبها بالتعيين.
وإن كان بغير تفريطه ففي «المغني» لا يلزمه أكثر مما كان في ذمته؛ لأن الزيادة وجبت بتعيينه، وقد تلفت بغير تفريطه فسقطت كما لو عين هديًا تطوعًا، ثم تلف. قاله في القاعدة الحادية والثلاثين ومعناه في الشرح. وكذا لو سرق المعين عما في الذمة أو ضل ونحوه، كما لو غضب فيلزمه نظيره، ولو زاد عما في الذمة. قال أحمد: من ساق هديًا واجبًا، فعطب أو مات، فعليه بدله.
وليس له استرجاع عاطب ومعيب وضال ومسروق وجد ونحوه، كمغصوب قدر عليه؛ لما روى الدارقطني عن عائشة: أنها أهدت هديين فأضلتهما، فبعث إليها ابن الزبير بهديين، فنحرتهما، ثم عاد الضالان، فنحرتهما، وقالت: هذه سُّنة الهدي، ولتعلق حق الله به، بإيجابه على نفسه، فلم يسقط بذبح بدله.
س14: متى يجب سوق الهدي؟ ومتى يُسن؟ وما الذي يُسن إشعاره، والذي لا يُسن؟ وأين موضع الإشعار؟ وأين موضع التقليد؟ وما حكمه؟ وإذا نذر هديًا وأطلق فما المجزئ؟ وإذا نذر فهل تجزئ البقرة؟ وتكلم عما إذا عين شيئًا بنذر، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: يجب هدي بنذر لحديث: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ولأنه نذر طاعة، فوجب الوفاء به كغيره من النذر، وسواء كان منجزًا أو معلقًا.
ومن النذر إن لبست ثوبًا من غزلك فهو هدي فلبسه، ونحوه من النذور المعلقة، على شرط إذا وجد وسن سوق حيوان أهداه من الحل؛ لأن النبي  فعله، فساق في حجة الوداع مائة بدنة، وكان يبعث بهديه إلى الحرم وهو بالمدينة.
ولا يجب سوقه أي الهدي؛ لأنه  لم يأمر به. والأصل عدم الوجوب إلا بالنذر؛ لحديث: «من نذر أن يطيع الله، فليطعه»، ويستحب أن يقفه بعرفة، روي عن ابن عباس، وكان ابن عمر لا يرى هديًا إلا ما وقفه بعرفة.
وسن إشعار بدن، وإشعار بقر بشق صفحته اليمنى من سنام أو شق محل السنام، مما لا سنام له من إبل أو بقر حتى يسيل الدم.
وسن تقليدهما مع غنم النعل وآذان القرب والعري؛ لما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فتلت قلائد بدن رسول الله ، ثم أشعرها، ثم بعث بها إلى البيت، فما حرم عليه شيء كان له حلاً متفق عليه. وعن عائشة: أن النبي  أهدى مرة إلى البيت غنمًا، فقلدها. رواه الجماعة، وفعله الصحابة أيضًا؛ ولأنه إيلام لغرض صحيح فجاز، كالكي والوسم والحجامة، وفائدته توقي نحو لص لها وعدم اختلاطها بغيرها؛ وأما الغنم فلا تشعر لأنها ضعيفة، وصوفها وشعرها يستره؛ وأما تقليده، فلحديث عائشة –وتقدم قبل ثلاثة أسطر-.
وإذا ساق الهدي من قبل الميقات، استحب إشعاره وتقليده في الميقات؛ لما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن رسول الله  صلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا ناقته، فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم عنها وقلدها نعلين» الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعن المسور بن مخرمة ومروان، قالا: خرج رسول الله  من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي
 الهدي، وأشعره وأحرم بالعمرة. رواه أحمد والبخاري وأبو داود. وإذا نذر هديًا مطلقًا، فأقل مجزي عن نذره شاة جذع ضأن، أو ثني معز، أو سبع من بدنة، أو بقرة لحمل المطلق في النذر على المعهود الشرعي.
وإن ذبح البدنة أو البقرة كانت كلها واجبة لتعينها عما في ذمته بذبحها عنه، وإن نذر بدنة أجزأُته بقرة إن أطلق البدنة لمساواتها لها. وإن نذر معينًا أجزأه ما عينه، ولو كان صغيرًا أو معيبًا أو غير حيوان، كعبد وثوب ودراهم وعقار، والأفضل كون الهدي من بهيمة الأنعام، لفعله .
** ** **
س15: أين محل الهدي عند الإطلاق وعند التعيين للموضع؟ تكلم بوضوح عن الدماء التي يؤكل منها والتي لا يؤكل منها، واذكر ما تستحضره من الدليل والتعليل.
ج: على الناذر إيصاله إن كان مما ينقل، أو إيصاله ثمن غير منقول كعقار لفقراء الحرم، لقوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ ولأن النذر يحمل على المعهود شرعًا، وسُئل ابن عمر عن امرأة نذرت أن تهدي دارً، قال: تبيعها وتتصدق بثمنها على فقراء الحرم، وكذا إن نذر سوق أضحية إلى مكة أو قال: لله عليَّ أن أذبح فيلزمه للخير.
وإن عين بنذره شيئًا غير الحرم، ولا معصية فيه، تعين ذبحًا وتفريقًا لفقراء ذلك الموضع؛ فإن كان الموضع الذي عينه به صم أو شيء من أمر الكفر أو المعاصي، كبيوت النار، والكنائس ونحوها، فلا يوف بنذر.
لما ورد عن ميمونة بنت كردم قالت: كنت ردف أبي فسمعته يسأل النبي : يا رسول الله، إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال: «أهي وثن أو طاغية» قال: لا، قال: «أوف بنذرك» رواه أحمد وابن ماجه.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا، مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية. قال: «لصنم؟» قالت: لا. قال: «لوثن؟» قالت: لا، قال: «أوف بنذرك» رواه أبو داود؛ ولأن نذر المعصية يحرم الوفاء به لقول النبي ، لا نذر في معصية الله؛ ولقوله : «ومن نذر أن يعصي الله، فلا يعصه».
وسن أكله وتفرقته من هدي التطوع لقوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وأقل أحوال الأمر الاستحباب، وقال جابر: كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث، فرخص لنا النبي ، فقال: «كلوا وتزودوا، فأكلنا وتزودنا» رواه البخاري، والمستحب أكل اليسير؛ لحديث جابر «أن النبي  أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها» رواه أحمد ومسلم؛ ولأنه نسك، فاستحب الأكل منه كأضحية.

مما يتعلق بالهدي والأضحية
وتعيين هدي التلفظ حاصل
وأضحية باللفظ لا باشترائه
فما لم يعين منهما لك ظهره
وليس يزيل الملك تعيين هديه
فإن شا يهبها أو يبيعها ويبدلن
وإن تفتقر فاركب إذا لم يضرها
ويضمنها إن نقصها بركوبها
ومن درها فاشرب عن الولد فاضلاً
ولا تعط جزارًا من اللحم أجرة
وإن شئت أبقيه لنفعك دائمًا
وأما الهدايا الواجبات فكلها
وإن سرقت من بعد ذبحك أجزأت
ولا غرم أن ينوي بذبح لربها
وعن أحمد الزمه في ذا ضمانها
ومتلفها ألزمه قيمتها وإن
من المثل أو من قيمة يوم هلكها
فإن مثلها أدى وأخرجه فاضلاً
وليس عليه غرم ثاو وضائع
فإن مات لم يذبحه مع خوف هلكه
وإن يتعيب بعد إجراء ذبحه
إذا كان عن هدي عليك محتم
وإن كل هدي واجب عن محله
ومن دمه عَلِّم بصفحته لكي
ولا يأكلن منه ولا رفقة له
كذا حكم هدي النقل إن لم يعد فإن
ولا فرق في الأحكام بين معين
وإن بنو أو ما ضل أو غاب أو عطب
ولا ترجعن في عاطب ومعيبه
وموصل هدي لم يعين محله
ويشرع سوق الهدي من حله وأن
وإشعار بدن في يمين سنامها
ولا شيء فيما قد تقدم واجب
وتجزئ في الإطلاق شاتك عن دم
وواجبها سبع إذا ما ذبحتها
ويجزيك ما أجزأك أضحية وما
ومنها تعين يجر إيصاله إلى
ولو إنه نذر معب وإن ترد
ويشرع ترك الأكل من هدي نقله
ولا يطمعن من واجب المهدي محرم
يحرم أكل من هدايا نذوره
وقولان في تحليل باقي دمائه
وإشعاره مع نية وتقلد
بنيته حال الشراء في الموطد
وما زاد واسترجاع ما لم تقدر
وأضحية من قبل ذبح بأوطد
بأجود في الأولى ومثل بمبعد
ومع ذبحها إيجاب ذبح المؤكد
لتعليق حق الغير ياذا الترشد
وجز متى ينفع وللفقر أجد
ولا جلدها حتمًا ولا الشعر وارقد
إذا كان من أضحية لا من الهدي
إلى أهلها أوصل بغير تقيد
وفي أي وقت مجزئ ذبح معتد
كذلك أن ينوي له في المؤكد
ولم يجز عن كل على نص أحمد
يكن ربها ألزمه بالمتزيد
وقيل من التعيين حتى التفسد
أجز واشترى مقدارها وبه جد
بلا رهنه وانحر لخوف الردى قد
ضمنت لتفريط وإلا فلا أشهد
وكان له هديًا وأضحية زد
وإلا فلا تضمن إذا لم تنكد
فذاك متى أفشى نواه وجدد
تدل على تحليله كل مرمد
وسيان ذو وفر وفقر ملدد
يعد قبل ذبح فهو ملك له طد
بنقل وعما كان في الذمة اطرد
فضمنه ما في ذمة بمجدد
وضائعه من بعد ذبح بأوكد
سليمًا فذاك يجزي عن متقصد
توقفه في الموقف المتأكد
وتقليد كل نحو نعل مقدد
وموج هدي نذره غير ما ابتدى
كذا سبع إحدى البدن والبقر احدد
بوجه ووجه كلها واجب جد
يرد بعيب في الضحايا هنا اردد
ربا مكة من غير تعيين مقصد
سوى مكة في النذر يلزم فاقصد
لإخراجه لله جد لا تردد
سوى الأكل من هدي لغير المفرد
وأكلك أيضًا من هدايا التصيد
التي وجبت في المذهب النفل فاعمد

** ** **
س16: متى تجب الأضحية؟ وأيما أفضل ذبحها أم الصدقة بثمنها؟ وما صفة العمل بلحمها؟ وما حكم الأكل منها؟ وما الذي يضمن منها؟ وهل لمالكها
لإهداء منها، وإذا منع الفقراء اللحم حتى أنتن، فما الحكم؟ وهل يكفي إطعام الفقير عن تمليه، وما حكم الادخار؟ واذكر الدليل أو التعليل.
ج: تجب الأضحية بالنذر لحديث: «من نذر أن يطيع الله فليطع، وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها»، وكذا هدي لحديث: «ما عمل ابن آدم عملاً أحب إلى الله من هراقة، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فيطيبوا بها نفسًا» رواه ابن ماجه – وقد ضحى النبي  وأهدى الهدايا والخلفاء بعده، ولو أن الصدقة بالثمن أفضل لم يعدلوا عه.
وسن أن يهدي وأن يأكل ويتصدق أثلاثًا؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا في الأضحية، قال: «ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث». قال الحافظ: قال أبو موسى: هذا حديث حسن، ولقوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ.
قال الحسن: القانع: الذي يسألك، والمعتر: الذي يتعرض لك ولا يسألك.
وقال مجاهد: القانع: الجالس في بيته، والمعتر: الذي يسألك، فجعلها بين ثلاثة، فدل على أنها بينهم أثلاثًا؛ ولقول ابن عمر: الضحايا والهدايا ثلث لك، وثلث لأهل بيتك، وثلث للمساكين، وإن أطعمها كلها أو أكثرها فحسن ولا يجب الأكل منها، ولا الإهداء منها؛ لأن النبي  نحر خمس بدنات، وقال: «من شاء فليقتطع، ولم يأكل منها شيئًا، ولأنها ذبيحة يتقرب بها إلى الله، فلم يجب الأكل منها كالعقيقة» فيكون الأمر للاستحباب.
ويضمن إن أكلها كلها ضمن أقل ما يقع عليه الاسم كالأوقية بمثله لحمًا، وقيل: العادة، وقيل: الثلث، ويعتبر تمليك الفقير فلا يكفي إطعامه؛ لأنه إباحة. وما ملك مضح أو مهد أكله كأكثرها فله هديته؛ لأنها في معنى أكله، وإلا يملك أكله، ضمنه بمثله لحمًا كبيعه وإتلافه.
ويضمن الهدي والأضحية، أجنبي أتلفه بقيمته كسائر المتقومات، وإن منع الفقراء منه حتى أنتن، ضمن نقصه وإن انتفع به وإلا فإنه يضمن قيمته كإعدامه.
ونسخ تحريم الادخار للحوم الأضاحي، لحديث: «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم» رواه مسلم، ولحديث عائشة مرفوعًا: «إنما نهيتكم للدافة التي دفت، فكلوا وتزودوا وتصدقوا وادخروا» قال الشيخ: إلا زمن مجاعة لأنه سبب الادخار، وقال: الأضحية من النفقة بالمعروف، فتضحي المرأة من مال زوجها عن أهل البيت بلا إذنه عند غيبته، أو امتناعه كالنفقة عليهم.
** ** **
س17: ما الذي يحرم على مريد الأضحية؟ ومتى أول وقت التحريم وآخره؟ واذكر الدليل والخلاف.
ج: إذا دخل عشر ذي الحجة، حرم على من يضحي أو يضحي عنه أخذ شيء من شعره، أو ظفره، أو بشرته إلى الذبح؛ لحديث أم سلمة مرفوعًا: «إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي». وفي رواية: «ولا من بشرته».
وقيل: يكره لقول عائشة - رضي الله عنها -: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله ، ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها، ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي. متفق عليه.
والذي يترجح عندي القول الأول. والله سبحانه أعلم.
وقد أجيب عن حديث عائشة، بأنه في إرسال الهدي، ومن «شرح الإقناع»، قال: وأيضًا، فحديث عائشة عام، وحديث أم سلمة خاص، فيحمل العام عليه، وأيضًا فحديث أم سلمة من قوله، وحديث عائشة من فعله. وقوله مقدم على فعله لاحتمال الخصوصية؛ فإن أخذ شيئًا من شعره أو ظفره أو بشرته تاب إلى الله تعالى لوجوب التوبة من كل ذنب.
وقال في «شرح الاقتباس»، قلت: وهذا إذا كان لغير ضرورة، وإلا فلا إثم كالمحروم، وأولى ولا فدية عليه إجماعًا، سواء فعله عمدًا وسهوًا. وإذا كان عند المضحي أكثر من واحدة، فإذا ذبح الأولى حل له الأخذ من شعره وظفره وبشرته.

من النظم مما يتعلق بالأضحية
وبادر إلى أضحية مستجيدها
وذبحك نفلاً فائق بذل قيمة
وتجزئ أهل البيت شاة جميعهم
فيشرع إهدا الثلث والصدقات بالثليث
وأوسطها أهد وكل أنث ثلثها
ويجزئك القدر المسمى وقيل ما
ويضمن ما يأتي على الكل ثلثها
وإما تعين في الضحايا معيبة
ولا نقض من أضحية الميت دينه
وفي العشر لا تقطع من الشعر إن ترد
وليست بذبح واجب في المؤكد
ولم يجز غير الذبح في فرضها قد
ولا يمنع الإيجاب أكلاً بأجود
وجوز أكل ثلث فازهد
كذا الحكم في هدي التطوع قيد
تهودي وقيل الثلث غير مقيد
وقيل الذي يجزي تصدقه قد
يجب ذبحها لحمًا وإن تبر جود
ووراثهُ فيها كحكم الملحد
تضح ولا ظفر وحرم بأجود



-3-
العقيقـة
س18: ما هي العقيقة؟ وما حكمها؟ ومن المخاطب بها؟ ومتى وقتها؟ وما هي الحكمة فيها؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف.
ج: أصل العقيقة، صوف الجذع، وشعر كل مولود من الناس، والبهائم الذي تولد عليه، يقال: عقيقية وعقة أيضًا بالكسر، وبه سميت الشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه عقيقة؛ لأنه يزال عنه الشعر يومئذ فسميت باسم سببها. وقال زهير يذكر حمارًا وحشيًّا:
أذلك أم أقب البطن جار
عليه من عقيقته عفاء

وقال امرؤ القيس:
فيا هند لا تنكحي بوهة
عليه عقيقته أحسبا

هو الذي شعر رأسه شقرة، وقيل: إنه مأخوذ من العق، وهو الشق والقطع، فسميت الذبيحة عقيقة؛ لأنه يشق حلقومها، وهي سُّنة مؤكدة عند الجمهور لأمره  وفعل أصحابه والتابعين المستفيض، قال مالك: لا اختلاف فيه عندنا، وهو المعمول به في الحجاز قديمًا وحديثًا، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.
لما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: سُئل رسول الله  عن العقيقة؟ فقال: «لا أحب العقوق» وكأنه كره الإسم، فقالوا: يا رسول الله، إنما نسألك عن أحدنا يولد له، قال: «من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما -: «أن النبي  عقّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا» رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة، وابن الجارود، وعبدالحق؛ لكن رجح أبو حاتم إرساله، وأخرج ابن حبان من حديث أنس نحوه.
وقيل: واجبة شرعت فدية يفدي بها المولود، كما فدى الله إسماعيل الذبيح بالكبش، وكانت تفعل في الجاهلية، فأقرها الإسلام وأكدها، وأخبر الشارع أن الغلام مرتهن بها.
فعن سمرة : أن رسول الله  قال: «كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويسمي» رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي. قال شيخ الإسلام: العقيقة فيها معنى القربان والشكر والصدقة والفداء، وإطعام الطعام عند السرور، فإذا شرع عند النكاح، فلأن يشرع عند الغابة المطلوبة، وهو وجود النسل أولى. وقال أحمد: إن استقرض رجوت أن يخلف الله عليه أحيا سُّنة واتبع ما جاء به عن ربه. قال ابن القيم: وهذا لأنها سُّنة ونسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة على الوالدين، وفيها سر بديع موروث عن فداء إسماعيل، بالكبش الذي ذبح عنه وفداه الله به، فصار سُّنة في أولاده بعده أن يفدي أحدهم عن ولادته بذبح يذبح، ولا يستنكر أن يكون هذا حرزًا له من الشيطان بعد ولادته كما كان ذكر اسم الله عند وضعه في الرحم حرزًا له من ضرر الشيطان. اهـ. في «تحفة المودود».
وفي العقيقة مصالح، منها: إظهار البِشْر النعمة، ومنها: نشر النسب، ومنها: اتباع سبيل السخاء وعصيان داعي الشح والبخل، فإن فات الذبح في اليوم السابع، ففي أربعة عشر، فإن فات، ففي إحدى وعشرين؛ لحديث بريدة عن النبي  قال: «في العقيقة تذبح لسبع، ولأربع عشرة، ولإحدى وعشرين» أخرجه الحسين بن يحيى بن عباس القطان، ويروى عن عائشة نحوه، ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك، فيعق أي يوم أراد لأنه قد تحقق سببها، وهي سُّنة في حق الأب.
** ** **
س19: ما مقدار العقيقة للذكر والأنثى؟ وما حكم ذبحها قبل السابع أو قبل الولادة؟ وهل يجزي فيها شرك في دم؟ وضح ذلك. وما الذي يُسن فعله في اليوم السابع غير الذبح؟ وهل يعق غير الأب، وإذا كبر ولم يعق عنه فما الحكم؟ وهل يعق عن اليتيم؟
ج: السُّنة أن يذبح عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة، لما ورد عن أم كرز الكعبية، أنها سألت رسول الله  عن العقيقة؟ فقال: «نعم، عن الغلام شاتان، وعن الأنثى واحدة، لا يضركم ذكرانًا أو إناثًا» رواه أحمد والترمذي وصححه، وتقدم حديث عمرو بن شعيب في الجواب الذي قبل هذا.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله : «عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة» رواه أحمد والترمذي وصححه. وفي لفظ: «أمرنا رسول الله  أن نعق عن الجارية شاة، وعن الغلام شاتين» رواه أحمد وابن ماجه.
ولأنه إنما شرع للسرور بالمولود، والسرور بالغلام أكثر، ولكونها فداء النفس، أشبهت الدية في كون الأنثى على النصف من الذكر؛ وهذا قول الأكثر.
وكان ابن عمر يقول: شاة شاة؛ لحديث بن عباس: «أن النبي  عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا» رواه أبو داود.
وقال مالك: شاة عن الذكر، والأنثى؛ كما هو قول ابن عمر، والقول الأول عندي أنه أرجح. والله سبحانه أعلم.

قال ابن القيم في الهدي: فإن قيل عقه عن الحسن والحسين، يكفي كبش، يدل على أن هديه أن على الرأس رأسًا. قالوا: ولأنه نسك، فكان على الرأس مثله كالأضحية، ودم التمتع، فالجواب: أن أحاديث الشاتين من الذكر، والشاة من الأنثى، أولى أن يؤخذ بها لوجوه:
أحدها: كثرتها. ثانيًا: أنها من فعل النبي  وأحاديث الشاتين من قوله، وقوله عام، وفعله يحتمل الاختصاص.
الثالث: أنها متضمنة لزيادة؛ فكان الأخذ بها أولى.
الرابع: أن الفعل يدل على الجواز؛ وللقول يدل على الاستحباب، والأخذ بهما ممكن فلا وجه لتعطيل أحدهما.
الخامس: أن قصة الذبح عن الحسن والحسين، كانت عام أُحد، والعام الذي بعده، وأم كرز سمعت من النبي  ما روته عام الحديبية، سنة ست بعد الذبح، عن الحسن والحسين، قاله النسائي في كتابه الكبير.
السادس: أن قصة الحسن والحسين، يحتمل أن يراد بها بيان جنس المذبوح، وأنه من الكباش لا في تخصيصه بالواحد، كما قالت عائشة: ضحى رسول الله  عن نسائه بقرة، وكن تسعًا؛ ومرادها الجنس لا التخصيص بالواحدة.
السابع: أن الله سبحانه فضل الذكر على الأنثى، كما قال: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى[36:3] ومقتضى التفاصيل ترجيحه عليها في الأحكام، وقد جاءت الشريعة بهذا التفضيل، في جعل الذكر كالأنثيين في الشهادة، والميراث والدية، فكذلك ألحقت العقيقة بهذه الأحكام.
الثامن: أن العقيقة تشبه العتق عن المولود؛ فإنه رهين بعقيقته، فالعقيقة تفكه وتعتقه، وكان الأولى أن يعق عن الذكر بشاتين، وعن الأنثى بشاة، كما أن عتق الأنثين يقوم مقام عتق الذكر، كما في «جامع الترمذي» وغيره.
عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله : «أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلمًا كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوًا منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضو منهما عضوًا منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوًا منها» وهذا حديث صحيح انتهى باختصار من (ص11، 12، 13، 14).
ويجوز ذبحها قبل السابع، قال في «تحفة المودود في أحكام المولود»: والظاهر أن التقيد بذلك، أي بالسابع، ونحوه استحبابًا، وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر، وما بعده أجزأه، والاعتبار بالذبح لا بيوم الطبخ والأكل، ولا تجزي بدنة أو بقرة إلا كاملة، فلا يجزي فيها شرك في دم لعدم وروده، وينوي عقيقة لحديث: «إنما الأعمال بالنيات».
ويسن حلق رأس صبي يوم السابع وتسميته؛ لحديث سمرة بن جندب مرفوعًا: «كل غلام رهينته بعقيقته تذبح يوم سابعه ويسمى ويحلق رأسه» رواه الأثرم وأبو داود، وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: «أن النبي  أمر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه، والعق عنه» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
قال ابن القيم: كانت التسمية حقيقتها تعريف الشيء المسمى؛ لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم، لم يكن له ما يقع تعريفه به، فجاز تعريفه يوم وجوده، وجاز تأخير التعريف إلى ثلاثة أيام، وجاز إلى يوم العقيقة عنه، ويجوز قبل ذلك وبعده، والأمر فيه واسع.
واتفقوا على أن التسمية للرجال والنساء فرض، حكاه ابن حزم وغيره، وفي قوله تعالى: وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ دليل على جوزه يوم الولادة، وقال : «ولد لي الليلة ولد، سميته باسم أبي إبراهيم» متفق عليه.

ولهما عن أنس: أنه ذهب بأخيه إلى رسول الله  حين ولدته أمه، فحنكه وسماه عبدالله، والتسمية للأب، فلا يسمي غيره مع وجوده.
قال ابن القيم: وهذا مما لا نزاع فيه بين الناس؛ ولأنه يدعي يوم القيامة باسمه، واسم أبيه.
ولا يعق المولود عن نفسه إذا كبر لأنها مشروعة في حق الأب، فلا يفعلها غيره كأجنبي؛ فإن عق غير الأب، والمولود عن نفسه بعد أن كبر، لم يكره لعدم الدليل عليها.
وقيل: يعق عن نفسه استحبابًا، إذا لم يعق عنه أبوه؛ لأنها مشروعة عنه، ولأنه مرتهن بها. قال الشيخ: يعق عن اليتيم من ماله كالأضحية أولى لأنه مرتهن بها بخلاف الأضحية، وقال بعضهم: مشروعة ولو بعد موت المولود.
** ** **
س20: تكلم بوضوح عما يلي: ماذا يسن بعد حلق رأس ذكر، الأذان والإقامة في أذني المولود، التحنيك، صفته، حكمه إذا اجتمع عقيقة وأضحية ونوى بالأضحية عنهما، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو تمثيل.
ج: يُسن أن يتصدق بزنة شعره فضة، لما ورد عن أبي رافع أن حسن ابن علي - رضي الله عنهما - لما ولد أرادت أمه فاطمة - رضي الله عنها - أن تعق عنه بكبشين، فقال رسول الله : «لا تعقي عنه؛ ولكن احلقي شعر رأسه، فتصدقي بوزنه من الورق»، ثم ولد حسين  فصنعت مثل ذلك. رواه أحمد.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي  عق عن الحسن والحسين - رضي الله عنهما - كبشًا كبشًا. رواه أصحاب السنن، ولفظ الترمذي: عق النبي  عن الحسن بشاة، وقال: «يا فاطمة احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة» فوزناه فكان وزنه درهمًا أو بعض درهم.

وسن أن يؤذن في أذن المولود اليمنى ذكرًا كان أو أنثى حين يولد، وأن يقام في اليسرى؛ لما ورد عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله  أذّن في أذن الحسين، حين ولدته فاطمة الصلاة. رواه أحمد، وكذلك أبو داود والترمذي وصححه، وقالا: الحسن، وللبيهقي عن ابن عباس أنه أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد، وأقام في أذنه اليسرى، وفيه ضعف.
وقال ابن اليم وغيره: سر التأذين أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه من الدنيا، وغير مستنكر وصول التأذين إلى قلبه، وتأثره به، وهروب الشيطان من الأذان، وأن تكون الدعوة إلى الله سابقة دعوة الشيطان وغير ذلك من الحكم.
وسن أن يحنك المولود بتمرة بأن تمضع، ويدلك بها داخل فمه، ويفتح فمه حتى ينزل إلى جوفه منها شيء؛ لما في «الصحيحين» من أبي بردة، عن أبي موسى، قال: ولد لي غلام، فأتيت به النبي  فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة، زاد البخاري: ودعا بالبركة ودفعه إليَّ، وكان أكبر ولد أبي موسى، وروى أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أسماء: أنها حملت بعبدالله ابن الزبير، فولدت بقباء، ثم أتت رسول الله  فوضعته في حجره، فدعا بتمرة فمضغها، ثم وضعها في فيه.
قال النووي وغيره: اتفق العلماء على استحاب تحنيك المولود عند ولادته بتمر، فإن تعذر، فما في معناه أو قريب منه من الحلو، أو أن يكون المحنك من الصالحين، وإذا اجتمع عقيقة وأضحية، ونوى بالأضحية عنهما أجزأت عنهما.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه «المودود في أحكام المولود»: كما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة، أو صلى بعد الطواف فرضًا أو سُّنة مكتوبة، وقع ما صلاه عنه وعن ركعتي الطواف، وكذا لو ذبح المتمتع
والقارن شاة يوم النحر، أجزأ عن دم المتعة أو القران، وعن الأضحية، وفي معناه لو اجتمع هدي وأضحية، فتجزي ذبيحة عنهما لحصول المقصود منهما بالذبح، وهو معنى قول ابن القيم.
** ** **
س21: تكلم عما يلي: لطخ رأس الصبي بزعفران، صفة العمل بعظمها ولحمها وأعضائها ما يعطي منها، وهل بينها وبين الأضحية فرق، وماذا يقول عند ذبحها، واذكر شيئًا من فوائدها، وما هي للفرعة، وما هي المعتبرة وما حكمها، اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.
ج: يستحب أن يلطخ رأسه بالزعفران، أو غيره من الخلوق؛ لما ورد عن بريدة الأسلمي، قال: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة، ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران. رواه أبو داود؛ ولما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانوا في الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة، ويجعلونها على رأس المولود، فأمرهم النبي  أن يجعلوا مكان الدم خلوفًا.
قال ابن القيم في «التحفة»: وسن لهم أن يلطخوا الرأس بالزعفران الطيب الرائحة، الحسن اللون، بدلاً عن الدم الخبيث الرائحة النجس العين، والزعفران من أطيب الطيب وألطفه وأحسنه لونًا، وكأن حلق رأسه إماطة الأذى عنه، وإزالة للشعر الضعيف ليخلفه شعر أقوى وأمكن منه وأنفع للرأس مع ما فيه من التخفيف عن الصبي، وفتح مسام الرأس ليخرج البخار منها بيسر وسهولة، وفي ذلك تقوية بصره وشمه وسمعه. انتهى.
ويستحب أن يفصلها أعضاء ولا يكسر عظمها؛ لما روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: السُّنة شاتان مكافأتان عن الغلام، وعن الجارية تطبخ جدولاً، ولا يكسر لها عظم ويأكل ويطعم ويتصدق، وذلك يوم السابع.
ويستحب أن يعطي القابلة فخذًا، لما في مراسيل أبي داود عن جعفر
ابن محمد، عن أبيه أن النبي  قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين: «أن ابعثوا إلى القابلة منها برجل»، وكالأكل والهدية والصدقة. روى ابن المنذر عطاء، عن أبي كرز وأم كرز، قالا: قالت امرأة من أهل عبدالرحمن بن أبي بكر لما ولدت امرأة عبدالرحمن نحرنا جزورًا، فقالت عائشة: لا بل السُّنة شاتان مكافأتان يتصدق بهما عن الغلام، وشاة عن الجارية تطبخ ولا يكسر لها عظم فتأكل وتطعم وتتصدق، يكون ذلك في السابع؛ فإن لم يفعل ففي الرابع عشر؛ فإن لم يفعل: ففي إحدى وعشرين.
قال ابن المنذر: وقال الشافعي: العقيقة سُّنة واجبة، ويتقي فيها من العيوب ما يتقي في الضحايا. انتهى.
ويجتنب في العقيقة ما يجتنب في الأضحية، فلا تجزي فيها العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها ونحوها، ويباع جلدها ورأسها وسواقطها، ويتصدق بثمنها، بخلاف الأضحية؛ لأن الأضحية أدخل منها في التعبد، والذكر أفضل في العقيقة؛ لأن النبي  عق عن الحسن والحسين بكبش كبش.
وحكمها حكم الأضحية في الضمان إذا أتلفها، والولد فيذبح معها، واللبن والصوف أو الشعر أو الوبر، فتستحب الصدقة، والذكاة فلا يجزي إخراجها حية والركوب، وما يجوز من الحيوان مما تقدم في الهدي والأضحية كاستحقاق استسمامها، وأن أفضل ألوانها البياض لاشتراكها في تعلق الفقراء بهما.
ويقول عند ذبحها: بسم الله، اللهم لك وإليك، هذه عقيقة فلان بن فلان؛ لحديث عائشة، قالت: قال النبي : «اذبحوا على اسمه فقولوا: بسم الله لك وإليك، اللهم هذه عقيقة فلان» رواه ابن المنذر، وقال: هذا حسن.
قال ابن القيم: ومن فوائدها أنه قربان يقرب به عن المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا، والمولود ينتفع بذلك غاية الانتفاع كما ينتفع بالدعاء، وإحضاره مواضع النسك والإحرام عنه، وغير ذلك.
ومن فوائدها أنها تفك رهان المولود؛ فإنه مرتهن بعقيقته، قال الإمام أحمد: مرتهن عن الشفاعة لوالديه، وقال عطاء بن أبي رباح: مرتهن بعقيقته، قال: يحرم شفاعة ولده، ومن فوائدها أنها فدية يفدي بها المولود كما فدى الله سبحانه إسماعيل الذبيح بالكبش. انتهى.
الفرعة هي ذبح أول ولد الناقة، والعتيرة ذبيحة رجب؛ لما روى أبو هريرة  أن النبي  قال: «لا فرع ولا عتيرة» متفق عليه. وقيل: يكرهان، وهذا القول أرجح. والله أعلم.

من النظم ما يتعلق بالعقيقة
عن ابن بشاتين اعققن وعن ابنة
فإن لم تجد شاتين بالشاة فاجتز
ولا تكسرن عظمًا لها ثم حكمها
وفى سابع فاذبح ورابع عشرة
وحنكه من تمر أوان ولادة
وفي سابع يسمى ويحلق رأسه
ويكره ختن الطفل في سابع على الأصح
فإن فات أخره لوقت اشتداده
وعن نفسك اعقق حين تكبر واقضها
وبيع جلود والسواقط جائز
وليس بمسنون عتيرة مزجب
بشاة لندب لا وجوب بأوكد
عن ابن وفرقها جدولا تسدد
كأضحية في كل حكم معدد
متى فات ثم إحدى وعشرين فاقصد
وفي أذنيه بالأذانين غرد
ومن ورق مقداره زنة جد
وفي إحدى وعشرين جود
وأسماءه حسن فعبد وحمد
فقد فعل المختار ذا فيه فاقتد
وقيمتها أعط الفقير بأجود
ولا فرعة البدن أول مولد


** ** **
س22: تكلم بوضوح عما يلي، أحب الأسماء إلى الله التسمية بأكثر من واحد، ما يكره من الأسماء، المحرم من الأسماء، ما لا يكره التسمي به، تغيير الاسم القبيح، الكنى والألقاب.
ج: تقدم أن التسمية للأب، ويُسن أن يحسن اسمه لقوله :
«إنكم تدعون يوم القيامة، بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم» رواه أبو داود. وأحب الأسماء إلى الله: عبدالله، وعبدالرحمن؛ لما ورد عن
ابن عمر قال رسول الله : «إن أحب أسمائكم إلى الله عبدالله وعبدالرحمن» رواه مسلم في «صحيحه»، وعن جابر قال: ولد لرجل منا غلام، فسماه القاسم، فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم، ولا كرامة، فأخبر النبي –عليه الصلاة والسلام-، فقال: «سم ابنك عبدالرحمن» متفق عليه.
وكل ما أضيف إليه اسم من أسماء الله فحسن، كعبدالرحمن، وعبدالرحيم، وعبدالسلام، وعبدالقادر، وعبدالعظيم، وعبدالحميد، وعبدالمحسن، وعبدالرزاق، وعبدالخالق، وعبدالسميع، وعبدالمهيمن، وعبدالمجيد.
وقال رسول الله : «يا بني عبدالله، إن الله قد أحسن اسمكم»، وكذا أسماء الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- كإبراهيم، ونوح، ومحمد، وموسى، وعيسى، وسليمان وشببها لحديث ونهب الجشمي مرفوعًا: «تسموا بأسماء الأنبياء» الحديث رواه أحمد، وحديث: «تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي» وتجوز التسمية بأكثر من واحد، كما يوضع له اسم وكنية ولقب.
قال ابن القيم: وأما أسماء الرب تعالى وأسماء كتابه، وأسماء رسوله، فلما كانت نعوتًا دالة على المدح والثناء، لم تكن من هذا الباب، بل من باب تكثير الأسماء لجلالة المسمى وعظمته وفضله؛ قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى.
وفي «الصحيحين» من حديث جبير بن معظم قال: قال رسول الله : «لي خمسة أسماء أنا محمد، وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي» انتهى. والاقتصار على اسم واحد أولى، لفعله  في أولاده. ويكره من الأسماء حرب، ومرة، وحزب، ونافع، ويسار، وأفلح، ونجيح، وبركة، ويعلى، ومقبل، ودافع، ورياح، والعاصي، وشهاب، والمضطجع، ونبي ونحوها؛ وكذا ما فيه تزكية كالنقي، والزكي، والأشرف، والأفضل، وبرة.
قال القاضي: وكل ما فيه تفخيم وتعظيم؛ روى مسلم في «صحيحه» عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله : «لا تسمين غلامك يسارًا، ولا رباحًا، ولا نجاحًا ولا أفلح؛ فإنك تقول: أثم هو، فلا يكون». وفي «التحفة»: وفي معنى هذا مبارك، ومفلح، وخير، وسرور، ونعمة وما أشبه ذلك؛ فإن المعنى الذي ذكره له النبي  التسمية بتلك الأربعة موجود فيها، فإنه يقال: أعندك سرور، أعندك نعمة، فيقول: لا، فتشمئز القلوب من ذلك، وتتطير به، وتدخل في باب المنطق المكروه.
وفي الحديث: أنه كره أن يقال خرج من عند برة مع أن فيه معنى آخر يقتضي النهي، وهو تزكية النفس بأنه مبارك، ومفلح.
وقد لا يكون كذلك، كما رواه أبو داود في «سننه»: أن رسول الله  نهى أن تسمى برة، وقال: «لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم»، وفي «سنن ابن ماجه»: عن أبي هريرة، أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها فسماها النبي  زينب، ومنها التسمية بأسماء الشياطين كخنزب، والولهان، والأعور، والأجدع.
قال الشعبي عن مسروق: لقيت عمر بن الخطاب، فقال: من أنت؟ قلت: مسروق بن الأجدع، فقال عمر : سمعتُ رسول الله  يقول: «الأجدع شيطان»، وفي «سنن ابن ماجه» وزيادات عبدالله في مسند أبيه، من حديث أبي بن كعب، عن النبي ، قال: «إن للوضوء شيطانًا يقال له الولهان، فاتقوا وسواس الماء» وشكا إليه عثمان بن أبي العاصي، من وسواسه في الصلاة، فقال: «ذلك شيطان يقال له خنزب» وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حميد بن عبدالرحمن، عن هشام، عن أبيه: أن رجلاً كان اسمه الحباب، فسماه رسول الله  عبدالله، وقال: «الحباب شيطان».

ومنها أسماء الفراعنة، والجبابرة كفرعون وقارون وهامان والوليد، قال عبدالرزاق في «الجامع»: أخبرنا معمر عن الزهري، قال: أراد رجل أن يسمي ابنًا له الوليد، فنهاه رسول الله ، وقال: «أنه سيكون رجل يقال له الوليد، يعمل في أمتي بعمل فرعون في قومه»، وقد كان النبي  يشتد عليه الاسم القبيح، ويكرهه من الأشخاص والأماكن والقبائل والجبال، حتى إنه مر في مسير له بين جبلين، فقال: ما اسمهما؟ فقيل: فاضح ومخز، فعدل عنهما، ولم يمر بينهما! وكان –عليه السلام- شديد الاعتناء بذلك.
ومن تأمل السُّنة، وجد معاني الأسماء مرتبطًا بها حتى كأن معانيها مأخوذة منها، وكأن الأسماء مشتقة من معانيها، فتأمل قوله –عليه الصلاة والسلام-: «أسلم سلمها الله، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله»، وقوله لما جاء سهيل بن عمرو يوم الصلح: «سهل أمركم»، وقوله لبريدة لما سأله عن اسمه، فقال: «بريد»، قال: «يا أبا بكر، برد أمرنا»، ثم قال: «ممن أنت؟» قال: من أسلم، فقال لأبي بكر: «سلمنا»، ثم قال: «ممن؟» قال: من سهم، قال: «خرج سهمك»، ذكره أبو عمر في استذكاره حتى أنه كان يعتبر ذلك في التأويل، فقال: رأيت كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب بن طاب، فأولت العاقبة لنا في الدنيا والرفعة لنا، وأن ديننا قد طاب.
وإذا أردت أن تعرف تأثير الأسماء في مسمياتها، فتأمل حديث بن المسيب عن أبيه، عن جده، قال: أتيت إلى النبي ، فقال: «ما اسمك؟» قلت: حزن، فقال: «أنت سهل»، فقال: لا أغير اسمًا سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد. رواه البخاري في «صحيحه». والحزونة: الغلظة، ومنه أرض حزونة وأرض سهلة.
وتأمل ما رواه مالك في «الموطأ»: عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب  قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: أبن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار، قال: بأيتها؟ قال: بذات لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد هلكوا واحترقوا؛ فكان كما قال عمر. انتهى.
ويحرم التسمية بملك الأملاك، وسلطان السلاطين، وشاهنشاه؛ فقد ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة، عن النبي  قال: «إن أخنع اسم عند الله رجل يُسمى ملك الأملاك»، وفي رواية: أخنى بدل من أخنع. وفي رواية لمسلم: «أغيظ رجل عند الله يوم القيامة، وأخبثه رجل كان يسمى ملك الأملاك، لا ملك إلا الله»، ومعنى أخنع وأخنى: أوضع. وقال ابن القيم –رحمه الله-: وفي معنى ذلك كراهية التسمية بقاضي القضاة، وحاكم الحكام؛ فإن حاكم الأحكام في الحقيقة هو الله، وقد كان جماعة من أهل الدين يتورعون عن إطلاق لفظ قاضي القضاة وحاكم الحكام قياسًا على ما يبغضه الله ورسوله من التسمية بملك الأملاك. وهذا محض القياس.
قال: وكذلك تحرم التسمية بين الناس، وسيد الكل، كما يحرم بسيد ولد آدم؛ فإن هذا ليس لأحد إلا لرسول الله  وحده، فهو سيد ولد آدم، فلا يحل لأحد أن يطلق على غيره ذلك. انتهى.
ويحرم التسمية بما لا يليق إلا بالله كقدوس، والبر، وخالق، ورحمان؛ لأن معنى ذلك لا يليق بغير الله تعالى.
وقال ابن القيم: ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالى، فلا يجوز التسمية بالأحد، والصمد، ولا بالخالق، ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالى، ولا تجوز تسمية الملوك القاهر، والظاهر، كما لا يجوز تسميتهم بالجبار، والمتكبر، والأول، والآخر، والباطن، وعلام الغيوب. انتهى. عن أبي شريح، إنه كان يكني أبا الحكم، فقال له النبي : «إن الله هو الحكم وإليه الحكم»، فقال: إن قومي إذا اختلفوا
في شيء أتوني فحكمت فرضي كلا الفريقين، فقال: «ما أحسن هذا، فمال من الولد؟» قلت: شريح ومسلم وعبدالله، قال: «فمن أكبرهم؟» قلت: شريح، قال: «فأنت أبو شريح» رواه أبو داود وغيره.
قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى، وعبد عمرو، وعبد علي، وعبد الكعبة، ومثله عبدالنبي، وعبدالحسين، وعبدالمسيح؛ قال ابن القيم: وقوله : «أنا ابن عبدالمطلب»، فليس من باب إنشاء التسمية بل من باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم، فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، قال –رحمه الله-: وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلى غيره كالسميع والبصير، والرؤوف، والرحيم، فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق، ولا يجوز أن يتسمى بها على الإطلاق، بحيث يطلق عليه كما يطلق على الرب تعالى.
قال: ومما يمنع منه التسمية بأسماء القرآن وسوره، مثل: طه، ويس، وحم، وقد نص مالك على كراهة التسمية بياسين، ذكر السهيلي؛ وأما ما ذكره العوام: أن يس وطه من أسماء النبي –عليه الصلاة والسلام- فغير صحيح، ولا حسن، ولا مرسل، ولا أثر عن صحابي؛ وإنما هذه الحروف مثل: ألم وحم وآلر ونحوها. انتهى.
ويحرم أن يقال لمنافق أو كافر: يا سيدي، ويستحب تغيير الاسم القبيح؛ لما ورد عن ابن عمر أن النبي  غير اسم عاصية وقال: «أنت جميلة».
وفي «صحيح البخاري» عن أبي هريرة: أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول الله  زينب.
وفي «سنن أبي داود» من حديث ابن المسيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي  قال: «ما اسمك؟» قال: حزن، قال: «أنت سهل»، قال: لا، السهل بوطأ ويمتهن. قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونه.
وروى أبو داود في «سننه»، عن أسامة بن أخدري: أن رجلاً كان يقال له أسرم، كان في النفر الذين أتوا رسول الله ، فقال: «ما اسمك؟» قال: أصرم، قال: «بل أنت زرعة».
قال أبو داود: وغير رسول الله  اسم العاص، وعزيز، وعقلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وشهاب، وحباب، فسماه هاشمًا، وسمى حربًا سلمًا، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضًا يقال له عفرة: خضرة، وشعب الضلالة: سماه شعب الهدى، وبنو الزنية سماهم بنو الرشدة، وسمى بنو غوية: بني رشدة.
قال أبو داود: تركت أسانيدها للاختصار، وغيَّر النبي  اسم المدينة، وكان يثرب فسماها طيبة، كما في «الصحيحين»
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:50 am

عن أبي حميد، قال: أقبلنا مع النبي  من تبوك حتى أشرفنا على المدينة، فقال: «هذه طيبة»، ولا بأس بالكنى كأبي فلان وأبي فلان، وأم فلان وأم فلانة.
وتباح تكنية الصغير، في «الصحيحين» من حديث أنس قال: كان النبي  أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير، وكان النبي  إذا جاء يقول له: «يا أبا عمير، ما فعل النفير؟»، وكان أنس يكنى قبل أن يولد له بأبي حمزة، وأبو هريرة كان يكنى بذلك ولم يكن له ولد إذ ذاك.
وأذن النبي  لعائشة أن تكنى بأم عبدالله، وهو عبدالله ابن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، هذا هو الصحيح لا الحديث الذي روى أنها سقطت من النبي  سقطًا فسماه عبدالله وكناها به؛ فإنه حديث لا يصح، قاله في «التحفة». وقال: ويجوز تكنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده، ولم يكن لأبي بكر ابن اسمه بكر، ولا لعمر ابن اسمه حفص، ولا لأبي ذر ابن اسمه ذر، ولا لخالد ابن الوليد ابن اسمه
سليمان، وكان يكنى أبا سليمان، والكنية نوع تكثير وتفخيم للمكنى وإكرام له، كما قال الشاعر:
أكنيه حين أناديه لأكرمه
ولا ألقبه والسوءة اللقب

وفي «الإقناع وشرحه»: ولا ينكر التكني بأبي القاسم بعد موت النبي ، وصوبه في تصحيح الفروع، قال: وقد وقع فعل ذلك من الأعيان، ورضاهم به يدل على الإباحة، وقال في الهدي: والصواب أن التكني بكنيته ممنوع، والمنع في حياته أشد، والجمع بينهما ممنوع منه. اهـ. فظاهره التحريم، ويؤيده حديث: «لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي» اهـ. ومن لقب بما يصدقه فعله جاز.
ويحرم من الألقاب ما لم يقع على مخرج صحيح؛ لأنه كذب، ولا بأس بترخيم الإسم المنادى كقوله  لزوجته الصديقة بنت الصديق: «يا عائش» بحذف التاء، وكقوله  لبنته فاطمة الزهراء: «يا فاطم»، ولا بأس بتصغير الإسم مع عدم أذى بذلك، كتصغير أنس إلى أنيس، إذ قد يُراد بالتصغير التعظيم والتعجيب، ولا يقل سيد لرفيقه يا عبدي، ولا لأمته يا أمتي؛ وفي الحديث الصحيح: «ولا يقل أحدكم عبدي وأمتي». والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

-4-
كتاب الجهاد
س23: تكلم عن فضل الجهاد وحكمه وتعريفه، ولماذا ختم به العبادات؟ واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: الجهاد مشتق من الجهد وهو المشقة، يقال: أجهد دابته إذ حمل عليها في السير فوق طاقاتها، وقيل: هو المبالغة واستفراغ ما في الوسع. يقال: جهد في كذا أي جد فيه وبالغ، ويقال: اجهد جهدك في الأمر أي ابلغ غايتك. قال تعالى: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ أي بالغوا في اليمين، واجتهدوا فيها. وفي الشرع بذل الجهد في قتال الكفر.
وختم به العبادات؛ لأنه أفضل تطوع البدن، وعده بعضهم ركنًا سادسًا لدين الإسلام، فلما أورده بعد الأركان الخمسة، وهو ذروة سنام الإسلام، وموجب الهداية وحقيقة الإخلاص والزهد في الدنيا، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرقعة في الدنيا فهم الأعلون في الآخرة.
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاًّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ.
وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ لآية، وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وقال تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ الآيات، وقال عز من قائل: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْه الآية.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، سُئل رسول الله : أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» فجعل الجهاد أفضلَ مِن الحج، ولهما عن أبي ذر  قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيله». وعن أنس  أن رسول الله  قال: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» رواه البخاري ومسلم، ولهما أيضًا عن أبي سعيد الخدري  قال: أتى رجل رسول الله ، فقال: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: «مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله»، وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وجهاد في سبيلي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفسي بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئة يوم يكلم، لونه لون دم، وريحه ريح مسك، والذي نفس محمد بيده، لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا ولكن لم أجد سعة فأحملنهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل» رواه مسلم. وعن معاذ  عن النبي  قال: «من قاتل فوق ناقة وجبت له الجنة، ومن جرح جرحًا في سبيل الله تعالى أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزو ما كانت لونها الزعفران
وريحها المسك» رواه أبو داود والترمذي، وعن أبي هريرة  قال: مر رجل من أصحاب النبي  بشعب فيه عيينة من ماء عذبة، فأعجبته فقال: لو اعتزلت الناس وأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى استأذن رسول الله ، فقال: «لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من مقامه في بيته سبعين عامًا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة، اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله، فواق ناقة وجبت له الجنة» رواه الترمذي.
وعن معاذ  قال: قيل: يا رسول الله، ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: «لا تستطيعونه» فأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا كل ذلك، وهو يقول: «لا تستطيعونه»، ثم قال: «مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة، ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله»، وعنه  قال: «أن في الجنة مائة درجة أمدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» رواه البخاري.
وعن أبي موسى الأشعري  قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف»، وعن عبدالرحمن بن جبير  قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار».
وحكمه فرض؛ لقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ، وقوله تعالى: وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وقوله تعالى: انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وقال تعالى: إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً.
وهو فرض على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين؛ لقوله تعالى: لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى. ولو كان فرضًا على الجميع ما وعد تاركه الحسنى، وقال تعالى: وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً؛ ولأن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يبعث السرايا، ويقيم هو وأصحابه؛ ولأنه لو فرض على الأعيان لاشتغل الناس به عن العمارة، وطلب المعاش والعلم فيؤدي إلى خراب الأرض، وهلاك الخلق، وتأتي المواضع التي يكون فيها الجهاد فرض إن شاء الله.
** ** **
س24: ما معنى الكفاية في الجهاد؟ ما حكمه في حق غيرهم؟ وهل هنا عبارة توضح فرض الكفاية؟ واذكر لذلك بعض الأمثلة.
ج: معنى الكفاية في الجهاد أن ينهض قوم يكفون في قتالهم إما أن يكون جندًا لهم دواوين من أجل ذلك، أو يكونوا أعدوا أنفسهم له تبرعًا؛ بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم، ويكون في الثغور من يدفع عنها. ويبعث في كل سنة جيشًا يغيرون على العدو في بلادهم.
ويُسن الجهاد في حق غير الكافين بتأكد؛ لحديث أبي داود عن أنس مرفوعًا: «ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله حتى يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار» رواه أبو داود.
وفرض الكفاية هو ما قصد حصوله من غير شخص معين؛ فإن لم يوجد إلا واحدًا تعين عليه كرد السلام، والصلاة على الجنازة من المسلمين.
ومن ذلك الصنائع المباحة المحتاج إليها لمصالح الناس غالبًا الدينية والدنيوية، البدنية والمالية، كالزرع والغرس، ونحوهما؛ لأن أمر المعاد والمعاش، لا ينتظم إلا بذلك؛ فإذا أقام بذلك أهله بنية التقرب، كان طاعة، وإلا فلا.
ومن ذلك إقامة الدعوة إلى دين الإسلام ودفع الشبه بالحجة، والسيف لمن عاند؛ لقوله تعالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
ومن ذلك سد البثوق وحفر الأنهار والآبار وتنظيفها، وعمل القناطر والجسور والأسوار وإصلاحها، وإصلاح الطرق والمساجد لعموم حاجة الناس إلى ذلك.
ومن ذلك الفتوى، وتعليم الكتاب والسُّنة، وسائر علوم الشريعة، كالفقه وأصوله، والتفسير والفرائض وما يتعلق به من حساب ونحو ولغة وتصريف وقراءات، وعكس العلوم الشرعية علوم محرمة أو مكروهة.
** ** **
س25: تكلم بوضوح عن شروط وجوب الجهاد، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل، واذكر ما تستحضره ممن لا يجب عليه.
ج: بشرط خمسة: أحدها: التكليف، فلا يجب على صبي ولا على مجنون؛ لما روى علي –كرم الله وجهه-: أن النبي  قال: «رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق»، وروى عروة بن الزبير قال: رد رسول الله  يوم بدر نفرًا من أصحابه استصغرهم منهم عبدالله بن عمر، وهو يومئذ ابن أربع عشرة سنة، وأسامة بن زيد، والبراء بن عازب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعرابة ابن أوس، ورجل من بني حارثة، فجعلهم حرسًا للذراري والنساء.
الثاني: السلامة من الضرر؛ لقوله تعالى: غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وهو العمى والعرج، والمرض والضعف؛ لقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ، وقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى المَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ.
ولأن هذه الأعذار تمنع من الجهاد، ومن في بصره سوء أو شيء يمنعه من رؤية عدوه، وما يتقيه من السلاح لِمَ يلزمه الجهاد؛ لأنه في معنى العمى في عدم إمكان القتال، وإن لم يمنعه من ذلك لم يسقط عنه فرضه.

ويجب على الأعشى الذي يبصر في النهار دون الليل، وعلى الأعور لأنهما يتمكنان من القتال، ولا يجب على أقطع اليد أو الرجل؛ لأنه إذا سقط عن الأعرج، فالأقطع أولى؛ ولأنه يحتاج إلى الرجلين في المشي، واليدين ليتقي أحدهما ويضرب بالأخرى.
وكذا لا يلزم الأشل، ولا من قطع منه ما يذهب بذهابه تقع اليد أو الرجل؛ لأنه ليس بصحيح.
الثالث: الحرية: فلا يجب على العبد؛ لقوله تعالى: وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ، والعبد لا يجد ما ينفق؛ ولأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة، فكم يجب على العبد؟ ولما روي «أنه  كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد، ويبايع العبد على الإسلام لا الجهاد».
الرابع: الذكورية، فلا يجب على المرأة؛ لما روي عن عائشة أنها قالت: قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: «نعم عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة» رواه أحمد وابن ماجه. واللفظ له إسناده صحيح وأصله في الصحيح؛ ولأن الجهاد هو القتال، والمرأة ليست من أهله، لضعفها وخورها، ولهذا لما رأى بعض الشعراء امرأة مقتولة، قال الشاعر:
إن من أكبر الكبائر عندي
كتب القتل والقتال علينا
قتل بيضاء حرة عطبول
وعلى الغانيات جر الذيول

ولا يجب الجهاد على الخنثى المشكل؛ لأنه يجوز أن يكون امرأة، فلا يجب بالشك.
الخامس: الاستطاعة؛ لأن غير المستطيع عاجز، والعجز ينفي الوجوب، والمستطيع هو الصحيح الواجد بملك، أو بذل إمام ما يكفيه، ويكفي أهله في غيبته؛ لقوله تعالى: وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ الآية. وفي «الكافي»: الاستطاعة وجدان الزاد والسلاح وآلة القتال. انتهى.

وأن يجد مع بعد محل جهاد مسافة قصر فأكثر من بلده ما يحمله؛ لقوله تعالى: وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ولا تعتبر الراحلة مع قرب المسافة، ويعتبر أن يكون ذلك فاضلاً عن قضاء دينه، وأجرة مسكنه وحوائجه كالحج.
قال الشيخ: الأمر بالجهاد منه ما يكون بالقلب، والدعوة والحجة، والبيان والرأي والتدبير والبدن، فيجب بغاية ما يمكنه.
** ** **
س26: ما أقل ما يفعل من الجهاد في العام الواحد؟ وما هي المواضع التي يتعين فيها الجهاد؟ وتكلم عما إذا دعت الحاجة لتأخير القتال.
ج: أقل ما يفعل الجهاد مرة في كل عام مع القدرة عليه؛ لأن الجزية تجب على أهل الذمة في كل عام مرة، وهي بدل النصرة، فكذلك مبدلها وهو الجهاد إلا لعذر، بأن دعت الحاجة إلى تأخيره؛ ولضعف المسلمين من عدد أو عدة، أو مانع في الطريق من قلة علف، أو قلة ماء في الطريق، أو انتظار مدد يستعين به الإمام ونحو هذا، فيجوز تركه بهدنة وبغيرها؛ لأن النبي  صالح قريشًا عشر سنين، وأخر قتالهم حتى نقضوا العهد، وأخر قتال قبائل العرب بغير هدنة؛ فإن دعت الحاجة إليه أكثر من مرة في عام فعل لأنه فرض كفاية، فوجب منه ما تدعو الحاجة إليه.
ويتعين الجهاد إذا حضر صف القتال؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا، وقوله تعالى: إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ.
وإذا حصر هو أو حصر بلده عدو تعين عليه إن لم يكن عذر للآيتين.
ويتعين عليه إذا احتيج إليه في القتال، أو استنفره الإمام أو نائبه، ولم يكن له عذر؛ ولقوله : «إذا استنفرتم فانفروا» متفق عليه.
** ** **

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:52 am

س27: تكلم بوضوح عن قتال من تقبل منهم الجزية، ومن لا تقبل منهم واذكر ما تستحضره من الأدلة الدالة على أنه يجب قتال الكفار ابتداءً ودفاعًا، والأحاديث المؤيدة لها، وبما استدل من قال: إنهم لا يقاتلون إلا دفاعًا فقط، واذكر ما تستحضره من أقوال العلماء حول هذه المسألة.
ج: يقاتل من تقبل منهم الجزية، وهم أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يبذلوا الجزية بشرطه؛ لقوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، ويقاتل من لا تقبل منهم الجزية حتى يسلموا.
وإليك الأدلة الدالة على أن الكفار يجب قتالهم، ابتداءً ودفاعًا، والأحاديث المؤيدة لها.
قال الله تعالى: وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ. قال البغوي –رحمه الله-: وقاتلوهم يعني المشركين، حتى لا تكون فتنة أي شرك، يعني قاتلوهم حتى يسلموا، فلا يقبل من الوثني إلا الإسلام؛ فإن أبى قتل، ويكون الدين أي الطاعة والعبادة لله وحده، فلا يعبد شيء دونه. اهـ.
وقال تعالى: وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. قال الضحاك عن ابن عباس: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، يعني لا يكون شرك، وكذا قال أبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم.
وقال تعالى: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ.
قال ابن كثير رحمه الله: لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم، بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم، والرصد في طرقهم ومسالكهم، حتى تضيقوا عليهم الواسع، وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام؛ ولهذا اعتمد الصديق  في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها.
وقال تعالى: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ، وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ الآية.
قال ابن كثير: أمر الله رسوله  بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، إلى أن قال: وقد تقدم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: بعث رسول الله  بأربعة أسياف، سيف للمشركين: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ، وسيف لكفار أهل الكتاب: قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وسيف للمنافقين: جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، وسيف للبغاة: فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ. اهـ.
وقال تعالى: الـر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.
قال في «فتح القدير» على الآية: لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية، جعل الكفر بمنزلة الظلمات، والإيمان بمنزلة النور على طريق الاستعارة، واللام في لتخرج للغرض والغاية.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً.
قال ابن كثير على هذه الآية: أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً فأولاً، الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام؛ ولهذا بدأ رسول الله  بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة، وهجر وخيبر وحضرموت، وغير
ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجًا، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام؛ لأنهم أهل كتاب فبلغ تبوك ثم رجع لأجل جهد الناس، وجدب البلاد وضيق الحال، وذلك سنة 9 من هجرته –عليه السلام-.
ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجة الوداع، ثم عاجلته المنية –صلوات الله وسلامه عليه- بعد حجته بأحد وثمانين يومًا، فاختاره الله لما عنده.
وقام بالأمر بعده، وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق  إلى أن قال: ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصلبان، وإلى الفرس عبدة النيران، ففتح الله ببركة سفارته البلاد، وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد، وأنفق كنوزهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك رسول الله ، وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده، وولي عهده الفاروق الأواب شهيد المحراب عمر بن الخطاب؛ فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين، واستلوى على الممالك شرقًا وغربًا.
ثم لما مات شهيدًا، وقد عاش حميدًا أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار على خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان شهيد الدار، فكسا الإسلام حلة رياسة سابغة، وأمدت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة، فظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمة الله وظهر دينه، وبلغت الملة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها؛ وكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار امتثالاً؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ، وقوله تعالى: وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً إلى أن قال: .

وفي الحديث: أن رسول الله  قال: «أنا الضحوك القتال» يعني أنه ضحوك في وجه وليه، قتال لهامة عدوه. انتهى (ص271، 272).
وقال تعالى: وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً، وقال تعالى: انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ الآية.
وقال تعالى: إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعَاً أي انهضوا لقتال العدو جماعات متفرقات، أو جميعًا جيشًا واحدًا.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ، وقال تعالى: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ.
وأما الأدلة من السُّنة فأكثر من أن تحصر، فنذكر طرفًا منها:
فعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله  قال: «أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى» رواه البخاري ومسلم.
وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله  إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: «غزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل وكف عنهم؛ ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم الذي يجري على المسلمين، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن أجابوك، فأقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم» الحديث رواه أحمد ومسلم.
وعن أنس «أن النبي  كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم» الحديث متفق عليه.
وعنه  عن النبي  قال: «أمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسول الله وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين» رواه أصحاب السنن، وفي الحديث الذي أخرجه مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي: وقاتل بمن أطاعك من عصاك.
وعن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع أبي بكر زمن النبي  فبيتناهم، وكان شعارنا تلك الليلة أمت أمت. رواه أبو داود.
وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي  قال: «بعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيء، وجعل الصغار والذل على من خالف أمري».
وعن ابن عوف قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، فكتب إليّ: إنما كان ذلك في أول الإسلام، وقد أغار رسول الله  على بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسقي على الماء فقتل مقاتلتهم
وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرة بنت الحارث، حدثني به عبدالله بن عمر, وكان في ذلك الجيش. متفق عليه.
وعن صفوان بن عسال قال: بعثنا رسول الله  في سرية، فقال: «سيروا باسم الله قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدًا» رواه أحمد وابن ماجه، وعن الصعب بن جثامة: أن رسول الله  سُئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون، فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال: «هم منهم» رواه الجماعة إلا النسائي.
وعن أبي أيوب قال: إنما نزلت فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه ، وأظهر الإسلام، قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. رواه أبو داود.
وعن أنس قال: قال رسول الله : «ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله، ولا تكفره بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار» رواه أبو داود.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله  إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا بسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع» رواه أحمد. وعن عصام المزني، قال: كان النبي  إذا بعث السرية يقول: «إذا رأيتم مسجدًا أو سمعتم مناديًا فلا تقتلوا أحدًا» رواه الخمسة إلا النسائي، وعن حمرة بن جندب، عن النبي  قال: «اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم أي صبيانهم» رواه الترمذي وأبو داود.
وعن أبي هريرة، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل» متفق عليه.
وعن عبادة بن الصامت «أن النبي  كان ينقل في البداءة الربع، وفي الرجعة الثلث» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وفي رواية : كان إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، وإذا أقبل راجعًا وكل الناس نقل الثلث. الحديث رواه أحمد.
وعن أنس  قال: قال رسول الله : «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وأيديكم وألسنتكم» رواه أحمد وأبو داود، وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال» رواه أبو داود.
وعن سهل بن سعد أنه سمع النبي  يوم خيبر، قال: «أين علي؟» فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدعا له، فبصق في عينيه، فبرئ مكانه حتى كأن لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: «على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم» الحديث متفق عليه.
عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي ، فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» متفق عليه، وفي رواية: والرجل يقاتل حمية، وفي رواية: والرجل يقاتل غضبًا.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت رضي الله عنه، فدخل عليها ذات يوم فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك،
قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال: «ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكًا على الأسرة، أو مثل ملوك على الأسرة» -شك أيهما قال-، قالت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله –كما قال في الأولى-» قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «أنت من الأولين» فركبت أم حرام البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت. أخرجه البخاري ومسلم.
قال في «شرح صحيح البخاري»: كان عمر  قد منع المسلمين من الغزوة في البحر شفقة عليهم، واستأذنه معاوية في ذلك، فلم يأذن له، فلما ولي عثمان  استأذنه فأذن له، وقال: لا تكره أحدًا من غزاه طائعًا فاحمله. فسار في جماعة من الصحابة منهم: أبو ذر وعبادة بن الصامت، ومعه زوجته أم حرام بنت ملحان، وشداد بن أوس وأبو الدرداء في آخرين، وهو أول من غزا الجزائر في البحر؛ ولما أراد الخروج منها قدمت لأم حرام بغلة لتركبها، فسقطت عنها فماتت هنالك. انتهى من «عمدة القاري» باختصار.
وقد وردت أحاديث تفيد إثم تارك الجهاد مؤيدة ما سبق، منها ما ورد عن ابن عمر قال: قال رسول الله : «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» رواه أبو داود، وغيره من طريق إسحاق بن أسيد نزيل مصر، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «من مات ولم يغزوا، ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من النفاق» رواه أبو داود والنسائي.
وعن أبي أُمامة  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يغز
أو يجهز غازيًا، أو يخلف غازيًا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة» رواه أبو داود بإسناد صحيح. وعن أبي بكر  قال: قال رسول الله : «ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب» رواه الطبراني بإسناد حسن.
وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة» رواه الترمذي وابن ماجه، كلاهما من رواية إسماعيل بن رافع، عن سمي، عن أبي صالح عنه، وقال الترمذي: حديث غريب. اهـ.
أحاديث أخرى مؤيدة لما سبق: عن أس  قال: «كان رسول الله  يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى» رواه مسلم والترمذي وصححه.
وعن أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع رسول الله  سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام، وأداوي لهم الجرحى وأقوم على المرضى. رواه أحمد ومسلم وابن ماجه، وعن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع رسول الله  نسقي القوم، ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة. رواه أحمد والبخاري.
وعن فروة بن مسيك قال: قلت: يا رسول الله، أقاتل بمقبل قومي ومدبرهم؟ قال: «نعم»، فلما وليت دعاني، فقال: «لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام» رواه أحمد، وقيل: إن الكفار لا يقاتلون إلا دفاعًا فقط، واستدل أهل هذا القول بآيات، منها قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ.
قال ابن كثير على هذه الآية: وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء أن هذه الآية محمولة على أهل الكتاب ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل، إذا بذلوا الجزية، وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال، وأنه يجب أن يدعي جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام؛ فإن أبى أحد منهم الدخول، ولم يتقيد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يقتل.
وقال الشوكاني على تفسير هذه الآية: قد اختلف أهل العلم في قوله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ على أقوال الأول أنها منسوخة؛ لأن رسول الله  قد أكره على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام، والناسخ لها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ، وقال: سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ.
وقد ذهب إلى هذا كثير من المفسرين إلى أن قال: وقد وردت هذه القصة من وجوه حاصلها ما ذكره ابن عباس مع زيادات، تتضمن أن الأنصار قالوا: إنما جعلناهم على دينهم، أي دين اليهود، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا، وأن الله جاء بالإسلام فلنكرهنهم، فلما نزلت خير الأنباء ، ولم يكرههم على الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم وأدوا الجزية.
واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ الآيتين. وفي سبب نزولما أخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتتني أمي راغبة، فسألت النبي  أأصلها؟ قال: نعم. فأنزل الله فيها: لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وأخرج أحمد والبزار والحاكم، وصححه عن عبدالله بن الزبير قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، فقدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، فقدمت على ابنتها بهدايا، فأبت أسماء أن تقبل منها، أو تدخلها منزلها، حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله  فأخبرته، فأمرها أن تقبل هداياها وتدخلها منزلها، فأنزل الله: لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ الآية.
وقال ابن كثير –رحمه الله-: لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم كالنساء والضعفة منهم، وقال في «فتح القدير»: قال زيد: كان هذا في أول الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال، قال قتادة: نسختها: فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وقيل: هذا الحكم كان ثابتًا في الصلح بين النبي  وبين قريش، فلما زال الصلح لفتح مكة نسخ الحكم.
وقيل: خاصة في خلفاء النبي  ومن بينه وبينه عهد، قاله الحسن، وقال مجاهد: هي خاصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا، وقيل: هي خاصة بالنساء والصبيان، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ.
قال البغوي –رحمه الله-: كان في ابتداء الإسلام أمر الله تعالى رسوله  بالكف عن قتال المشركين، ثم لما هاجروا إلى المدينة، أمره قتال من قاتله منهم بهذه الآية، وقال الربيع بن أنس: هذه أول آية نزلت في القتال، ثم أمره بقتال المشركين كافة، قاتلوا ولم يقاتلوا، يقول: اقتلوا المشركين، فصارت هذه الآية منسوخة بها. وقيل: نسخ بقوله: فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ قريب من سبعين آية. اهـ.
وفي «فتح القدير»: وقال جماعة من السلف: إن المراد بقوله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ من عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم.
وقال في «فتح البيان»: في مقاصد القرآن على قوله تعالى: وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ الآية. المعنى: واقتلوهم حيث وجدتموهم وأدركتموهم في الحل والحرم، وإن لم يبتدؤوكم، وتحقيق القول: إن الله تعالى أمر بالجهاد في الآية الأولى، بشرط إقدام الكفار على القتال، وفي هذه الآية أمرهم بالجهاد معهم، سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا، واستثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام. انتهى كلامه (1/249).

وفيما أرى أن القائل أن الكفار لا يقاتلون إلا دفاعًا فقط ما يخلو من أمرين: إما أن تكون من أعداء المسلمين قصده تثبيطهم عن الجهاد على ما هم عليه من الوهن والكسل؛ وإما أن يكون جاهلاً بنصوص الكتاب والسُّنة، وغزوات النبي  وأصحابه وفتوحاتهم، وغليك أدلة أخرى ليقنع بها من لم يقنع بما سبق من الأدلة الدالة على أنه يجب قتالهم ابتداء.
فعن يحيى بن سعيد أن أبا بكر بعث جيوشًا إلى الشام، فخرج يشيعهم، فمشى مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع، فقال يزيد لأبي بكر: إما أن تركب، وإما أن أنزل، فقال له: ما أنت بنازل، ولا أنا براكب، إني أحتسب خطاي في سبيل الله، ثم قال: إنك ستجد قومًا زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فدعهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قومًا فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، فإني موصيك بعشر: لا تقتل امرأة ولا صبيًا... إلخ، رواه مالك.
وعن جبير بن حية قال: بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين فأسلم الهرمزان، قال: إني مستشيرك في مغازيّ هذه، قال: نعم، مثلها ومثل من فيها من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وجناحان، وله رجلان؛ فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان والرأس؛ فإن شدخ ذهبت الرجلان والجناحان، قال: فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس، فمر المسلمين أن ينفروا إلى كسرى.
قال جبير بن حية: فندبنا عمر، واستعمل علينا النعمان بن مقرن، حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا كسرى في أربعين ألفًا، فقام ترجمان، فقال: ليكلمني رجل منكم.
فقال المغيرة: سل عما شئت، فقال: ما أنتم؟ قال: نحن ناس من العرب كنا في شقاء شديد، وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك، إذ بعث رب السموات ورب الأرضين إلينا نبينا من أنفسنا، نعرف أباه وأمه، فأمر نبينا رسول ربنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا عن رسالة ربنا، أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثله، ومن بقي منا يملك رقابكم. رواه الترمذي والبخاري بلفظه.
وعن أبي وائل، قال: كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس: بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران، في ملأ فارس، سلام على من اتبع الهدى؛ أما بعد، فإنا ندعوكم إلى الإسلام، فإن أبيتم فإننا قوم يحبون القتل في سبيل الله، كما يحب فارس الخمر، والسلام على من اتبع الهدى. رواه في «شرح السُّنة»، وفي مختصره السيرة، ولما فرغ خالد من قتال أهل اليمامة وأهل الردة، انصرف راجعًا إلى المدينة.
وقيل: لما دخل السنة الثانية من خلافة أبي بكر، كتب إلى خالد: إذا فرغت من اليمامة فسر إلى العراق، فقد وليتك حرب فارس والحيرة، فسار إلى العراق في بضعة وثلاثين ألفًا، إلى أن قال ثم سار خالد إلى أيلة، وخرج له هرمز في مائة وعشرين ألفًا، إلى أن قال: ثم زحف إلى المسلمون فاقتتلوا، فانهزم أهل فارس، وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل، فقتل الله من المشركين سبعين ألفًا، وقتل خالد هرمزًا، ونقله أبو بكر قلنسوته، وكانت تساوي مائة ألف، وسميت هذه الوقعة ذات السلاسل.
وفي إبادة دعوى مدعي الدفاع في نصوص الغزو والجهاد، قال ابن القيم في «الزاد»: كانت غزواته صلى الله عليه وسلم تسعًا وعشرين، وقيل: هي سبع وعشرون، وقيل: خمس وعشرون، وقيل غير ذلك؛ وأما سراياه وبعوثه، فقريب من ستين، وكانت كلها بعد الهجرة في مدة عشر سنين، فأقول: ولم يعهد فيهن أن العدو قصده وهاجمه في بلده
في المدينة وحواليها قط، بل هو الذي كان يغزوهم حيث
ما كانوا، مما يبلغه الخف والحافر، كما مرّ، إلا غزوتي أُحد والأحزاب، جاءت قريش فيهما غضبًا وحنقًا، لما أصابهم في غزوة بدر المشهورة من قتل صناديدهم وأسرهم.
وغزا غزوتين أيضًا  على ظن قدوم العدو فيهما: إحداهما: بدر الثانية حسب وعد أبي سفيان بن حرب فأخلف الوعد فلم يحضرها، والأخرى: غزوة تبوك، سمع رسول الله  أن هرقل قد جمع جموعًا كثيرة لغزوه، فبادرهم وغزهم، فلم يجد فيها العدو، فأقام بتبوك بضع عشرة ليلة، ثم انصرف قافلاً إلى المدينة. فغير هذه الأربع لم ينقل أن العدو قدم غليه في المدينة أو قصده أين ما كان، فغير ممكن أن يقصد العدو غزو رسول الله ، وهم يخافونه في دورهم. اهـ كلامه.
وفي المجلد (Cool من «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (ص356)، قال: أيما طائفة انتسبت إلى الإسلام، وامتنعت من بعض شرائعه الظاهرة المتواترة؛ فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله، كما قاتل الصديق أبو بكر وسائر الصحابة مانعي الزكاة، وكان قد توقف في قتالهم بعض الصحابة، ثم اتفقوا حتى قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالواها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»؟ فقال له أبو بكر: فإن الزكاة من حقها، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله  لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق.
وقال –رحمه الله- في (354): وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين.

وقال في (ص357-359): فثبت بالكتاب والسُّنة وإجماع الأمة، أن يقاتل من خرج عن شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين.
وقد اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة لو تركت السُّنة الراتبة كركعتي الفجر، هل يجوز قتالها؟ على قولين: فأما الواجبات والمحرمات الظاهرة والمستفيضة فيقاتل عليها بالاتفاق حتى يلتزموا أن يقيموا الصلوات المكتوبات، ويؤدوا الزكاة وبصوموا شهر رمضان، ويحجوا البيت ويلتزموا ترك المحرمات من نكاح الأخوات، وأكل الخبائث والاعتداء على المسلمين في النفوس والأموال ونحو ذلك.
وقتال هؤلاء واجب ابتداء بعد بلوغ دعوة النبي  إليهم بما يقاتلون عليه؛ فأما إذا بدأوا المسلمين فيتأكد قتالهم –كما ذكرنا- وفي قتال الممتنعين من المعتدين قطاع الطريق، وأبلغ الجهاد الواجب للكفار والممتنعين عن بعض الشرائع، كما نعى الزكاة، والخوارج، ونحوهم يجب ابتداءً ودفعًا.
فإذا كان ابتداء، فهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الفرض عن الباقين، وكان الفضل لن قام، كما قال تعالى: لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ الآية؛ فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبًا على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم كما قال تعالى: وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ.
وكما أمر النبي  بنصر المسلم، وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن، وهذا يجب حسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله مع القلة والكثرة، والمشي والركوب، كما أن المسلمين لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو الذي قسمهم
فيه إلى قاعد وخارج، بل ذم الذين يستأذنون النبي  يقولون: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً.
فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس، وهو قتال اضطرار، وذلك قتال اختيار للزيادة في الدين وإعلائه، ولإرهاب العدو كغزوة تبوك ونحوها، فهذا النوع من العقوبة هي للطوائف الممتنعة.
وقال في (ص503): فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، وعن التزام تحريم الدماء، والأموال والخمر والزنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، وعن التزام جهاد الكفار وضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته، التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها؛ فإن الطائفة الممتنعة تقاتل، وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء.
وقال في (ص510): كل طائفة خرجت عن شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق المسلمين، وإن تكلمت بالشهادتين، فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس، وجب قتالهم حتى يصلوا، وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة، وكذلك إن امتنعوا عن الصيام في شهر رمضان، أو حج البيت العتيق، وكذلك إن امتنعوا عن تحريم الفواحش، أو الزنا، أو الميسر، أو الخمر، أو غير ذلك من محرمات الشريعة.
وكذلك إن امتنعوا عن الحكم في الدماء، والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها، بحكم الكتاب والسُّنة.
وكذلك إن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار إلى أن يسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسُّنة واتباع سلف الأمة وأئمتها، مثل أن يظهروا الإلحاد في أسماء الله وآياته والتكذيب بأسماء الله وصفاته، والتكذيب بقدره وقضائه، أو التكذيب بما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، أو مقاتلة المسلمين، حتى يدخلوا في طاعتهم التي توجب الخروج من شريعة الإسلام، وأمثال هذه الأمور، قال الله تعالى: وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فإذا كان بعض الدين لله، وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله. اهـ.
وقال –رحمه الله- في «الصارم المسلول على شاتم الرسول » (ص219): وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله تعالى: وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ، فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ونحوها في القرآن مما أمر الله به المؤمنين بالعفو والصفح عن المشركين؛ فإنه نسخ ذلك كله قوله تعالى: فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ، وقوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ إلى قوله: وَهُمْ صَاغِرُونَ، فنسخ هذا عفوه عن المشركين، وكذا روى الإمام أحمد وغيره عن قتادة قال: أمر الله نبيه أن يعفو عنهم ويصفح، حتى يأتي الله بأمره وقضائه.
ثم أنزل الله عز وجل براءة فأتى الله بأمره وقضائه، فقال تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الآية. قال: فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، وأمر الله فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يقروا بالجزية صغارًا ونقمة لهم.
وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن الزهري، أن النبي  لم يكن يقاتل من كف عن قتاله كقوله تعالى: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً إلى أن نزلت براءة، وجملة ذلك أنه لما نزلت براءة أمر أن يبتدئ جميع الكفار بالقتال، وثنيهم وكتابيهم، سواء كفوا أو لم يكفوا، وأن ينبذ إليهم تلك العهود المطلقة التي كانت بينه وبينهم،
وقيل له فيها: جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ بعد أن كان قد قيل له: وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ؛ ولهذا قال زيد بن أسلم: نسخت هذه الآية ما كان قبلها. اهـ.
وقال ابن القيم في «الهدى»: ثم فرض القتال عليهم بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم، فقال: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ.
ثم فرض قتال المشركين كافة، وكان محرمًا ثم مأذونًا به.
ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال.
ثم مأمورًا به لجميع المشركين، إما فرض عين على أحد القولين، أو فرض كفاية على المشهور.
وقال: ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذمة، فأمره أن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأن يوفى لهم به ما استقاموا على العهد؛ فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنبذ العهد، وأمر أن يقاتل من نقض عهده.
ولما نزلت سورة براءة نزلت ببيان حكم مدة الأقسام كلها، فأمره أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ويدخلوا في الإسلام، وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان، وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار، ونبذ عهودهم إليهم.
وجعل العهد في ذلك ثلاثة أقسام: قسمًا أمره بقتالهم، وهم الذين نقضوا عهده، ولم يستقيموا له، فحاربهم وظهر عليهم، وقسمًا لهم عهد مؤقت لم ينقضوه، ولم يظاهروا عليه، فأمره أن يتم لهم عهدهم إلى مدتهم، وقسمًا لم يكن لهم عهد، ولم يحاربوه، أو كان لهم عهد مطلق، فأمر أن يؤجلهم أربعة أشهر؛ فإذا انسلخت قاتلهم. انتهى (ص208).
وقال إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله-: اعلم وفقنا الله وإياك للإيمان بالله ورسله أن الله سبحانه قال في كتابه: اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فتأمل هذا الكلام أن الله أمر بقتلهم وحصرهم، والقعود لهم كل مرصد إلى أن يتوبوا من الشرك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.
وقال –رحمه الله- في «مختصر السيرة» (ص105-106): ولما استقر رسول الله  في المدينة، وأيده الله بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم بعد العداوة، ومنعته أنصار الله من الأحمر والأسود، رمتهم العرب واليهود عن قوس واحدة، وشمروا لهم عن ساق العداوة والمحاربة، والله يأمر رسوله والمؤمنين بالكف والعفو والصفح، حتى قويت الشوكة، فحينئذ أذن لهم في القتال، ولم يفرضه عليهم؛ فقال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ وهي أول آية نزلت في القتال، ثم فرض عليهم قتال من قاتلهم، فقال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [190:2] الآية.
ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة؛ فقال تعالى: وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً[36:9].
ومن جواب لأبنائه –رحمهم الله-: وأما من بلغته دعوتنا توحيد الله والعمل بفرائض الله وأبى أن يدخل في ذلك، وأقام على الشرك بالله، وترك فرائض الإسلام، فهذا نكفره ونقاتله ونشن عليه الغارة بدياره بل بداره.
ومن كلام للشيخ عبدالله أبا بطين –رحمه الله-: لو أن طائفة امتنعت من شريعة من شرائع الإسلام قوتلوا، وإن لم يكونوا كفارًا ولا مشركين ودارهم دار الإسلام. انتهى.
وفي تيسير الوحيين للشيخ عبدالعزيز بن راشد: قد أوجب الله على المسلمين أن يبدوا بالقتال من أبى الإسلام من الكفار والمشركين بعد دعوتهم إلى الخضوع له و الدخول فيه حيث كانوا، وفرض على الأمة أن تهاجمهم وتبدأهم به كل وقت سوى الأشهر الحرم.
قال: وقد ذكر الله ما قلنا مصوبًا له عن سليمان –عليه السلام- مع ملكة سبأ بادئًا بالدعوة إلى الإسلام، ومهددًا لها بالإخراج والقتل إذا لم تذعن للحق والدخول تحت سلطانه، كما ذكره عن غيره من إخوانه، كما يدل على خطأ وضعف استدلال من يمنع بدء المسلمين قتال الكفار ما لم يبدؤنا به بقوله تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا لدخولهم في الذين أمرنا بقتالهم، إذ ليس فيها المنع من قتالهم ولا النهي عن بدئهم به؛ لأن النهي عن الاعتداء نهي عن ظلم كل من خضع للإسلام، سواء دان به واتبعه كالذمي.
وليس بدء أهل الكفر بالقتال بعد إبائهم عن الإذعان والدخول تحت سلطان الإسلام اعتداء عليهم وظلمًا، بل ذلك لمصلحتهم كالسفيه، ولحق الإسلام كقتل مانع الزكاة، والمرتد عن الدين؛ ولأنه لمنعهم عن الظلم والعدوان يدل على هذا قتال النبي  وأصحابه، وبدءهم المشركين والفرس والروم، بعد رفض رؤساهم كتاب النبي  بغير اعتداء منهم على أحد من المسلمين، ولا منع داعي إلى الإسلام.
ولكنها مكيدة أفرنجية، ونزعة أوربية أُريد بها تأخير المسلمين وموتهم على ما هم فيه من الضعف، وما علاهم من ذل الاستعباد.
ثم ساق الأدلة الواضحة، وقال بعدها هذه الجملة: من آي الذكر تدل على أن الله أوجب على المسلمين أن يبدأوا الكفار والمشركين بالقتال، أنى كانوا وحيثما وجدوا، ولا يكفوا عن قتلهم وقتالهم ما لم يدخلوا في الإسلام، ويعطوا الجزية التي يفرضها عليهم سواء اعتدوا على المسلمين وصدوا عن الإسلام، أم أذعنوا للداعين إليه في بلادهم معرضين عن قبوله.
كما دل عليه عمل النبي  وإجماع الصحابة من بعده عليه، إذا لم يعرف منهم مخالف قط. فمدعي أن الإسلام لا يجيز بداءة عدوه بالقتال متقول عليه ما ليس فيه، إذ من حكمته أنه لم يأمر بالقتال حين كان ضعيفًا بين أعدائه، فلما ناوءه بمكة أمر الله نبيه بالهجرة، وشرع لهم وأوجب عليهم مهاجمة كل آب. انتهى.
وقال في إبادة دعوى مدعي الدفاع، بنصوص الغزو والجهاد. الشيخ صالح ابن أحمد نزيل المدينة: ومغازي رسول الله  معلومة مشهورة، كانت راياته ترفرف في البلدان النائية، في الشام وتبوك ومؤنة ونجد ومكة وحنين والطائف واليمن وغير ذلك. وهذه البلدان معلوم أنها تبعد عن المدينة بمراحل طويلة، منها ما يبعد عن المدينة نصف شهر، ومنها ما يبعد أكثر من ذلك، ومنها دون ذلك.
إلى أن قال: ثم استدل المدافعون بقوله تعالى: وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ. قال المدافعون: جهاد الكفار وإكراههم في دين الإسلام لإعلاء كلمة الله بدون أن يتعرضوا بسوء على المسلمين، فهو من الاعتداء المنهي عنه في القرآن، وهذا الفهم فهم خاطئ، فنقول وبالله التوفيق.
قتال الكفار واجب حيث ما كانوا بعد عرض الدعوة عليهم، وبعد ذلك بعد الاعتداء منهم لا ممن قاتلهم، وذلك بأن الشرك الله سبحانه وتعالى، الذي هم فيه هو بنفسه جناية واعتداء على الله، وفساد كبير في الأرض.
والله سبحانه أمر بإزالته بقوله تعالى: وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ هذه الآية والحديث السابق عن ابن عمر صريحان بأن سبب الجهاد وقتال المشركين هو الشرك بالله لا غير، ولا ينتهي قتالهم إلا بانتهائه الذي هو السبب، ولا ينتهي المسبب حتى ينتهي السبب، وحتى في العربية معلومة أنها للغاية.
ثم ساق حديث جابر  قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي» أخرجه مسلم. وفي رواية لمسلم أيضًا عن أبي هريرة : «إنما مثلي ومثل أمتي» إلخ. هذا الحديث عام؛ ولكنه يتناول الكفار تناولاً أوليًا؛ لأنهم أقرب إلى هذه الصفة، وهم من أمة الدعوة لا من أمة الإجابة، وخصوصًا على رواية: «إنما مثلي ومثل أمتي»، قال: ولم يزل رسول الله –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه يقاتلون الكفار حيث ما كانوا، إلى أن أسلم من في جزيرة العرب؛ إلا يسيرًا منهم، طوعًا أو كرهًا. ولقي رسول الله –عليه الصلاة والسلام- ربه سبحانه وتعالى، وهو قرير عين.
ثم قام أصحابه الكرام الأسد الظماء بسنته ، فجاهدوا وفتحوا العراق والشام ومصر والروم قهرًا لإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى؛ وهذا الذي يعلمه علماء المسلمين من سُّنة نبيهم  ويتمنونه.
وأما في رأي إخواننا المدافعين، لم يشرع الله جهاد الكفار لإكراههم في الدين أو أخذ الجزية منهم، وما كان قتال رسول الله  للكفار إلا دفاعًا في زعمهم، فلم يصدقوا فيما زعموا، وزادوا المسلمين بزعمهم هذا ثبوطًا مع ثبوطهم، وصوبوا لهم ما هم فيه، ولعل أن يغتر بهم بعض الناس، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن العجائب أن نسمع من هذا الفريق من يقول: الجهاد، فلا أدري ما معنى الجهاد عندهم؛ فإن كان الجهاد هو غزو الكفار بالمال والنفس لإعلاء كلمة الله، كما هو عرف الشرع، وما يعرفه المسلمون، فقد أنكروه وخطئوا فاعله من حيث رسول الله لم يفعله بزعمهم الخاطئ إنما قاتل دفاعًا، وإن كان على عرفهم أن الجهاد هو دفع العدو عن النفس والوطن، فهو شيء طبيعي
لا مزية لمن قام به، حتى أضعف الحيوان يدافع عن نفسه إلى أن يعجز، إلا أن يقال في حق المؤمن، إذا مات دون ماله ونفسه فهو شهيد.
ويقول أحد الكتاب المعاصرين المعروفين حول موضوع الجهاد في سبيل الله: والذي يدرك طبيعة هذا الدين على النحو المتقدم يدرك معها حتمًا الانطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف إلى جانب الجهاد بالبيان، ويدرك أن ذلك لم يكن حركة دفاعية كما يريده المهزومون أمام الضغط الواقع الحاضر وأمام هجوم المستشرقين الماكر أن يصوروا حركة الجهاد في الإسلام –إلى أن قال:
وأما محاولة مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية ومحاولة البحث عن أسانيد الإثبات، أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت لمجرد صد العدوان من القوى المجاورة على الوطن الإسلامي هو في عرف بعضهم جزيرة العرب، فهي محاولة تنم على قلة إدراك لطبيعة هذا الدين ولطيعة الدور الذي جاء به في الأرض، كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر؛ وأما الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي ترى لو أن أبا بكر وعمر وعثمان  قد أمنوا عدوان الروم والفرس على الجزيرة أكانوا يقعدون إذًا عن دفع المد الإسلامي إلى أطراف الأرض ؟؟
وكيف كانوا يدفعون هذا المد وأمام الدعوة تلك العقبات، إلى أن قال: إنها سذاجة أن يتصور الإنسان دعوة تعلن تحرير الإنسان: نوع الإنسان... في الأرض، ثم تقف أمام هذه العقبات تجاهدها باللسان والبيان إنها تجاهد باللسان والبيان حينما تخلي بينهما وبين الأفراد تخاطبهم بحرية وهم مطلقو السراح من جميع تلك المؤثرات فهنا الإكراه في الدين؛ أما حين توجد تلك العقبات والمؤثرات المادية فلابد من إزالتها أولاً بالقوة لتتمكن من مخاطبة قلب الإنسان وعقله وهو طليق من هذه الأغلال.
إن الجهاد ضرورة للدعوة إذا كانت أهدافها هي إعلان تحرير الإنسان إعلانًا جادًا يواجه الواقع الفعلي بوسائل مكافئة له في كل جوانبه ولا يكتفي بالبيان الفلسفي النظري سواء كان الوطن الإسلامي، وبالتعبير الإسلامي الصحيح دار إسلام آمنًا أم مهددًا من جيرانه.
فالإسلام حين يسعى إلى السلم لا يقصد تلك السلم الرخيصة وهي مجرد أن يؤمن الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية إنما هو يريد السلم التي يكون الدين فيها كله لله أي يكون عبودية للناس كلهم فيها لله، والتي لا يتخذ الناس بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، والعبرة بنهاية المراحل التي وصلت إليها الحركة الجهادية في الإسلام بأمر من الله لا بأوائل أيام الدعوة ولا بأوساطها... إلخ.
وختامًا: فإن القول الذي تطمئن إليه النفس أنه يجب قتال الكفار ابتداءً ودفاعًا كما علم من الأدلة المتقدمة. والله سبحانه أعلم.
** ** **
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:55 am

س28: تكلم عما يلي: النفر بعد الإقامة إذا نوى لحادثة يشاور عليها، الدليل على أن أفضل متطوع به من العبادات الجهاد. أيهما أفضل غزو البر أم البحر؟ وما الذي تكفره الشهادة؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: لا ينفر بعد الإقامة للصلاة، ولو نودي بالصلاة والنفير، والعدو بعيد صلى ثم نفر، ومع قرب العدو ينفر ويصلي راكبًا أفضل. ويجوز أن يصلي ثم ينفر، ولو نوى: الصلاة جامعة لحادثة يشاور فيها لم يتأخر أحد بلا عذر له، لوجوب جهاد بغاية ما يمكن من بدن ورأي وتدبير، والحرب خدعة.
والدليل على أنه أفضل متطوع به قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ الآية. وقد روى أبو سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله» متفق عليه.
وعن أبي هريرة  قال: سُئل رسول الله –عليه الصلاة والسلام- أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، وقيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» متفق عليه.
وروى أبو هريرة أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله، فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل» رواه مسلم. وروى البخاري بعضه.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً وجبت له الجنة»، فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدها علي يا رسول الله، فأعادها عليه، ثم قال: «وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض»، قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» رواه مسلم. وغزو البحر أفضل من غزو البر، لما روى أبو داود، عن أم حرام، عن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر الشهيد، والغرق له أجر شهيد».
وروى ابن ماجه بإسناده، عن أبي أمامة قال: سمعتُ رسول الله  يقول: «شهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله، وإن الله وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر؛ فإن الله يتولى قبض أرواحهم ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين، ولشهيد البحر الذنوب والدين» ولأن غزو البحر أعظم خطرًا؛ فإنه بين خطر القتال والغرق، ولا يمكنه الفرار دون أصحابه.
وتكفر الشهادة الذنوب غير الدين؛ لما ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله  قال: «يغفر الله للشهيد كل شيء إلا الدين» رواه مسلم، وفي رواية له: «القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين».
وعن أبي قتادة  أن رسول الله  قام فيهم، فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله : «نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر»، ثم قال رسول الله : «كيف قلت؟»، قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عن خطاياي؟ فقال رسول الله : «نعم، وأنت صابر محتسب غير مدبر إلا الدين؛ فإن جبريل –عليه السلام- قال ذلك» رواه مسلم.
** ** **
س29: تكلم بوضوح عن تشييع الغازي وتلقيه، وعن الغزو مع الأمير البر والفاجر، وعن جهاد العدو المجاور، ومع تساوٍ في قرب وبعد بين عدوين، وأحدهما أهل كتاب، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: يُسن تشييع الغازي؛ لما ورد عن سهل بن معاذ، عن أبيه، عن النبي  أنه قال: «لأن أشيع غازيًا فأكفيه في رحله غدوة أو روحة أحب إليّ من الدنيا وما فيها» رواه أحمد وابن ماجه.
وعن أبي بكر الصديق أنه شيع يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام... الخبر، وفيه: إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله؛ لأن عليًا  شيع النبي في غزوة تبوك، ولم يتلقه، احتج به أحمد، شيع أبا الحارث ونعلاه في يده. ذهب إلى فعل أبي بكر، أراد أن تغبر قدماه في سبيل الله، وشيع النبي صلى الله
عليه وسلم النفر الذين وجههم إلى كعب بن الأشرف إلى بقيع الغرقد. رواه أحمد، وشيع أحمد أمه للحج.
وأما تلقي الغازي، فقيل: لا يستحب لما تقدم؛ ولأنه تهنئته بالسلامة من الشهادة، وفيه وجه كالحاج؛ لحديث السائب بن يزيد، قال: لما قدم النبي  من غزوة تبوك، خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع، قال السائب: فخرجت مع الناس وأنا غلام. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، وللبخاري نحوه.
ويغزي مع كل أمير بر وفاجر يحفظان المسلمين، وقد روى أبو داود بإسناده، عن أنس قال: قال رسول الله : «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برًا كان أو فاجرًا» وبإسناده عن أنس قال: قال رسول الله : «ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، والإيمان بالأقدار».
وفي الصحيح: «أن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر؛ ولأن ترك الجهاد مع الفاجر يفضي إلى قطع الجهاد، وظهور الكفار على المسلمين واستئصالهم وظهور كلمة الكفر وفيه فساد عظيم». قال الله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ.
وجهاد العدو المجاور متعين لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ ولأن اشتغالهم بالبعيد يمكن التقريب من انتهاز الفرصة، إلا لحاجة إلا قتال الأبعد، كأن يكون الأبعد أخوف، أو لغوته وإمكان الفرصة أو يكون الأقرب مهادنًا، أو يمنع من قتاله مانع فيبدأ بالأبعد للحاجة ومع تساو في بعد وقرب بين عدوين وأحدهما أهل كتاب، جهاد أهل الكتاب أفضل؛ لقوله  لأم خلاد: «إن ابنك له أجر شهيدين»، قالت: ولِمَ ذاك يا رسول الله، قال: «لأنه قتله أهل كتاب» رواه أبو داود؛ ولأنهم يقاتلون عن دين.
** ** **
س30: ما هو الرباط؟ وما حكمه؟ وما أقله؟ وما أكثره؟ وما أفضله؟ وأيما أفضل أهو أم المقام بمكة والصلاة بمكة أم بالثغر؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: يُسن الرباط وهو الإقامة بثغر تقوية للمسلمين، مأخوذ من رباط الخيل؛ لأن هؤلاء يربطون خيولهم وهؤلاء يربطون خيولهم، كل يعد لصاحبه، والثغر كل مكان يخيف أهله العدو ويخيفهم، قال أحمد: وعن عثمان عن رسول الله  قال: «رباط يوم في سبيل الله، خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل» رواه الترمذي والنسائي.
وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله : «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها» متفق عليه.
وعن سلمان الفارسي، قال: سمعت رسول الله  يقول: «رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان» رواه مسلم، وإن زاد: الرباط أربعين يومًا فله أجره كسائر أعمال البر.
والرباط بأشد الثغور خوفًا أفضل؛ لأن مقامه به أنفع، وأهله به أحوج، والرباط أفضل من المقام بمكة، ذكره الشيخ تقي الدين إجماعًا، والصلاة بمكة أفضل من الصلاة بالثغر، وكره لمريد ثغر نقله أهله من الذرية والنساء إلى الثغر إن كان مخوفًا؛ لقول عمر: لا تنزلوا المسلمين خيفة البحر. رواه الأثرم، وقال: كيف لا أخاف الإثم وهو يعرض ذريته للمشركين، وإلا يكن الثغر مخوفًا فلا يكره نقل أهله إليه، كما لا تكره الإقامة لأهل الثغر به بأهليهم، وإن كان مخوفًا لأنه لابد لهم من الكنى بهم، وإلا لخربت الثغور وتعطلت.

-5-
الهجرة
س31: تكلم عن الهجرة، وبين من تجب عليه، وهل حكمها باق، ومن الذي تسن في حقه؟ واذكر ما تعرفه عن هجران أهل المعاصي واذكر ما تستحضره من الأدلة باستقصاء.
ج: الهجرة الانتقال من بلد الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان، وتجب الهجرة على عاجز عن إظهار دينه بمحل يغلب فيه حكم كفر أو بدع مضلة. إحرازًا لدينه لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا الآيات.
وقال: إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ.
وقال تعالى: إِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ.
قال الحسن البصري: لا يجوز له القعود معهم، خاضوا أو لم يخوضوا؛ لقوله تعالى: وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ.
وقال تعالى: إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ.
قال شيخ الإسلام: فعلم أن الطائفة المعفو عنها عاصية لا كافرة، إما بسماع الكفر دون إنكاره، والجلوس مع الذين يخوضون في آيات الله، أو كلام هو ذنب وليس هو كفر، أو غير ذلك من الذنوب. انتهى.
وعن سمرة بن جندب  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله» رواه أبو داود، وعن جرير
ابن عبدالله ، أن رسول الله  بعث سرية إلى خثعم، فاعتصم ةناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي  فأمرهم بنصف العقل، وقال: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين»، قالوا: يا رسول الله، ولِمَ؟ قال: «لا تراءي نارهما» رواه أبو داود والترمذي.
وقال : «أنا بريء من أهل ملتين تتراءى ناراهما»، وقال: «لا تستضيئوا بنار المشركين».
وقال: «من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة»، وقال : «لا يقبل الله من مشرك عملاً بعد ما أسلم، أو يفارق المشركين»، وقال : «لا يعلم لذي دين دينه، إلا من فر من شاهق إلى شاهق».
ومنها حديث لقيط بن صبرة لما قال: يا رسول الله على ما أبايعك؟ فبسط رسول الله  يده، وقال: «على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وزيال المشرك، وأن لا تشرك بالله شيئًا».
قال ابن القيم –رحمه الله- في الكلام عليه:
قوله في عقد البيعة وزيال المشرك أي مفارقته ومعاداته، فلا تجاوره ولا تواكله، كما جاء في حديث: «لا تراءى نارهما» انتهى؛ ولأن القيام بأمر الدين واجب، والهجرة من ضرورة الواجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ويحرم السفر إلى محل يغلب فيه حكم كفر، أو بدع مضلة، ولا يقدر على إظهار دينه به، ولو كان سفره لتجارة؛ لأن ربحه المظنون لا يفي بخسرانه المحقق في دينه، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على وجوب الهجرة من ديار الكفر لمن قدر على ذلك.
قال ابن كثير –رحمه الله- على قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً.
هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حرامًا بالإجماع وبنص هذه الآية. وكلام العلماء في المنع من الإقامة عند المشركين، وتحريم مجامعتهم ووجوب مباينتهم كثير معروف، خصوصًا في كتب أئمة الدعوة، كالشيخ محمد بن عبدالوهاب وأولاده.
ولا تجب الهجرة عن أهل المعاصي؛ لقوله : «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده» الحديث، والعمل عليه عند أهل العلم.
وهجران أهل المعاصي، كما قال شيخ الإسلام في (ج27) من «مجموع الفتاوى»: الهجر الشرعي نوعان:
أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات.
والثاني: بمعنى العقوبة عليها؛ فالأول هو المذكور في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ فهذا يُراد به أن لا يشهد المنكرات لغير حاجة، وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات، كما قال النبي : «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان؛ فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به، ومن هذا قوله تعالى: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ.
النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من ظهر المنكرات حتى يتوب منها، كما هجر النبي  والمسلمون، الثلاثة الذين خلفوا
حتى أنزل الله توبتهم حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر، ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقًا، فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير والتعزير يكون لمن أظهر ترك واجبات، وفعل المحرمات، كتارك الصلاة والزكاة، والتظاهر بالمظالم والفواحش والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسُّنة، وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع.
وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم، ولا يصلي خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يناكحون، فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا؛ ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية؛ لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة، بخلاف الكاتم؛ فإنه ليس شرًا من المنافقين الذين كان  يقبل علانيتهم وبكل سرائرهم إلى الله مع علمه بحال كثير منهم؛ ولهذا جاء في الحديث: «إن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها؛ ولكن إذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة»، وذلك لأن النبي  قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»، فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها بخلاف الباطنة؛ فإن عقوبتها على صاحبها خاصة.
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زحر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله؛ فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفته، كان مشروعًا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.

والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي  يتألف قومًا ويهجر آخرين.
وإذا اجتمع بالرجل خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسُّنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب، بقدر ما استحق من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب، بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السُّنة والجماعة، انتهى (ص203، 204، 205، 206، 209) ملخصًا.
وتُسن الهجرة لقادر على إظهار دينه بنحو دار الكفر، ليتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم، ورؤية المنكر بينهم، ويتمكن من جهادهم وإعانة المسلمين ويكثرهم؛ لما ورد عن معاوية  قال: سمعتُ رسول الله  يقول: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه أحمد وأبو داود.
وعن عبدالله بن السعدي : أن رسول الله  قال: «لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو» رواه أحمد والنسائي. وعنه : «لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد» رواه سعيد وغيره، مع إطلاق الآيات والأخبار، وتحقق المعنى المقتضي لها في كل زمان؛ وأما حديث: «لا هجرة بعد الفتح» يعني من مكة إلى المدينة، وكل بلد فتح لا تبقى منه هجرة؛ إنما الهجرة إليه؛ لأن الهجرة الخروج من بلد الكفر، فإذا فتح لم يبق بلد كفار، فلا تبقى من هجرة.

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:56 am

س32: ما حكم التطوع بالجهاد في حق من عليه دين، وفي حق من أحد أبويه حر مسلم لم يأذن، أو جد، أو جدة، وذكر الأدلة.
ج: لا يتطوع به من عليه دين إلا بإذن غريمه، إلا أن يقيم ضامنًا مليئًا، أو رهنًا محرزًا، أو يكون له من يقضيه عنه؛ لما روى أبو قتادة: أن رجلاً جاء إلى رسول الله ، فقال: يا رسول الله، إن قتلت في سبيل الله يكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله : «نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر».
ثم قال رسول الله : «كيف قلت؟» قال: أرأيت إن قتلت في سبل الله يكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله : «نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين؛ فإن جبريل قال لي ذلك» رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه.
وعن عبدالله بن عمرو  أن رسول الله  قال: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين» رواه مسلم. وعن أنس  قال: قال رسول الله : «القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة»، فقال: «إلا الدين»، فقال النبي : «إلا الدين» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
وروى ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله ، فقال: يا رسول الله، أجاهد؟ قال: «لك أبوان؟» قال: نعم، قال: «فيهما فجاهد». قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وروى أبو داود، عن أبي سعيد أن رجلاً هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال: «هل لك أحد باليمن؟» فقال: أبواي، فقال: «أذنا لك؟» قال: لا، قال: «فارجع فاستأذنهما؛ فإن أذنا لك فجاهد،
وإلا فبرهما» ولأن فرض أداء الدين متعين عليه، فلا يجوز تركه لفرض على الكفاية يقوم غيره فيه مقامه، والمؤجل كالحال؛ لأنه يعرض نفسه للقتل، فيضيع الحق؛ فإن كان وفاء جاز؛ لأن عبدالله بن حرام والد جابر، خرج إلى أحد وعليه ديون كثيرة فاستشهد وقضى عنه ابنه مع علمه  من غير نكير، ولعدم ضياع حق الغريم إذن.
ومن كان أحد أبويه مسلمًا لم يجز له الجهاد إلا بإذنه؛ لما روى عبدالله ابن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى النبي ، فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحي والداك؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد» رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه. وفي رواية: أتى رجل، فقال: يا رسول الله، إني جئت أريد الجهاد معك، وقد أتيت وإن والدي يبكيان، قال: «فارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وعن أبي سعيد أن رجلاً هاجر إلى النبي  من اليمن، فقال: «هل لك أحد باليمن؟» فقال أبواي، فقال: «أذنا لك؟» فقال: لا، قال: «ارجع إليهما فاستأذنهما؛ فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما» رواه أبو داود.
ومن معاوية بن جاهمة السلمي، أن جاهمة أتى النبي  فقال: يا رسول الله، أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: «هل من أم؟» قال: نعم، قال: «الزمها؛ فإن الجنة عند رجليها» رواه أحمد والنسائي.
وعن ابن مسعود قال: سألت رسول الله : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أيّ؟ قال: «بر الوالدين». قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» الحديث متفق عليه، وقال رجل لابن عباس: إني نذرت أن أغزو الروم، وإن أبوي منعاني، فقال: أطع أبويك؛ فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك. وهذا كله إن لم يتعين عليه، فإذا تعين فتركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وتقدمت المواضع التي يتعين فيها الجهاد، فيسقط إذنهما، وإذن غريم؛ لكن يستحب للمديون أن لا يتعرض لمكان القتل من المبارزة، والوقوف في أول المقاتلة؛ لأن فيه تغرير بتفويت الحق.
ولا طاعة للوالدين في ترك فريضة، كتعليم علم واجب يقوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك، وإن لم يحصل ما وجب عليه من العلم ببلده، فله السفر لطلبه بلا إذنهما؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ولا إذن لجد ولا جدة لظاهر الأخبار، ولا الكافرين لفعل الصحابة، ولا الرقيقين لعدم الولاية، ولا المجنون؛ لأنه لا حكم لقولهما.
فإن خرج في جهاد تطوع بإذنهما، ثم منعاه منه بعد سيره، وقيل: تعيينه عليه، فعليه الرجوع لأنه معنى لو وجد في الابتداء منع فمنع إذا وجد في أثنائه كسائر الموانع، إلا أن يخاف على نفسه في الرجوع، أو يكون له عذر من مرض ونحوه؛ فإن أمكنه الإقامة في الطريق، أقام حتى يقدر على الرجوع فيرجع، وإلا مضى مع الجيش.
وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره، وسقط إذنهما، وإن كان كافرين فأسلما ثم منعا، كان كمنعهما بعد إذنهما، على ما تقدم، وكذا حكم الغريم يأذن ثم يرجع.
فإن عرض للمجاهد في نفسه مرض أو عمى أو عرج، فله الانصراف، ولو بعد التقاء الصفين لخروجه عن أهلية الوجوب، وإن أذن له أبواه في الجهاد، وشرطا عليه أن لا يقاتل، فحضر القتال تعين عليه وسقط شرطهما.
س33: تكلم بوضوح عن حكم الدعوة إلى الإسلام، واذكر ما تستحضره من الأدلة والخلاف والتفصيل والتعليل والترجيح.
ج: في المسألة أقوال: الأولى: إن الدعوة إلى الإسلام تجب، عن ابن عباس قال: ما قاتل رسول الله  قومًا قط، إلا إذا دعاهم. رواه أحمد.
وعن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله  إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش، أمره بتقوى الله تعالى في خاصة نفسه، وبمن معه من المسلمين خيرًا، وقال: «إذا التقيت عدوك المشركين، فادعهم إلى إحدى ثلاث، فإن هم أجابوك إليها فاقبل منهم، وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن هم أبوا فادعهم إلى إماطة الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم» رواه مسلم.
وعن فروة بن مسيك قال: قلت: يا رسول الله، أقاتل بمقبل قومي ومدبرهم، قال: «نعم»، فلما وليت دعاني، فقال: «لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام» رواه أحمد. وعن سهل بن سعد، أنه سمع رسول الله  يوم خيبر، فقال: «أين علي؟» فقيل: إنه يشتكي عينيه، فأمر فدعى له، فبصق في عينيه فبرأ مكانه، حتى كأن لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: «على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهتدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم» متفق عليه.
وبهذا القول قال مالك: وإنه يجب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام من غير فرق بين من بلغته الدعوة، ومن لم تبلغه.
والقول الثاني: لا يجب مطلقًا لما ورد عن عوف قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال؟ فكتب إلي: إنما كان ذلك في أول الإسلام، وقد أغار رسول الله  على بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وأصاب يومئذ جويرة ابنة الحارث، حدثني به عبدالله بن عمر، وكان في ذلك الجيش. متفق عليه.
وعن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله  رهطًا من الأنصار إلى أبي رافع، فدخل عبدالله بن عتيك بيته ليلاً فقتله وهو نائم. رواه أحمد والبخاري. والقول الثالث: أنه يجب لمن تبلغهم الدعوة، ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب.
قال ابن المنذر: وهو قول جمهور أهل العلم، وهذا القول عندي أرجح؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد تظاهرت بذلك، وبه يجمع بين الأدلة. والله أعلم.
ويحرم القتال قبل الدعوة لمن لم تبلغه الدعوة؛ لحديث بريدة، وتقدم أول الجواب، وقيد ابن القيم وجوبها لمن لم تبلغه واستحبابها لمن بلغته بما إذا قصدهم المسلمون؛ أما إذا كان الكفار قاصدين للمسلمين بالقتال فللمسلمين قتالهم من غير دعوة دفعًا عن نفوسهم وحريمهم.
وأمر الجهاد موكول إلى الإمام، واجتهاده لأنه أعرف بحال الناس، وبحال العدو نكايتهم وقربهم وبعدهم، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك لقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ، وقوله: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ.

س34: ما الذي ينبغي للإمام أن يبتدئ به نحو أمن البلاد؟ وإذا عدم الإمام فهل يؤخر الجهاد؟ وإذا حصلت لهم غنيمة فما الحكم؟
ج: ينبغي للإمام أن يبتدئ بترتيب قوم في أطراف البلاد يكفون من بإزائهم من المشركين، ويأمر بعمل حصونهم وحفر خنادقهم وجميع مصالحهم؛ لأن أهم الأمور الأمن، وهذا طريقه، ويؤمر في كل ناحية أميرًا يقلد أمر الحرب، وتدبير الجهاد ويكون الأمير ممن له رأي وعقل وخبرة بالحرب ومكايد العدو، مع أمانة ورفق بالمسلمين، ونصح لهم ليحصل المقصود من إقامته.
ويوصي الإمام الأمير إذا ولاه بتقوى الله في نفسه، وأن لا يحمل المسلمين على مهلكة، ولا يأمرهم بدخول مطمورة يخاف أن يقتلوا تحتها؛ لحديث بريدة السابق، فإن فعل بأن حملهم على مهلكة، أو أمرهم بدخول مطمورة، يخاف أن يقتلوا تحتها، فقد أساء ويستغفر الله، ولا دية عليه، ولا كفارة إذا أصيب أحد منهم بطاعته؛ لأنه فعل ذلك باختياره.
فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد، لئلا يستولي العدو على المسلمين، وتظهر كلمة الكفر؛ وإن حصلت غنيمة قسموها على موجب الشرع، كما يقسمها الإمام على ما يأتي في باب قسمة الغنيمة.
قال في «الإقناع»: قال القاضي: وتؤخر قسمة الغنيمة حتى يقوم إمام فيقسمها احتياطًا للفروج؛ فإن بعث الإمام جيشًا أو سرية وأمر عليهم أميرًا فقتل أو مات فللجيش أن يؤمروا أحدهم، كما فعل أصحاب النبي  في جيش مؤنة، لما قتل أمراؤهم، أمروا عليهم خالد بن الوليد، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فرضي أمرهم وصوب رأيهم وسمى خالدًا يومئذ سيف الله؛ فإن لم يقبل أحد منهم أن يتأمر عليهم دفعوا عن أنفسهم؛ لقوله تعالى: وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ولا يقيمون في أرض العدو إلا مع أمير يقيمونه أو يبعثه الإمام إليهم.
** ** **
س35: تكلم عن فرار المسلمين من الكفار، وماذا يصنع من ألقي في مركبهم نار؟
ج: لا يحل لمسلم أن يهرب من كافرين، ويحرم فرار جماعة من مثليهم؛ لقوله تعالى: الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ وهذا أمر بلفظ الخبر؛ لأنه لو كان خبرًا بمعناه لم يكن تخفيفًا، ولوقع الخبر بخلاف المخبر، والأمر يقتضي الوجوب.
وقال ابن عباس: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر، ويلزمهم الثبات إن ظنوا التلف؛ لقوله تعالى: إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ ولأنه  عد الفرار من الكبائر، ففي «الصحيحين» عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «اجتنبوا السبع الموبقات»، قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات».
ومن قصد بفراره التحيز إلى فئة، أو التحرف للقتال أبيح له؛ لأن الله تعالى قال: إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ ينضم إليهم ليقاتل.
ومعنى التحرف للقتال أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن.
مثل أن يكون في موضع ضيق، فينحاز إلى سعة، أو من معطشة إلى ماء، أو من نزول إلى علو، أو من استقبال شمس أو ريح إلى استدبارها، أو يفر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم، أو تنفرد خيلهم من رجالتهم، أو ليجد فيهم فرصة أو ليستند إلى جبل، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب.
وقد روي عن عمر أنه كان يومًا في خطبته إذ قال: يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم الذئب من استرعاه لغنم، فأنكرها الناس، فقال علي : دعوه، فلما نزل سألوه عما قال لهم، فلم يعترف به، وكان بعث إلى ناحية العراق جيشًا لغزوهم، فلما قدم ذلك الجيش أخبروا أنهم لقوا عدوهم يوم الجمعة، فظفر عليهم، فسمعوا صوت عمر فتحيزوا إلى الجبل، فنجوا من عدوهم وانتصروا عليهم.
وسواء قربت الفئة أو بعدت؛ لما روى ابن عمر أنه كان في سرية من سرايا رسول الله  فحاص المسلمون حيصة عظيمة وكنت فيمن حاص، فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بغضب من الله، فجلسنا لرسول الله  قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا، فقلنا له: نحن الفرارون، فقال: «لا، بل أنتم العكارون، أنا فئة كل مسلم» أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن.
و عن عمر أنه قال: أنا فئة كل مسلم، وقال: لو أن أبا عبيدة تحيز إليّ لكنت له فئة، وكان أبو عبيدة بالعراق، وإن زادوا على مثليهم فلهم الفرار.
قال ابن عباس: لما نزلت: إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم أن يفر واحد من عشرة، ثم جاء التخفيف، فقال: الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ الآية، فلما خفف عنهم من العدد، نقص من الصبر بقدر ما خفف من القدر، رواه أبو داود.
وإذا خشي الأسر فالأولى أن يقاتل حتى يقتل ولا يسلم نفسه للأسر؛ لأنه يفوز بالثواب والدرجة الرفيعة ويسلم من تحكم الكفار عليه بالتعذيب والاستخدام والفتنة.
فإن استأسر جاز؛ لما روى أبو هريرة  أن النبي  بعث عشرة عينًا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت، فنفرت إليهم هذيل بقريب من مائة رجل رام، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد، فقالوا لهم: أنزلوا فأعطونا أيديكم ولكم العهد والميثاق، أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة مشرك فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصمًا مع سبعة معه، ونزل إليهم ثلاثة على العهد والميثاق منهم: خبيب وزيد بن الدثنة، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها. متفق عليه. فعاصم أخذ بالعزيمة، وخبيب وزيد أخذا بالرخصة، وكلهم محمود غير مذموم ولا ملوم.
والفرار أولى من الثبات إن ظنوا التلف بتركه، وإن ظنوا الظفر، فالثبات أولى من الفرار، بل يستحب الثبات لإعلاء كلمة الله، ولم يجب لأنهم لا يأمنون العطب، كما لو ظنوا الهلاك في الفرار والثبات، فيستحب الثبات، وأن يقاتلوا ولا يستأسروا؛ فإن جاء العدو بلدًا فلأهله التحصن معهم.
وإن كانوا أكثر من نصفهم ليلحقهم مدد أو قوة، ولا يكون ذلك توليًا ولا فرارًا؛ إنما التولي بعد اللقاء، وإن لقوهم خارج الحصن، فلهم التحيز إلى الحصن ليلحقهم مدد وقوة؛ لأنه بمنزلة التحرف للقتال، أو التحرف لفئة، وإن غزوا فذهبت دوابهم لشروط أو قتل، فليس ذلك عذرًا في الفرار، إذ القتال ممكن بدونها، وإن فروا قبل إحراز الغنيمة، فلا شيء لهم إن أحرزها غيرهم.

وإن قالوا أنهم فروا متحرفين للقتال فلا شيء لهم أيضًا؛ لأنهم لم يشهدوا الواقعة حال تقضي الحرب والاعتبار به، وإن ألقي في مركبهم نار، فاشتعلت فعلوا ما يرون فيه السلام؛ لأن حفظ الروح واجب، وغلبة الظن كاليقين في أكثر الأحكام، فهنا كذلك من المقام أو الوقوع في الماء ليتخلصوا من النار؛ فإن شكوا أو تيقنوا التلف فيهما، أو ظنوا السلامة فيهما ظنًا متساويًا خيروا.

من نظم الفرائد مما يتعلق بالجهاد
وإن جهاد الكفر فرض كفاية
لأن به تحصين ملة أحمد
فلله من قد باع لله نفسه
ومن يغز إن يسلم فأجر ومغنم
وما محسن يبقي إذا مات رجعة
لفضل الذي أعطوا ونالوا من الرضى
كفى أنهم أحيا لدى الله روحهم
وغدوة غاز أو رواح مجاهد
يكفر عن مستشهد البر ما عدا
وقد سُئل المختار عن حر قتلهم
كلوم غزاة الله ألوان نزفها
ولم يجتمع في منخر المرء يا فتى
كمن صام لم يفطر وقام فلم يرم
لشتان ما بين الضجيع بفرشه
يدافع عن أهل الهدى وحريمهم
ومن قاتل الأعدا لإعلاء ديننا
ويفضل غزو البحر غزو مفاوز
على الذكر الحر المكلف فرضه
بأمواله أو بيت مال وحاجة العيال
وأدنى وجوب الغزو في العام مرة
وعين على المستنفرين وحضرة الصـ
ولو قيل بالتعيين في حق حاضر
وعمن تعين قيمًا لعياله
على كل قوم غزو جيرانهم من
ويحسن تشييع الغزاة لراجل
وأهل الكتاب والمجوس إن تشا اغزهم
ويغزون حتى يسلموا أو يسلموا
وغير أولى فليدع قبل قتاله
وعرفه بالبرهان حتم اتباعه
وإن رباط المرء أجر معظم
ويجري على ميت به أجر فعله
ولا حد في أدناه بل أربعون في التمام
وأفضله ما كان أخوف مركزًا
وذلك أسنى من مقام بمكة
ومن لم يطق في أرض كل ضلالة
فحتم عليه هجرة مع أمنة
بلا محرم مشيًا ولو بعد المدى
ويشرع مع إمكان إظهار دينه
ويعذر ذو عجز لضعف وسقم أو
وعن نفله اصدد وذأب مسلم أو
كذا امنع مد ينادون رهن وكافل
بلا إذن كل إثم إن يهد والد
ولا طاعة في ترك فرض ومن طرا
ولا إذن في فرض كجد وجدة
وإن قياس الحكم إيجابه على النسا
ومن يستنب في الغزو يمنع غزوه
ومن مثلي الإسلام حرم فرارهم
ولو شاسع المثوى ولو شرطوا استوا
وأولى لمن يخشى الأسارى قتالهم
وإن يزد الكفار مع ظن قهرهم
والأولى إذا ظنوا الهلاك بمكثهم
وليس فرارًا مدخل الحصن مطلقًا
وإن تلق نار في سفينتهم أتوا
ويفضل بعد الفرض كل تعبد
وفضل عموم النفع فوق المقيد
وجود الفتى في النفس أقصى للتجود
وإن يرد يظفر بالنعيم المخلد
سوى الشهدا كي يجهدوا في التزيد
يفوق الأماني في النعيم المسرمد
تروح بجنات النعيم وتغتدي
لخير من الدنيا بقول محمد
حقوق الورى والكل في البحر فاجهد
فقال يراه مثل قرصة مفرد
دم وكمسك عرفها فاح في غد
غبار جهاد مع دخان لظى اشهد
جهاد الفتى في الفضل عند التعدد
وساهر طرف ليلة تحت أجرد
وأموالهم النفس والمال واليد
فذا في سبيل الله لا غير، قيد
ومع فاجر يحتاط فاغزو كأرشد
صحيحًا بالآت وزاد لبعد
إلى عود وإيفاء ملدد
وإن يدع للتأخير عذر ليمهد
ـفوف ومحصور بثغر ممدد
الحصون من الإسلام لما أبعد
وأمواله حتم النفير ليبعد
العدو وإمداد الضعاف بمسعد
وحل بلا كره تلقيهم اشهد
بغير دعاء إن بإبلاغهم بدي
صغارًا إلينا جزية الذل عن يد
إلى أشرف الأديان دين محمد
ولا تقبلن منه سواه بأوطد
ملازم ثغر للقا بالتعدد
كحي ويؤمن بافتنان بملحد
ويعطي أجر كل مزيد
وأقرب من أرض العدو المنكد
وفي مكة فضل الصلاة فزيد
قيامًا وإظهارًا لدين محمد
الهلاك ولو فردًا وذات تعدد
لفعل الصحابيات مع كل مهتد
وأحكامها حتى اليامة أبد
مخافة فساق وفقد تزود
والأميمة مع حراته في مبعد
الوفاء وكاف في وفاء المعدد
ويرجع ذو إذن ولم يجب اردد
به العذر فليرجع بغير تقيد
ولا زوجة إلا الذين كبعّد
في حضور الصف دفعًا وأبعد
له وبأجر إن يكن فليردد
لغير صلاح الحرب أو نحن مسعد
سلاح ومركوبيهما لم أبعد
إلى القتل، واستسلامه احلل بأوكد
فندب ثبوت الناس واحتم بمبعد
فرارًا وجوز عكس كل لقصد
ومن قبل حوز الغنم من فر فاصدد
الأهم وإن شاءوا أقاموا بأوكد

** ** **
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:58 am

س36: تكلم عما يلي: تبييت الكفار، عقر دابة، إحراق شجر وزرع وقطع، رميهم بالنار، فتح الماء عليهم، هدم عامرهم، أخذ شهد، إحراق نخل.
ج: يجوز تبييت الكفار ليلاً وقتلهم وهو غارون، ولو قتل بلا قصد من يحرم قتله، كصبي وامرأة ومجنون وشيخ فان، إذا لم يقصدوا لحديث الصعب ابن جثامة الليثي قال: سمعت رسول الله  يسأل عن ديار المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، فقال: «هم منهم» متفق عليه. وقد قال سلمة بن الأكوع : أمر رسول الله  أبا بكر ، فغزونا ناسًا من المشركين فبيتناهم. رواه أبو داود.
ويجوز رميهم بالمنجنيق؛ لما ورد عن ثور بن يزيد، أن النبي  نصب المنجنيق على أهل الطائف. أخرجه الترمذي هكذا مرسلاً.
وقد روى عن عمرو بن العاص، أنه نصب المنجنيق على الإسكندرية؛ ولأن القتال به معتاد، ويجوز رميهم بنار، وهدم حصونهم وقطع المياه عنهم، وقطع السالة عنهم، وفتح الماء ليغرقهم وإن تضمن ذلك إتلاف النساء والصبيان ونحوهم؛ لحديث مصعب بن جثامة في الباب، وهذا في معناه، ويجوز الإغارة على علافتهم ونحو ذلك، مما فيه إضعاف وإرهاب لهم.
ولا يجوز إحراق نخلهم، ولا تغريقه؛ لما روى مكحول أن النبي  أوصى أبا هريرة بأشياء، قال: «إذا غزوت فلا تحرق نخلاً ولا تغرقه»، وروى مالك أن أبا بكر قال ليزيد بن أبي سفيان ونحوه، ولأن قتله فساد، فيدخل في عموم قوله تعالى: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ الآية؛ ولأنه حيوان ذو روح فلم يجز إهلاكه، ليغيظهم كنسائهم وصبيانهم.
ويجوز أخذ العسل وأكله لأنه مباح، ويجوز أخذ شهده كله بحيث لا يترك للنحل شيئًا منه؛ لأن الشهد من الطعام المباح، وهلاك النحل بأخذ جميعه، يحصل ضمنًا غير مقصود، فأشبه قتل النساء والصبيان في البيات.
** ** **
س37: بين أحكام بعض ما يلي: عفر الدابة، إتلاف شجر أو زرع، قتل صبي، وأنثى، وخنثى، وشيخ فان، وزمن، وأعمى، ونحوهم.
ج: لا يجوز عقر دوابهم ولو شاة، لنهيه  عن قتل الحيوان صبرًا، وقول الصديق ليزيد بن أبي سفيان في وصيته، ولا تعقرن شجرًا مثمرًا، ولا دابة عجماء، ولا شاة إلا لمأكلة.
ويجوز قتل ما يقاتلون عليه من دوابهم؛ لأن قتلها وسيلة إلى الظفر بهم؛ ولما روى حنظلة بن الراهب، عقر بأبي سفيان فرسه فسقط عنه، فجلس على صدره فجاء ابن شعوب، فقال:
لأْحمِينَّ صاحبِي ونفسي
بطعنةٍ مِثْلَ شُعَاعِ الشمسِ

فقتل حنظلة واستنفذ أبا سفيان، ولم ينكر النبي  فعل حنظلة، ويجوز حرق شجرهم وزرعهم، وقطعة إذا دعت الحاجة إلى إتلافه؛ لقوله: مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الفَاسِقِينَ.
وروى ابن عمر - رضي الله عنهما - «أن رسول الله  حرق نخل بني النضير وقطعه، وهي البويرة، فأنزل الله تعالى: مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ» متفق عليه. ولها يقول حسان:
وهمان على سراة بني لؤي
حريق بالبويرة مستطير

وعن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله  إلى قرية يقال لها أبنى، فقال: «ائتها صباحًا ثم حرق الشجر والزرع، إذا كانوا يفعلون ذلك بنا لينتهوا وينزجروا»، وما تضرر المسلمون بقطعه من الشجر والزرع، لكونهم ينتفعون به في الاستظلال أو يأكلون من ثمره، أو ينتفعون ببقائه لعلوفتهم، أو تكون العادة لم تجر بيننا وبين عدونا بقطعه، حرم قطعه لما فيه من الإضرار بنا.
ولا يجوز قتل نسائهم وصبيانهم؛ لما روى ابن عمر - رضي الله عنهما - إن النبي  نهى عن قتل النساء والصبيان، متفق عليه. ولأنهما يصيرن رقيقين ومالا للمسلمين فقتلهما إتلاف لمال المسلمين؛ فإن قاتلوا جاز قتلهم بغير خلاف.
ولا يجوز قتل شيخ فان؛ لما روي عن النبي  أنه قال: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً، ولا امرأة» رواه أبو داود؛ ولأنه لا نكاية له في الحرب.
ولا يجوز قتل خنثى مشكل؛ لأنه يحتمل أن يكون امرأة، فلا يجوز قتله مع الشك، ولا يجوز قتل زمن، وأعمى وراهب؛ لما روي عن أبي بكر الصديق، أنه أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام، فقال: «لا تقتلوا الولدان، ولا النساء، ولا الشيوخ، وستجدون قومًا حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما حبسوا له أنفسهم».
ولا يقتل عبد؛ لقول النبي : «أدركوا خالدًا فمروه أن لا يقتل ذرية ولا عسيفًا –وهم العبيد-» ولأنهم يصيرون رقيقًا للمسلمين بنفس السبي، أشبهوا النساء والصبيان.
ومن قاتل ممن ذكر جاز قتله؛ لأن النبي  قتل يوم قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن سلمة، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مر النبي  بامرأة مقتولة يوم الخندق، فقال: «من قتل هذه؟» قال رجل: أنا يا رسول الله، قال: «ولِمَ؟» قال: نازعتني قائم سيفي، قال: فسكت؛ ولأن النبي  وقف على امرأة مقتولة، فقال: «يا لها قتلت، وهي لا تقاتل؟» ففيه دليل على أنه إنما نهى عن قتل المرأة، إذا لم تقاتل.
وكذلك من كان ذا رأي يعين به في الحرب، يجوز قتله لأن دريد بن الصمة كان شيخًا كبيرًا وكان له رأي؛ فإنه أشار على هوازن يوم حنين ألا يخرجوا معهم الذراري، فخالفه مالك بن عوف فخرج بهم فهزموا، فقال دريد في ذلك:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى غد

وقتل، ولم ينكر النبي  قتله، ولأن الرأي في الحرب أبلغ من القتال؛ لأنه هو الأصل، وعنه يصدر القتال؛ ولهذا قال المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة
ولربما طعن الفتى أقرانه
هو أول وهي المحل الثاني
بلغت من العلياء كل مكان
بالرأي قبل تطاعن الفرسان

وقد جاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قال لمروان والأسود: أمددتما عليًا بقيس بن سعد وبرأيه ومكايدته، فوالله لو أنكما أمددتماه بثمانية آلاف مقاتل ما كان بأغيظ لي من ذلك، ويقتل المريض إذا كان ممن لو كان صحيحًا قاتل؛ كالإجهاز على الجريح؛ لأن في تركه حيًا ضررًا على المسلمين وتقوية للكفار، وإن كان مأيوسًا من برئه، فكزمن لعدم النكاية.
وأما الفلاح الذي لا يقاتل فينبغي أن لا يقتل؛ لما روي عن عمر  أنه قال: اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب.
وقال الأوزاعي: لا يقتل الحراث إذا علم أنه ليس من المقاتلة.
وقال الشافعي: يقتل إلا أن يؤدي الجزية لدخوله في عموم المشركين، ومن أدلة القول الأول: أن الصحابة  لم يقتلوهم حين فتحوا البلاد، ولأنهم لا يقاتلون أشبهوا الشيوخ والرهبان، قاله في الشرح، وإن تترس بمن لا يقتل جاز رميهم، ويقصد المقاتلة؛ لأن المنع من رميهم يفضي إلى تعطيل الجهاد، ووسيلة إلى الظفر بالمسلمين.
وإن تترسوا بمسلمين لم يجز رميهم؛ لأنه يؤول إلى قتل المسلمين، مع أن لهم مندوحة عنه، إلا أن خيف علينا بترك رميهم فيرمون للضرورة، ويقصد الكفار بالرمي دون المسلمين؛ لأنهم المقصودون بالذات، فلو لم يخف على المسلمين، لكن لا يقدر عليهم إلا لرمي، لم يجز رميهم؛ لقوله تعالى: وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ الآية، قال الليث: ترك فتح حصن يقدر على فتحه، أفضل من قتل مسلم بغير حق.

في تبييت الكفار من النظم
وتبييتهم مع رميهم بمجانق
ويحرم تغريق لنحل وحرة
وعقرك عجماء القتال أجزه في
وعقرك ذي احظر لا اضطرار لأكلها
وما حل من ذبح لأكل فجلده
وتغريقهم والرمي بالنار جائز
وفيه بلا الشرطين قولان هكذا
ويحرم إما ضرنا بتلافة
وحضر بلا خلف ولو جاز حرقهم
ولا تقتلن صبيانهم ونسائهم
وشيخهم الفاني إذا لم يقاتلوا
ولا العبد المأيوس سقمًا وحادثًا
وما قتل فلاحيهم وعبيدهم
وإن جعلوهم جنة فارم ناويًا
وإن ترسوا بالمسلمين وخفتهم
وقطع المياه افعل وهدم المشيد
وخذ عسلاً للأكل وافهم بأبعد
القتال كمعي جوزه في المجود
وكالطير أنعام فكله بأجود
حلال وفي مال الغنيمة فاردد
إذا امتنعوا إلا به أو بنا ابتد
لإتلاف أشجار وزرعهم اشهد
وإن ضرنا بالمكث فاتلفه ترشد
بكره وقد حزناهم لم أبعد
وزمنًا وعميانًا وراهب معبد
ولم يك ذا رأي كخنثى مؤصد
ومسعدهم حتى بشتم ليقدد
لنجدتهم والخوف منهم بمبعد
مقاتلة منهم بقلبك واقصد
علينا ارمهم قصدًا وإلا بمبعد

** ** **
س38: تكلم عما يلي:
إتلاف كتب الكفرة، من أسر أسيرًا ماذا يلزمه، وماذا عليه إذا قتله؟ من أسر وادعى أنه مسلم، قتل المسلم أباه في المعركة، ما أقسام الأسرى؟ وما الذي يخير به الإمام فيهم وما الذي يجب على الإمام نحوهم، إذا رأى المصلحة في خصلة؟ صفة قتل الأسير؟
ج: يجب إتلاف كتبهم المبدلة دفعًا لضررها، وقياسه كتب نحو رفض واعتزال، ومن أسر أسيرًا من الكفار، وقدر أن يأتي به الإمام ولو بإكرامه على المجيء بضرب، أو غيره وليس بمريض، حرم قتله قبل الإتيان به إلى الإمام، فيرى به رأيه؛ لأنه افتيات عليه؛ فإن لم يقدر على الإتيان به، لا يضرب ولا بغيره، أو كان مريضًا، أو جريحًا، لا يمكنه المشي معه، أو يخاف هربه أو يهرب منه، أو يخاف منه، أو يقاتله، فله قتله؛ لأن تركه ضرر على المسلمين وتقوية للكفار.
ويحرم قتل أسير غيره، قبل أن يأتي به الإمام، إلا أن يصير إلى حالة يجوز فيها قتله لمن أسره؛ فإن قتل أسيره، أو أسير غيره قبل ذلك، وكان رجلاً فقد أساء القاتل لافتياته على الإمام، ولا شيء عليه؛ لأن عبدالرحمن بن عوف أسر أمية بن خلف وابنه عليًا يوم بدر فرآهما بلال، فاستصرخ الأنصار عليهما حتى قتلوهما، ولم يغرموا شيئًا؛ ولأنه أتلف ما ليس بمال؛ فإن كان الأسير مملوكًا فعليه قيمته للمغنم.
والأسارى من الكفار على قسمين: قسم يكون رقيقًا بمجرد السبي، وهم النساء والصبيان؛ لأنهم مال لا ضرر في اقتنائه، فأشبهوا البهائم؛ ولأن النبي  نهى عن قتل النساء والصبيان، رواه الجماعة إلا النسائي؛ ولحديث سبي هوازن، رواه أحمد والبخاري. وحديث عائشة في سبايا بني المصطلق. رواه أحمد.
والقسم الثاني: الرجال البالغون المقاتلون، والإمام مخير فيهم بين قتل ورق، ومنّ وفداء؛ أما القتل، فلقوله تعالى: اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ ولأن النبي  قتل رجال بني قريظة، وهم بين الستمائة والسبعمائة، وقتل يوم بدر عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وفيه تقول أخته:
ما كان ضرك لو مننت وربما
من الفتى وهو المغيظ المحنق

فقال النبي : «لو سمعته ما قتلته»، وقتل يوم أُحد أبا عزة الجمحي؛ وأما الاسترقاق، فلقول أبي هريرة: لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله ، سمعته يقول: «هم أشد أمتي على الدجال، وجاءت صدقاتهم»، فقال النبي : «هذه صدقات قومنا»، وكانت سبية منهم عند عائشة، فقال النبي : «أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل» متفق عليه؛ لأنه يجوز إقرارهم على كفرهم بالجزية، فبالرق أولى لأنه أبلغ الصغار؛ وأما المنَّ، فلقوله تعالى: فَإِمَّا مَناًّ بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ولأن النبي  منَّ على أبي عزة الشاعر يوم بدر، وعلى أبي العاص بن الربيع، وعلى ثمامة بن أثال.
وأما الفداء بمسلم الآية؛ ولما روى عمران بن حصين أن النبي  فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل، رواه أحمد والترمذي وصححه.
وأما الفداء بمال فللآية؛ ولأن النبي  فادى أهل بدر بالمال، فما فعله الأمير من هذه الأربعة تعين، ولم يكن لأحد نقضه، ويجب عليه اختيار الأصلح للمسلمين؛ لأنه يتصرف لهم على سبيل النظر، فلم يحز له ترك ما فيه الحظ، كولي اليتيم؛ لأن كل هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى؛ فإن منهم من له قوة ونكاية في المسلمين، فقتله أصلح، ومنهم الضعيف ذو المال الكثير، ففداؤه أصلح. ومنهم حسن الرأي في المسلمين يُرجى إسلامه، فالمن عليه أولى، ومن ينتفع بخدمته، ويؤمن شره، استرقاقه أصلح. فمتى رأى المصلحة في خصلة، لم يجز اختيار غيرها، ومتى رأى قتله ضرب عنقه بالسيف؛ لقوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقَابِ.
س39: تكلم عن حكم ما يلي تحريم التمثيل ودليله، إذا تردد رأي الإمام في الأسرى لن يكون المال المفدى به والمسترق منهم؟ إذا سأل الأسارى من أهل الكتاب تخليتهم على إعطاء الجزية، إذا كان على المسترق حق لمسلم: الصبيان، المجانين، من فيه نفع ممن لا يقتل كأعمى ونحوه، ماذا على قاتلهم؟ إذا أسلم الأسرى الأحرار المقاتلون؟ رد الأسير المسلم إلى الكفار.
ج: لا يجوز التمثيل ولا التعذيب؛ لقول النبي  في حديث بريدة: «ولا تعذبوا ولا تمثلوا»، وإن تردد رأيه ونظره في الأسرى، فقتل أولى ومن استرق منهم أو فدى بمال، كان الرقيق، والمال للغانمين حكمه حكم الغنيمة.
وإن سأل الأسارى من أهل الكتاب، أو المجوس تخليتهم على إعطاء الجزية لم يجز ذلك في نسائهم وصبيانهم؛ لأنهم صاروا أرقاء بنفس السبي، ويجوز في الرجال، ولا تجب إجابتهم إليه لأنهم صاروا في يد المسلمين بغير أمان، ولا يجوز التخيير الثابت فيهم، بمجرد بذل المال قبل إجابتهم لعدم لزومها، ولا يبطل الاسترقاق حقًا لمسلم.
والصبيان والمجانين، من كتابي وغيره، والنساء ومن فيه نفع ممن لا يقتل كأعمى ونحوه. رقيق بنفس السبي؛ لأن النبي  نهى عن قتل النساء والصبيان، رواه الجماعة إلا النسائي، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي  رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه، فأنكر قتل النساء والصبيان، متفق عليه، وكان يسترقهم إذا سباهم، ويضمنهم قاتلهم بعد السبي بالقيمة، وتكون غنيمة، ولا يضمنهم قاتلهم قبل السبي؛ لأنهم لم يصيروا مالاً.

وقن أهل الحرب غنيمة؛ لأنه مال كفار استولى عليه، فكان للغانمين كالبهيمة، وللأمير قتله لمصلحة كالمرتد، ويجوز استرقاق من تقبل منه الجزية، وهم أهل الكتاب والمجوس ويجوز استرقاق غير من تقبل منه الجزية، كعبدة الأوثان، وبني تغلب ونحوهم؛ لأنه كافر أصلي، أشبه أهل الكتاب، ولو كان عليه ولاء لمسلم أو ذمي.
وإذا أسلم الأحرار المقاتلون، تعين رقهم في الحال، وزال التخيير فيهم وصار حكمهم حكم النساء؛ لما ورد عن عبدالله بن مسعود ، قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» متفق عليه.
وهذا لفظ مسلم؛ ولأنه أسير يحرم قتله فيجوز استرقاقه، فصار رقيقًا كالمرأة، وقيل: يحرم القتل، ويخير فيهم الأمير بين رق، ومن، وفداء، صححه الموفق وجمع؛ لأنه إذا جاز ذلك في حال كفرهم، ففي حال إسلامهم أولى، ويحرم رد الأسير المسلم إلى الكفار، إلا أن يكون له من يمنعه من عشيرة ونحوها.
** ** **
س40: تكلم بوضوح عن من أسلم قبل أسره، وحكم مفاداته، ومن أين يفدي؟ ومن الذي ليس للإمام قتله ولا رقه؟ قبول الفداء ممن حكم بقتله أو رقه، المسبي إذا كان غير بالغ، إذا أسلم أو مات أحد أبوي غير بالغ، وبين حكم زوجة الحربي، إذا سبى أو سبيت معه، وبيع المسترق.
ج: من أسلم من الكفار قبل أسره لخوف أو غيره، فلا تخيير فيه، وهو كمسلم أصلي؛ لأنه لم يحصل في أيدي الغانمين، ومتى صار لنا رقيقًا محكومًا بكفره من ذكر وأنثى وخنثى، وبالغ وصغير مميز دونه، حرم مفاداته بمال، وبيعه لكافر ذمي، وغير ذمي، ولم يصح بيعه لهم. قال أحمد: ليس لأهل الذمة أني شتري مما سبى المسلمون، قال: وكتب عمر بن الخطاب ينهي عنه أمراء الأمصار، هكذا حكى أهل الشام. اهـ.
وتجوز مفاداة المسترق منهم بمسلم الدعاء الحاجة، لتخليص المسلم منهم، ويفدي الأسير المسلم من بيت المال؛ لما روى سعيد بإسناده، عن حبان بن أبي جبلة: أن رسول الله  قال: «إن على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم، ويؤدوا عن غارمهم»؛ ولأنه موضوع لمصالح المسلمين، وهذا من أهمها، وإن تعذر فداؤه من بيت المال لمنع أو نحوه، فمن مال المسلمين، فهو فرض كفاية؛ لحديث: «أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني» وليس للإمام قتل من حكم حاكم برقه؛ لأن القتل أشد من الرق، وفيه إتلاف الغنيمة على الغانمين، ولا رق من حكم بقتله، ولا رق ولا قتل من حكم بفدائه وله المن على الثلاثة المذكورين، وله قبول الفداء ممن حكم هو أو غيره بقتله، أو رقه.
ومتى حكم إمام أو غيره برق أو فداء، ثم أسلم محكوم بحاله لا ينقض لوقوعه لازمًا، والمسبي غير بالغ منفردًا عن أبويه، أو مسبي مع أحد أبويه مسلم، إن سباه مسلم، تبعًا لحديث: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه» رواه مسلم، وقد انقطعت تبعيته لأبويه بانقطاعه عنهما أو عن أحدهما، أو إخراجه من دارهما إلى دار الإسلام.
والمسبي مع أبويه على دينهما للخبر، وملك السابي لا يمنعه تبعيته لأبويه في الدين، كما لو ولدته أمه الكافرة في ملكه من كافر، ومسبي ذمي، من أولاد الحريين، يتبع السابي في دينه حيث يتبع المسلم.
وإن أسلم أو مات، أو عدم أحد أبوي غير بالغ بدارنا، أو اشتبه ولد مسلم يولد كافر فمسلم كل منهما؛ لأن الإسلام يعلو ولا يقع خشية أن يصير ولد المسلم للكافر أو بلغ ولد الكافر مجنونًا ومسلم في حال بحكم فيه بإسلامه لو كان صغيرًا لموت أحد أبويه بدارنا وإسلامه لعدم قبوله التعود وإن بلغ عاقلاً ثم جن لم يتبع أحدهما لزوال حكم التبعية ببلوغه عاقلاً فلا يعود وإن بلغ من قلنا بإسلامه ممن تقدم عاقلاً ممسكًا عن إسلام، وكفر، قتل قاتله؛ لأنه مسلم حكمًا، وينفسخ نكاح زوجة حربي يسبي لها وحدها؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس، ولهن أزواج في قومهن، فذكروا ذلك لرسول الله ، فنزلت وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ رواه الترمذي وحسنه.
فإن كانت زوجة مسلم، أو ذمي، وسبيت لم ينفسخ نكاحها، ولا يفسخ نكاح زوجة حربي سبيت معه، ولو استرقا لأن الرق لا يمنع ابتداء النكاح، فلا يقطع استدامته، وسواء سباهما رجل واحد أو رجلان، وتحل مسبية وحدها لسابيها بعد استبرائها؛ فإن سبى الرجل وحده، لم ينفسخ نكاح زوجة له بدار حرب؛ لأنه لا نص فيه ولا قياس يقتضيه.

من النظم فيما يتعلق بالأسير
ولا تضمنن قتل الأسير وحرمن
فإن لم يسر فاقتله إن كان قادرًا
وفي جائز القتل المقر بجزية
أو القتل أو يفدي بهم أو يرقهم
وتحكم استرقاقهم وفدائهم
ويختار غير القتل إن أسلموا ولا
وإن أذعن الأسرى لإعطاء جزية
ومن يهد منهم مطلقًا قبل أخذه
ومن يدعي إسلامه قبل أسره
ويختار فيمن لم يقر بجزية
ويحرم في قول مال فداؤهم
ومع أبويه أن يسب طفل فكافر
وعن أحمد إن يسب مع واحد يكن
وإن يشا الزوجان بلغ عقدهم
ولو حكموا بالفسخ إن سبيا معًا
ولا يحرم التفريق بينهما بلا
وبالسبي أثبت رق من ليس يقتلوا
ولا يمنع استرقاقنا من يرق في
وحرم في الأولى بيع من رق مطلقًت
ويفدي بكل مسلم من وثاقه
بلا أذن أن يتبع ولو سير مضهد
وفي العجز وجه مثل غنم مبدد
لسلطاننا ومن وفدية مفتد
وما كان أنكى أو أحظ لنا اعمد
كحكمك في باقي الغنيمة تهتدي
يحتم به استرقاقهم في الموطد
يخير وجوزه لأهل وأعهد
فليس عليه علقة فليشرد
بشهد اقبل أو يمينا ومفرد
سوى الرق في الأولى من أهل التعدد
كما لم يجز بيع السلام المعدد
ومع واحد أو مفرد فهو مهتد
شقيًا عن دين الأب المتمرد
في الأولى والغي عقد ذات التفرد
لدى اثنين لا مع واحد لم يبعد
خلاف يبيع واقتسام المعدد
مع الشفع والخالي ولم يفد شرد
القوى ولاء مستحق لمهتد
لكفر، وعن بيع طفل وخرد
ويحرم بيع والفداء بمن هدى



س41: بين أحكام ما يلي: التفريق بين ذوي رحم محرم، من اشترى عددًا من الأسرى في عقد يظن أن بينهم أخوة أو نحوهما فتبين عدمها، ماذا يلزم الإمام إذا حضر حصنًا؟ ماذا يحرز من أسلم من أهل الحصن؟ إذا قال أهل الحصن: ارحلوا عنا وإلا قتلنا أسراكم؟
ج: لا يفرق بين ذوي رحم محرم؛ لحديث: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة»، قال الترمذي: حسن غريب. وعن علي قال: وهب لي النبي  غلامين أخوين، فبعت أحدهما، فقال النبي : «ما فعل غلامك؟» فأخبرته، فقال: «رده رده» رواه الترمذي، وقال: حسن غريب؛ ولأن تحريم التفريق بين الوالدين لما بينهما من الرحم المحرم، فقيس عليه التفريق بين كل ذي رحم محرم، إلا بعتق، فيجوز أن يعتق أحدهما دون الآخر.
وكذا لا يحرم التفريق بافتداء الأسرى، كافتداء أسير مسلم بكافر، من ذوي رحم محرم لتخليص المسلم من الأسر، وكذا يجوز في بيع فيما إذا ملك أختين ونحوهما على ما يأتي في كتاب النكاح؛ فإنه إذا وطئ أحدهما لم يجز له وطء الأخرى حتى يحرم الموطوءة.
ولو باع الإمام أو غيره السبايا على أن بينهم نسبًا يمنع التفريق، ثم بان عدمه، فللبائع الفسخ، ومن اشترى منهم عددًا في عقد يظن أن بينهم أخوة أو نحوهما فتبين عدمها رد إلى المقسم الفضل الذي فيه بالتفريق، لبيان انتفاء مانعه، وإذا حضر إمام أو غيره حصنًا لزمه فعل الأصلح في نظره، واجتهاده، من مصابرته ومن موادعته بمال، ومن هدنة بلا مال بشرطها.

وتجب الموادعة بمال والهدنة بغيره إن سألوهما، وثم مصلحة لحصول الغرض من إعلاء كلمة الإسلام وصغار الكفرة، وله الانصراف بدونه إن رآه لضرر أو إياس منه.
وقد روي أن النبي  حاصر أهل الطائف، فلم ينل منهم شيئًا، فقال: «إنا قافلون إن شاء الله غدًا»، فقال المسلمون: أنرجع ولم نفتحه؟ فقال رسول الله : «اغدوا على القتال»، فغدوا عليه، فأصابهم جراح؛ فقال لهم رسول الله : «إنا قافلون غدًا»، فأعجبهم، فضحك رسول الله . متفق عليه.
وإن قال أهل الحصن للمسلمين: ارحلوا عنا وإلا قتلنا أسراكم عندنا، وجب رحيلهم لئلا يلقوا بأسر المسلمين للهلاك، ويحرز من أسلم من أهل الحصن قبل استيلائنا عليه، دمه وماله حيث كان في الحصن أو خارجه؛ لما ورد عن أنس ، عن النبي  قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين» رواه أصحاب السنن.
ويحرز من أسلم منهم أولاده الصغار، وحمل امرأته للحكم بإسلامهم تبعًا له، ولا يحرز امرأته إذا لم تسلم؛ لأنها لا تتبعه في الإسلام؛ فإن سبيت صارت رقيقة كغيرها من النساء، ولا ينفسخ نكاحه برقها ويتوقف بقاء النكاح على إسلامها في العدة، وإن دخل كافر دار الإسلام وله أولاد صغار في دار الحرب، صاروا مسلمين تبعًا له، ولم يجز سبيهم لعصمتهم في الإسلام.

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 7:01 am

س42: تكلم بوضوح عما يلي: إذا نزل أهل الحصن على حكم مسلم، إذا أسلم من حكم بقتله أو سببه، إذا سألوا أن ينزلهم على حكم الله، إذا
كان به من لا جزية عليه فبذلها لعقد الذمة، إذا خرج عبد إلينا بأمان أو نزل من حصن، إذا جاءنا عبد مسلمًا وأسر سيده أو أسر غيره من الحربيين، إذا أقام عبد بدار الحرب، إذا هرب قن إلى العدو ثم جاء بمال، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.
ج: إذا نزل أهل الحصن على حكم رجل مسلم حر مكلف عدل، مجتهد في الجهاد، جاز؛ لما ورد عن أبي سعيد، أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد ابن معاذ، فأرسل رسول الله  إلى سعد فأتاه على حمار، فلما دنا قريبًا من المسجد، قال رسول الله : «قوموا إلى سيدكم أو خيركم» فقعد عند النبي ، فقال: إن هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: «فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم، ونسبي ذراريهم»، فقال: لقد حكمت بما حكم به الملك، وفي لفظ: قضيت بحكم الله عز وجل. متفق عليه.
ويلزم المنزول على حكمه الحكم بالأحظ لنا، من قتل أور ق، أو من، أو فداء. ويلزم حكمه حتى بمن عليهم كالإمام، وإن أسلم –من حكم ممن نزلوا على حكمه- بقتله، أو سبيه، عصم دمه دون ماله وذريته؛ لأنهما صارا بالحكم بقتله ملكًا للمسلمين، فلا يعودان إليه بإسلامه، وأما دمه فأحرزه بإسلامه، ولا يسترق؛ لأنه أسلم قبله.
وإن سأل أهل الحصن الأمير أن ينزلهم على حكم الله تعالى، لزمه أن ينزلهم ويخير فيهم كالأسرى؛ لأن ذلك هو الحكم بحسب اجتهاده لهم، لكن في حديث بريدة الذي أخرجه أحمد ومسلم مرفوعًا: «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله؛ ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا» أجيب عنه لاحتمال نزول وحي بما يخالف ما حكم به، وقد أمن ذلك بموته .
وقيل: يكره له ذلك، وقيل: لا ينزلهم لأنه كإنزالهم على حكمنا ولم يرضوا به، ولو كان بالحصن من لا جزية عليه فبذلها لعقد الذمة، عقدت له الذمة بمعنى الأمان مجانًا، وحرم رقه لتأمينه، وإن لم يجب به ماله، ولو خرج عبد إلينا بأمان، أو نزل عبد من حصن إلينا بأمان فهو حر؛ لما روى الشعبي عن رجل من ثقيف قال: سألنا النبي  أن يرد علينا أبا بكرة، وكان عبدًا لنا، أتى رسول الله  وهو محاصر ثقيفًا فأسلم، فأبى أن يرده علينا، وقال: هو طليق الله، ثم طليق رسول الله، فلم يرده علينا؛ ولو جاءنا عبد مسلمًا وأسر سيده الحربي، أو أسر غيره من الحربيين فهو حر. والكل مما جاء، من سيده أو غيره له.
وإن أقام عبد أسلم بدار حرب فهو رقيق، ولو جاء مولاه مسلمًا بعده، لم يرد إليه لسبق الحكم بحريته حين جاء إلينا مسلمًا، ولو جاء مولاه قبله مسلمًا، ثم جاء هو مسلمًا فهو له، وليس لقن غنيمة لأنه مال، فلا يملك المال، فلو هرب القن إلى العدو، ثم جاء منه بمال فهو لسيده، والمال الذي جاء به لنا فيئًا، وكره نقل رأس كافر من بلد إلى بلد، ورميه بمنجنيق بلا مصلحة؛ لما روى عقبة بن عامر أنه قدم على أبي بكر الصديق برأس بنان البطريق فأنكر ذلك، فقال: يا خليفة رسول الله، فإنهم يفعلون ذلك بنا، قال: فأذن بفارس والروم، لا يحمل إلى رأس، إنما يكفي الكتاب والخبر.
قال الشيخ تقي الدين: وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد، ولا يكون نكالاً لهم عن نظيرها؛ فأما إن كان في التمثيل السائغ دعاء لهم إلى الإيمان، وزجرًا لهم عن العدوان؛ فإنه من إقامة الحدود والجهاد المشروع، ولم تكن القصة في أحد كذلك، فلهذا كان الصبر أفضل.

(6)
باب من يلزم الإمام والجيش
س43: ماذا يلزم الإمام والرعية عند سيرهم إلى الغزو؟ وما الذي يستحب أن يدعو به؟ القتال يقع بسبب خمسة أشياء فما هي؟ واذكر أدلتها ووضح الألفاظ الخفية.
ج: يلزم كل أحد إخلاص النية لله تعالى في الطاعات كلها من جهاد وغيره؛ لقوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
وعن أبي أمامة قال: جاء رجل إلى النبي ، فقال له: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر، ماله؟ فقال رسول الله : «لا شيء له» فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله : «لا شيء له»، ثم قال: «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتغى به وجهه» رواه أحمد والنسائي.
قال ابن القيم في «شرح منازل السائرين»: قد تنوعت عباراتهم في الإخلاص والقصد واحد، فقيل: هو إفراد الحق سبحانه بالقصد والطاعة، وقيل: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، وقيل: الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء: أن يكون ظاهره خيرًا من باطنه، والصدق في الإخلاص؛ أن يكون باطنه أعمر من ظاهره.
ومن كلام الفضيل –رحمه الله-: ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما؛ وقال صاحب المنازل: الإخلاص تصفية العمل من كل شوب، ويلزم كل أحد أن يجتهد في إخلاص النية لله في الطاعات؛ لأن الواجب لا يتم إلا به.

ويستحب أن يدعو سرًا بحضور قلب؛ لما في حديث أنس قال: كان النبي  إذا غزا قال: «اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل» رواه أبو داود بإسناد جيد، وكان جماعة منهم الشيخ تقي الدين يقوله عند قصد مجلس العلم. اهـ.
الأشياء التي يقع القتال بسببها: الشجاعة والحمية والرياء والمغنم والغضب، والدليل على ذلك ما ورد عن أبي موسى قال: سُئل رسول الله  عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» رواه الجماعة. وفي رواية البخاري: والرجل يقاتل للمغنم، وفي أخرى له: والرجل يقاتل غضبًا.
ويجب على الإمام عند المسير بالجيش تعاهد الخيل، قلت: وفي وقتنا يتفقد أيضًا الطائرات والدبابات والمصفحات والرشاشات والمدافع والسيارات، ويتفقد الرجال؛ لأن ذلك من مصالح الجيش فلزمه كبقية المصالح، فيختار من الرجال ما فيه غنى ومنفعة للحرب ومناصحة، ومن الخيل ما فيه قوة وصبر على الحرب، ويمكن الانتفاع به في الركوب، وحمل الأثقال، ومن الأسلحة الحديثة، والمركوبات الحديثة ما كان أنفع للجهاد.
ويمنع ما لا يصلح للحرب، ويمنع الخذل وهو المفند للناس عن الغزو ومزهدهم فيه والخروج إليه، كقائل: الحر أو البرد شديد، أو المشقة شديدة، أو بالكفار كثرة وخيلهم جيدة... وما شاكله، يقصد بذلك خذلان المسلمين، وهو التخلف عن النصرة، وترك الإعانة. يقال للظبي إذا تخلف عن القطيع: خذول، ويقال: خذلت الوحشية إذا أقامت على ولدها وتخلفت. قال طرفة بن العبد البكري:
خذول تراعي ربربًا بخميلة
تناول أطراف أطراف البرير وترتد

وعليه منع مرجف كمن يقول: هلكت سرية المسلمين، ولا لهم مدد أو طاقة بالكفار، والإرجاف لغةً: إشاعة الكذب والباطل، يقال: أرجف
بكذا إذا أخبر به على غير حقيقة؛ لكونه خبرًا متزلزلاً غير ثابت من الرجفة، وهي الزلزلة، وأرجفوا في الشيء: خاضوا فيه، قال الشاعر:
أبا لأراجيف يا ابن اللؤم توعدني
وفي الأراجيف خلت اللؤم والخورا

قال الله تعالى: عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ الآية، ويمنع مكاتبًا بأخبارنا، ليدل العدو على عوراتنا، ويمنع راميًا بيننا بالعداوة، وساعيًا بيننا بالفساد والفتن. قال تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً الآية.
ويمنع معروف بنفاق وزندقة؛ لقوله تعالى: فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَئْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُواًّ وأن هؤلاء مضرة على المسلمين فلزم الإمام منعهم، وعليه منع صبي لم يشتد ومجنون؛ لأنه لا منفعة فيهما، ولأن في دخولهما أرض العدو تعريضًا للهلاك.
ويمنع نساء للافتنان بهن مع أنهن لسن من أهل القتال؛ لاستيلاء الخور والجبن عليهن، ولأنه لا يؤمن ظفر العدو بهن، فيستحلوا منهن ما حرم الله تعالى، إلا عجوزًا لسقي ماء ونحوه، كمعالجة جرحى؛ لما ورد عن أنس قال: كان رسول الله  يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار، يسقين الماء، ويداوين الجرحى. رواه مسلم والترمذي وصححه.
وعن أم عطية الأنصارية قالت: غزوت مع رسول الله  سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، وأصنع لهم الطعام وأداوي لهم الجرحى، وأقوم على المرضى. رواه أحمد ومسلم وابن ماجه. قال جمع: وامرأة الأمير لحاجته إليها لفعله .
س44:ما حكم الاستعانة بالكافر وأهل الأهواء في شيء من شؤون المسلمين؟ وما حكم إعانة أهل الأهواء؟ وما صفة سير الجيش؟ وما الذي ينبغي للأمير أن يعمل نحو العدو؟ واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: يحرم أن يستعين بكافر، لحديث عائشة أن النبي  خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين، فقال له: «تؤمن بالله ورسوله؟» قال: لا. قال: «فارجع فلن أستعين بمشرك» متفق عليه؛ ولأن الكافر لا تؤمن غائلته، ومكره لخبث طويته. والحرب تقضي المناصحة، والكافر ليس من أهلها إلا لضرورة؛ لحديث الزهري: أن النبي  استعان بناس من المشركين في حربه، وبهذا حصل التوفيق بين الأدلة والضرورة، مثل كون الكفار أكثر عدادًا أو يخاف منهم، وحيث جاز اشتراط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين؛ فإن كان غير مأمون عليهم، لم يجز كالمرجف وأولى.
وتحريم استعانة بأهل الأهواء في شيء من أمور المسلمين من غزو وعمالة، أو كتابة أو غيرها، لعظم الضرر؛ لأنهم دعاة إلى عقائدهم الباطلة، فهم أضر على المسلمين من اليهود والنصارى؛ لأنهم يدعون إلى ذلك، واليهود والنصارى لا يدعون إلى دياناتهم؟
وتكره الاستعانة بذمي في ذلك، وتحرم توليتهم الولايات، وتحرم إعانة أهل الأهواء على عدوهم إلا خوفًا من شرهم، ويُسن أن يخرج الإمام بالجيش يوم الخميس؛ لما ورد عن كعب بن مالك أن النبي  خرج في يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس. متفق عليه.
ويسير بالجيش برفق، كسير أضعفهم؛ لحديث «أمير القوم أقطعهم»، أي أقلهم سيرًا، لئلا ينقطع أحد منهم؛ فإن دعت حاجة إلى الجد في السير جاز؛ لأن النبي  جد حين بلغه قول عبدالله بن أبي ليخرجن الأعز منها الأذل، ليشتغل الناس عن الخوض فيه.
ويعد الإمام والأمير للجيش الزاد؛ لأنه لابد منه وبه قواهم، وربما طال سفرهم فيهلكون، حيث لا زاد لهم، ويحدثهم بما يقوي نفوسهم من أسباب النصر، فيقول مثلاً: أنتم أكثر عددًا، وأشد أبدانًا، وأقوى قلوبًا ونحوه؛ لأنه مما تستعين به النفوس على المصابرة، وأبعث لها على القتال.
ويعرف عليهم العرفاء –وهو القائم بأمر القبيلة أو الجماعة من الناس- فيجعل لكل جماعة من يكون كمقدم عليهم ينظر في حالهم ويتفقدهم؛ لأنه  عرف عام خيبر على كل عشرة عريفًا، وورد العرافة حق؛ وأما قوله: «العرفاء في النار» فتحذير للتعرض للرياسة، لما في ذلك من الفتنة، ولأنه إذا لم يقم بأمرها استحق العقوبة، ويعقد لهم الأولوية البيض، وهي العصابة تعقد على قناة ونحوها. قال صاحب «المطالع»: اللواء راية لا يحملها إلا صاحب جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش. اهـ.
قال ابن عباس: «كانت راية النبي  سوداء، ولواؤه أبيض» رواه الترمذي.
وعن جابر أن النبي  دخل مكة ولواؤه أبيض، رواه أبو داود. ويعقد لهم الرايات وهي أعلام مربعة، ويغير ألوانها ليعرف كل قوم رايتهم؛ لقوله  للعباس حين أسلم أبو سفيان: احبسه على الوادي حتى تمر به جنود الله تعالى، فيراها. قال: فحبسته حيث أمرني رسول الله ، ومرت به القبائل على راياتها؛ ولأن الملائكة إذا نزلت مسومة بها. نقل حنبل.
ويجعل لكل طائفة شعارًا يتداعون به عند الحرب، لئلا يقع بعضهم على بعض لما روى سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع أبي بكر زمن النبي  فبيتناهم نقتلهم، وكان شعارنا تلك الليلة: أمت أمت، رواه أبو داود.
وعن المهلب أن رسول الله  قال: «إن بيتكم العدو، فليكن شعاركم: حم لا ينصرون» رواه الترمذي وأبو داود.
وعن سمرة بن جندب قال: كان شعار المهاجرين: عبدالله، وشعار الأنصار: عبدالرحمن. رواه أبو داود.
ويتخير الإمام أو الأمير لهم من المنازل أصلحها لهم كالخصبة، وأكثرها ماء ومرعى؛ لأنها أرفق بهم وهو من مصلحتهم، ويتبع مكانها فيحفظها ليأمنوا هجوم العدو عليهم، ولا يغفل الحرس والطلائع.
ويمنع جيشه من الفساد والمعاصي؛ لأنها سبب الخذلان، وتركها داع للنصر ، وسبب للظفر.
ويمنع جيشه من التشاغل بالتجارة المانعة لهم من القتال، ويعد الأمير الصابر في القتال بأجر ونفل ترغيبًا له فيه، ويخفي أمره ما أمكن إخفاؤه لئلا يعلم العدو به. عن كعب بن مالك، عن النبي  أنه كان إذا أراد غزوة، وروى بغيرها. متفق عليه.
ويبعث العيون على العدو ممن له خبرة بالطرق حتى لا يخفى عليه أمر العدو، ويهتم باقتفاء آثار العدو ومعرفة أسرارهم، كما كان –عليه السلام- يهتم باقتفاء أخبار العدو، ومعرفة أسرارهم واستطلاع خباياهم، فكان يبعث العيون ليأتوه بخبرهم، فقد أرسل عبدالله بن جحش سنة اثنتين للهجرة، في اثني عشر مهاجرًا، بعد أن دفع إليه كتابًا أمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، فلما مضى اليومان، نظر عبدالله في كتاب رسول الله ، فإذا فيه: «إذا نظرت إلى كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم»، كما أن رسول الله  عندما علم بعير أبي سفيان، تحمل خيرات قريش كلها إلى الشام، أمر نفرًا من المسلمين أن يخرجوا إليها لعل الله أن يجعلها لهم، فلما اقتربوا من الصفراء بعثوا بسيس بن عمرو وعدى بن الرعباء إلى بدر يستطلعان أخبار العير، وقد ذهب رجلان من المسلمين إلى بدر يستقيان ويتنسطان الأخبار، وبينما هما كذلك إذ بجارية تطالب أخرى بدين عليها، فتجيبها صاحبتها أن سوف تعطيها الذي لها عندما تأتي العير في الغد، أو بعد الغد، فتعمل لهم وتؤجر منهم، فيسرع الرجلان إلى رسول الله  يخبرانه بيوم قدوم العير.
ثم إن الجمعين، لما قاربا بدرًا، وتسابقا إلى الماء، بعث رسول الله  عليًا وسعدًا والزبير إلى بدر يتجسسون، فجاؤوه بعبدين لقريش، وهو قائم يصلي، فلما انتهى من صلاته سألهما عن مكان قريش، فقالا: وراء هذا الكثيب، ثم قال لهما: «كم القوم؟» فقالا: لا علم لنا، فقال: «كم ينحرون كل يوم؟» فقالا: يومًا عشرًا، ويومًا تسعًا، فقال : «القوم ما بين تسعمائة وألف»، ثم قال لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش؟» قالا: عتبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، ونوفل ابن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل، والنفل، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو بن عبدود. فقال رسول الله  لأصحابه: «رمتكم مكة بأفلاذ كبدها» وفي غزوة أُحد بعث الرسول أنسًا ومؤنسًا، ابني فضالة يلتمسان قريشًا، فعلما أنها قاربت المدينة، وأخبر الرسول  بذلك، وبعث من بعدهما الحباب بن المنذر، فأتاه بخبرها، ولم يلبث أن خرج سلمة بن سلامة، فرأى قريشًا تسرع بخيلها حتى لتكاد تدخل المدينة، فرجع إلى القوم يحدثهم بما رأى.

وفي غزوة المريسيع عندما علم الرسول  أن الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق خرج في قومه ليحارب المسلمين، أرسل بريدة بن الحصيب الأسلمي يتأكد له الأمر، فلما لقي الحارث وعلم أخباره، رجع إلى رسول الله  يقص عليه ما سمع، فما كان من رسول الله  إلا أن ندب المسلمين للقاء بني المصطلق.
وفي غزوة الخندق عندما علم الرسول  أن قريظة نقضت عهدها وانضمت إلى حيي بن أخطب عدو الله ورسوله، أرسل سعد ابن معاذ، وسعد بن عبادة، وعبدالله بن رواحة، وخوات بن جبير ليعلموا أمر قريظة، ويروا إن كانت على عهدها مع رسول الله  أم خرجت عليه.
فلما سأل هؤلاء كعب بن أسد، وقال لهم: لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، انصرفوا إلى رسول الله يخبرونه، وفي سنة ست من الهجرة قبل صلح الحديبية أو عهدها، بعث الرسول عدة سرايا، كان منها سرية عكاشة ابن محصن الأزدي، الذي خرج في أربعين رجلاً إلى الغمر، وقد أرسل هؤلاء الطلائع –جريًا على سُّنة رسول الله- فوجدوا من دلهم على ماشية أعدائهم، فغنموا مائتي بعير ساقوها إلى المدينة، وعندما خرج الرسول ليعتمر عمرة الحديبية في ألف وبضع مئات من أصحابه، وبلغ ذلك الحليفة بعث عينًا له يستطلع.
فلما اقترب الرسول من عسفان، أتاه عينه، فسأله عما جاء به من أخبار قريش، فقال له الرجل: قد سمعت بمسيرك فخرجوا وقد لبسوا جلود النمر، ونزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم.
وقبيل يوم حنين بعث –عليه السلام- عبدالله بن أبي حدود الأسلمي، وأمره أن يدخل في صفوف عدوه، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم، فانطلق ابن أبي حدرد حتى دخل فيهم وسمع منهم ما أجمعوا عليه من حرب المسلمين، ثم أتى رسول الله  فأخبره الخبر.
ويشاور في أمر الجهاد المسلمين ذا الرأي والدين؛ لقوله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ.
وقال: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ، وعن أنس أن النبي  شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر، فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة، فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا، قال: فندب رسول الله  الناس فانطلقوا. رواه أحمد ومسلم.
وعن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله . رواه أحمد والشافعي، وروى البغوي بسنده، عن عائشة أنها قالت: ما رأيت رجلاً أكثر استشارة للرجال من رسول الله ، وللاستشارة فوائد كثيرة، ذكرها بعض المفسرين، لا نطول بذكرها، يغني عنها أمر الله لرسوله ، ولنعم ما قيل في ذلك:
وشاور إذا شاورت كل مهذب
ولا تك ممن يستبد برأيه
ألم تر أن الله قال لعبده
لبيب أخي حزم لترشد في الأمر
فتعجز أو لا تستريح من الفكر
وشاورهمو في الأمر حتمًا بلا نكر



وقال بشار بن برد:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
برأي نصيح أو نصيحة حازم
فريش الخوافي قوة للقوادم

ويصف الجيش، فيتراصون؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفاًّ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ والسر في ذلك أنهم إذا كانوا كذلك نشط بعضهم بعضًا، وزادت قوتهم المعنوية، وتعاضدوا، وتنافسوا في الطعان والنزل والكر، وأدخلوا الروع والفزع والذعر في نفوس الأعداء.
ويجعل في كل جنبة من الصف كفورًا؛ لحديث أبي هريرة  قال: كنا مع رسول الله  يوم الفتح، فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة، وبطن الوادي، فقال: يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار فدعوتهم... الحديث. رواه مسلم. ولأنه أحوط للحرب، وأبلغ في إرهاب العدو، ويدعو بما في حديث أنس، كان النبي  إذا غزا قال: «اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل» رواه أبو داود وغيره.
ولا يميل إمام أو أمير مع قريبه، ولا مع ذي مذهبه؛ لأنه يفسد القلوب ويكسرها، ويشتت الكلمة، فربما خذلوا عند الحاجة إليهم، ويحرم قتال من لم تبلغه الدعوة قبلها، وتُسن دعوة من بلغته للخبر، وتقدم البحث أوسع من هذا.
** ** **
س45: تكلم عما يلي: بذل جعل لمن يعمل ما فيه غناء، مثل لذلك جعل جارية لمن يفعل ما فيه نفع ومصلحة للمسلمين، واذكر ما يتفرع على ذلك من المسائل، النفل في البداء والرجعة، بعث السرايا، الأدلة الدالة على ما تذكر أو التعليلات.
ج: يجوز أن يجعل أمير جعلاً معلومًا من مال المسلمين، ويجوز أن يجعل من مال الكفار، مجهولاً لمن يعمل ما فيه نفع للمسلمين كنقب سور، أو صعود حصن، أو يدل على طريق سهل، أو قلعة لتفتح، أو على ماء في مفازة ونحوه كدلالة على مال يأخذه المسلمون، أو عدو يغيرون عليه، أو ثغر يدخل منها إليه؛ لأنه  قد استأجر هو وأبو بكر في الهجرة من دلهم على الطريق، وجعل النبي  الثلث والربع، مما غنموه وهو مجهول؛ لأن الغنيمة كلها مجهولة ويستحقه مجهول له بفعل ما جوهل عليه، بشرط أن لا يجاوز جعل مجهول من مال كفار ثلث الغنيمة بعد الخمس؛ لأنه لم ينقل عنه  جعل أكثر نه.
ويجوز أن يعطي الأمير ذلك بلا شرط؛ لأنه ترغيب للجهاد، ولو جعل الأمير لمن يفعل ما فيه مصلحة للمسلمين جارية معينة، على فتح حصن من الكفار، فماتت قبل فتح الحصن فلا شيء له؛ لأن حقه تعلق بعينها، وقد تلفت بغير تفريط، فسقط حقه منها كالودية، وإن أسلمت وهي أمة أخذها –كحرة جعلت بعد فتح- إلا أن يكون المجعول له الجارية كافرًا، فله قيمتها إن أسلمت كحرة جعلت له وأسلمت قبل الفتح.
وإن فتحت قلعة صلحًا، ولم يشترط المسلمون الجارية على أهل القلعة، وأبى أهل القلعة الجارية، وأبي مجعول له أخذ القيمة عنها. فسخ الصلح لتعذر إمضائه، لسبق حق صاحب الجعل، وتعذر الجمع بينه وبين الصلح.
وإن بذلوا الجارية مجانًا، لزم أخذها ودفعها غليه. قال في الفروع: والمراد غير حرة الأصل، وإلا وجبت قيمتها؛ لأن حرة الأصل غير مملوكة، وكل موضع أوجبنا القيمة، ولم يغنم الجيش شيئًا؛ فإنها تعطي من بيت المال لأنه مال المصالح.
الأنفال: جمع نفل بالتحريك وبسكونها، والغنيمة: قال لبيد: إن تقوى ربنا خير نفل. وقال عنترة:
إنا إذا احمر الوغى نروي القنا
ونعف عند مقاسم الأنفال

أي الغنائم، وأصل النفل: الزيادة، وسميت الغنيمة به؛ لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة، مما كان محرمًا على غيرهم، أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهد من أجل الجهاد، ويطلق النفل على معان أخر منها: اليمين، والابتغاء، ونبت معروف. والنافلة: التطوع لكونها زائدة على الواجب، والنافلة: ولد الولد؛ لأنه زيادة على الولد.
ولأمير في بداءة دخول دار حرب، أن ينفل الربع فأقل بعد الخمس، وله أن ينفل في رجوع من دار حرب الثلث، فاقل بعد الخمس؛ لما روى عبادة ابن الصامت، أن النبي  كان ينفل في البداءة الربع، وفي الرجعة الثلث. رواه أحمد وابن ماجه والترمذي. وفي رواية: كان إذا أغار في أرض العدو، نفل الربع، وإذا قفل راجعًا وكل الناس نفل الثلث، وكان يكره الأنفال ويقول: «ليرد قوى المؤمنين على ضعيفهم» رواه أحمد.
وعن حبيب بن مسلمة: أن النبي  نفل الربع بعد الخمس في بداءته، ونفل الثلث عد الخمس في رجعته. رواه أحمد وأبو داود، وروى الأثرم عن عمر بن الخطاب، أنه قال لجرير بن عبدالله في قومه يريد الشام: هل لك أن تأتي الكوفة، ولك الثلث بعد الخمس، من كل أرض وسبي.
ولا تجوز الزيادة على الثلث لأن نفل النبي  انتهى إليه.
ويجوز النقص منه؛ لأنه إذا جاز ألا ينقل شيئًا، فلأن يجوز تنفيل قليل أولى، ولا يستحق هذا النفل إلا بالشرط؛ لأن استحقاقه بغير شرط إنما يثبت بالشرع، ولم يرد الشرع باستحقاقه على الإطلاق، وزيد في الرجعة على البدء لمشقتها؛ لأن الجيش في البداءة ردة عن السرية، وفي الرجعة منصرف عنها، والعدو مستيقظ، ولأنهم مشتاقون إلى أهليهم، فيكون أكثر مشقة ولا يعدل شيء عند أحمد الخروج في السرية مع غلبة السلامة.
عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المسلمين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل» متفق عليه.

من النظم مما يلزم الإمام والجيش
ويلزم عند السير منع مخذل
ومخشى عون للعدو منافق
ورديء نساء غير عجف قواعد
ولا يستعن بالكفر إلا ضرورة
وعن أحمد إن كان يقوى لدفعهم
وإن تجدن من كل مركوبه اجعلن
ويظهر أسباب التضافر بينهم
وكل قبيل فليقدم عليهم
وكل فئات فليعين شعارهم
ويبعث أكفاء العيون تحرزًا
وذا الرأي شاوره وذا الصبر والغنا
ويكتم مهما اسطاع يا صاح
وصفهم واجعل على كل جانب
ودعوتنا من لم تبلغه حر من
ومن بلغته قاتلن قبله أن تشا
وبذلك اجعل جلب نفع مجوز
إذا لم يجاوز بعد خمس ثلثيه
وما منعوه بذله ورآه للمصالح
فمع فقد جعل عين أو نوع مطلق
ولا يمنع الإسلام تسليم جعله
وقيمة حر الأصل إن يهد قلبه
وإن صولحوا من غير شرط لجعله
وقيد احتمال ماله غير قيمة
وشرطك ربعا بعد خمس مجوز
وبالثلث بعد الخمس في رجعة ولا
وقولين في تنفيله ذاك شرط أو
وليس لهم من غير شرط تنفل
وإن ير تنفيلاً لإغناء أو رجا
ونفل السرايا للنقوع وغيره
ومرجفهم مع كل أعجف أو ردي
وساع بشحنا بيننا ومفسد
يعالجن جرحى ثم يسقين من صدى
ويمشي برفق مستعد التزود
إذا نصر الأعداء وإلا ليردد
على فاضل واحتم لخوف الردى قد
ويعقد رايات بكل مسود
عريفًا حفيظًا كافيًا للتفقد
وفي كل حرز أو صلاح ليجهد
ويردع عن فعل الخنا كل مفسد
بأجر وتنفيل على غيره عد
ووار بغير القصد عن مقتصد
نجيبًا ودع ميل الهوى لا تنكد
قتالهم قبل الدعاء وأكد
ودعوتهم من قبل حسن وسدد
وعلما به الشرط من سوى مال جعد
في الأولى ودون الشرط ما زاد فاردد
من مال المصالح فأعدد
وفقدان فتح صاحب الجعل شرد
رقيقًا قبيل الفتح أو بعده اشهد
وقيمته عين لذي الكفر ترشد
وظن به بالقيمة الصلح أفسد
كحرة أصل سلموها بأبعد
لنفل السرايا في الدخول به جد
تبق لهم والجيش بعدهم اعدد
زيادة فوق الثلث بالشرط قيد
وجائز التنقيص دون التزيد
غناء يجز من بعد خمس وقيد
وكالسلب اخصص في سواهم بمرقد


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 7:03 am

س46: ماذا يلزم الجيش من طاعة الإمام؟ وما حكم إحداث أمر بلا إذنه؟ تكلم عن المبارزة بوضوح، واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: يلزم الجيش طاعة الأمير في غير معصية، ويلزمهم النصح والصبر معه؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ؛ ولحديث أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني» متفق عليه.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي  قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة» متفق عليه. وعنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله  على السمع والطاعة، يقول لنا: «فيم استطعتم» متفق عليه.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله  قال: «من كره من أميره شيئًا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية» متفق عليه. وعن أنس  قال: قال رسول الله : «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة» رواه البخاري.
وأما الدليل على النصح، فعن أبي رقية تميم الداري  أن النبي  قال: «الدين النصيحة»، قلنا: لِمَن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم. وعن جرير بن عبدالله ، قال: بايعت رسول الله  على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، متفق عليه. فلو أمرهم الأمير بالصلاة جماعة، وقت لقاء العدو فأبوا، عصوا للمخالفة.
وأما الدليل على الصبر، فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وعن عبدالله بن أبي أوفى، أن رسول الله  في بعض أيامه التي لقى فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس، فقال: «أيها النسا لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم، فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» الحديث متفق عليه.
ويلزمهم اتباع رأيه، والرضا بقسمته الغنيمة وبتعديله لها؛ لأن ذلك من جملة طاعته ولا يخالفونه ينشعب أمرهم، فلا خير مع الخلاف، ولا شر مع الائتلاف. قال ابن مسعود: الخلاف شر. ذكر ابن عبدالبر: ولا يجوز لأحد أن يتعلف –وهو تحصيل العلف للدواب- ولا يتحطب، ولا يبارز، ولا يخرج من العسكر، ولا يحدث حدثًا إلا بإذن الأمير؛ لأنه أعرف بحال الناس وحال العدو ومكامنهم وقوتهم، فإذا خرج إنسان أو بارز بغير إذنه، لم يأمن أن يصادف كمينًا للعدو فيأخذوه، أو يرحل بالمسلمين، ويتركه فيهلك أو يكون ضعيفًا لا يقوى على المبارزة، فيظفر به العدو فتكسر قلوب المسلمين، بخلاف ما إذا أذن؛ فإنه لا يكون إلا مع انتفائه المفاسد، ويؤيد ذلك قوله تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِنَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ.
ولا ينبغي أن يأذن في موضع إذا علم أنه مخوف؛ لأنه تغرير بهم؛ وأما الانغماس في الكفار، فيجوز بلا إذن لأنه يطلب الشهادة، ولا يترقب منه الظفر، وإلا بالمقاومة بخلاف المبارزة، فتتعلق به قلوب الجيش، ويرتقبون ظفره، فلو طلب البراز كافر، سن لمن يعلم من نفسه القوة والشجاعة مبارزته بإذن الأمير، لمبارزة الصحابة .
عن علي  قال: تقدم عتبة بن ربيعة، ومعه ابنه وأخوه، فنادى: من يبارز؟ فانتدب شاب من الأنصار، فقال: من أنتم؟ فأخبروه. فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنا أردنا بني عمان، فقال رسول الله : «قم يا حمزة، قم يا علي، قم يا عبيدة بن الحارث» فأقبل حمزة إلى عتبه، وأقبلت إلى شيبة، واختلفت ابن عبيدة والوليد ضربتان، فأثخن كل واحد منا صاحبه، ثم ملنا إلى الوليد، فقتلناه واحتملنا عبيدة، رواه أحمد وأبو داود.
وعن قيس بن عبادة، عن علي قال: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة، قال قيس: فيهم نزلت هيه الآية: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ قال: هم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة وربيعة والوليد بن عتبة. وفي رواية أن عليًا قال: فينا نزلت هذه الآية، وفي مبارزتنا يوم بدر هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ. رواهما البخاري، وعن سلمة بن الأكوع قال: بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي، رواه أحمد في قصة طويلة ومعناه لمسلم، وبارز البراء بن مالك مرزبان الدارة، فقتله وأخذ سلبه، فبلغ ثلاثين ألفًا؛ ولأن في الإجابة إليها إظهارًا لقوة المسلمين، وجلدهم على الحرب، فإن لم يعلم من نفسه المكافأة لطلب البراز، كرهت إجابته لئلا يقتل، فيكسر قلوب المسلمين، وكان الأمير لا رأي له فعلت المبارزة بغير إذنه.
فإن شرط الكافر المبارز أن لا يقتله غير الخارج إليه، أو كان هو العادة لزم لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ؛ ولقوله : «المسلمون على شروطهم»، ويجوز رميه وقتله قبل المبارزة؛ لأن لا عهد له ولا أمان.
ويباح للرجل المسلم الشجاع طلبها ابتداء، ولا يستجب له ذلك؛ لأنه لا يأمن أن يقتل فتنكسر قلوب المسلمين، فإن انهزم المسلم المجيب لطالب البراز، والداعي إليه أو أثخن بجراح، فلكل مسلم الدفع عنه، والرمي للكافر المبارز لانقضاء قتال المسلم معه، والأمان إنما كان حال البراز، وقد زال وأعان حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث على قتل شيبة بن ربيعة، حين أثخن عبيدة.
وإن أعان الكفار صاحبهم، فعلى المسلمين عون صاحبهم، وقتال من أعان عليه دون المبارزة؛ لأنه ليس بسبب من جهته؛ فإن استنجدهم أو علم منه الرضا بفعلهم انتقض أمانه وجاز قتله.
س47: ما هو السلب؟ ومن الذي يستحقه؟ ومتى يستحقه؟ وبأي شيء تقبل دعوى القاتل للسلب؟ وإذا كان القاتل صبيًا، أو امرأة، فما الحكم؟ وإذا قتله اثنان فما الحكم؟ وما الحكم فيما إذا أسره إنسان فقتله الإمام أو استحياه؟
ج: السلب بفتح السين واللام، ما على القتيل من ثياب وسلاح ودرع وحلي، وما معه من خيل ودابته التي قاتل عليها، وما كان بمنزلة الخيل، والدابة في وقتنا هذا، وآلات الركوب لأنها تابعة له، ويستعان بها في الحرب فأشبه السلاخ، ويدخل في ذلك التاج، والبيضة، والمنطقة، وأسورة، وران، وخف بما في ذلك من حية، وسيف، ورمح، ولت، وقوس، ونشاب؛ لأنه يُستعان به في حربه.
وإذا قتل مسلم كافرًا فله سلبه سواء قال الإمام: من قتل قتيلاً فله سلبه أو لم يقل؛ لعموم الأدلة، عن أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول الله  عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه، فضربته على حل عاتقه، وأقبل علي، فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب، فقال: مال للناس؟ فقلت: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، وجلس رسول الله ، فقال: «من قتل قتيلاً له عليه بينة، فله سلبه» الحديث متفق عليه.
وعن أنس  أن رسول الله  قال يوم حنين: «من قتل رجلاً فله سلبه»، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلاً، وأخذ أسلابهم. رواه أحمد وأبو داود. وفي لفظ: «من تفرد بدم رجل، فقتله فله سلبه»، قال: فجاء أبو طلحة بسلب أحد وعشرين رجلاً. رواه أحمد.
وعن عوف بن مالك، أنه قال لخالد بن الوليد: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم، قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى.رواه مسلم، وكذا إذا أثخنه فصار في حكم المقتول، فله سلبه؛ لما ورد عن عبدالرحمن بن عوف أنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني، فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما، فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله ، والذي نفسي بيده لئن رأيته، لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر، فقال مثلها. قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس، فقلت: ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، فقال: فابتدراه بسفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله ، فأخبراه. فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: هل مستحما سيفيكما؟ قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال: كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح.
والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء. متفق عليه. ووجه ذلك أن ابن مسعود وقف على أبي جهل يوم بدر، فلم يعط سلبه، وقضى به النبي  لمعاذ بن عمرو بن الجموع؛ لأنه أثبته.
ومن غرر بنفسه بأن قدم على مبارزة من يغلب على ظنه أنه لا يقدر عليه، فقتله حال الحرب لا قبلها ولا بعدها، ولا عبدًا بإذنه سيده، أو كان امرأة أو صبيًا بإذن إمام، أو نائبه فله سلبه؛ لحديث: «من قتل قتيلاً فله سلبه»، وللأحاديث المتقدمة.
وقال الشيخ تقي الدين: في هذا نظر؛ فإن حديث ابن الأكوع كان المقتول منفردًا، ولا قتال هناك، بل كان المقتول قد هرب منهم، انتهى من «الإنصاف».
ولا يستحق السلب مخذل، ولا مرجف، ولا عاص، كرام بيننا يفتن؛ لأنهم ليسوا من أهل الجهاد، ويستحق السلب القاتل بشرطه، ولو كان المقتول صبيًا أو امرأة إذا قاتلوا للعمومات، لا إن رماه بسهم من صف المسلمين، أو قتله مشتغلاً بأكل ونحوه، أو منهزمًا فلا يستحق سلبه لعدم التغرير بنفسه، أشبه قتل شيخ فان، وامرأة، وصبي، ونحوهم ممن لا يقتل.
ولو قطع مسلم يدي الكافر ورجليه، فله سلبه، ولو قتله غيره لأنه كفى المسلمين شره؛ ولأن معاذ بن عمرو بن الجموح أثبت أبا جهل، فأدرك ابن مسعود أبا جهل، وبه رمق فأجهز عليه، فقضى النبي  بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح.
وإن قتله اثنان فأكثر فسلبه غنيمة؛ لأنه  لم يشرك بين اثنين في سلب، ولأنه إنما يستحقه بالتغرير في قتله، ولا يحصل بالاشتراك وإن أسره فقتله الإمام أو استحياه، بأن أبقاه حيًا رقيقًا، أو بفداء، أو من فسلبه ورقيته إن رق وفداؤك إن فدى غنيمة؛ لأن الذي أسره له بقتله، ولأنه قد أسر المسلمون يوم بدر أسرى، فقتل النبي  منهم واستبقى منهم، ولم ينقل أنه أعطى أحدًا ممن أسرهم سلبًا ولا فداء، وإن قطع يده ورجله وقتله آخر، فسلبه للقاتل.
ولا تقبل دعوى القتل إلا بشهادة رجلين؛ لأن الشارع اعتبر البينة، وإطلاقها ينصرف إلى شاهدين، ففي الحديث المتفق عليه المتقدم قريبًا أنه  قال: «من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه»، وإطلاقها ينصرف إلى شاهدين، وكالقتيل العمد، وقيل: يعطي السلب إذا قال: أنا قتلته، ولا يسأل ببينة؛ لأن النبي  قبل قول أبي قتادة، وجوابه الخبر الآخر، وبأن خصمه أقر له فاكتفى بقوله.
وقال جماعة من أهل الحديث: يقبل شاهد ويمين كغيره من الأموال، ونفقته ورحله وخيمته غنيمة؛ لأن ذلك ليس من اللبوس، ولا مما يُستعان به في الحرب.
س48: تكلم عن أحكام ما يلي: الكذب في الحرب، الخيلاء فيه، تخميس السلب، الخديعة في الحرب.
ج: يجوز الكذب في الحرب؛ لما روى البخاري، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف؛ فإنه قد آذى الله ورسوله، فقام محمد بن مسلمة، فقال: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ قال: «نعم»، قال: فأذن لي أن أقول شيئًا. قال: «قل»، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنانا، وإني قد أتيتك أستسلفك، قال: وأيضًا والله لتملنه، قال: إنا قد انبعناه، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يضير شأنه وقد أردنا أن تسلفنا وسقًا أو وسقين، فقال: نعم أهنوني. قالوا: أي شيء تريد؟ قال: أرهنوني نساءكم. قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فأرهنوني أبناءكم؟ قالوا: كيف نرهنك أبناءنا؟ فيسب أحدهم، فيقال: رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللأمة، فواعده أن يأتيه، فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة، وهو أخو كعب من الرضاعة، فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم، فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة. قالت: إني أسمع صوتًا كأنه يقطر منه الدم، قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة، ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو دعى إلى طعنة بليل لأجاب، قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلان. وفي رواية أبو عبس بن جبر، والحارث بن أوس، وعباد بن بشر، فقال: إذا جاء فأني قائل بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه، فدونكم فاضربوه، وقال مرة: ثم أشمكم، فنزل إليهم متوشحًا، وهو ينفح منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحًا، أي أطيب، فقال: عندي أعطر نساء العرب، وأجمل نساء العرب، فقال: أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم. فشمه ثم أشم أصحابه، ثم قال: أتأذن لي؟ قال: نعم، فلما استمكن منه قال: دونكم، فقتلوه، ثم أتوا النبي  فأخبروه.
وعن أم كلثوم بنت عقبة قالت: لم أسمع النبي  يرخص في شيء من الكذب، مما يقول الناس، إلا في الحرب والإصلاح بين الناس. وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها، رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
وتستحب الخيلاء في الحرب؛ لما ورد عن جابر بن عتيك: أن النبي  قال: «إن من الغيرة ما يحب الله، ومن الغيرة ما يبغض الله، وإن من الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله؛ فأما الغيرة التي يحبها الله، فالغيرة في الريبة؛ وأما الغيرة التي يبغض الله، فالغيرة في غير الريبة؛ والخيلاء التي يحبها الله، فاختيال الرجل بنفسه عند القتال، واختياله عند الصدمة؛ والخيلاء التي يبغض الله، كاختيال الرجل في الفخر والبغي» رواه أبو داود والنسائي.
ويكره التلثم في القتال وعلى أنفه، لا لبس علامة كريش نعام، ولا يخمس السلب؛ لحديث عوف وخالد إن النبي  لم يخمس السلب. رواه أحمد وأبو داود؛ ولأن قوله : «فله سلبه» يتناول جميعه.
وتجوز الخديعة في الحرب للمبارز وغيره؛ لما ورد عن جابر قال: قال رسول الله : «الحرب خدعة» متفق عليه، وروي أن عمر بن عبد ود، لما بارز عليًا قال له علي: ما برزت لأقاتل اثنين، فالتفت عمرو فوثب علي فضربه، فقال عمرو: خدعتني، فقال: الحرب خدعة، وفي غزوة الخندق، إن نعيم بن مسعود بن عامر من بني غطفان، أتى رسول الله ، فقال:
يا رسول الله، إني قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فقال له رسول الله : «إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا إن استطعت؛ فإن الحرب خدعة» فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديمًا في الجاهلية، فقال لهم: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت لست عندنا بمتهم، فقال لهم: إن قريشًا وغطفان ليسوا كهيئتكم، البلد بلدكم فيه أموالكم وأولادكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان، أموالهم وأولادهم ونساؤهم بعيدة، إن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل، والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم، حتى تكون بأيديكم ثقة لكم، على أن يقاتلوا معكم محمدًا حتى تناجزوه، قالوا: فقد أشرت رأي ونصح. ثم خرج حتى أتى قريشًا، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه ورجال قريش: يا معشر قريش قد عرفتم ودي إياكم، وفراقي محمدًا، وقد بلغني أمرًا رأيت أن حقًا علي أن أبلغكم نصحًا لكم، فاكتموا علي. قالوا: نفعل، قال: تعلمون أن معشر يهود، قد ندموا عل ما صنعوا بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك عنا أن نأخذ من القبيلتين، من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم، فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم؟ فأرسل إليهم أن نعم، فإن بعثت إليكم يهود فالتمسوا رهنًا من رجالكم، فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحدًا، ثم خرج حتى أتى غطفان، فقال: يا معشر غطفان، أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، ولا أراكم تتهموني. قالوا: صدقت. قال: فاكتموا علي، قالوا: نفعل، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش، وحذرهم ما حذرهم. فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس، وكان ذلك مما صنع الله لرسوله ، أرسل
أبو سفيان ورؤوس من غطفان، إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل، في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى تناجزوا محمد أو نفرغ مما بيننا وبينه، فقالوا لهم: إن اليوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا، وقد كان أحدث بعضنا فيه حدثًا، فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا، حتى نناجز محمدًا؛ فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال أن تسيروا إلى بلادكم، وتتركونا والرجل في بلدنا، ولا طاقة لنا بذلك من محمد، فلما رجعت إليها الرسل بذلك الذي قالت بنو قريظة. قالت: قريش وغطفان تعلمون، والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بني قريظة إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحدًا من رجالنا، وإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا؛ فإن وجدوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك استمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم، فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تأتونا رهنًا، فأبوا عليهم وحذل الله بينهم، وفرق جمعهم، ثم أرسل الريح بالمطر والرعد والبرق، وقذف في قلوب الذين كفروا الرعب، فولوا الأدبار.

من نظم ابن عبدالقوي
مما يتعلق بما يلزم الجيش
ويلزم كل الجيش نصح أميرهم
وليس لهم أن يخرجوا من معسكر
وندب لذي بطش شجاع برازه
ومن دون إذن حر من مطلقًا وللضعيف
ولا تنصرن ذا السلم مع شرط كافر
وقبل براز جوزن قتل كافر
وقاتل من الكفار أعوان كافر
ومن يستطع في الحرب خدعة كافر
وإن يرده ذو السلم أو يرد غيره
لتعميم حكم الشرع فيما أباحه
ويشرع قتل العلج والحرب قائمًا
ويعطاه ذو وضخ ولو كان كافرًا
ولا تعطه الممنوع سهمًا ورضخه
وللمدعي بالشاهد اقض وقيل أو
وللقاطع الأطراف لا قاتل أبح
وقيل كمقطوع اثنتين غنيمة
وقيل لمرد والشريكي وآسر
وأسلابه آلات حرب ولبسه
وفي الأشهر المركوب فيه وممسك
ويكره في قتل العدا كل مثلة
وخيمته مع رحلة وجنيبه
وطاعته في طاعة الله قيد
ولا يبرزوا إلا بإذن مجدد
بإذن أمير كافر إذا تمرد
بالإذن إكره وحلل لمبتدي
سوى مثخن مع كلمه أو معرد
سوى مع كون القتل غير معود
وإن يرض أو يستصرخ اقتله واقدد
أجزه بلا كره ولو مات ترشد
يكن غير مخموس له سلب الرد
الإمام له أو لم يبحه بأوكد
مخاطرة ذا منعة وتجلد
وقاتل سبي قاتلوا في المجود
كزمن بلا إذن يبارز بأوكد
بفرد وإيلاء وقيل بمفرد
وللقاتل المقطوع واجده جد
وقتل الإمام العاني أوذ إذن اشهد
وعبد له إن رق والمال إن قد
لدى الحرب مع حلي بغير تقيد
العنان بآلات له لم تقيد
ويكره نقل الروس لا سلب ملحد
وأمواله للغانمين لتردد

** ** **
س49: تكلم عن أحكام ما يلي: الغزو بلا إذن الإمام. من دخل دار حرب بلا إذن الإمام فغنم شيئًا. من أخذ من دار حرب ركازًا ومباحًا له قيمة إعلاف الدابة ما أحرزه من طعام. القتال بسلاح من الغنيمة. ليس الثوب والقتال على فرس منها. أخذ شيء مما أحرز من الغنيمة. التضحية بشيء فيه الخمس الفاضل عما أخذه الغزاة، من أخذ دابة لغزوه عليها أو سلاح أو غيره إذا خرج الإمام على رجل ألا يصحبه فنادى بالنفير. ما هي النهدة وما حكمها؟ وتكلم عن كتبهم وما وجد معهم من الملاهي والمحرمات.
ج: لا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير؛ لأنه أعرف بالحرب وأمره موكول إليه، ولأنه إذا لم تجز المبارزة إلا بإذنه، فالغزو أولى إلا أن يفجأهم عدو يخافون شره، وأذاه، فيجوز قتالهم بلا إذنه لتعين المصلحة فيه، ولما في التأخر من الضرر، وحينئذ لا يجوز التخلف لأحد إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ المكن والأهل والمال.
ومن لا قوة له على الخروج، ومن منعه الإمام، والدليل إلى جوازه بلا إذن الإمام، أنه لما أغار الكفار على لقاح أي نوق النبي ، فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجًا من المدينة وتبعهم فقاتلهم بغير إذن. فمدحه النبي  وقال: «خير رجالنا سلمة بن الاكوع»، وأعطاه سهم فارس وراجل.
وكذا إن عرضت لهم فرصة يخافون فوتها بتركه للاستيذان؛ فإن لهم الخروج بغير إذنه لئلا تفوتهم، ولأنه إذا حضر العدو صار الجهاد فرض عين، فلا يجوز التخلف عنه، وإذا دخل قوم ذو منعة أولاً أو دخ لواحد ولو عبدًا دار حرب بلا إذن إمام أو نائبه، فغنيمتهم فيء لأنهم عصاة بالافتيات. ومن أخذ من الجيش أو اتباعه من دار حرب ركازًا، أو مباحًا له قيمة في مكانه، فهو غنيمة؛ لحديث عاصم بن كليب، عن أبي الجويرة الجرمي قال: لقيت بأرض الروم جزء فيها ذهب في إمارة معاوية، وعلينا معن بن يزيد السلمي، فأتيته بها فقسمها بين المسلمين، وأعطاني مثل ما أعطى رجلاً منهم، ثم قال: لولا أني سمعت النبي  يقول: «لا نفل إلا بعد الخمس لأعطيتك»، ثم أخذ يعرض على من نصيبه فأبيت. أخرجه أبو داود. فإن لم تكن له قيمة كالأقلام والمسن، فلآخذ ولو صار له قيمة بنقله ومعالجته.
ومن أخذ طعامًا أو علفًا، ولو بلا إذن أمير، ولا حاجة فله أكله، وله إطعام سبي اشتراه، وله علف دابته؛ لحديث عبدالله بن أبي أوفى قال: أصبنا طعامًا يوم خيبر، فكان الرجل يأخذ منه مقدار ما يكفيه، ثم ينصرف. رواه سعيد وأبو داود.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب، فنأكله ولا نرفعه. رواه البخاري، وعن ابن عمر: أن جيشًا غنموا في زمان رسول الله  طعامًا وعسلاً، فلم يؤخذ منهم الخمس. رواه أبو داود.

وعن عبدالله بن المغفل قال: أصبت جرابًا من شحم يوم خيبر، فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا، فالتفت فإذا رسول الله  متبسمًا، رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعن القاسم مولى عبدالرحمن عن بعض أصحاب رسول الله  قال: «كنا نأكل الجزور في الغزو، ولا نقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مملوءة» رواه أحمد، ولسعيد أن صاحب جيش الشام كتب لعمر: إنا أصبنا أرضًا كثيرة الطعام والغلة، وكرهت أن أتقدم في شيء من ذلك، فكتب إليه دع الناس يعلفون ويأكلون.
فمن باع منهم شيئًا بذهب أو فضة، ففيه خمس الله وسهام المسلمين؛ فإن أحرز الطعام والعلف، أو وكل الإمام من يحفظه، فلا يجوز أن يأكله أو يعلفه دابته إلا لضرورة؛ لأنه صار غنيمة للمسلمين، وتم ملكه عليه.
ولا يجوز أن يعلف منه دابة لصيد، كجارح وفهد لصيد، لعدم الحاجة إليها ويرد فاضلاً من طعام، وعلف، ولو كان يسيرًا لاستغنائه عنه. ويرد ثمن ما باع من طعام وعلف للخبر، ولو كان يسيرًا لاستغنائه عنه، ويرد ثمن ما باع من طعام وعلف للخبر، وتقدم قريبًا، ويجوز القتال بسلاح من الغنيمة، ويرده مع حاجة وعدمها لقول ابن مسعود: انتهيت إلى أبي جهل، فوقع سيفه في يده فأخذته، فضربته حتى برد، رواه الأثرم، ولعظم الحاجة إليه مع بقائه.
ولا يجوز القتال على فرس أو نحوها من الغنيمة، ولا لبس ثوب منها، لما ورد عن رويفع بن ثابت أن رسول الله  قال يوم حنين: «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبتاع مغنمًا حتى يقسم، ولا أن يلبس ثوبًا من فيء المسلمين حتى إذا أخلفه رده فيه، ولا أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه» رواه أحمد وأبو داود.
ولا يجوز أخذ شيء من طعام أو غيره في دار إسلام أو حرب، مما أحرز من الغنيمة إلا لضرورة؛ لأنه إنما أبيح الأخذ قبل جمعه، ولأنه لم يثبت فيه ملك المسلمين، وصار كسائر أملاكهم؛ فإن لم يجد ما يأكله كله جاز له الأخذ لحفظ نفسه ودوابه.
ولا تجوز التضحية بشيء فيه الخمس، وله دهن بدنه ودابته، وله شرب شراب لحاجة إلحاقًا له بالطعام.
ومن أخذ ما يستعين به في غزاة معينة، فالفاضل مما أخذه له؛ لأنه أعطيه على سبيل المعاونة والنفقة، لا على سبيل الإجازة، كما لو أوصى أن يحج عنه فلان بألف، وأن لا يكن أخذه في غزاة معينة، فالفاضل يصرفه في الغزو.
وإن أخذ دابة غير عادية، ولا حبيس لغزوه عليها ملكها بالغزو؛ لحديث عمر: حملت رجلاً على فرس في سبيل الله، فأضاعه صاحبه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، فظننت أنه بائعه برخص. الخبر متفق عليه. فلولا أنه ملكه ما باعه، ولم يكن ليأخذه من عمر، فيقيمه للبيع في الحال، فدل على أنه أقامه للبيع بعد غزوه عليه، أشار إليه أحمد؛ فإن لم يغز ردها، ومثل الدابة سلاح أعطيه ليغزو به، فيملكه بالغزو؛ فإن باعه بعد الغزو، فلا بأس، ولا يشتريه من تصدق به. ولا يركب دواب السبيل في حاجة نفسه؛ لأنها لم تسبل لذلك، ويركبها ويستعملها في سبيل الله؛ لأنها سبلت لذلك.
وإذا قال الإمام لرجل: أحرج عليك ألا تصحبني؟ فنادى الإمام بالنفير، لم يكن إذنًا له في الخروج لتقديم الخاص على العام.
ولا بأس النهدة في السفر فعله الصالحون، كان الحسن إذا سافر ألقى معهم، ويزيد أيضًا بعد ما يلقى وفيه رفق، ومعنى النهد أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئًا من النفقة، يدفعونه إلى رجل منهم ينفق عليهم، ويأكلون منه جميعًا، ولو أكل بعضهم أكثر من بعض لجريان العادة بالمسامحة.
ولا يتخذ النعل والجرب من جلودهم، ولا الخارط والحبال، بل ترد كسائر أموالهم، وكتبهم المنتفع بها ككتب الطب واللغة والشعر، ونحوها. وإن كانت مما لا ينتفع به، وأمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد غسله غسل وهو غنيمة، وإلا فلا.
ويُقتل الخنزير، ويُكسر الصليب، ويُراق الخمر، وتُكسر أوعيته، إن لم يكن فيهما نفع للمسلمين وإلا أبقيت، وتكسر آلات اللهو كالتليفزيون والسينما والراديو والبكم والعود ويحرق الدخان وتسكر الشبش التي يشرب بها وآلات توليعه وتطفئته وتتلف جميع الملاهي؛ لأنها محرمات بيعًا وشراء واستعمالاً.

من النظم في وجوب إذن الأمير
ويحرم غزو دون إذن أميرهم
وإن خيف فوت الغنم أو بغت العدا
ومن يعط شيئًا في غزاة لعونه
وليس حبيسًا أو معارًا لفرضه
وإن تغز دون الإذن من غير منعة
له بعد خمس والجميع بثان
وإن كان فيهم منعة فهو ملكهم
وأكلك مطعومًا وعلف بهائم
ولو كان دهنًا أو شرابًا لحاجة
وفاضل مطعوم إذا عدت رده
وما حيز في الأقوى احظرن لا ضرورة
وجائز استعمال آلة حربهم
وحظر على شرط على حارس لها
وما اختص من كتب بهم بيعه احظرن
إذا لم يفت غنم ولم يفج معتد
فلا إذن وليغزو سوى حفظ قد
فيغزو فيفضل أو حمى فوق أجرد
ولا قال أنفق في الجهاد له أشهد
رجالاً فيحووا مغنمًا فبأوكد
وفي جعله في الفيء ثالثة زد
سوى الخمس ولأوهى يكن فيئًا اعدد
يجوز بلا إذن وعن بيعه زد
وعن غير مطعوم وتابعه أصدد
وعن أحمد تحليل نزر مزهد
وقيمة ما بعث أو ثمنه إن نمى اردد
له غير مركوب وثوب بأوكد
ركوب لمغنوم وبالشرط جود
سوى جلد أو ورق ولا غنم افتد

** ** **

س50: تكلم بوضوح عما يلي: الغنيمة، دليلها، إذا أخذ حربي مالنا، إذا وجد وسم على حبيس، إذا استولى الكفار على حر، فداء الأسير بخيل أو سلاح.
ج: الغنيمة أصلها إصابة الغنم من العدو، وقد تستعمل في كل ما ينال بسعي، ومنه قول الشاعر:
وقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب

ومثله قول الآخر:
ومطعم الغنم مطعمه
أنى توجه والمحرم محروم

وتعريف الغنيمة اصطلاحًا: هي ما أخذ من مال حربي قهرًا بقتال، وما ألحق به كهارب استولينا عليه، وهدية الأمير ونحوهما، والأصل في الغنيمة قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ الآية، وقد اشتهر وصح أنه  قسم الغنائم، وكانت في أوائل الإسلام خاصة لرسول الله ؛ لقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ الآية. ولم تحل الغنائم لغير هذه الأمة؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : «ولم تحل الغنائم لقوم سود الرءوس غيركم، كانت تنزل نار من السماء تأكلها» متفق عليه.
ويملك أهل الحرب ما لنا بقهر، ولو اعتقدوا تحريمه؛ لأن القهر سبب يملك به المسلم مال الكافر، فملك به الكافر مال المسلم كالبيع، وفي القواعد الفقهية: أنهم لا يملكون إلا بالحيازة، إلا دارهم، وفي «الاختيارات الفقهية» لم ينص الإمام أحمد على أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر ولا على عدمه، وإنما نص على أحكام أخذ منها ذلك، فالصواب أنهم يملكونها ملكًا مقيدًا لا يساوي ملك المسلمين من كل وجه. انتهى. وما اختاره الشيخ تقي الدين أقرب إلى الصواب فيما أرى. والله أعلم.
وإذا ملك مسلم أختين ونحوهما فوطئ إحداهما، ثم استولى عليها الكفار فله وطء الأخرى، لزوال ملكه عن أختها، وإن أسلموا وبأيديهم شيء من ذلك، فهو لهم، ولا يملكون وقفًا، ويعمل بوسم على حبيس لقوة الدلالة عليه كما يعمل بقول مأسور استولى عليه من كفار هو ملك فلان فيرد إليه، ولا يملكون حرًا ولا ذميًا؛ لأنه لا يضمن بالقيمة، ولا تثبت عليه اليد بحال، ومتى قدر على الذمي رد إلى ذمته لبقائها، ولم يجز استرقاقه، ويلزم فداؤه، ولا يجوز فداء على أسير بخيل ولا سلاح؛ لأنه إعانة على المسلمين.

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 7:05 am

س51: تكلم عما يلي: إذا استولى أهل الحرب على حرة أو أمة، إذا أخذنا الحرة أو أم الولد منهم، إذا ولدت منهم، إذا أبى الولد الإسلام، إذا اشترى مسلم أسيرًا من كافر، واذكر الدليل على ما تقول.
ج: ينفسخ باستيلاء أهل الحرب نكاح أمة مزوجة استولوا عليها وحدها لملكهم لرقبتها ومنافعها، وكنكاح كافرة سبيت وحدها، ولا ينفسخ به نكاح حرة مزوجة؛ لأنهم لا يملكونها، وإن أخذتا الحرة منهم، أو أخذنا منهم أم الولد ردت حرة لزوج لبقاء نكاحه، ورد أم ولد لسيد حيث عرف. ويلزم سيدًا أخذها قبل قسمة مجانًا، وبعد قسمة بثمنها، ولا يدعها يستحل فرجها من لا تحل له.
وولد الحرة من أهل الحرب، كولد زنا؛ لأنه لا ملك لهم فيها ولا شبهة ملك.
وإن أبى ولد مسلمة حرة، أو غيرها من أهل الحرب، الإسلام ضرب وحبس حتى يسلم؛ لأنه مسلم تبعًا لأمه، فلا يقر على الكفر.
ولمشتر أسيرًا من كافر رجوع على الأسير بثمنه بنية رجوع عليه؛ لما روى سعيد، عن عمر: أيما رجل أصاب رقيقه ومتاعه بعينه، فهو أحق به
من غيره، وإن أصابه في أيدي التجار بعد القسم فلا سبيل إليه، وأيما حر اشتراه التجار فإنه يرد إليهم رؤوس أموالهم؛ فإن الحر لا يباع، ولا يشترى.
وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «يقول الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا وأكل ثمنه...» الحديث رواه أحمد والبخاري.
س52: تكلم بوضوح عما يلي: إذا أخذ من أهل الحرب مال مسلم أو معاهد، إذا باع كافر مال المسلم، أو المعاهد، أو وهبه، أو نحو ذلك، متى تملك الغنيمة؟ وأين تقسم؟ إذا غلب العدو على الغنيمة بمكانها.
ج: إذا أخذ منهم مال مسلم، أو معاهد بشراء أو قتال، وأدركه ربه بعد قسمه، فلربه أخذه بثمنه؛ لحديث ابن عباس أن رجلاً وجد بعيرًا له كان المشركون أصابوه، فقال له النبي : «إن أصبته قبل أن نقسمه فهو لك، وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة، ولئلا يفضي إلى ضياع الثمن على المشتري، وحرمانه ما أخذه من الغنيمة وحقها ينجبر بالثمن».
فرجوع صاحب المال في عين ماله بثمنه جمع بين الخفين كأخذ الشقص بالشفعة.
ولو باع مال المسلم أو المعاهد آخذه من الكفار، أو وهبه، أو وقفه، أو أعتقه من انتقل إليه فيلزم، ولربه أخذه من آخر مشتر، وأخر متهب كأول آخذ.
قال ابن رجب في القواعد: والأظهر أن المطالبة تمنع التصرف كالشفعة وإن وقفه، أو أعتقه لزم وفات على ربه.
وتملك الغنيمة بالاستيلاء عليها في دار الحرب؛ لأن الاستيلاء التام سبب الملك، وقد وجد لثبوت أيدينا عليها حقيقة، ولزوال ملك كفار عنها، ويجوز قسمة الغنيمة في دار حرب؛ لما روى أبو إسحاق الفزاري قال: قلت للأوزاعي: هل قسم رسول الله  شيئًا من الغنائم بالمدينة؟ قال: لا أعلمه، إيما كان للناس يبيعون غنائمهم ويقسمونها في أرض عدوهم، ولم يقفل رسول الله  عن غزاة قط أصاب فيها غنيمة، إلا خمسها: وقسمها، قبل أن يقفل، من ذلك غزوة بني المصطلق وهوازن وحنين.
ويجوز بيع الغنيمة في دار الحرب، لما تقدم، ولثبوت الملك فيها، ولو غلب العدو على الغنيمة بمكانها، فأخذها من مشتر فهي من ماله فرط أولاً؛ لحديث الخراج بالضمان، وهذا نماؤه للمشتري، فضمانه عليه؛ ولأنه مبيع مقبوض أشبه ما لو بيعت بدار الإسلام.
س53: تكلم عما يلي: الجيش، السرية، عددها. بأي يبدأ في قسم ما غنمته السرية، وما غنمه الجيش، وماذا يعمل بعد ذلك وما هو الصفي؟
ج: الجيش: الجند، أو السائرون لحرب أو غيرها. السرية: القطعة من الجيش، تخرج منه وتعود فيه، وهي من مائة إلى خمسمائة، والسرية التي تخرج بالليل، والسارية التي تخرج بالنهار.
وتضم غنيمة سرايا الجيش إلى غنيمة الجيش، قال ابن المنذر: روينا أن النبي  قال: «وترد سراياهم على قعيدتهم».
وفي تنفيله  في البداءة الربع، وفي الرجعة الثلث، دليل على اشتراكهم في الباقي.
وإن أنفذ الإمام من دار الإسلام جيشين، أو سريتين فأكثر، انفرد كل بما غنمه، لانفراده بالجهاد بخلاف المبعوثين من دار الحرب.
ويبدأ في قسم بدفع السلب إلى مستحقه، وبرد مال مسلم ومعاهد إن كان وعرف، ثم بأجره جمع غنيمة وحملها وحفظها؛ لأنه من مؤنتها كعلف دوابها ودفع جعل من دل على مصلحة من ماء، أو قلعة، أو ثغرة يدخل منها إلى حصن ونحوه؛ ولأنه في معنى السلب.
ثم يخمس الباقي على خمسة أسهم، ثم يخمس خمسة على خمسة أسهم؛ لقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ الآية. ومقتضاها أن يقسم على ستة أسهم، وجوابه: أر سهم الله ورسوله  كالشيء الواحد بدليل قوله تعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ وإن الجهة جهة مصلحة سهم الله ولرسوله  مصرفه كالفيء في مصالح المسلمين كلها لحديث جبير بن مطعم أن النبي  تناول بيده وبرة من بعير، ثم قال: «والذي نفسي بيده ما لي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم».
وعن عمرو بن عبسة، وعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده نحوه. رواه أحمد وأبو داود، فجعله لجميع المسلمين، ولا يمكن صرفه إلى جميعهم إلا بصرفه في مصالحهم الأهم فالأهم، وقال طائفة من العلماء هو لمن يلي الخلافة بعده: لما روى أبو الطفيل قال: جاءت فاطمة - رضي الله عنها - إلى أبي بكر  وأرضاه، تطلب ميراثها من النبي ، قال: فقال أبو بكر –رضي الله عنه وأرضاه-: سمعت النبي  يقول: «إن الله إذا أطعم نبيًا طعمة فهي للذي يقوم من بعده، وإني رأيت أن أردها على المسلمين» رواه أبو داود، فانفق هو وعمر وعلي والصحابة، على وضعه في الخيل والعدة في سبيل الله.
وكان  قد خص من المغنم بالصفي، وهو ما يختاره  قبل القسمة للغنيمة، كثوب، وجارية، وسيف؛ لحديث أبي داود، أنه  كتب إلى بني زهير بن قيس: «إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم الصفي إنكم آمنون بأمان الله ورسوله».
وفي حديث وفد عبدالقيس، رواه ابن عباس: وأن تعطوا سهم النبي ، والصفي. وقالت عائشة - رضي الله عنها -: كانت صفية من الصفى. رواه أبو داود. وانقطع ذلك بموته ؛ لأن الخلفاء الراشدين لم يأخذوه، ولا من بعدهم، ولا يجمعون إلا على الحق، وسهم لذوي القربى، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب حيث كانوا؛ لحديث جبير بن مطعم، قال: لما كان يوم خيبر قسم رسول الله  سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب، فأتيت أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله، أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا؟ وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال: أنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، وشبك بين أصابعه، رواه أحمد والبخاري؛ ولأنهم يستحقونه بالقرابة أشبه الميراث.
ولا يستحق منهم مولى، ولا من أمه منهم دون أبيه، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنهم يستحقونه بالقرابة أشبه الميراث والوصية، ويعطي الغني والفقير لعموم قوله: وَلِذِي القُرْبَى، وكان  يعطي أقاربه كلهم، وفيهم من هو غني كالعباس، ويعطي صفية عمته، وسهم لليتامى، اليتيم من لا أب له، ولم يبلغ؛ لحديث: «لا يتم بعد احتلام»، واعتبر فقرهم؛ لأن الصرف إليهم لحاجتهم؛ ولأن وجود المال أنفع من وجود الأب.
ويسوي بين الذكر والأنثى لظاهر الآية، وسهم للمساكين للآية، وهم من لا يجدون تمام الكفاية، فيدخل فيهم الفقراء، فهم صنفان في الزكاة فقط.
وفي سائر الأحكام صنف واحد، وسهم لأبناء السبيل للآية.
ويشترط في ذي قربى ويتامى ومساكين، وأبناء سبيل كونهم مسلمين؛ لأن الخمس عطية من الله تعالى، فلم يكن لكافر فيها حق كالزكاة.
ويجب أن يعطوا كالزكاة، فيعطي المسكين تمام كفايته مع عائلته سنة، وكذا اليتيم.
ويعطي ابن السبيل ما يوصله إلى بلده، ويعم من بجميع البلاد حسب الطاقة، وصحح في «المغني» أنه لا يجب التعميم؛ لأنه متعذر، وفي الانتصار يكفي واحد من الأصناف الثلاثة –وذوي القربى- إن لم يمكنه.
واختار الشيخ تقي الدين –رحمه الله- إعطاء الإمام من شاء منهم للمصلحة كزكاة، وأن الخمس والفيء واحد يصرف في المصالح؛ فإن لم تأخذ بنو هاشم وبنو المطلب أسهمهم رد في كراع وسلاح عدة في سبيل الله، لفعل أبي بكر وعمر، ذكره أبو بكر.
ومن فيه سببان فأكثر، أخذ بها كهاشمي ابن سبيل يتيم؛ لأنها أسباب الأحكام، فوجب ثبوت أحكامها، كما لو انفردت ثم يبدأ من الأربعة أخماس التي للغانمين بنفل، وهو الزائد على السهم لمصلحة، والرضخ: وهو العطاء دون السهم لمن لا سهم له، فيرضخ لمميز، وقن، وخنثى، وامرأة، على ما يراه الإمام أو نائبه، إلا أنه لا يبلغ بالرضخ لراجل سهم راجل، ولا لفارس سهم فارس، لئلا يساوي من يسهم له، ولمبعض بالحساب من رضخ وإسهام.
أما الطفل فلقول سعيد بن المسيب: كان الصبيان والعبيد يحذرون من الغنيمة إذا حضروا الغزو في صدر هذه الأمة.
وقال تميم بن قرع المهري: كنت في الجيش الذي فتحوا الإسكندرية في المرة الآخرة، فلم يقسم لي عمر شيئًا.
وقال: غلام لم يحتلم، فسألوا أبا بصرة الغفاري، وعقبة بن عامر، فقال: انظروا فإن كان قد أشعر، فاقسموا له، فنظر إلى بعض القوم، فإذا أنا قد أنبت فقسم لي.
قال الجوزجاني: هذا من مشاهير حديث مصر وجيده؛ وأما العبد فلما تقدم، وعن عمير مولى أبي اللحم قال: شهدت خيبر مع ساداتي، فكلموا في رسول الله ، فأخبر أني مملوك، فأمر لي من خرثي المتاع، رواه أبو داود. وعنه: يسهم له إذا قاتل، روي عن الحسن والنخعي؛ لحديث الأسود بن يزيد: «أسهم لهم يوم القادسية» يعني العبيد.
وأما النساء فلحديث ابن عباس: كان رسول الله  يغزو بالنساء فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة، فأما بسهم فلم يضرب لهن، رواه أحمد ومسلم. وعنه كان رسول الله  يعطي المرأة والمملوك الغنائم دون ما يصيب الجيش، رواه أحمد.
وحمل حديث حشرج ابن زياد عن جدته، أن النبي  أسهم لهن يوم خيبر. رواه أحمد وأبو داود، وخبر أسهم أبو موسى يوم غزوة تستر لنسوة معه على الرضخ وإن غزا قن على فرس سيده، رضخ له وقسم للفرس التي تحته؛ لأن سهمها لمالكها إن لم يكن مع سيده فرسان؛ لأنه لا يسهم لأكثر من فرسين على ما يأتي.
س54: لمن الغنيمة، وما صفة قسمها؟ ومن الذي لا يسهم له؟ وما مقدار السهم للراجل والفارس؟ وإذا غزا اثنان على فرس فما الحكم؟ ولمن سهم الفرس المغصوب والمعار والمستأجر والحبيس؟ وإذا زادت الخيل عن فرسين أو كان الفرس هجينًا فما الحكم؟ وهل يسهم لغير الخيل؟
ج: الغنيمة: لمن شهد الوقعة من أهل القتال يقسم أمام الباقي، بعد ما سبق بين من شهد الواقعة لقصد القتال، أو لمن يقاتل؛ لما روي عن عمر أنه قال: الغنيمة لمن شهد الوقعة، ولأن غير المقاتل ردء للمقاتل لاستعداده للقتال أشبه المقاتل، بخلاف من لم يستعدوا للقتال؛ لأنهم لا نفع فيهم.
ويسهم لمن بعثه الإمام في سرية أو مصلحة؛ لما ورد عن ابن عمر، أن النبي  قام، يعني يوم بدر، فقال: «إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله، وأنا أبايع له» فضرب له رسول الله  بسهم، ولم يضرب لأحد غاب غيره. رواه أبو داود.
وعن ابن عمر قال: لما تغيب عثمان عن بدر؛ فإنه كان تحته بنت رسول الله ، وكانت مريضة، فقال له النبي : «إن لك أجر رجل وسهمه» رواه أحمد والبخاري والترمذي، ويسهم أيضًا لمن أرسله الإمام أو بعثه جاسوسًا أو دليلاً، ولمن خلفه في بلاد العدو، وغزا الأمير ولم يمر به فرجع؛ لأنه في مصلحة الجيش، وهو أولى ممن حضر الواقعة ولم يقاتل، ولو مع منع غريم له، أو منع أب له، لتعين الجهاد عليه بحضوره الصف، ولا يسهم لمن لا يمكنه القتال لمرض، ولا لدابة لا يمكنه قتال عليها لمرض كزمانة وشلل لخروجه عن أهلية الجهاد، بخلاف حمى يسيرة وصداع ووجع ضرس ونحوه، فيسهم له؛ لأنه لم يخرج عن أهلية الجهاد.
ولا يسهم لمخذل ومرجف ونحوهما، كرام بيننا بفتن ومكانب بأخبارنا؛ لأنه ممنوع من الدخول مع الجيش.
ولا بسهم لمن نهاه الأمير أن يحضر فلم ينته لأنهم عصاة، ولا لكافر لم يستأذن الإمام، ولا لعبد لم يأذن له سيده في غزو لعصيانهما، ولا لطفل، ولا مجنون؛ لأنهما لا يصلحان للقتال.
ولا من فر من اثنين كافرين لعصيانه، فيسهم للرجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه، إذا كان عربيًا؛ لما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي  أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه وسهم له. متفق عليه.
وعن ابن عباس أن النبي  أعطى الفارس ثلاثة أسهم وأعطى الراجل سهمًا. رواه الأثرم.
وعن أبي عمرة، عن أبيه قال: أتينا رسول الله  أربعة نفر ومعنا فرس، فأعطى كل إنسان منا سهمًا، وأعطى الفرس سهمين. رواه أحمد وأبو داود.
قال ابن المنذر: للرجل سهم، وللفارس ثلاثة، هذا قول عامة أهل العلم في القديم والحديث، وقال خالد الحذاء: لا يختلف عن رسول الله  أنه أسهم هكذا للفرس سهمين، ولصاحبه سهمًا.
وإن كان الفرس هجينًا، أو مقرفًا عكس الهجين، فيعطي سهمًا له، وسهمًا لفرسه. والهجين: الذي أبوه عربي وأمه برذون، والمقرف: الذي أبوه برذون وأمه عربية.
قالت هند بنت النعمان بن بشير لما تزوجها الحجاج بن يوسف:
وما هند إلا مهرة عربية
فإن ولدت مهرًا كريمًا فبالحري
سلالة أفراس تحللها بغل
وإن بك إفراف فما أنجب الفحل

وإن كان على برذون، وهو ما أبواه نبطيان، فيكون له سهمان: سهم له وسهم لفرسه، لحديث مكحول: أن النبي  أعطى الفرس العربي سهمين، وأعطى الهجين سهمًا. رواه سعيد؛ ولحديث أبي الأقمر قال: أغارت الخيل على الشام، فأدركت العراب من يومها، وأدركت الكوادن ضحى الغد، وعلى الخيل رجل من همدان، يقال له: المنذر بن أبي حمضة، فقال: لا أجعل التي أدركت من يومها، مثل التي لم تدرك، ففصل الخيل، فقال: هبلت الوداعي أمه أمضوها على ما قال. رواه سعيد.

وإن غزا اثنان على فرسهما، فلا بأس به وسهمه لهما بقدر ملكهما فيه، كسائر نمائه، وسهم فرسه مغصوب غزا عليه غاصبه أو غيره، لمالكه، ولو من أهل الرضخ لأن نماءه أشبه ما لو كان مع مالكه؛ ولأن سهمه يستحق بنفعه، ونفعه لمالكه، فوجب أن يكون ما استحق به.
وسهم فرس معار ومستأجر وحبيس لراكبه، إن كان من أهل الإسهام لقتاله عليه مع استحقاقه لنفع الفرس، فاستحقه سهمه، ولا يمنع منه كونه حبيسًا؛ لأنه حبيس على من يغزو عليه.
ويعطي راكب حبيس نفقة الحبيس من سهمه؛ لأنه نماؤه ولا يسهم لأكثر من فرسين من خيل الرجل، فيعطي صاحبها خمسة أسهم: سهم له وأربعة لفرسيه العربيين؛ لحديث الأوزاعي: كان يسهم للخيل، وكان لا يسهم لرجل فوق فرسين، وإن كان معه عشرة أفراس.
وروى معناه سعيد عن عمر، ولأن للمقاتل حاجة إلى الثاني؛ لأن إدامة ركوب فرس واحد تضعفه، وتمنع القتال عليه بخلاف ما زاد.
ولا شيء من سهم ولا رضخ لعير خيل؛ لأنه لم ينقل عنه  أنه أسهم لعير الخيل، وكان معه يوم بدر سبعون بدر سبعون بعيرًا، ولم تخل غزوة من غزواته من الإبل، بل هي غالب دوابهم، ولو أسهم لها لنقل، وكذا أصحابه –عليه الصلاة والسلام- من بعده؛ ولأنه لا يمكن عليها كر، ولا فر.
قال الشيخ: ويرضخ للبغال والحمير، وهو قياس الأصول كما يرضخ لمن لا سهم له من النساء والعبيد والصبيان.
قال ابن القيم: ونص أحمد على أن النفل يكون من أربعة أخماس الغنيمة، والعطاء الذي أعطاه رسول الله  لقريش والمؤلفة، هو من النفل، نفل به النبي  رؤوس القبائل والعشائر ليتألفهم به، وقومهم على
الإسلام، فهو أولى بالجواز من تنفيل الثلث بعد الخمس والربع
بعده، لما فيه من تقوية الإسلام وشوكته، واستجلاب عدوه إليه، وهكذا وقع سواء، وللإمام أن يفعل ذلك؛ لأنه نائب عن المسلمين إذا دعت الحاجة، فيتصرف لمصالحهم وقيام الدين.
وأن تعين الدفع عن الإسلام والذب عن حوزته، واستجلاب رؤوس أعدائه إليه ليأمن المسلمون شرهم تعين عليه. اهـ.
س55: تكلم عن أحكام ما يلي مع التمثيل لما لا يتضح إلا به: إذا أسقط بعض الغانمين حقه من الغنيمة، إذا تغيرت حال المقاتل، قول الإمام من أخذ شيئًا فهو له، تفضيل الغانمين على بعض، إذا وجد صليب، أو خنزير، من وطئ جارية من الغنيمة، ما الذي يترتب على وطئه لها، الاستئجار للجهاد، اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.
ج: من أسقط حقه من الغانمين، فسهمه للباقي من الغانمين؛ لأن اشتراكهم اشتراك تزاحم، فإذا أسقط حقه كان للباقين، وإن أسقط الكل حقهم من الغنيمة، فهي فيء تصرف للمصالح؛ لأنه لم يبق لها مستحق معين.
وإذا لحق بالجيش مدد أو تفلت أسير قبل أن تقضى الحرب، أو صار الفارس راجلًا، أو صار الراجل فارسًا قبل أن تقضي الحرب، أو أسلم من شهد الواقعة كافرًا قبل تقضي الحرب، أو بلغ صبي قبل تقضي الحرب، أو أعتق قن قبل أن تقضى جعلوا كمن كان فيها كلها كذلك.
ولا قسم لمن مات، أو انصرفت، أو أسر قبل أن تقضى الحرب؛ لأنهم لم يحضروها وقت انتقال الغنيمة إلى ملك الغانمين؛ وأما قوله الإمام أو نائبه من أخذ شيئًا فهو له فقيل: يحرم؛ لأنه  والخلفاء بعده كانوا يقسمون الغنائم؛ ولأن ذلك يقضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال، وظفر العدو
بهم ولأن الغزاة اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية، فلا ينفرد البعض بشيء؛ وأما قوله  يوم بدر: «من أخذ شيئًا فهو له»، فذاك حين كانت له ثم صارت للغانمين، ولا يستحق المأخوذ بهذه المقالة آخذه إلا فيما تعذر حمله كأحجار وقدور كبار وحطب ونحوه، وترك فلم يشتر لعدم الرغبة فيه. فيجوز قول الإمام من أخذ شيئًا فهو له.
وقيل: يجوز لمصلحة لقوله  يوم بدر: «من أخذ شيئًا فهو له»؛ ولأنهم غزوا على هذا ورضوا به. قال في السياسة الشرعية: فإن ترك الإمام الجمع والقسمة وأذن في الأخذ إذنًا جائزًا فمن أخذ شيئًا بلا عدوان حل له بعد تخميس، وكل ما دل على الإذن فهو إذن؛ وأما إذا لم يأذن أو أذن إذنًا غير جائز جاز للإنسان أن يأخذ مقدار ما يصيبه بالقسمة متحريًا للعدل في ذلك. اهـ.
ويجوز تفصيل بعض الغانمين على بعض لمعنى فيه من حسن رأي وشجاعة فينقل ويخص الإمام بكلب يباح نفعه من شاء من الجيش، ولا يدخله في قسمة؛ لأنه ليس بمال، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويصب الخمر ولا يكسر الإناء، ومن مات قبل أن تقضى الحرب، فسهمه لوارثه.
ومن وطئ جارية من الغنيمة، وله فيها حق أو لولده أدب لفعله محرمًا، ولم يبلغ بتأديبه الحد؛ لأنه يدرأ بالشبهة، والغنيمة ملك للغانمين فيكون للواطئ حق في الجارية، وإن قل فيدرأ الحد عنه كالمشتركة، وكجارية ابنه، وعلى الواطئ مهرها يطرح في القسم، إلا أن تلد منه فيلزمه قيمتها تطرح في المقسم؛ لأن استيلادها كإتلافها وتصير أم ولده؛ لأنه وطء يلحق به النسب أشبه وطء المشتركة، ولده حر لملكه إياها حين العلوق، فينعقد الولد حرًا.
وإن أعتق بعض الغانمين قنًا من الغنيمة أو كان في الغنيمة قن يعتق عليه كأبيه وعمه وخاله عتق قدر حقه لمصادفته ملكه، والباقي كعتقه شقصًا من مشترك، يعتق قدر ما يملكه وباقيه بالسراية إن كان موسرًا بقيمة الباقي وإلا فبقدر ما هو موسر به منها، وأما أسر الرجال قبل اختيار الإمام فيهم، فلا عتق؛ لأن العباس عم النبي  عم علي وعقيلًا أخا على كانا في أسرى بدر، فلم يعتقا عليهما؛ ولأن الرجل لا يصير رقيقًا بنفس السبي. ولا تصح الإجارة على الجهاد؛ لأنه عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القرية كالحج فيسهم لأجير الجهاد، وإن أخذ أجرة ردها، وتصح الإجارة لحفظ الغنيمة، وحملها وسوقها ورعيها ونحوه.
** ** **
س56: من هو الغال؟ وحكم سهمه؟ وما الذي يجب حرقه مما معه؟ والذي لا يحرق؟ ومتى يحرق؟ وماذا يستثنى له؟ وإلى أي شيء يرجع ما أخذ مما غل من الغنيمة؟ وإذا تاب فما الحكم؟ وما أخذ من فدية أو أهدي لأمير أو أهدى لبعض الغانمين فما الحكم؟ وما هي الأدلة على ذلك؟
ج: الغلو: الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة، سمي غلولًا؛ لأن صاحبه يخفيه في متاعه. ويحرم الغلول وهو كبيرة للوعيد عليه بقوله تعالى: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ، وعن أبي هريرة  قال: خرجنا مع رسول الله  إلى خيبر ففتح الله عز وجل علينا، فلم نغنم ذهبًا، ولا ورقًا، فاغتنمنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي، ومع رسول الله  عبد له وهبه له رجل من جذام يسمى رفاعة ابن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي، قام عبد رسول الله  يحل رحله، فرمى بسهم فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله، قال: «كلا، والذي نفس محمد بيده، إن الشملة لتلتهب عليه نارًا أخذها من
الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم»، قال: ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين، فقال: يا رسول الله، أصبت يوم خيبر، فقال رسول الله : «شراك من نار أو شراكًا من نار» متفق عليه.
وعن عمر قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي ، فقالوا: فلان شهيد وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله : «كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة» الحديث رواه أحمد ومسلم، وعن عبدالله بن عمر قال: كان على ثقل رسول الله  رجل يقال له كركرة فمات، فقال رسول الله : «هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها» رواه أحمد والبخاري.
فمن كتم ما غنم أو بعضه يجب حرق رحله كله؛ لما روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ، وأبا بكر، وعمر حرقوا متاع الغال. رواه أبو داود. وعن صالح بن محمد بن زائدة، قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم، فأتى برجل قد غل، فسأله سالمًا عنه، فقال: سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب، عن النبي  قال: «إذا وجدتم الرجل قد غل، فاحرقوا متاعه، واضربوه»، قال: فوجدنا في متاعه مصحفًا، فسأل سالمًا عنه، قال: بعه وتصدق بثمنه. رواه أحمد وأبو داود.
وبهذا قال الحسن، وفقهاء الشام منهم: مكحول والأوزاعي والوليد بن هشام، ويزيد بن يزيد بن جابر، وأتى سعيد بن عبدالملك الغال، فجمع ماله وأحرقه وعمر بن عبدالعزيز  حاضر ذلك فلم يعبه.
وقال يزيد بن يزيد بن جابر: السُّنة في الذي يغل أن يحرق رحله، وقال مالك والليث والشافعي وأصحاب الرأي: لا يحرق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرق؛ فإن عبدالله بن عمر روى أن رسول الله  كان إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر، فقال: يا رسول الله، هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة، فقال: «سمعت بلالًا نادى ثلاثًا»، قال: نعم، قال: «فما منعك أن تجيء به»، فاعتذر، فقال: «كنت أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك» أخرجه أبو داود؛ ولأن إحراق المتاع إضاعة له، وقد نهى النبي  عن إضاعة المال.
قال أهل القول الأول: أما حديثهم أي أهل القول الثاني، فلا حجة لهم فيه؛ فإن الرجل لم يعترف أنه أخذ ما أخذه على وجه الغلول، ولا أخذه لنفسه؛ وإنما تواني في المجيء به، وليس الخلاف فيه؛ ولأن الرجل جاء به من عند نفسه تائبًا معتذرًا والتوبة تجب ما قبلها؛ وأما النهي عن إتلاف المال، فقيد بعدم المصلحة؛ فأما إذا كان فيه مصلحة، فلا بأس به، ولا يعد تضييمًا، كإلقاء المتاع في البحر إذا خيف الغرق، وقطع يد السارق، مع أن المال لا تكاد المصلحة تحصل به إلا بذهابه فأكله إتلافه وإنفاقه إذهابه، ولا يعد شيء من ذلك تضييمًا، ولا إفسادًا، ولا ينهى عنه؛ لكن قال البخاري: قد روى في غير حديث عن النبي  في الغال ولم يأمر بحرق متاعه.
وقال الدارقطني:
حرق متاع الغال لا أصل له عن رسول الله، ولم يثبت حرمان سهمه في خير، ولا دل عليه دليل ولا قياس، فبقي بحاله، واختار الشيخ تقي الدين أن تحريق رحل الغال من باب التعزير لا الحد، فيجتهد الإمام بحسب المصلحة وصوبه في «الإنصاف» وغيره، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس والله سبحانه اعلم ما لم يكن باعه أو وهبه، فلا يحرق؛ لأنه عقوبة لغير الجاني، ومحل إحراق رحله إذ كان حرًا حيًا؛ فإن مات قبله لم يحرق لسقوطه بالموت كالحدود، فلا يحرق رجل رقيق؛ لأنه لسيده مكلفًا لا صغيرًا، أو مجنونًا؛ لأنهما ليسا من أهل العقوبة، ملتزمًا لأحكامنا، وإلا لم يعاقب على ما لا يعقد تحريمه إلا سلاحًا ومصحفًا، وحيوانًا بآلته ونفقته، وكتب علم وثيابه التي عليه، وما لا تأكله النار، فلا يحرق وذلك كالحديث، وهو للغال.
ويعزر الغال مع ذلك بالضرب ونحوه، ولا ينفي ويؤخذ ما غل للمغنم؛ لأنه حق للغانمين، ومن يشركهم فوجب رده إلى أهله؛ فإن تاب بعد قسم أعطى الإمام خمسه ليصرف في مصارفه، وتصدق ببقيته، روي عن معاوية وابن مسعود؛ لأنه لا يعرف أربابه أشبه المال الضائع.
وما أخذ من فدية أسرى، فغنيمة لقسمه  فداء أسرى بدر بين الغانمين، ولحصوله بقوة الجيش، وكذا ما أهدي للأمير، أو لبعض قواده، أو أهدي لبعض الغانمين بدار حرب فغنيمته.
وقال الشيخ: ما أخذه العمال وغيرهم من مال المسلمين بغير حق فلولي الأمر العادل استخراجه منهم كالهدايا التي يأخذونها بسبب العمل. قال أبو سعيد: هدايا العمال غلول. روي مرفوعًا، ويشهد له قصة ابن اللتبية، وكذا محاباة في المعاملة، والمؤاجرة، والمضاربة والمساقاة والمزارعة ونحو ذلك، هو نوع من الهدية، ولهذا شاطرهم عمر لما خصوا به من أجل الولاية من محاباة وغيرها؛ لأنه إمام عادل يقسم بالسوية، وما أُهدي بدارنا للإمام أو غيره، فللمهدى له، لقبوله  هدية المقوقس وغيره، وكانت له وحده.


مما يتعلق في قسمة الغنائم نظمًا

تبارك من قد خصّ أمة أحمد
وما حزته بالجيش قهرًا غنيمة
ولو من مباحات لها ثم قيمة
كذاك ركاز بالجنود استطاعة
ولم يملكوا بالقهر أموال مسلم
فأوقفه أن يجهل لمن هو ربه
وبعد الشر منهم وإسلام آخذ
فإن يلق قبل القسم يعطاه أن يشأ
ويقسم أن يجهل ولا حق بعد ذا
ولا إن أتانا آخذ مسلم به
وعنه له المقصود إن شاء بقيمة
ولا حق في المشهور من بعد قسمة
وإن كان مأخوذًا لا عوض فخذ
ومتهب أو مشتر إن تصرفا
ولم يملكوا عبدًا لنا جاء آبقًا
ولا يملكون الحر والوقف مطلقًا
وإن يشتري مأسورنا مسلم نوى
ونملك باستيلائنا الغنم ثانيًا
وقسمتها فيها تجوز فإن تبع
وما للأمير الإشترا من غنيمة
لمن شهد الهيجاء أهلًا لخوضها
ومن غاب عنها في القتال لنفعنا
ولاحظ للمنوع صحبة جيشنا
ومن بعد إحراز الغنيمة جايخ
ويبدأ بالأسلاب تعطي لأهلها
وجعل وأجرًا لحافظين ويقسم
فخذ خمسة لله ثم رسوله
وسيان ذو وفر وفقر وقيل ذا
بأي بلاد الله جلوا وقيل بل
وخمس لأيتام مع الفقر أسوة
وصنف فقير والمساكين في سوى
ولابن سبيل المسلم الحر خمسة
ومن بعد هذا اتقان ذوي الغنى
ولا سهم في الأولى لذي الكفر
وكالقن من كاتبته ومدبر
وفي غنم أهل الرضع خميس وما بقي
ولا تلزمن في بذل رضخ تساويا
ولا تعطين رضخًا لذي السهم مثله
ومن صار منهم مثل أهل سهامها
ومن كان يغزل فوق طرف لسيد
وللفرس أرضخ تحت ذي الرضخ مطلقًا
ولا شيء للأباق مثل مخذل
وسائرها للفارس ادفع ثلاثة
وللفرسين اقسم فقط والهجين
ولا شيء يعطي غير خيل وعنه
وكن بشهود الحرب معتبرًا
فمن شهد الهيجا على الطرف فارس
وقيل اعتبر حال الفتى حين جاءنا
ولم يستبح شيء بقول الإمام من
وعنه يلي مع أمنه من مفاسد
وأسهم في الأولى للأجير لخدمة
وعنه له سهم وعنه إجارة
ووارث ميت الجيش يعطي حقوقه
وإن سرايانا تشارك جيشنا
ويسهم للمبعوث إن كان غائبًا
وإن رغبوا عنها ففيء وبعضهم
وإن يعط ذو حق بها ولولده
وخذ منه مهر المثل غنمًا وقيمة
وإن غل ذو حق له أو لولده
فأدب بلا قطع وحرق متاعه
إذا كان حرًا عالم الحظر بالغًا
وآلة حرب أو ثياب وسترة
ولا تحرقن إن غل عبد متاعه
وهل سارق من مغنم كغلوله
ويعتق من غنم محرز غانم
وإلا كعتق الشخص نص عليها
ويختار مجد الدين كالنص إن تكن
وإهداء كفر في الغزاة لقائد
وإن سيده من دار حرب لدارنا
بتحليل غنم كان أكلا لموقد
من أموال أهل الكفر أو أرض جحد
ولقطتهم أو مبهم ولنشد
ولو في الموات افهم وفدية مهتد
ولا ذمة في الأظهر المتأكد
أحق ولو بعد اقتسام مفسد
به اخصصه مجانًا به في المعدد
وإلا فمن مال الغنيمة فاعدد
لصاحبه كالمشتري منهم أعضد
ومستأمنًا قد جاءنا وهو في اليد
وما منهم ابتغاه بالثمن اشهد
وبالثمن إن شا المشتري امنحه وارقد
من المرء مجانًا على المتوطد
يصح ومن أقصاهم خذ بأجود
ولا شارد العجما وفلكا بأوكد
ومستولدات المسلمين بأوطد
رجوعًا فألزم مفتدي ما به فدى
ولو أنه في دار حرب بأجود
فمن مال مبتاع نواها بأوكد
ويلزم من يبتاع رد المزيد
ولو تاجرًا أو موجرًا ذا تعدد
بإذن الأمير إقسم له لا تردد
ولا لمريض عاجز ومعدد
كذا بين الاستيلا وحوز بأجود
كمال لذي عهد وعقد ومهتد
السبقة أخماسًا فخمسًا كذا اعدد
وفي مصرف الفيء اصرفنه بأوكد
أحق ومولاهم عن القسم أبعد
بقطر جهاد كالشآم فقيد
وما عم مستغن وناء بمبعد
الزكاة لهم خمس من الخمس أرصد
وعدد لذي الأوصاف عند التعدد
ومن قبل تخميس بوجه به جد
وارضخن له، والمميز، والنساء، واعهد
وفي مشكل والحر بعضا تردد
لهم غنمًا أقسم وقيل بل اجهد
بل إن شئت ساويهم وإن شئت زيد
ونقضه عن مركوبه عند ترشد
قبيل تقضي الحرب بالسهم زود
فسهماه كالمغصوب تعطي لسيد
سوى العبد وأسهم للغصيب بأجود
وممنوع دين أو أب فليرقد
له واحد منها كراجلهم قد
والبراذين والمقرف سهيم لها طد
للبعير المواتي الكر منهم ليفرد
ولا التفاب إلى ما قبل أو بعد فاهتد
ومن لا فلا فاحكم بغير تقيد
أهو مستحق السهم أم لا فقيد
حوى منكم شيئًا ينله بأوكد
وحاجة تحريض كبدر فجود
وللحرب منه سوى أهلها اصدد
على الغزو والغوا أجرها أردده ترشد
جميعًا على ما قد تقدم فاشهد
وبالعكس إلا ما يخص بمفرد
لمصلحة الجيش الهمام المجند
متى رغبوا الباقين بالكل زود
فتاة فأدبه وعن حده حد
لها إن ولدت منه وألحقه وافتدت
ووالده من قبل قسم وسيد
الذي كان معه ثم في نص أحمد
سوى مصحف أو كتب علم مرشد
وآلة مركوب وذا الروح تهتد
ولا تمنعن من غل سهمًا بأوطد
حكموه على وجهين فارو وأسند
وذو رحم إن عمه حقه قد
ولا عتق فيما اختاره ذو المجرد
رقيقًا وكالقاضي متى تعدد
الجيوش اغتنامًا ليس فيئًا بأجود
فذاك لمن أهدى له بتفرد



يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 7:08 am

الأرضون المغنومة
س57: ما هي أصناف الأراضي المأخوذة من كفار؟ وبأي شيء يخير الإمام فيها؟ وما الحكم فيما إذا أسلموا أو انتقلت إلى مسلم؟ وما الذي يلزم الإمام نحوها؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.
ج: الأرضون المغنومة من كفار ثلاثة أصناف، أحدها: المأخوذة عنوة وهي التي أجلوا أهلها الحربيين عنها، فيخير الإمام تخيير مصلحة بين قسمها بين الغانمين كمنقول، وبين وقفها على المسلمين؛ لأن كلًا ورد فيه خير؛ فإن رسول الله  قسم نصف خيبر، ووقف نصفها لنوائبه، رواه أبو داود من حديث سهل بن أبي حثمة.
ووقف عمر الشام ومصر والعراق، وسائر ما فتحه، وأفره الصحابة ومن بعدهم ذلك. وعن عمر  قال: أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك الناس بيانًا، أي لا شيء لهم ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله  خيبر؛ ولكني أتركها لهم خزانة يقتسمونها.
قال في الشرح: ولم نعلم أن شيئًا مما فتح عنوة قسم بين الغانمين إلا خيبر؛ فإن رسول الله  قسم نصفها فصار لأهله لا خراج عليه، وسائر ما فتح عنوة مما فتحه عمرو من بعده كأرض الشام، والعراق، ومصر وغيرها لم يقسم منه شيء، فروى أبو عبيدة في كتاب الأموال أن عمر قدم الجابية وأراد قسم الأرضين بين المسلمين، فقال له معاذ: والله إذن ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها اليوم صار الريع العظيم في أيدي القوم، ثم يبيدون
فيصير ذلك الرجل الواحد والمرأة، ثم يأتي بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسلمًا، وهم لا يجدون شيئًا، فانظر أمرًا أولهم وآخرهم. فصار عمر إلى قول معاذ. وروى أيضًا قال:
قال الماجشون: قال بلال لعمر بن الخطاب في القرى التي افتتحها عنوة: اقسمها بيننا وخذ خمسها، فقال عمر: لا، هذا عين المال، ولكن أحسبه فيئًا يجري عليهم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه: اقسمها بيننا، فقال عمر: اللهم اكفني بلال وذويه، قال: فما حال الحول ومنهم عين تطرف.
وقال مالك وأبو ثور: يجب قسمها؛ لأن النبي  فعل ذلك، وفعله أولى من فعل غيره، وأجيب بأن عمر وقفها مع علمه بفعل النبي ، فدل على أن فعله ذلك لم يكن متعينًا كيف، والنبي  وقف نصف خيبر، ولو كان للغانمين لم يكن له وقفها.
الثانية: ما جلا أهلها عنها خوفًا منا، وحكمها كالأولى في التخيير المذكور قياسًا عليها؛ لأنه مال ظهر عليه المسلمون بقوتهم، فلا يكون وقفًا بنفس الاستيلاء كالمنقول... فعلى هذا تجري فيها الروايات السابقة؛ لكن لا تصير وقفًا إلا بوقف الإمام لها، صرح به الجماعة؛ لأن الوقف لا يثبت بنفسه، فعلى هذا حكمها قبل وقف الإمام كالمنقول، يجوز بيعها والمعارضة بها، وعنه تصير وقفًا بنفس الظهور عليها، قدمه في «المقنع» وجزم به في «الوجيز»، وقدمه في «المغني» والمحرر والشرح والفروع وغيرهم.
الثالث: المصالح عليها، وهي نوعان: فما صولحوا على أن الأرض لنا ونقرها بالخراج فهي كالعنوة في التخيير، ولا يسقط خراجها بإسلامهم، وعنه تصير وقفًا بنفس الاستيلاء، وجز به في «الإقناع».
والثاني ما صولحوا على أن الأرض لهم، ولنا الخراج عنها، فهو كجزية إن أسلموا سقط عنهم، أو انتقلت الأرض إلى مسلم سقط عنهم كسقوط جزية بإسلام؛ وإن انتقلت إلى ذمي من غير أهل الصلح، لم يسقط خراجها، ويقرون فيها بلا جزية؛ لأنها ليست دار سلام، بخلاف ما قبل من الأرضين، فلا يقرون بها بلا جزية كما في «الإقناع» ويجب على إمام فعل الأصلح للمسلمين.
س58: إلى أي شيء يرجع في قدر خراج وجزية؟ وما الذي وضعه عمر على الجريب؟ وما مقدار الجريب والقفيز؟ وعلى أي شيء يكون الخراج؟ وعلى من يكون الخراج؟ وهل يحبس به الموسر؟ وتكلم عمن عجز عن عمارة أرضه وعما يجوز بذله للعامل. وما الذي لا خراج عليه؟ وأين مصرف الخراج؟
ج: يرجع في قدر خراج وجزية إلى تقدير الإمام من زيادة ونقص على حسب ما يؤدي إليها اجتهاده، وتطيقه الأرض؛ لأنه أجرة فلم يتقدر بمقدار لا يختلف كأجرة المساكن، ووضع عمر بن الخطاب  على كل جريب درهمًا وقفيزًا. قال أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام: أعلى وأصح حديث في أرض السواد: حديث عمرو بن ميمون، يعني أن عمر وضع على كل جريب درهمًا وقفيزًا. والقفيز ثمانية أرطال، قيل: بالمكي، وقيل: بالعراقي، وهو نصف المكي، والجريب عشر قصبات في مثلها، والقصبة ستة أذرع بذراع وسط وقبضة، وإبهام قائمة مع كل ذراع، فالجريب ثلاثة آلاف ذراع مكسرة والخراج على أرض لها ماء تسقى به، ولو لم تزرع كالمؤجرة.
ولا خراج على ما لا يناله ماء من الأراضي، ولو أمكن زرعه وإحياؤه ولم يفعل؛ لأن خراج الأرض أجرة الأرض، وما لا ينفعه فيه لا أجرة له.
وما لم ينبت إلا عامًا بعد عام، أو لم ينله الماء إلا عامًا بعد عام، فنصف خراجه يؤخذه في كل عام؛ لأن نفعها على النصف فكذا خراجها، والخراج على المالك، والخراج كالدين، يحبس به الموسر وينظر به المعسر.
ومن عجز عن عمارة أرضه الخراجية أجبر على إجارتها لمن يعمرها، أو على رفع يده عنها؛ لتدفع لمن يعمرها ويقوم بخراجها؛ لأن الأرض للمسلمين، فلا يعطلها عليها.
ويجوز أن يرشي العامل وأن يهدى له لدفع الظلم عنه.
ولا يجوز أن يرشي العامل، أو يهدى له ليدع عنه خراجًا؛ لأنه توصل إلى إبطال حق فحرم على آخذ ومعط، كرشوة حاكم ليحكم له بغير حق، والهدية: الدفع ابتداء، والرشوة: الدفع بعد الطلب، وأخذ الرشوة والهدية حرام لحديث: «هدايا العمال غلول».
ولا خراج على مساكن سواء فتحت عنوة أو صلحًا؛ لأنه لم ينقل، وادي أحمد الخراج عن داره تورعًا.
ولا خراج على مزارع مكة؛ لأن النبي  لم يضرب عليها شيئًا.
والخراج: جزية الأرض، والحرم كمكة، فلا خراج على مزارعة.
ولا يجوز لأحد تفرقة خراج على نفسه؛ لأن مصرفه غير معين، فيفتقر إلى اجتهاد، ولأنه للمصالح كلها.
ومصرف الخراج كفيء؛ لأنه منه.
وإن رأى الإمام المصلحة في إسقاطه عمن له وضعه فيه ممن يدفع عن المسلمين؛ وفقيه ومؤذن ونحوه؛ جاز له إسقاطه عنه؛ لأنه لا فائدة في أخذه منه ثم رده إليه، ولا يحتسب بما ظلم في خراجه من عشر عليه.
ومن أقام ببلد تطلب منها الكلف بحق، وغيره بنية العدل، أو تقليل الظلم مما أمكن لله تعالى، فكالمجاهد في سبيله. ذكره الشيخ تقي الدين، لقيامه بالقسط والإنصاف.
ومن باشر جبايتها وتحصيلها، إعانة لمن تؤخذ منه لا للأخذ؛ متحريًا العدل والإنصاف؛ فمأجور بذلك وليس من أعوان الظلمة. قال القاضي مجد الدين من الحنفية في منظومته الفقهية:
ولو بتوزيع المغارم التي
قام بها شخص بعدل ذكروا
كلفها السلطان للرعية
بأنه في ذا القيام يؤجر

س59: ما هو الفيء؟ وما مثاله؟ وما مصرفه؟ وبأي شيء يبدأ من المصالح؟ ثم ماذا بعده؟ ولماذا لا يخمس الفيء؟ وأين يكون موضع الفاضل؟ وأين مصرف خمس خمس الغنيمة؟ وما مقدار العطاء؟ وإذا استوى اثنان من أهل الفيء فما الحكم؟
ج: أصله من الرجوع، يقال: فاء الظل إذا أرجع نحو الشرق، وسمي المال الحاصل على ما يذكر فيئًا؛ لأنه رجع من المشركين إلى المسلمين. قال الله تعالى: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الآية؛ والفيء: ما أخذ من مال كفار غالبًا بحق بلا قتال كجزية، وخراج من مسلم وكافر، وعشر تجارة من حربي ونصفه من ذمي.
وما ترك من كفار لمسلمين فزعامتهم، أوترك عن ميت مسلم أو كافر، ولا وارث له يستغرق. وخرج بقولنا يحق ما أخذ من كفار ظلمًا، كما لمستأمن، وخرج بقولنا بلا قتال الغنيمة؛ ومصرف الفيء: المصالح ومصرف خمس خمس الغنيمة المصالح لعموم نفعها، ودعاء الحاجة إلى تحصيلها، قال عمر: ما أحد من المسلمين إلا له في هذا المال نصيب إلا العبيد فليس لهم فيه شيء، وقرأ عمر: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ حتى بلغ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ، فقال: قد استوعبت المسلمين عامة.
وعلم منه أنه لا يختص بالمقاتلة ويبدأ بالأهم فالأهم، من سد ثغر وكفاية أهله، وحاجة من يدفع عن المسلمين؛ لأن أهم الأمور حفظ بلاد المسلمين وأمنهم من عدوهم، وسد الثغور وعمارتها وكفايتها بالخيل والسلاح.
وفي وقتنا أيضًا بالمدافع والدبابات، وجميع ما يناسب الحال الحاضرة ويحفظ البلاد، ثم بالأهم فالأهم من سد بثق، وكرى نهر، وعمل قنطرة، ورزق قضاة، وغير ذلك، كإصلاح طرق، وعمارة مساجد، وأرزاق أئمة ومؤذنين وفقهاء.
ولا يخمس الفيء؛ لأن الله تعالى أضافه إلى أهل الخمس، كما أضاف إليهم خمس الغنيمة، ويقسم ما فضل عما يعم نفعه بين أحرار المسلمين غنيهم وفقيرهم؛ لأنهم استحقوه بمعنى مشترك، فاستووا فيه كالميراث، وعنه يقدم محتاج.
قال الشيخ تقي الدين: وهو أصح عن أحمد؛ لقوله تعالى: لِلْفُقَراءِ ولأن المصلحة في حقه أعظم منها في حق غيره؛ لأنه لا يتمكن من حفظ نفسه من العدو بالعدة، ولا بالهرب لفقره، بخلاف الغني، واختار أبو حكيم والشيخ تقي الدين، لاحظ للرافضة فيه.
وذكره في الهدي عن مالك وأحمد، وقيل: يختص بالمقاتلة لأنه كان لرسول الله  في حياته لحصول النصرة؛ فلما مات صارت بالخيل، ومن يحتاج إليه المسلمون ويكون العطاء كل عام مرة أو مرتين، ويفرض للمقاتلة قدر كفايتهم وكفاية عيالهم.
وإن استوى اثنان من أهل الفيء في درجة قدم أسبقهما في إسلام؛ فإن استويا فيه فأسن؛ فإن استويا فيه فاقدم هجرة وسابقة، ثم إن استووا في جميع ذلك؛ فولي الأمر مخير إن شاء أقرع بينهما، وإن شاء نبهما على رأيه.
س60: من الذي يجب له العطاء؟ ومن الذي يملك بيت مال المسلمين؟ وإذا أتلفه إنسان فما الحكم؟ وإذا مات بعد حلول العطاء فلمن يكون حقه، وإذا مات من أجناد المسلمين من له أولاد صغار فما الحكم؟ وإذا
تزوجت المرأة والبنات فما الحكم؟ ما حكم الأخذ من بيت المال بلا إذن إمام؟
ج: لا يجب العطاء إلا لبالغ عاقل حر بصير صحيح، يطيق القتال، ويتعرف قدر حاجة أهل العطاء وكفايتهم، فيزيد ذا الولد والفرس، ومن له عبيد في مصالح الحرب حسب كفايتهم، وإن كانوا لتجارة أو زينة لم يجب مؤنتهم، وينظر في أسعار بلادهم؛ لأن الأسعار تختلف والغرض الكفاية؛ ولهذا تعتبر الذرية.
قال الشيخ: وهذا والله أعلم على قول من رأى التسوية؛ فأما من رأى التفضيل؛ فإنه يفضل أهل السوابق والغناء في الإسلام على غيرهم، بحسب ما يراه، كما فعل عمر ، ويخرج من المقاتلة بمرض لا يرجى زواله كزمانة ونحوها.
وبيت المال ملك المسلمين؛ لأنه لمصالحه يضمنه ويحرم أخذ منه بلا إذن إمام لأنه افتيات عليه، ومن مات بعد حلول العطاء، دفع لورثته حقه لاستحقاقه له قبل موته، فينتقل إلى ورثته كسائر حقوقه؛ ودفع لامرأة جندي وأولاده قدر كفايتهم لتطييب قلوب المجاهدين؛ لنهم إذا علموا أن عيالهم يكفون المؤنة بعد موتهم توفروا على الجهاد، وإذا علموا خلاف ذلك توفروا على الكسب وآثروه على الجهاد، مخافة الضيعة على عيالهم؛ ولهذا قال أبو خالد الهناي:
لقد زاد الحياة إليّ حبًّا
مخافة أن يرين الفقر بعدي
وأن يعرين إن كسي الجواري
ولولا ذاك قد سومت مهري
بناتي إنهن من الضعف
وإن يشرين رنقًا بعد صاف
فتنبو العين من كرم عجاف
وفي الرحمن للضعفاء كافي

فإذا بلغ ذكورهم أهلًا للقتال، واختاروا أن يكونوا مقاتلة فرض لهم بطلبهم لأهليتهم لذلك كآبائهم؛ ومن الأحكام السلطانية مع الحاجة إليهم وإلا قطع فرضهم، ويسقط فرض المرأة والبنات بالتزويج.
وينبغي للإمام أن يضع ديوانًا يكتب فيه أسماء المقاتلة، وقدر أرزاقهم ضبطًا لهم، ولما قدر لهم، ويجعل لكل طائفة عريفًا يقوم بأمرهمن ويجمعهم وقت العطاء، ووقت الغزو، ليسهل الأمر على الإمام.

من النظم في حكم الفيء ومصارفه
وأقسام أموال الأنام ثلاثة
وثانيه أموال الغنيمة توجف
وللفيء مال وهو ما ليس موجب
كما تركوا خوفًا وعشر وحزية
ومصرفه ما عم نفعًا لديننا
وإصلاح أنهار وجسر وخندق
وأرزاق نقال الشريعة معلقًا
وإن تبق من بعد المصالح فضلة
غنيهم مثل الفقير وعنه بل
ويجعل ديوانًا أمينًا لضبطه
وورث نصيب الميت بعد حلوله
وقم بصغار الجند والعرس بعدهم
ويسقط إن لم يخدموا فرضهم كذا
فمال زكاة فيه بالذكر قيد
الركاب عليها في وغى متوقد
الركاب عليه في قتال لجحد
خراج وخمس الخمس مع إرث مفرد
كإصلاح ثغر أو كفاية منجد
وحصن وسيل مع رباط ومسجد
وسد بثوق في الأصح الموطد
فتقسم في الأحرار من كل مهتد
يقدم ذو الحاجات منهم فجود
وكل فئام مع عريف مرشد
وللباذل الخمس إن تشا اردد بمبعد
وللبالغ افرض إن رأوا كالمجند
بتزويج عرس والبنات فشرد

** ** **

-8-
باب الأمان
س61: ما هو الأمان؟ وما الأصل فيه؟ وما الذي يُراد به هنا؟ وما الذي يحرم به؟ وكم مدته؟ وما حكمه منجزًا أو معلقًا؟ وما الذي يشترط له؟ ومن الذي يصح منه؟ وما صفة التأمين؟ وهل يسري الأمان؟ وكم العقود التي تفيد الأمن؟ وما هي؟ واذكر المحترزات والأدلة والتعاليل.
ج: الأمان: ضد الخوف، وأُريد به هنا ترك القتل والقتال مع الكفار وهو من مكايد الحرب ومصالحه، والعقود التي تقيد الأمن ثلاثة: أمان، وجزية، وهدنة؛ لأنه إن تعلق بمحصور فالأمان، أو بغير محصور؛ فإن كان إلى غاية فالهدنة، وإلا فالجزية، وهما مختصان بالأمان، أو بغير محصور؛ فإن كان إلى غاية فالهدنة، وإلا فالجزية، وهما مختصان بالإمام بخلاف الأمان، والأصل فيه آية: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ.
قال الأوزاعي: هي إلى يوم القيامة، فمن طلب أمانًا ليسمع كلام الله، ويعرف شرائع الإسلام، لزم إجابته، ثم يرد إلى مأمنه.
وروي عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا» رواه البخاري، ويحرم قتل، ورق وأسر، وأخذ مال، والتعرض لهم لعصمتهم به، ويشترط أن يكون الأمان من مسلم، فلا يصح من كافر ولو ذميًا؛ لأنه غير مأمون علينا، عاقل فلا يصح من طفل ولا مجنون؛ لأنه لا يدري المصلحة، مختار فلا يصح من مكره عليه، كالإقرار والبيع، غير سكران؛ لأنه لا يعرف المصلحة،
ولو قنًا، أو مميزًا، أو أنثى، فلا تشترط حريته، ولا ذكوريته، ولا بلوغه؛ أما القن فلقول عمر: العبد المسلم رجل من المسلمين، يجوز أمانه، رواه سعيد؛ ولقوله: «ليسعى بها أدناهم»؛ فإن كان لذلك صح أماه للحديث، وإن كان غيره أدنى منه صح من باب أولى، ولأنه مسلم أشبه الحر.
وأما المميز فلعموم الخبر ولأه عاقل فصح منه كالبال.
وأما الأنثى؛ فلقوه : «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» رواه البخاري، وأجارت زينب بنت رسول الله  أبا العاص ابن الربيع، وأجازه النبي .
شرط الأمان عدم ضرر على المسلمين.
ويصح أمان منجزًا، كانت آمن، ويصح معلقًا، نحو من فعل كذا فهو آمن؛ لقوله  يوم فتح مكة: «من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن».
ويصح من إمام لجميع المشركين لعموم ولايته.
ويصح من أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم لعموم ولايته في قتالهم؛ وأما بالنسبة لغيرهم، فكأحاد المسلمين.
ويصح -من كل أحد يصح أمانه- لقافلة وحصن صغيرين عرفً.
ويصح أمان بكل ما يدل عليه من قول، أو إشارة مفهومة مع القدرة على النطق؛ لقول عمر: والله لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء، إلى مشرك، فنزل بأمان، فقتله لقتلته به. رواه سعيد.
ويصح برسالة بأن يراسله بالأمان، وبكتاب أن يكتب له بالأمان، كالإشارة وأولى؛ فإن قال لـكافر: أنـت آمن، فقد أمنه؛ لـقوله  يوم فتح مـكة: «مـن دخل دار أبي سفيان فـهو آمن»، أو قال لـكافر:
لا بأس عليك، فقد أمنه؛ لأن عمر قال للهرمزان: تكلم ولا بأس عليك، ثم أراد قتله. قال أنس والزبير: قد أمنته لا سبيل لك عليه، رواه سعيد.
أو قال: أجرتك؛ لقوله  لأم هانئ: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ». أو قال: قف، أو قم، أو لا تخف، أو لا تخش، أو لا خوف عليك، أو لا تذهل أو ألق سلاحك، فقد أمنه لدلالة ذلك عليه، أو قال له: مُتْرَسْ بالفارسية، ومعناه: لا تخف.
قا لابن مسعود: إن الله يعلم لكل لسان، فمن كان منكم أعجميًا، فقال: مترس، فقد أمنه، أو أمن بعضه، أو يده فقد أمنه؛ لأنه لا يتبعض. وقال أحمد: إذا اشتراه ليقتله، فلا يقتله؛ لأنه إذا اشتراه، فقد أمنه.
فإن أشار إليهم بما اعتقدوه أمانًا، وقال: أردت به الأمان، فهو أمان، وإن قال: لم أرد به الأمان، فالقول قوله؛ لأنه أعلم بمراده.
ويسري الأمان إلى من معه من أهل ومال، تبعًا إلا أن يخصص به، كانت آمن دون أهلك ومالك فلا يسري إليهما، ويجب رد معتقد غير الأمان أمانًا إلى مأمنه، وهو الموضع الذي صدر فيه ما اعتقده أمانًا نصًا، لئلا يكون غدرًا له، ويقبل من عدل قوله: إني أمنته، وإن ادعى الأمان أسير وأنكره من جاء به فقول منكر؛ لأن الأصل عدمه، وإباحة دم الحربي.
س62: تكلم عن ما يلي: من أسلم أو أعطى أمانًا ليفتح حصنًا ففتحه واشتبه بحربيين إذا اشتبه ما أخذ من كافر بما أخذ من مسلم هل فيه جزية؟ مدة الأمان؟ عقد الأمان للرسول والمستأمن، من جاء
بلا أمان وادعى أنه رسول أو تاجر، من جاءت به ريح أو ضل الطريق، ما يبطل به الأمان، إذا أودع أو أقرض مستأمن مسلمًا،
ثم عاد لدار حرب أو انتقض عهد ذمي، ماذا يعمل بماله؟ تصرفه فيه إذا مات بدار حرب.
ج: من أسلم قبل فتح واشتبه، أو أعطي أمانًا ليفتح حصنًا ففتحه واشتبه محربيين، وادعى كل واحد منهم أنه الذي أعطي، أو أنه الذي أسلم قبل، واشتبه علينا الذي أمناه، أو كل أسلم فيهن، حرم قتلهم؛ لأن كل واحد منهم يحتمل صدقه، أشبه ما لو اشتبهت أخته بأجنبيات، أو ميتة بمذكاة، قاله في الفروع، ويتوجه مثله لو نسي، أو اشتبه من لزمه قود بمن لا يلزمه فيحرم القتل، وإن اشتبه ما أخذ من كافر بحق يما أخذ من مسلم بلا حق، فينبغي الكف عنهما؛ لحديث: «فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه»، ولا جزية مدة أمان؛ لأنه لم يلتزمها، ويعقد الأمان لرسول ومستأمن؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- كان يؤمن رسل المشركين؛ لما ورد عن ابن مسعود قال: جاء ابن النواحة، وابن أثار رسولا مسيلمة إلى النبي ، فقال لهما: «أتشهدان أني رسول الله؟» قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله : «آمنت بالله ورسوله، لو كنت قاتلًا رسولًا لقتلتكما». قال عبدالله: فمضت السُّنة أن الرسل لا تقتل. رواه أحمد.
وعن نعيم بن مسعود الأشجعي قال: سمعت رسول الله  حين قرأ كتاب مسيلمة الكذاب، قال للرسولين: «فما تقولان أنتما؟» قالا: نقول كما قال، فقال رسول الله : «والله لولا أن الرسل لا تقتل، لضربت أعناقكما» رواه أحمد وأبو داود.
وعن أبي رافع مولى رسول الله  قال: بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فلما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقع في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، لا أرجع إليهم، قال: «إني لا أخيس
بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إليهم؛ فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع» رواه أحمد وأبو داود. وقال: هذا كان في ذلك الزمان، اليوم لا يصلح، ومعناه –والله أعلم-: إنه كان في المدة التي شرط لهم فيها أن يرد من جاء منهم مسلمًا؛ ولأن لحاجة داعية إلى ذلك، إذ لو قتل لفاتت مصلحة المراسلة.
ومن جاءنا بلا أمان، وادعى أنه رسول أو تاجر، وصدقته عادة قبل منه ما ادعاه، وأن لا تصدقه عاده فكأسير، أو كان جاسوسًا فكأسير، يخير الإمام فيه، ومن جاءت به ريح من كفار، أو ضل الطريق منهم، أو أبق إلينا من رقيقهم، أو شرد إلينا من دوابهم، فهو لآخذه غير مخموس؛ لأنه مباح، وأخذه بغير قتال في دار الإسلام أشبه الصيد والحشيش.
ويبطل أمان بردة من مستأمن لنقضه له.
ويبطل بخيانة؛ لأن الخيانة غدر، وهو لا يصلح في ديننا.
وإن أودع مستأمن مالًا، أو أقرض مستأمن مسلمًا مالًا، أو ترك المال ببلاد الإسلام، ثم عاد لدار حرب، أو انتقض عهد ذمي بقي أمان ماله، ويبعث ماله إليه إن طلبه لبقاء؛ لأمان فيه، ويصح تصرفه فيه بنحو بيع وهبة لبقاء ملكه، وإن مات بدار حرب، فماله بدار الإسلام لوارثه؛ لأن الأمان حق لازم متعلق بالمال، فبموته ينتقل لوارثه؛ فإن عدم وارثه ففيء لبيت المال، وإن استرق وقف ماله؛ فإن عتق أخذه، وإن مات قنا ففيء.
وإن أسر فأطلق بشرط أن يقيم عندهم مدة، أو أن يأتي ويرجع إليهم، أو أن يبعث مالًا، وإن عجز عاد إليهم، ورضي لزمه الوفاء؛ لحديث: «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» ولأنه في الوفاء مصلحة للأسارى، وفي الغدر
مفسدة عليهم؛ لأنهم لا يأمنون بعد مع دعاء الحاجة إليه.
وإن أكرهوه عليه لم يلتزمه الوفاء لهم إلا المرأة إذا أسرت ثم أطلقت بشرط أن ترجع إليهم، فلا يحل لها أن ترجع لقوله تعالى: فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ ولأنه تسليط على وطئها حرامًا، وألا يؤمنوه فيقتل ويسرق أيضًا كما له الهرب؛ لأنه لم يؤمنهم، ولم يؤمنوه، ولو جاءنا حربي بأمان ومعه مسلمه، لم ترد معه، ويرضى لتركها بدار الإسلام.

مما يتعلق بالأمان نظمًا
يصح أمان الكفر من كل مسلم
وليس لذي كفر أمان ومكره
ومن صح منه صح إخباره به
ويمضي أمان من إمام لكلهم
وشرطها تعيين مدة أمنهم
ومن واحد منا لفعل غير أو
ويحصل حتى بالإشارة منهم
ووجهان في الق السلاح مترس
ويقبل إنكار المشير أمانهم
ومن شرط أمن بالأمان قبولهم
ومن يعطه مع شرط نفع فلم يجد
وإن يدعي المأمور أخذ موحد
وإن يدعي من بعد أسر أمانه
وإن قال ذو الإسلام ملكي شربته
ومن يبلغ أمنًا لاستماع القرآن
ومن يهد أو يعطى الأمان بحصنه
بتحريم قتل الجمع نصًا ورقهم
وإن يشتبه فتاح حسن بجعل
وللرسل أو مستأمن صح عقده
وآت بلا أمن كدعوى رسالة
له الأمن منا ريب فقر كما مضى
وإن ضل حربي أو أنعامه إلى
فهو غير مخموس في الأولى لواجد
وعنه لمن قد حل في أرضهم من
وأمن الفتى أمن له ولمال الذي
ويبقى أمورًا لا تضر وينثي
فقد زال أمن النفس مع ماله الذي
وإن نقض الذمي عهدًا فما له
وما لم تقل فيء ليعطاه من بغي
فإن فقدوا فاجعله فيئًا فإن أسر
فإن حر فاردده إليه وإن يمت
وقيل بنفس الرق فيئًا وقيل بل
وإن عبد حربي أثاب وجاءنا
فكلهم للعبد وهو محرز
ومن يقتحم أرض العدو بأمنهم
ويلزمه إيصال كل حقوقهم
وإن يطلقوا منا أسيرًا ويشترطوا
وإن أطلقوا من غير شرط وأمنوا
وإن أطلقوا مع شرط رق أو انتفا
وإن أحلفوه تنعقد غير مكره
وإن أطلقوا مع شرط بعث مقرر
وإلا رضي يرجع لعجز بأوكد
ومبتاع منهم مسلم برضاه في الشرا
يرد له المبذول بالأذن مطلقًا
ويلزم إن وأتى افتكاك عنائنا
يكلف ولو أسري وأنثى وأعبد
ومن رب تمييز يصح بأوكد
كمرضعة أو حاكم متشدد
ومن قائد فيمن يقاله قد
ولو طال لا عشر السنين بأوكد
حصين ولا تقبل لمصر ومحتد
إذا فهموا والشخص من بعضه اشهد
ومبتاع أسرى إن يرد قتلهم ذد
بها ثم مخط القصد للمأمن أردد
ومن رد حلل قتله لا تردد
به ينتقض بالعكس أوف بموعد
به جا فينكر خذ بقول الموحد
فلا قتل وارققه بغير تردد
فلا قتل فليحكم به ملك مهتد
أو تعرف حكم الدين يعطي ويردد
ليفتح فيفتح مع تداعيه فاشهد
وقيل أقرعن وارقق سوى قارع قد
أقسمن وعنه فأقرع وللقارع ارقد
لا جزية في النص كالهدنة اشهد
ومعداد بحر ذو متاع معدد
وعين ودون الفرض كالعان فأردد
بلاد الهدى أو مركب ذو تشرد
وعن أحمد فيئًا للإسلام فأعدد
القرى كلتهم لا تخصصنه بوجد
معه إلا الغائب إن لم يقيد
إلينا ومع قصد الثوى والتنكد
نأذى معه لا مال لدينا بأوكد
من الفيء في الأولي إذا لم يعرد
ووارثه حتى لدينا بأجود
فرق فمال المرء قفه وأرصد
رقيقًا ففيئًا ماله في المجود
لوارثه لو كان حرًا فزود
بمولاه مأسورًا وأهلًا ومتلد
وفي دار حرب أن يقم رقه أمدد
ألا لا يخنهم والربى لا يعقد
إليهم إذا جاءوا وإلا ليردد
ثواه لديهم يوف في نص أحمد
ليهرب ولا يجني جناية مفسد
أمان ليقتل ثم يسرق ويعتد
وقيل بإلزام الثوى بمعبد
إليهم وإلا فليعد أن يفقد
وإلا فلا كالخود في نص أحمد
والوفا أولى بقصد التردد
وإلا فبذل العرف دون المزيد
وبالطفل فالأنثى قبيل الفتى افتدى


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 7:10 am


(9)
باب الهدنة
س63: ما هي الهدنة؟ وما الأصل فيها؟ ومن الذي يعقدها؟ وإذا زال فما الحكم؟ وما حكم الهدنة على مال وعلى غيره؟ وهل عقدها لازم أم جائز؟ وما حكم اشتراط نقضها لمن شاء؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف.
ج: أصل الهدنة: السكون، يقال: هدن يهدن هدونًا إذا سكن، وهدنته أي سكنته، وشرعًا العقد على ترك القتال مدة معلومة، وتسمى الموادعة، والمعاهدة، والمسالمة، والمهادنة وهي لازمة.
وفي «الإنصاف»: يكون العقد لازمًا على الصحيح في المذهب.
وقال الشيخ تقي الدين: ويكون أيضًا جائزًا ومتى زال من عقدها لزم الثاني الوفاء، والأصل فيها قوله تعالى: بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ، وقوله تعالى: وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا.
ومن السُّنة ما روى مروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة، أن النبي  صالح قريشًا على وضع القتال عشر سنين، والمعنى يقتضي ذلك؛ لأنه قد يكون بالمسلمين ضعف فيها دنوهم حتى يقووا، أو طعمًا في إسلامهم، أو التزام الجزية، أو غير ذلك من المصالح.
وتجوز على غير مال؛ لأن النبي  هادنهم يوم الحديبية على غير مال، وتجوز على مال يأخذه منهم، فإنها إذا جازت على غير مال، فعلى مال أولى، وإن هادنهم مطلقًا، لم يصح.

وقال الشيخ تقي الدين: تصح وتكون جائزة ويعمل بالمصلحة؛ لأن الله تعالى أمر بنبذ العهود المطلقة، وإتمام الموقتة.
وقال ابن القيم وغيره على ما في الصحيحين: أن فريقًا صالح النبي  -يعني عام الحديبية سنة تسع- فيه دليل على جواز صلح الإمام لعدوه، ما شاء من المدة، ويكون العقد جائزًا له فسخه متى شاء، وهذا هو الصواب، وهو موجب حكم رسول الله ، الذي لا ناسخ له.
وذكر أيضًا صلحه لأهل خيبر عما له يقرهم فيها ما شاء، وأن هذا الحكم منه فيهم حجة على جواز صلح الإمام لعدوه، ما شاء من المدة فيكون العقد جائزًا له فسخه متى شاء.
وفي قوله تعالى: بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ إلى قوله: أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ الآيات البراءة من المعاهدين، إلا من كان له عهد إلى أجل، وهذا يبين أن تلك العهود كانت مطلقة ليست إلى أجل معين؛ خلافًا لمن قال: لا تجوز المهادنة المطلقة، ولا يجوز ونقركم ما أقركم الله، حتى ادعى الإجماع في ذلك وليس بشيء. انتهى.
وفي «المغني»: ولا يجوز أن يشترط نقضها لمن شاء منهما؛ لأنه يقضي إن ضد المقصود منها، وإن شرط الإمام لنفسه ذلك دونهم لم يجز أيضًا، ذكره أبو بكر؛ لأنه ينافي البيع والنكاح.
وقال القاضي والشافعي: يصح؛ لأن النبي  صالح أهل خيبر على أن يقرهم ما أقرهم الله تعالى، ولا يصح هذا فإنه عقد لازم، فلا يجوز اشتراط نقضه كسائر العقود اللازمة، ولم يكن بين النبي ، وبين أهل خيبر هدنة، فإنه فتحها عنوة وإنما ساقاهم، وقال لهم ذلك.
وهذا يدل على جواز المساقاة وليس بهدنة اتفاقًا، وقد وافقوا الجماعة في أنه لو شرط في عقد الهدنة: إني أقركم ما أقركم الله لم يصح، فكيف يصح منهم الاحتجاج مع إجماعهم مع غيرهم على أنه لا يجوز اشتراطه.
** ** **
س64: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا شرط في الهدنة شرطًا فاسدًا، ما مثال الشرط الفاسد والشرط الصحيح؟ إذا هرب منهم قن فأسلم، إذا جنوا على مسلم، حمايتها إذا خيف نقض عهدهم، إذا نقض الهدنة بعضهم، اذكر الدليل والتعليل والخلاف.
ج: إن شرط العاقد في الهدنة شرطًا فاسدًا أو شرط في عقد ذمة شرطًا فاسدًا كرد امرأة إليهم أو رد صداقها أو رد صبي مميز أو رد سلاح، أو شرط إدخالهم الحرم، بطل الشرط دون عقد، كالشروط الفاسدة في البيع، وبطلانه في رد المرأة؛ لقوله تعالى: فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ، وحديث: «إن الله منع الصلح في النساء».
وفي رد صداقها؛ لأنه في مقابلة بعضها فلا يصح شرطه لغيرها، وفي الصبي المميز؛ لأنه مسلم يضعف عن التخلص منهم أشبه المرأة، وفي السلاح؛ لأنه إعانة على المسلمين، وفي إدخالهم الحرم؛ لقوله تعالى: إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ ويصح شرط رد طفل منهم؛ لأنه غير محكوم بإسلامه.
وجاز في هدنة شرط رد رجل جاء منهم مسلمًا للحاجة؛ لما ورد عن البراء ابن عازب قال: «صالح النبي  المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء، على أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه» الحديث متفق عليه.
وعن أنس أن قريشًا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم، فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا: يا رسول الله، أنكتب هذا؟ قال: «إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا» رواه مسلم؛ فإن لم تكن حاجة، لم يصح شرطه، أو لم يشرط رده لم يرد إن جاء مسلمًا أو بأمان.
وجاز للإمام أمر من جاء منهم مسلمًا سرًا لقتالهم، وبالفرار منهم، فلا يمنعهم أخذه ولا يجبره عليه؛ لأن أبا بصير، لما جاء إلى النبي  وجاء الكفار في طلبه قال له النبي : «إنا لا يصلح في ديننا الغدر، وقد علمت ما عاهدناهم عليه، ولعل الله تعالى أن يجعل لك فرجًا ومخرجًا» فلما رجع مع الرجلين قتل أحدهما في طريقه، رجع إلى النبي ، فقال له: يا رسول الله، قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم، وأنجاني الله منهم، فلم ينكر عليه النبي ، ولم يلمه، بل قال: «ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال» فلما سمع ذلك أبو بصير لحق بساحل البحر، وانحاز إليه أبو جندل بن سهيل، ومن معه من المستضعفين بمكة، فجعلوا لا يمر عليهم عير لقريش إلا عرضوا لهم وأخذوها، وقتلوا من معها.
فأرسلت قريش إلى النبي  تناشده الله والرحم أن يضمهم إليه، ولا يرد أحدًا جاء ففعل.
فإن تحيز من أسلم منهم وقتلوا من قدروا عليه منهم، وأخذوا من أموالهم، جاز، ولا يدخلون في الصلح حتى يضمهم إليه بإذن الكفار، للخبر، ولو هرب منهم قن فأسلم، لم يرد إليهم؛ لأنه لم يدخل في الصلح وهو حر؛ لأنه ملك نفسه بإسلامه؛ لقوله تعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً.
ويؤاخذون بجناياتهم على مسلم من مال وقود، وحد قذف، وسرقة؛ لأن الهدنة تقتضي أمان المسلمين منهم وأمان من المسلمين في النفس والعرض والمال، ولا يحدون لحق الله تعالى؛ لأنهم لم يلتزموا حكمنا.
ويجوز قتل رهائنهم إن قتلوا رهائننا، وينتقض عهدهم بقتالنا أو مظاهرة علينا أو قتل مسلم أو أخذ ماله.
ويجب على الإمام حمايتهم ممن تحت قبضته؛ لأنه أمنهم منهم إلا من أهل الحرب، فلا يلزمه حمايتهم منهم؛ لأن الهدنة لا تقتضيه، وإن سباهم كافر ولو كان السابي منهم، لم يصح لنا شراؤهم؛ لأنهم في عهدنا وليس علينا استنقاذهم لكون السابي لهم ليس في قبضتنا.
وإن سبا بعضهم ولد بعض وباعه، أو باع ولد نفسه، أو باع أهليه، صح البيع، إلا ذمي، فليس له بيع ولده، ولا ولد غيره، ولا أهليه؛ لأن عقد الذمة أكيد لأنه مؤيد.
وإن خيف من مهادنين نقض عهدهم بأمارة، نبذ الإمام إليهم عهدهم، بأن يعلمهم أن لا عهد بينه وبينهم؛ لقوله تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ أي أعلمهم بنقض العهد، حتى تصير أنتوهم سواء في العلم، ويجب إعلام أهل الهدنة بنبذ العهد قبل الإغارة عليهم للآية، وينتقض عهد نساء أهل الهدنة وذريتهم، بنقض رجالهم تبعًا لهم؛ لأنه  قتل رجال بني قريظة، حين نقضوا عهده وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم، ولما نقضت قريش عهده بعد الهدنة، حل له منهم ما كان حرم عليه منهم؛ ولأن عقد الهدنة موقت ينتهي بانتهاء مدته فيزول بنقضه وفسخه كالإجارة بخلاف الذمة.
وإن نقض الهدنة بعضهم فأنكر الباقون على من نقص بقول أو فعل، إنكارًا ظاهرًا، أو كاتبونا، أقر الباقون على العهد بتسليم من نقض الهدنة إن قدروا عليهم، أو بتمييز الناقض عنهم، ليتمكن المسلمون من قتالهم؛ فإن أبو التسليم، أو التمييز مع القدرة على أحدهما انتقض عهد الكل بذلك.
قال في الشرح: فإن امتنع من التمييز، أو إسلام الناقض، صار ناقضًا؛ لأنه منع من أخذ الناقض فصار بمنزلته، وإن لم يمكنه التمييز لم ينتقض عهده؛ لأنه كالأسير.
وفي «الإنصاف» -في آخر أحكام الذمة- وكذا أي في نقض العهد، من لم ينكر عليهم، أو لم يعتزلهم، أو لم يعلم بهم الإمام.

من نظم ابن عبدالقوي
مما يتعلق بالهدنة

وإن شا إمام الوقت أو نائب له
وإن هادن الكفار غيرهما فلا
وصحح لضعف السلم أو أخذ غبطة
ومع بذلنا مالًا أجز لاضطرارنا
وألغ اشتراط أن يدخلوا حرم الهدى
أو الخود أو في الأظهر المهر أو شرا
ووجهان في إفسادها مثل ذمة
وقيل بشرط النقض إن تبغ أو بغوا
ومع حاجة ذي قوة شرط مهتد
وجوز له فتوى الفتى بقتالهم
وينحاز عن صلح الإمام وإن يهب
فإن ضمه بالإذن منه إماما
ومن غير شرط رد من جاء محرمًا
ويلزمنا صون المهادن عن أذى
وحظر شراهم من كفور سباهم
وجوز شرانا أهلهم وصغارهم
وإن خفت نقض العهد فانبذه إن تشا
وإن يقتلوا منا رهائن هدنة
ويلزمهم منا ضمان حقوقنا
وناقض عهد من رضى نقض غيره
مهادنة الكفار صحح وأسند
تصح ومن يغتر للمأمن أردد
ودونهما إن يرج خير بأوكد
ولا شرط إلا ذكرت وقت التعهد
ورد صبي غير طفل وقد عدى
أداة اللقا أو رد مغنومها أشهد
بما لم يجز من كل شرط مفسد
فأفسد نفاق الأمر دون تردد
فكلف أو امهد ممكنًا غير مضهد
مسرًا وإن يقدر ليقتل ويشرد
عدوًا يقتل إن يطق كل ملحد
غدًا داخلًا في صلحهم لا ينكد
ومن رام إخراجًا إلينا ليسعد
بني العهد والإسلام لا ذي التمرد
ولو بعضهم للرق في المتوطد
في الأولى إذا باعوهم مثل مرد
وأتباعهم إن ينقضوا كهم اعدد
فقولين في قتل الرهائن أسند
سوى قطع سراق جناة بأجود
ولم ينه أو يبني ولم يتبعد



-10-
عقد الذمة
س65: عرف الذمة، ومتى يجب عقدها؟ وما معنى عقدها؟ وما صفة عقدها؟ ومن الذي يعقدها؟ ومن الذي يجب عقدها له؟ وما الأصل فيها؟ وما هي الجزية؟ وما هي بدل عنه؟ ومن الذي تعقد له؟ إذا اختار كافر، لا تعقد له الذمة دين من تعقد له، فما الحكم؟ وما مقدار الجزية؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو شروط أو خلاف.
ج: الذمة لغة: العهد والضمان والأمان؛ لحديث «المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، من أذمه يذمه، إذا جعل له عهدًا».
ومعنى عقد الذمة: إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة والأصل فيها قوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ الآية؛ ولحديث المغيرة بن شعبة، أنه قال لعامل كسرى: أمرنا نبينا  أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية. رواه أحمد والبخاري.
وروى بريدة  أن النبي  كان إذا بعث أميرًا على جيش، قال: «إذا لقيت عدوًا من المشركين، فادعهم إلى الإسلام؛ فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية؛ فإن فعلوا، فاقبل منهم وكف عنهم».
وعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها –يعني الجزية- من مجوس هجر. رواه البخاري. وعن عاصم بن عمر عن أنس، وعن عثمان بن أبي سليمان : أن النبي  بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة الجند، فأخذوه فأتوا به، فحقن دمه وصالحه على الجزية. رواه أبو داود.
وعن معاذ بن جبل  قال: بعثني النبي  إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل حالم دينارًا أو عدله معافريًا. أخرجه الثلاثة وصححه ابن حبان والحاكم.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لما مرض أبو طالب جاءته قريش، وجاء النبي ، فشكوه إلى عمه أبي طالب، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: «أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدى إليهم بها العجم الجزية»، قال: «كلمة واحدة»، قال: «كلمة واحدة، قولوا لا إله إلا الله»، قالوا: إلهًا واحدًا ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق. الحديث رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن.
ويجب عقد الذمة إذا اجتمعت شروطه، ويكون اجتماعها ببذل جزية كل عام هلالي، والتزام أحكامنا.
ولا يجوز عقدها إلا بهذين الشرطين؛ فإن خيف غدرهم بتمكينهم من الإقامة بدار الإسلام، فلا يجوز عقدها، لما فيه من الضرر علينا، ولا يصح عقدها إلا من إمام أو نائبه.
وصفة عقد الذمة قول الإمام أو نائبه أقررتكم بجزية واستسلام، أو يبذلوا ذلك من أنفسهم، فيقول الإمام أو نائبه أقررنكم عليه أو نحوهما، مما يدل على عقدها، كقوله: «عاهدتكم على الإقامة بدارنا بجزية، ولا يعتبر تقدير الجزية في العقد».
والجزية: مال يؤخذ من الكفار على وجه الصغار كل عام بدلًا عن قتلهم وعن إقامتهم بدارنا، ولا تعقد إلا لأهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى.
ومن تدين بالتوراء كالسامرة، أو تدين بالإنجيل كالفرنج والصابئين، ومن له شبهة كتاب كالمجوس؛ لأن عمر لم يأخذ منهم حتى شهد عنده عبدالرحمن ابن عوف أن النبي  أخذها من مجوس هجر، رواه البخاري. وفي رواية: أنه  قال: «سنوا بهم سُّنة أهل الكتاب» رواه الشافعي.
وفي «المغني» أن الكفار ثلاثة أقسام: قسم أهل كتاب وهم اليهود والنصارى ومن اتخذ التوراة والإنجيل كتابًا كالسامرة والإفرنج ونحوهم، فهؤلاء تقبل منهم الجزية ويقرون على دينهم إذا بذلوا الجزية؛ لقوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ الآية، وقسم لهم شبهة كتاب، وهم المجوس فحكمهم حكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم وإقرارهم بها؛ لقول النبي  سنوا بهم سُّنة أهل الكتاب.
وقسم لا كتاب لهم ولا شبهة، وهم من عدا هذين القسمين من بعدة الأوثان، ومن عبد ما استحسن وسائر الكفار فلا تقبل منهم الجزية، ولا يقبل منهم سوى الإسلام هذا ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي.
وروي عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار، إلا عبدة الأوثان من العرب، وهو مذهب أبي حنيفة؛ لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق، فيقرون ببذل الجزية كالمجوس.
وحكي عن مالك أنها تقبل من جميع الكفار إلا كفار قريش؛ لحديث بريدة الذي في المسألة قبل هذه، وهو عام؛ ولأنهم كفار فأشبهوا المجوس، ولنا عموم قوله تعالى: اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»، خص منهم أهل الكتاب بقوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، والمجوس بقوله: «سنوا بهم سُّنة أهل الكتاب» فمن عداهما يبقى على مقتضى العموم؛ ولأن الصحابة  توقفوا في أخذ الجزية من المجوس، ولم يأخذ عمر الجزية، حتى روى له عبدالرحمن بن عوف أن النبي  قال: «سنوا بهم سُّنة أهل الكتاب».
وثبت عندهم أن النبي  أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدل على أنهم لم يقبلوا الجزية ممن سواهم؛ فإنهم إذا توقفوا فيمن له شبهة كتاب، فيمن لا شبهة له أولى، ثم أخذ الجزية منهم للخبر المختص بهم، فيدل على أنهم لم يأخذوها من غيرهم؛ ولأن قول النبي : «سنوا بهم سُّنة أهل الكتاب» يدل على اختصاص أهل الكتاب ببذل الجزية، إذ لو كان عامًا في جميع الكفار، لم يختص أهل الكتاب بإضافتها إليهم؛ ولأنهم تغلظ كفرهم لكفرهم بالله وكتبه ورسله، ولم تكن لهم شبهة، فلم يقروا ببذل الجزية كقريش، وعبدة الأوثان من العرب؛ ولأن تغليظ الكفر له أثر في تحتم القتل.
وكونه لا يقر بالجزية بدليل المرتد؛ وأما المجوس، فإن لهم شبهة كتاب، والشبهة تقوم مقام الحقيقة، فما يبنى على الاحتياط، فحرمت دماؤهم، ولم يثبت حل نسائهم وذبائحهم؛ لأن الحل لا يثبت بالشبهة؛ ولأن الشبهة لما اقتضت تحريم دمائهم اقتضت تحريم ذبائحهم ونسائهم ليثبت التحريم في المواضع كلها تغليبًا له على الإباحة، ولا نسلم أنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق. انتهى (ص386، 387، 388، 389).
واختار الشيخ تقي الدين أخذ الجزية من الكل وأنه لم يبق أحد من مشركي العرب بعد نزول الجزية، بل كانوا قد أسلموا، وقال الشيخ: إنما وقعت الشبهة في المجوس، لما اعتقد بعض أهل العلم، أنا لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب، وقد أخذت من المجوس بالنص والإجماع، قال: والمجوس لم يكونوا أهل كتاب أصلًا، ولا دانوا بدين أحد من الأنبياء، لا في عقائدهم، ولا في شرائعهم، والأثر الذي فيه: أنه كان لهم كتاب فرفع، لا يصح.
قال: والعرب كانوا على دين إبراهيم، وكان له صحف وشريعة، وليس تغيير عبدة الأوثان بأعظم من تغيير المجوس؛ فإنه لا يعرف عنهم التمسك بشيء من شرائع الأنبياء بخلاف العرب، فكيف يجعل المجوس أحسن حالًا من مشركي العرب؟
وقال في «الإنصاف»: وقال في «الاعتصام بالكتاب والسُّنة»: من أخذها من الجميع. أو سوى بين المجوس وأهل الكتاب، فقد خالف ظاهر الكتاب والسُّنة.
وإذا اختار كافر –لا تعقد له الذمة- دينًا من هؤلاء الأديان، بان تنصر أو تهود أو تمجس أقر على ذلك، وعقدت له الذمة كالأصل؛ لكن لا تحل ذبيحته، ولا مناكحته؛ إن لم يكن أبواه كتابيين: ولو عقدت الذمة لكفار زاعمين أنهم أهل كتاب، فتبين أنهم عبدة أوثان، فهو عقد باطل لفوات شرطه، ومن ولد بين أبوين لا تقبل من أحدهما الجزية قبلت منه لعموم النص؛ ولأنه اختار أفضل الدينين وأقلهما كفرًا.
وفي قدر الجزية ثلاث روايات: إحداهن: ترجع إلى ما فرضه عمر على الموسر ثمانية وأربعون درهمًا، وعلى المتوسط أربعة وعشرون، وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر، فرضها عمر كذلك، بمحضر من الصحابة، وتابعه سائر الخلفاء بعده، فصار إجماعًا.
وقال ابن أبي نجيح قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار. قال: جعل ذلك من قبل اليسار. رواه البخاري.
والثانية: يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقصان.
والثالثة: تجوز الزيادة لا النقصان؛ لأن عمر زاد على ما فرض رسول الله  ولم ينقص.
س66: تكلم عن نصارى العرب من بني تغلب: وما مصرف ما يؤخذ منهم؟ ومن الذي لا جزية عليه؟ ومن هو الغني في ذا الباب؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف.
ج: لا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب، وتؤخذ الزكاة منهم عوضها من ماشية وغيرها، مما تجب فيه زكاة: مثل ما يؤخذ من المسلمين؛ لما روي أن عمر دعاهم إلى بذل الجزية فأبوا وأنفوا، وقالوا: نحن عرب خذ منا، كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة، فقال عمر: لا آخذ من مشرك صدقة، فلحق بعضهم بالروم.
فقال النعمان بن زرعة: يا أمير المؤمنين، إن القوم لهم بأس وشدة، وهم عرب يأنفون من الجزية، فلا تعن عليك عدوك بهم، خذ منهم الجزية باسم الصدقة... فبعث عمر في طلبهم فردهم وضعف عيهم من كل خمس من الإبل شاتين، وفي كل ثلاثين بقرة تبيعين، ومن كل عشرين دينارًا دينارًا، وفي كل مائتي درهم عشرة دراهم، ومما سقت السماء الخمس، وفيما سقى بنضح أو غرب أو دولاب العشر، فاستقر ذلك من قول عمر، ولم يخالفه غيره من الصحابة، فكان إجماعًا.
ويؤخذ ذلك من نسائهم وصبيانهم، ومجانينهم، وزمناهم، ومكافيفهم، وشيوخهم؛ لأن الاعتبار بالأنفس سقط وانتقل إلى الأموال بتقريرهم.
ومصرف ما أخذ منهم مصرف الجزية؛ لأنه مأخوذ من مشرك فكان جزية، وغايته أن مسماه باسم الصدقة، وكذلك قال عمر : هؤلاء حمقى رضوا بالمعنى وأبو الاسم.
وقيل مصرف الصدقة؛ لأنه سلك به مسلكها في قدر المأخوذ والمأخوذ منه، فذلك في المصرف.
ولا جزية على امرأة وخنثى ومجنون؛ لقوله  لمعاذ: «خذ من كل حالم دينارًا، أو عدله معافريًا» رواه الشافعي في «مسنده». وروى أسلم أن عمر  كتب إلى أمراء الأجناد: لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسي، أي من نبتت عانته؛ لأن المواسي إنما تجري على من أنبت –أراد من بلغ الحلم من الكفار- رواه سعيد. والخنثى: لا يعلم كونه رجلًا، فلا تجب عليه مع الشك، والمجنون في معنى الصبي فقيس عليه.
ولا جزية على عبد لقوله –عليه الصلاة والسلام-: «لا جزية على عبد»، وعن ابن عمر مثله؛ ولأنه مال فلم تجب عليه كسائر الحيوانات، ولا جزية على فقير يعجز عنها غير معتمل؛ لقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ولأن عمر جعل الجزية ثلاث طبقات: جعل أدناها على الفقير المعتمل، فدل على أن غير المعتمل لا شيء عليه؛ فإن كان معتملًا وجبت عليه ولا جزية على زمن، ولا أعمى، ولا شيخ فان، ولا راهب بصومعته؛ لأنهم لا يقتلون فلم تجب عليهم الجزية كالنساء والصبيان، ولا يبقى بيد الراهب مال إلا بلغته فقط... قاله الشيخ تقي الدين.
قال: ويؤخذ منهم مالنا كالرزق الذي للديورة والمزارع إجماعًا، قال: ويجب ذلك، وقال: ومن له زرعة أو تجارة، وهو مخالط لهم، ومعاونهم
على دينهم كمن يدعو إليهم من راهب وغيره، تلزمه إجماعًا، وحكمه حكمه بلا نزاع، والغني من أهل الجزية من عده الناس غنيًا.
** ** **

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 7:12 am

س67: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: الجزية في حق المعتق والمبعض؟ من صار أهلًا للجزية في أثناء الحول؟ مثل لذلك قبول ما بذل من جزية من أسلم بعد الحول؟ من مات أو جن أو عمي بعد الحول أو في أثناء الحول، وقت أخذها؟ واذكر الدليل والتعليل، ومثل لما لا يتضح إلا بالتمثيل.
ج: وتجب الجزية على معتق؛ لأنه حر مكلف من أهل القتال، فلم يقر في دارنا بلا جزية كحر أصلي، وتجب على مبعض بقدر حريته كالإرث، ومن صار أهلًا لها بأن بلغ صغير أو أفاق مجنون، أو عتق قن أو استغنى فقير بأثناء الحول، أخذ منه إذاتم الحول بقسطه بالعقد الأول؛ لأنهم دخلوا في العقد فلم يحتج إلى تجديده لهم، ويلفق من إفاقة مجنون حول ثم تؤخذ منه. ومتى بذلوا ما عليهم من جزية لزم قبوله، ولزم دفع من قصدهم بأذى، إن لم يكونوا بدار حرب، وحرم قتلهم، وأخذ مالهم.
ومن أسلم بعد الحول، سقطت عنه الجزية؛ لقوله تعالى: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ؛ ولحديث ابن عباس قال: قال رسول الله : «لا تصلح قبلتان في أرض، وليس في المسلم جزية» رواه أحمد وأبو داود. وعن رجل من بني تغلب، أنه سمع رسول الله  يقول: «ليس على المسلمين عشور، إنما العشور على اليهود والنصارى» رواه أحمد وأبو داود.
وقال أحمد: قد روي عن عمر أنه قال: إن أخذها في كفه، ثم أسلم ردها، وروى أبو عبيد أن يهوديًا أسلم فطولب بالجزية، وقيل له: إنما أسلمت تعوذًا، قال: إن في الإسلام معاذًا، وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية؛ ولأنها عقوبة سببها الكفر، فسقطت بالإسلام؛ فإن كان إسلامه قبل تمام الحول، لم تؤخذ بطريق الأولى.
ولا تسقط الجزية إن مات من وجبت عليه، أو جن أو عمي بعد الحول كديون الآدميين، وسقوط الحد بالموت؛ لتعذر استيفائه بفوات حمله، فتؤخذ الجزية من تركة ميت، ومال حي جن ونحوه بعد الحول، وإن مات أو جن في أثناء الحول تسقط الجزية؛ لأنها لا تجب، ولا تؤخذ قبل كمال حولها، وتؤخذ عند انقضاء كل سنة هلالية، كالزكاة لتكررها بتكرر السنين، وإن انقضت ولم تؤخذ استوفيت كلها فلا تتداخل.
** ** **
س68: ما صفة أخذ الجزية ممن وجبت عليه؟ وتكلم عن أحكام ما يلي: شرط تعجيلها، شرط ضيافة مع الجزية، إذا تولى إمام غير الأول، ماذا يعمل بعد عقدها؟ وما حكم التوكيل في أداء الجزية؟ وبين ما يحتاج إليه تبيين. ماذا ينبغي للإمام إذا عقد الذمة مع كفار لضبطهم؟
ج: يمتهنون عند أخذ الجزية منهم، وبطال وقوفهم وتجر أيديهم؛ لقوله تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ويقبضها الآخذ منهم وهو جالس، ولا يقبل ممن عليه جزية إرسالها لفوات الصغار، وليس لمسلم أن يتوكل لهم في أدائهان ولا أن يضمنها، ولا أن يحيل الذمي عليه بها لفوات الصغار، ولا يعذبون في أخذ الجزية، ولا يتشطط عليهم؛ لما روى أبو عبيد أن عمر أتى بمال كثير. قال أبو عبيد: أحسبه الجزية، فقال: لا أظنكم قد أهلكتم الناس. قالوا: لا، والله ما أخذنا إلا عفوًا صفوًا، قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم.
قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي، ولا في سلطاني.
ويصح أن يشرط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين، وعلف دوابهم؛ لما روى أحمد بإسناده عن الأحنف بن قيس أن عمر شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة، وأن يصلحوا القناطر، وأن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته؛ ولما روي أنه  ضرب على نصارى أيلة، ثلاثمائة دينار، وكانوا ثلاثمائة نفس، وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين، وعن عمر أنه قضى عليهم ضيافة ثلاثة أيام، وعلف دوابهم وما يصلحهم.
ويبين لهم الإمام أو نائبه أيام الضيافة والإدام، واعلف وعدد من يضاف من الرجالة والفرسان والمنزل، فيقول: تضيفون في كل سنة مائة يوم في كل يوم عشيرة من المسلمين، من خبز كذا وكذا، ومن الإدام كذا، وللفرس من الشعير كذا، ومن التبن كذا؛ لأن ذلك من الجزية، فاعتبر العلم به كالنقود.
ويبين لهم ما على الغني والفقير من الضيافة، كما في الجزية، فيكون ذلك بينهم على قدر جزيتهم؛ فإن شرط الضيافة مطلقًا صح؛ لأن عمر لم يقدر ذلك، وقال: أطعموهم مما تأكلون، وتكون مدتها عند الإطلاق يومًا وليلة، ولا تجب عليهم الضيافة بلا شرط؛ لأنه دليل عليه.
وإذا تولى إمام فعرف ما قدر عليهم من جزية أو قامت بينة، أو ظهر ما عليهم أقرهم عليه بلا تحديد عقد؛ لأن الخلفاء أقروا عقد عمر، ولم يجددوه؛ ولأن عقد الذمة مؤبد، فإن كان فاسدًا رده إلى الصحة، وإلا رجع إلى قولهم، إن صلح ما ادعوه جزية لأنهم غارمون، وله تحليفهم مع تهمة فيما يذكرون، لاحتمال كذبهم؛ فإن بان لإمام بعد ذلك نقص، أخذ النقص منهم.
وإن عقد الذمة إمام مع كفار كتب أسماءهم، وأسماء آبائهم، وخلاهم وكتب دينهم كيهودي ونصراني أو مجوسي، وجعل لكل طائفة عريفًا يكشف حال من تغير حاله، ببلوغ، أو عتق ونحوه، ويجمعهم عند أداء الجزية؛ لأنه أمكن لاستيفاء الجزية وأحوط، ويكشف حال من أسلم منهم، أو جن، أو نقض العهد، أو خرق شيئًا من الأحكام، ليفعل معه الإمام، أو نائبه ما يلزم، ومن أخذت منه الجزية، وأراد أن يكتب له براءة لتكون معه حجة إن احتاج إليها أجيب.



لابن عبدالقوي
فيما يتعلق بعقد الذمة نظمًا

وقال لإمام الوقت أو نائب له
ومن لم ينب بالغي غيرهم فما
إذا كان من أهل الكتابين والذي
وعنه لكل الكافرين أعقدنها
وصابئة مثل النصارى ومن يدن
ومن يتنصر أو تهود فنبقه
فجزيته أقبل والمناكحة اجتنب
ومن فرد أصلية على دين جزية
ومن قبلت منه فيبذل قدرها
على موسر عرفًا دنانير أربعًا
ومن أوسط خذ نصف ذا، ومقلتهم
ولا شيء في صبيانهم ونسائهم
وذا العجز أو معتوه أو عيد مسلم
وقد قيل أنظر معسرًا ليساره
ومن صار في أثناء حول مؤهلا
وقال أبو يعلى يخير فإن أبى
ومن كان ذا جن وصحو معود
وقيل لحر البعض بالقسط خذ في
وبالأغلب أعمل إن تعسر ضبطه
وغير الهدى أن يطرأ للمرء مسقط
ولم تتداخل إن عليه تجمعت
ويمتهنوا في أخذها بقيامهم
ولم يتعين أخذ عين وفضة
وجوز عليهم شرط ميرتنا إذا
ولا توجين من غير شرط وقيل بل
ومن يتول إن يدر صحة شرطهم
وقيل إلى دعواهم إن تسغ فعد
وكل على إقرارهم واختلافهم
ومن تغلب لا تلممن ذي ولا تجز
بل كان من مال الزكاة ولو لذي
وكالجزية اصرف لا الزكاة وحللن
ومن عرب تخشاهم وتقرهم
وإن أسلموا أو باعنا الأرض لم يجب
وأن يسلموا والحب باد صلاحه
فإن باعه من مسلم أو مع أرضه
ويكتب أسماهم وما يتميزوا

وكل فئام فيهم اجعل معوفًا
وحتم بلا مال إجابة نسوة
لمعطي صغار يلتزم حكم من هدى
له غير قتل أو فدا عد بأوكد
يوافقهم أو من مجوس له أعقد
سوى عرب عباد أوثان جامد
بحكم كتاب فهو من أهله أعدد
بعيد نزول الوحي أو ظن مبتد
وتذكية للاحتياطين فاعضد
في الأقوى أن نحاه اقبله في جزية قد
فآخر حول خذ ومنه من الردى
وأوقية ورقًا وخمسًا لها زد
على الربع، والأولى اجتهاد المقلد
وهرمًا ورهبانًا وأعمى ومقعد
وقولين في العمال مع عبدهم طد
وخذ جزية الأدنى ولا تتزيد
فبالقسط خذ من غير عقد مجدد
إلى مأمن فاردد وإن يرض فأعقد
فمن صحوه إن لفق الحول أورد
إنتها الحول من مال فتى لا تزيد
وقيل وإن يضبط وعمن هدى زد
بعيد كمال الحول خذها بأوطد
فخذها جميعًا منه لا تتزيد
طويلًا بتصنيف من الجر باليد
بل أقبل كمشروط ولو ثمن الردى
مررنا وبين وقت كل وقيد
لليلتنا واليوم مثل موحد
ليمض، وإن يجهل، فقيل ليجهد
وإن نقضوا شيئًا عليهم به عد
يقر وحلف إن تشا للتأكد
وخذ منهم مثلي زكاة الموحد
جنون وصبيان وأنثى ومعقد
حرائرهم والذبح كل بأوكد
ويأبوا سوى كالتغلبي أقبل بأوطد
سوى العشر في مستقبل لم يشدد
فلا شيء فيه كاشتراه فقيد
ففي ماله العشر أن لا مال مهتد
به من حلاهم ثم دينهم الردى

بما يقتضي تغيير حكم مشيد
إلى عقدها أن تلزمن حكم أحمد




(11)
باب أحكام أهل الذمة
س69: تكلم عما يلي: ما الذي يحتوي عليه هذا الباب إجماليًا؟ ماذا يلزم الإمام نحوهم إذا جنى أهل الذمة على نفس، أو مال، أو عرض؟ إقامة الحدود على أهل الذمة؟ إظهار ما اعتقدوا حله؟ إذا تزوج اليهودي بنت أخيه أو بنت أخته فولدت؟ اذكر الأشياء مما يتميز به أهل الذمة؟ صفة ركوبهم الدواب، اذكر أشياء مما يلزمهم؟ واذكر الدليل أو التعليل أو هما؟
ج: يحتوي على بيان ما يجب عليهم أو لهم بعد عقد الذمة، مما يتضمنه عقدها لهم، يلزم الإمام أن يأخذ بأحكام الإسلام في ضمان النفس، فمن قتل أو قطع طرفًا، أخذ بموجب ذلك كالسلم؛ لما روي أن يهوديًا قتل جارية على أوضاح لها، فقتله رسول الله . متفق عليه.
ويلزم الإمام أن يأخذهم في المال، فمن أتلف مالًا لغيره ضمنه، والعرض فمن قذف إنسانًا، أوسيه ونحوه. أقيم عليه ما يقام على المسلم بذلك؛ لأن الإسلام نقض ما يخالفه، ويلزمه إقامة الحد عليهم، فيما يعتقدون تحريمه كزنى وسرقة؛ لما في «الصحيح» عن ابن عمر أن النبي  أتى برجل وامرأة من اليهود زنيا فرجمهما؛ ولأنه يحرم في دينهم، وقد التزموا حكم الإسلام، فثبت في حقهم كالمسلم.
ولا يقيم الحدود عليهم، فيما يعتقدون حله، كشرب، ونكاح، وأكل لحم خنزير؛ لأنهم يعتقدون حله، ولأنهم يقرون على كفرهم وهو أعظم جرمًا، إلا أنهم يمنعون من إظهار ذلك بين المسلمين لتأذيهم، أو يرون صحته من العقود ولو رضوا بحكمنا فلا تتعرض لهم فيه ما لم يرتفعوا إلينا.
قال الشيخ: واليهودي إذا تزوج بنت أخيه، أو بنت أخته، كان ولده منها يلحقه ويرثه باتفاق المسلمين، وإن كان هذا النكاح باطلًا باتفاق المسلمين. ويلزم التمييز عن المسلمين بقبورهم تمييزًا ظاهرًا كالحياة، وأولى بأن لا يدفنوا أحدًا منهم بمقابرنا، ويكره الجلوس في مقابرهم؛ لأنه ربما أصابهم عذاب، قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً.
ويلومهم التمييز عنا بحلاهم بحذف مقدم رؤوسهم، وهو جز النواصي، ولا يجعلونه كعادة الأشراف، وأن لا يفرقوا شعورهم، بل تكون جمة؛ لأن التفريق من سُّنة المسلمين، ولأن أهل الجزية اشترطوا ذلك على أنفسهم فيما كتبوه إلى عبدالرحمن بن غنم، وكتب به إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر إن أمض لهم ما سألوا. رواه الخلال. ويلزمهم التمييز عنا بكناهم، فيمنعون من التكني بكنى المسلمين، نحو: أبي القاسم وأبي عبدالله، ومن التلقب بألقابنا.
ويلزمهم التمييز عنا إذا ركبوا عرضا رجلاه إلى جانب، وظهره إلى جانب بإكاف على غير خيل؛ لما روى الخلال أن عمر أمر بجز نواصي أهل الذمة، وأن يشدوا المناطق، وأن يركبوا الإكف بالعرض والأكف: جمع إكاف، آلة تجعل على الحمار، يركب عليها بمنزلة السرج.
ويلزمهم التمييز عنا بلباس ثوب عسلي ليهود ولباس ثوب أدكن وهو الفاختي لون يضرب إلى السواد لنصارى، وشد خرق بقلانسهم وعمائهم، وشد زنار فوق ثياب نصراني، وتحت ثياب نصرانية، ويغاير نساء كل من يهود ونصارى بين لوني خف ليمتازوا به عنا.
ويلزمهم لدخول حمامنا جلجل، أو خاتم رصاص ونحوه برقابهم، ليتميزوا به عنا، ولا يجوز جعل صليب مكانه لمنعهم من إظهاره.
س70: تكلم عما يحرم على المسلم نحوهم ونحو المبتدع، وعن ما إذا سلم على ذمي ثم علمه، أو سلم عليه ذمي، وعما إذا شمته كافر، وحكم مصافحته.
ج: يحرم قيام لهم، ولمبتدع يجب هجره، وتصديرهم في المجالس؛ لأن في تصديرهم إعزازًا لهم، وتسوية بينهم وبين المسلمين في الإكرام فلم يجز؛ ولأن في كتابهم لعبدالرحمن بن غنم، وأن نوقر المسلمين ونرشد الطرق، ونقوم لهم عن المجالس، إذا أرادوا المجالس، ولا نطلع عليهم في منازلهم.
ويحرم بداءتهم بالسلام؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق، فاضطروهم إلى أضيقها» أخرجه مسلم؛ ولما روى أبو نصرة قال: قال رسول الله : «إنا غادون على يهود، فلا تبدؤهم بالسلام، وإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم».
ويحرم بداءتهم بكيف أصبحت؟ أو كيف أمسيت؟ أو كيف أنت؟ أو كيف حالك؟ ولو كتب إلى كافر كتابًا، وأراد أن يكتب سلامًا، كتب سلام على من اتبع الهدى؛ لما ورد في البخاري أنه  قال ذلك في كتابه إلى هرقل عظيم الروم؛ ولأن ذلك معنى جامع.
وإن سلم من ظنه مسلمًا، ثم علم أنه ذمي استحب قول المسلم للذمي: رد على سلامي؛ لما روى عن ابن عمر أنه مر على عليّ رجل فسلم عليه، فقيل: إنه كافر. فقال: رد على ما سلمت عليك فرد عليه، فقال: أكثر الله مالك وولدك، ثم التفت إلى أصحابه، فقال: أكثر للجزية.
وإن سلم أحد أهل الذمة لزم رده، فيقال له: وعليكم أو عليكم بلا واو. وفي «الصحيحين» عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله  قال: «إذا سلم عليكم اليهود؛ فإنما يقول أحدهم السام عليك، فقل: وعليك» هكذا بالواو، وفي لفظ عليك بلا واو.

عن أنس بن مالك أن رسول الله  قال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم» رواه أحمد، وفي لفظ للإمام أحمد: «فقولوا عليكم» بلا واو، وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله ، فقالوا: السام عليكم، ففهمتها، فقلت: عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله : «مهلًا يا عائشة؛ فإن الله يحب الرفق في الأمر كله»، فقلت: يا رسول الله، أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله : «قد قلت وعليكم» متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وفي لفظ آخر: قد قلت عليكم لم يذكر مسلم الواو، وعند الشيخ تقي الدين يرد مثل تحيته، فيقول: وعليك مثل تحيتك.
وقال ابن القيم –رحمه الله- في «أحكام أهل الذمة»: فلو تحقق السامع أن الذمي قال له: سلام عليكم لا شك فيه فهل له أن يقول: وعليك السلام، أو يقتصر على قوله، وعليك فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال له: وعليك السلام؛ فإن هذا من باب العدل، والله يأمر بالعدل والإحسان، وقد قال تعالى: وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا، فندب إلى الفضل، وأوجب العدل، ولا ينافي هذا شيئًا من أحاديث الباب بوجه ما؛ فإنه  إنما أمر بالاقتصار على قول الراد، وعليكم، وبناء على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم، وأشار في حديث عائشة - رضي الله عنها - فقال: «ألا ترينني قلت: وعليكم»، ثم قال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم». والاعتبار وإن كان لعموم اللفظ فإنما يعتبر عمومه في نظيره المذكور، لا فيما يخالفه، قال تعالى: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ فإذا زال هذا السبب، وقال الكتابي: سلام عليكم ورحمة الله، فالعدل في التحية يقتضي أن يرد عليه نظير سلامه. انتهى.
وإذا لقيه المسلم في طريق، فلا يوسع له ويضطره إلى أضيقه لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام؛ فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقها» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح.
ويكره مصافحته، لما ورد عن جابر  قال: نهى رسول الله  أن يصافح المشركون، أو يكنوا، أو يرحب بهم، ويكره تشميته؛ لما ورد عن أبي موسى: إن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله. فكان يقول: «يهديكم الله ويصلح بالكم» رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه.


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 7:14 am

س71: ما حكم موالاة اليهود والنصارى وسائر الكفار؟ واذكر جميع ما تستحضره من الأدلة الدالة على غش أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم، وما حكم حضور عيدهم ومدحهم ووصفهم بصفات الإجلال والتعظيم؟ واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: لا تجوز موالاة جميع الكفار؛ لقوله تعالى: لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وقال تعالى: لاَ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ الآية. وقال تعالى: تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوَهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ، وقال تعالى: وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ، وقال تعالى: لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وقال جل شأنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وقال تعالى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ، وقال عز من قائل: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم، وقال تعالى: وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ الآية. وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ، وقال تعالى: هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ، وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار. قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ قيل: هو أعياد المشركين.
وروى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده، عن عطاء بن دينار قال: قال عمر : لا تعلموا رطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم.
وروى البيهقي بإسناد صحيح، عن عطاء بن دينار، قال: قال عمر : لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم، ولا يجوز مدح أعداء الله؛ لما روى ابن أبي الدنيا.
وأبو يعلى والبيهقي في «شعب الإيمان» عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مدح الفاسق غضب الرب واهتز لذلك العرش» ولا يجوز وصفهم بصفات الإجلال والتعظيم كالسيد؛ لما روى أبو داود والنسائي.
عن بريدة  قال: قال رسول الله : «لا تقولوا للمنافق سيدنا؛ فإنه إن يك سيد فقد اسخطتم ربكم عز وجل» رواه الحاكم في «مستدركه» وصححه، والبيهقي في «شعب الإيمان» بنحوه، ولفظ الحاكم: «إذا قال الرجل للمنافق: يا سيد فقد أغضب ربه تبارك وتعالى»، ولفظ البيهقي: «إذا قال الرجل للمنافق يا سيد، فقد باء بغضب ربه».
وقال : «اليهود والنصارى خونة، لا أعان من ألبسهم ثوب عز»، وقال عمر: لا تعزوهم وقد أذلهم الله، ولا تأمنوهم بعد أن خونهم الله، ولا تصدقوهم بعد أن أكذبهم الله. قال ابن هبيرة: روي عن أحمد أنه كان إذا رأى يهوديًا، أو نصرانيًا غمض عينيه، ويقول: لا تأخذوا عني هذا، فإني لم أجده عن أحد ممن تقدم، ولكن لا أستطيع أن أرى من كذب على الله.
س72: تكلم عما يلي: حمل الذمي السلاح، أو تعلم ما يعين على الحرب، تعلية البنيان على بنيان المسلم، وما يتعلق بذلك من نقض أو بقاء أو ضمان، إحداث كنائس ونحوها، إذا كانت موجودة ما استهدم منها.
ج: يمنع أهل الذمة من حمل السلاح، ومن ثقاف، وهو الرمي بالبندق، ومن رمى بنحو نبل، ومن لعب برمح ودبوس، قلت: وفي وقتنا يمنعون من حمل رشاش وقنابل، ومن رمى بمدفع؛ لأن ذلك يعين على الحرب.

ويمنعون من تعلية بنيان على مسلم مجاور لهم، وإن لم يلاصق، ولو رضى جارهم المسلم؛ لأنه حق لله، ولحق من يحدث بعدهم؛ لحديث: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»؛ ولقولهم في شروطهم: ولا تطلع عليهم في منازلهم.
ويجب نقض ما علا من بنائهم على بناء جارهم المسلم إزالة لعدوانهم.
ويضمن ذمي علا بناؤه على بناء جاره المسلم ما تلف به قبل النقض، لتعديه بالتعلية، لعدم إذن الشارع فيها، وإن ملكوه عاليًا من مسلم لم ينقض سواء كان بشراء أو غيره.
ولا يعاد عاليًا لو انهدم ما ملكوه من مسلم عاليًا؛ لأنه بعد انهدامه كأنه لم يوجد، ولا ينقض بناءهم أن بنى مسلم دارًا عندهم دون بنائهم؛ لأنهم لم يعل بناؤهم على بنائه، وإن وجدت دار ذمي أعلى من دار مسلم بجوارها، وشك في السابقة.
قال ابن القيم: لا نقره لأن التعلية مفسدة، وقد شك في جوازها ويمنعون من أحداث كنائس وبيع في دار الإسلام، ومن بناء صومعة الراهب، ومجتمع لصلواتهم؛ لقول ابن عباس: أيما مصر مصرته العرب، فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة. رواه أحمد، واحتج به. والكنائس: واحدها كنيسة، وهي معبد النصارى. والبيع: جمع بيعة. قال الجوهري: هي للنصارى، فهما حينئذ مترادفان، وقيل: الكنائس لليهود، والبيع للنصارى، فهما متباينان وهو الأصل.
قال في الشرح: أمصار المسلمين ثلاثة أقسام: إحداهما: ما مصره المسلمون، كالبصرة، والكوفة، وبغداد، وواسط؛ فلا يجوز فيه إحداث كنيسة، ولا بيعة، ولا مجتمع لصلاتهم، ولا يجوز صلحهم على ذلك؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أيما مصر مصرته العرب، فليس للعجم أن بينوا فيه بيعة
ولا يضربوا فيه ناقوسًا، ولا يشربوا فيه خمرًا؛ ولا يتخذوا فيه خنزيرًا. رواه الإمام أحمد، واحتج به؛ لأن هذا البلد ملك المسلمين، ولا يجوز أن يبنوا فيه مجامع للكفر، وما وجد في هذه البلاد من البيع والكنائس، مثل كنيسة الروم في بغداد، فهذه كانت في قرى أهل الذمة، فأقرت عليه.
القسم الثاني: ما فتحه المسلمون عنوة، فلا يجوز إحداث شيء من ذلك فيه؛ لأنها صارت ملكًا للمسلمين من غير نكير، وما فيه من ذلك ففيه وجهان: إحداهما: يجب هدمه، وتحرم تبقيته؛ لأنها بلاد مملوكة للمسلمين، فلم يجز أن تكون فيها بيعة، كالبلاد التي اختطها المسلمون.
والثاني: يجوز لأن في حديث ابن عباس أيما مصر مصرته العجم، ثم فتحوا كثير من البلاد عنوة فلم يهدموا شيئًا من الكنائس، ويشهد بصحة هذا وجود الكنائس والبيع في البلاد التي فتحت عنوة، ومعلوم أنها لم تحدث، فلزم أن تكون موجودة فأبقيت.
وقد كتب عمر بن العزيز  إلى عماله أن لا تهدموا بيعة، ولا كنيسة ولا بيت نار؛ ولأن الإجماع قد حصل على ذلك فإنها موجودة في بلاد المسلمين من غير نكير.
القسم الثالث: ما فتح صلحًا، وهو نوعان: أحدهما: أن يصالحهم على أن الأرض لهم، ولنا الخراج عنها، فلهم إحداث ما يختارون؛ لأن الدار لهم. الثاني: أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين، فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح من إحداث ذلك وعمارته؛ لأنه إذا جاز أن يصالحهم على أن الكل لهم، جار أن يصالحوا على أن بعض البلد لهم، ويكون موضع الكنائس والبيع معًا.
والأولى أن يصالحهم على ما صالحهم عليه عمر رضي الله عنه، ويشترط عليهم الشروط المذكورة في كتاب عبدالرحمن بن غنم، وفيه: أن لا تحدثوا كنيسة، ولا بيعة، ولا صومة راهب، ولا فلاية. اهـ باختصار.
** ** **
س73: تكلم عن أحكام ما يلي: إظهار أهل الذمة للمنكر، والعيد، والصليب، والأكل والشرب بنهار رمضان، والخمر والخنزير ونحو ذلك. دخولهم الحرم، ودخولهم المدينة، والإقامة بالحجاز، ودخولهم المسجد واستئجارهم لبنائه، من مرض بالحرم، أو مات به، أو دفن به، أو كان لهم على أحد دين.
ج: يمنعون من إظهار منكر، كنكاح محارم، ومن إظهار ضرب بناقوس ورفع صوتهم بكتابهم، أو رفع صوتهم على ميت وإظهار صليب؛ لأن في شروطهم لابن غنم: وأن لا نضرب ناقوسًا إلا ضربًا خفيفًا في جوف كنائسنا ولا نظهر عليها، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة، ولا القراءة في كنائسنا فيما يحظره المسلمون، وأن لا تظهر صليبًا ولا كتابًا في سوق المسلمين، وأن لا نخرج باعوثًا ولا شعانين، وأن لا نرفع أصواتنا مع موتانا. وأن لا نجاورهم بالجنائز، ولا نظهر شركًا، وقيس على ذلك إظهار الأكل والشرب في نهار رمضان لما فيه من المفاسد.
ويمنع الكفار ذميين أو مستأمنين من دخول حرم مكة؛ لقوله تعالى: إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا والمراد به الحرم، وإنما منعوا من الحرم دون الحجاز؛ لأنه أفضل أماكن العبادات وأعظمها، وهذه الآية نزلت واليهود بالمدينة، وخيبر ونحوهما من أراضي الحجاز، ولم يمنعوا الإقامة به.
وأول من أجلاهم من الحجاز عمر، ولو بذلوا مالًا صلحًا لدخول الحرم، لم يصح الصلح ولم يمكنوا، وما استوفى من الدخول ملك ما يقابله من المال المصالح عليه؛ فإن دخلوا إلى انتهاء ما صولحوا عليه، ملك عليهم جميع العوض؛ لأنهم استوفوا ما صولحوا عليه.
ولا يمنعون من دخول المدينة؛ لأن الآية نزلت في اليهود بالمدينة، ولم يمنعهم –عليه الصلاة والسلام-، ولم يأمرهم بالخروج؛ فإن قدم رسول الله  من الكفار لابد له من لقاء الإمام، والإمام بالحرم المكي، خرج الإمام إليه، ولم يأذن له في الدخول للآية.
فإن دخل الكافر الحرم رسولًا كان أو غيره عالمًا، عزز لإتيانه محرمًا وأخرج من الحرم، وينهي الجاهل عن العود لمثل ذلك، ويهدد ويخرج ولا يعزر؛ لأنه معذور، وإن مرض بالحرم أو مات به أخرج؛ لأنه إذا وجب إخراجه حيًا فإخراج جيفته أولى.
وإن دفن بالحرم نبش وأخرج إلا أن يكون قد بلي، فيترك ويمنعون من إقامته بالحجاز كالمدينة واليمامة وخيبر، والينبع، وفدك وقراها المجتمعة؛ لحديث عمر أنه سمع رسول الله  يقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فلا أترك فيها إلا مسلمًا». قال الترمذي: حسن صحيح.
وعن ابن عباس قال: أوصى رسول الله  بثلاثة أشياء، قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزه»، وسكت عن الثالثة. رواه أبو داود. والمراد بجزيرة العرب الحجاز؛ لأنهم لم يجلوا من تيماء، ولا من اليمن، ولا من فدك، وهي قرية بشرق سلمى أحد جبلي طيء.
وقال الشيخ تقي الدين: ومنه تبوك ونحوها وما دون المنحنى، وهو عقبة الصوان من الشام كمعان، وليس لهم دخوله لا إذن الإمام، كما أن أهل الحرب لا يدخلون دار الإسلام إلا بإذن الإمام، وفي «المستوعب»: وردت السُّنة بمنعهم من جزيرة العرب وسمي الحجاز بذلك؛ لأنه حجز بين تهامة ونجد، وحد الجزيرة على ما ذكر الأصمعي، وأبو عبيد القاسم بن سلام من عدن إلى ريف العراق طولًا، ومن تهامة إلى ما وراءها إلى أطراف الشام عرضًا. قال الخليل: إنما قيل لها جزيرة؛ لأن بحر الحبشة، وبحر فارس، والفرات، أحاطت بها، ونسبت إلى العرب؛ لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها.
ولا يقيمون بموضع واحد لتجارة أكثر من ثلاثة أيام؛ لأن عمر  أذن لمن دخل تاجرًا إقامة ثلاثة أيام، فدل على المنع في الزائد، ويوكلون في دين مؤجل من يقضه لهم، ويجير من لهم عليه حال على وفائه لهم لوجوبه على الفور.
فإن تعذر وفاؤه لنحو مطل أو تغيب، جازت إقامتهم له إلى استيفائه؛ لأن التعدي من غيرهم، وفي إخراجهم قبله ذهاب لما لهم إن لم يكن توكيل.
وليس لكافر دخول مسجد من مساجد الحل، ولو أذن له فيه مسلم؛ لأن عليًا بصر بمجوسي وهو على المنبر، فنزل وضربه وأخرجه، وهو قول عمر؛ ولأن حدث الجنابة والحيض يمنع، فالشرك أولى.
وعند القاضي أبي يعلى يجوز لكافر دخول المسجد بإذن مسلم إن رجى منه إسلامه؛ لأنه  قدم عليه وفد أهل الطائف، فأنزلهم في المسجد قبل إسلامهم.
وأجيب عنه وعن نظائره بأنه كان بالمسلمين حاجة إليه، وبأنهم كانوا يخاطبونه ، ويحملون إليه الرسائل والأجوبة، ويسمعون منه الدعوة، ولم يكن النبي  ليخرج لكل من قصده من الكفار. اهـ.
وأما دخول مساجد الحل للذمي إذا استؤجر لعمارته، فقيل: يجوز دخولها؛ لأنه نوع مصلحة.
قال في «المبدع»: تجوز عمارة كل مسجد وكسوته وإشعاله بمال كل كافر فيكون على هذا العمارة في الآية دخوله وجلوسه فيه، يدل عليه خبر أبي سعيد مرفوعًا: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان؛ فإن الله تعالى قال: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ الآية» رواه أحمد وغيره.
وفي الفنون واردة على سبب وهي عمارة المسجد الحرام، فظاهره المنع فيه فقط، وذكر ابن الجوزي في تفسيره: أنه يمنع من بنائه وإصلاحه، ولم يخص مسجدًا بل أطلق، وبه قال طائفة من العلماء.

من النظم مما يتعلق بأحكام الذمة
ويلزمهم أحكامنا في ضمانهم
بما اعتقدوا تحريمه دون حله
تخير هذا ثم أجرى ابن حامد
ويلزمهم عنا تميز لبسهم
ويلزم بزنار فويق ثيابهم
وحدف مقاديم الرؤس ليلزموا
وطوق حديد أو رصاص ليدخلوا
وميز لتلوين الخفاف نساءهم
ولا فوق بغل أو حمار بسرجه
ولا يمنعوا لبس الرفيع مخالفًا
ويحرم في المنصور جمع نسائهم
ويحرم تصدير الكفور بمجلس
وقل وعليكم إن يسلم بعضهم
وبيعكم كتب الحديث وفقهنا
وقولان في تجويز تهنئة وفي
وتدعو أولاد ومال متى تجز
ويمنع إعلاء البنا فوق جاره
وإن ملكوا مستعليًا أو بنى فتى
وإن تهو أو تهدم ولو ظلم لم تعد
ويمنع من إحداث بيت ضلالهم
وما مصر الإسلام لم تبن بيعة
وعن رد مهدوم بمفتوح عنوة
وحظر بلا حاج وأذن دخولها
وعن ضرب ناقوس وإظهار منكر
وإن صولحوا في أرضهم بإزائهم
ومن غير أذن من دخول الحجاز زد
ثلاثة أيام وقيل بل أربعًا
إلى أن يقضي شغله متجردًا
ويمهل إن يسقم إلى حين برئه
ولا تمنعن تيما وفيد ونحوها
ومن حرم فامنعهم مطلقًا ولو
ويخرج إن جاء الرسول إمامنا
وعزره أن يدخل عليمًا بمنعه
ولا يدخلوا في الحل في مسجد سوى
ومملوكك امنعه وعرسك منهم
لمال وعرض والدما ليحدد
وعنه أن تزانوا إن تشا لا تحدد
تسارقهم مجراه غير مقيد
وترك لفرق الشعر ربى المسود
أو الروس منهم فوقها الخرق أشدد
ولا يكتنوا مثل اكتناء الموحد
لحمامنا أو جلجلا ليقلد
وأزر وعن أن يركبوا الخيل فاصدد
بل الأكف امنحهم وعرضًا ليقعد
ووجهين في لبس الطيالس أسند
ونسوتنا في مستحم موحد
وفي سبل فاضطر للضيق واضهد
مجيبًا لندب لا تجزه لمبتدي
حرام وأبطله بغير تردد
عيادتهم ثم العزا في ملحد
وتكثير نفع السلم بالجزية اقصد
من السلم والوجهين في علوه طد
إلى جنبهم أدنى ليبق بأجود
علو كذا البيعات في المتجود
وإن شرطوا في فتح صلح ليعهد
به واصطلاحًا فيه ذا اشترط أردد
في الأقوى امنعن واهدم مشيد بمعبد
وذا الصور أكره لا اضطرار الورد
وعيد وإعلان الكتابين فاصدد
حراجًا عليهم مكنوا من معدد
وبالأذن من يمكث بمثوى موحد
ليخرج إلى ثان بغير تردد
وإن شايو كل من أبى ذا ليقعد
فإن مات فادفنه هناك ومهد
لإفرارهم فيها أوان التشرد
مريضًا وأخرج ميتًا لم يشرد
إليه ومبتاعو تجارة قصد
وأخرج ومع جهل فأخرج وهدد
على الأظهر الأقوى بإذن موحد
خروجًا لبيعات وقيد مبعد

** ** **
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**     كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 7:16 am

س74: إذا اتجر ذمي إلينا فماذا يلزم؟ وماذا يلزم الإمام نحوهم؟ إذا تحاكم إلينا مستأمنان، أو استعدى ذمي على آخر فما الحكم؟ إذا تحاكموا إلى حاكمنا مع مسلم؟ وما هي الكتب التي يمنعون من شرائها؟ بين ما يعشر وما لا يعشر من أموالهم ومقدار ما يؤخذ منهم ووقته، واذكر الدليل والتعليل والخلاف.
ج: إن اتجر ذمي، ولو صغيرًا، أو أنثى، أو تغليبًا إلى غير بلده، ثم عاد إلى بلده، ولم يؤخذ منه الواجب فيما سافر إليه من بلادنا، فعليه نصف العشر مما معه.
روى أبو عبيد في كتاب الأموال بإسناده، عن لاحق بن حميد، أن عمر بعث عثمان بن حنيف إلى الكوفة، فجعل على أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون
فيها في كل عشرين درهمًا درهمًا، وكان ذلك بالعراق، واشتهر وعمل به الخلفاء بعده، ولم ينكر، فكان إجماعًا، وعلم منه أنه لا يؤخذ منهم شيء مما معهم لغير تجارة نصًا، ولا مما اتجروا فيه من غير سفر، ويمنع وجوب نصف العشر دين كزكاة أن ثبت الدين بينة، ويصدق كافر تاجر أن جارية معه أهله، أو أنها ابنته ونحوهما لتعذر إقامة البينة، والأصل عدم ملكه لها فلا تعشر، وقيل: لا يصدق، ويؤخذ مما مع حربي اتجر إلينا العشر سواء عشروا أموالنا أو لا، لأخذ عمر له منهم، واشتهر ولم ينكر، فكان كالإجماع ولا يؤخذ عشر، ولا نصفه من أقل من عشرة دنانير مع الذمي والحربي؛ لأن العشر مال يبلغ واجبه نصف دينار، فوجب فيه كالعشرين في زكاة المسلم، ولا يؤخذ العشر أو نصفه أكثر من مرة كل عام.
روى أحمد بإسناده أن شيخًا نصرانيًا جاء إلى عمر، فقال: إن عاملك عشرني في السنة مرتين، قال: ومن أنت؟ قال: أنا الشيخ النصراني، قال: وأنا الشيخ الحنيف، ثم كتب إلى عامله أن لا يعشره في السنة إلا مرة، وكالزكاة، ومتى أخذ منهم كتب لم براءة لتكون حجة معهم، فلا يعشرون ثانية؛ لكن إن كان معهم أكثر من المال الأول أخذ من الزائد؛ لأنه لم يعشر ولا يعشر ثمن خمر، ولا ثمن خنزير؛ لأنهما ليسا بمال.
وما روي عن عمر: ولهم بيعها وخذوا أنتم من الثمن، حمله أبو عبيد على ما كان يؤخذ منهم جزية وخراجًا، واستدل له: قال في «الإنصاف»: وعنه يعشران، جزم به في الروضة والغنية، وزادوا أنه يؤخذ عشر ثمنه، وأطلقهما في «الكافي» و«الرعاية الكبرى». انتهى. ويجب على الإمام حفظ أهل الذمة، ومنع من يؤذيهم من مسلم وذمي وحربي؛ لأنه التزم بالعهد حفظهم.
ولهذا قال علي: إنما بذلوا الجزية، لكون دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا، وعلى الإمام فك أسراهم بعد فك أسرانا؛ لأن حرمة المسلم آكد والخوف عليه أشد؛ لأنه معرض للفتنة عن دينه، وإن تحاكموا إلينا بعضهم مع بعض، أو تحاكم إلينا مستأمنان باتفاقهما، أو استعدى ذمي آخر بأن طلب من القاضي أن يحضره له، فلنا الحكم ولترك؛ لقوله تعالى: فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ولا يحكم إلا بحكم الإسلام؛ لقوله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وإن تحاكموا إلى حاكمنا مع مسلم لزم الحكم بينهم؛ لما فيه من إنصاف المسلم من غيره، أو رده عن ظلمه، وذلك واجب؛ ولأن في ترك الإجابة إليه تضييعًا للحق، فتعين فعله، ويلزمهم حكمنا، فلا يملكون رده، ولا نقضه، ولا يصح بيع فاسد تقايضاه، ولو أسلموا، أو لم يحكم به حاكم لتمامه قبل الترافع إلينا، أو الإسلام فأقروا عليه كالكحتهم؛ فإن لم يتقابضاه فسخ حكم به حاكم أولًا لفساده، وعدم تمامه، وحكم حاكم به وجوده كعدمه وكذا سائر حكم عقودهم ومكاسبهم، ويمنعون من شراء مصحف، وكتب حديث، وفقه؛ لأنه يتضمن ابتذال ذلك بأيديهج؛ فإن فعلوا لم يصح الشراء، ويمنعون من إظهار بيع مأكول في نهار رمضان.
** ** **
س75: تكلم بوضوح عما يلي: المكس، تولية الذميين الولايات، الاستعانة بأهل الأهواء، استطباب الذمي.
ج: يحرم تعشير أموال المسلمين والكلف التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعًا. قال القاضي: لا يسوغ فيها اجتهاد لحديث ابن عمر قال: إن صاحب المكس لا يسأل عن شيء، يؤخذ كما هو فيلقى في النار.
وحديث عقبة بن عامر قال: سمعتُ رسول الله  يقول: «لا يدخل الجنة صاحب مكس» رواه أحمد. وفي حديث الغامدية، قال صلى الله
عليه وسلم: «فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له». وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عبدالله بن عوان القاري أن اركب إلى البيت الذي يقال له: بيت المكس فاهدمه، ثم احمله إلى البحر فانسفه فيه نسفًا.
قال أبو عبيد: رأيته بين مصر والرملة، وحديث أنس: «ليس على المسلمين عشور، إنما العشور على اليهود والنصارى». رواه أبو داود إلى غير ذلك من الأحاديث.
قال الشيخ تقي الدين: الولي في نكاح يعتقد تحريمه أي العشر، منع موليته من التزويج، ممن لا ينفق عليها إلا منه، أي العشر المأخوذ من أموال المسلمين بغير حق؛ لأنه مكس، ويحرم توليتهم الولات من ديوان المسلمين وغيره؛ لما فيه من إضرار المسلمين للعداوة الدينية، ويكره أن يستشاروا، أو يؤخذ من رأيهم لأنهم غير مأمونين، ويكره أن يستعين مسلم بذمي في شيء من أمور المسلمين مثل كتابة وعمالة وجباية خراج، وقسمة فيء وغنيمة وحفظ ذلك في بيت المال وغيره، ونقله إلا لضرورة، ولا يكون الذمي بوابًا، ولا جلادًا، ولا جهبذًا، وهو النقاد الخبير، ونحو ذلك لخيانتهم فلا يؤمنون.
قال ابن القيم –رحمه الله-: ولما كانت التولية شقيقة الولاية كانت توليتهم نوعًا من توليهم، وقد حكم الله تعالى بأن من تولاهم فإنه منهم، ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم، والولاية تنافي البراءة، فلا تجتمع البراءة والولاية إعزاز، فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبدًا، والولاية صلة، فلا تجامع معاداة الكافر أبدًا.
وقال –رحمه الله-: ولو علم ملوك الإسلام بخيانة النصارى للكتاب، ومكاتبتهم الفرنج أعداء الإسلام وتمنيهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله، وسعيهم في ذلك بجهد الإمكان لثناهم ذلك عن تقريبهم وتقليدهم الأعمال. اهـ.
ولا يستعان بأهل الأهواء كالرافضة، فتحرم الاستعانة بهم في شيء من أمور المسلمين؛ لأنهم يدعون إلى بدعتهم، ويكره للمسلم أن يستطب ذميًا لغير ضرورة، وأن يأخذ منه دواء لم يقف على مفرداته المباحة، وكذا ما وصفه من الأدوية أو عمله لأنه لا يؤمن أن يخالطه بشيء من المسمومات أو النجاسات. قال تعالى: قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ويكره أن تطب ذمية مسلمة إلا لضرورة، والأولى أن لا تقبلها، أي لا تكون قابلة لها في الولادة مع وجود مسلمة.

من النظم فيما يتعلق بالذمي
وإن تجز الذمي إلى غير أرضه
إذا كان من مال التجار ولو نسى
فذا نصف عشر خذه من تغلبيهم
وإن يتجر مستأمن في بلادنا
وبالدين أسقطه ودعوى بشهد
والإسقاط والتخفيف أن يرى جائز
وعنه لحربي وذا العهد ضعفها
ويلزمنا كف الأذى عن معاهد
وعن أحمد أن المحتم فدية
ومن ولد وافي الأسر يفدي إذا فدوا
ولا عشر في الأولى بأثمان خمرهم
فخدمته نصف العشر في الحول تهتد
وقيل اعفها إلى محجزة قد
وعن أحمد عشرا ويقضي بأبعد
فخذ منه عشرًا كل عام بأوطد
كدعوى نسيب ظن قنا بابعد
وعشر دنانير النصاب بأوكد
وقيل لذمي وخمس المردد
وتخليص أسراهم إذا فك من هدى
لمن أيسروا في عوننا دون من يد
ولا تجزه استرقاقه للتعبد
وخنزيرهم واخصص بخمر بمبعد



في الحكم بينهم
ويلزم حكم بينهم مع مسلم
كما قال في المستأمنين وعنه من
ولا تحكمن في كل حال بحكمهم
وعدواه إن خيرت جور وحكمه
ولا تنقضن بعد التقايض بيعهم
إذا احتكموا أو أسلموا وانقضن بلا
وللبائع الأثمان أو وارثيه إن
وأبطل في الأقوى حكم حاكمهم إذا
وللكافر إن كانت على كافر فمن
وقيل إذا لم يسلم المستحقها
وإن كان فيها أسلم المرء لم يكن
ولا تسألن عن حكم أطفالهم وإن
وخبره فيما بينهم في المؤكد
توحد ملات وإلا التزم قد
بل احكم بحكم الله في ملة أحمد
بطلبة بعض لا الجميع بأوكد
حرامًا أحلوه ولا ذا تفسد
تقايضهم في الجانبين وأفسد
يمت عند مبتاغ بذا القول فاشهد
أتوك ومهر المثل للعروس جدد
هدى منهما تسقط عن نص أحمد
فقيمتها حق له عند مهتد
له غير رأس المال كالمتفسد
سئلت أنه فالله العليم بمفسد

** ** **س76: تكلم عما يلي: إذا تهود نصراني، أو تنصر يهودي، إذا انتقلا، أو مجوسي إلى غير دين أهل الكتاب، إذا انتقل غير كتابي إلى دين أهل الكتاب أو تمجس وثني، إذا تزندق ذمي، إذا كذب نصراني بموسى.
ج: إن تهود نصراني لم يقر، أو تنصر يهودي لم يقر؛ لأنه انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه، فلم يقر عليه كالمرتد، ولا يقبل منه إلا الإسلام، أو الدين الذي كان عليه؛ لأنه أقر عليه أولًا، فيقر عليه ثانيًا؛ فإن أبى ما كان عليه من الدين أو أبى الإسلام هدد وحبس وضرب حتى يسلم، أو يرجع إلى دينه الذي كان عليه، ولا يقتل لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب؛ ولأنه مختلف فيه فلا يقتل للشبهة، وإن انتقل اليهودي أو النصراني إلى غير دين أهل الكتاب لم يقر، أو انتقل مجوسي إلى غير دين الكتاب لم يقر؛ لأنه أدنى من دينه، أشبه المسلم إذا ارتد، ولم يقبل منه إلا الإسلام؛ لأن غير الإسلام أديان باطلة قد أقر ببطلانها، فلم يقر عليها كالمرتد؛ فإن أبى الإسلام قتل بعد استتابته ثلاثة أيام، وإن انتقل إلى غير كتابي إلى دين أهل الكتاب، أو تمجس وثنى أقر وإن تزندق ذمي بأن لم يتخذ دينًا معينًا لم يقتل لأجل الجزية نصًا.
وإن كذب نصراني بموسى، خرج من دينه لتكذيبه لنبيه عيسى في قوله: وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ولم يقر على غير الإسلام؛ فإن أباه قتل بعد أن يستتاب ثلاثًا.
** ** **
س77: ما الذي ينقض به عهد الذمي؟ وإذا انتقض فما الذي يترتب على انتقاضه؟ وما حكم قتله أو رقه؟ وهل يقف نقض العهد على حكم الإمام؟
ج: من نقض العهد بمخالفته شيئًا مما صولحوا عليه مما ينتقض العهد على ما يأتي تفصيله حل ماله ودمه لما في كتاب أهل الجزيرة إلى عبدالرحمن بن غنم، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا، وقبلنا الأمان عليه، فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل لأهل المعاندة والشقاق، وأمره عمر أن يقرهم على ذلك، ولا يقف نقض العهد على حكم الإمام بنقضه، حيث أتى ما ينقضه فإذا امتنع من بذل الجزية أو من التزام أحكام ملة الإسلام، سواء شرط عليهم ذلك أو لا، ولو لم يحكم عليه بها حاكمنا؛ لأن الله تعالى أمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة الإسلامية؛ لأنها نسخت كل حكم يخالفها، فلا يجوز بقاء العهد مع الامتناع عن ذلك، أو أبى الصغار أو قاتلنا منفردًا، أو مع أهل الحرب، أو لحق بدار الحرب مقيمًا بها لصيرورته من جملة أهل الحرب، أو زنى بمسلمة، أو أصابها باسم نكاح نصًا؛ لما روي عن عمر أنه رفع إليه رجل أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا، فقال: ما على هذا صالحناكم، فأمر به فصلب في بيت المقدس، أو تعدى بقطع طريق، أو تجسس للكفار، أو آوى جاسوسهم وهو عين الكفار لما فيه من الضرر، أو ذكر الله تعالى أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء، كقوله لمن سمعه يؤذن كذبت انتقض عهد ويقتل؛ لما روي أنه قيل لابن عمر: إن راهبًا يشتم رسول الله ، فقال: لو سمعته لقتلته، إنا لم نعط الأمان على هذا، وكذا لو تعدى الذمي على مسلم بقتل، أو فتنة عن دينه، أو تعاون على المسلمين بدلالة مثل مكاتبة المشركين ومراسلتهم بأخبار المسلمين.
ولا ينتقض عهده بقذفه المسلم، وقيل: بلى وحكم ما إذا سحره فآذاه في تصرفه حكم القذف نص عليهما.
وإن أظهر منكرًا ورفع صوته بكتابه ونحوه، لم ينتقض عهده؛ لأن العقد لا يقتضيه، ولا ضرر فيه على المسلمين.
ولا ينتقض عهد نسائه وأولاده حيث انتقض عهده لوجود النقض منه دونهم، فاختص حكمه به، ويخير الإمام في المنتقض عهده كالأسير الحربي على ما تقدم لفعل عمر، ولأنه كافر لا أمان له أشبه الأسير.
وماله فيء؛ لأن المال لا حرمة له في نفسه، إنما هو تابع لمالكه حقيقة، وقد انتقض عهد المالك في نفسه، فكذلك في ماله.
ويحرم قتله؛ لأجل نقضه العهد إذا أسلم، ولو لسبه النبي  لعموم قوله تعالى: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ؛ ولعموم حديث: «الإسلام يجب ما قبله»، وقياسًا على الحربي إذا سبه ، ثم تاب بإسلامه قبلت توبته إجماعًا.
ويحرم رقه أيضًا بعد إسلامه لا إن كان رق قبل ويستوفي منه ما يقتضيه القتل إذا أسلم وقد قتل من قصاص أو دية لأنه حق آدم، ولا يسقط بإسلامه كسائر حقوقه.
وقيل: يقتل سابه  بكل حال، وإن أسلم اختاره، جمع وصححه الشيخ تقي الدين، وقال: إن سبه  حربي ثم تاب بإسلامه، قبلت توبته إجماعًا، للآية والحديث السابقين، وقال في كتابه «الصارم المسلول على شاتم الرسول»: والدلالة على انتقاض عهد الذمي لسبه لله، أو كتابه، أو دينه، أو رسوله، ووجوب قتله وقتل المسلم إذا أتى بذلك: الكتاب والسُّنة وجماع الصحابة والتابعين؛ أما الكتاب فيستنبط منه ذلك من مواضع أحدها: قوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ إلى قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فلا يجوز الإمساك عن قتلهم، إلا إذا كانوا صاغرين حال إعطائهم الجزية، ومعلوم أن إعطاء الجزية من حين بذلها والتزامها، إلى تسليمها وإقباضها، فإنهم إذا بذلوا الجزية وشرعوا في الإعطاء وجب الكف عنهم إلى أن يقبضوها فيتم الإعطاء، فمتى لم يلتزموها أو لا وامتنعوا من تسليمها ثانيًا لم يكونوا ملتزمين للجزية؛ لأن حقيقة الإعطاء لم يوجد، وإذا كان الصغار حالًا لهم في جميع المدة فمن المعلوم أن من أظهر سب نبينا في وجوهنا، وشتم ربنا على رءوس الملا، وطعن في ديننا في مجامعنا فليس بصاغر؛ لأن الصاغر الذليل الحقير وهذا فعل متعزز مراغم، بل هذا غاية ما يكون لنا من الإذلال والإهانة. اهـ ملخصًا. وقال: من تولى منهم ديوان المسلمين انتقض عهده، وقال: إن جهر بين المسلمين بأن المسيح هو ابن الله تعالى، عما يقولون علوًا كبيرًا. عوقب على ذلك؛ إما بالقتل، أو بما دونه، لا إن قاله سرًا، وإن قال: هؤلاء المسلمون الكلاب أولاد الكلاب، إن أراد طائفة معينة من المسلمين، عوقب عقوبة تزجره وأمثاله، وإن ظهر منه قصد العموم انتقض عهده ووجب قتله. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.


من النظم فيما يتعلق بنقض العهد

وإن حارب الذمي أو يأب جزية
فتمد نقض العهد لذي فيه أمنه
وينقض في الأولى أصابته زنا
وفعل ينافيه القصاص تعمدًا
بدين وتجسيس وايوا عيون ذي
أو الكتب في الأولى وفي قذف مسلم
وسيان مع شرط عليهم وفقده
وعزر ولا تنقض مجهر بكتبهم
ويقتل من سب الرسول تحتمًا
وإن ينقض فيما سوى ذين فاقتلن
وفي المقنع التخيير في كل ما ناقض
أبق على أولاده ونسائه
وأمواله فيئًا كمرتدنا اجعلن
ومن طالع الكفار منا بعورة
ومن بعد إذا أخذ أهبة للشروع في
أو أحكامنا أو قر في دار مرد
ولو لم تصرح باشتراط المعدد
لمسلمة أو باسم عقد مفسد
وقطع طريق ثم تضليل مهتد
الحراب وذكر الله والرسل بالردى
وإيذائه بالسحر لا في الموطد
وما لم تقل ينقض بموجبه احدد
وسائر ممنوع بشرط بأوطد
وخير فيمن فر من دارنا قد
على النقض واختر عند مملى المجرد
لعهد كأسوانا بغير تقيد
العهود سوى المولود بعد التمرد
وقال أبو بكر لوراثة اشهد
فعزر وقيل اقتل لخوف التأيد
مسائل أحكام التعامل ترشد



انتهى هذا الجزء كتابة وتصحيحًا حسب الطاقة محتويًا على أحكام الأضاحي والعقيقة والجهاد، ويليه إن شاء الله الجزء الرابع، وأوله كتاب البيع، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين. وهذا الكتاب وقف لله تعالى، ومن استغنى عن الانتفاع به، فليدفعه إلى من ينتفع به من طلبة العلم أو غيرهم.
طبع على نفقة المؤلف وجماعة من المحسنين.

فهرس الجزء الثالث

الموضوع الصفحة
تعريف الهدي والأضحية وحكمها 3
ما تجزي منه الأضحية 5
الأفضل من الأضحية 6
السن المجزي في الأضحية 8
ما لا يجزي في الأضحية 9
صفة الذبح 1
ما يقوله الذابح 12
ما ينبغي عند الذبح 12
وقت الذبح 13
ما يتعين به الهدي والأضحية 18
نماؤها وأخذ شيء منها 19
إذا تلفت الأضحية أو ضحى إنسان بأضحية غيره 21
فقدان الهدي 22
إشعار الهدي وسوقه، وإذا نذر هديًا 23
الدماء التي يؤكل منها والتي لا يؤكل منها 25
صفة العمل بلحمها 28
ما يحرم على مريد الأضحية 30
العقيقة وحكمها 33
مقدار العقيقة وإذا كبر ولم يعق 35
حلق رأس الذكر وتحنيكه، وإذا اجتمع أضحية وعقيقة 38
صفة العمل بالعقيقة 40
ما يتعلق بالأسماء والألقاب 43
كتاب الجهاد 51
الكفاية في الجهاد 54
شروط وجوب الجهاد 55
المواضع التي يتعين فيها الجهاد، وأنه يفعل في كل عام مرة 57
قتال الكفار يجب ابتداءً ودفاعًا 58
النفر للجهاد 81
تشييع الغازي 83
الرباط وما تتعلق به 85
الهجرة وما يتعلق بها من أسئلة التطوع بالجهاد في حق من عليه دين أو له أبوان 86

91
الدعوة قبل القتال 94
حول أمن البلاد 96
الفرار وقت القتال وبيان حكم وتفاصيل ذلك 97
تبييت الكفار 103
إتلاف أموال الكفار 104
التمثيل بالكفار، من يكون له الفداء، بعض أحكام الأسرى 111
من أسلم قبل أسره 112
إذا حاصر المسلمون حصنًا للكفار 116
ما يلزم الإمام والجيش 120
الاستعانة بالكفار لا تجوز إلا عند الضرورة 122
النفل والسرايا 129
ما يلزم الجيش من طاعة الإمام وما يتعلق بذلك 134
السلب وما يتعلق به من أسئلة وأجوبة 137
الكذب في الحرب والخديعة 141
الغزو بلا إذن الإمام، ما أخذ من دار الحرب وما يتعلق بذلك 146
الغنيمة وما يتعلق بها من أسئلة 152
إذا استولى أهل الحرب على حرة أو أمة 153
إذا باع كافر مال مسلم أو معاهد متى تملك الغنيمة، الجيش، السرية، تضم غنيمة كل واحد إلى الآخر 154

155
صفة قسم الغنيمة، مقدار ما يسهم للفارس وللراجل 159
إذا أسقط بعض الغانمين حقه من الغنيمة 163
الغال من الغنيمة وما يتعلق بذلك من الأسئلة والأجوبة 165
الأرض المغنومة 174
المرجع في مقدار الخراج والجزية 176
الفيء وما يتعلق به من الأسئلة والأجوبة 178
وما يتعلق ببيت المال والعطاء والأخذ من بيت المال من الأسئلة والأجوبة 179
باب الأمان وما يتعلق به من الأسئلة 183
الهدنة وما يتعلق بها من الأسئلة والأجوبة... إلخ 185
عقد الذمة وما يتعلق به من الأسئلة والأجوبة... إلخ 199
أحكام أهل الذمة وما يتعلق به من الأسئلة 223
إذا اتجر ذمي إلينا، إذا تحاكموا إلينا 227
حكم تولية الذميين الولايات 229
إذا تهود نصراني أو تنصر يهودي أو تمجس وثني 233
ما ينتقض به عهد الذمي وما الذي يترتب على انتقاضه 234


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الرابع)**
» كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الخامس)**
»  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**
» للتحميل عدة مسائل فقهية تهم جموع المسلمين**
» مسائل من كتاب وقوت الصلاة للإمام مالك.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: المنتدى الاسلامى :: الفقه الاسلامى-
انتقل الى: