منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

 أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سلطان سيد سلطان
لاعب محترف
لاعب محترف



اسم العضو : سلطان
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 241
تاريخ الميلاد : 15/10/1994
تاريخ التسجيل : 15/06/2011
العمر : 29
المزاج رايق

أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** Empty
مُساهمةموضوع: أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**   أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 06, 2011 3:15 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**

الجاهلية وما كان فيها من بقايا الحنيفية


وهذه أيضا مقدمة هامة لابد من دراستها قيل الخوض فى أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات ’ إذ هى تنطوى على حقيقة لا يزال خصوم هذا الدين يطمسون عليها ويزيفونها بأشكال من الوهم و الأباطيل .
وخلاصة هذه الحقيقة أن الإسلام ليس إلا إمتداداً للحنيفية السمحة التى بعث الله بها أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام ’ وقد صرح بذلك كتاب الله عز وجل فى آيات كثيرة منها قوله ( وجاهدوا فى الله حق جهاده هو إجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ) الحج 78 وقوله تعالى Sad قل صدق الله فاتبعوا ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )
وأنت خبير أن العرب هم أولاد إسماعيل ابن إبراهيم عليهما الصلاة و السلام ’ فكان أن توارثوا ملّة أبيهم ومنهاجه الذى بعث به من توحيد الله وعبادته و الوقوف عند حدوده وتقديس حرماته .

وفى مقدمة ذلك تعظيم البيت الحرام وتقديسه واحترام شعائره والذود عنه و القيام بخدمته وسدانته فلما إمتدت بهم القرون و طال عليهم الأمد ’ أخذوا يخلطون الحق الذى توارثوه بكثير من الباطل الذى تسلل إليهم ’ شأن سائر الأمم و الشعوب عندما يغشاها الجهل ويبعد بها العهد ويندّس بين صفوفها المشعوذون و المبطلون .
فدخل فيهم الشرك واعتادوا عبادة الأصنام وتسللت إليهم التقاليد الباطلة و الأخلاق الفاحشة ’ فابتعدوا بذلك عن ضياء التوحيد وعن منهج الحنيفية وعمت بينهم الجاهلية التى رانت عليهم أمدا من الدهر ’ ثم إنقشعت عنهم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم .
وكان أول من أدخل فيهم الشرك وحملهم على عبادة الأصنام عمرو بن لحىّ بن قمعة بن خزاعة : روى ابن اسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن جون الخزاعى : يا أكثم ’ رأيت عمرو بن لحىّ بن قمعة بن خندف يجرّ قصبه فى النار ’ فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا بك منه ’ فقال أكثم : عسى أن يضرنى شبهه يارسول الله ؟ قال : لا ’ إنك مؤمن وهو كافر ’ إنه أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيّب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامى ) .
وروى ابم هشام كيفية إدخال عمرو بن لحىّ هذا ’ عبادة الأصنام فى العرب فقال : خرج عمروبن لحىّ من مكة الى الشام فى بعض أموره ’ فلما قدم ( مآب ) من أرض البلقاء ’ وبها يومئذ العماليق - وهم ولد عملاق ’ ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح - رآهم يعبدون الأصنام ’ فقال لهم ما هذه الأصنام التى أراكم تعبدون ؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ’ ونستنصرها فتنصرنا ’ فقال لهم أفلا تعطوننى منها صنما فأسير به الى أرض العرب فيعبدوه ؟ فأعطوه صنما يقال له ( هبل ) فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .

وهكذا إنتشرت عبادة الأصنام فى الجزيرة العربية وشاع فى أهلها الشرك ’ فانسلخوا من عقيدة التوحيد التى كانوا عليها واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره ’ وانتهوا الى مثل ما إنتهت إليه الأمم الأخرى من الضلالات و القبائح فى المعتقدات و الأفعال .
وكان من أهم ما دفعهم الى ذلك كله الجهل و الأمية و التأثر بمن كان حولهم من أشتات القبائل و الأمم غير أنه بقيت فيهم بقية من الناس - وإن كانت تقل مع الزمن - ظلت متمسكة بعقيدة التوحيد’ سائرة على نهج الحنيفية : تصدق بالبعث و النشور وتوقن بأن الله يثيب المطيع و يعاقب العاصى ’ وتكره هذا الذى استحدثه العرب من عبادة الأوثان وضلالات الرأى و الفكر ’ ولقد إشتهر من هذه البقية كثيرون : كقس بن ساعدة الأيادى ’ ورئاب الشنّى ’ وبحيرا الراهب .
كما أنه بقيت فى عاداتهم بقايا من عهد إبراهيم ومبادىء الدين الحنيف وشعائره - وإن كانت تتضاءل وتضعف مع الزمن - فكانت جاهليتهم تظل منصبغة ’ بقدر ما بآثار من شعائر الحنيفية ومبادئها ’ وإن كانت هذه الشعائر و المبادىء لا تكاد تظهر فى حياتهم إلاّ مشوهة فاسدة ’ وذلك كتعظيم البيت و الطواف به والحج و العمرة وكالوقوف بعرفة وهدى البدن ’ فأصل ذلك كله مشروع ومتوارث لديهم من عهد إبراهيم عليه الصلاة و السلام ولكنهم كانوا يطبقونه على غير وجهه ويقحمون فيه الكثير مما ليس منه ’ وكإهلالهم بالحج والعمرة ’ فقد كانت كنانة وقريش يقولون إذا أهلوا : ( لبيك الهم لبيك ’ لبيك لا شريك ’ إلاّ شريك هو لك ’ تملكه وما ملك ) فيوحدونه - كما قال ابن هشام - بالتلبية ’ ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده .

و الخلاصة أن نشأة التاريخ العربى إنما تمت فى كنف الحنيفية السمحة التى بعث بها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام فكانت تغمر حياتهم عقيدة التوحيد ونور الهداية و الإيمان ’ ثم أخذ العرب يبتعدون عن ذلك الحق رويدا رويدا’ بعامل إمتداد الزمن و تطاول القرون وبعد العهد وأخذت حياتهم تنغمر بدلا من ذلك بظلمات الشرك و ضلالات الفكر وعماهة الجهل ’ مع إستمرار بقايا من معالم الحق القديم ومبادئه تخب فى سير بطىء مع تاريخهم ’ تذوى وتضعف مع الدهر ويقل أنصارها ما بين سنة و أخرى . فلما استنارت شعلة الدين الحنيف من جديد ’ ببعثة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ’ أقبل الوحى الإلهى الى كل ما قد تكثف من ضلالات و ظلمات خلال تلك الحقبة الطويلة من الزمن فمحاه و أنار مكانه بقبس الإيمان و التوحيد ومبادىء العدالة و الحق ’ وأقبل الى تلك البقايا التى إمتدت بها الحياة الى مشرق النور الجديد ’ مما كان قد بعث به إبراهيم عليه السلام و أقرته الشرائع الإلهية ’ فأقرها وأكدها وجدد الدعوة اليها .
ولا ريب أن من نافلة القول وفضوله أن نؤكد بأن هذا الذى نقرره شىء معروف بالبداهة لمن إطلع على التاريخ ’ وأنه شىء ثابت بالبداهة لمن درس شيئا من الإسلام ’ غير أننا نضطر فى هذا العصر الى أن نضيع كثيرا من الوقت فى تأكيد البديهيات وتوضيح الواضحات . وذلك بعد أن رأينا بأعيينا كيف يخضع بعض الناس إعتقاداتهم لمجرد ما قد يكون فى نفوسهم من الرغبة و الإرادة .
أجل لفقد عاشت هذه النوعية من الناس ’ ولم يعد يهمها أنها إنما تصفد عقلها بأقسى أغلال العبودية و الإسترقاق الفكرى ! . وما أعظم الفرق بين أن تكون إرادتك من وراء عقيدتك ’ وبين أن تكون عقيدتك وراء إرادتك . ما أعظم الفرق بينهما علواً وإسفافاً ’ وعزة وانحطاطا !

لقد وجد ناس يقولون - بالرغم من بداهة ما قلناه ووضوح براهينه - إن العصر الجاهلى أخذ يستيقظ قبيل البعثة على السبيل الأمثل الذى يجب إتباعه ’ وأحذت الأفكار العربية تثور على مظاهر الشرك و عبادة الأصنام وما يحف بها ويتبعها من خرافات جاهلية ’ ولقد تمثلت هذه اليقظة و الثورة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته الجديدة .
ومعنى هذه الدعوة - كما لا يخفى عليك - أن التاريخ الجاهلى كان يزداد تفتحا على حقائق التوحيد ونور الهداية مع إمتداد الزمن وتطاول الدهر ’ أى أنهم كلما إبتعدوا عن عهد إبراهيم وقامت بينهم وبينه قرون أخرى ’ إزدادوا قربا الى مبادىء دعوته حتى بلغ هذا القرب مداه الأخير إبّان بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم ! . فهل هكذا يقرر التاريخ ’ أم أنه يقرر عكس ذلك تماما فى أبسط ما تنطق به ( ألف باؤه ) الواضحة المفهومة ؟
كل باحث و متأمل حر ’ يعلم أن العهد الذى بعث فيه محمد صلى الله عليه وسلم إنما كان أبعد العهود الجاهلية عن هديه عليه الصلاة و السلام بالنسبة لسائر العهود الأخرى ’ والأطلال التى كانت لدى العرب عند بعثته عليه الصلاة و السلام من معالم الحنيفية السمحة ومبادئها والتى كانت تتمثل فى لمع خاطفة من كراهية الأصنام و الترفع عن عبادتها وفى النزوع الى بعض الفضائل و القيم التى أقرها الإسلام - هذه الأطلال لا تبلغ معشار ما كان بارزاً واضحاً منها لديهم قبل بضعة قرون . وقد كان المتوقع حسب تصور هؤلاء إذاً لمعنى النبوة و البعثة ’ أن تكون بعثته عليه الصلاة و السلام قبل الزمن الذى بعث فيه بعدة قرون و أجيال !!

وأما أناس آخرون ’ فقد طاب لهم أن يقرروا بأن محمد صلى الله عليه وسلم لمّا لم يستطع القضاء على معظم ما كان معروفا لدى العرب من الأعراف و التقاليد و الطقوس و الإعتقادات الغيبية ’ عمد فأسبغ على كل ذلك ثوب الديانة وأخرجه مخرج التكليفات الإلهية ’ وبتعبير آخر : إنما أتى محمد عليه الصلاة و السلام ليضيف الى جملة العقائد الغيبية عند العرب رقابة عليا قوامها شخصية إله قادر على ما يشاء ’ فعال لما يريد ’ فقد استمر العرب بعد الإسلام يؤمنون بالسحر و بالجن وبسائر العقائد المماثلة ’ كما أنهم ظلوا على ما كانوا عليه من الطواف بالكعبة وتقديسها و أداء طقوس وشعائر معينة نحوها .
و إنما ينطلق هؤلاء فى دعواهم هذه من فرضيتين اثنتين لا يريدون أن يتصوروا خطأهما بحال ’ الفرضية الأولى : أن محمد صلى الله عليه وسلم ليس نبيا ’ والثانية : أن ما كان لدى العرب من بقايا إبراهيم التى تحدثنا عنها ’ إنما هو من مخترعاتهم وتقاليدهم التى إبتدعوها مع الزمن من عند أنفسهم ’ فليس إحترام الكعبة وتقديسها أثراً من آثار دعوة أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام كما أمره ربه بذلك ’ وإنما هو شىء نسجته البيئة العربية فكان تقليداً من جملة التقاليد العربية المختلفة .
وفى سبيل المحافظة على هاتين الفرضيتين أن لا يصيبهما خدش أو وهن ’ يغمض أربابهما العين عن جميع الأدلة و الوقائع التاريخية الجلية الكبرى التى تقف فى طريقهما أو التى تردّهما وتكشف عن زيفهما و بطلانهما .
غير أن المعلوم أن البحث عن الحقيقة لا يمكن أن يوصل الباحث إليها ما دام أنه لا يخط السبيل نحوها إلا ضمن ما تسمح به الفرضية التى وضعها فى ذهنه سلفا وقبل أى بحث . إن من المعلوم أن مثل هذا البحث إنما هو صورة من أوضح صور العبث و المضحك .

ولذلك فإننا لا نجد مناصا من أن نأخذ عبين الإعتبار كل دليل عقلى أو واقعة تاريخية لدى محاولة الوصول الى أى حقيقة ’ ما دمنا لا نقصد إلا الحقيقة الذاتية نفسها ’ وما دمنا لا نريد أن نكذب على أنفسنا و على الناس فنصطنع البحث الحر إبتغاء حمل الآخرين على فكرة معينة مهما كان شأنها ومهما كانت علاقتها بالحقيقة وواقع الأمر ’ لا لشىء إلا لمجرد التعصب لها .
فنحن لا يمكننا بحال أن نغمض الفكر عن دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم المختلفة مثل ظاهرة الوحى و معجزة القرآن وظاهرة التطابق بين دعوته ودعوة الأنبياء السابقين وجملة صفاته و أخلاقه ’ لمجرد أن تسلم لن فرضية أن محمداً عليه الصلاة و السلام ليس بنبىّ .
كما أنه لا يمكننا بحال أن نغمض الفكر عن التاريخ الذى ينص على بناء إبراهيم للكعبة المشرفة بأمر ووحى من الله جل جلاله وعن جملة ما تعاقب الأنبياء على الدعوة إليه من توحيد الله عز وجل و الإيمان بالغيبيات المتعلقة بيوم الحشر و الجزاء وما يتبعه من جنة ونار مما دلت عليه نصوص الكتب السماوية السابقة وصدقه التاريخ ووعته الدهور و الأجيال ’ لمجرد أن تسلم لنا فرضية أن ما نسميه ( بقايا عهد إبراهيم ) فى العهد الجاهلى لم يكن إلا تقليد إبتدعها الفكر العربى وأن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما جاء ليطليها بطلاء الدين .
ومن الجدير بالذكر أن تعلم أن الناس يطيب لهم أن يزعموا هذا الزعم ’ لا يسوقون بين يدى زعمهم هذا ولا من خلفه أى برهان أو دليل مهما كان نوعه ’ إنما هو العرض المجرد لهذا التصور وبسطه فى عبارات ممطوطة مكررة ليس إلاّ .

ولعلك تطلب منى مثالاً على ذلك . إذاً فدونك فاقرأ كتاب بنية الفكر الدينى للمستشرق الإنكليزى المعروف ( جيب ) فستبصر حينئذ مدى ما تفعله العصبية العمياء بهؤلاء الناس تلك العصبية العجيبة التى كثيراً ما تحمل صاحبها على أن يتجرد حتى من مقومات كرامته وأن يتباله أمام شوامخ الأدلة و الحقائق الناصعة كى لا يلزم بالخضوع لها .
إن بنية الفكر الدينى فى الإسلام بنظر جيب إنما هى تلك العقائد و الأفكار الغيبية عند العرب : ( الأحيائية العربية ) فقد تأمل محمد صلى الله عليه وسلم فيها فغير ما أمكنه تغييره ثم عمد الى الباقى مما لم يمكنه التخلص منه فكساه حلّة الدين الإسلامى ثم لم ينس أن يدعمه بهيكل من الأفكار و المواقف الدينية الملائمة ’ وهنا واجهته المشكلة العظمى التى إعترضت سبيله ’ فهو يريد أن يبنى هذه الحياة الدينية لا للعرب فقط بل لشعوب وأمم بأسرها ’ فكان أن أقام هذه الحياة ضمن منهج القرآن .
تلك هى خلاصة أفكاره فى الكتاب . وتقرأ هذه اأفكار من أولها الى آخرها فلا تجده يقدم دليل واحد على شىء مما يقول . وتتأمل فى هذا الذى يعرضه ’ فلا تشك فى أن الرجل قد إستودع قواه العقلية بعيدا عن عن المكان الذى جلس يكتب فيه ’ واستعاض عنها بأوهام وخيالات خصبة راح يستوحى منهما كل ما يقرره ويحكم عليه .

ويبدوا أنه حينما جلس يكتب مقدمة الترجمة العربية له ’ تصور كيف أن القراء سينبذون أفكاره هذه عن الإسلام بإحتقار ’ فراح يعتذر ! . راح يعتذر بأن قال : إن الأفكار التى أسست عليها هذه الفصول ليست بنات دماغ هذا المؤلف ’ بل سبقنى إليها ودلنى عليها جماعة من المفكرين ومن أقطاب المسلمين وقد يطول إحصاؤهم ’ فسأكتفى بذكر أحدهم بسبيل المثال ’ هو الشيخ الكبير شاه ولى الله الدهلوى . ثم نقل نصاً للشاه ولى الله الدهلوى عزاه الى ج 1 ص 122 من كتابه حجة الله البالغة ’ ويبدوا أنه إطمأن الى أن أحداً من القراء لن يجشم نفسه مشقة الرجوع الى الكتاب و التأكد من النص الذى فيه ’ فحرف على لسان الرجل ما شاء له هواه ’ واقتنص منه ما رآه كفيلا بتحوير معناه وتنكيس مقصده ’ حتى حمله بذلك من الوزر مالم يحمل و أنطقه بما هو منه برىء .
فأما النص كما إنتزعه واقتنصه من أصله فهو ( أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث بعثة تتضمن بعثة أخرى ’ فالأولى إنما كانت الى بنى إسماعيل ... وهذه البعثة تستوجب أن يكون مادة شريعته ما عندهم من الشرائع وسنن العبادات ووجوه الإرتفاقات ’ إذ الشرع إنما هو إصلاح ما عندهم لا تكليفهم بما لا يعرفونه أصلاً ) .

وأما النص الكامل الثابت فى كتاب حجة الله البالغة الى جانب نفس العبارات التى إقتنصها ليحور معناها فهو ما يلى : ( واعلم أنه صلى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية الإسماعيلية ’ لإقامة عوجها وإزالة تحريفها و إشاعة نورها ’ وذلك قول الله تعالى ( ملة أبيكم إبراهيم ) ولما كان الأمر فى ذلك وجب أن تكون أصول تلك الملة مسلمة وسننها مقررة ’ إذ النبى إذا بعث الى قوم فيهم بقية سنة راشدة فلا معنى لتغييرها وتبديلها ’ بل الواجب تقريرها لأنه أطوع لنفوسهم وأثبت عند الإحتجاج عليهم ’ وكان بنوا إسماعيل توارثوا منهاج أبيهم إسماعيل ’ فكانوا على تلك الشريعة الى أن وجدعمرو بن لحىّ ’ فأدخل فيها أشياء برأيه الكاسد ’ فضل و أضل ’ وشرع عبادة الأوثان وسيّب السوائب وبحر البحائر ’ فهنالك بطل الدين واختلط الصحيح بالفاسد وغلب عليهم الجهل و الشرك و الكفر فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم مقيما لعوجهم ومصلحاً لفسادهم ’ فنظر صلى الله عليه وسلم فى شريعتهم فما كان منها موافقا لمنهاج إسماعيل عليه السلام أو من شعائر الله أبقاه ’ وما كان منها تحريفا أو فساداً أو من شعائر الشرك أو الكفر أبطله وسجل على إبطاله )
ولا ريب أننا لا نسوق عمل مثل هذا ( الباحث ) وتحريفه للنظر و المناقشة فمن العبث مناقشة لغو مفضوح مثل هذا اللغو ’ ولكننا نقصد أن يعلم القارىء مدى ما تفعله العصبية العمياء بصاحبها . كما نريد أن يقف على حقيقة ما يتشدق به البعض عن منهجية البحث العلمى وموضوعيته لدى علماء الغرب ثم مدى ما يفعله التقليد الذليل الأعمى ببعض المسلمين أنفسهم .

وإذاً فقد أدركت حقيقة العلاقة بين الإسلام و الفكر الجاهلى الذى كان سائدا لدى العرب قبل ظهوره ’ كما أدركت العلاقة بين العصر الجاهلى و الملّة الحنيفية التى كان قد بعث بها إبراهيم عليه الصلاة و السلام . وقد تجلى لك من ذلك ’ السبب الذى من أجله أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من العادات و المبادىء التى كانت سائدة عند العرب ’ فى حين أنه ألغى سائرها وذهب فى حربها و القضاء عليها كل مذهب .
وبذلك نكون قد إنتهينا من عرض هذه المقدمات التى لابد منها بين يدى دراستنا لجوهر السيرة النبوية واستنباط فقهها و عظاتها .
وستجد خلال أبحاثنا القادمة مزيداً من البراهين التى تؤكد ما أوضحناه وتزيد فى تجليته و الكشف عن حقيقته .



فقهُ السّيرَة

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلطان سيد سلطان
لاعب محترف
لاعب محترف



اسم العضو : سلطان
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 241
تاريخ الميلاد : 15/10/1994
تاريخ التسجيل : 15/06/2011
العمر : 29
المزاج رايق

أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**   أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 06, 2011 3:15 pm

القسم الثانى من الميلاد الى البعثة
نسبه صلى الله عليه وسلم وولادته ورضاعته


أما نسبه صلى الله عليه وسلم ’ فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ’ ويدعى شيبة الحمد ’ ابن هاشم ابن عبد مناف واسمه المغيرة ’ ابن قصى واسمه زيداً ’ ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
فهذا القدر المتفق عليه من نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم . أما ما فوق ذلك فمختلف فيه ’ لا يعتمد عليه فى شىء . غير أن مما لا خلاف فيه أن عدنان من ولد إسماعيل نبى الله ابن إبراهيم خليل الله عليهما الصلاة و السلام ’ وأن الله عز وجل قد إختاره من أزكى القبائل وأفضل البطون وأطهر الأصلاب ’ فما تسلل شىء من أدران الجاهلية الى شىء من نسبه صلى الله عليه وسلم .
روى مسلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله إصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفاى هاشما من قريش واصطفانى من بنى هاشم .

وأما ولادته صلى الله عليه وسلم فقد كانت فى عام الفيل ’ أى العام الذى حاول فيه أبرهة الأشرم غزو مكة وهدم الكعبة فرده الله عن ذلك بالآية الباهرة التى وصفها القرآن الكريم . وكانت على الأرجح يوم الإثنين لإثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول .
وقد ولد يتيما ’ فقد مات أبوه عبد الله وأمه حامل به لشهرين فحسب فعنى به جده عبد المطلب واسترضع له - على عادة العرب إذ ذاك - إمرأة من بنى سعد بن بكر يقال لها حليمة بنت أبى ذؤيب .
وقد أجمع رواة السيرة أن بادية بنى سعد كانت تعانى إذ ذاك سنة مجدبة قد جف فيها الضرع ويبس الزرع ’ فما هو إلا أن صار محمد صلى الله عليه وسلم فى منزل حليمة واستكان الى حجرها وثديها حتى عادت منازل حليمة من حول خبائها ممرعة خضراء فكانت أغنامها تروح منها عائدة الى الدار شباعا ممتلئة الضرع . وقد حصلت أثناء وجوده صلى الله عليه وسلم فى بادية بنى سعد ( حادثة شق الصدر ) التى رواها مسلم ثم أعيد بعدها الى أمه وقد تم له من العمر خمس سنوات .
ولما أصبح له من العمر ست سنوات ماتت أمه آمنة ’ وما إن تحول الرسول الى كفالة جده عبد المطلب حتى وافته هو الآخر منيته فمات وقد تم للنبى صلى الله عليه وسلم ثمان سنوات ’ فكفله عمه أبو طالب.
العبر و العظات :
يؤخذ هذا المقطع من سيرته صلى الله عليه وسلم مبادىء وعظات هامة نجملها فيما يلى :

1- فيما أوضحناه من نسبه صلى الله عليه وسلم دلالة واضحة على أن الله سبحانه وتعالى ميز العرب على سائر الناس ’ وفضل قريش على سائر القبائل الخرى ’ تجد هذه الدلالة واضحة فى الحديث الذى رويناه عن مسلم ’ وقد وردت أحاديث كثيرة أخرى ’ فمن ذلك ما رواه الترمذى أنه صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال : من أنا ؟ فقالوا أنت رسول الله عليك السلام ’ فقال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ’ إن الله خلق الخلق وجعلهم فرقتين فجعلنى فى خيرهم فرقة ’ ثم جعلهم قبائل فجعلنى فى خيرهم قبيلة ’ ثم جعلهم بيوتا فجعلنى فى خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً .
واعلم أن مقتضى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ محبة القوم الذين ظهر فيهم و القبيلة التى ولد فيها ’ لا من حيث الأفراد و الجنس بل من حيث الحقيقة المجردة . ذلك لأن الحقيقة العربية القرشية ’ قد شرف كل منها - ولا ريب - بانتساب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها .
ولا ينافى ذلك ما قد يلخق من سوء بكل من قد إنحرف من العرب و القرشيين عن صراط الله عز وجل ’ وانحط عن مستوى الكرامة الإسلامية التى إختارها الله لعباده ’ لأن هذا الإنحراف أو الإنحطاط من شأنه أن يودى بما كان من نسبة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ويلغيها من الإعتبار .
2- ليس من قبيل الصدفة أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيما ’ ثم لا يلبث أن يفقد أمه وجده أيضاً ’ فينشأ النشأة الأولى من حياته بعيداً عن تربية الأب ورعايته ومحروماً من عاطفة الأم وحنوّها . ولقد إختار الله عز وجل لنبيه هذه النشأة لحكم باهرة ’ لعل من أهمها أن لا يكون للمبطلين سبيل الى إدخال الريبة القلوب أو إيهام الناس بأن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما رضع لبان دعوته ورسالته التى نادى بها منذ صباه ’ بإرشاد وتوجيه من أبيه وجده ’ ولم لا ؟ وإن جده عبد المطلب كان صدراً فى قومه ’ فلقد كانت إليه الرفادة و السقاية .

ومن الطبيعى أن يربى الجد حفيده أو الأب إبنه على ما يحفظ لديه هذا الميراث .
لقد شاءت حكمة الله عز و جل أن لا يكون للمبطلين من سبيل الى مثل هذه الريبة ’ فنشأ رسوله بعيداً عن تربية أبيه وأمه وجدّه ’ وحتى فترة طفولته الأولى ’ فقد أرادت حكمة الله عز وجل أن يقضيها فى بادية بنى سعد بعيداً عن أسرته كلها ’ ولما توفى جده وانتقل الى كفالة عمه أبى طالب الذى إمتدت حياته الى ما قبل الهجرة بثلاث سنوات - كان من تتمة هذه الحكمة أن لا يسلم عمه ’ حتى لا يتوهم أن لعمه مدخلا فى دعوته ’ وأن المسألة مسألة قبيلة وأسرة وزعامة ومنصب .
وهكذا أرادت حكمة الله أن ينشأ رسوله يتيماً ’ تتولاه عناية الله وحدها بعيداً عن الذراع التى تمعن فى تدليله و المال الذى يزيد فى تنعيمه ’ حتى لا تميل به نفسه الى مجد المال و الجاه ’ وحتى لا يتأثر بما حوله من معنى الصدارة و الزعامة ’ فتلتبس على الناس قداسة النبوة بجاه الدنيا ’ وحتى لا يحسبوه يصطنع الأول إبتغاء الوصول للثانى .

3- يدل ما إتفق عليه رواة السيرة النبوية من أن منازل حليمة السعدية عادت مترعة خضراء بعد أن كانت مجدبة قاحلة ’ وعاد الدرّ حافلافى ضرع ناقتها الكبيرة المسنّة بعد أن كان يابساً لا يتندى بقطرة لبن - يدل ذلك على علوّ شأن الرسول صلى الله عليه وسلم ورفعة مرتبته عند ربه حتى عندما كان طفلاً صغيراً كغيره من الأطفال . فقد كان من أبرز مظاهر إكرام الله له أن أكرم بسببه بيت حليمة السعدية التى تشرفت بإرضاعه . وليس فى ذلك غرابة ولا عجب ’ فقد علمتنا الشريعة الإسلامية أن نستسقى عند إنحباس المطر ببركة الصالحين من الناس ومن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء إستجابة الله لدعائنا ’ فكيف إذا تشرف المكان برسول الله نفسه ’ وهو طفل رضيع قد إستكان الى حجر حليمة والتقم ثديها . إن من الجدير أن تكون سببيته لإخضرار الأرض المجدبة من حوله أبلغ من سببية سقوط قطر السماء وينابيع الأرض . وما دام الكل بيد الله تعالى وهو وحده مسبب الأسباب جميعها فأجدر برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون فى مقدمة أسباب البركة و الإكرام الإلهى ذلك أن رحمة الله الى الناس بصريح تبيانه سبحانه وتعالى ( وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين )
4- تعد حادثة شق الصدر التى حصلت له عليه الصلاة و السلام أثناء وجوده فى مضارب بنى سعد من إرهاصات النبوة ودلائل إختيار الله إياه لأمر جليل ’ وقد رويت هذه الحادثة بطرق صحيحة وعن كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك فيما يرويه مسلم فى صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه ’ فاستخرجه ’ فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ’ ثم غسله فى طست من ذهب بماء زمزم ثم أعاده الى مكانه . وجاء الغلمان يسعون الى أمه - مرضعته - ينادون : أن محمداً قد قتل ’ فاستقبلوه وهو ممتقع اللون .

وليست الحكمة من هذه الحادثة والله أعلم - إستئصال غدة الشر فى جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ إذ لو كان الشر منبعه غدة فى الجسم أو علقة فى بعض أنحائه ’ لأمكن أن يصبح الشرير خيّرا بعملية جراحية ’ ولكن يبدوا أن الحكمة الإلهية هى إعلان أمر رسول الله وتهيئه للعصمة و الوحى منذ صغره بوسائل مادية ’ ليكون ذلك أقرب الى إيمان الناس به وتصديقهم برسالته ’إنها إذاً عملية تطهير معنوية ’ ولكنها إتخذت هذا الشكل المادى الحسّى ’ ليكون فيه الإعلان الإلهى بين أسماع الناس و أبصارهم . وأيّاً كانت الحكمة ’ فلا ينبغى- وقد ثبت الخبر ثبوتاً صحيحاً- محاولة البحث عن المخارج لنخرج منها بهذا الحديث عن ظاهره و حقيقته الى التآويل الممجوجة البعيدة المتكلفة.
ولن تجد من مسوغ لمن يحاول هذا - رغم ثبوت الخبر وصحته - إلا ضعيف الإيمان بالله عز وجل .
ينبغى أن نعلم بأن ميزان قبولنا للخبر إنما هو صدق الرواية وصحتها فإذا ثبت ذلك ثبوتاً بيّناً فلا مناص من قبوله موضوعاً على الراس ’ وميزاننا لفهمه حينئذ دلالات اللغة العربية و أحكامها . والأصل فى الكلام عن حقيقته الى مختلف الدلالات المجازية ليتخير من بينها ما يروق له ’ لانشلّت قيمة اللغة وفقدت دلالاتها وتاه الناس فى مفاهيمها . ثم فيم البحث عن التأويل ومحاولة إستنكار الحقيقة ؟
أما إن ذلك لا يأتى إلاّ من ضعف فى الإيمان ’ وبالتالى من ضعف فى اليقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته ’ وإلا فما أسهل اليقين بكل ما صح نقله سواء عرفت الحكمة و العلّة أم لم تعرف .



فقهُ السّيرَة

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلطان سيد سلطان
لاعب محترف
لاعب محترف



اسم العضو : سلطان
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 241
تاريخ الميلاد : 15/10/1994
تاريخ التسجيل : 15/06/2011
العمر : 29
المزاج رايق

أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**   أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 06, 2011 3:17 pm

رحلته الأولى الى الشام ثم كدحه فى سبيل الرزق



ولما تم له صلى الله عليه وسلم من العمر إثنتا عشرة سنة ’ سافر عمه أبو طالب الى الشام فى ركب للتجارة ’ فأخذه معه . ولما نزل الركب ( بصرى ) مرّوا على راهب هناك يقال له ( بحيرا ) وكان عليماً بالإنجيل خبيراً بشئون النصرانية وهناك أبصر بحيرا النبى صلى الله عليه وسلم ’ فجعل يتأمله ويكلمه ’ ثم إلتفت الى أبى طالب فقال له : ما هذا الغلام منك ؟ فقال: إبنى ( وكان ابو طالب يدعوه بابنه لشدة محبته له وشفقته عليه ) فقال له بحيرا ما هو بابنك وما ينبغى أن يكون أبو هذا الغلام حياً . فقال : هو ابن أخى . قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات وأمه حبلى به . قال بحيرا : صدقت ’ فارجع به بلده واحذر عليه يهود فوالله لئن رأوه هنا ليبلغنه شراً ’ فإنه كائن لإبن أخيك هذا شأن عظيم ’ فأسرع به أبو طالب عائدا الى مكة .
ثم أخذ رسول الله يستقبل فترة الشباب من عمره فبدأ بالسعى للرزق وراح يشتغل برعى الغنم ’ ولقد قال عليه الصلاة و السلام عن نفسه فيما بعد : ( كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة ) . وحفظه الله من كل ما قد ينحرف إليه الشباب من مظاهر اللهو و العبث .
قال عليه الصلاة و السلام فيما يرويه عن نفسه : ( ما هممت بشىء مما كانوا فى الجاهلية يعملونه غير مرتين ’ كل ذلك يحول الله بينى وبينه ’ ثم ما هممت به حتى أكرمنى الله بالرسالة ’ قلت ليلة للغلام الذى يرعى معى بأعلى مكة لو أبصرت لى غنمى حتى أدخل مكة أسمر بها كما يسمر الشباب ’ فقال : أفعل ’ فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفاً فقلت ما هذا ؟ فقالوا عرس ’ فجلست أسمع ’ فضرب الله على أذنى ’ فنمت فما أيقظنى إلاّ حرّ الشمس فعدت الى صاحبى ’ فسألنى فأخبرته ’ ثم قلت له ليلة اخرى مثل ذلك ودخلت مكة فأصابنى مثل أول ليلة ’ ثم ما هممت بعده بسوء . )
العبر و العظات :

يدل حديث بحيرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو حديث رواه عامة علماء السير ورواتها وأخرجه الترمذى مطولا من حديث أبى موسى الأشعرى على أن أهل الكتا ب من يهود و نصارى ’ كان عندهم علم ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم ومعرفة بعلاماته ’ وذلك بواسطة ما جاء فى التوراة و الإنجيل من خبر بعثته وبيان دلائله و أوصافه ’ والدلائل على ذلك كثيرة مستفيضة .
فمنها ما رواه علماء السيرة من أن اليهود كانوا يستفتحون على الأوس و الخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ويقولون : إن نبيا سيبعث قريبا سنتبعه فنقتلكم معه قتل عاد و إرم ولما نكثوا عهدهم أنزل الله فى ذلك قوله Sad ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) البقرة 89 .
وروى القرطبى وغيره أنه لما نزل قول الله تعالى ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ’ وإن فريقاى منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) البقرة 136 سأل عمر بن الخطاب عبد الله بن سلام وقد كان كتابيا فأسلم ’ أتعرف محمداً كما تعرف إبنك ؟ فقال نعم وأكثر . بعث الله أمينه فى سمائه الى أمينه فى أرضه بنعته فعرفته ’ أما ابنى فلا أدرى ما الذى قد كان من أمه . ولقد كان سبب إسلام سلمان الفارسى تتبع خبر النبى صلى الله عليه وسلم وصفاته من الإنجيل و الرهبان و علماء الكتاب .

ولا ينافى هذا أن كثيرا من أهل الكتاب ينكرون هذا العلم ’ وأن الأناجيل المتداولة خالية عن الإشارة الى ذكر النبى صلى الله عليه وسلم . فمن المعلوم بداهة ما تقلب على هذه الكتب من أيدى التبديل و التغييرالمتلاحقة وصدق الله إذ يقول فى محكم تبيانه : ( ومنهم أميّون لايعلمون الكتاب إلاّ أمانىّ وإن هم إلاّ يظنون ’ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ’ ليشتروا به ثمناً قليلا ’ فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) البقرة 78-79 .
- أما إقباله على رعى الأغنام لقصد إكتساب القوت و الرزق ففيه ثلاث دلائل هامة :
الأولى : الذوق الرفيع و الإحساس الدقيق اللذان جمّل الله بهما نبيه صلى الله عليه وسلم لقد كان عمه يحوطه بالعناية التامة ’ وكان له فى الحنو و الشفقة كالأب الشفوق ’ ولكنه صلى الله عليه وسلم ما إن آنس فى نفسه قدرة على الكسب حتى أقبل يكتسب ’ ويجهد جهده لرفع بعض ما يمكن رفعه من مؤنة الإنفاق عن عمه . وربما كانت الفائدة التى يجنيها من وراء عمله الذى إختاره الله له ’ فائدة قليلة غير ذات أهمية بالنسبة لعمه أبى طالب ولكنه على كلّ تعبير أخلاقى رفيع عن الشكر ’ وبذل للوسع ’ وشهامة فى الطبع ’ وبر فى المعاملة .
الثانية : وتتعلق ببيان نوعية الحياة التى يرتضيها الله لعباده الصالحين فى دار الدنيا ’ لقد كان سهلا على القدرة الإلهية أن تهىء للنبى صلى الله عليه وسلم ’ وهو فى صدر حياته ’ من أسباب الرفاهية ووسائل العيش ما يغنيه عن الكدح ورعاية الأغنام سعياً وراء القوت . ولكن الحكمة الإلهية تريد منا أن نعلم أن خير مال الإنسان ما إكتسبه بكد يمينه ولقاء ما يقدمه من الخدمة لمجتمعه وبنى جنسه ’ وشر المال ما أصابه الإنسان وهو مستلق على ظهره دون أن يرى أى تعب فى سبيله ’ ودون أن يبذل أى فائدة للمجتمع فى مقابله .

الثالثة : إن صاحب أى دعوة ’ لن تقوم لدعوته أى قيمة فى الناس إذا ما كان كسبه ورزقه من وراء دعوته أو على أساس من عطايا الناس وصدقاتهم ’ ولذا فقد كان صاحب الدعوة الإسلامية أحرى الناس كلهم بأن يعتمد فى معيشته على جهده الشخصى أو مورد شريف لا إستجداء فيه حتى لا تكون عليه لأحد من الناس منّة أو فضل فى دنياه فيعيقه ذلك عن أن يصدع بالحق فى وجهه غير مبالى بالموقع الذى تقع من نفسه . وهذا لامعنى وإن يكون قد خطر فى بال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الفترة ’ إذ أنه لم يكن يعلم بما سيوكل إليه من شأن الدعوة و الرسالة الإلهية - غير أن هذا المنهج الذى هيأه الله له ينطوى على هذه الحكمة ويوضح أن الله تعالى قد أراد أن لا يكون فى شىء من حياة الرسول قبل البعثة ما يعرقل سبيل دعوته أو يؤثر عليها أى تأثير سلبى فيما بعد البعثة .
- وفيما قصه النبى صلى الله عليه وسلم عن نفسه فى خبر حفظ الله إيّاه من كل سوء منذ صغره وصدر شبابه ’ ما يوضح لنا حقيقتين كل منهما على جانب كبير من الأهمية :
الأولى : أن النبى صلى الله عليه وسلم كان متمتعا بخصائص البشرية كلها ’ وكان يجد فى نفسه ما يجده كل شاب من مختلف الميولات الفطرية التى إقتضت حكمة الله أن يجبل الناس عليها ’ فكان يحس بمعنى السمر و اللهو ويشعر بما فى ذلك من متعة ’ وتحدثه نفسه لو تمتع بشىء من ذلك كما يتمتع الآخرون .
الثانية - أن الله عز وجل قد عصمه مع ذلك من جميع مظاهر الإنحراف وعن كل ما لا يتفق مع مقتضيات الدعوة التى هيأه الله لها ’ فهى حتى عندما لا يجد لديه الوحى أو الشريعة التى تعصمه من الإستجابة لكثير من رغائب النفس ’ يجد عاصما آخر خفيا يحول بينه وبين ما قد تتطلع إليه نفسه مما لا يليق بمن هيأته الأقدار لتتميم مكارم الأخلاق وإرساء شريعة الإسلام .

وفى إجتماع هاتين الحقيقتين لديه صلى الله عليه وسلم دليل واضح على أن ثمة عناية إلهية خاصة تسيره وتأخذ بيده بدون وساطة الأسباب العادية كوسائل التربية و التوجيه ’ ومن ذا الذى يوجهه فى طريق هذه العصمة وكل الذين حوله من أهله وبنى قومه وجيرانه ’ غرباء عن هذا الطريق ’ ضالون عن هذه الوجهة ؟
لا جرم إذاً أن العناية الإلهية الخاصة التى جعلت لشباب النبى صلى الله عليه وسلم طريقا دقيقاً من النور يمخر عباب ظلام الجاهلية ’ من أعظم الآيات الدالة على معنى النبوة التى خلقه الله لها وهيأه لحمل أعبائها ’ وعلى أن معنى النبوة هو الأساس فى تكوين شخصيته واتجاهاته النفسية و الفكرية و السلوكية فى الحياة .
وكان من اليسير أن يولد الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم ’ وقد إنتزعت من نفسه كل هذه الدوافع الغريزية إلى التمتع بالشهوات و الأهواء ’ فلا يجد فى نفسه ما يدفعه أصلا الى ترك أغنامه أمانة عند زميله ليهبط الى بيوت مكة فيبحث بينها عن قوم يسمرون أو يلهون ويمرحون . غير أن ذلك لا يدل حينذاك على أكثر من شذوذ فى تركيبه النفسانى ’ وهى ظاهرة يوجد لها نماذج فى كل عصر وقوم ’ وإذاً فليس ثمة ما يدل على العناية الخفية التى تصرفه عما لا يليق رغم وجود الدوافع الغريزية نحوه ’ وإنما أرادت حكمة الله عز وجل أن يتبدى للناس من هذه العناية الإلهية بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما يسهل عليهم أسباب الإيمان برسالته ويبعد عن أفكارهم عوامل الريب فى صدقه .



فقهُ السّيرَة

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلطان سيد سلطان
لاعب محترف
لاعب محترف



اسم العضو : سلطان
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 241
تاريخ الميلاد : 15/10/1994
تاريخ التسجيل : 15/06/2011
العمر : 29
المزاج رايق

أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**   أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 06, 2011 3:19 pm

تجارته بمال خديجة وزواجه منها



كانت خديجة - كما يروى ابن الأثير وابن هشام - إمرأة تاجرة ذات شرف ومال ’ تستأجر الرجال فى مالها وتضاربهم إياه بشىء تجعله لهم منه ’ فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق الحديث وعظم الأمانة وكرم الأخلاق ’ أرسلت إليه ليخرج فى مالها الى الشام تاجراً وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره ’ ومعه غلامها ميسرة . وقد قبل محمد صلى الله عليه وسلم هذا العرض فرحل الى الشام عاملا فى مالها ومعه ميسرة . فحالفه التوفيق فى هذه الرحلة أكثر من غيرها ’ وعاد الى خديجة بأرباح مضاعفة ’ فأدى لها ما عليه فى أمانة تامة ونبل عظيم ’ ووجد ميسرة من خصائص النبى صلى الله عليه وسلم و عظيم أخلاقه ما ملأ قلبه دهشة له ’ وإعجاباً به فروى ذلك لخديجة .
فأعجبت خديجة بعظيم أمانته ’ ولعلها دهشت لما نالها من البركة بسببه ’ فعرضت نفسها عليه زوجة بواسطة صديقتها ( نفيسة بنت منيّة ) ’ فوافق النبى عليه الصلاة و السلام ’ وكلم فى ذلك أعمامه فخطبوها له من عمها عمرو بن أسد . وتزوجها عليه الصلاة و السلام وقد تم له من العمر خمسة وعشرون عاما ولها من العمر أربعون . وقد كانت تزوجت خديجة قبل زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين الأول منهما عتيق بن عائذ التميمى ’ ثم خلفه عليها أبو هالة التميمى واسمه هند ابن زرارة .
العبر و العظات :
أما عمله صلى الله عليه وسلم فى مال خديجة ’ فهو استمرار لحياة الكدح الذى بدأه برعاية الأغنام ’ ولقد شرحنا طرفاً مما يتعلق بذلك من الحكمة و العبرة .
وأما فضلها و منزلتها فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم فلقد ظلت لخديجة مكانة سامية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ’ وقد ثبت فى الصحيحين أنها خير نساء زمانها على الإطلاق .
روى البخارى ومسلم أن علياً رضى الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خير نسائها مريم ابنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد .

روى البخارى ومسلم أيضا أن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : ما غرت على نساء النبى صلى الله عليه وسلم إلاّ على خديجة ’ وإنى لم أدركها ’ قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة قالت فأغضبته يوما فقلت : خديجة ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنى قد رزقت حبها .
وروى أحمد و الطبرانى من طريق مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ’ فذكرها يوماً من الأيام ’ فأخذتنى العبرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزاً قد أبدلك الله خير منها ؟ فغضب ثم قال : لا والله ما أبدلنى الله خيراً منها : آمنت إذ كفر الناس ’ وصدقتنى إذ كذبنى الناس ’ وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس ’ ورزقنى الله منها الولد دون غيرها من النساء .
وأما قصة زواجه منها صلى الله عليه وسلم ة فإن أول ما يدركه الإنسان من هذا الزواج هو عدم إهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بأسباب المتعة الجسدية ومكملاتها ’ فلو كان مهتما بذلك كبقية أقرانه من الشباب لطمع بمن هى أقل منها سناً أو بمن ليست أكبر منه على أقل تقدير ’ ويتجلى لنا أنه صلى الله عليه وسلم إنما رغب فىا لشرفها ونبلها بين جماعتها وقومها حتى إنها كانت تلقب فى الجاهلية بالعفيفة الطاهرة ولقد ظل هذا الزواج قائما حتى توفيت خديجة عن خمسة وستين عاماً ’ وقد ناهز النبى عليه الصلاة و السلام الخمسين من العمر ’ دون أن يفكر خلالها بالزواج بأى إمرأة أو فتاة أخرى ’ وما بين العشرين و الخمسين من عمر الإنسان هو الزمن الذى تتحرك فيه رغبة الإستزادة من النساء و الميل الى تعدد الزوجات للدوافع الشهوانية .

ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم تجاوز هذه الفترة من العمر دون ان يفكر كما قلنا بأن يضم الى خديجة مثلها من الإناث : زوجة أو أمة ’ ولو شاء لوجد الزوجة و الكثير من الإماء ’ دون أن يخرق بذلك عرفاً أو يخرج عن مألوف أو عرف بين الناس ’ هذا رغم أنه تزوج خديجة وهى أيّم ’ وكانت تكبره بما يقارب مثل عمره . وفى هذا ما يلجم أفواه أولئك الذين يأكل الحقد قلوبهم على الإسلام وقوة سلطانه ’ من المبشرين و المستشرقين وعبيدهم الذين يسيرون من ورائهم ’ ينعقون بما لا يسمعون إلاّ دعاء ونداء ’ كما قال الله عز وجل ’, فقد ظنوا أنهم واجدون فى موضوع زواج النبى صلى الله عليه وسلم مقتلا يصاب منه الإسلام ويمكن أن تشوه منه سمعة محمد ’ وتخيلوا أن بمقدورهم أن يجعلوه عند الناس فى صورة الرجل الشهوانى الغارق فى لذة الجسد العازف فى معيشته المنزلية ورسالته العامة عن عفاف القلب و الروح .
ومعلوم أن المبشرين ومعظم المستشرقين ’ هم الخصوم المحترفون للإسلام ’ يتخذون القدح فى هذا الين صناعة يتفرغون لها ويتكسبون منها كما هو معلوم ’ أما الأغرار الذين يسيرون من ورائهم ’ فأكثرهم يخاصمون الإسلام على السماع و التقليد ’ ولا يعنيهم أن يفتحوا أذهانهم لبحث ولا لفهم ’ إنما هو هواية التقليد و الإتباع ’ فخصامهم للإسلام ليس إلا من نوع الشارة ليست أكثر من رمز ’ فخصومة هؤلاء للإسلام ليست سوى الرمز الذى يعلنون به عن هويتهم بين الناس : أنهم ليسوا من هذا التاريخ الإسلامى فى شىء ’ وأن ولاءهم إنما هو لهذا الفكر الإستعمارى الذى يتمثل فيما يدعو إليه دعاة الإستعمار الفكرى من مبشرين و مستشرقين ’ فهذا هو إختيارهم ’ من قبل أى بحث ودون محاولة أى فهم ! . أجل إن مخاصمتهم للإسلام ليست إلا مجرد شارة يسمون بها أنفسهم بين قومهم وبنى جلدتهم ’ وليس عملا فكريا لقصد البحث أو الحجاج .

وإلاّ فموضوع زواج النبى صلى الله عليه وسلم من أهون ما يمكن أن يستدل منه المسلم المتبصر ’ العارف بدينه المطلع على سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم ’ على عكس ما يروجه خصوم هذا الدين تماماً.
يريدون أن يلصقوا به صلى الله عليه وسلم صورة الرجل الشهوانى الغارق فى لذات الجسد ! وموضوع زواجه عليه الصلاة و السلام هو وحده السبيل الكافى على عكس ذلك تماما ’ فالرجل الشهوانى ’ لا يعيش الى الخامسة و العشرين من العمر فى بيئة مثل البيئة العربية فى جاهليتها ’ عفيف النفس ’ دون أن ينساق فى شىء من التيارات الفاسدة التى تموج من حوله ’ والرجل الشهوانى لايقبل بعد ذلك أن يتزوج من أيّم لها ما يقارب ضعف عمره ’ ثم يعيش معها دون أن تمتد عينه الى شىء مما حوله وإن من حوله الكثير وله الى ذلك أكثر من سبيل ’ الى أن يتجاوز مرحلة الشباب ثم الكهولة ’ ويدخل فى مدارج الشيخوخة .
أما زواجه بعد ذلك من عائشة ثم من غيرها ’ فإن لكل منهن قصة ’ ولكل زواج خكمة وسبب يزيدان المسلم إيماناً بعظمة محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة شأنه وكمال أخلاقه ’ وأيّاً كانت الحكمة و السبب فإنه لا يمكن أن يكون مجرد قضاء الوطر واستجابة لرغبة جنسية ’ إذ لو كان كذلك لكان أحرى به أن يستجيب للوطر و الرغبة الجنسية فى الوقت الطبيعى لهذه الرغبة وندائها ... خصوصاً وقد كان إذ ذاك خالى الفكر ليس له من هموم الدعوة ومشاغلها ما يصرفه عن حاجاته الفطرية الطبيعية . ولسنا نرى الأطناب فى الدفاع عن زواجه عليه الصلاة و السلام ’ على نحو ما يفعل كثير من الباحثين ’ لإذ لا نعتقد أن ثمة مشكلة تحتاج الى النظر أو البحث ’ وإن أوهم خصوم الإسلام ذلك .
ورب حق من حقائق الإسلام ’ لا يطمع خصومه لإبطاله ’ بأكثر من إستجرار المسلمين الى مناقشة دفاعية فى شأنه .


فقهُ السّيرَة

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلطان سيد سلطان
لاعب محترف
لاعب محترف



اسم العضو : سلطان
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 241
تاريخ الميلاد : 15/10/1994
تاريخ التسجيل : 15/06/2011
العمر : 29
المزاج رايق

أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**   أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 06, 2011 3:21 pm

إشتراكه صلى الله عليه وسلم فى بناء الكعبة



الكعبة أول بيت بنى على اسم الله ولعبادة الله وتوحيده فيه ’ بناها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام بعد أن عانى من حرب الأصنام وهدم المعابد التى نصبت فيها .. بناها بوحى من الله تعالى وأمر له بذلك ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ’ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) .
وقد تعرضت الكعبة بعد ذلك للعوادى التى أوهت بناءها وصدعت جدرانها ’ وكان من بين هذه العوادى سيل عرم جرف مكة قبل البعثة بسنوات قليلة ’ حيث زاد ذلك من تصدع جدرانها وضعف بنيانها ’ فلم تجد قريش بدا من إعادة تشييد الكعبة حرصاً على ما لهذا البناء من حرمة وقداسة خالدة . ولقد كان إحترام الكعبة وتعظيمها بقية مما ظل محفوظاً من شرعة إبراهيم عليه السلام بين العرب .
ولقد شارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فى بناء الكعبة وإعادة تشييدها مشاركة فعالة ’ فلقد كان ينقل الحجارة على كتفه ما بينها وبينه إلاّ إزاره وكان له من العمر إذ ذاك خمس وثلاثون سنة فى الأصح .
وروى البخارى فى صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال لما بنيت الكعبة ’ ذهب النبى صلى الله عليه وسلم و العباس ينقلان الحجارة ’ فقال العباس للنبى صلى الله عليه وسلم : إجعل إزارك على رقبتك ’ فخرّ الى الأرض وطمحت عيناه الى السماء فقال : أرنى إزارى فشده عليه .
ولقد كان له صلى الله عليه وسلم أثر كبير فى حل المشكلة التى تسببت عن إختلاف القبائل حول من يستحق أن ينال شرف وضع الحجر الأسود فى مكانه ’ فقد خضع الجميع لإقتراحه الذى أبداه حلا للمشكلة ’ علماً منهم بأنه الأمين والمحبوب من الجميع .
العبر و العظات :
نورد فى تعليقنا على هذا المقطع من سيرته صلى الله عليه وسلم أربعة أمور :

أولها : أهمية الكعبة ’ وما جعل الله لها من الشرف وقداسة فى الأرض ’ وحسبك الأدلة على ذلك أن الذى باشر تأسيسها وبناءها هو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام بأمر من الله تعالى لتكون أول بيت لعبادة الله وحده ومثابة للناس و أمنا .
غير أن هذا لا يعنى أو يستلزم أن يكون للكعبة تأثير على الطائفين حولها أو العاكفين فيها ’ فهى (علىما لها من قداسة ووجاهة عظيمة عند الله ) حجارة لا تضر ولا تنفع . ولكن الله عز وجل لما بعث إبراهيم عليه السلام بتكسير الأصنام و الطواغيت وهدم بيوتها و القضاء على معالمها ونسخ عبادتها ’ إقتضت حكمته جل جلاله أن يشيد فوق الأرض بناءاً يكون شعاراً للتوحيد لله وعبادته وحده’ ويظل مع الدهرتعبيراً للعالم عن المعنى الصحيح للدين و العبادة وعن بطلان كل من الشرك و عبادة الأصنام ’ لقد قضت البشرية ردحاً من الزمن تدين العبادة للحجارة و الأصنام و الطواغيت وتنشىء لها المعابد ’ ولقد آن لها أن تدرك بطلان وزيف كل ذلك ’ وآن لها أن تستعيض عن تلك المعابد هذا الرمز الجديد ... هذا المعبد الذى أقيم لعبادة الله وحده ’ يدخله الإنسان ليقف عزيزاً لا يخضع ولا يذل إلا لخالق الكون كله ’ وإذا كان لابد للمؤمنين بوحدانية الله و الداخلين فى دينه من رابطة يتعارفون بها ’ ومثابة يؤوبون إليها ’ مهما تفرقت بلدانهم وتباعدت ديارهم واختلفت أجناسهم ولغاتهم - إذا كان لابد من ذلك فليس أجدر من هذا البيت الذى أقيم رمزاً لتوحيد الله ’ ورداً على باطل الشرك و الأصنام ’ من أن يكون هو الرابطة و المثابة لهم جميعاً ’ يتعارفون فى حماه ’ ويلتقون على الحق الذى شيّد ليكون تعبيراً عنه ’ فهو الشعار الذى يجسد وحدة المسلمين فى أقطار الأرض ’ ويعبر عن توحيد الله و العبادة له وحده مهما أقيم من آلهة زائفة وانتصب من متألهين باطلين على مر الأزمنة و العصور .

وهذا معنى قول الله تعالى ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ’ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)
وهذا هو المعنى الذى يلحظه الطائف بالبيت الحرام ’ بعد أن يملأ قلبه من معنى العبودية لله تعالى و القصد الى تحقيق أوامره من حيث إنها أوامر ومن حيث أنه عبد مكلف بتلبية الأمر وتحقيق المأمور به ’ ومن هنا جاءت قداسة البيت وعظم مكانته عند الله تعالى وكانت ضرورة الحج إليه و الطواف من حوله .
ثانيها : بيان أهم ما تعاقب على الكعبة من الهدم و البناء :
بنيت الكعبة خلال الدهر كله ’ أربع مرات بيقين ’ ووقع الخلاف و الشك فيما قبل هذه المرات الأربع :
فأما المرة الأولى منها : فهى التى قام بأمر البناء فيها إبراهيم عليه الصلاة و السلام يعينه إبنه إسماعيل عليه الصلاة و السلام ’ وذلك إستجابةمنه لأمر ربه جل جلاله ’ ثبت ذلك بصريح الكتاب و السنة الصحيحة ’ أما الكتاب فقول الله تعالى ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ’ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) البقرة 127 .
وأما السنة ’ فأحاديث كثيرة ’ منها ما رواه البخارى بسنده عن ابن عباس ’ وجاء فيه : ( .. ثم قال - أى إبراهيم - يا إسماعيل ’ إن الله أمرنى بأمر ’ قال : فاصنع ما أمرك به ربك ’ قال وتعيننى ؟ قال : وأعينك ’ قال فإن الله أمرنى أن أبنى ههنا بيتا ’ وأشار الى أكمة مرتفعة على ما حولها ’ قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ’ فجعل إسماعيل يأتى بالحجارة وإبراهيم يبنى ) صحيح البخارى
ونقل الزركشى عن تاريخ مكة للأزرقى أن إبراهيم عليه الصلاة و السلام جعل طول بناء الكعبة فى السماء سبعة أذرع وطولها فى الأرض ثلاثين ذراعا وعرضها فى الأرض إثنين وعشرون ذراعا وكانت بغير سقف ’ وحكى السهيلى أن طولها فى السماء كان تسعة أذرع . أقول ولعل هذه أقرب من رواية الأزرقى .

وأما المرة الثانية : فهى تلك التى بنتها قريش قبل الإسلام ’ واشترك فى بنائها الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا ’ فجعلوا طولها فى السماء ثمانى عشر ذراعا ’ ونقصوا من طولها فى الأرض ستة أذرع وجزءا من الذراع تركوها فى الحجر .وفى ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة ( يا عائشة لولا أن قومك حديثوا عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم .
وأما المرة الثالثة : فقد كانت عندما إحترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزتها جيوش من أهل الشام ’ وخلاصة ذلك أنهم حاصروا عبد الله بن الزبير بمكة بقيادة الحصين بن نمير السكونى فى آخر سنة ست وثلاثين ’ بأمر من يزيد ’ ورموا البيت بالمنجنيق ’ فتهدم واحترق ’ فانتظر ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم ’ فاستشارهم قائلا : أيها الناس أشيروا علىّ فى الكعبة ’ أنقضها ثم أبنى بناءها أو أصلح ما وهى منها ’ فقال له ابن عباس : أرى أن تصلح ما وهى منها وتدع بيتا أسلم الناس عليه وأحجاراً أسلم الناس عليها ’ فقال ابن الزبير : لو كان أحدكم احترق بيته ما رضى حتى يجدّه فكيف بيت ربكم ؟ إنى مستخير ربى ثلاثاً ثم عازم على أمرى . ثم باشر نقضه بعد ثلاثة أيام حتى بلغوا به الأرض فأقام ابن الزبير أعمدة من حوله وأرخى عليها الستور ثم باشروا فى رفع بنائه وزاد فيه الأذرع الستة التى قد أخرجت منه ’ وزاد فى طوله الى السماء عشرة أذرع ’ وجعل له بابين أحدهما يدخل منه و الآخر يخرج منه . وإنما جرأه على إدخال هذه الزيادة حديث عائشة رضى الله عنها السابق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما المرة الرابعة : فقد كانت بعد مقتل ابن الزبير ’ روى الإمام مسلم بسنده عن عطاء أنه لما قتل عبد الله بن الزبير كتب الحجاج الى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أسّ نظر إليه العدول من أهل مكة ’ فكتب إليه عبد الملك بن مروان أنّا لسنا من تلطيخ ابن الزبير فى شىء ’ أما مازاد فى طوله فأقره ’ وأما ما زاد فيه من الحجر فردّه الى بنائه ’ وسدّ الباب الذى فتحه ’ فنقضه و أعاده الى بنائه .
قالوا ’ وقد عزم الرشيد بعد ذلك على أن ينقضها ويعيدها كما بناها ابن الزبير ’ فقال له مالك ابن أنس رحمه الله : أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت ملعبة الملوك من بعدك ’ لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلاّ غيره ’ فتذهب هيبته فى قلوب الناس ’ فصرفه عن رأيه فيه .
فهذه هى المرات الأربع التى بنيت فيها الكعبة بيقين .
أما الخامسة التى وقع فيها الشك و الخلاف ’ فهى تتعلق بما قبل إبراهيم عليه الصلاة و السلام ’ هل كانت الكعبة مبنية قبل ذلك أم لا ؟
جاء فى بعض الآثار و الروايات أن أول من بناها هو آدم عليه السلام ’ ومن أبرز ما ورد فى ذلك ما رواه البيهقى فى دلائل النبوة من حديث عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بعث الله جبريل صلى الله عليه وسلم الى آدم وحواء فقال لهما : ( إبنيا لى بيتاً ) فخط لهما جبريل عليه الصلاة و السلام ’ فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أصابه الماء فنودى من تحته حسبك يا آدم ’ فلما بنياه أوحى الله إليه أن يطوف به ’ وقيل له أنت أول الناس ’ وهذا أول بيت ’ ثم تناسخت القرون حتى حجه نوح عليه الصلاة و السلام ’ ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه ) .

ثم قال البيهقى تفرد به ابن لهيعة هكذا مرفوعاً ’ ومعلوم أن ابن لهيعة ضعيف لا يحتج به . وهناك روايات وآثار قريبة فى المعنى من هذا الذى رواه البهقى إلاّ أن جميعها لا يخلو من ضعف أو نكارة ’ وقيل أيضا أن أول من بناه شيث عليه الصلاة و السلام .
فتكون الكعبة إذا إعتمدنا هذه الآثار و الروايات الضعيفة - قد بنيت خمس مرات خلال الدهر كله .
غير أن الأولى بالإعتماد هو ما ثبت يقينا من ذلك ’ وهو أنها بنيت أربع مرات كما أوضحنا ’ وأما ما وراء ذلك وما بين هذه المرات فنكل علمه الى الله تعالى ’ عدا عما لحقها من ترميمات و إصلاحات بعد ذلك .
ثالثها :- مدى حكمة النبى صلى الله عليه وسلم فى تدبير الأمور ’ وسياسة القضايا ’ وقطع دابر الخصومات ’’وبين من ؟ بين أقوام قلما قامت بينهم خصومة ثم نامت قبل أن تراق فيهم بسببها الدماء . وقد وصل بهم الخلاف كما تعلم الى درجة كادت أن ينشب فيما بينهم القتال ’ فقد قربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً ثم تعاقدوا هم وبنو عدى على الموت ’ وأدخلوا أيديهم فى ذلك الدم ’ ةومكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً ’ دون أن يردها الى الوفاق أى رأى أو تدبير ’ حتى كان خمود نار الفتنة على يد الرسول صلى الله عليه وسلم . ونحن ينبغى أن نحيل هذه المزية فيه صلى الله عليه وسلم ’ الى ما إختاره الله له من القيام بعبء الرسالة و النبوة ’ قبل أن نحيلها الى العبقرية التى جبل عليها صلى الله عليه وسلم و الذكاء الذى فطر عليه .
فالأساس الأول فى تكوينه صلى الله عليه وسلم أنه رسول و نبى ’ ثم تأتى المزايا الأخرى كلها من عبقرية و دهاء وذكاء مبنية على هذا الأساس ولاحقة به .

رابعها :- مدى سمو منزلته صلى الله عليه وسلم بين رجال قريش على إختلاف درجاتهم و طبقاتهم ’ فقد كان ملقباً عندهم بالصادق الأمين ’ وكان محبوباً منهم كلهم ’ وكانوا لا يرتابون فى صدقه إذا حدّث ’ وفى كريم أخلاقه إذا عومل ’ة وفى عظيم إخلاصه إذا استعين به واعتمد عليه .
وهذه ظاهرة تكشف لك عن مدى الحقد و العناد اللذين إمتلأت بهما أفئدة هؤلاء أنفسهم ’ بعد أن جاءتهم الرسالة من عند الله ’ وأخذ يبلغها الى هؤلاء القوم الذين قابلوه بالعناد و الإيذاء .



فقهُ السّيرَة

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلطان سيد سلطان
لاعب محترف
لاعب محترف



اسم العضو : سلطان
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 241
تاريخ الميلاد : 15/10/1994
تاريخ التسجيل : 15/06/2011
العمر : 29
المزاج رايق

أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**   أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 06, 2011 3:23 pm

إختلاؤه فى غار حراء


ولما أخذت سنّه تدنو نحو الأربعين ’ نشأ لديه حب للعزلة بين الفترة و الأخرى ’ وحبب الله إليه الإختلاء فى غار حراء - وحراء جبل يقع فى الجانب الشمالى الغربى من مكة - فكان يخلو فيه ويتعبد فيه الليالى ذوات العدد ’ فتارة عشرة وتارة أكثر من ذلك الى شهر ’ ثم يعود الى بيته فلا يكاد يمكث فيه قليلا حتى يتزود من جديد لخلوة أخرى يعود الكرة الى غار حراء’ وهكذا الى أن جاءه الوحى وهو فى إحدى خلواته .
العبر و العظات :
إن لهذه الخلوة التى حببها الله تعالى إلى قلب الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل البعثة ’ دلالة عظيمة جداً ’ لها أهمية كبرى فى حياة المسلمين عامة و الداعين الى الله تعالى خاصة ’ فهى توضح أن المسلم لا يكمل إسلامه مهما كان متحلياً بالفضائل قائماً بألوان العبادات ’ حتى يجمع الى ذلك ساعات من العزلة و الخلوة يحاسب فيها نفسه ’ ويراقب الله تعالى ويفكر فى مظاهر الكون ’ ودلاءل ذلك على عظمة الله .
هذا فى حق المسلم الذى يريد لنفسه الإسلام الصحيح ’ فكيف بمن يريد أن يضع نفسه موضع الداعى الى الله و المرشد الى الطريق الحق .

وحكمة ذلك أن للنفس الإنسانية آفات لا يقطع شرتها إلا دواء العزلة عن الناس ’ ومحاسبتها فى نجوة من ضجيج الدنيا ومظاهرها . فالكبر ’ والعجب ’ والحسد ’ والرياء ’ وحب الدنيا - كل ذلك آفات من شأنها أن تتحكم فى النفس وتتغلغل الى أعماق القلب ’ وتعمل عملها التهديمى فى باطن الإنسان رغم ما قد يتحلى به ظاهره من الأعمال الصالحة ’ والعبادات المبرورة ’ ورغم ما قد ينشغل به من القيام بشؤون الدعوة و الإرشاد وموعظة الناس . وليس لهذه الآفات من دواء إلا أن يتخلى صاحبها بين كل فترة و أخرى مع نفسه ليتأمل فى حقيقتها ومنشئها ومدى حاجتها الى عناية الله تعالى وتوفيقه فى كل لحظة من لحظات الحياة ’ ثم ليتأمل الناس ومدى ضعفهم أمام الخالق عز وجل وفى عدم أى فائدة لمدحهم أو قدحهم ’ ثم ليتفكر فى مظاهر عظمة الله تعالى وفى اليوم الآخر وفى الحساب وطوله ’ وفى عظيم رحمة الله تعالى وعظيم عقابه . فعند التفكير الطويل المتكرر فى هذه الأمور تتساقط تلك الآفات اللا حقة بالنفس ويحيى القلب بنور العرفان و الصفاء ’ فلا يبقى لعكر الدنيا من سبيل الى تكدير مرآته .
وشىء آخر له بالغ الأهمية فى حياة المسلمين عامة وأرباب الدعوة خاصة : هو تربية محبة الله عز وجل فى القلب ’ فهو منبع التضحية و الجهاد وأساس كل دعوة متأججة صحيحة ’ ومحبة الله لا تتأتى من مجرد الإيمان العقلى به ’ فالأمور العقلانية وحدها ما كانت يوما لتؤثر فى العواطف و القلوب ’ ولو كان كذلك ’ لكان المستشرقون فى مقدمة المؤمنين بالله ورسوله ’ ولكانت أفئدتهم من أشد الأفئدة حباً لله ورسوله ’ أو سمعت بأحد من العلماء ضحى بروحه إيماناً منه بقاعدة رياضية أو مسألة من مسائل الجبر ؟

وإنما الوسيلة الى محبة الله تعالى - بعد الإيمان به - كثرة التفكر و التأمل فى مدى جلاله وعظمته ’ ثم الإكثار من ذكره سبحانه وتعالى بالقلب و اللسان ’ وإنما يتم كل ذلك بالعزلة و الخلوة و الإبتعاد عن شواغل الدنيا وضوضائها فى فترات متقطعة متكررة من الزمن .
فإذا قام المسلم بذلك وتهيأ له أداء هذه الوظيفة ’ نبتت له من ذلك فى قلبه محبة إلهية عارمة ’ تجعله يستصغر كل عظيم ’ ويحتقر كل مغرية من المغريات ’ ويستهين بكل إيذاء وعذاب ’ ويستعلى فوق كل إذلال أو إستهزاء’ فتلك هى العدة الكبرى التى ينبغى أن يتسلح بها الدعاة الى الله تعالى ’ وتلك هى العدة التى جهز الله بها نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم للقيام بأعباء الدعوة الإسلامية . ذلك لأن الدوافع الوجدانية فى القلب من خوف ’ ومحبة ورجاء تفعل ما لا يفعله الفهم العقلانى المجرد . ولقد أجاد الشاطبى رحمه الله عندما فرق فى هذه الدوافع بين عامة المسلمين الذين دخلوا فى ربقة التكاليف بدافع من عموم إسلامهم ’ وخواصهم الذين دخلوا فى ربقة هذه التكاليف يسوقهم ما هو أشد من مجرد التعقل والفهم ’يقول : (فالضرب الأول حاله حال من يعمل بحكم عهد الإسلام وعقد الإيمان من غير زائد ’ والثانى حاله حال من يعمل بحكم غلبة الخوف و الرجاء و المحبة ’ فالخوف سوط سائق ’ والرجاء حاد قائد ’ و المحبة تيار حامل ’ فالخائف يعمل مع وجود المشقة ’ غير أن الخوف مما هو أشق يحمل على الصبر على ما هو أهون وإن كان شاقاً ’ والراجى يعمل مع وجود المشقة أيضا ’ غير أن الرجاء فى تمام الراحة يحمل على الصبر على تمام التعب ’ والمحب يعمل ببذل المجهود شوقاً الى المحبوب ’ فيسهل عليه الصعب ’ ويقرب عليه البعيد ’ وتفنى القوى ولا يرى أنه أوفى بعهد المحبة ولا قام بشكر النعمة ) .

واتخاذ الوسائل المختلفة لتحقيق هذه الدوافع الوجدانية فى القلب مما أجمع المسلمون على ضرورته ’ وهو ما يسمى بالتصوف عند جمهور العلماء و الباحثين ’ أو بالإحسان عند بعضهم ’ أو بعلم السلوك عند بعض آخر كالإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
والإختلاء الذى كان يمارسه صلى الله عليه وسلم قبيل البعثة كان واحدة من هذه الوسائل لتحقيق هذه الدوافع نفسها . بيد أنه لا ينبغى أن يفهم معنى الخلوة كما شذ البعض ففهموها حسب شذوذهم ’ وهو الإنصراف الكلى عن الناس واتخاذ الكهوف و الجبال موطناً واعتبار ذلك فضيلة بذاتها .
فذلك مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم ولما كان عليه عامة أصحابه’ إنما المراد هو إستحباب إتخاذ الخلوة دواءً لإصلاح الحال كما ذكرنا ’ والدواء لا ينبغى أن يؤخذ إلا بقدر ’ وعند اللزوم ’ وإلاّ إنقلب الى داء ينبغى التوقى منه ’ وإذا رأيت فى تراحم الصالحين من استمر على الخلوة والإبتعاد عن الناس ’ فمردّ ذلك الى حالة خاصة به ’ وليس عمله حجة على الناس .



فقهُ السّيرَة

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سلطان سيد سلطان
لاعب محترف
لاعب محترف



اسم العضو : سلطان
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 241
تاريخ الميلاد : 15/10/1994
تاريخ التسجيل : 15/06/2011
العمر : 29
المزاج رايق

أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** Empty
مُساهمةموضوع: رد: أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**   أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.** I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 06, 2011 3:27 pm

بدء الوحى


روى الإمام البخارى عن السيدة عائشة تصف كيفية بدء الوحى وتقول :

أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة فى النوم’ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ’ ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع الى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها ’ حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء ’ فجاءه الملك فقال له إقرأ : فقال ما أنا بقارىء قال فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال : إقرأ : فقلت ما أنا بقارىء ’ فأخذنى وغطنى حتى بلغ منى الجهد فقال إقرأ : فقلت : ما أنا بقارىء فأخذنى وغطنى الثالثة ثم أرسلنى فقال : إقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ’ فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ’ فدخل على خديجة بنت خويلد رضى الله عنها فقال : زملونى ’ زملونى ’ فزملوه ’ حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسى ’ فقالت خديجة : كلا والله لا يخزيك الله أبداً ’ إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق ’ فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى ’ وكان ابن عم خديجة ’ وكان إمرأ قد تنصر فى الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبرانى فيكتب من الإنجيل فى العبرانية ما شاء الله أن يكتب ’ وكان شيخاً كبيراً قد عمى ’ فقالت له خديجة يابن عم ’ إسمع من ابن أخيك ’ فقال له ورقة : يابن أخى ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة : هذا الناموس ( أى جبريل أو الوحى ) الذى نزل على موسى ياليتنى فيها جذعاً ( شاباً قوياً ) ليتنى أكون حياً إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجى هم ؟ قال نعم ’ لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى ’ وإن يدركنى يومك أنصرنّك نصراً مؤزرا ’ ثم لم يلبث ورقة أن توفى وفتر الوحى .

واختلف فى الزمن الذى فتر فيه الوحى فقيل ثلاث سنوات ’ وقيل أقل من ذلك ’ والراجح ما رواه البيهقى من أن المدة كانت ستة أشهر . ثم روى البخارى عن جابر ابن عبد الله قال وهو يحدث عن فترة الوحى فقال فى حديثه : بينما أنا أمشى إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصرى ’ فإذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى بين السماء و الأرض فرعبت منه ’ فرجعت فقلت : زملونى زملونى فأنزل الله عز وجل : يا أيها المدثر قم فأنذر - الى قوله : والرحز فاهجر ’ فحمى الوحى وتواتر .
العبر و العظات :
حديث بدء الوحى هذا ’ هو الأساس الذى يترتب عليه جميع حقائق الدين بعقائده وتشريعاته ’ وفهمه و اليقين به هما المدخل الذى لابد منه الى اليقين بسائر ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم من أخبار غيبية وأوامر تشريعية ذلك أن حقيقة ( الوحى ) هى الفيصل الوحيد بين الإنسان الذى يفكر من عنده ويشرع بواسطة رايه وعقله ’ والإنسان الذى يبلغ عن ربه دون أن يغير أو ينقص أو يزيد . من أجل هذا يهتم محرفوا التشكيك بالإسلام ’ بمعالجة موضوع الوحى فى حياته صلى الله عليه وسلم ’ ويبذلون جهداً فكرياً شاقاً فى تكلف وتمحل من أجل التلبيس فى حقيقته و الخلط بينه وبين الإلهام ’ وحديث النفس ’ بل وحتى الصرع أيضاً ’ وذلك لعلمهم بأن موضوع الوحى هو منبع اليقين عند المسلمين وإيمانهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله . فلئت أتيح تشكيكهم بحقيقته ’ أمكن تكفيرهم بكل ما قد يتفرع عنه من عقائد و أحكام ’ وأمكنهم أن يمهدوا لفكرة أن كل ما دعا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من المبادىء و الأحكام التشريعية ليس إلا من تفكيره الذاتى .

من أجل تحقيق هذه الغاية ’ أخذ محترفوا الغزو الفكرى ’ يحاولون تأويل ظاهرة الوحى وتحريفها عما يرويه لنا المؤرخون وتحدث به صحاح السنة الشريفة . وإبعادها عن حقيقتها الظاهرة وراح كل منهم يسلك الى ذلك ما يروق لخياله من فنون التصورات المتكلفة الغريبة .
فمن متصور بأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يزل يفكر ......... الى أن تكونت فى نفسه بطريقة الكشف التدريجى المستمر عقيدة كان يراها الكفيلة بالقضاء على الوثنية ’ ومن مفضل على ذلك إشاعة القول بأنه صلى الله عليه وسلم إنما تعلم القرآن ومبادىء الإسلام من بحيرا الراهب ’ ومن قائل بأن الأمر ليس هذا ولا ذاك ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان رجلاً عصبياً أو مصاباً بداء الصرع .
ونحن حينما ننظر الى مثل هذه التمحلات العجيبة التى لا يرى العاقل مسوغاً لها إلا التهرب من الإقرار بنبوته صلى الله عليه وسلم ’ ندرك فى جلاء ووضوح الحكمة الإلهية الباهرة من بدء نزول الوحى عليه صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة التى إستعرضناها الآن ’ فى حديث الإمام البخارى .
لماذا رأى رسول الله جبريل بعينى رأسه لأول مرة ’ وقد كان بالإمكان أن يكون الوحى من وراء حجاب ؟
لماذا قذف الله فى قلبه عليه الصلاة و السلام الرعب منه و الحيرة فى فهم حقيقته’ وقد كان ظاهر محبة الله لرسوله وحفظه له يقتضى أن يلقى السكينة فى قلبه ويربط على فؤاده فلا يخاف ولا يرتعد ؟
لماذا خشى على نفسه أن يكون هذا الذى تمثل له فى الغار آتياً من الجن ’ ولم يرجح على ذلك أن يكون ملكا أميناً من عند الله ؟
لماذا إنفصل الوحى عنه بعد ذلك مدة طويلة ’ وجزع النبى صلى الله عليه وسلم بسبب ذلك جزعاً عظيماً حتى أنه كان يحاول - كما ذكر الإمام البخارى - أن يتردى من شواهق الجبال ؟

هذه أسئلة طبيعية بالنسبة للشكل الذى إبتدأ به الوحى ’ ولدى التفكير فى أجوبتها نجدها تنطوى على حكمة باهرة ’ ألا وهى أن يجد المفكر الحر فيها الحقيقة الناصعة الواقية عن الوقوع فى شرك محترفى الغزو الفكرى و التأثر بأخيلتهم المتكلفة الباطلة .
لقد فوجىء محمد عليه الصلاة و السلام وهو فى غار حراء بجبريل أمامه يراه بعينه ’ وهو يقول له إقرأ ’ حتى يتبين أن ظاهرة الوحى ليست أمراً ذاتيا داخلياً مردّه الى حديث النفس المجرد ’ وإنما هى إستقبال وتلق لحقيقة خارجية لا علاقة لها بالنفس وداخل الذات ’ وضم الملك إليه إياه ثم إرساله ثلاث مرات قائلا فى كل مرة إقرأ - يعتبر تأكيداً لهذا التلقىالخارجى ومبالغة فى نفى ما قد يتصوّر من أن الأمر لا يعدو أن يكون خيالاً داخلياً فقط .
ولقد داخله الخوف و الرعب مما سمع ورأى ’ حتى أنه قطع خلوته فى الغار وأسرع عائداً الى البيت يرجف فؤاده ’ لكى يتضح لكل مفكر عاقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن متشوقاً للرسالة التى سيدعى الى حملها وبثها فى العالم ’ وأن ظاهرة الوحى هذه لم تأت منسجمة أو متممة لشىء مما قد يتصوره أو يخطر فى باله ’ وإنما طرأت طروءاً مثيراً على حياته وفوجىء بها دون أى توقع سابق .ولا شك أن هذا ليس شأن من يتدرج فى التأمل و التفكير الى أن تتكون فى نفسه - بطريقة الكشف التدريجى المستمر - عقيدة يؤمن بالدعوة إليها ! .

ثم إن شيئا من حالات الإلهام أو حديث النفس أو الإشراق الروحى أو التأملات العلوية ’ لا يستدعى الخوف و الرعب وامتقاع اللون ’ وليس ثمة أى إنسجام بين التدرج فى التفكير و التأمل من ناحية ومفاجأة الخوف و الرعب من ناحية أخرى ’ وإلا لاقتضى ذلك أن يعيش عامة المفكرين و المتأملين نهباً لدفعات من الرعب والخوف و المفاجئة المتلاحقة . وأنت خبير أن الخوف و الرعب ورجفان الجسم وتغير اللون - كل ذلك من الإنفعالات القسرية التى لاسبيل الى إصطناعها و التمثيل بها ’ حتى لو فرضنا إمكان صدور المخادعة و التمثيل منه صلى الله عليه وسلم ’ وفرضنا المستحيل من إنقلاب طباعه المعروف بها قبل البعثة الى عكس ذلك تماما .
ويتجلى مزيد من صورة المفاجئة المخيفة لديه صلى الله عليه وسلم ’ فى توهمه بأن هذا الذى رآه وغطّه وكلمه فى الغار قد يكون آتياً من الجن ’ إذ قال لخديجة بعد أن أخبرها الخبر :( لقد خشيت على نفسى ) أى من الجان ’ ولكنها طمأنته بأنه ليس ممن يطولهم أذى الشياطين و الجان لما فيه من الأخلاق الفاضلة و الصفات الحميدة .
وقد كان الله عز وجل قادراً على أن يربط على قلب رسوله ويطمئن نفسه بأن هذا الذى كلمه ليس إلا جبريل : ملك من ملائكة الله جاء ليخبره أنه رسول الله الى الناس - ولكن الحكمة الإلهية الباهرة تريد إظهار الإنفصال التام بين شخصية محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وشخصيته بعدها ’ وبيان أن شيئاً من أركان العقيدة الإسلامية أو التشريع الإسلامى لم يطبخ فى ذهن محمد صلى الله عليه وسلم مسبقا ولم يتصور الدعوة إليه سلفاً .

ثم إن ما ألهم الله به خديجة من الذهاب به صلى الله عليه وسلم الى ورقة بن نوفل ’ وعرض عليه الأمر ’ تأكيداً من جانب آخر بأن هذا الذى فوجىء به عليه الصلاة و السلام إنما هو الوحى الإلهى الذى كان قد نزل على الأنبياء من قبله ’ وإزالة لغاشية اللبس التى كانت تحوم حول نفسه بالخوف و التصورات المختلفة عن تفسير ما رآه وسمعه .
أما إنقطاع الوحى بعد ذلك ’ وتلبّثه ستة أشهر أو أكثر ’ علىالخلاف المعروف فيه ’ فينطوى على مثل المعجزة الإلهية الرائعة ’ إذ فى ذلك أبلغ الرد على ما يفسر به محترفوا الغزو الفكرى الوحى النبوى من أنه الإشراق النفسى المنبعث لديه من طول التأمل و التكرار وأنه أمر داخلى منبعث من ذاته نفسها .
لقد قضت الحكمة الإلهية أن يحتجب عنه الملك الذى رآه لأول مرة فى غار حراء مدة طويلة ’ وأن يستبد به القلق من أجل ذلك ’ ثم يتحول القلق لديه الى خوف فى نفسه أن يكون الله قد قلاه بعد أن أراد أن يشرفه بالوحى و الرسالة ’ لسوء قد صدر منه ’ حتى لقد ضاقت الدنيا عليه وراحت تحدثه نفسه ’ كلما وصل الى ذروة جبل أن يلقى بنفسه منها ! الى أن رأى ذات يوم الملك الذى رآه فى غار حراء ’ وقد ملأ شكله ما بين السماء و الأرض يقول : يا محمد أنت رسول الله الى الناس ’ فعاد مرة أخرى وقد إستبد به الخوف و الرعب الى البيت ’ حيث نزل عليه قوله تعالى ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) .
إن هذه الحالة التى مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ تجعل مجرد التفكير فى كون الوحى إلهاماً نفسياً ’ ضرباً من الجنون ’ إذ من البداهة بمكان أن صاحب الإلهامات النفسية و التأملات الفكرية لا يمر إلهامه أو تأمله بمثل هذه الأحوال .

وإذاً فإن حديث بدء الوحى على النحو الذى ورد فى الحديث الثابت الصحيح ’ ينطوى على تهديم كل ما يحاول المشككون تخييله الى الناس فى أمر الوحى و النبوة التى أكرم اله بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإذا تبين لك ذلك أدركت مدى الحكمة الإلهية العظيمة فى أن تكون بداءة الوحى على النحو الذى أراده الله عز وجل .
وربما عاد بعد ذلك محترفوا التشكيك ’ يسألون : فلماذا كان ينزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحى بعد ذلك وهو بين الكثير من أصحابه فلا يرى الملك أحد منهم سواه ؟
والجواب أنه ليس من شرط وجود الموجودات أن ترى بالأبصار إذ أن وسيلة الإبصار فينا محدودة بحدّ معين ’ وإلا لاقتضى ذلك أن يصبح الشىء معدوما إذا ابتعد عن البصر بعداً يمنع من رؤيته ’ على أن من اليسير على الله جل جلاله - وهو الخالق لهذه العيون المبصرة -أن يزيد فى قوة ما شاء منها فيرى ما لا تراه العيون الأخرى ’ يقول مالك بن نبى فى هذا الصدد : ( إن عمى الألوان مثلا يقدم لنا حالة نموذجية ’ لايمكن أن ترى فيها بعض الألوان بالنسبة لكل العيون ’وهناك أيضاً مجموعة من الإشعاعات الضوئية دون الضوء الأحمر وفوق البنفسجية لا تراها أعيننا ’ ولا شىء يثبت علمياً أنها كذلك بالنسبة لجميع العيون ’ فلقد توجد عيون يمكن أن تكون أقل أو أكثر حساسية ) .
ثم إن إستمرار الوحى بعد ذلك يحمل نفس الدلالة على حقيقة الوحى وأنه ليس كما أراد المشككون : ظاهرة نفسية محضة ’ ونستطيع أن نجمل هذه اللالات فيما يلى :-
1- التمييز الواضح بين القرآن و الحديث ’ إذ كان يأمر بتسجيل الأول فوراً ’ على حين يكتفى بأن يستودع الثانى ذاكرة أصحابه ’ لا لأن الحديث كلام من عنده لا علاقة له بالنبوة ’ بل لأن القرآن موحى به إليه بنفس اللفظ و الحروف بواسطة جبريل عليه السلام ’ فكان يحاذر أن يختلط كلام الله عز وجل الذى يتلقاه من جبريل بكلامه هو صلى الله عليه وسلم .

2- كان النبى صلى الله عليه وسلم يسأل عن بعض الأمور ’ فلا يجيب عليها ’ وربما مر على سكوته زمن طويل ’ حتى إذا نزلت آية من القرآن فى شأن ذلك السؤال ’ طلب السائل وتلا عليه ما نزل من القرآن فى شأن سؤاله . وربما تصرف الرسول فى بعض الأمور على وجه معين ’ فتنزل الآيات من القرآن تصرفه عن ذلك الوجه ’ وربما إنطوت على عتب أو لوم له صلى الله عليه وسلم .
3- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميّاً .... وليس من الممكن أن يعلم الإنسان بواسطة المكاشفة النفسية حقائق تاريخية ’ كقصة يوسف .... وأم موسى حينما ألقت وليدها فى اليم .... وقصة فرعون .... ولقد كان هذا من جملة الحكم فى كونه صلى الله عليه وسلم أميّاً : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون ) العنكبوت 48 .
4- إن صدق النبى صلى الله عليه وسلم اربعين سنة مع قومه واشتهاره فيهم بذلك ’ يستدعى أن يكون صلى الله عليه وسلم من قبل ذلك صادقاً مع نفسه ’ ولذا فلا بدّ أن يكون قد قضى فى دراسته لظاهرة الوحى على أى شك يخايل لعينه أو فكره .
وكأن هذه الآية جاءت رداً لدراسته الأولى لشأن نفسه مع الوحى : ( فإن كنت فى شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك’ لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) يونس 94
ولذا روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال بعد أن نزلت هذه الآية : لا أشك ولا أسأل .


فقهُ السّيرَة

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أبحاث السيرة وما فيها من فقه و عظات.**
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تحميل كتاب (( السيرة النبوية لابن كثير الكتاب : السيرة النبوية))**
»  كلمات من السيرة النبوية..
» دروس وعظات من السيرة النبوية..
» أبحاث طبية **
» أبحاث طبية جديدة عن ثمار المشمش********

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: المنتدى الاسلامى :: السيرة النبوية-
انتقل الى: