منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

 التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:11 pm

اقتباس :


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


8- سورة
الأنفال




يَسْأَلُونَكَ
عَنْ الأَنْفَالِ ق
ُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ
بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)


يسألك أصحابك -أيها
النبي- عن الغنائم يوم "بدر" كيف تقسمها
بينهم؟ قل لهم: إنَّ أمرها إلى الله ورسوله,
فالرسول
يتولى قسمتها بأمر ربه, فاتقوا
عقاب الله ولا تُقَدموا على معصيته, واتركوا
المنازعة والمخاصمة بسبب هذه الأموال,
وأصلحوا الحال بينكم, والتزموا طاعة الله
ورسوله إن كنتم مؤمنين; فإن الإيمان يدعو
إلى طاعة الله ورسوله.




إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ إِذَا ذُ
كِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ
زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ (2)


إنما المؤمنون
بالله حقًا هم الذين إذا ذُكِر الله فزعت
قلوبهم, وإذا تليت عليهم آيات القرآن زادتهم
إيمانًا مع إيمانهم, لتدبرهم ل
معانيه وعلى الله تعالى يتوكلون,
فلا يرجون غيره, ولا يرهبون سواه.




الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
(3)


الذين يداومون
على أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها,
ومما رزقناهم من الأموال ينفقون فيما أمرناهم
به.




أُوْلَئِكَ هُمْ
ال
ْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ
دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)


هؤلاء الذين يفعلون
هذه الأفعال هم المؤمنون حقًا ظاهرًا وباطنًا
بما أنزل الله عليهم, لهم منازل عالية عند
الله, وعفو عن ذنوبهم, ورزق كريم, وهو الجنة.




كَمَا أَخْرَجَكَ
ر
َبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ
وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
لَكَارِهُونَ (5)


كما أنكم لما اختلفتم
في المغانم فانتزعها الله منكم, وجعلها
إلى قَسْمه وقَسْم رسوله صلى الله عليه
وسلم, كذلك أمرك ربك -أيها النبي- بالخروج
من "المدينة" للقاء عِيْر قريش, و
ذلك بالوحي الذي أتاك به جبريل
مع كراهة فريق من المؤمنين للخروج.




يُجَادِلُونَكَ
فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا
يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ
(6)


يجادلك -أيها النبي-
فريق من المؤمنين في القتال مِن بعد ما
تبيَّن لهم أن ذلك واقع,
كأنهم يساقون إلى الموت, وهم
ينظرون إليه عِيانًا.




وَإِذْ يَعِدُكُمْ
اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا
لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ
الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ
اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ
وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَ
افِرِينَ (7)

واذكروا -أيها المجادلون-
وَعْدَ الله لكم بالظَّفْر بإحدى الطائفتين:
العير وما تحمله مِن أرزاق, أو النفير, وهو
قتال الأعداء والانتصار عليهم, وأنتم تحبون
الظَّفْر بالعير دون القتال, ويريد الله
أن يحق الإسلام, ويُعْليه بأمره إياكم بقتال
الكفار, و
يستأصل الكافرين بالهلاك.



لِيُحِقَّ الْحَقَّ
وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُجْرِمُونَ (Cool


ليعزَّ الله الإسلام
وأهله, ويذهب الشرك وأهله, ولو كره المشركون
ذلك.




إِذْ تَسْتَغِيثُونَ
رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي
مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ ال
ْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)

اذكروا نعمة الله
عليكم يوم "بدر" إذ تطلبون النصر على
عدوكم, فاستجاب الله لدعائكم قائلا إني
ممدُّكم بألف من الملائكة من السماء, يتبع
بعضهم بعضًا.




وَمَا جَعَلَهُ
اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ
بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النّ
َصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)


وما جعل الله ذلك
الإمداد إلا بشارة لكم بالنصر, ولتسكن به
قلوبكم, وتوقنوا بنصر الله لكم, وما النصر
إلا من عند الله, لا بشدة بأسكم وقواكم.
إن الله عزيز في ملكه, حكيم في تدبيره وشرعه.




إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً
مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ
مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ
عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ
عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ
(11)


إذ يُلْقي الله
عليكم النعاس أمانًا منه لكم من
خوف عدوكم أن يغلبكم, وينزل عليكم
من السحاب ماء طهورًا, ليطهركم به من الأحداث
الظاهرة, ويزيل عنكم في الباطن وساوس الشيطان
وخواطره, وليشدَّ على قلوبكم بالصبر عند
القتال, ويثبت به أقدام المؤمنين بتلبيد
الأرض الرملية بالمطر حتى لا تنزلق فيها
الأقدام.




إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ
أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ
آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ
الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ
بَنَانٍ (12)


إذ يوحي ربك -أيها
النبي- إلى الملائكة الذين أمدَّ الله
بهم المسلمين في غزوة "بدر"
أني معكم أُعينكم وأنصركم, فقوُّوا عزائم
الذين آمنوا, سألقي في قلوب الذين كفروا
الخوف الشديد والذلة والصَّغَار, فاضربوا
-أيها المؤمنون- رؤوس الكفار, واضربوا منهم
كل طرف ومِفْصل.




ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَ
مَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)


ذلك الذي حدث للكفار
من ضَرْب رؤوسهم وأعناقهم وأطرافهم; بسبب
مخالفتهم لأمر الله ورسوله, ومَن يخالف
أمر الله ورسوله, فإن الله شديد العقاب
له في الدنيا والآخرة.




ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ
وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ
(14)


ذلكم العذاب الذي
عجَّلته لكم -أيها الكافرون المخالفون
لأوامر الله ورسوله في الدنيا- فذوقوه في
الحياة الدنيا, ولكم في الآخرة عذاب النار.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذ
ِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا
تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ (15)


يا أيها الذين صَدَّقوا
الله ورسوله وعملوا بشرعه, إذا قابلتم الذين
كفروا في القتال متقاربين منكم فلا تُوَلُّوهم
ظهوركم, فتنهزموا عنهم, ولكن اثبتوا لهم,
فإن الله معكم وناصركم عليهم.




وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ
مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً
إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ
اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (16)


ومن يُوَلِّهم
منكم ظهره وقت الزحف إلا منعطفًا لمكيدة
الكفار أو منحازًا إلى جماعة المسلمين
ح
اضري الحرب حيث كانوا, فقد استحق
الغضب من الله, ومقامه جهنم, وبئس المصير
والمنقلب.




فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ
إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى
وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً
حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِي
عٌ عَلِيمٌ (17)

فلم تقتلوا -أيها
المؤمنون- المشركين يوم "بدر", ولكن
الله قتلهم, حيث أعانكم على ذلك, وما رميت
حين رميت -أيها النبي- ولكن الله رمى, حيث
أوصل الرمية التي رميتها إلى وجوه المشركين;
وليختبر المؤمنين بالله ورسوله ويوصلهم
بالجهاد إلى أعلى الدرجات,
ويعرِّفهم نعمته عليهم, فيشكروا
له سبحانه على ذلك. إن الله سميع لدعائكم
وأقوالكم ما أسررتم به وما أعلنتم, عليم
بما فيه صلاح عباده.




ذَلِكُمْ وَأَنَّ
اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ
(18)


هذا الفعل مِن قتل
المشركين ورميهم حين انهزموا, والبلاء
الحسن بنص
ر المؤمنين على أعدائهم, هو من
الله للمؤمنين, وأن الله -فيما يُسْتقبل-
مُضعِف ومُبطِل مكر الكافرين حتى يَذِلُّوا
وينقادوا للحق أو يهلكوا.




إِنْ تَسْتَفْتِحُوا
فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا
نَعُدْ وَلَنْ ت
ُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ
شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ
مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)


إن تطلبوا -أيها
الكفار- من الله أن يوقع بأسه وعذابه على
المعتدين الظالمين فقد أجاب الله طلبكم,
حين أوقع بكم مِن عقابه ما كان نكالا لكم
وعبرة للمتقين, فإن تنتهوا -أي
ها الكفار- عن الكفر بالله ورسوله
وقتال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, فهو
خير لكم في دنياكم وأخراكم, وإن تعودوا
إلى الحرب وقتال محمد صلى الله عليه وسلم
وقتال أتباعه المؤمنين نَعُدْ بهزيمتكم
كما هُزمتم يوم "بدر", ولن تغني عنكم
جماعتكم شيئًا, كما لم تغن عنكم
يوم "بدر" مع كثرة عددكم
وعتادكم وقلة عدد المؤمنين وعدتهم, وأن
الله مع المؤمنين بتأييده ونصره.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ
(20)


يا أيها الذين صدَّقوا
الله ورسوله أطيعوا الله ور
سوله فيما أمركم به ونهاكم عنه,
ولا تتركوا طاعة الله وطاعة رسوله, وأنتم
تسمعون ما يتلى عليكم في القرآن من الحجج
والبراهين.




وَلا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ
لا يَسْمَعُونَ (21)


ولا تكونوا أيها
المؤمنون في مخالفة الله ورسوله محمد صلى
الله
عليه وسلم كالمشركين والمنافقين
الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلى عليهم قالوا:
سمعنا بآذاننا, وهم في الحقيقة لا يتدبرون
ما سمعوا, ولا يفكرون فيه.




إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ
عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ
لا يَعْقِلُونَ (22)


إنَّ شر ما دبَّ
على ال
أرض -مِنْ خَلْق الله- عند الله
الصمُّ الذين انسدَّت آذانهم عن سماع الحق
فلا يسمعون, البكم الذين خرست ألسنتهم عن
النطق به فلا ينطقون, هؤلاء هم الذين لا
يعقلون عن الله أمره ونهيه.




وَلَوْ عَلِمَ
اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ
وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَو
َلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ
(23)


ولو علم الله في
هؤلاء خيرًا لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره
حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه وبراهينه,
ولكنه علم أنه لا خير فيهم وأنهم لا يؤمنون,
ولو أسمعهم -على الفرض والتقدير- لتولَّوا
عن الإيمان قصدًا وعنادًا بعد فهمهم له,
وهم مع
رضون عنه, لا التفات لهم إلى
الحق بوجه من الوجوه.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
(24)


يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد
نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة
إذا دعاكم لما يحييكم من الحق, ففي الاستجابة
إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة, واعلموا
-أيها المؤمنون- أن الله تعالى هو المتصرف
في جميع الأشياء, والقادر على أن يحول بين
الإنسان وما يشت
هيه قلبه, فهو سبحانه الذي ينبغي
أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل
شيء, واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب
فيه, فيجازي كلا بما يستحق.




وَاتَّقُوا فِتْنَةً
لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ
خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ
(25)

واحذروا -أيها المؤمنون-
اختبارًا ومحنة يُعَمُّ بها المسيء وغيره
لا يُخَص بها أهل المعاعي ولا مَن باشر
الذنب, بل تصيب الصالحين معهم إذا قدروا
على إنكار الظلم ولم ينكروه, واعلموا أن
الله شديد العقاب لمن خالف أمره ونهيه.




وَاذْكُرُوا إِذْ
أَنْتُمْ قَلِي
لٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ
تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ
فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ
وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ (26)


واذكروا أيها المؤمنون
نِعَم الله عليكم إذ أنتم بـ"مكة"
قليلو العدد مقهورون, تخافون أن
يأخذكم الكفار بسرعة, فجعل لكم
مأوى تأوون إليه وهو "المدينة", وقوَّاكم
بنصره عليهم يوم "بدر", وأطعمكم من
الطيبات -التي من جملتها الغنائم-; لكي تشكروا
له على ما رزقكم وأنعم به عليكم.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ
وَتَخُون
ُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ (27)


يا أيها الذين صدَّقوا
الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تخونوا الله
ورسوله بترك ما أوجبه الله عليكم وفِعْل
ما نهاكم عنه, ولا تفرطوا فيما ائتمنكم
الله عليه, وأنتم تعلمون أنه أمانة يجب
الوفاء بها.




وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ
فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ (28)


واعلموا -أيها المؤمنون-
أن أموالكم التي استخلفكم الله فيها, وأولادكم
الذين وهبهم الله لكم اختبار من الله وابتلاء
لعباده; ليعلم أيشكرونه عليها ويطيعونه
فيها, أو ينشغلون به
ا عنه؟ واعلموا أن الله عنده
خير وثواب عظيم لمن اتقاه وأطاعه.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ
لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ
ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)


يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه
إن تتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه
يجعل لكم فصلا بين الحق والباطل, ويَمحُ
عنكم ما سلف من ذنوبكم ويسترها عليكم, فلا
يؤاخذكم بها. والله ذو الفضل العظيم.




وَإِذْ يَمْكُرُ
بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ
أَوْ يَقْتُلُوك
َ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ
وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ (30)


واذكر -أيها الرسول-
حين يكيد لك مشركو قومك بـ"مكَّة";
ليحبسوك أو يقتلوك أو ينفوك من بلدك. ويكيدون
لك, وردَّ الله مكرهم عليهم جزاء لهم, ويمكر
الله, والله خير الماكرين.




وَإِذَا تُتْلَى
عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا
لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ
هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ
(31)


وإذا تتلى على هؤلاء
الذين كفروا بالله آيات القرآن العزيز
قالوا جهلا منهم وعنادًا للحق: قد سمعنا
هذا من قبل, لو ن
شاء لقلنا مثل هذا القرآن, ما
هذا القرآن الذي تتلوه علينا -يا محمد- إلا
أكاذيب الأولين.




قَالُوا اللَّهُمَّ
إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ
فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ
السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
(32)


واذكر -أيها الرسول- قول المشركين من قومك داعين
الله: إن كان ما جاء به محمد هو الحق مِن
عندك فأمطر علينا حجارة من السماء, أو ائتنا
بعذاب شديد موجع.




وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا
كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
(33)


وما كان الله سبحانه وتعالى ليعذِّب هؤلاء
المشركين, وأنت -أيها الرسول- بين ظهرانَيْهم,
وما كان الله معذِّبهم, وهم يستغفرون من
ذنوبهم.




وَمَا لَهُمْ أَلاَّ
يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ
عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا
أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُ
هُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34)


وكيف لا يستحقُّون
عذاب الله, وهم يصدون أولياءه المؤمنين
عن الطواف بالكعبة والصلاة في المسجد الحرام؟
وما كانوا أولياء الله, إنْ أولياء الله
إلا الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب
معاصيه, ولكن
أكثر الكفار لا يعلمون; فلذلك
ادَّعوا لأنفسهم أمرًا, غيرهم أولى به.




وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ
عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً
فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ
(35)


وما كان صلاتهم
عند المسجد الحرام إلا صفيرًا وتصفيقًا.
فذوقوا عذاب
القتل والأسر يوم "بدر"
; بسبب جحودكم وأفعالكم التي لا يُقْدم
عليها إلا الكفرة, الجاحدون توحيد ربهم
ورسالة نبيهم.




إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا
ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ
يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)


إن الذين جحدوا
وحدانية الله وعصوا رسوله ينفقون أموالهم
فيعطونها أمثالهم من المشركين وأهل الضلال,
ليصدوا عن سبيل الله ويمنعوا المؤمنين
عن الإيمان بالله ورسوله, فينفقون أموالهم
في ذلك, ثم تكو
ن عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة
عليهم; لأن أموالهم تذهب, ولا يظفرون بما
يأمُلون مِن إطفاء نور الله والصد عن سبيله,
ثم يهزمهم المؤمنون آخر الأمر. والذين كفروا
إلى جهنم يحشرون فيعذبون فيها.




لِيَمِيزَ اللَّهُ
الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ
الْخَبِيثَ
بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ
جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ
أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (37)


يحشر الله ويخزي
هؤلاء الذين كفروا بربهم, وأنفقوا أموالهم
لمنع الناس عن الإيمان بالله والصد عن سبيله;
ليميز الله تعالى الخبيث من الطيب, ويجعل
الله الما
ل الحرام الذي أُنفق للصدِّ
عن دين الله بعضه فوق بعض متراكمًا متراكبًا,
فيجعله في نار جهنم, هؤلاء الكفار هم الخاسرون
في الدنيا والآخرة.




قُلْ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ
مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ
مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّل
ِينَ (38)

قل -أيها الرسول-
للذين جحدوا وحدانية الله مِن مشركي قومك:
إن ينزجروا عن الكفر وعداوة النبي صلى الله
عليه وسلم, ويرجعوا إلى الإيمان بالله وحده
وعدم قتال الرسول والمؤمنين, يغفر الله
لهم ما سبق من الذنوب, فالإسلام يجُبُّ
ما قبله. وإن يَعُدْ هؤلاء ال
مشركون لقتالك -أيها الرسول-
بعد الوقعة التي أوقعتها بهم يوم "بدر"
فقد سبقت طريقة الأولين, وهي أنهم إذا كذبوا
واستمروا على عنادهم أننا نعاجلهم بالعذاب
والعقوبة.




وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ
الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا
فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ (39)


وقاتلوا -أيها المؤمنون-
المشركين حتى لا يكون شِرْكٌ وصدٌّ عن سبيل
الله; ولا يُعْبَدَ إلا الله وحده لا شريك
له, فيرتفع البلاء عن عباد الله في الأرض,
وحتى يكون الدين والطاعة والعبادة كلها
لله خالصة دون غيره, فإن
انزجروا عن قتنة المؤمنين وعن
الشرك بالله وصاروا إلى الدين الحق معكم,
فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون مِن ترك
الكفر والدخول في الإسلام.




وَإِنْ تَوَلَّوْا
فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ
نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ
(40)


وإن أعرض هؤلاء
المشر
كون عمَّا دعوتموهم إليه -أيها
المؤمنون- من الإيمان بالله ورسوله وترك
قتالكم, وأبَوْا إلا الإصرار على الكفر
وقتالكم, فأيقِنوا أن الله معينكم وناصركم
عليهم. نِعْمَ المعين والناصر لكم ولأوليائه
على أعدائكم.




يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
أســــــــــــــــفل


***********











عدل سابقا من قبل حسن المرجاوى في الجمعة مارس 01, 2013 4:31 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:13 pm



الجزء العاشر :


وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتُمْ
مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ
خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ
الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)

واعلموا -أيها المؤمنون-
أن ما ظَفِرتم به مِن عدوكم بالجهاد في
سبيل الله فأربعة أخماسه للمقاتلين الذين
حضروا المعركة, والخمس الباقي يجزَّأُ
خمسة أقسام: الأول لله وللرسول, فيجعل في
مصالح المسلمين العامة, والثاني لذوي قرابة
رسول الله صلى
الله عليه وسلم, وهم بنو هاشم
وبنو المطلب, جُعِل لهم الخمس مكان الصدقة
فإنها لا تحلُّ لهم, والثالث لليتامى, والرابع
للمساكين, والخامس للمسافر الذي انقطعت
به النفقة, إن كنتم مقرِّين بتوحيد الله
مطيعين له, مؤمنين بما أنزل على عبده محمد
صلى الله عليه وسلم من ا
لآيات والمدد والنصر يوم فَرَق
بين الحق والباطل بـ"بدر", يوم التقى
جَمْعُ المؤمنين وجَمْعُ المشركين. والله
على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.




إِذْ أَنْتُمْ
بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ
الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ
وَلَوْ تَوَاعَدتّ
ُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ
وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً
كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ
عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ
بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ
عَلِيمٌ (42)


واذكروا حينما
كنتم على جانب الوادي الأقرب إلى "المدينة
", وعدوكم نازل بجانب الوادي
الأقصى, وعِير التجارة في مكان أسفل منكم
إلى ساحل "البحر الأحمر", ولو حاولتم
أن تضعوا موعدًا لهذا اللقاء لاختلفتم,
ولكنَّ الله جمعكم على غير ميعاد; ليقضي
أمرًا كان مفعولا بنصر أوليائه, وخِذْلان
أعدائه بالقتل والأسر; وذلك ليهلك من
هلك منهم عن حجة لله ثبتت له
فعاينها وقطعت عذره, وليحيا مَن حيَّ عن
حجة لله قد ثبتت وظهرت له. وإن الله لسميع
لأقوال الفريقين, لا يخفى عليه شيء, عليم
بنيَّاتهم.




إِذْ يُرِيكَهُمْ
اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ
أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَ
نَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ
اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ (43)


واذكر -أيها النبي-
حينما أراك الله قلة عدد عدوك في منامك,
فأخبرت المؤمنين بذلك, فقوِيت قلوبهم, واجترؤوا
على حربهم, ولو أراك ربك كثرة عددهم لتردد
أصحابك في ملاقاتهم,
وجَبُنتم واختلفتم في أمر القتال,
ولكن الله سلَّم من الفشل, ونجَّى من عاقبة
ذلك. إنه عليم بخفايا القلوب وطبائع النفوس.




وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ
إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ
قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ
وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِي
َقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ
مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ
الأُمُورُ (44)


واذكر أيضًا حينما
برز الأعداء إلى أرض المعركة فرأيتموهم
قليلا فاجترأتم عليهم, وقلَّلكم في أعينهم,
ليتركوا الاستعداد لحربكم; ليقضي الله
أمرًا كان مفعولا فيتحقق وَعْدُ الله لكم
بالنصر والغلبة, فكانت كلمة
الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
وإلى الله مصير الأمور كلها, فيجازي كلا
بما يستحق.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ (45)


يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا
بشرعه, إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر قد
استعدوا لقتالكم, فاثبتوا ولا تنهزموا
عنهم, واذكروا الله كثيرًا داعين مبتهلين
لإنزال النصر عليكم والظَّفَر بعدوكم;
لكي تفوزوا.




وَأَطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُو
ا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)


والتزموا طاعة
الله وطاعة رسوله في كل أحوالكم, ولا تختلفوا
فتتفرق كلمتكم وتختلف قلوبكم, فتضعفوا
وتذهب قوتكم ونصركم, واصبروا عند لقاه العدو.
إن الله مع الصابرين بالعون والنصر والتأييد,
ولن يخذلهم.



وَلا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا
يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47)


ولا تكونوا مثل
المشركين الذين خرجوا من بلدهم كبرًا ورياءً;
ليمنعوا الناس عن الدخول في
دين الله. والله بما يعملون محيط
لا يغيب عنه شيء.




وَإِذْ زَيَّنَ
لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ
لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ
وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ
الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ
وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُ
مْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ
الْعِقَابِ (48)


واذكروا حين حسَّن
الشيطان للمشركين ما جاؤوا له وما همُّوا
به, وقال لهم: لن يغلبكم أحد اليوم, فإني
ناصركم, فلما تقابل الفريقان: المشركون
ومعهم الشيطان, والمسلمون ومعهم
الملائكة, رجع الشيطان مُدْبرًا,
وقال للمشركين: إني بريء منكم, إني أرى ما
لا ترون من الملائكة الذين جاؤوا مددًا
للمسلمين, إني أخاف الله, فخذلهم وتبرأ
منهم. والله شديد العقاب لمن عصاه ولم يتب
توبة نصوحًا.




إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ
وَالَّذِينَ فِي قُلُوب
ِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ
دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)


واذكروا حين يقول
أهل الشرك والنفاق ومرضى القلوب, وهم يرون
قلة المسلمين وكثرة عدوهم: غرَّ هؤلاء المسلمين
دينُهم, فأوردهم هذه الموارد, ولم يدرك
هؤلاء
المنافقون أنه من يتوكل على
الله ويثق بوعده فإن الله لن يخذله, فإن
الله عزيز لا يعجزه شيء, حكيم في تدبيره
وصنعه.




وَلَوْ تَرَى إِذْ
يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ
يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ
وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)


ولو تعاين -أيها الرسول- حال قبض الملائكة
أرواح الكفار وانتزاعها, وهم يضربون وجوههم
في حال إقبالهم, ويضربون ظهورهم في حال
فرارهم, ويقولون لهم: ذوقوا العذاب المحرق,
لرأيت أمرًا عظيمًا، وهذا السياق وإن كان
سببه وقعة "بدر" ، ولكنه عام في حق
كلِّ كافر.




ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ
اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ
(51)


ذلك الجزاء الذي
أصاب المشركين فبسبب أعمالهم السيئة في
حياتهم الدنيا, ولا يظلم الله أحدًا من
خَلْقه مثقال ذرة, بل هو الحَكَمُ العدل
الذي لا يجور.




كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ
وَالَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ
اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ
إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(52)


إنَّ ما نزل بالمشركين
يومئذ سُنَّة الله في عقاب الطغاة من الأمم
السابقة من أمثال فرعون والسابقين له, عندما
كذَّبوا رسل الله وجحدوا آ
ياته, فإن الله أنزل بهم عقابه
بسبب ذنوبهم. إن الله قوي لا يُقْهر, شديد
العقاب لمن عصاه ولم يتب من ذنبه.




ذَلِكَ بِأَنَّ
اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً
أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا
مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ (53
)

ذلك الجزاء السيِّئ
بأن الله إذا أنعم على قوم نعمة لم يسلبها
منهم حتى يغيِّروا حالهم الطيبة إلى حال
سيئة, وأن الله سميع لأقوال خلقه, عليم بأحوالهم،
فيجري عليهم ما اقتضاه علمه ومشيئته.




كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا
بِآيَات
ِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ
بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ
وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)


شأن هؤلاء الكافرين
في ذلك كشأن آل فرعون الذين كذبوا موسى,
وشأن الذين كذبوا رسلهم من الأمم السابقة
فأهلكهم الله بسبب ذنوبهم, وأغرق آل فرعون
في البحر, و
كل منهم كان فاعلا ما لم يكن
له فِعْلُه من تكذيبهم رسل الله وجحودهم
آياته, وإشراكهم في العبادة غيره.




إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ
عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ
لا يُؤْمِنُونَ (55)


إن شر ما دبَّ على
الأرض عند الله الكفار المصرُّون على الكفر,
فهم لا يص
دقون رسل الله, ولا يُقرون بوحدانيته,
ولا يتبعون شرعه.




الَّذِينَ عَاهَدْتَ
مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ
فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ
(56)


مِن أولئك الأشرار
اليهود الذين دخلوا معك في المعاهدات بأن
لا يحاربوك ولا يظاهروا عليك أحدًا, ثم
ينق
ضون عهدهم المرة تلو المرة, وهم
لا يخافون الله.




فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ
فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)


فإن واجهت هؤلاء
الناقضين للعهود والمواثيق في المعركة,
فأنزِلْ بهم من العذاب ما يُدْخل الرعب
في قلوب الآخ
رين, ويشتت جموعهم; لعلهم يذّكرون,
فلا يجترئون على مثل الذي أقدم عليه السابقون.




وَإِمَّا تَخَافَنَّ
مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ
عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ
الْخَائِنِينَ (58)


وإن خفت -أيها الرسول-
من قومٍ خيانة ظهرت بوادرها فألق
إليهم عهدهم, كي يكون الطرفان
مستويين في العلم بأنه لا عهد بعد اليوم.
إن الله لا يحب الخائنين في عهودهم الناقضين
للعهد والميثاق.




وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ
لا يُعْجِزُونَ (59)


ولا يظنن الذين
جحدوا آيات الله أنهم فاتوا ونجَوْا,
وأن الله لا يقدر عليهم, إنهم
لن يُفْلِتوا من عذاب الله.




وَأَعِدُّوا لَهُمْ
مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ
رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ
اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ
دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ
يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنف
ِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ
لا تُظْلَمُونَ (60)


وأعدُّوا - يا معشر
المسلمين - لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون
عليه مِن عدد وعدة, لتُدْخلوا بذلك الرهبة
في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين
بكم, وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم
عداوتهم الآن, لكن الله يعلمهم
ويعلم ما يضمرونه. وما تبذلوا من مال وغيره
في سبيل الله قليلا أو كثيرًا يخلفه الله
عليكم في الدنيا, ويدخر لكم ثوابه إلى يوم
القيامة, وأنتم لا تُنْقصون من أجر ذلك
شيئًا.




وَإِنْ جَنَحُوا
لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)


وإن مالوا إلى ترك
الحرب ورغبوا في مسالمتكم فمِلْ إلى ذلك
-أيها النبي- وفَوِّضْ أمرك إلى الله, وثق
به. إنه هو السميع لأقوالهم, العليم بنيَّاتهم.




وَإِنْ يُرِيدُوا
أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّ
هُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ
وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ
جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ
إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)


وإن أراد الذين
عاهدوك المك
ر بك فإن الله سيكفيك خداعهم;
إنه هو الذي أنزل عليك نصره وقوَّاك بالمؤمنين
من المهاجرين والأنصار, وجَمَع بين قلوبهم
بعد التفرق, لو أنفقت مال الدنيا على جمع
قلوبهم ما استطعت إلى ذلك سبيلا ولكن الله
جمع بينها على الإيمان فأصبحوا إخوانًا
متحابين, إنه عزيز في م
ُلْكه, حكيم في أمره وتدبيره.



يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ (64)


يا أيها النبي إن
الله كافيك, وكافي الذين معك من المؤمنين
شرَّ أعدائكم.




يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ
إِنْ
يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ
صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ
يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً
مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ
قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65)


يا أيها النبي حُثَّ
المؤمنين بك على القتال, إن يكن منكم عشرون
صابرون عند لقاء الع
دو يغلبوا مائتين منهم, فإن يكن
منكم مائة مجاهدة صابرة يغلبوا ألفًا من
الكفار; لأنهم قوم لا عِلْم ولا فهم عندهم
لما أعدَّ الله للمجاهدين في سبيله, فهم
يقاتلون من أجل العلو في الأرض والفساد
فيها.




الآنَ خَفَّفَ
اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ
ضَعْفاً
فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ
صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ
يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ
بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ
(66)


الآن خفف الله عنكم
أيها المؤمنون لما فيكم من الضعف, فإن يكن
منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين
من الكافرين, وإن يكن منكم ألف
يغلبوا ألفين منهم بإذن الله تعالى. والله
مع الصابرين بتأييده ونصره.




مَا كَانَ لِنَبِيٍّ
أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ
فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا
وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ
عَزِيزٌ حَكِي
مٌ (67)

لا ينبغي لنبي أن
يكون له أسرى مِن أعدائه حتى يبالغ في القتل;
لإدخال الرعب في قلوبهم ويوطد دعائم الدين,
تريدون -يا معشر المسلمين- بأخذكم الفداء
من أسرى "بدر" متاع الدنيا, والله يريد
إظهار دينه الذي به تدرك الآخرة. والله
عزيز لا يُقْهر, حكيم في شرعه.




لَوْلا كِتَابٌ
مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا
أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)


لولا كتاب من الله
سبق به القضاء والقدر بإباحة الغنيمة وفداء
الأسرى لهذه الأمة, لنالكم عذاب عظيم بسبب
أخْذكم الغنيمة والفداء قبل أن ينزل بشأنهما
تشريع.




فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (69)


فكلوا من الغنائم
وفداء الأسرى فهو حلال طيب, وحافظوا على
أحكام دين الله وتشريعاته. إن الله غفور
لعباده, رحيم بهم.




يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ
الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ
فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً
مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)


يا أيها النبي قل
لمن أسرتموهم في "بدر": لا تأسوا على
الفداء الذي أخذ منكم, إن يعلم الله تعالى
في قلوبكم خيرًا
يؤتكم خيرًا مما أُخذ منكم من
المال بأن يُيَسِّر لكم من فضله خيرًا كثيرًا
-وقد أنجز الله وعده للعباس رضي الله عنه
وغيره-, ويغفر لكم ذنوبكم. والله سبحانه
غفور لذنوب عباده إذا تابوا, رحيم بهم.




وَإِنْ يُرِيدُوا
خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ
قَبْلُ
فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)


وإن يرد الذين أَطْلَقْتَ
صراحهم -أيها النبي- من الأسرى الغدر بك
مرة أخرى فلا تَيْئسْ, فقد خانوا الله من
قبل وحاربوك, فنصرك الله عليهم. والله عليم
بما تنطوي عليه الصدور, حكيم في تدبير شؤون
عباده.




إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا
وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا
وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا
مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
حَتَّى يُهَاجِر
ُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ
فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ
إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ
مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ (72)


إن الذين صدَّقوا
الله, ورسوله وعملوا بشرعه, وهاجروا إلى
دار الإسلام, أو بلد يتمكنون فيه من عبادة
رب
هم، وجاهدوا في سبيل الله بالمال
والنفس, والذين أنزلوا المهاجرين في دورهم,
وواسوهم بأموالهم, ونصروا دين الله, أولئك
بعضهم نصراء بعض. أما الذين آمنوا ولم يهاجروا
من دار الكفر فلستم مكلفين بحمايتهم ونصرتهم
حتى يهاجروا, وإن وقع عليهم ظلم من الكفار
فطلبوا نصرتك
م فاستجيبوا لهم, إلا على قوم
بينكم وبينهم عهد مؤكد لم ينقضوه. والله
بصير بأعمالكم, بجزي كلا على قدر نيته وعمله.




وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ
تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ
وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)


والذين كفروا بعضهم
ن
صراء بعض, وإن لم تكونوا -أيها
المؤمنون- نصراء بعض تكن في الأرض فتنة
للمؤمنين عن دين الله, وفساد عريض بالصد
عن سبيل الله وتقوية دعائم الكفر.




وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا
أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُ
ؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)


والذين آمنوا بالله
ورسوله, وتركوا ديارهم قاصدين دار الإسلام
أو بلدًا يتمكنون فيه من عبادة ربهم, وجاهدوا
لإعلاء كلمة الله, والذين نصروا إخوانهم
المهاجرين وآووهم وواسوهم بالمال والتأييد,
أولئك هم المؤم
نون الصادقون حقًا, لهم مغفرة
لذنوبهم, ورزق كريم واسع في جنات النعيم.




وَالَّذِينَ آمَنُوا
مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا
مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا
الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ
فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْء
ٍ عَلِيمٌ (75)



والذين آمنوا مِن
بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار, وهاجروا
وجاهدوا معكم في سبيل الله, فأولئك منكم
-أيها المؤمنون- لهم ما لكم وعليهم ما عليكم,
وأولو القرابة بعضهم أولى ببعض في التوارث
في حكم الله من عامة المسلمين. إن الله بكل
شيء عليم يعلم ما يص
لح عباده مِن توريث بعضهم من
بعض في القرابة والنسب دون التوارث بالحِلْف,
وغير ذلك مما كان في أول الإسلام.




التالى تفسير سـورة التــــــــوبة
************************



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:16 pm

اقتباس :


تفسير سورة التوبة




9- سورة
التوبة






بَرَاءَةٌ مِنْ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ
عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (1)


هذه براءة من الله
ورسوله, وإعلان بالتخلي عن ا
لعهود التي كانت بين المسلمين
والمشركين.




فَسِيحُوا فِي
الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا
أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ
اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)


فسيروا -أيها المشركون-
في الأرض مدَّة أربعة أشهر, تذهبون حيث
شئتم آمنين من المؤمني
ن, واعلموا أنكم لن تُفْلِتوا
من العقوبة, وأن الله مذل الكافرين ومورثهم
العار في الدنيا, والنار في الآخرة. وهذه
الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة,
أو من له عهد دون أربعة أشهر, فيكمَّل له
أربعة أشهر، أو مَن كان له عهد فنقضه.




وَأَذَانٌ مِنْ
اللَّهِ وَرَ
سُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ
الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ
مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ
تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ
تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ
غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ
كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
(3)

وإعلام من الله
ورسوله وإنذار إلى الناس يوم النحر أن الله
بريء من المشركين, ورسوله بريء منهم كذلك.
فإن رجعتم -أيها المشركون- إلى الحق وتركتم
شرككم فهو خير لكم, وإن أعرضتم عن قَبول
الحق وأبيتم الدخول في دين الله فاعلموا
أنكم لن تُفْلِتوا من عذاب الله. وأ
نذر -أيها الرسول- هؤلاء المعرضين
عن الإسلام عذاب الله الموجع.




إِلاَّ الَّذِينَ
عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ
لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا
عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ
عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ
الْمُتَّقِينَ (4)

ويُستثنى من الحكم
السابق المشركون الذين دخلوا معكم في عهد
محدد بمدة, ولم يخونوا العهد, ولم يعاونوا
عليكم أحدا من الأعداء, فأكملوا لهم عهدهم
إلى نهايته المحدودة. إن الله يحب المتقين
الذين أدَّوا ما أمروا به, واتقوا الشرك
والخيانة, وغير ذل
ك من المعاصي.



فَإِذَا انسَلَخَ
الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ
وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ
تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا
الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ
اللَّه
َ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)

فإذا انقضت الأشهر
الأربعة التي أمَّنتم فيها المشركين, فأعلنوا
الحرب على أعداء الله حيث كانوا, واقصدوهم
بالحصار في معاقلهم, وترصدوا لهم في طرقهم,
فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا الإسلام والتزموا
شرائعه من إقام الصلاة وإخراج الزكاة, فاتركوهم,
فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام,
إن الله غفور لمن تاب وأناب, رحيم بهم.




وَإِنْ أَحَدٌ
مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ
حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ
أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)


وإذا طلب أحد من
المشرك
ين الذين استبيحت دماؤهم وأموالهم
الدخول في جوارك -أيها الرسول- ورغب في الأمان,
فأجبه إلى طلبه حتى يسمع القرآن الكريم
ويطَّلع على هدايته, ثم أَعِدْه من حيث
أتى آمنًا; وذلك لإقامة الحجة عليه; ذلك
بسبب أن الكفار قوم جاهلون بحقائق الإسلام,
فربما اختاروه إذا زا
ل الجهل عنهم.



كَيْفَ يَكُونُ
لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ
وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ
عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا
لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
(7)


لا ينبغي أن يكون
للم
شركين عهد عند الله وعند رسوله,
إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام في
صلح (الحديبية) فما أقاموا على الوفاء بعهدكم
فأقيموا لهم على مثل ذلك. إن الله يحب المتقين
الموفِّين بعهودهم.




كَيْفَ وَإِنْ
يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا
فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً
يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ
وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ
فَاسِقُونَ (Cool


إن شأن المشركين
أن يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيرهم,
أما إذا شعروا بالقوة على المؤمنين فإنهم
لا يراعون القرابة ولا العهد, فلا يغرنكم
منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم,
فإنهم يقولون لكم كلامًا بألسنتهم;
لترضوا عنهم, ولكن قلوبهم تأبى ذلك, وأكثرهم
متمردون على الإسلام ناقضون للعهد.




اشْتَرَوْا بِآيَاتِ
اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ
سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (9)


استبدلوا بآيات
الله عرض الدن
يا التافه, فأعرضوا عن الحق ومنعوا
الراغبين في الإسلام عن الدخول فيه, لقد
قَبُح فعلهم, وساء صنيعهم.




لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ
إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ
الْمُعْتَدُونَ (10)


إن هؤلاء المشركين
حرب على الإيمان وأهله, فلا يقيمون وزنًا
لقرابة المؤ
من ولا لعهده, وشأنهم العدوان
والظلم.




فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ (11)


فإن أقلعوا عن عبادة
غير الله, ونطقوا بكلمة التوحيد, والتزموا
شرائع الإسلام من إقام ا
لصلاة وإيتاء الزكاة, فإنهم
إخوانكم في الإسلام. ونبين الآيات, ونوضحها
لقوم ينتفعون بها.




وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ
مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي
دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ
إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ
يَنتَهُونَ (12)


وإنْ نَقَضَ هؤلاء
المشركون العهود التي أبرمتموها معهم,
وأظهروا الطعن في دين الإسلام, فقاتلوهم
فإنهم رؤساء الضلال, لا عهد لهم ولا ذمة,
حتى ينتهوا عن كفرهم وعداوتهم للإسلام.




أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً
نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ
الرَّسُولِ
وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ
مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ
أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ
(13)


لا تترددوا في قتال
هؤلاء القوم الذين نقضوا عهودهم, وعملوا
على إخراج الرسول من (مكة), وهم الذين بدؤوا
بإيذائكم أول الأمر, أتخافونهم أو تخافو
ن ملاقاتهم في الحرب؟ فالله
أحق أن تخافوه إن كنتم مؤمنين حقًا.




قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ
اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ
عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ
(14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ
اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَ
اءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(15)


يا معشر المؤمنين
قاتلوا أعداء الله يعذبهم عز وجل بأيديكم,
ويذلهم بالهزيمة والخزي, وينصركم عليهم,
ويُعْلِ كلمته, ويشف بهزيمتهم صدوركم التي
طالما لحق بها الحزن والغم من كيد هؤلاء
المشركين, ويُذْهِب عن قلوب المؤمنين الغيظ.
و
من تاب من هؤلاء المعاندين فإن
الله يتوب على من يشاء. والله عليم بصدق
توبة التائب, حكيم في تدبيره وصنعه ووَضْع
تشريعاته لعباده.






أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا
وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ
جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا
مِنْ دُونِ اللَّهِ و
َلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ
وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
(16)


مِن سنة الله الابتلاء,
فلا تظنوا يا معشر المؤمنين أن يترككم الله
دون اختبار; ليعلم الله علمًا ظاهرًا للخلق
الذين أخلصوا في جهادهم, ولم يتخذوا غير
الله ورسوله والمؤمنين بطا
نة وأولياء. والله خبير بجميع
أعمالكم ومجازيكم بها.




مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ
أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ
عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ
حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ
هُمْ خَالِدُونَ (17)


ليس من شأن المشركين
إعمار بيوت ا
لله, وهم يعلنون كفرهم بالله
ويجعلون له شركاء. هؤلاء المشركون بطلت
أعمالهم يوم القيامة, ومصيرهم الخلود في
النار.




إِنَّمَا يَعْمُرُ
مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ
وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ
اللَّه
َ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا
مِنْ الْمُهْتَدِينَ (1
Cool

لا يعتني ببيوت
الله ويعمرها إلا الذين يؤمنون بالله واليوم
الآخر, ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة, ولا
يخافون في الله لومة لائم, هؤلاء العُمَّار
هم المهتدون إلى الحق.




أَجَعَلْتُمْ
سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّ
هِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ
اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (19)


أجعلتم -أيها القوم-
ما تقومون به من سقي الحجيج وعِمارة المسجد
الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر
وجاهد في سبيل الله؟ ل
ا تتساوى حال المؤمنين وحال
الكافرين عند الله, لأن الله لا يقبل عملا
بغير الإيمان. والله سبحانه لا يوفق لأعمال
الخير القوم الظالمين لأنفسهم بالكفر.




الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا
وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ
اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ
(20)


الذين آمنوا بالله
وتركوا دار الكفر قاصدين دار الإسلام, وبذلوا
أموالهم وأنفسهم في الجهاد لإعل
اء كلمة الله, هؤلاء أعظم درجه
عند الله, وأولئك هم الفائزون برضوانه.




يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ
مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ
فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)


إن هؤلاء المؤمنين
المهاجرين لهم البشرى من ربهم بالرحمة
الواسعة والرضوان الذي لا سخط بع
ده, ومصيرهم إلى جنات الخلد والنعيم
الدائم.




خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ
(22)

ماكثين في تلك الجنان
لا نهاية لإقامتهم وتنعمهم, وذلك ثواب ما
قدَّموه من الطاعات والعمل الصالح في حياتهم
الدنيا. إن الله تعالى عنده أجر عظيم لمن
آمن وعمل صالحا بامتثال أوامره واجتناب
نواهيه.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَ
إِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ
إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ
هُمْ الظَّالِمُونَ (23)


يا أيها الذين صدَّقوا
الله ورسوله وعملوا بشرعه لا تتخذوا أقرباءكم
-من الآباء والإخوان وغيرهم- أولياء, تفشون
إليهم أسرا
ر المسلمين, وتستشيرونهم في
أموركم, ما داموا على الكفر معادين للإسلام.
ومن يتخذهم أولياء ويُلْقِ إليهم المودة
فقد عصى الله تعالى, وظلم نفسه ظلمًا عظيمًا.




قُلْ إِنْ كَانَ
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَال
ٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ
تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ
لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)


قل -يا أيها الرسول- للمؤمنين: إن فَضَّلتم
الآباء والأبناء والإخوان والزوجات والقرابات
والأموال التي جمعتموها والتجارة التي
تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي
أقمتم فيها, إن فَضَّلتم ذلك على حب الله
ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب
الله ونكاله بكم. والله لا
يوفق الخارجين عن طاعته.



لَقَدْ نَصَرَكُمْ
اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ
حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ
عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ
وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)


لقد أنزل الله نَصْرَه عليكم في مواقع كثيرة عندما
أخذتم بالأسباب وتوكلتم على الله. ويوم
غزوة (حنين) قلتم: لن نُغْلَبَ اليوم0 من
قلة, فغرَّتكم الكثرة فلم تنفعكم, وظهر
عليكم العدو فلم تجدوا ملجأً في الأرض الواسعة
ففررتم منهزمين.




ثُمَّ أَنزَلَ
اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُو
لِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ
وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ
الْكَافِرِينَ (26)


ثم أنزل الله الطمأنينة
على رسوله وعلى المؤمنين فثبتوا, وأمدَّهم
بجنود من الملائكة لم يروها, فنصرهم على
عدوهم, وعذَّب الذين كفروا.
وتلك عقوبة الله للصادِّين
عن دينه, المكذِّبين لرسوله.




ثُمَّ يَتُوبُ
اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)


ومن رجع عن كفره
بعد ذلك ودخل الإسلام فإن الله يقبل توبة
مَن يشاء منهم, فيغفر ذنبه. والله غفور رحيم.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ
هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ
يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ
شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)


يا معشر المؤمنين
إنما ال
مشركون رِجْس وخَبَث فلا تمكنوهم
من الاقتراب من الحرم بعد هذا العام التاسع
من الهجرة, وإن خفتم فقرًا لانقطاع غارتهم
عنكم, فإن الله سيعوضكم عنها, ويكفيكم من
فضله إن شاء, إن الله عليم بحالكم, حكيم
في تدبير شؤونكم.




قَاتِلُوا الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه
ِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ
وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ
مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ (29)


أيها المسلمون
قاتلوا الكفار الذين لا يؤمنون بالله, ول
ا يؤمنون بالبعث والجزاء, ولا
يجتنبون ما نهى الله عنه ورسوله, ولا يلتزمون
أحكام شريعة الإسلام من اليهود والنصارى,
حتى يدفعوا الجزية التي تفرضونها عليهم
بأيديهم خاضعين أذلاء.




وَقَالَتْ الْيَهُودُ
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى
الْمَسِيحُ ابْن
ُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ
اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)


لقد أشرك اليهود
بالله عندما زعموا أن عزيرًا ابن الله.
وأشرك النصارى بالله عندما ادَّعوا أن
المسيح ابن الله. وهذا القو
ل اختلقوه من عند أنفسهم, وهم
بذلك لا يشابهون قول المشركين من قبلهم.
قَاتَلَ الله المشركين جميعًا كيف يعدلون
عن الحق إلى الباطل؟




اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَع
ْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا
إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ (31)


اتخذ اليهودُ والنصارى
العلماءَ والعُبَّادَ أربابًا يُشَرِّعون
لهم الأحكام, فيلتزمون بها ويتركون شرائع
الله, واتخذوا المسيح عيسى ابن مريم إلهًا
فعبدوه, وقد أمرهم الله بعبادته
وحده دون غيره، فهو الإله الحق
لا إله إلا هو. تنزَّه وتقدَّس عما يفتريه
أهل الشرك والضلال.




يُرِيدُونَ أَنْ
يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ
وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ
نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
(32)


يريد الكفار بتكذيبهم
أن يبط
لوا دين الإسلام, ويبطلوا حجج
الله وبراهينه على توحيده الذي جاء به محمد
صلى الله عليه وسلم, ويأبى الله إلا أن يتم
دينه ويظهره, ويعلي كلمته, ولو كره ذلك الجاحدون.




هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّ
هِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
(33)


هو الذي أرسل رسوله
محمدًا صلى الله عليه وسلم بالقرآن ودين
الإسلام; ليعليه على الأديان كلها, ولو
كره المشركون دين الحق -الإسلام- وظهوره
على الأديان.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ
وَالرّ
ُهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ
النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ
سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ (34)


يا أيها الذين صَدَّقوا
الله ورسوله وعملوا بش
رعه, إن كثيرًا من علماء أهل
الكتاب وعُبَّادهم ليأخذون أموال الناس
بغير حق كالرشوة وغيرها, ويمنعون الناس
من الدخول في الإسلام, ويصدون عن سبيل الله.
والذين يمسكون الأموال, ولا يؤدون زكاتها,
ولا يُخْرجون منها الحقوق الواجبة, فبشِّرهم
بعذاب موجع.




يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ
فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ
وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ
فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)


يوم القيامة توضع
قطع الذهب والفضة في النار, فإذا اشتدت
حرارتها أُحرقت بها جباه أصحابها وجنوب
هم وظهورهم. وقيل لهم توبيخًا:
هذا مالكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حقوق
الله, فذوقوا العذاب الموجع; بسبب كنزكم
وإمساككم.




إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ
شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ
وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً
كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)


إنّ عدة الشهور
في حكم الله وفيما كُتب في اللوح المحفوظ
اثنا عشر
شهرًا, يوم خلق السموات والأرض,
منها أربعة حُرُم; حرَّم الله فيهنَّ القتال
(هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب)
ذلك هو الدين المستقيم, فلا تظلموا فيهن
أنفسكم; لزيادة تحريمها, وكون الظلم فيها
أشد منه في غيرها, لا أنَّ الظلم في غيرها
جائز. وقاتلوا المشركين
جميعًا كما يقاتلونكم جميعًا,
واعلموا أن الله مع أهل التقوى بتأييده
ونصره.




إِنَّمَا النَّسِيءُ
زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً
يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ
عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ
اللَّ
هُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ
اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
(37)


إن الذي كانت تفعله
العرب في الجاهلية من تحريم أربعة أشهر
من السنة عددًا لا تحديدًا بأسماء الأشهر
التي حرَّمها الله, فيؤخرون بعضها أو يقد
ِّمونه ويجعلون مكانه من أشهر
الحل ما أرادوا حسب حاجتهم للقتال, إن ذلك
زيادة في الكفر, يضل الشيطان به الذين كفروا,
يحلون الذي أخروا تحريمه من الأشهر الأربعة
عامًا, ويحرمونه عاما; ليوافقوا عدد الشهور
الأربعة, فيحلوا ما حرَّم الله منها. زَيَّن
لهم الشيطان الأ
عمال السيئة. والله لا يوفق القوم
الكافرين إلى الحق والصواب.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ
انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ
إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ
الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ
الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ
قَلِيلٌ (38)


يا أيها الذين صدَّقوا
الله ورسوله وعملوا بشرعه، ما بالكم إذا
قيل لكم: اخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله
لقتال أعدائكم تكاسلتم ولزمتم مساكنكم؟
هل آثرتم حظوظكم الدنيوية على نعيم الآخرة؟
فما تستمتعون به في الدنيا قلي
ل زائل, أما نعيم الآخرة الذي
أعده الله للمؤمنين المجاهدين فكثير دائم.




إِلاَّ تَنفِرُوا
يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ
قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(39)


إن لا تنفروا أيها
المؤمنون إلى قتال
عدوكم ينزلِ الله عقوبته بكم,
ويأت بقوم آخرين ينفرون إذ ا استُنْفروا,
ويطيعون الله ورسوله, ولن تضروا الله شيئًا
بتولِّيكم عن الجهاد, فهو الغني عنكم وأنتم
الفقراء إليه. وما يريده الله يكون لا محالة.
والله على كل شيء قدير من نصر دينه ونبيه
دونكم.




إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ
يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ
اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ
تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَ
لِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا
السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)


يا معشر أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن لا تنفروا معه
أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم, وإن لا
تنصروه; فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه
الكفار من قريش من
بلده (مكة), وهو ثاني اثنين (هو
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه) وألجؤوهما
إلى نقب في جبل ثور "بمكة"، فمكثا فيه
ثلاث ليال, إذ يقول لصاحبه (أبي بكر) لما
رأى منه الخوف عليه: لا تحزن إن الله معنا
بنصره وتأييده, فأنزل الله الطمأنينة في
قلب رسول الله صلى الله عليه
وسلم, وأعانه بجنود لم يرها
أحد من البشر وهم الملائكة, فأنجاه الله
من عدوه وأذل الله أعداءه, وجعل كلمة الذين
كفروا السفلى. وكلمةُ الله هي العليا,, ذلك
بإعلاء شأن الإسلام. والله عزيز في ملكه,
حكيم في تدبير شؤون عباده. وفي هذه الآية
منقبة عظيمة لأبي بكر الصد
يق رضي الله عنه.

تابع تفسير سورة التوبة بالأسفل
**********************




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:18 pm

اقتباس :


انفِرُوا خِفَافاً
وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(41)


اخرجوا -أيها المؤمنون-
للجهاد في سبيل الله شبابًا وشيوخًا في
العسر واليسر, على أي حال كنتم, و
أنفقوا أموالكم في سبيل الله,
وقاتلوا بأيديكم لإعلاء كلمة الله, ذلك
الخروج والبذل خير لكم في حالكم ومآلكم
فافعلوا ذلك وانفروا واستجيبوا لله ورسوله.




لَوْ كَانَ عَرَضاً
قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ
وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ
وَسَيَح
ْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا
لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
(42)


وبَّخ الله جلَّ
جلاله جماعة من المنافقين استأذنوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم في التخلف عن غزوة
(تبوك) مبينًا أنه لو كان خروج
هم إلى غنيمة قريبة سهلة المنال
لاتبعوك, ولكن لما دعوا إلى قتال الروم
في أطراف بلاد (الشام) في وقت الحر تخاذلوا,
وتخلفوا, وسيعتذرون لتخلفهم عن الخروج
حالفين بأنهم لا يستطيعون ذلك, يهلكون أنفسهم
بالكذب والنفاق, والله يعلم إنهم لكاذبون
فيما يبدون لك من الأعذا
ر.



عَفَا اللَّهُ
عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ
(43)


عفا الله عنك -أيها
النبي- عمَّا وقع منك مِن تَرْك الأولى
والأكمل, وهو إذنك للمنافقين في القعود
عن الجهاد, لأي سبب أَذِنْتَ لهؤلاء بالتخلف
عن الغزوة, حتى يظهر لك الذين
صدقوا في اعتذارهم وتعلم الكاذبين منهم
في ذلك؟




لا يَسْتَأْذِنُكَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ
(44)


ليس من شأن المؤمنين
بال
له ورسوله واليوم الآخر أن يستأذنوك
-أيها النبي- في التخلف عن الجهاد في سبيل
الله بالنفس والمال, وإنما هذا من شأن المنافقين.
والله عليم بمن خافه فاتقاه بأداء فرائضه
واجتناب نواهيه.




إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآ
خِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ
فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
(45)


إنما يطلب الإذن
للتخلف عن الجهاد الذين لا يصدِّقون بالله
ولا باليوم الآخر, ولا يعملون صالحًا, وشكَّتْ
قلوبهم في صحة ما جئت به -أيها النبي- من
الإسلام وشرائعه, فهم في شكهم يتحيَّرون.




وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ
لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ
اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ
وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ
(46)


ولو أراد المنافقون
الخروج معك -أيها النبي- إلى الجهاد لتأهَّبوا
له بالزاد والراحلة, ولكن الله كره خروجهم
فثَق
ُلَ عليهم الخروج قضاء وقدرًا,
وإن كان أمرهم به شرعا, وقيل لهم: تخلفوا
مع القاعدين من المرضى والضعفاء والنساء
والصبيان.




لَوْ خَرَجُوا
فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً
وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ
الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
وَ
اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
(47)


لو خرج المنافقون
معكم -أيها المؤمنون- للجهاد لنشروا الاضطراب
في الصفوف والشر والفساد, ولأسرعوا السير
بينكم بالنميمة والبغضاء, يبغون فتنتكم
بتثبيطكم عن الجهاد في سبيل الله, وفيكم
-أيها المؤمنون- عيون لهم يسمعون أخباركم,
وينقلونها إليهم. والله عليم
بهؤلاء المنافقين الظالمين, وسيجازيهم
على ذلك.




لَقَدْ ابْتَغَوْا
الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا
لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ
وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
(48)


لقد ابتغى المنافقون
فتنة المؤمنين عن دينهم
وصدهم عن سبيل الله من قبل غزوة
(تبوك), وكشف أمرهم, وصرَّفوا لك -أيها النبي-
الأمور في إبطال ما جئت به, كما فعلوا يوم
(أحد) ويوم (الخندق), ودبَّروا لك الكيد حتى
جاء النصر من عند الله, وأعز جنده ونصر دينه,
وهم كارهون له.




وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ ائْذَنْ لِ
ي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي
الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ
لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)


ومِن هؤلاء المنافقين
من يطلب الإذن للقعود عن الجهاد ويقول:
لا توقعْني في الابتلاء بما يعرض لي في
حالة الخروج من فتنة النساء. لقد سقط هؤلاء
المنافقون في فتنة
النفاق الكبرى. فإن جهنم لمحيطة
بالكافرين بالله واليوم الآخر, فلا يُفْلِت
منهم أحد.




إِنْ تُصِبْكَ
حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ
مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا
مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ
(50)


إن يصبك -أيها النبي-
سرور وغ
نيمة يحزن المنافقون, وإن يلحق
بك مكروه من هزيمة أو شدة يقولوا: نحن أصحاب
رأي وتدبير قد احتطنا لأنفسنا بتخلفنا
عن محمد, وينصرفوا وهم مسرورون بما صنعوا
وبما أصابك من السوء.




قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا
إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ
مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ
(51)


قل -أيها النبي-
لهؤلاء المتخاذلين زجرًا لهم وتوبيخًا:
لن يصيبنا إلا ما قدَّره الله علينا وكتبه
في اللوح المحفوظ, هو ناصرنا على أعدائنا,
وعلى الله, وحده فليعتمد المؤمنون به.




قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ
بِنَا إِلاَّ إِحْدَى
الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ
نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ
اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ
بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ
مُتَرَبِّصُونَ (52)


قل لهم -أيها النبي-:
هل تنتظرون بنا إلا شهادة أو ظفرًا بكم؟
ونحن ننتظر بكم أن يصيبكم الله بعقو
بة مِن عنده عاجلة تهلككم أو
بأيدينا فنقتلكم, فانتظروا إنا معكم منتظرون
ما الله فاعل بكل فريق منا ومنكم.




قُلْ أَنفِقُوا
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ
مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ
(53)


قل -أيها النبي-
للمنافقين: أنفقوا أموالكم كيف
شئتم, وعلى أي حال شئتم طائعين
أو كارهين, لن يقبل الله منكم نفقاتكم; لأنكم
قوم خارجون عن دين الله وطاعته.




وَمَا مَنَعَهُمْ
أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ
إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ
إِلاَّ وَهُمْ كُسَال
َى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ
كَارِهُونَ (54)


وسبب عدم قَبول
نفقاتهم أنهم أضمروا الكفر بالله عز وجل
وتكذيب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم,
ولا يأتون الصلاة إلا وهم متثاقلون, ولا
ينفقون الأموال إلا وهم كارهون, فهم لا
يرجون ثواب هذه الفرائض, ولا يخشون على
تركها عقابًا بسبب كفرهم.



فَلا تُعْجِبْكَ
أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ
أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)


فلا تعجبك -أيها
النبي- أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم,
إنما
يريد الله أن يعذبهم بها في الحياة
الدنيا بالتعب في تحصيلها وبالمصائب التي
تقع فيها, حيث لا يحتسبون ذلك عند الله,
وتخرج أنفسهم, فيموتوا على كفرهم بالله
ورسوله.




وَيَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا
هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُون
َ (56)

ويحلف هؤلاء المنافقون
بالله لكم أيها المؤمنون كذبًا وباطلا
إنهم لمنكم, وليسوا منكم, ولكنهم قوم يخافون
فيحلفون تَقِيَّة لكم.




لَوْ يَجِدُونَ
مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً
لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ
(57)


لو يجد هؤلاء المنافقون مأمنًا وحصنًا يحفظهم, أو كهفًا
في جبل يؤويهم, أو نفقًا في الأرض ينجيهم
منكم, لانصرفوا إليه وهم يسرعون.




وَمِنْهُمْ مَنْ
يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا
مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا
مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)


ومن المنافقين
مَن
يعيبك في قسمة الصدقات, فإن نالهم
نصيب منها رضوا وسكتوا, وإن لم يصبهم حظ
منها سخطوا عليك وعابوك.




وَلَوْ أَنَّهُمْ
رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا
إِلَى اللَّهِ رَاغِ
بُونَ (59)

ولو أن هؤلاء الذين
يعيبونك في قسمة الصدقات رضوا بما قسم الله
ورسوله لهم, وقالوا: حسبنا الله, سيؤتينا
الله من فضله, ويعطينا رسوله مما آتاه الله,
إنا نرغب أن يوسع الله علينا, فيغنينا عن
الصدقة وعن صدقات الناس. لو فعلوا ذلك لكان
خيرًا لهم وأجدى.




إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ
وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)


إنما تعطى الزكوات
ال
واجبة للمحتاجين الذين لا يملكون
شيئًا, وللمساكين الذين لا يملكون كفايتهم,
وللسعاة الذين يجمعونها, وللذين تؤلِّفون
قلوبهم بها ممن يُرْجَى إسلامه أو قوة إيمانه
أو نفعه للمسلمين, أو تدفعون بها شرَّ أحد
عن المسلمين, وتعطى في عتق رقاب الأرقاء
والمكاتبين, وتعطى
للغارمين لإصلاح ذات البين,
ولمن أثقلَتْهم الديون في غير فساد ولا
تبذير فأعسروا, وللغزاة في سبيل الله, وللمسافر
الذي انقطعت به النفقة, هذه القسمة فريضة
فرضها الله وقدَّرها. والله عليم بمصالح
عباده, حكيم في تدبيره وشرعه.




وَمِنْهُمْ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ النّ
َبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ
لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ (61)


ومن المنافقين
قوم يؤذون رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالكلام, ويقولون: إنه
يستمع لكل ما يقال له فيصدقه, قل لهم -أيها
النبي-: إن محمدًا هو أذن تستمع لكل خير,
يؤمن بالله ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه,
وهو رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه. والذين
يؤذون رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم
بأي نوع من أنواع الإيذاء
, لهم عذاب مؤلم موجع.



يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ
لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ
(62)


يحلف المنافقون
الأيمان الكاذبة, ويقدمون الأعذار الملفقة;
ليُرضُوا المؤمنين, والله ورسوله أحق وأولى
أن يُرضُوهما بال
إيمان بهما وطاعتهما, إن كانوا
مؤمنين حقًا.




أَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً
فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)


ألم يعلم هؤلاء
المنافقون أن مصير الذين يحاربون الله
ورسوله نارُ جهنم لهم
العذاب الدائم فيها؟ ذلك المصبر
هو الهوان والذل العظيم, ومن المحاربة أذِيَّة
رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبه والقدح
فيه, عياذًا بالله من ذلك.




يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ
أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ
بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئ
ُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ
مَا تَحْذَرُونَ (64)


يخاف المنافقون
أن تنزل في شأنهم سورة تخبرهم بما يضمرونه
في قلوبهم من الكفر, قل لهم -أيها النبي-:
استمروا على ما أنتم عليه من الاستهزاء
والسخرية, إن الله مخرج حقيقة ما تحذرون.




وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُ
نَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ
وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
(65)


ولئن سألتهم -أيها
النبي- عما قالوا من القَدْح في حقك وحق
أصحابك لَيَقولُنَّ: إنما كنا نتحدث بكلام
لا قصد لنا به, قل لهم -أيها النبي-: أبالله
عز وجل
وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟



لا تَعْتَذِرُوا
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ
طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ
(66)


لا تعتذروا -معشر
المنافقين- فلا جدوى مِن اعتذاركم, قد كفرتم
بهذا المقال الذي است
هزأتم به, إن نعف عن جماعة منكم
طلبت العفو وأخلصت في توبتها, نعذب جماعة
أخرى بسبب إجرامهم بهذه المقالة الفاجرة
الخاطئة.




الْمُنَافِقُونَ
وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ
عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِي
َهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ
(67)


المنافقون والمنافقات
صنف واحد في إعلانهم الإيمان واستبطانهم
الكفر, يأمرون بالكفر بالله ومعصية رسوله
وينهون عن الإيمان والطاعة, ويمسكون أيديهم
عن النفقة في سبيل الله, نسوا الله
فلا يذكرونه, فنسيهم من رحمته,
فلم يوفقهم إلى خير. إن المنافقين هم الخارجون
عن الإيمان بالله ورسوله.




وَعَدَ اللَّهُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ
نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ
حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ
عَذَابٌ مُق
ِيمٌ (68)

وعد الله المنافقين
والمنافقات والكفار بأن مصيرهم إلى نار
جهنم خالدين فيها أبدًا, هي كافيتهم; عقابًا
على كفرهم بالله, وطردهم الله مِن رحمته,
ولهم عذاب دائم.




كَالَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ
قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَو
ْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ
فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا
اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا
أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ
هُمْ الْخَاسِرُونَ (69)


إن أفعالكم -معشر المنافقين- من الاستهزاء
والكفر كأفعال الأمم السابقة التي كانت
على جانب من القوة والمال والأولاد أشد
منكم, فاطْمَأنوا إلى الحياة الدنيا, وتَمتَّعوا
بما فيها من الحظوظ والملذات, فاستمعتم
أيها المنافقون بنصيبكم من الشهوات الفانية
كاستمتاع الذين من
قبلكم بحظوظهم الفانية, وخضتم
بالكذب على الله كخوض تلك الأمم قبلكم,
أولئك الموصوفون بهذه الأخلاق هم الذين
ذهبت حسناتهم في الدنيا والآخرة, وأولئك
هم الخاسرون ببيعهم نعيم الآخرة بحظوظهم
من الدنيا.




أَلَمْ يَأْتِهِمْ
نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ
ن
ُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ
إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ
أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ
فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ
كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)


ألم يأت هؤلاء المنافقين
خبرُ الذين مضوا مِن قوم نوح و
قبيلة عاد وقبيلة ثمود وقوم
إبراهيم وأصحاب (مدين) وقوم لوط عندما جاءهم
المرسلون بالوحي وبآيات الله فكذَّبوهم؟
فأنزل الله بهؤلاء جميعًا عذابه; انتقامًا
منهم لسوء عملهم, فما كان الله ليظلمهم,
ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم بالتكذيب
والمخالفة.




وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ
اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(71)


والمؤمنون والمؤمنات بالله ورسوله
بعضهم أنصار بعض, يأمرون الناس بالإيمان
والعمل الصالح, وينهونهم عن الكفر والمعاصي,
ويؤدون الصلاة, ويعطون الزكاة, ويطيعون
الله ورسوله, وينتهون عما نُهوا عنه, أولئك
سيرحمهم الله فينقذهم من عذابه ويدخلهم
جنته. إن الله عزيز في ملك
ه, حكيم في تشريعاته وأحكامه.



وَعَدَ اللَّهُ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ
عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)


وعد الله المؤمنين والمؤمنات بالله
ورسوله جنات تجري من تحتها الأنهار ماكثين
فيها أبدًا, لا يزول عنهم نعيمها, ومساكن
حسنة البناء طيبة القرار في جنات إقامة,
ورضوان من الله أكبر وأعظم مما هم فيه من
النعيم. ذلك الوعد بثواب الآخرة هو الفلاح
العظيم.




يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ
وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
(73)


يا أيها النبي جاهد
الكفار بالسيف والمنافقين باللسان والحجة,
واشدد على كلا الفريقين, ومقرُّهم جهنم,
وبئس المصير مصيرهم.




يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا
كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ
إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا
وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ
يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ
يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْ
هُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ
فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ
(74)


يحلف المنافقون
بالله أنهم ما قالوا شيئًا يسيء إلى الرسول
وإلى المسلمين, إنهم لكاذبون; فلقد قالوا
كلمة الكفر وارتدوا بها عن الإسلام وحاولوا
ال
إضرار برسول الله محمد صلى الله
عليه وسلم, فلم يمكنهم الله من ذلك, وما
وجد المنافقون شيئًا يعيبونه, وينتقدونه,
إلا أن الله -تعالى- تفضل عليهم, فأغناهم
بما فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم من
الخير والبركة, فإن يرجع هؤلاء الكفار إلى
الإيمان والتوبة فهو خير له
م, وإن يعرضوا, أو يستمروا على
حالهم, يعذبهم الله العذاب الموجع في الدنيا
على أيدي المؤمنين, وفي الآخرة بنار جهنم,
وليس لهم منقذ ينقذهم ولا ناصر يدفع عنهم
سوء العذاب.




وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ
لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ
وَلَنَكُونَ
نَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (75)

ومن فقراء المنافقين
مَن يقطع العهد على نفسه: لئن أعطاه الله
المال ليصدَّقنَّ منه, وليعمَلنَّ ما يعمل
الصالحون في أموالهم, وليسيرَنَّ في طريق
الصلاح.




فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ
بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ
(76)

فلما أعطاهم الله
من فضله بخلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال
في الخير, وتولَّوا وهم معرضون عن الإسلام.




فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي
قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ
بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ
وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)


فكان جزاء صنيعهم وعاقبتهم أَنْ زادهم
نفاقًا على نفاقهم, لا يستطيعون التخلص
منه إلى يوم الحساب; وذلك بسبب إخلافهم
الوعد الذي قطعوه على أنفسهم, وبسبب نفاقهم
وكذبهم.




أَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ
وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ
(78)

ألم يعلم هؤلاء
المنافقون أن الله يعلم ما يخفونه في أنفسهم
وما يتحدثون به في مجالسهم من الكيد والمكر,
وأن الله علام الغيوب؟ فسيجازيهم على أعمالهم
التي أحصاها عليهم.




الَّذِينَ يَلْمِزُونَ
الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِي
نَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ
فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ
مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)


ومع بخل المنافغين
لا يَسْلَم المتصدقون من أذاهم; فإذا تصدق
الأغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم
بالرياء, وإذا تصدق الفقراء بما في طاقتهم
استهز
ؤوا بهم, وقالوا سخرية منهم:
ماذا تجدي صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلاء
المنافقين, ولهم عذاب مؤلم موجع.




اسْتَغْفِرْ لَهُمْ
أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ
لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ
اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللّ
َهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ
لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)


استغفر -أيها الرسول-
للمنافقين أو لا تستغفر لهم, فلن يغفر الله
لهم, مهما كثر استغفارك لهم وتكرر; لأنهم
كفروا بالله ورسوله. والله سبحانه وتعالى
لا يوفق للهدى الخارجين عن طاعته.




فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ
خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ
يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا
فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ
حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)


فرح المخلفون الذين
تخلفوا ع
ن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقعودهم في (المدينة) مخالفين لرسول الله
صلى الله عليه وسلم, وكرهوا أن يجاهدوا
معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله, وقال
بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحرِّ, وكانت
غزوة (تبوك) في وقت شدة الحرِّ. قل لهم -أيها
الرسول-: نار جهنم أشد حر
ًا, لو كانوا يعلمون ذلك.



فَلْيَضْحَكُوا
قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)


فليضحك هؤلاء المنافقون
الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة (تبوك)
قليلا في حياتهم الدنيا الفانية, وليبكوا
كثيرًا في نار جهنم; جزاءً بما كانوا يكسب
ون في الدنيا من النفاق والكفر.



فَإِنْ رَجَعَكَ
اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ
لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي
أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً
إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِ
فِينَ (83)

فإنْ رَدَّك الله
-أيها الرسول- مِن غزوتك إلى جماعة من المنافقين
الثابتين على النفاق, فاستأذنوك للخروج
معك إلى غزوة أخرى بعد غزوة (تبوك) فقل لهم:
لن تخرجوا معي أبدًا في غزوة من الغزوات,
ولن تقاتلوا معي عدوًا من الأعداء; إنكم
رضيتم بالقعود أول مرة
, فاقعدوا مع الذين تخلفوا عن
الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.




وَلا تُصَلِّ عَلَى
أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ
عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ
(84)


ولا تصلِّ -أيها
الرسول- أبدًا على أ
حد مات من المنافقين, ولا تقم
على قبره لتدعو له; لأنهم كفروا بالله تعالى
وبرسوله صلى الله عليه وسلم وماتوا وهم
فاسقون. وهذا حكم عام في كل من عُلِمَ نفاقه.




وَلا تُعْجِبْكَ
أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا
فِي ا
لدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ
وَهُمْ كَافِرُونَ (85)


ولا تعجبك -أيها
الرسول- أموال هؤلاء المنافقين وأولادهم,
إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا
بمكابدتهم الشدائد في شأنها, وبموتهم على
كفرهم بالله ورسوله.




وَإِذَا أُنزِلَتْ
سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِال
لَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ
اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ
وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ
(86)


وإذا أنزلت سورة
على محمد صلى الله عليه ولم تأمر بالإيمان
بالله والإخلاص له والجهاد مع رسول الله,
طلب الإذن منك -أيها الرسول- أولو ا
ليسار من المنافقين, وقالوا:
اتركنا مع القاعدين العاجزين عن الخروج.




رَضُوا بِأَنْ
يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ
(87)


رضي هؤلاء المنافقون
لأنفسهم بالعار, وهو أن يقعدوا في البيوت
مع النساء والصبيان وأصحاب الأعذا
ر, وختم الله على قلوبهم; بسبب
نفاقهم وتخلفهم عن الجهاد والخروج مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله, فهم
لا يفقهون ما فيه صلاحهم ورشادهم.




لَكِنْ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ
لَهُمْ الْ
خَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ
الْمُفْلِحُونَ (88)


إنْ تخلَّف هؤلاء
المنافقون عن الغزو, فقد جاهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه بأموالهم
وأنفسهم, وأولئك لهم النصر والغنيمة في
الدنيا, والجنة والكرامة في الآخرة, وأولئك
هم الفائزون.




أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)


أعدَّ الله لهم
يوم القيامة جنات تجري مِن تحت أشجارها
الأنهار ماكثين فيها أبدًا. وذلك هو الفلاح
العظيم.




وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ
مِنْ الأَعْرَابِ لِيُؤْذ
َنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ
كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ (90)


وجاء جماعة من أحياء
العرب حول (المدينة) يعتذرون إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم, ويبينون له ما هم فيه
من الضعف وعدم القدرة على الخروج للغ
زو, وقعد قوم بغير عذر أظهروه
جرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سيصيب الذين كفروا من هؤلاء عذاب أليم في
الدنيا بالقتل وغيره, وفي الآخرة بالنار.




لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ
وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ
لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِ
ذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)


ليس على أهل الأعذار
مِن الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا
يملكون من المال ما يتجهزون به للخروج إثم
في القعود إذا أخلصوا لله ورسوله, وعملوا
بشرعه, ما على
مَن أحسن ممن منعه العذر عن الجهاد
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو ناصح
لله ولرسوله من طريق يعاقب مِن قِبَلِه
ويؤاخذ عليه. والله غفور للمحسنين, رحيم
بهم.




وَلا عَلَى الَّذِينَ
إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ
لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ
تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ
تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ
يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92)


وكذلك لا إثم على
الذين إذا ما جاؤوك يطلبون أن تعينهم بحملهم
إلى الجهاد قلت لهم: لا أجد ما أحملكم عليه
من الدوابِّ, فانصرفوا عنك, وقد فاضت أعينهم
دَمعًا أسفًا على م
ا فاتهم من شرف الجهاد وثوابه;
لأنهم لم يجدوا ما ينفقون, وما يحملهم لو
خرجوا للجهاد في سبيل الله.




إِنَّمَا السَّبِيلُ
عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ
أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا
مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ فَهُمْ
لا يَعْلَمُونَ (93)

إنما الإثم واللوم
على الأغنياء الذين جاءوك -أيها الرسول-
يطلبون الإذن بالتخلف, وهم المنافقون الأغنياء
اختاروا لأنفسهم القعود مع النساء وأهل
الأعذار, وختم الله على قلوبهم بالنفاق,
فلا يدخلها إيمان, فهم لا يعلمون سوء عاقبتهم
بتخلفهم عنك و
تركهم الجهاد معك.


تابع تفسير سورة التوبة بالأسفل
**********************


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:21 pm

اقتباس :


تابع تفسير سورة التوبة
****************
الجزء الحادي عشر
:




يَعْتَذِرُونَ
إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ
قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ
قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ
وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ
ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ ال
ْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ
بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94)


يعتذر إليكم -أيها
المؤمنون- هؤلاء المتخلفون عن جهاد المشركين
بالأكاذيب عندما تعودون مِن جهادكم من
غزوة (تبوك), قل لهم -أيها الرسول-: لا تعتذروا
لن نصدقكم فيما تقولون, قد نبأنا الله من
أم
ركم ما حقق لدينا كذبكم, وسيرى
الله عملكم ورسوله, إن كنتم تتوبون من نفاقكم,
أو تقيمون عليه, وسيُظهر للناس أعمالكم
في الدنيا, ثم ترجعون بعد مماتكم إلى الذي
لا تخفى عليه بواطن أموركم وظواهرها, فيخبركم
بأعمالكم كلها, ويجازيكم عليها.




سَيَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ ل
َكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ
لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ
إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)


سيحلف لكم المنافقون
بالله -كاذبين معتذرين- إذا رجعتم إليهم
من الغزو; لتتركوهم دون مساءلة, فاجتنب
وهم وأعرضوا عنهم احتقارًا لهم,
إنهم خبثاء البواطن, ومكانهم الذي يأوون
إليه في الآخرة نار جهنم; جزاء بما كانوا
يكسبون من الآثام والخطايا.




يَحْلِفُونَ لَكُمْ
لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا
عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنْ
الْقَوْمِ الْفَاسِق
ِينَ (96)

يحلف لكم -أيها
المؤمنون- هؤلاء المنافقون كذبًا; لتَرضَوا
عنهم, فإن رضيتم عنهم -لأنكم لا تعلمون كذبهم-
فإن الله لا يرضى عن هؤلاء وغيرهم ممن استمروا
على الفسوق والخروج عن طاعة الله ورسوله.




الأَعْرَابُ أَشَدُّ
كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ
يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ
اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ (97)


الأعراب سكان البادية
أشد كفرًا ونفاقًا من أهل الحاضرة, وذلك
لجفائهم وقسوة قلوبهم وبُعدهم عن العلم
والعلماء, ومجالس الوعظ والذكر, فهم لذلك
أحق بأن لا يعلموا حدود الدين, وما أنزل
الله من الشرائع والأحكام. والله عليم بحال
هؤلاء جميعًا, حكيم في تدبيره لأمور عب
اده.



وَمِنْ الأَعْرَابِ
مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً
وَيَتَرَبَّصُ بِكُمْ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ
دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ (98)


ومن الأعراب مَن
يحتسب ما ينفق في سبيل الله غرامة وخسارة
لا يرجو له ثوابًا, ولا يدفع عن نفسه عقابً
ا, وينتظر بكم الحوادث والآفات,
ولكن السوء دائر عليهم لا بالمسلمين. والله
سميع لما يقولون عليم بنياتهم الفاسدة.




وَمِنْ الأَعْرَابِ
مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ
عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ
أَلا إِن
َّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ
اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)


ومن الأعراب مَن
يؤمن بالله ويقرُّ بوحدانيته وبالبعث بعد
الموت, والثواب والعقاب, ويحتسب ما ينفق
من نفقة في جهاد المشركين قاصدًا بها رضا
الله ومحبته, ويجعلها وسيلة
إلى دعاء الرسول صلى الله عليه
وسلم له, ألا إن هذه الأعمال تقربهم إلى
الله تعالى, سيدخلهم الله في جنته. إن الله
غفور لما فعلوا من السيئات, رحيم بهم.




وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ
رَضِ
يَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا
عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
(100)


والذين سبقوا الناس
أولا إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين
الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وانتقلوا إلى
دا
ر الإسلام, والأنصار الذين نصروا
رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه
الكفار, والذين اتبعوهم بإحسان في الاعتقاد
والأقوال والأعمال طلبًا لمرضاة الله سبحانه
وتعالى, أولئك الذين رضي الله عنهم لطاعتهم
الله ورسوله, ورضوا عنه لما أجزل لهم من
الثواب على طاعتهم
وإيمانهم, وأعدَّ لهم جنات تجري
تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا, ذلك هو
الفلاح العظيم. وفي هذه الآية تزكية للصحابة
-رضي الله عنهم- وتعديل لهم, وثناء عليهم;
ولهذا فإن توقيرهم من أصول الإيمان.




وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ
مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ
أَهْلِ
الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى
النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ
سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ
إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)


ومن القوم الذين
حول (المدينة) أعراب منافقون, ومن أهل (المدينة)
منافقون أقاموا على النفاق, وازدادوا فيه
طغيا
نًا, بحيث يخفى عليك -أيها الرسول-
أمرهم, نحن نعلمهم, سنعذبهم مرتين: بالقتل
والسبي والفضيحة في الدنيا, وبعذاب القبر
بعد الموت, ثم يُرَدُّون يوم القيامة إلى
عذاب عظيم في نار جهنم.




وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا
بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً
وَآخَرَ سَيِّ
ئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(102)


وآخرون من أهل (المدينة)
وممن حولها, اعترفوا بذنوبهم وندموا عليها
وتابوا منها, خلطوا العمل الصالح -وهو التوبة
والندم والاعتراف بالذنب وغير ذلك من الأعمال
الصالحة- بآخر سيِّئ- وهو
التخلف عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وغيره من الأعمال السيئة -عسى
الله أن يوفقهم للتوبة ويقبلها منهم. إن
الله غفور لعباده, رحيم بهم.




خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ
بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ
سَكَنٌ لَهُمْ وَا
للَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)

خذ -أيها النبي-
من أموال هؤلاء التائبين الذين خلطوا عملا
صالحا وآخر سيئا صدقة تطهرهم مِن دنس ذنوبهم,
وترفعهم عن منازل المنافقين إلى منازل
المخلصين, وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم واستغفر
لهم منها, إن دعاءك واستغفارك رحمة وطمأنينة
له
م. والله سميع لكل دعاء وقول,
عليم بأحوال العباد ونياتهم, وسيجازي كلَّ
عامل بعمله.




أَلَمْ يَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ
عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ
وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(104)


ألم يعلم هؤلاء
المتخلفون
عن الجهاد وغيرهم أن الله وحده
هو الذي يقبل توبة عباده, ويأخذ الصدقات
ويثيب عليها, وأن الله هو التواب لعباده
إذا رجعوا إلى طاعته, الرحيم بهم إذا أنابوا
إلى رضاه؟




وَقُلْ اعْمَلُوا
فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِل
َى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
(105)


وقل -أيها النبي-
لهؤلاء المتخلِّفين عن الجهاد: اعملوا
لله بما يرضيه من طاعته، وأداء فرائضه،
واجتناب المعاصي, فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون, وسيتبين أمركم, وسترجعون يوم
القيامة إلى مَن يعلم سركم وجهركم,
فيخبركم بما كنتم تعملون. وفي هذا تهديد
ووعيد لمن استمر على باطله وطغيانه.




وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ
لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ
وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)


ومن هؤلاء المتخلفين
عنكم -أ
يها المؤمنون- في غزوة (تبوك)
آخرون مؤخرون; ليقضي الله فيهم ما هو قاض.
وهؤلاء هم الذين ندموا على ما فعلوا, وهم:
مُرارة بن الربيع, وكعب بن مالك, وهلال بن
أُميَّة, إما يعذبهم الله, وإما يعفو عنهم.
والله عليم بمن يستحق العقوبة أو العفو,
حكيم في كل أقواله وأفعا
له.



وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا
مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ
حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ
وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ
الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ (107)


والمنافقون الذين بنوا مسجدًا; مضارة
للمؤمنين وكفرًا بالله وتفريقًا بين المؤمنين,
ليصلي فيه بعضهم ويترك مسجد (قباء) الذي
يصلي فيه المسلمون, فيختلف المسلمون ويتفرقوا
بسبب ذلك, وانتظارا لمن حارب الله ورسوله
من قبل -وهو أبو عامر الراهب الفاسق- ليكون
مكانًا للكيد للم
سلمين, وليحلفنَّ هؤلاء المنافقون
أنهم ما أرادوا ببنائه إلا الخير والرفق
بالمسلمين والتوسعة على الضعفاء العاجزين
عن السير إلى مسجد (قباء), والله يشهد إنهم
لكاذبون فيما يحلفون عليه. وقد هُدِم المسجد
وأُحرِق.




لا تَقُمْ فِيهِ
أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى
التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ
أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ
يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)


لا تقم -أيها النبي-
للصلاة في ذلك المسجد أبدًا; فإن المسجد
الذي أُسِّسَ على التقوى من أول يوم -وهو
مسجد (قباء)-
أولى أن تقوم فيه للصلاة, ففي
هذا المسجد رجال يحبون أن يتطهروا بالماء
من النجاسات والأقذار, كما يتطهرون بالتورع
والاستغفار من الذنوب والمعاصي. والله
يحب المتطهرين. وإذا كان مسجد (قباء) قد
أُسِّسَ على التقوى من أول يوم, فمسجد رسول
الله, صلى الله عليه وسلم, ك
ذلك بطريق الأولى والأحرى.



أَفَمَنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ
وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ
بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ
فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ
لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)


لا يستوي مَن أسَّس بنيانه على تقوى الله
وطاعته ومرضاته, ومن أسَّس بنيانه على طرف
حفرة متداعية للسقوط, فبنى مسجدًا ضرارًا
وكفرًا وتفريقًا بين المسلمين, فأدَّى
به ذلك إلى السقوط في نار جهنم. والله لا
يهدي القوم الظالمين المتجاوزين حدوده.




لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ
الَّ
ذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ
إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)


لا يزال بنيان المنافقين
الذي بنوه مضارَّة لمسجد (قباء) شكًا ونفاقًا
ماكثًا في قلوبهم, إلى أن تتقطع قلوبهم
بقتلهم أو موتهم, أو بندمهم غاية الندم,
وتوبتهم إ
لى ربهم, وخوفهم منه غاية الخوف.
والله عليم بما عليه هؤلاء المنافقون من
الشك وما قصدوا في بنائهم, حكيم في تدبير
أمور خلقه.




إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَ
يَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ
وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ
وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى
بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا
بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)


إن الله اشترى من
المؤمنين أنف
سهم بأن لهم في مقابل ذلك الجنة,
وما أعد الله فيها من النعيم لبذلهم نفوسهم
وأموالهم في جهاد أعدائه لإعلاء كلمته
وإظهار دينه, فيَقْتلون ويُقتَلون, وعدًا
عليه حقًا في التوراة المنزلة على موسى
عليه السلام, والإنجيل المنزل على عيسى
عليه السلام, والقرآن المنزل ع
لى محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا أحد أوفى بعهده من الله لمن وفَّى بما
عاهد الله عليه, فأظهِروا السرور-أيها المؤمنون-
ببيعكم الذي بايعتم الله به, وبما وعدكم
به من الجنة والرضوان, وذلك البيع هو الفلاح
العظيم.




التَّائِبُونَ
الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّا
ئِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ
الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ
عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ
اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (112)


ومن صفات هؤلاء
المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة
أنهم التائبون الراجعون عما كرهه الله
إلى ما ي
حبه ويرضاه, الذين أخلصوا العبادة
لله وحده وجدوا في طاعته, الذين يحمدون
الله على كل ما امتحنهم به من خير أو شر,
الصائمون, الراكعون في صلاتهم, الساجدون
فيها, الذين يأمرون الناس بكل ما أمر الله
ورسوله به, وينهونهم عن كل ما نهى الله عنه
ورسوله, المؤدون فرائض ا
لله المنتهون إلى أمره ونهيه,
القائمون على طاعته, الواقفون عند حدوده.
وبشِّر -أيها النبي- هؤلاء المؤمنين المتصفين
بهذه الصفات برضوان الله وجنته.




مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا
لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي
قُرْبَى م
ِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)


ما كان ينبغي للنبي
محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا أن
يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كانوا ذوي
قرابة لهم مِن بعد ما ماتوا على شركهم بالله
وعبادة الأوثان, وتبين لهم أنهم أصحاب الجحيم
لم
وتهم على الشرك, والله لا يغفر
للمشركين, كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) وكما قال
سبحانه: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ).




وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ
إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِ
دَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا
تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ
تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ
لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)


وما كان استغفار
إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك, إلا
عن موعدة وعدها إياه, وهي قوله: "سَأَسْتَغْفِرُ
لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَا
نَ بِي حَفِيًّا" . فلما تبيَّن
لإبراهيم أن أباه عدو لله ولم ينفع فيه
الوعظ والتذكير, وأنه سيموت كافرًا, تركه
وترك الاستغفار له, وتبرأ منه. إن إبراهيم
عليه السلام عظيم التضرع لله, كثير الصفح
عما يصدر مِن قومه من الزلات.




وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُضِلَّ قَوْم
اً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى
يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ
اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)


وما كان الله ليضلَّ
قومًا بعد أن مَنَّ عليهم بالهداية والتوفيق
حتى يبيِّن لهم ما يتقونه به, وما يحتاجون
إليه في أصول الدين وفروعه. إن الله بكل
شيء عل
يم, فقد علَّمكم ما لم تكونوا
تعلمون, وبيَّن لكم ما به تنتفعون, وأقام
الحجة عليكم بإبلاغكم رسالته.




إِنَّ اللَّهَ
لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ
وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (116)


إن لله مالك السموات
والأر
ض وما فيهن لا شريك له في الخلق
والتدبير والعبادة والتشريع, يحيي مَن
يشاء ويميت مَن يشاء, وما لكم مِن أحد غير
الله يتولى أموركم, ولا نصير ينصركم على
عدوكم.




لَقَدْ تَابَ اللَّهُ
عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاع
َةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ
مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ
رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)


لقد وفَّق الله
نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإنابة
إليه وطاعته, وتاب الله على المهاجرين الذين
هجروا ديارهم وعشيرتهم إلى
دار الإسلام, وتاب على أنصار
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا
معه لقتال الأعداء في غزوة (تبوك) في حرٍّ
شديد, وضيق من الزاد والظَّهْر, لقد تاب
الله عليهم من بعد ما كاد يَميل قلوب بعضهم
عن الحق, فيميلون إلى الدَّعة والسكون,
لكن الله ثبتهم وقوَّاهم وت
اب عليهم, إنه بهم رؤوف رحيم.
ومن رحمته بهم أنْ مَنَّ عليهم بالتوبة,
وقَبِلَها منهم, وثبَّتهم عليها.




وَعَلَى الثَّلاثَةِ
الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ
عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ
عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ
لا مَلْجَأ
َ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ
اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
(118)


وكذلك تاب الله
على الثلاثة الذين خُلِّفوا من الأنصار
-وهم كعب بن مالك وهلال بن أُميَّة ومُرَارة
بن الربيع- تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله
عليه
وسلم, وحزنوا حزنًا شديدًا,
حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بسَعَتها غمًّا
وندمًا بسبب تخلفهم, وضاقت عليهم أنفسهم
لِمَا أصابهم من الهم, وأيقنوا أن لا ملجأ
من الله إلا إليه, وفَّقهم الله سبحانه
وتعالى إلى الطاعة والرجوع إلى ما يرضيه
سبحانه. إن الله هو التواب على ع
باده, الرحيم بهم.



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ (119)


يا أيها الذين صدَّقوا
الله ورسوله وعملوا بشرعه، امتثلوا أوامر
الله واجتنبوا نواهيه في كل ما تفعلون وتتركون,
وكونوا مع الصادقين في أَيمانهم وعهودهم,
وفي ك
ل شأن من شؤونهم.



مَا كَانَ لأَهْلِ
الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ
الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ
عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ
ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي
سَبِيلِ اللَّه
ِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً
يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ
مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ
بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا
يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)


ما كان ينبغي لأهل
مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن
حولهم من سكان البادي
ة أن يتخلَّفوا في أهلهم ودورهم
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يرضوا
لأنفسهم بالراحة والرسول صلى الله عليه
وسلم في تعب ومشقة; ذلك بأنهم لا يصيبهم
في سفرهم وجهادهم عطش ولا تعب ولا مجاعة
في سبيل الله, ولا يطؤون أرضًا يُغضِبُ
الكفارَ وطؤهم إياها, ولا يصي
بون مِن عدو الله وعدوهم قتلا
أو هزيمةً إلا كُتِب لهم بذلك كله ثواب
عمل صالح. إن الله لا يضيع أجر المحسنين.




وَلا يُنفِقُونَ
نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا
يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ
لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا
كَانُوا يَعْمَ
لُونَ (121)

ولا ينفقون نفقة
صغيرة ولا كبيرة في سبيل الله, ولا يقطعون
واديًا في سيرهم مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في جهاده, إلا كُتِب لهم أجر عملهم;
ليجزيهم الله أحسن ما يُجْزَون به على أعمالهم
الصالحة.




وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ
لِيَنفِرُوا كَافَّةً
فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا
فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ (122)


وما كان ينبغي للمؤمنين
أن يخرجوا جميعًا لقتال عدوِّهم, كما لا
يستقيم لهم أن يقعدوا جميعًا,
فهلا خرج من كل فرقة جماعة تحصل
بهم الكفاية والمقصود; وذلك ليتفقه النافرون
في دين الله وما أنزل على رسوله, وينذروا
قومهم بما تعلموه عند رجوعهم إليهم, لعلهم
يحذرون عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب
نواهيه.




يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ
يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ
وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)


يا أيها الذين صدَّقوا
الله ورسوله وعملوا بشرعه، ابدؤوا بقتال
الأقرب فالأقرب إلى دار الإسلام من الكفار,
وليجد الكفار فيكم غِلْظة وشدة, واعلموا
أن ا
لله مع المتقين بتأييده ونصره.



وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ
سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ
زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً
وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)


وإذا ما أنزل الله
سورة من سور القرآن على رسوله, فمِن
هؤلاء المنافقين من يقول: -إنكارًا
واستهزاءً- أيُّكم زادته هذه السورة تصديقًا
بالله وآياته؟ فأما الذين آمنوا بالله
ورسوله فزادهم نزول السورة إيمانًا بالعلم
بها وتدبرها واعتقادها والعمل بها, وهم
يفرحون بما أعطاهم الله من الإيمان واليقين.




وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ
رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ
كَافِرُونَ (125)


وأما الذين في قلوبهم
نفاق وشك في دين الله, فإن نزول السورة يزيدهم
نفاقًا وشكًا إلى ما هم عليه من قبلُ من
النفاق والشك, وهلك هؤلاء وهم جاحدون بالله
وآياته.




أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ
فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ
(126)


أولا يرى المنافقون
أن الله يبتليهم بالقحط والشدة, وبإظهار
ما يبطنون من النفاق مرة أو مرتين في كل
عام؟ ثم هم مع ذلك لا يتوبون مِن
كفرهم ونفاقهم, ولا هم يتعظون
ولا يتذكرون بما يعاينون من آيات الله.




وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ
نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ
مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ
قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ
(127)


وإذا ما أُنزلت سورة تغَامَزَ المنافقون بالعيون
إنكارًا لنزولها وسخرية وغيظًا; لِمَا
نزل فيها مِن ذِكْر عيوبهم وأفعالهم, ثم
يقولون: هل يراكم من أحد إن قمتم من عند
الرسول؟ فإن لم يرهم أحد قاموا وانصرفوا
من عنده عليه الصلاة والسلام مخافة الفضيحة.
صرف الله قلوبهم عن الإيمان;
بسبب أنهم لا يفهمون ولا يتدبرون.



لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ
أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ
رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)


لقد جاءكم أيها
المؤمنون رسول من قومكم, يشق عليه ما تلقون
من المكروه والعنت, حريص على إيما
نكم وصلاح شأنكم, وهو بالمؤمنين
كثير الرأفة والرحمة.




فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
(129)


فإن أعرض المشركون
والمنافقون عن الإيمان بك -أيها الرسول-
فقل لهم: حسبي الله, ي
كفيني جميع ما أهمَّني, لا معبود
بحق إلا هو, عليه اعتمدت, وإليه فَوَّضْتُ
جميع أموري; فإنه ناصري ومعيني, وهو رب العرش
العظيم, الذي هو أعظم المخلوقات.

*************************************************************
مع تفسير سورة يونس*



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:23 pm

اقتباس :

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



10- سورة
يونس






الر تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)


(الر) سبق الكلام
على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.


هذه آيات الكتاب
المحكم الذي أحكمه الله وبيَّنه لعباده.




أَكَانَ لِلنَّاسِ
عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ
مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشّ
ِرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ
لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ
قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ
مُبِينٌ (2)


أكان أمرًا عجبًا
للناس إنزالنا الوحي بالقرآن على رجل منهم
ينذرهم عقاب الله, ويبشِّر الذين آمنوا
بالله ورسله أن لهم أجرًا حسنًا بما قدَّم
وا من صالح الأعمال؟ فلما أتاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي الله
وتلاه عليهم, قال المنكرون: إنَّ محمدًا
ساحر, وما جاء به سحر ظاهر البطلان.




إِنَّ رَبَّكُمْ
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَ
رْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا
مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ
ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ
أَفَلا تَذَكَّرُونَ (3)


إن ربكم الله الذي
أوجد السموات والأرض في ستة أيام, ثم استوى
-أي علا وارتفع- على العرش استواء يليق بجلاله
وعظمته, يدبر أمور
خلقه, لا يضادُّه في قضائه أحد,
ولا يشفع عنده شافع يوم القيامة إلا من
بعد أن يأذن له بالشفاعة, فاعبدوا الله
ربكم المتصف بهذه الصفات, وأخلصوا له العبادة.
أفلا تتعظون وتعتبرون بهذه الآيات والحجج؟




إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ
جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ
كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ
وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ
(4)


إلى ربكم معادكم
يوم القيامة جميعًا, وهذا وعد الله الحق,
هو
الذي يبدأ إيجاد الخلق ثم يعيده
بعد الموت, فيوجده حيًا كهيئته الأولى,
ليجزي مَن صَدَّق الله ورسوله, وعمل الأعمال
الحسنة أحسن الجزاء بالعدل. والذين جحدوا
وحدانية الله ورسالة رسوله لهم شراب من
ماء شديد الحرارة يشوي الوجوه ويقطِّع
الأمعاء, ولهم عذاب موجع بسبب
كفرهم وضلالهم.



هُوَ الَّذِي جَعَلَ
الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً
وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ
السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ
ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)


الله هو الذي جعل
الشمس ضياء
, وجعل القمر نورًا, وقدَّر القمر
منازل, فبالشمس تعرف الأيام, وبالقمر تعرف
الشهور والأعوام, ما خلق الله تعالى الشمس
والقمر إلا لحكمة عظيمة, ودلالة على كمال
قدرة الله وعلمه, يبيِّن الحجج والأدلة
لقوم يعلمون الحكمة في إبداع الخلق.




إِنَّ فِي اخْتِلافِ
اللَّي
ْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ
اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَّقُونَ (6)


إن في تعاقب الليل
والنهار وما خلق الله في السموات والأرض
من عجائب الخلق وما فيهما من إبداع ونظام,
لأدلة وحججًا واضحة لقوم يخشون عقاب الله
وسخطه وعذابه.




إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا
بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا
غَافِلُونَ (7)


إن الذين لا يطمعون
في لقائنا في الآخرة للحساب, وما يتلوه
من الجزاء على الأعمال لإنكارهم البعث,
ورضوا بالحياة الدنيا عوض
ًا عن الآخرة, وركنوا إليها,
والذين هم عن آياتنا الكونية والشرعية
ساهون.




أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ
النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (Cool


أولئك مقرُّهم
نار جهنم في الآخرة; جزاء بما كانوا يكسبون
في دنياهم من الآثام والخطايا.




إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُ
وا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ
رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ (9)


إن الذين آمنوا
بالله ورسوله وعملوا الصالحات يدلهم ربهم
إلى طريق الجنة ويوفقهم إلى العمل الموصل
إليه؛ بسبب إيمانهم ، ثم يثيبهم بدخول الجنة
وإحلال رضوانه عليهم, تجري من
تحتهم الأنهار في جنات النعيم.




دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ
وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)


دعاؤهم في الجنة
التسبيح (سبحانك اللهم)، وتحية الله وملا
ئكته لهم, وتحية بعضهم بعضًا
في الجنة (سلام)، وآخر دعائهم قولهم: "الحمد
لله رب العالمين" أي: الشكر والثناء لله
خالق المخلوقات ومربِّيها بنعمه.




وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ
الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ
لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ
الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا
فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)


ولو يعجِّل الله
للناس إجابة دعائهم في الشر كاستعجاله
لهم في الخير بالإجابة لهلكوا, فنترك الذين
لا يخافون عقابنا, ولا يوقنون بالبعث والنشور
في تمرُّدهم وعتوِّهم, يترددون حائرين.




وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ
دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ
قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ
مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ
مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)


وإذا أصاب الإنسانَ
الشدةُ استغاث بنا
في كشف ذلك عنه مضطجعًا لجنبه
أو قاعدًا أو قائمًا, على حسب الحال التي
يكون بها عند نزول ذلك الضرِّ به. فلما كشفنا
عنه الشدة التي أصابته استمرَّ على طريقته
الأولى قبل أن يصيبه الضر, ونسي ما كان فيه
من الشدة والبلاء, وترك الشكر لربه الذي
فرَّج عنه ما كان قد
نزل به من البلاء, كما زُيِّن
لهذا الإنسان استمراره على جحوده وعناده
بعد كشف الله عنه ما كان فيه من الضر, زُيِّن
للذين أسرفوا في الكذب على الله وعلى أنبيائه
ما كانوا يعملون من معاصي الله والشرك به.




وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَ
لَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ
بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا
كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ
(13)


ولقد أهلكنا الأمم
التي كذَّبت رسل الله من قبلكم -أيها المشركون
بربهم- لـمَّا أشركوا, وجاءتهم رسلهم من
عند الله بالمعجزات الواضحات والح
جج التي تبين صدق مَن جاء بها,
فلم تكن هذه الأمم التي أهلكناها لتصدق
رسلها وتنقاد لها, فاستحقوا الهلاك, ومثل
ذلك الإهلاك نجزي كل مجرم متجاوز حدود الله.




ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ
فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ
كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)


ثم جعلناكم -أيها الناس- خَلَفًا في الأرض
من بعد القرون الـمُهْلَكة, لننظر كيف تعملون:
أخيرًا أم شرًا, فنجازيكم بذلك حسب عملكم.




وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ
آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ
لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ
غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ
مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ
مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ
إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ
إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
(15)


وإذا تتلى على المشركين
آيات الله التي أنزلناها إليك -أيها الرسول-
واضحات, قال الذين لا يخافون ا
لحساب, ولا يرجون الثواب, ولا
يؤمنون بيوم البعث والنشور: ائت بقرآن غير
هذا, أو بدِّل هذا القرآن: بأن تجعل الحلال
حرامًا, والحرام حلالا والوعد وعيدًا, والوعيد
وعدًا, وأن تُسْقط ما فيه مِن عيب آلهتنا
وتسفيه أحلامنا, قل لهم -أيها الرسول- : إن
ذلك ليس إليَّ, وإ
نما أتبع في كل ما آمركم به وأنهاكم
عنه ما ينزله عليَّ ربي ويأمرني به, إني
أخشى من الله -إن خالفت أمره- عذاب يوم عظيم
وهو يوم القيامة.




قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا
تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ
بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً
مِنْ قَبْلِهِ أَ
فَلا تَعْقِلُونَ (16)

قل لهم -أيها الرسول-:
لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم, ولا
أعلمكم الله به, فاعلموا أنه الحق من الله,
فإنكم تعلمون أنني مكثت فيكم زمنًا طويلا
من قبل أن يوحيه إليَّ ربي, ومن قبل أن أتلوه
عليكم, أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر؟




فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً
أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ
الْمُجْرِمُونَ (17)


لا أحد أشد ظلمًا
ممن اختلق على الله الكذب أو كذَّب بآياته
إنه لا ينجح مَن كذَّب أنبياء الله ورسله,
ولا ينالون الفلاح.




وَيَعْبُدُونَ
م
ِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ
وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ
شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ
اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ
وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)


ويعبد هؤلاء المشركون
من
دون الله ما لا يضرهم شيئًا,
ولا ينفعهم في الدنيا والآخرة, ويقولون:
إنما نعبدهم ليشفعوا لنا عند الله, قل لهم
-أيها الرسول- : أتخبرون الله تعالى بشيء
لا يعلمه مِن أمر هؤلاء الشفعاء في السموات
أو في الأرض؟ فإنه لو كان فيهما شفعاء يشفعون
لكم عنده لكان أعلم به
م منكم, فالله تعالى منزَّه عما
يفعله هؤلاء المشركون من إشراكهم في عبادته
ما لا يضر ولا ينفع.




وَمَا كَانَ النَّاسُ
إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
(19)


كان الناس على دين واحد وهو الإسلام, ثم
اختلفوا بعد ذلك, فكفر بعضهم, وثبت بعضهم
على الحق. ولولا كلمة سبقت من الله بإمهال
العاصين وعدم معاجلتهم بذنوبهم لقُضِيَ
بينهم: بأن يُهْلك أهل الباطل منهم, وينجي
أهل الحق.




وَيَقُولُونَ
لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّ
هِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ
لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ
مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ (20)


ويقول هؤلاء الكفرة
المعاندون: هلاَّ أُنزل على محمد علم ودليل,
وآية حسية من ربه نعلم بها أنه على حق فيما
يقول, فقل لهم -أيها الرسول-: لا يعلم الغيب
أحد إلا الله, ف
إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل, فانتظروا
-أيها القوم- قضاء الله بيننا وبينكم بتعجيل
عقوبته للمبطل منا, ونصرة صاحب الحق, إني
منتظر ذلك.




وَإِذَا أَذَقْنَا
النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ
مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا
قُلْ اللَّهُ أَسْرَع
ُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ
مَا تَمْكُرُونَ (21)


وإذا أذقنا المشركين
يسرًا وفرجًا ورخاءً بعد عسر وشدة وكرب
أصابهم, إذا هم يكذِّبون, ويستهزئون بآيات
الله, قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين
المستهزئين: الله أسرع مكرًا واستدراجًا
وعقوبة لكم. إن حَفَظ
َتَنا الذين نرسلهم إليكم يكتبون
عليكم ما تمكرون في آياتنا, ثم نحاسبكم
على ذلك.




هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ
فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا
كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ
بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا
رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُ
مْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ
أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ
مِنْ الشَّاكِرِينَ (22)


هو الذي يسيِّركم
-أيها الناس- في البر على الدواب وغيرها,
وفي البحر في السُّفُ
ن, حتى إذا كنتم فيها وجرت بريح
طيبة, وفرح ركاب السفن بالريح الطيبة, جاءت
هذه السفنَ ريحٌ شديدة, وجاء الركابَ الموجُ
(وهو ما ارتفع من الماء) من كل مكان, وأيقنوا
أن الهلاك قد أحاط بهم, أخلصوا الدعاء لله
وحده, وتركوا ما كانوا يعبدون, وقالوا: لئن
أنجيتنا من هذ
ه الشدة التي نحن فيها لنكونن
من الشاكرين لك على نِعَمك.




فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ
إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا
بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا
مَرْجِعُكُمْ فَنُن
َبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (23)


فلما أنجاهم الله
من الشدائد والأهوال إذا هم يعملون في الأرض
بالفساد وبالمعاصي. يا أيها الناس إنما
وَبالُ بغيكم راجع على أنفسكم, لكم متاع
في الحياة الدنيا الزائلة, ثم إلينا مصيركم
ومرجعكم, فنخبركم بجميع أعمالكم, ون
حاسبكم عليها.



إِنَّمَا مَثَلُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ
مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ
الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ
حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا
وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ
قَادِر
ُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا
لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا
حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (24)


إنما مثل الحياة
الدنيا وما تتفاخرون به فيها من زينة وأموال,
كمثل مطر أنزلناه من السماء إل
ى الأرض, فنبتت به أنواع من النبات
مختلط بعضها ببعض مما يقتات به الناس من
الثمار, وما تأكله الحيوانات من النبات,
حتى إذا ظهر حُسْنُ هذه الأرض وبهاؤها,
وظن أهل هذه الأرض أنهم قادرون على حصادها
والانتفاع بها, جاءها أمرنا وقضاؤنا بهلاك
ما عليها من النبات, والز
ينة إما ليلا وإما نهارًا, فجعلنا
هذه النباتات والأشجار محصودة مقطوعة لا
شيء فيها, كأن لم تكن تلك الزروع والنباتات
قائمة قبل ذلك على وجه الأرض, فكذلك يأتي
الفناء على ما تتباهَون به من دنياكم وزخارفها
فيفنيها الله ويهلكها. وكما بيَّنا لكم
-أيها الناس- مَثَلَ
هذه الدنيا وعرَّفناكم بحقيقتها,
نبيِّن حججنا وأدلتنا لقوم يتفكرون في
آيات الله, ويتدبرون ما ينفعهم في الدنيا
والآخرة.




وَاللَّهُ يَدْعُو
إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)


والله يدعوكم إلى
جناته التي أعدها لأوليائ
ه, ويهدي مَن يشاء مِن خَلْقه,
فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم, وهو الإسلام.




لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا
الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ
وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
(26)


للمؤمنين الذين
أحسنوا عبادة ا
لله فأطاعوه فيما أمر ونهى, الجنةُ,
وزيادة عليها, وهي النظر إلى وجه الله تعالى
في الجنة, والمغفرةُ والرضوان, ولا يغشى
وجوههم غبار ولا ذلة, كما يلحق أهل النار.
هؤلاء المتصفون بهذه الصفات هم أصحاب الجنة
ماكثون فيها أبدًا.




وَالَّذِينَ كَسَبُوا
السَّيِّئَاتِ
جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا
وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ
اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ
وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ (27)


والذين عملوا السيئات
في الدنيا فكفروا وعص
َوا الله لهم جزاء أعمالهم السيئة
التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الآخرة,
وتغشاهم ذلَّة وهوان, وليس لهم مِن عذاب
الله مِن مانع يمنعهم إذا عاقبهم, كأنما
أُلبست وجوههم طائفة من سواد الليل المظلم.
هؤلاء هم أهل النار ماكثون فيها أبدًا.




وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ
أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ
فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ
مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)


واذكر -أيها الرسول-
يوم نحشر الخلق جميعا للحساب والجزاء, ثم
نقول للذين أشركوا بالله: ا
لزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم
الذين كنتم تعبدونهم من دون الله حتى تنظروا
ما يُفْعل بكم, فَفَرَّقْنا بين المشركين
ومعبوديهم, وتبرَّأ مَن عُبِدُوا مِن دون
الله ممن كانوا يعبدونهم, وقالوا للمشركين:
ما كنتم إيانا تعبدون في الدنيا.




فَكَفَى بِاللَّهِ
شَهِيداً بَي
ْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا
عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)


فكفى بالله شهيدًا
بيننا وبينكم, إننا لم نكن نعلم ما كنتم
تقولون وتفعلون, ولقد كنَّا عن عبادتكم
إيانا غافلين, لا نشعر بها.




هُنَالِكَ تَبْلُو
كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا
إِلَى ا
للَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
(30)


في ذلك الموقف للحساب
تتفقد كل نفس أحوالها وأعمالها التي سلفت
وتعاينها, وتجازى بحسبها: إن خيرًا فخير,
وإن شرًا فشر, ورُدَّ الجميع إلى الله الحكم
العدل, فأُدخِلَ أهل الجنةِ الجنةَ وأهل
النار النار, وذهب عن المشركين
ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه.




قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ
مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ
السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ
الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّر
ُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ
اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31)


قل -أيها الرسول-
لهؤلاء المشركين: مَن يرزقكم من السماء,
بما يُنزله من المطر, ومن الأرض بما ينبته
فيها من أنواع النبات والشجر تأكلون منه
أنتم وأنعامكم؟ ومَن يملك ما تتمتعون به
أنتم وغيركم من حو
اسِّ السمع والأبصار؟ ومن ذا
الذي يملك الحياة والموت في الكون كلِّه,
فيخرج الأحياء والأموات بعضها من بعض فيما
تعرفون من المخلوقات, وفيما لا تعرفون؟
ومَن يدبِّر أمر السماء والأرض وما فيهن,
وأمركم وأمر الخليقة جميعًا؟ فسوف يجيبونك
بأن الذي يفعل ذلك كله هو الل
ه, فقل لهم: أفلا تخافون عقاب
الله إن عبدتم معه غيره؟




فَذَلِكُمْ اللَّهُ
رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ
إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ
(32)


فذلكم الله ربكم
هو الحق الذي لا ريب فيه, المستَحِق للعبادة
وحده لا شريك له, فأي شيء سوى الحق إل
ا الضلال؟, فكيف تُصْرَفون عن
عبادته إلى عبادة ما سواه؟




كَذَلِكَ حَقَّتْ
كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا
أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33)


كما كفر هؤلاء المشركون
واستمرُّوا على شركهم, حقت كلمة ربك وحكمه
وقضاؤه على الذين خرجوا عن طاعة ربهم إلى
معصيته
وكفروا به أنَّهم لا يصدقون
بوحدانية الله, ولا بنبوة نبيِّه محمد صلى
الله عليه وسلم, ولا يعملون بهديه.




قُلْ هَلْ مِنْ
شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ
(34)


قل لهم -أيها الرسول- : هل من آلهتكم ومعبوداتكم
مَن يبدأ خَلْق أي شيء من غير أصل, ثم يفنيه
بعد إنشائه, ثم يعيده كهيئته قبل أن يفنيه؟
فإنهم لا يقدرون على دعوى ذلك, قل -أيها
الرسول-: الله تعالى وحده هو الذي ينشئ الخلق
ثم يفنيه ثم يعيده, فكيف تنصرفون عن طريق
الحق إلى
الباطل, وهو عبادة غير الله؟



قُلْ هَلْ مِنْ
شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ
يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ
أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى
فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)


قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين:
هل مِن شركائكم مَن يرشد إلى الطريق المستقيم؟
فإنهم لا يقدرون على ذلك, قل لهم: الله وحده
يهدي الضال عن الهدى إلى الحق. أيهما أحق
بالاتباع: مَن يهدي وحده للحق أم من لا يهتدي
لعدم علمه ولضلاله, وهي شركاؤكم التي لا
تَهدي ولا تَهتدي
إلا أن تُهدَى؟ فما بالكم كيف
سوَّيتم بين الله وخلقه؟ وهذا حكم باطل.




وَمَا يَتَّبِعُ
أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ
لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)


وما يتبع أكثر هؤلاء
المشركين في جعلهم الأصنام آلهة
واعتقادهم بأنها تقرِّب إلى
الله إلا تخرصًا وظنًا, وهو لا يغني من اليقين
شيئًا. إن الله عليم بما يفعل هؤلاء المشركون
من الكفر والتكذيب.




وَمَا كَانَ هَذَا
الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ
يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ
الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ
مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)


وما كان يتهيَّأ
لأحد أن يأتي بهذا القرآن مِن عند غير الله,
لأنه لا يقدر على ذلك أحد من الخلق, ولكن
الله أنزله مصدِّقا للكتب التي أنزلها
على أنبيائه; لأن دين الله واحد, وفي هذا
القرآن بيان وتفصيل لما
شرعه الله لأمة محمد صلى الله
عليه وسلم, لا شك في أن هذا القرآن موحىً
من رب العالمين.




أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ
وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)


بل أيقولون: إن
هذا القرآن افتراه محمد من عند نفسه؟ فإنهم
يعلمون أنه بشر مثلهم!! قل لهم -أيها الرسول-:
فأتوا أنتم بسورة واحدة من جنس هذا القرآن
في نظمه وهدايته, واستعينوا على ذلك بكل
مَن قَدَرْتم عليه من دون الله من إنس وجن,
إن كنتم صادقين في دعواكم.




بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا
بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ
كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ
(39)


بل سارَعوا إلى
التكذيب بالقرآن أول ما سمعوه, قبل أن يتدبروا
آياته, وكفروا بما لم يحيطو
ا بعلمه من ذكر البعث والجزاء
والجنة والنار وغير ذلك, ولم يأتهم بعدُ
حقيقة ما وُعِدوا به في الكتاب. وكما كذَّب
المشركون بوعيد الله كذَّبت الأمم التي
خلت قبلهم, فانظر -أيها الرسول- كيف كانت
عاقبة الظالمين؟ فقد أهلك الله بعضهم بالخسف,
وبعضهم بالغرق, وبعضهم بغ
ير ذلك.



وَمِنْهُمْ مَنْ
يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ
بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ
(40)


ومِن قومك -أيها
الرسول- مَن يصدِّق بالقرآن, ومنهم من لا
يصدِّق به حتى يموت على ذلك ويبعث عليه,
وربك أعلم بالمفسدين الذين لا يؤمنون به
على وجه
الظلم والعناد والفساد, فيجازيهم
على فسادهم بأشد العذاب.




وَإِنْ كَذَّبُوكَ
فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ
أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ
وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)


وإن كذَّبك -أيها
الرسول- هؤلاء المشركون فقل لهم: لي ديني
وعملي, و
لكم دينكم وعملكم, فأنتم لا تؤاخَذون
بعملي, وأنا لا أؤاخَذ بعملكم.




وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ
الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ
(42)


ومِنَ الكفار مَن
يسمعون كلامك الحق, وتلاوتك القرآن, ولكنهم
لا يهتدون. أفأنت تَقْدر عل
ى إسماع الصم؟ فكذلك لا تقدر
على هداية هؤلاء إلا أن يشاء الله هدايتهم;
لأنهم صمٌّ عن سماع الحق, لا يعقلونه.




وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي
الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ
(43)


ومِنَ الكفار مَن
ينظر إليك وإلى أدلة نبوتك الصادق
ة, ولكنه لا يبصر ما آتاك الله
من نور الإيمان, أفأنت -أيها الرسول- تقدر
على أن تخلق للعمي أبصارًا يهتدون بها؟
فكذلك لا تقدر على هدايتهم إذا كانوا فاقدي
البصيرة, وإنما ذلك كلُّه لله وحده.




إِنَّ اللَّهَ
لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ
النَّاسَ أَنْفُ
سَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)

إن الله لا يظلم
الناس شيئًا بزيادة في سيئاتهم أو نقص من
حسناتهم, ولكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم
بالكفر والمعصية ومخالفة أمر الله ونهيه.




وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ
كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً
مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ
بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا
مُهْتَدِينَ (45)


ويوم يَحشر الله
هؤلاء المشركين يوم البعث والحساب, كأنهم
قبل ذلك لم يمكثوا في الحياة الدنيا إلا
قدر ساعة من النهار, يعرف بعضهم بعضًا كحالهم
في الدنيا, ثم انقطعت تلك
المعرفة وانقضت تلك الساعة.
قد خسر الذين كفروا وكذَّبوا بلقاء الله
وثوابه وعقابه, وما كانوا موفَّقين لإصابة
الرشد فيما فعلوا.


يتبــــع تفسير سورة يونس






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:30 pm

اقتباس :


تابــــع تفسير سورة يونس

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ
الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ
فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ
شَهِيدٌ عَلَى مَا يَف
ْعَلُونَ (46)

وإمَّا نرينَّك
-أيها الرسول- في حياتك بعض الذي نَعِدُهم
من العقاب في الدنيا, أو نتوفينك قبل أن
نريك ذلك فيهم, فإلينا وحدنا يرجع أمرهم
في الحالتين, ثم الله شهيد على أفعالهم
التي كانوا يفعلونها في الدنيا, لا يخفى
عليه شيء منها, فيجازيهم بها جزا
ءهم الذي يستحقونه.



وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ
فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ
بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (47)


ولكل أمة خَلَتْ
قبلكم -أيها الناس- رسول أرسلتُه إليهم,
كما أرسلت محمدًا إليكم يدعو إلى دين الله
وطاعته, فإذا جاء رسولهم في الآ
خرة قُضِيَ حينئذ بينهم بالعدل,
وهم لا يُظلمون مِن جزاء أعمالهم شيئًا.




وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)


ويقول المشركون
من قومك -أيها الرسول-: متى قيام الساعة
إن كنت أنت ومَن تبعك من الصادقين فيما
تَعِدوننا به؟




قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا
نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ
أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ
فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ
(49)


قل لهم -أيها الرسول-:
لا أستطيع أن أدفع عن نفسي ضرًا, ولا أجلب
لها نفعًا, إلا ما شاء الله أن ي
دفع عني مِن ضرٍّ أو يجلب لي
من نفع. لكل قوم وقت لانقضاء مدتهم وأجلهم,
إذا جاء وقت انقضاء أجلهم وفناء أعمارهم,
فلا يستأخرون عنه ساعة فيُمْهلون, ولا يتقدم
أجلهم عن الوقت المعلوم.




قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ
نَهَاراً مَاذَا يَسْ
تَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)

قل -أيها الرسول-
لهؤلاء المشركين: أخبروني إن أتاكم عذاب
الله ليلا أو نهارًا, فأي شيء تستعجلون
أيها المجرمون بنزول العذاب؟




أَثُمَّ إِذَا
مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ أَالآنَ وَقَدْ
كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)


أبعدما وقع عذاب
الله بكم -أيها المشرك
ون- آمنتم في وقت لا ينفعكم فيه
الإيمان؟ وقيل لكم حينئذ: آلآن تؤمنون به,
وقد كنتم من قبل تستعجلون به؟




ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ
تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ
(52)


ثم قيل للذين ظلموا
أنفسهم بكفرهم بالله:
تجرَّعوا عذاب الله الدائم لكم
أبدًا, فهل تُعاقَبون إلا بما كنتم تعملون
في حياتكم من معاصي الله؟




وَيَسْتَنْبِئُونَكَ
أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ
لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ
(53)


ويستخبرك هؤلاء
المشركون من قومك -أيها الرسول- عن العذاب
ي
وم القيامة, أحقٌّ هو؟ قل لهم
-أيها الرسول-: نعم وربي إنه لحق لا شك فيه,
وما أنتم بمعجزين الله أن يبعثكم ويجازيكم,
فأنتم في قبضته وسلطانه.




وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ
نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ
بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا
رَأَوْا الْعَذ
َابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54)


ولو أن لكل نفس
أشركت وكفرت بالله جميع ما في الأرض, وأمكنها
أن تجعله فداء لها من ذلك العذاب لافتدت
به, وأخفى الذين ظلموا حسرتهم حين أبصروا
عذاب الله واقعا بهم جميعًا, وقضى الله
عز وجل بينهم بال
عدل, وهم لا يُظلَمون؛ لأن الله
تعالى لا يعاقب أحدا إلا بذنبه.




أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي
السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لا يَعْلَمُونَ (55)


ألا إن كل ما في
السموات وما في الأرض ملك لله تعالى, لا
شيء من ذلك
لأحد سواه. ألا إن لقاء الله
تعالى وعذابه للمشركين كائن, ولكن أكثرهم
لا يعلمون حقيقة ذلك.




هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ (56)


إن الله هو المحيي
والمميت لا يتعذَّر عليه إحياء الناس بعد
موتهم, كما لا تعجزه إماتتهم إذا أراد ذلك,
وهم إليه راجعون
بعد موتهم.



يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)


يا أيها الناس قد
جاءتكم موعظة من ربكم تذكِّركم عقاب الله
وتخوفكم وعيده, وهي القرآن وما اشتمل عليه
من الآيا
ت والعظات لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم,
وفيه دواء لما في القلوب من الجهل والشرك
وسائر الأمراض, ورشد لمن اتبعه من الخلق
فينجيه من الهلاك, جعله سبحانه وتعالى نعمة
ورحمة للمؤمنين, وخصَّهم بذلك; لأنهم المنتفعون
بالإيمان, وأما الكافرون فهو عليهم عَمَى.




قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)


قل -أيها الرسول-
لجميع الناس: بفضل الله وبرحمته, وهو ما
جاءهم من الله من الهدى ودين الحق وهو الإسلام,
فبذلك فليفرحوا; فإن الإسلام الذي دعاهم
الله إليه, والقرآن الذي أن
زله على محمد صلى الله عليه وسلم,
خير مما يجمعون من حطام الدنيا وما فيها
من الزهرة الفانية الذاهبة.




قُلْ أَرَأَيْتُمْ
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ
فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً
قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى
اللَّهِ تَفْتَرُونَ
(59)

قل -أيها الرسول-
لهؤلاء الجاحدين للوحي: أخبروني عن هذا
الرزق الذي خلقه الله لكم من الحيوان والنبات
والخيرات فحلَّلتم بعض ذلك لأنفسكم وحرَّمتم
بعضه, قل لهم: آلله أذن لكم بذلك, أم تقولون
على الله الباطل وتكذبون؟ وإنهم ليقولون
على الله الباطل ويكذبون.




وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو
فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لا يَشْكُرُونَ (60)


وما ظنُّ هؤلاء
الذين يتخرصون على الله الكذب يوم الحساب,
فيضيفون إليه تحريم ما لم يحرمه عليهم
من الأرزاق والأقوات, أن الله
فاعل بهم يوم القيامة بكذبهم وفِرْيَتِهم
عليه؟ أيحسبون أنه يصفح عنهم ويغفر لهم؟
إن الله لذو فضل على خلقه; بتركه معاجلة
مَن افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا
وإمهاله إياه, ولكن أكثر الناس لا يشكرون
الله على تفضله عليهم بذلك.




وَمَا تَكُونُ
فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ
قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ
إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ
تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ
رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ
وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ
ذَلِكَ
وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ (61)


وما تكون -أيها
الرسول- في أمر مِن أمورك وما تتلو من كتاب
الله من آيات, وما يعمل أحد من هذه الأمة
عملا من خير أو شر إلا كنا عليكم شهودًا
مُطَّلِعين عليه, إذ تأخذون في ذلك, وتعملونه,
فنحفظه عليكم ونجزيكم به, وما
يغيب عن علم ربك -أيها الرسول-
من زنة نملة صغيرة في الأرض ولا في السماء,
ولا أصغر الأشياء ولا أكبرها, إلا في كتاب
عند الله واضح جلي, أحاط به علمه وجرى به
قلمه.




أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ (62)


ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم في الآخرة من
عقاب الله, ولا هم يحزنون على ما فاتهم من
حظوظ الدنيا.




الَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)


وصفات هؤلاء الأولياء,
أنهم الذين صدَّقوا الله واتبعوا رسوله
وما جاء به من عند الله, وكانوا يتقون الله
بامتثال أوامره, واجتناب
معاصيه.



لَهُمْ الْبُشْرَى
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ
لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ
هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)


لهؤلاء الأولياء
البشارة من الله في الحياة الدنيا بما يسرُّهم,
وفي الآخرة بالجنة, لا يخلف الله وعده ولا
يغيِّره, ذلك
هو الفوز العظيم; لأنه اشتمل
على النجاة مِن كل محذور, والظَّفَر بكل
مطلوب محبوب.




وَلا يَحْزُنْكَ
قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ
جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(65)


ولا يحزنك -أيها
الرسول- قول المشركين في ربهم وافتراؤهم
عليه وإشراكهم معه الأوثان
والأصنام; فإن الله تعالى هو
المتفرد بالقوة الكاملة والقدرة التامة
في الدنيا والآخرة, وهو السميع لأقوالهم,
العليم بأفعالهم ونياتهم.




أَلا إِنَّ لِلَّهِ
مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
شُرَكَا
ءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ
الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
(66)


ألا إن لله كل مَن
في السموات ومن في الأرض من الملائكة, والإنس,
والجن وغير ذلك. وأي شيء يتَّبع مَن يدعو
غير الله من الشركاء؟ ما يتَّبعون إلا الشك,
وإن هم إلا يكذبون فيما ينسبونه إلى ال
له.



هُوَ الَّذِي جَعَلَ
لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ
وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)


هو الذي جعل لكم
-أيها الناس- الليل لتسكنوا فيه وتهدؤوا
من عناء الحركة في طلب المعاش, وجعل لكم
النهار; لتبصروا فيه, ولتسع
َوْا لطلب رزقكم. إن في اختلاف
الليل والنهار وحال أهلهما فيهما لَدلالةً
وحججًا على أن الله وحده هو المستحق للعبادة,
لقوم يسمعون هذه الحجج, ويتفكرون فيها.




قَالُوا اتَّخَذَ
اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ
لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ
بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا
لا تَعْلَمُونَ (68)


قال المشركون: اتخذ
الله ولدًا, كقولهم: الملائكة بنات الله,
أو المسيح ابن الله. تقدَّس الله عن ذلك
كله وتنزَّه, هو الغني عن كل ما سواه, له
كل ما في السموات والأر
ض, فكيف يكون له ولد ممن خلق وكل
شيء مملوك له؟ وليس لديكم دليل على ما تفترونه
من الكذب, أتقولون على الله ما لا تعلمون
حقيقته وصحته؟




قُلْ إِنَّ الَّذِينَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
لا يُفْلِحُونَ (69)


قل: إن الذين يفترون
على الله الكذب باتخاذ الولد
وإضافة الشريك إليه, لا ينالون
مطلوبهم في الدنيا ولا في الآخرة.




مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا
ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمْ
الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا
يَكْفُرُونَ (70)


إنما يتمتعون في
الدنيا بكفرهم وكذبهم متاعًا قصيرًا, ثم
إذا انقضى أج
لهم فإلينا مصيرهم, ثم نذيقهم
عذاب جهنم بسبب كفرهم بالله وتكذيبهم رسل
الله, وجحدهم آياته.




وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا
قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي
وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى
اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَ
جْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ
ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ
غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ
(71)


واقصص -أيها الرسول-
على كفار "مكة" خبر نوح -عليه السلام-
مع قومه حين قال لهم: إن كان عَظُمَ عليكم
مقامي فيكم وتذكيري إياكم بحجج ال
له وبراهينه فعلى الله اعتمادي
وبه ثقتي, فأعدُّوا أمركم, وادعوا شركاءكم,
ثم لا تجعلوا أمركم عليكم مستترًا بل ظاهرًا
منكشفًا, ثم اقضوا عليَّ بالعقوبة والسوء
الذي في إمكانكم, ولا تمهلوني ساعة من نهار.




فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ
فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
(72)


فإن أعرضتم عن دعوتي
فإنني لم أسألكم أجرًا; لأن ثوابي عند ربي
وأجري عليه سبحانه, وحده لا شريك له, وأمرت
أن أكون من المنقادين لحكمه.




فَكَذَّبُوهُ
فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِ
ي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ
خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُنْذَرِينَ (73)


فكذب نوحًا قومُه
فيما أخبرهم به عن الله, فنجَّيناه هو ومن
معه في السفينة, وجعلناهم يَخْلُفون المكذبين
في الأرض, وأغرقنا
الذين جحدوا حججنا, فتأمل -أيها
الرسول- كيف كان عاقبة القوم الذين أنذرهم
رسولهم عذاب الله وبأسه؟




ثُمَّ بَعَثْنَا
مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ
فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا
لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ
قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْب
َعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ
(74)


ثم بعثنا من بعد
نوح رسلا إلى أقوامهم (هودًا وصالحًا وإبراهيم
ولوطًا وشعيبًا وغيرَهم) فجاء كل رسول قومه
بالمعجزات الدالة على رسالته, وعلى صحة
ما دعاهم إليه, فما كانوا ليصدِّقوا ويعملوا
بما كذَّب به قوم نوح ومَن سبقهم من
الأمم الخالية. وكما ختم الله
على قلوب هؤلاء الأقوام فلم يؤمنوا, كذلك
يختم على قلوب مَن شابههم ممن بعدهم من
الذين تجاوزوا حدود الله, وخالفوا ما دعاهم
إليه رسلهم من طاعته عقوبة لهم على معاصيهم.




ثُمَّ بَعَثْنَا
مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى
فِرْع
َوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا
فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ
(75)


ثم بعثنا مِن بعد
أولئك الرسل موسى وهارون عليهما السلام
إلى فرعون وأشراف قومه بالمعجزات الدالة
على صدقهما, فاستكبروا عن قَبول الحق, وكانوا
قومًا مشركين مجرمين مكذبين.




فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا
قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ
(76)


فلما أتى فرعونَ
وقومَه الحقُّ الذي جاء به موسى قالوا:
إن الذي جاء به موسى من الآيات إنما هو سحر
ظاهر.




قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ
لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ
هَذَا وَلا يُ
فْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)
قال لهم موسى متعجبًا
مِن قولهم: أتقولون للحق لما جاءكم: إنه
سحر مبين؟ انظروا وَصْفَ ما جاءكم وما اشتمل
عليه تجدوه الحق. ولا يفلح الساحرون, ولا
يفوزون في الدنيا ولا في الآخرة.




قَالُوا أَجِئْتَنَا
لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَ
لَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ
لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ
وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)


قال فرعون وملؤه
لموسى: أجئتنا لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا
من عبادة غير الله, وتكون لكما أنت وهارون
العظمة والسلطان في أرض "مصر"؟ وما
نحن لكما بمقرِّين
بأنكما رسولان أُرسلتما إلينا;
لنعبد الله وحده لا شريك له.




وَقَالَ فِرْعَوْنُ
ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79)


وقال فرعون: جيئوني
بكل ساحر متقن للسحر.




فَلَمَّا جَاءَ
السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا
مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)


فلما جاء السحرة فرعون قال لهم موسى: ألقوا
على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيِّكم.




فَلَمَّا أَلْقَوْا
قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ
إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ
لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)


فلما ألقَوا حبالهم
وعصيَّهم قال لهم موسى: إنَّ
الذي جئتم به وألقيتموه هو السحر,
إن الله سيُذْهب ما جئتم به وسيُبطله, إن
الله لا يصلح عمل مَن سعى في أرض الله بما
يكرهه, وأفسد فيها بمعصيته.




وَيُحِقُّ اللَّهُ
الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُجْرِمُونَ (82)


ويثبِّت الله الحق
الذي جئتكم به من عن
ده فيُعليه على باطلكم بكلماته
وأمره, ولو كره المجرمون أصحاب المعاصي
مِن آل فرعون.




فَمَا آمَنَ لِمُوسَى
إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى
خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ
أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ
لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ
ال
ْمُسْرِفِينَ (83)

فما آمن لموسى عليه
السلام مع ما أتاهم به من الحجج والأدلة
إلا ذرية من قومه من بني إسرائيل, وهم خائفون
من فرعون وملئه أن يفتنوهم بالعذاب, فيصدُّوهم
عن دينهم, وإن فرعون لَجبار مستكبر في الأرض,
وإنه لمن المتجاوزين الحد في الكفر والفساد.




وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ
كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ
تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ
(84)


وقال موسى: يا قومي
إن صدقتم بالله -جلَّ وعلا- وامتثلتم شرعه
فثقوا به, وسلِّموا لأمره, وعلى الله توكلوا
إن كنتم مذعنين له بالطاعة.




فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا
لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(85)


فقال قوم موسى له:
على الله وحده لا شريك له اعتمدنا, وإليه
فوَّضنا أمرنا, ربنا لا تنصرهم علينا فيكون
ذلك فتنة لنا عن الدين، أو يُفتن الكفارُ
بنصرهم، فيقولوا: لو كانوا عل
ى حق لما غُلبوا.



وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ
مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)


ونجِّنا برحمتك
من القوم الكافرين فرعون وملئه; لأنهم كانوا
يأخذونهم بالأعمال الشاقة.




وَأَوْحَيْنَا
إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا
لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَل
ُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (87)


وأوحينا إلى موسى
وأخيه هارون أن اتخذا لقومكما بيوتًا في
"مصر" تكون مساكن وملاجئ تعتصمون بها,
واجعلوا بيوتكم أماكن تصلُّون فيها عند
الخوف, وأدُّوا الصلاة المفروضة في أوقاتها.
وبشِّ
ر المؤمنين المطيعين لله بالنصر
المؤزر, والثواب الجزيل منه سبحانه وتعالى.




وَقَالَ مُوسَى
رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ
وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ
سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ
و
َاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ
فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ
الأَلِيمَ (88)


وقال موسى: ربنا
إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه زينة من متاع
الدنيا; فلم يشكروا لك, وإنما استعانوا
بها على الإضلال عن سبيلك, ربنا اطمس على
أموالهم, فلا ينتفعوا بها, واختم على ق
لوبهم حتى لا تنشرح للإيمان,
فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الشديد الموجع.




قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ
دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِ
سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89)


قال الله تعالى
لهما: قد أجيبت دعوتكما في فرعون وملئه
وأموالهم -وكان موسى يدعو,
وهارون يؤمِّن على دعائه, فمن
هنا نسبت الدعوة إلى الاثنين- فاستقيما
على دينكما, واستمرَّا على دعوتكما فرعون
وقومه إلى توحيد الله وطاعته, ولا تسلكا
طريق مَن لا يعلم حقيقة وعدي ووعيدي.




وَجَاوَزْنَا
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ
فِرْعَوْنُ وَ
جُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً
حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ
آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي
آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا
مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90)


وقطَعْنا ببني
إسرائيل البحر حتى جاوزوه, فأتبعهم فرعون
وجنوده ظلمًا وعدوانًا, فسلكو
ا البحر وراءهم, حتى إذا أحاط
بفرعون الغرق قال: آمنتُ أنه لا إله إلا
الذي آمنتْ به بنو إسرائيل, وأنا من الموحدين
المستسلمين بالانقياد والطاعة.


أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91)


آلآن يا فرعون,
وقد نزل بك الموت تقرُّ لله بالعب
ودية, وقد عصيته قبل نزول عذابه
بك, وكنت من المفسدين الصادين عن سبيله!!
فلا تنفعك التوبة ساعة الاحتضار ومشاهدة
الموت والعذاب.




فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ
بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ
آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ
عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)


فاليوم نجعلك على
مرتفع من الأرض ببدنك, ينظر إليك من كذَّب
بهلاكك; لتكون لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون
بك. فإن كثيرًا من الناس عن حججنا وأدلتنا
لَغافلون, لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون.




وَلَقَدْ بَوَّأْنَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ
وَرَزَقْنَاهُم
ْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَمَا
اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمْ الْعِلْمُ
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
(93)


ولقد أنزلنا بني
إسرائيل منزلا صالحًا مختارًا في بلاد
"الشام" و"مصر", ورزقناهم الرزق
الحلال الطيب
من خيرات الأرض المباركة, فما
اختلفوا في أمر دينهم إلا مِن بعد ما جاءهم
العلم الموجب لاجتماعهم وائتلافهم, ومن
ذلك ما اشتملت عليه التوراة من الإخبار
بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. إن ربك -أيها
الرسول- يقضي بينهم يوم القيامة, ويَفْصِل
فيما كانوا يختلفون فيه م
ن أمرك, فيدخل المكذبين النار
والمؤمنين الجنة.




فَإِنْ كُنْتَ
فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ
مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ
(94)


فإن كنت -أيها الرسول- في ريب من حقيقة ما أخبرناك به
فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك من أهل
التوراة والإنجيل, فإن ذلك ثابت في كتبهم,
لقد جاءك الحق اليقين من ربك بأنك رسول
الله, وأن هؤلاء اليهود والنصارى يعلمون
صحة ذلك, ويجدون صفتك في كتبهم, ولكنهم ينكرون
ذلك مع علمهم به, فلا ت
كوننَّ من الشاكِّين في صحة
ذلك وحقيقته.




وَلا تَكُونَنَّ
مِنْ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ
فَتَكُونَ مِنْ الْخَاسِرِينَ (95)


ولا تكونن -أيها
الرسول- من الذين كذَّبوا بحجج الله وأدلته
فتكون من الخاسرين الذين سخِطَ الله عليهم
ونالوا عقابه.




إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ
كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (96)


إن الذين حقَّت
عليهم كلمة ربك -أيها الرسول- بطردهم من
رحمته وعذابه لهم, لا يؤمنون بحجج الله,
ولا يقرُّون بوحدانيته, ولا يعملون بشرعه.




وَلَوْ جَاءَتْهُمْ
كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَاب
َ الأَلِيمَ (97)

ولو جاءتهم كل موعظة
وعبرة حتى يعاينوا العذاب الموجع, فحينئذ
يؤمنون, ولا ينفعهم إيمانهم.




فَلَوْلا كَانَتْ
قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا
إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا
كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ
فِي الْحَيَاةِ ال
دُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ
إِلَى حِينٍ (98)


لم ينفع الإيمان
أهل قرية آمنوا عند معاينة العذاب إلا أهل
قرية يونس بن مَتَّى, فإنهم لـمَّا أيقنوا
أن العذاب نازل بهم تابوا إلى الله تعالى
توبة نصوحا, فلمَّا تبيَّن منهم الصدق في
توبتهم كشف الله عنهم عذاب الخزي بعد
أن اقترب منهم, وتركهم في الدنيا
يستمتعون إلى وقت إنهاء آجالهم.




وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى
يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)


ولو شاء ربك -أيها
الرسول- الإيمان لأهل الأرض كلهم لآمنوا
جميعً
ا بما جئتهم به, ولكن له حكمة
في ذلك; فإنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء
وَفْق حكمته, وليس في استطاعتك أن تُكْره
الناس على الإيمان.




وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ
أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ
وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ
لا يَعْقِلُونَ (100)


وما كان لنفس أن تؤمن بالله إلا بإذنه وتوفيقه,
فلا تُجهد نفسك في ذلك, فإن أمرهم إلى الله.
ويجعل الله العذاب والخزي على الذين لا
يعقلون أمره ونهيه.




قُلْ انْظُرُوا
مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ
وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ
(101)


قل -أيها الرسول-
لقومك: تفكروا واعتبروا بما في السموات
والأرض من آيات الله البينات, ولكن الآيات
والعبر والرسل المنذرة عباد الله عقابه,
لا تنفع قومًا لا يؤمنون بشيء من ذلك؛ لإعراضهم
وعنادهم.




فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ
إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا
مِ
نْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا
إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ
(102)


فهل ينتظر هؤلاء
إلا يومًا يعاينون فيه عذاب الله مثل أيام
أسلافهم المكذبين الذين مَضَوا قبلهم؟
قل لهم -أيها الرسول-: فانتظروا عقاب الله
إني معكم من المنتظرين عقابكم.




ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا
كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ
(103)


ثم ننجِّي رسلنا
والذين آمنوا معهم, وكما نجينا أولئك ننجِّيك
-أيها الرسول- ومن آمن بك تفضلا منَّا ورحمة.




قُلْ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ
دِينِي
فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ
اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ
أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (104)


قل -أيها الرسول-
لهؤلاء الناس: إن كنتم في شك من صحة ديني
الذي دعوتكم إليه, وهو الإسلام ومن ثباتي
واستق
امتي عليه, وترجون تحويلي عنه,
فإني لا أعبد في حال من الأحوال أحدًا من
الذين تعبدونهم مما اتخذتم من الأصنام
والأوثان, ولكن أعبد الله وحده الذي يميتكم
ويقبض أرواحكم, وأُمِرْت أن أكون من المصدِّقين
به العاملين بشرعه.




وَأَنْ أَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفا
ً وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
(105)


وأن أقم -أيها الرسول-
نفسك على دين الإسلام مستقيمًا عليه غير
مائل عنه إلى يهودية ولا نصرانية ولا عبادة
غيره, ولا تكونن ممن يشرك في عبادة ربه الآلهة
والأنداد, فتكون من الهالكين. وهذا وإن
كان خطابًا للرسول صلى الل
ه عليه وسلَّم فإنه موجَّه لعموم
الأمة .




وَلا تَدْعُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا
يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ
إِذاً مِنْ الظَّالِمِينَ (106)


ولا تَدْعُ -أيها
الرسول- من دون الله شيئًا من الأوثان والأصنام;
لأنها لا تنفع ولا تضرُّ, فإن
فعَلْت ذلك ودعوتها من دون الله
فإنك إذًا من المشركين بالله, الظالمين
لأنفسهم بالشرك والمعصية. وهذا وإن كان
خطابًا للرسول صلى الله عليه وسلَّم فإنه
موجَّه لعموم الأمة .




وَإِنْ يَمْسَسْكَ
اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ
هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر
ٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ
بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)


وإن يصبك الله -أيها
الرسول- بشدة أو بلاء فلا كاشف لذلك إلا
هو جلَّ وعلا وإن يُرِدْك برخاء أو نعمة
لا يمنعه عنك أحد, يصيب الله عز وجل بالسراء
والضراء من يشا
ء من عباده, وهو الغفور لذنوب
مَن تاب, الرحيم بمن
آمن به وأطاعه.
قُلْ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا
يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا
يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ
بِوَكِيلٍ (
108)

قل -أيها الرسول-
لهؤلاء الناس: قد جاءكم رسول الله بالقرآن
الذي فيه بيان هدايتكم, فمن اهتدى بهدي
الله فإنما ثمرة عمله راجعة إليه, ومن انحرف
عن الحق وأصرَّ على الضلال فإنما ضلاله
وضرره على نفسه, وما أنا موكَّل بكم حتى
تكونوا مؤمنين, إنما أنا رسول مبلِّغ
أبلِّغكم ما أُرْسِلْت به.



وَاتَّبِعْ مَا
يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ
اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
(109)


واتبع -أيها الرسول-
وحي الله الذي يوحيه إليك فاعمل به, واصبر
على طاعة الله تعالى، وعن معصيته، وعلى
أذى من آذاك في تبليغ رسالته,
حتى يقضي الله فيهم وفيك أمره,
وهو -عزَّ وجل- خير الحاكمين; فإن حكمه مشتمل
على العدل التام.

التالى تفسير سورة هود
***********************


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:35 pm

اقتباس :

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



تفسير سورة هود
***********************



11- سورة
هود






الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ
آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ
حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)


(الر) سبق الكلام
على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.


هذا الكتاب الذي أنزله الله على محمد صلى
الله عليه وسلم أُحكمت آياته من الخلل والباطل,
ثم بُيِّنت بالأمر والنهي وبيان الحلال
والحرام من عند الله, الحكيم بتدبير الأمور,
الخبير بما تؤول إليه عواقبها.




أَلاَّ تَعْبُدُوا
إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ
نَذِيرٌ وَب
َشِيرٌ (2)

وإنزال القرآن
وبيان أحكامه وتفصيلها وإحكامها; لأجل
أن لا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له.
إنني لكم -أيها الناس- من عند الله نذير
ينذركم عقابه, وبشير يبشِّركم بثوابه.




وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ
مَتَاعاً
حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)


واسألوه أن يغفر
لكم ذنوبكم, ثم ارجعوا إليه نادمين يمتعْكم
في دنياكم متاعًا حسنًا بالحياة الطيبة
فيها, إلى أن يحين أجلك
م, ويُعطِ كل ذي فضل من علم وعمل
جزاء فضله كاملا لا نقص فيه, وإن تعرضوا
عمَّا أدعوكم إليه فإني أخشى عليكم عذاب
يوم شديد, وهو يوم القيامة. وهذا تهديد شديد
لمن تولَّى عن أوامر الله تعالى وكذَّب
رسله.




إِلَى اللَّهِ
مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِ
يرٌ (4)

إلى الله رجوعكم
بعد موتكم جميعًا فاحذروا عقابه, وهو سبحانه
قادر على بعثكم وحشركم وجزائكم.




أَلا إِنَّهُمْ
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا
مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ
يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِ
ذَاتِ الصُّدُورِ (5)

إن هؤلاء المشركين
يضمرون في صدورهم الكفر; ظنًا منهم أنه
يخفى على الله ما تضمره نفوسهم, ألا يعلمون
حين يغطُّون أجسادهم بثيابهم أن الله لا
يخفى عليه سِرُّهم وعلانيتهم؟ إنه عليم
بكل ما تُكِنُّه صدورهم من النيات والضمائر
والسرائر.















الجزء الثاني عشر
:




وَمَا مِنْ دَابَّةٍ
فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا
وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا
كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)


لقد تكفَّل الله
برزق جميع ما دبَّ على وجه الأرض, تفضلا
منه, ويعلم مكان استقراره في حياته وبعد
موته
, ويعلم الموضع الذي يموت فيه,
كل ذلك مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع
ذلك.




وَهُوَ الَّذِي
خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ
قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُ
ونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ
(7)


وهو الذي خلق السموات
والأرض وما فيهن في ستة أيام, وكان عرشه
على الماء قبل ذلك; ليختبركم أيكم أحسن
له طاعةً وعملا وهو ما كان خالصً
ا لله موافقًا لما كان عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم. ولئن قلت -أيها
الرسول- لهؤلاء المشركين من قومك: إنكم
مبعوثون أحياءً بعد موتكم, لسارعوا إلى
التكذيب وقالوا: ما هذا القرآن الذي تتلوه
علينا إلا سحر بيِّن.




وَلَئِنْ أَخَّرْنَا
عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِلَ
ى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ
مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ
لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ
مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (Cool


ولئن أخَّرنا عن
هؤلاء المشركين العذاب إلى أجل معلوم فاستبطؤوه,
ليقولُنَّ استهزاء وتكذيبًا: أي شيء يمنع
ه
ذا العذاب من الوقوع إن كان حقًا؟
ألا يوم يأتيهم ذلك العذاب لا يستطيع أن
يصرفه عنهم صارف, ولا يدفعه دافع, وأحاط
بهم من كل جانب عذاب ما كانوا يستهزئون
به قبل وقوعه بهم.




وَلَئِنْ أَذَقْنَا
الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا
مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُو
سٌ كَفُورٌ (9)

ولئن أعطينا الإنسان
مِنَّا نعمة من صحة وأمن وغيرهما, ثم سلبناها
منه, إنه لَشديد اليأس من رحمة الله, جَحود
بالنعم التي أنعم الله بها عليه.




وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ
نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ
لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي
إِن
َّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)

ولئن بسطنا للإنسان
في دنياه ووسَّعنا عليه في رزقه بعد ضيق
من العيش, ليقولَنَّ عند ذلك: ذهب الضيق
عني وزالت الشدائد, إنه لبَطِر بالنعم,
مبالغ في الفخر والتعالي على الناس.




إِلاَّ الَّذِينَ
صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَ
ئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ
كَبِيرٌ (11)


لكن الذين صبروا
على ما أصابهم من الضراء إيمانًا بالله
واحتسابًا للأجر عنده, وعملوا الصالحات
شكرا لله على نعمه, هؤلاء لهم مغفرة لذنوبهم
وأجر كبير في الآخرة.




فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ
بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائ
ِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا
لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ
مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
(12)


فلعلك -أيها الرسول
لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب- تارك
بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمر
ك بتبليغه, وضائق به صدرك; خشية
أن يطلبوا منك بعض المطالب على وجه التعنت,
كأن يقولوا: لولا أُنزل عليه مال كثير, أو
جاء معه ملك يصدقه في رسالته, فبلغهم ما
أوحيته إليك; فإنه ليس عليك إلا الإنذار
بما أُوحي إليك. والله على كل شيء حفيظ يدَبِّر
جميع شؤون خلقه.




أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ
قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ
مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ
(13)


بل أيقول هؤلاء
المشركون من أهل "مكة": إن محمدًا قد
افترى هذا القرآن؟ قل لهم: إن كان الأمر
كما تزعمو
ن فأتوا بعشر سور مثله مفتريات,
وادعوا من استطعتم من جميع خلق الله ليساعدوكم
على الإتيان بهذه السور العشر, إن كنتم
صادقين في دعواكم.




فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا
لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ
بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ
هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ (14)

فإن لم يستجب هؤلاء
المشركون لكم -أيها الرسول ومَن آمن معك-
لما تدعونهم إليه; لِعَجْز الجميع عن ذلك,
فاعلموا أن هذا القرآن إنما أنزله الله
على رسوله بعلمه وليس من قول البشر, واعلموا
أن لا إله يُعبد بحق إلا الله, فهل أنتم
-بعد قيام هذه الحجة
عليكم- مسلمون منقادون لله ورسوله؟



مَنْ كَانَ يُرِيدُ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ
إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ
فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15)


من كان يريد بعمله
الحياة الدنيا ومُتَعها نعطهم ما قُسِم
لهم من ثواب أعمالهم في الحياة الدني
ا كاملا غير منقوص.



أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ
وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)


أولئك ليس لهم في
الآخرة إلا نار جهنم يقاسون حرَّها, وذهب
عنهم نَفْع ما عملوه, وكان عملهم باطلا
لأنه لم
يكن لوجه الله.



أَفَمَنْ كَانَ
عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ
شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ
مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ
يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ
مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ
فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِن
ْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ
(17)


أفمَن كان على حجة
وبصيرة من ربه فيما يؤمن به, ويدعو إليه
بالوحي الذي أنزل الله فيه هذه البينة,
ويتلوها برهان آخر شاهد منه, وهو جبريل
أو محمد عليهما السلام, ويؤيد ذلك برهان
ثا
لث من قبل القرآن, وهو التوراة
-الكتاب الذي أنزل على موسى إمامًا ورحمة
لمن آمن به-, كمن كان همه الحياة الفانية
بزينتها؟ أولئك يصدِّقون بهذا القرآن ويعملون
بأحكامه, ومن يكفر بهذا القرآن من الذين
تحزَّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجزاؤه النار, يَرِدُه
ا لا محالة, فلا تك -أيها الرسول-
في شك من أمر القرآن وكونه من عند الله تعالى
بعد ما شهدت بذلك الأدلة والحجج, واعلم
أن هذا الدين هو الحق من ربك, ولكن أكثر
الناس لا يصدِّقون ولا يعملون بما أُمروا
به. وهذا توجيه عام لأمة محمد صلى الله عليه
وسلم.




وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى
اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ
عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ
هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ
أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ
(18)


ولا أحد أظلم ممن
اختلق على الله كذبًا, أولئك سيعرضون على
ربه
م يوم القيامة; ليحاسبهم على
أعمالهم, ويقول الأشهاد من الملائكة والنبيين
وغيرهم: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم في
الدنيا قد سخط الله عليهم, ولعنهم لعنة
لا تنقطع; لأن ظلمهم صار وصفًا ملازمًا
لهم.




الَّذِينَ يَصُدُّونَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا
عِوَجا
ً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
(19)


هؤلاء الظالمون
الذين يمنعون الناس عن سبيل الله الموصلة
إلى عبادته, ويريدون أن تكون هذه السبيل
عوجاء بموافقتها لأهوائهم, وهم كافرون
بالآخرة لا يؤمنون ببعث ولا جزاء.




أُوْلَئِكَ لَمْ
يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْ
ضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ
لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ
السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ
(20)


أولئك الكافرون
لم يكونوا ليفوتوا الله في الدنيا هربًا,
وما كان لهم مِن أنصار يمنعونهم من عقابه.
يضاعَف
ُ لهم العذاب في جهنم; لأنهم
كانوا لا يستطيعون أن يسمعوا القرآن سماع
منتفع, أو يبصروا آيات الله في هذا الكون
إبصار مهتد; لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا
عليه مقيمين.




أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ
مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)


أولئك الذين خسروا أنفسهم بافترائهم
على الله, وذهب عنهم ما كانوا يفترون من
الآلهة التي يدَّعون أنها تشفع لهم.




لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ
هُمْ الأَخْسَرُونَ (22)


حقًا أنهم في الآخرة
أخسر الناس صفقة; لأنهم استبدلوا الدركات
بالدرجات, فكانوا في جهنم, وذلك ه
و الخسران المبين.



إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ (23)


إن الذين صدَّقوا
الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة, وخضعوا
لله في كل ما أُمروا به ونُهوا عنه, أول
ئك هم أهل الجنة, لا يموتون فيها,
ولا يَخْرجون منها أبدًا.




مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى
وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ
هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ
(24)


مثل فريقَي الكفر
والإيمان كمثل الأعمى الذي لا يرى والأصم
الذي لا يسمع وا
لبصير والسميع: ففريق الكفر
لا يبصر الحق فيتبعه, ولا يسمع داعي الله
فيهتدي به, أما فريق الإيمان فقد أبصر حجج
الله وسمع داعي الله فأجابه, هل يستوي هذان
الفريقان؟ أفلا تعتبرون وتتفكرون؟




وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ
مُبِين
ٌ (25)

ولقد أرسلنا نوحًا
إلى قومه فقال لهم: إني نذير لكم من عذاب
الله, مبيِّن لكم ما أُرسلت به إليكم من
أمر الله ونهيه.




أَنْ لا تَعْبُدُوا
إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)


آمركم ألا تعبدوا
إلا الله, إني أخاف عليكم -إن لم
تفردوا الله وحده بالعبادة-
عذاب يوم موجع.




فَقَالَ الْمَلأ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا
نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا
نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ
هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا
نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ
نَ
ظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)

فقال رؤساء الكفر
من قومه: إنك لست بمَلَك ولكنك بشر, فكيف
أُوحي إليك مِن دوننا؟ وما نراك اتبعك إلا
الذين هم أسافلنا وإنما اتبعوك من غير تفكر
ولا رويَّة, وما نرى لكم علينا من فضل في
رزق ولا مال لـمَّا دخلتم في دينكم هذا,
بل نعتقد أن
كم كاذبون فيما تدَّعون.



قَالَ يَا قَوْمِ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ
فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا
وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)


قال نوح: يا قومي
أرأيتم إن كنتُ على حجة ظاهرة من ربي
فيما جئتكم به تبيِّن لكم أنني
على الحق من عنده, وآتاني رحمة من عنده,
وهي النبوة والرسالة فأخفاها عليكم بسبب
جهلكم وغروركم, فهل يصح أن نُلْزمكم إياها
بالإكراه وأنتم جاحدون بها؟ لا نفعل ذلك,
ولكن نَكِل أمركم إلى الله حتى يقضي في
أمركم ما يشاء.




وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً
إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَمَا
أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ
مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ
قَوْماً تَجْهَلُونَ (29)


قال نوح عليه السلام
لقومه: يا قوم لا أسألكم على دعوتكم لتوحيد
الله وإخلاص ا
لعبادة له مالاً تؤدونه إليَّ
بعد إيمانكم, ولكن ثواب نصحي لكم على الله
وحده, وليس من شأني أن أطرد المؤمنين, فإنهم
ملاقو ربهم يوم القيامة, ولكني أراكم قومًا
تجهلون; إذ تأمرونني بطرد أولياء الله وإبعادهم
عني.




وَيَا قَوْمِ مَنْ
يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ ط
َرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
(30)


ويا قوم مَن يمنعني
من الله إن عاقبني على طردي المؤمنين؟ أفلا
تتدبرون الأمور فتعلموا ما هو الأنفع لكم
والأصلح؟




وَلا أَقُولُ لَكُمْ
عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ
الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ
وَلا أَقُول
ُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ
لَنْ يُؤْتِيَهُمْ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ
أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي
إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (31)


ولا أقول لكم: إني
أملك التصرف في خزائن الله, ولا أعلم الغيب,
ولست بمَلَك من الملائكة, ولا أقول لهؤلاء
الذين
تحتقرون من ضعفاء المؤمنين:
لن يؤتيكم الله ثوابًا على أعمالكم, فالله
وحده أعلم بما في صدورهم وقلوبهم, ولئن
فعلتُ ذلك إني إذًا لمن الظالمين لأنفسهم
ولغيرهم.




قَالُوا يَا نُوحُ
قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا
فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ
مِ
نْ الصَّادِقِينَ (32)

قالوا: يا نوح قد
حاججتنا فأكثرت جدالنا, فأتنا بما تعدنا
من العذاب إن كنت من الصادقين في دعواك.




قَالَ إِنَّمَا
يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا
أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)


قال نوح لقومه:
إن الله وحده هو الذي يأتيكم بالعذاب إ
ذا شاء, ولستم بفائتيه إذا أراد
أن يعذبكم; لأنه سبحانه لا يعجزه شيء في
الأرض ولا في السماء.




وَلا يَنفَعُكُمْ
نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ
إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ
هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
(34)


ولا ينفعكم نصحي واجتهادي في دعوتكم للإيمان,
إن كان الله يريد أن يضلَّكم ويهلككم, هو
سبحانه مالككم, وإليه تُرجَعون في الآخرة
للحساب والجزاء.




أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ
إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ
(35)


بل أيقول هؤلاء
الم
شركون من قوم نوح: افترى نوح
هذا القول؟ قل لهم: إن كنتُ قد افتريتُ ذلك
على الله فعليَّ وحدي إثم ذلك, وإذا كنتُ
صادقًا فأنتم المجرمون الآثمون, وأنا بريء
مِن كفركم وتكذيبكم وإجرامكم.




وَأُوحِيَ إِلَى
نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ
إِلاَّ مَنْ قَدْ
آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا
كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)


وأوحى الله سبحانه
وتعالى إلى نوح -عليه السلام- لـمَّا حق
على قومه العذاب, أنه لن يؤمن بالله إلا
مَن قد آمن مِن قبل, فلا تحزن يا نوح على
ما كانوا يفعلون.




وَاصْنَعْ الْفُلْكَ
بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا و
َلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ
ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)


واصنع السفينة
بمرأى منَّا وبأمرنا لك ومعونتنا، وأنت
في حفظنا وكلاءتنا, ولا تطلب مني إمهال
هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم من قومك بكفرهم,
فإنهم مغرقون بالطوفان. وفي الآية إثبات
صفة العين لله تعالى
على ما يليق به سبحانه.



وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ
وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ
قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا
مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا
تَسْخَرُونَ (38)


ويصنع نوح السفينة,
وكلَّما مر عليه جماعة من كبراء قومه سخروا
منه, ق
ال لهم نوح: إن تسخروا منا اليوم
لجهلكم بصدق وعد الله, فإنا نسخر منكم غدًا
عند الغرق كما تسخرون منا.




فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ
عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)


فسوف تعلمون إذا
جاء أمر الله بذلك: من الذي يأتيه في الدنيا
عذاب الله الذي يُهينه, وينزل
به في الآخرة عذاب دائم لا انقطاع له؟




حَتَّى إِذَا جَاءَ
أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا
احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ
اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ
عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا
آمَنَ مَعَهُ إِلا
َّ قَلِيلٌ (40)

حتى إذا جاء أمرنا
بإهلاكهم كما وَعدْنا نوحًا بذلك, ونبع
الماء بقوة من التنور -وهو المكان الذي
يخبز فيه- علامة على مجيء العذاب, قلنا لنوح:
احمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات
ذكرًا وأنثى, واحمل فيها أهل بيتك, إلا مَن
سبق عليهم القول
ممن لم يؤمن بالله كابنه وامرأته,
واحمل فيها من آمن معك من قومك, وما آمن
معه إلا قليل مع طول المدة والمقام فيهم.




وَقَالَ ارْكَبُوا
فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا
إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)


وقال نوح لمن آمن
معه: اركبوا في السفينة
, باسم الله يكون جريها على وجه
الماء, وباسم الله يكون منتهى سيرها ورُسوُّها.
إن ربي لَغفور ذنوب من تاب وأناب إليه من
عباده, رحيم بهم أن يعذبهم بعد التوبة.




وَهِيَ تَجْرِي
بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى
نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا
بُنَي
َّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ
مَعَ الْكَافِرِينَ (42)


وهي تجري بهم في
موج يعلو ويرتفع حتى يصير كالجبال في علوها,
ونادى نوح ابنه -وكان في مكانٍ عَزَل فيه
نفسه عن المؤمنين- فقال له: يا بني اركب
معنا في السفينة, ولا تكن مع الكافرين بالله
فتغرق.




قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي
مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ
وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ
مِنْ الْمُغْرَقِينَ (43)


قال ابن نوح: سألجأ
إلى جبل أتحصَّن به من الماء, فيمنعني من
الغرق, فأجابه نوح: لا مانع
اليوم من أمر الله وقضائه الذي
قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا مَن
رحمه الله تعالى, فآمِنْ واركب في السفينة
معنا, وحال الموج المرتفع بين نوح وابنه,
فكان من المغرقين الهالكين.




وَقِيلَ يَا أَرْضُ
ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي
وَغِيضَ الْمَاءُ و
َقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ
عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (44)


وقال الله للأرض
-بعد هلاك قوم نوح -: يا أرض اشربي ماءك, ويا
سماء أمسكي عن المطر, ونقص الماء ونضب, وقُضي
أمر الله بهلاك قوم نوح, ورست السفينة على
جبل الجوديِّ, وقيل
: هلاكًا وبعدًا للقوم الظالمين
الذين تجاوزوا حدود الله, ولم يؤمنوا به.




وَنَادَى نُوحٌ
رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ
أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ
أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)


ونادى نوح ربه فقال:
رب إنك وعَدْتني أن تنجيني وأهلي من ال
غرق والهلاك, وإن ابني هذا من
أهلي, وإن وعدك الحق الذي لا خُلْف فيه,
وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم.


قَالَ يَا نُوحُ
إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ
أَنْ تَكُونَ مِنْ الْج
َاهِلِينَ (46)

قال الله: يا نوح
إن ابنك الذي هلك ليس من أهلك الذين وعدتك
أن أنجيهم; وذلك بسبب كفره, وعمله عملا غير
صالح, وإني أنهاك أن تسألني أمرًا لا علم
لك به, إني أعظك لئلا تكون من الجاهلين في
مسألتك إياي عن ذلك.




قَالَ رَبِّ إِنِّي
أَعُوذُ بِكَ أَنْ أ
َسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ
عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي
أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ (47)


قال نوح: يا رب إني
أعتصم وأستجير بك أن أسألك ما ليس لي به
علم, وإن لم تغفر لي ذنبي, وترحمني برحمتك,
أكن من الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا.




قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا
وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ
مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ
ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
(48)


قال الله: يا نوح
اهبط من السفينة إلى الأرض بأمن وسلامة
منَّا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك. وهناك
أمم
وجماعات من أهل الشقاء سنمتعهم
في الحياة الدنيا, إلى أن يبلغوا آجالهم,
ثم ينالهم منا العذاب الموجع يوم القيامة.




تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ
نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا
أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا
فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِل
ْمُتَّقِينَ (49)

تلك القصة التي
قصصناها عليك -أيها الرسول- عن نوح وقومه
هي من أخبار الغيب السالفة، نوحيها إليك,
ما كنت تعلمها أنت ولا قومك مِن قبل هذا
البيان, فاصبر على تكذيب قومك وإيذائهم
لك, كما صبر الأنبياء من قبل, إن العاقبة
الطيبة في الدنيا والآخرة لل
متقين الذين يخشون الله.



وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً
قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا
لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ
إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50)


وأرسلنا إلى عاد
أخاهم هودًا، قال لهم: يا قوم اعبدوا الله
وحده, ليس لكم من إله يستحق العبادة غي
ره جل وعلا، فأخلصوا له العبادة,
فما أنتم إلا كاذبون في إشراككم بالله.




يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ
عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ
(51)


يا قوم لا أسألكم
على ما أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله
وترك عبادة الأو
ثان أجرًا, ما أجري على دعوتي
لكم إلا على الله الذي خلقني، أفلا تعقلون
فتميِّزوا بين الحق والباطل؟




وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ
السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ
قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّو
ْا مُجْرِمِينَ (52)

ويا قوم اطلبوا
مغفرة الله والإيمان به, ثم توبوا إليه
من ذنوبكم, فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر
عليكم متتابعًا كثيرًا, فتكثر خيراتكم،
ويزدكم قوة إلى قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع
النِّعم عليكم, ولا تُعرضوا عما دعوتكم
إليه مصرِّين على إجرامكم
.



قَالُوا يَا هُودُ
مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ
بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ
وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)


قالوا: يا هود ما
جئتنا بحجة واضحة على صحة ما تدعونا إليه,
وما نحن بتاركي آلهتنا التي نعبدها من أجل
قولك, وما نحن بمصدِّقين
لك فيما تدَّعيه.



إِنْ نَقُولُ إِلاَّ
اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ
قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا
أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54)
مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ
لا تُنْظِرُونِ (55)


ما نقول إلا أن
بعض آلهتنا أصابك بجنون
بسبب نهيك عن عبادتها. قال لهم:
إني أُشهد الله على ما أقول, وأُشهدكم على
أنني بريء مما تشركون, مِن دون الله من الأنداد
والأصنام, فانظروا واجتهدوا أنتم ومَن
زعمتم من آلهتكم في إلحاق الضرر بي, ثم لا
تؤخروا ذلك طرفة عين؛ ذلك أن هودًا واثق
كل الوثوق أنه لا يصيب
ه منهم ولا من آلهتهم أذى.



إِنِّي تَوَكَّلْتُ
عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا
مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا
إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(56)


إني توكلت على الله
ربي وربكم مالك كل شيء والمتصرف فيه, فلا
يصيبني شيء إلا بأمره,
وهو القادر على كل شيء, فليس
من شيء يدِبُّ على هذه الأرض إلا والله
مالكه, وهو في سلطانه وتصرفه. إن ربي على
صراط مستقيم, أي عدل في قضائه وشرعه وأمره.
يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.




فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ
بِهِ إِلَيْكُ
مْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً
غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً
إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ
(57)


فإن تُعرضوا عما
أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة
له فقد أبلغتكم رسالة ربي إليكم, وقامت
عليكم الحجة, وحيث لم تؤمنوا بالله فسيهلككم
ويأ
تي بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم
وأموالكم, ويخلصون لله العبادة, ولا تضرونه
شيئًا, إن ربي على كل شيء حفيظ, فهو الذي
يحفظني من أن تنالوني بسوء.




وَلَمَّا جَاءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ
مِنْ عَ
ذَابٍ غَلِيظٍ (58)

ولما جاء أمرنا
بعذاب قوم هود نجَّينا منه هودًا والمؤمنين
بفضل منَّا عليهم ورحمة, ونجَّيناهم من
عذاب شديد أحله الله بعادٍ فأصبحوا لا يُرى
إلا مساكنُهم.




وَتِلْكَ عَادٌ
جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا
رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُ
لِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)

وتلك عاد كفروا
بآيات الله وعصَوا رسله, وأطاعوا أمر كل
مستكبر على الله لا يقبل الحق ولا يُذْعن
له.




وَأُتْبِعُوا
فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُوا
رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ
هُودٍ (60)

وأُتبعوا في هذه
الدنيا لعنة من الله وسخطًا منه يوم القيامة.
ألا إن عادًا جحدوا ربهم وكذَّبوا رسله.
ألا بُعْدًا وهلاكًا لعاد قوم هود; بسبب
شركهم وكفرهم نعمة ربهم.




وَإِلَى ثَمُودَ
أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ
مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ
أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ
فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ
(61)


وأرسلنا إلى ثمود
أخاهم صالحًا, فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله
وحده ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره
جل وع
لا، فأخلصوا له العبادة, هو الذي
بدأ خَلْقكم من الأرض بخلق أبيكم آدم منها,
وجعلكم عُمَّارا لها, فاسألوه أن يغفر لكم
ذنوبكم, وارجعوا إليه بالتوبة النصوح. إن
ربي قريب لمن أخلص له العبادة, ورغب إليه
في التوبة, مجيب له إذا دعاه.




قَالُوا يَا صَالِحُ
قَدْ كُنتَ
فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا
أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ
آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا
تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)


قالت ثمود لنبيِّهم
صالح: لقد كنا نرجو أن تكون فينا سيدًا مطاعًا
قبل هذا القول الذي قلته لنا, أتنهانا أن
نعبد ا
لآلهة التي كان يعبدها آباؤنا؟
وإننا لفي شكٍّ مريب مِن دعوتك لنا إلى
عبادة الله وحده.


يتبع تفسير سورة هود
**********************


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:38 pm

اقتباس :

تبع تفسير سورة هود
**********************


قَالَ يَا قَوْمِ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً
فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ
فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ ت
َخْسِيرٍ (63)

قال صالح لقومه:
يا قوم أخبروني إن كنت على برهان من الله
وآتاني منه النبوة والحكمة, فمن الذي يدفع
عني عقاب الله تعالى إن عصيته فلم أبلِّغ
الرسالة وأنصحْ لكم؟ فما تزيدونني غير
تضليل وإبعاد عن الخير.




وَيَا قَوْمِ هَذِهِ
نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ
آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ
فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)


ويا قوم هذه ناقة
الله جعلها لكم حجة وعلامة تدلُّ على صدقي
فيما أدعوكم إليه, فاتركوها تأكل في أرض
الله فليس عليكم رزقها, ولا تمسُّوها بعَقْر,
فإنكم إن
فعلتم ذلك يأخذكم من الله عذاب
قريب من عَقْرها.




فَعَقَرُوهَا
فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ
أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ
(65)


فكذَّبوه ونحروا
الناقة, فقال لهم صالح: استمتعوا بحياتكم
في بلدكم ثلاثة أيام, فإن العذاب نازل بكم
بعدها, وذ
لك وَعْدٌ من الله غير مكذوب,
لا بد من وقوعه.




فَلَمَّا جَاءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ
خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)


فلما جاء أمرنا
بهلاك ثمود نجينا صالحًا والذين آم
نوا معه من الهلاك برحمة منا,
ونجيناهم من هوان ذلك اليوم وذلَّته. إن
ربك -أيها الرسول- هو القوي العزيز, ومِن
قوته وعزته أن أهلك الأمم الطاغية, ونجَّى
الرسل وأتباعهم.




وَأَخَذَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي
دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)


وأخذت الصيحة القوية ثمود الظالمين,
فأصبحوا في ديارهم موتى هامدين ساقطين
على وجوههم لا حِرَاك لهم.




كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا
فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ
أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68)


كأنهم في سرعة زوالهم
وفنائهم لم يعيشوا فيها. ألا إن ثمود جحدوا
بآ
يات ربهم وحججه. ألا بُعْدًا
لثمود وطردًا لهم من رحمة الله, فما أشقاهم
وأذلَّهم!!




وَلَقَدْ جَاءَتْ
رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى
قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ
أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)


ولقد جاءت الملائكة
إبراهيم يبشرونه هو وزوجته
بإسحاق, ويعقوبَ بعده, فقالوا:
سلامًا, قال ردًّا على تحيتهم: سلام, فذهب
سريعًا وجاءهم بعجل سمين مشويٍّ ليأكلوا
منه.




فَلَمَّا رَأَى
أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ
وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا
لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ
لُوط
ٍ (70)

فلما رأى إبراهيم
أيديهم لا تَصِل إلى العجل الذي أتاهم به
ولا يأكلون منه, أنكر ذلك منهم, وأحس في
نفسه خيفة وأضمرها, قالت الملائكة -لما
رأت ما بإبراهيم من الخوف-: لا تَخَفْ إنا
ملائكة ربك أُرسلنا إلى قوم لوط لإهلاكهم.




وَامْرَأَتُهُ
قَائِمَةٌ فَضَحِك
َتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ
وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71)


وامرأة إبراهيم
-سارة- كانت قائمة من وراء الستر تسمع الكلام,
فضحكت تعجبًا مما سمعت, فبشرناها على ألسنة
الملائكة بأنها ستلد مِن زوجها إبراهيم
ولدًا يسمى إسحاق, وسيعيش ولدها, وسيكون
لها بعد
إسحاق حفيد منه, وهو يعقوب.



قَالَتْ يَا وَيْلَتَا
أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي
شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ
(72)


قالت سارة لما بُشِّرت
بإسحاق متعجبة: يا ويلتا كيف يكون لي ولد
وأنا عجوز, وهذا زوجي في حال الشيخوخة والكبر؟
إن إنجاب الولد
مِن مثلي ومثل زوجي مع كبر السن
لَشيء عجيب.




قَالُوا أَتَعْجَبِينَ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ
وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ
إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)


قالت الرسل لها:
أتعجبين من أمر الله وقضائه؟ رحمة الله
وبركاته عليكم معشر أهل بيت
النبوة. إنه سبحانه وتعالى حميد
الصفات والأفعال, ذو مَجْد وعظمة فيها.




فَلَمَّا ذَهَبَ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ
الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ
(74)


فلما ذهب عن إبراهيم
الخوف الذي انتابه لعدم أكل الضيوف الطعام,
وجاءته البشرى بإسحاق
ويعقوب, ظلَّ يجادل رسلنا فيما
أرسلناهم به من عقاب قوم لوط وإهلاكهم.




إِنَّ إِبْرَاهِيمَ
لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)


إن إبراهيم كثير
الحلم لا يحب المعاجلة بالعقاب, كثير التضرع
إلى الله والدعاء له, تائب يرجع إلى الله
في أموره كلها.




يَا إِبْرَاهِيمُ
أ
َعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ
قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ
آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)


قالت رسل الله:
يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال في أمر قوم
لوط والتماس الرحمة لهم; فإنه قد حق عليهم
العذاب, وجاء أمر ربك الذي قدَّره عليهم
بهلاكهم, وإنهم ن
ازل بهم عذاب من الله غير مصروف
عنهم ولا مدفوع.




وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا
لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً
وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)


ولما جاءت ملائكتنا
لوطًا ساءه مجيئهم واغتمَّ لذلك; وذلك لأنه
لم يكن يعلم أنهم رسل الله, فخاف عليهم من
ق
ومه, وقال: هذا يوم بلاء وشدة.



وَجَاءَهُ قَوْمُهُ
يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا
قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ
لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي
فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ
رَشِيدٌ
(78)

وجاء قومُ لوط يسرعون
المشي إليه لطلب الفاحشة, وكانوا مِن قبل
مجيئهم يأتون الرجال شهوة دون النساء, فقال
لوط لقومه: هؤلاء بناتي تَزَوَّجوهن فهنَّ
أطهر لكم مما تريدون, وسماهن بناته; لأن
نبي الأمة بمنزلة الأب لهم, فاخشوا الله
واحذروا عقابه, ولا تفضحوني ب
الاعتداء على ضيفي, أليس منكم
رجل ذو رشد, ينهى من أراد ركوب الفاحشة,
فيحول بينهم وبين ذلك؟




قَالُوا لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ
حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ
(79)


قال قوم لوط له:
لقد علمتَ من قبلُ أنه ليس لنا في النساء
من حاجة أو
رغبة, وإنك لتعلم ما نريد, أي
لا نريد إلا الرجال ولا رغبة لنا في نكاح
النساء.




قَالَ لَوْ أَنَّ
لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ
شَدِيدٍ (80)


قال لهم حين أبوا
إلا فعل الفاحشة: لو أن لي بكم قوة وأنصارًا
معي, أو أركَن إلى عشيرة تمنعني منكم, لَحُلْتُ
بينكم وبين ما تريدون.



قَالُوا يَا لُوطُ
إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ
وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ
امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ
إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ
الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)

قالت الملائكة:
يا لوط إنَّا رسل ربك أَرْسَلَنا لإهلاك
قومك, وإنهم لن يصلوا إليك, فاخرج من هذه
القرية أنت وأهلك ببقية من الليل, ولا يلتفت
منكم أحد وراءه; لئلا يرى العذاب فيصيبه,
لكنَّ امرأتك التي خانتك بالكفر والنفاق
سيصيبها ما أصاب
قومك من الهلاك, إن موعد هلاكهم
الصبح, وهو موعد قريب الحلول.




فَلَمَّا جَاءَ
أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ
سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ
رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ
بِبَعِيدٍ (83)


فلما جاء أمرنا بنزول العذاب
بهم جعلنا عالي قريتهم التي كانوا يعيشون
فيها سافلها فقلبناها, وأمطرنا عليهم حجارة
من طين متصلِّب متين, قد صُفَّ بعضها إلى
بعض متتابعة, معلَّمة عند الله بعلامة معروفة
لا تشاكِل حجارة الأرض, وما هذه الحجارة
التي أمطرها الله على قوم
لوط من كفار قريش ببعيد أن يُمْطَروا
بمثلها. وفي هذا تهديد لكل عاص متمرِّد
على الله.




وَإِلَى مَدْيَنَ
أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ
اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ
وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْ
رٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84)


وأرسلنا إلى "مدين"
أخاهم شعيبًا, فقال: يا قوم اعبدوا الله
وحده, ليس لكم مِن إله يستحق العبادة غيره
جل وعلا، فأخلصوا له العبادة، ولا تنقصوا
الناس حقوقهم في مكاييلهم وموازينهم, إني
أراكم في سَعَة عيش
, وإني أخاف عليكم -بسبب إنقاص
المكيال والميزان- عذاب يوم يحيط بكم.




وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ
وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ
(85)


ويا قوم أتـمُّوا
المكيال والميزان بالعدل,
ولا تُنْقِصوا الناس حقهم في
عموم أشيائهم, ولا تسيروا في الأرض تعملون
فيها بمعاصي الله ونشر الفساد.




بَقِيَّةُ اللَّهِ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ
وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)


إن ما يبقى لكم
بعد إيفاء الكيل والميزان من الربح الحلال
خير لكم مـمَّا تأخذونه بالتطفيف ونحوه
من الكسب الحرام, إن كنتم تؤمنون بالله
حقا, فامتثلوا أمره, وما أنا
عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم.



قَالُوا يَا شُعَيْبُ
أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ
مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ
فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ
لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)


قالوا: يا شعيب
أهذه الصلاة التي تداوم عليها تأمرك
بأن نترك ما يعبده آباؤنا من
الأصنام والأوثان, أو أن نمتنع عن التصرف
في كسب أموالنا بما نستطيع من احتيال ومكر؟
وقالوا -استهزاءً به-: إنك لأنت الحليم الرشيد.




قَالَ يَا قَوْمِ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ
مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً
حَ
سَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ
إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ
إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا
تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)


قال شعيب: يا قوم
أرأيتم إن كنت على طريق واضح من ربي فيما
أدعوك
م إليه من إخلاص العبادة له,
وفيما أنهاكم عنه من إفساد المال, ورزقني
منه رزقًا واسعًا حلالا طيبًا؟ وما أريد
أن أخالفكم فأرتكب أمرًا نهيتكم عنه, وما
أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إلا إصلاحكم
قَدْر طاقتي واستطاعتي, وما توفيقي -في
إصابة الحق ومحاولة إصلاحكم-
إلا بالله, على الله وحده توكلت
وإليه أرجع بالتوبة والإنابة.




وَيَا قَوْمِ لا
يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ
مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ
قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا
قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)


ويا قوم لا تحملنَّكم
عد
اوتي وبغضي وفراق الدين الذي
أنا عليه على العناد والإصرار على ما أنتم
عليه من الكفر بالله, فيصيبكم مثلُ ما أصاب
قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح من الهلاك,
وما قوم لوط وما حلَّ بهم من العذاب ببعيدين
عنكم لا في الدار ولا في الزمان.




وَاسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ
رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)


واطلبوا من ربِّكم
المغفرة لذنوبكم, ثم ارجعوا إلى طاعته واستمروا
عليها. إن ربِّي رحيم كثير المودة والمحبة
لمن تاب إليه وأناب, يرحمه ويقبل توبته.
وفي الآية إثبات صفة الرحمة والمودة لله
تعالى, كما يليق
به سبحانه.



قَالُوا يَا شُعَيْبُ
مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ
وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا
رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ
عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)


قالوا: يا شعيب
ما نفقه كثيرًا مما تقول, وإننا لَنراك
فينا ضعيفًا لست من الكبراء
ولا من الرؤساء, ولولا مراعاة
عشيرتك لقتلناك رَجْما بالحجارة -وكان
رهطه من أهل ملتهم-، وليس لك قَدْر واحترام
في نفوسنا.




قَالَ يَا قَوْمِ
أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ
وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً
إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِ
يطٌ (92)

قال: يا قوم أعشيرتي
أعزُّ وأكرم عليكم من الله؟ ونبذتم أمر
ربكم فجعلتموه خلف ظهوركم, لا تأتمرون به
ولا تنتهون بنهيه, إن ربي بما تعملون محيط,
لا يخفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة, وسيجازيكم
عليها عاجلا وآجلا.




وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا
عَلَى مَكَانَتِكُم
ْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ
مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ
هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ
رَقِيبٌ (93)


ويا قوم اعملوا
كل ما تستطيعون على طريقتكم وحالتكم, إني
عامل مثابر على طريقتي وما وهبني ربي مِن
دعوتكم إلى التوحيد, سوف تعلمو
ن مَن منا يأتيه عذاب يذلُّه,
ومَن منا كاذب في قوله, أنا أم أنتم؟ وانتظروا
ما سيحل بكم إني معكم من المنتظرين. وهذا
تهديد شديد لهم.




وَلَمَّا جَاءَ
أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ
الَّذِينَ ظَلَمُوا الص
َّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي
دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)


ولما جاء أمرنا
بإهلاك قوم شعيب نجَّينا رسولنا شعيبًا
والذين آمنوا معه برحمة منا, وأخذت الذين
ظلموا الصيحة من السماء, فأهلكتهم, فأصبحوا
في ديارهم باركين على رُكَبهم ميتين لا
حِرَاك بهم.




كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً
لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)


كأن لم يقيموا في
ديارهم وقتًا من الأوقات. ألا بُعدًا لـ
"مدين" -إذ أهلكها الله وأخزاها- كما
بَعِدت ثمود, فقد اشتركت هاتان القبيلتان
في البعد والهلاك.




وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
مُوسَى بِآيَاتِنَ
ا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96)

ولقد أرسلنا موسى
بأدلتنا على توحيدنا وحجة تبين لمن عاينها
وتأملها -بقلب صحيح- أنها تدل على وحدانية
الله, وكَذِبِ كلِّ من ادَّعى الربوبية
دونه سبحانه وتعالى.




إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ
وَمَا أَمْر
ُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)

أرسلنا موسى إلى
فرعون وأكابر أتباعه وأشراف قومه, فكفر
فرعون وأمر قومه أن يتبعوه, فأطاعوه, وخالفوا
أمر موسى, وليس في أمر فرعون رشد ولا هدى,
وإنما هو جهل وضلال وكفر وعناد.




يَقْدُمُ قَوْمَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ الن
َّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ
(98)


يَقْدُم فرعون
قومه يوم القيامة حتى يدخلهم النار, وقبُح
المدخل الذي يدخلونه.




وَأُتْبِعُوا
فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ
بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)


وأتبعهم الله في
هذه الدنيا مع العذاب الذي عجّ
َله لهم فيها من الغرق في البحر
لعنةً, ويوم القيامة كذلك لعنة أخرى بإدخالهم
النار, وبئس ما اجتمع لهم وترادَف عليهم
من عذاب الله, ولعنة الدنيا والآخرة.




ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ
الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا
قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)


ذلك الذي ذكرناه
لك -أي
ها الرسول- من أخبار القرى التي
أهلكنا أهلها نخبرك به, ومن تلك القرى ما
له آثار باقية, ومنها ما قد مُحِيَتْ آثاره,
فلم يَبْق منه شيء.




وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ
وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا
أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ فَمَا
أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ
الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ
رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ
(101)


وما كان إهلاكهم
بغير سبب وذنب يستحقونه, ولكن ظلموا أنفسهم
بشركهم وإفسادهم في الأرض, فما نفعتهم آلهتهم
التي كانوا يدعُونها ويطلبون منها أن
تدفع عنهم الضر لـمَّا جاء أمر
ربك بعذابهم, وما زادتهم آلهتهم غير تدمير
وإهلاك وخسران.




وَكَذَلِكَ أَخْذُ
رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ
ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
(102)


وكما أخذتُ أهل
القرى الظالمة بالعذاب لمخالفتهم أمري
وتكذيبهم برسلي
, آخذ غيرهم مِن أهل القرى إذا
ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله ومعصيتهم له
وتكذيبهم لرسله. إنَّ أَخْذه بالعقوبة
لأليم موجع شديد.




إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ
ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ
وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)


إن في أخذنا لأهل القرى السابقة الظالمة
لعبرةً وعظة لمن خاف عقاب الله وعذابه في
الآخرة, ذلك اليوم الذي يُجمع له الناس
جميعًا للمحاسبة والجزاء, ويشهده الخلائق
كلهم.




وَمَا نُؤَخِّرُهُ
إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)


وما نؤخر يوم القيامة
عنكم إلا لانتهاء مدة معدودة ف
ي علمنا, لا تزيد ولا تنقص عن
تقديرنا لها بحكمتنا.




يَوْمَ يَأْتِ
لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)


يوم يأتي يوم القيامة,
لا تتكلم نفس إلا بإذن ربها, فمنهم شقي متسحق
للعذاب, وسعيد متفضَّل عليه بالنعيم.




فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)خَالِدِينَ
فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ
إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)


فأما الذين شَقُوا
في الدنيا لفساد عقيدتهم وسوء أعمالهم,
فالنار مستقر
هم, لهم فيها من شدة ما هم فيه
من العذاب زفير وشهيق, وهما أشنع الأصوات
وأقبحها, ماكثين في النار أبدًا ما دامت
السموات والأرض, فلا ينقطع عذابهم ولا ينتهي,
بل هو دائم مؤكَّد, إلا ما شاء ربك من إخراج
عصاة الموحدين بعد مدَّة من مكثهم في النار.
إن ربك -أيها الرس
ول- فعَّال لما يريد.



وَأَمَّا الَّذِينَ
سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ
فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ
إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ
مَجْذُوذٍ (108)


وأما الذين رزقهم
الله السعادة فيدخلون الجنة خالدين فيها
ما دامت السموات والأرض,
إلا الفريق الذي شاء الله تأخيره,
وهم عصاة الموحدين, فإنهم يبقون في النار
فترة من الزمن, ثم يخرجون منها إلى الجنة
بمشيئة الله ورحمته, ويعطي ربك هؤلاء السعداء
في الجنة عطاء غير مقطوع عنهم.




فَلا تَكُنْ فِي
مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا
يَعْبُدُونَ
إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ
مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ
نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ (109)


فلا تكن -أيها الرسول-
في شك من بطلان ما يعبد هؤلاء المشركون
من قومك, ما يعبدون من الأوثان إلا مثل ما
يعبد آباؤهم من قبل, وإنا لموفوهم ما وعدناهم
تاما غير
منقوص. وهذا توجيه لجميع الأمة،
وإن كان لفظه موجهًا إلى الرسول صلى الله
عليه وسلَّم.




وَلَقَدْ آتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي
شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)


ولقد آتينا موسى الكتاب وهو التوراة, فاختلف
فيه قومه, فآمن به جماعة وكفر به آخرون كما
فعل قومك بالقرآن. ولولا كلمة سبقت من ربك
بأنه لا يعجل لخلقه العذاب, لحلَّ بهم في
دنياهم قضاء الله بإهلاك المكذِّبين ونجاة
المؤمنين. وإن الكفار من اليهود والمشركين
-أيها الرسول- لفي
شك -من هذا القرآن- مريب.



وَإِنَّ كُلاًّ
لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ
إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)


وإن كل أولئك الأقوام
المختلفين الذين ذكرنا لك -أيها الرسول-
أخبارهم ليوفينهم ربك جزاء أعمالهم يوم
القيامة, إن خيرًا فخير, وإن
شرًا فشر, إن ربك بما يعمل هؤلاء
المشركون خبير, لا يخفى عليه شيء من عملهم.
وفي هذا تهديد ووعيد لهم.




فَاسْتَقِمْ كَمَا
أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا
إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)


فاستقم -أيها النبي-
كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك, ول
ا تتجاوزوا ما حدَّه الله لكم,
إن ربَّكم بما تعملون من الأعمال كلها بصير,
لا يخفى عليه شيء منها, وسيجازيكم عليها.




وَلا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ
النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ
(113)


ولا تميلوا إلى هؤلاء الكفار الظلمة,
فتصيبكم النار, وما لكم من دون الله من ناصر
ينصركم, ويتولى أموركم.




وَأَقِمْ الصَّلاةَ
طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)


وأدِّ الصلاة -أيها النبي- على أتمِّ وجه
طَرَفَي النهار في الصباح والمساء, وفي
ساعات من الليل. إنَّ فِعْلَ الخيرات يكفِّر
الذنوب السالفة ويمحو آثارها, والأمر بإقامة
الصلاة وبيان أن الحسنات يذهبن السيئات,
موعظة لمن اتعظ بها وتذكر.




وَاصْبِرْ فَإِنَّ
اللَّهَ لا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)

واصبر -أيها النبي-
على الصلاة, وعلى ما تَلْقى من الأذى من
مشركي قومك; فإن الله لا يضيع ثواب المحسنين
في أعمالهم.




فَلَوْلا كَانَ
مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا
بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ
فِي الأَرْضِ إِلاَّ
قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا
مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ
(116)


فهلاَّ وُجد من
القرون الماضية بقايا من أهل الخير والصلاح,
ينهون أهل الكفر عن كفرهم, وعن الفساد في
الأرض, لم يوجد من أولئك الأقوام إلا قلي
ل ممن آمن, فنجَّاهم الله بسبب
ذلك مِن عذابه حين أخذ الظالمين. واتَّبع
عامتهم من الذين ظلموا أنفسهم ما مُتِّعوا
فيه من لذات الدنيا ونعيمها, وكانوا مجرمين
ظالمين باتباعهم ما تنعموا فيه, فحقَّ عليهم
العذاب.




وَمَا كَانَ رَبُّكَ
لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَ
أَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)

وما كان ربك -أيها
الرسول- ليهلك قرية من القرى وأهلها مصلحون
في الأرض, مجتنبون للفساد والظلم, وإنما
يهلكهم بسبب ظلمهم وفسادهم.




وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)


ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم جماعة واحدة
على دين واحد وهو دين الإسلام, ولكنه سبحانه
لم يشأ ذلك, فلا يزال الناس مختلفين في أديانهم;
وذلك مقتضى حكمته.




إِلاَّ مَنْ رَحِمَ
رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ
كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ
مِنْ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)

إلا مَن رحم ربك
فآمنوا به واتبعوا رسله, فإنهم لا يختلفون
في توحيد الله وما جاءت به الرسل من عند
الله, وقد اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أنه
خَلَقهم مختلفين: فريق شقيٌّ وفريق سعيد,
وكل ميسر لما خُلِق له. وبهذا يتحقق وعد
ربك في قضائ
ه وقدره: أنه سبحانه سيملأ جهنم
من الجن والإنس الذين اتبعوا إبليس وجنده
ولم يهتدوا للإيمان.




وَكُلاًّ نَقُصُّ
عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا
نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي
هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى
لِلْمُؤْمِنِينَ (120)


ونقصُّ عليك -أيها النبي- من أخبار الرسل
الذين كانوا قبلك, كل ما تحتاج إليه مما
يقوِّي قلبك للقيام بأعباء الرسالة, وقد
جاءك في هذه السورة وما اشتملت عليه من
أخبار, بيان الحق الذي أنت عليه, وجاءك فيها
موعظة يرتدع بها الكافرون, وذكرى يتذكر
بها المؤمنون بالله ورسله.




وَقُلْ لِلَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ
إِنَّا عَامِلُونَ (121)
وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ
(122)


وقل -أيها الرسول-
للكافرين الذين لا يقرُّون بوحدانية الله:
اعملوا ما أنتم عاملون على حالتكم وطريقتكم
في مقاومة الدعوة وإيذاء الرس
ول والمستجيبين له, فإنَّا عاملون
على مكانتنا وطريقتنا من الثبات على ديننا
وتنفيذ أمر الله. وانتظروا عاقبة أمرنا,
فإنَّا منتظرون عاقبة أمركم. وفي هذا تهديد
ووعيد لهم.




وَلِلَّهِ غَيْبُ
السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ
الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْه
ُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا
رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
(123)


ولله سبحانه وتعالى
علم كل ما غاب في السموات والأرض, وإليه
يُرْجَع الأمر كله يوم القيامة, فاعبده
-أيها النبي- وفوِّض أمرك إليه, وما ربك
بغافل عما تعملون من الخير والشر, وسيجازي
كلاًّ بع
مله.

التالى تفسير سورة يوسف






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:44 pm

اقتباس :



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





12 سورة يوسف





الر تِلْكَ آيَاتُ
الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)


(الر) سبق الكلام
على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.


هذه آيات الكتاب
البيِّن الواضح في معانيه وحلاله وحرامه
وهداه.




إِنَّا أَنزَلْنَاهُ
قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
(2)

إنا أنزلنا هذا
القرآن بلغة العرب, لعلكم -أيها العرب- تعقلون
معانيه وتفهمونها, وتعملون بهديه.




نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ
مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ (3)


نحن نقصُّ عليك
يها الرسول- أحسن القصص بوحينا
إليك هذا القرآن, وإن كنت قبل إنزاله عليك
لمن الغافلين عن هذه الأخبار, لا تدري عنها
شيئًا.




إِذْ قَالَ يُوسُفُ
لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ
عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)


اذكر -أيها الرسول-
لقومك قول يوسف لأبيه: إني رأيت في المنام
أحد عشر كوكبًا, والشمس والقمر رأيتهم لي
ساجدين. فكانت هذه الرؤيا بشرى لِمَا وصل
إليه يوسف عليه السلام من علوِّ المنزلة
في الدنيا والآخرة.




قَالَ يَا بُنَيَّ
لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِك
َ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً
إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ
مُبِينٌ (5)


إذ قال إخوة يوسف
من أبيه فيما بينهم: إن يوسف وأخاه الشقيق
أحب إلى أبينا منا, يفضِّلهما علينا, ونحن
جماعة ذوو عدد, إن أبانا لفي خطأ بيِّن حيث
فضَّلهما علينا من غير موجب نراه.




وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ
وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ
وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى
آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى
أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(6)


وكما أراك ربك هذه
الرؤيا فكذل
ك يصطفيك ويعلمك تفسير ما يراه
الناس في منامهم من الرؤى مما تؤول إليه
واقعًا, ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب
بالنبوة والرسالة, كما أتمها من قبل على
أبويك إبراهيم وإسحاق بالنبوة والرسالة.
إن ربك عليم بمن يصطفيه من عباده, حكيم في
تدبير أمور خلقه.




لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ
آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)


لقد كان في قصة
يوسف وإخوته عبر وأدلة تدل على قدرة الله
وحكمته لمن يسأل عن أخبارهم, ويرغب في معرفتها.




إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ
وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِ
ي ضَلالٍ مُبِينٍ (Cool

إذ قال إخوة يوسف
من أبيه فيما بينهم: إن يوسف وأخاه الشقيق
أحب إلى أبينا منا, يفضِّلهما علينا, ونحن
جماعة ذوو عدد, إن أبانا لفي خطأ بيِّن حيث
فضَّلهما علينا من غير موجب نراه.




اقْتُلُوا يُوسُفَ
أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ
وَج
ْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا
مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (9)


اقتلوا يوسف أو
ألقوا به في أرض مجهولة بعيدة عن العُمران
يخلُص لكم حب أبيكم وإقباله عليكم, ولا
يلتفت عنكم إلى غيركم, وتكونوا مِنْ بعد
قَتْل يوسف أو إبعاده تائبين إلى الله,
مستغفرين له من بعد ذنب
كم.



قَالَ قَائِلٌ
مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ
فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ
بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ
(10)


قال قائل من إخوة
يوسف: لا تقتلوا يوسف وألقوه في جوف البئر
يلتقطه بعض المارَّة من المسافرين فتستريحوا
منه,
ولا حاجة إلى قتله, إن كنتم عازمين
على فعل ما تقولون.




قَالُوا يَا أَبَانَا
مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ
وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)


قال إخوة يوسف -بعد
اتفاقهم على إبعاده-: يا أبانا ما لك لا
تجعلنا أمناء على يوسف مع أنه أخونا, ونحن
نريد له الخير
ونشفق عليه ونرعاه, ونخصه بخالص
النصح؟




أَرْسِلْهُ مَعَنَا
غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ (12)


أرسله معنا غدًا
عندما نخرج إلى مراعينا يَسْعَ وينشط ويفرح,
ويلعب بالاستباق ونحوه من اللعب المباح,
وإنا لحافظون له من كل ما تخاف عليه.




قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ
تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ
الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ
(13)


قال يعقوب: إني
لَيؤلم نفسي مفارقته لي إذا ذهبتم به إلى
المراعي, وأخشى أن يأكله الذئب, وأنتم عنه
غافلون منشغلون.




قَالُوا لَئِنْ
أَكَلَهُ ال
ذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ
إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ (14)


قال إخوة يوسف لوالدهم:
لئن أكله الذئب, ونحن جماعة قوية إنا إذًا
لخاسرون, لا خير فينا, ولا نفع يُرْجَى منا.




فَلَمَّا ذَهَبُوا
بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي
غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا
إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ
بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ
(15)


فأرْسَلَهُ معهم.
فلما ذهبوا به وأجمعوا على إلقائه في جوف
البئر, وأوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك
مستقبلا بفعلهم هذا الذي فعلوه بك, وهم
لا يُحِسُّون بذلك الأمر ولا يشعرون به.




وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ
(16)


وجاء إخوة يوسف
إلى أبيهم في وقت العِشاء من أول الليل,
يبكون ويظهرون الأسف والجزع.




قَالُوا يَا أَبَانَا
إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا
يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ
الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَ
ا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ
(17)


قالوا: يا أبانا
إنا ذهبنا نتسابق في الجَرْي والرمي بالسهام,
وتركنا يوسف عند زادنا وثيابنا, فلم نقصِّر
في حفظه, بل تركناه في مأمننا, وما فارقناه
إلا وقتًا يسيرًا, فأكله الذئب, وما أنت
بمصدِّق لنا ولو كنا موصوفين بالصدق; لشدة
حبك ليوسف.



وَجَاءُوا عَلَى
قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ
لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى
مَا تَصِفُونَ (18)


وجاؤوا بقميصه
ملطخًا بدم غير دم يوسف; ليشهد على صدقهم,
فكان دليلا على كذبهم; لأن القميص
لم يُمَزَّقْ. فقال لهم أبوهم
يعقوب عليه السلام: ما الأمر كما تقولون,
بل زيَّنت لكم أنفسكم الأمَّارة بالسوء
أمرًا قبيحًا في يوسف, فرأيتموه حسنًا وفعلتموه,
فصبري صبر جميل لا شكوى معه لأحد من الخلق,
وأستعين بالله على احتمال ما تصفون من الكذب,
لا على حولي وقوت
ي.



وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ
فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ
قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ
بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
(19)


وجاءت جماعة من
المسافرين, فأرسلوا مَن يطلب لهم الماء,
فلما أرسل دلوه في البئر تعلَّق بها يو
سف, فقال واردهم: يا بشراي هذا
غلام نفيس, وأخفى الواردُ وأصحابه يوسفَ
من بقية المسافرين فلم يظهروه لهم, وقالوا:
إن هذه بضاعة استبضعناها, والله عليم بما
يعملونه بيوسف.




وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ
بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا
فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ (20)


وباعه إخوته للواردين
من المسافرين بثمن قليل من الدراهم, وكانوا
زاهدين فيه راغبين في التخلص منه; وذلك
أنهم لا يعلمون منزلته عند الله.




وَقَالَ الَّذِي
اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ
أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا
أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً و
َكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ
فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ
الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى
أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لا يَعْلَمُونَ (21)


ولما ذهب المسافرون
بيوسف إلى "مصر" اشتراه منهم عزيزها,
وهو الوزير, وقال لامرأته: أحسني م
عاملته, واجعلي مقامه عندنا
كريمًا, لعلنا نستفيد من خدمته, أو نقيمه
عندنا مقام الولد, وكما أنجينا يوسف وجعلنا
عزيز "مصر" يَعْطِف عليه, فكذلك مكنَّا
له في أرض "مصر", وجعلناه على خزائنها,
ولنعلِّمه تفسير الرؤى فيعرف منها ما سيقع
مستقبلا. والله غالب على أمره,
فحكمه نافذ لا يبطله مبطل, ولكن
أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر كله بيد
الله.




وَلَمَّا بَلَغَ
أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)


ولما بلغ يوسف منتهى
قوته في شبابه أعطيناه فهمًا وعلمًا, ومثل
هذا الجزاء الذي جزينا به
يوسف على إحسانه نجزي المحسنين
على إحسانهم. وفي هذا تسلية للرسول صلى
الله عليه وسلم.




وَرَاوَدَتْهُ
الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ
وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ
لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي
أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا ي
ُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)

ودعت امرأة العزيز
-برفق ولين- يوسف الذي هو في بيتها إلى نفسها;
لحبها الشديد له وحسن بهائه, وغلَّقت الأبواب
عليها وعلى يوسف, وقالت: هلمَّ إليَّ, فقال:
معاذ الله أعتصم به, وأستجير مِن الذي تدعينني
إليه, من خيانة سيدي الذي أحسن منزل
تي وأكرمني فلا أخونه في أهله,
إنه لا يفلح مَن ظَلَم فَفَعل ما ليس له
فعله.




وَلَقَدْ هَمَّتْ
بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى
بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ
عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ
مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)


ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة, وحدَّثت يوسفَ
نفسُه حديث خطرات للاستجابة, لولا أن رأى
آية من آيات ربه تزجره عمَّا حدثته به نفسه,
وإنما أريناه ذلك; لندفع عنه السوء والفاحشة
في جميع أموره, إنه من عبادنا المطهرين
المصطفَين للرسالة الذين أخلصوا في عبادتهم
لله وتوحيده.




وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ
قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا
لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ
أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ
يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)


وأسرع يوسف إلى
الباب يريد الخروج, وأسرعت تحاول الإمساك
به, وجذبت قميص
ه من خلفه; لتحول بينه وبين الخروج
فشقَّته, ووجدا زوجها عند الباب فقالت:
ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إلا أن
يسجن أو يعذب العذاب الموجع.




قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ
نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا
إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ
فَصَدَقَ
تْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ
(26)


قال يوسف: هي التي
طلبت مني ذلك, فشهد صبي في المهد مِن أهلها
فقال: إن كان قميصه شُقَّ من الأمام فصدقت
في اتِّهامها له, وهو من الكاذبين.




وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ
مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ
(27)


وإن كان قميصه شُقَّ من الخلف فكذبت
في قولها, وهو من الصادقين.




فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ
مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ
إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)


فلما رأى الزوج
قميص يوسف شُقَّ من خلفه علم براءة يوسف,
وقال لزوجته: إن هذا الكذب الذي اته
متِ به هذا الشاب هو مِن جملة
مكركن -أيتها النساء-, إنَّ مكركن عظيم.




يُوسُفُ أَعْرِضْ
عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ
إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ
(29)

قال عزيز "مصر":
يا يوسف اترك ذِكْر ما كان منها فلا تذكره
لأحد, واطلبي -أيتها المرأة- المغفرة لذنبك؛
إنك كنتِ من الآثمين في مراودة يوسف عن
نفسه, وفي افترائك عليه.




وَقَالَ نِسْوَةٌ
فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ
تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ
قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا
لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30)


ووصل الخبر إلى
نسوة في المدينة فتحدثن به, وقلن منكرات
على امرأة العزيز: امرأة العزيز تحاول غلامها
عن نفسه, وتدعوه إلى نفسها, وقد بلغ حبها
له شَغَاف قلبها (وهو غلافه), إنا لَنراها
في هذا الفعل
لفي ضلال واضح.



فَلَمَّا سَمِعَتْ
بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ
وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ
كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً
وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا
رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّ
َهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ
هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)


فلما سمعت امرأة
العزيز بغِيْبتهن إياها واحتيالهن في ذمِّها,
أرسلت إليهن تدعوهن لزيارتها, وهيَّأت
لهن ما يتكئن عليه من الوسائد, وما يأكلنه
من الطعام, وأعطت كل واحدة منهن سكينًا
ليُقَطِّعن الطعام, ث
م قالت ليوسف: اخرج عليهن, فلما
رأينه أعظمنه وأجللنه, وأخَذَهن حسنه وجماله,
فجرحن أيديهن وهن يُقَطِّعن الطعام من
فرط الدهشة والذهول, وقلن متعجبات: معاذ
الله, ما هذا من جنس البشر; لأن جماله غير
معهود في البشر, ما هو إلا مَلَك كريم من
الملائكة.




قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي
فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ
فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ
مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ
مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)


قالت امرأة العزيز
للنسوة اللاتي قطَّعن أيديهن: فهذا الذي
أصابكن في رؤيتكن إياه ما أصابك
ن هو الفتى الذي لُمتُنَّني
في الافتتان به, ولقد طلبته وحاولت إغراءه;
ليستجيب لي فامتنع وأبى, ولئن لم يفعل ما
آمره به مستقبلا لَيعاقَبَنَّ بدخول السجن,
ولَيكونن من الأذلاء.




قَالَ رَبِّ السِّجْنُ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي
إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِ
فْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ
إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ
(33)


قال يوسف مستعيذًا
مِن شرهن ومكرهن: يا ربِّ السجنُ أحب إليَّ
مما يدعونني إليه من عمل الفاحشة, وإن لم
تدفع عني مكرهن أَمِلْ إليهن, وأكن من السفهاء
الذين يرتكبون الإثم لجهلهم.




فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ
عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ (34)


فاستجاب الله ليوسف
دعاءه فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز
وصواحباتها من معصية الله. إن الله هو السميع
لدعاء يوسف, ودعاء كل داع مِن خلقه, العليم
بمطلبه وحاجته وما يصلحه
, وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم.



ثُمَّ بَدَا لَهُمْ
مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ
حَتَّى حِينٍ (35)


ثم ظهر للعزيز وأصحابه
-من بعد ما رأوا الأدلة على براءة يوسف وعفته-
أن يسجنوه إلى زمن يطول أو يقصر; منعًا للفضيحة.




وَدَخَلَ مَعَهُ
السِّ
جْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا
إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ
الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ
رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ
نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ
مِنْ الْمُحْسِنِينَ (36)


ودخل السجن مع يوسف
فَتَيان, قال أحد
هما: إني رأيت في المنام أني
أعصر عنبًا ليصير خمرًا, وقال الآخر: إني
رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير
منه, أخبرنا -يا يوسف -بتفسير ما رأينا, إنا
نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله, ومعاملتهم
لخلقه.




قَالَ لا يَأْتِيكُمَا
طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاّ
َ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ
قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا
مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ
مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)


قال لهما يوسف:
لا يأتيكما طعام ترزقانه في حال من الأحوال
إلا أخبرتكم
ا بتفسيره قبل أن يأتيكما, ذلكما
التعبير الذي سأعبِّره لكما مما علَّمني
ربي; إني آمنت به, وأخلصت له العبادة, وابتعدت
عن دين قوم لا يؤمنون بالله, وهم بالبعث
والحساب جاحدون.




وَاتَّبَعْتُ
مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ
وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَ
نْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ
شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا
وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38)


واتبعت دين آبائي
إبراهيم وإسحاق ويعقوب فعبدت الله وحده,
ما كان لنا أن نجعل لله شريكًا في عبادته,
ذلك التوحيد بإفراد الله
بالعبادة, مما تفضل الله به
علينا وعلى الناس, ولكن أكثر الناس لا يشكرون
الله على نعمة التوحيد والإيمان.




يَا صَاحِبَيِ
السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ
خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
(39)


وقال يوسف للفَتَيين
اللذين معه في السجن: أعبادةُ آل
هةٍ مخلوقة شتى خير أم عبادة
الله الواحد القهار؟




مَا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا
أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ
بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ
لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ
إِيَّاهُ ذَلِكَ الد
ِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)


ما تعبدون من دون
الله إلا أسماءً لا معاني وراءها, جعلتموها
أنتم وآباؤكم أربابًا جهلا منكم وضلالا،
ما أنزل الله من حجة أو برهان على صحتها,
ما الحكم الحق إلا لله تعالى وحده, لا شريك
له, أمر ألا
تنقادوا ولا تخضعوا لغيره, وأن
تعبدوه وحده, وهذا هو الدين القيم الذي
لا عوج فيه, ولكن أكثر الناس يجهلون ذلك,
فلا يعلمون حقيقته.




يَا صَاحِبَيِ
السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي
رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ
فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأ
ْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي
فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)


يا صاحبيَّ في السجن,
إليكما تفسيرَ رؤياكما: أما الذي رأى أنه
يعصر العنب في رؤياه فإنه يخرج من السجن
ويكون ساقي الخمر للملك, وأما الآخر الذي
رأى أنه يحمل على رأسه خبزًا فإنه يُصْلب
ويُتْرك, وتأكل الطير من رأسه, قُضي الأمر
الذي فيه تستفتيان وفُرغ منه.




وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ
نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ
فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ
فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ
(42)


وقال يوسف للذي
علم أنه ناجٍ من صاحبيه: اذكرني عند سيِّدك
الملك وأخبره بأني مظلوم محبوس بلا ذنب,
فأنسى الش
يطان ذلك الرجل أن يذكر للملك
حال يوسف, فمكث يوسف بعد ذلك في السجن عدة
سنوات.




وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى
سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ
سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ
وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأ
أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي
إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ
(43)


وقال الملك: إني رأيت في منامي
سبع بقرات سمان, يأكلهن سبع بقرات نحيلات
من الـهُزال, ورأيت سبع سنبلات خضر, وسبع
سنبلات يابسات, يا أيها السادة والكبراء
أخبروني عن هذه الرؤيا, إن كنتم للرؤيا
تُفَسِّرون.




قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ
بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ
(44)


قالوا: رؤياك هذه
أخلاط أحلام لا تأويل لها, وما نحن بتفسير
الأحلام بعالمين.




وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا
وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ
بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)




وقال الذي نجا من
القتل من صاحبَي يوسف في السجن وتذكر بعد
مدة ما نسي من أمر يوسف: أنا أخبركم بتأويل
هذه الرؤيا, فابعثوني إلى يوسف لآتيكم بتفسيرها.


يُوسُفُ أَيُّهَا
الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ
سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ
وَسَبْعِ سُ
نْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ
لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَعْلَمُونَ (46)


وعندما وصل الرجل
إلى يوسف قال له: يوسف أيها الصديق فسِّر
لنا رؤيا مَن رأى سبع بقرات سمان يأكلهن
سبع بقرات هزيلات, ورأى سبع سنبلات خضر
وأخر يابسات; لعلي أرجع إ
لى الملك وأصحابه فأخبرهم; ليعلموا
تأويل ما سألتك عنه, وليعلموا مكانتك وفضلك.




قَالَ تَزْرَعُونَ
سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ
فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً
مِمَّا تَأْكُلُونَ (4
7)

قال يوسف لسائله
عن رؤيا الملك: تفسير هذه الرؤيا أنكم تزرعون
سبع سنين متتابعة جادِّين ليَكْثُر العطاء,
فما حصدتم منه في كل مرة فادَّخِروه, واتركوه
في سنبله; ليتمَّ حفظه من التسوُّس, وليكون
أبقى, إلا قليلا مما تأكلونه من الحبوب.




ثُمَّ يَأْتِي
مِنْ بَعْد
ِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ
مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً
مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)


ثم يأتي بعد هذه
السنين الخِصْبة سبع سنين شديدة الجَدْب,
يأكل أهلها كل ما ادَّخرتم لهن من قبل, إلا
قليلا مما تحفظونه وتدَّخرونه ليكون بذورًا
للزراعة.




ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ
يَعْصِرُونَ (49)


ثم يأتي من بعد
هذه السنين المجدبة عام يغاث فيه الناس
بالمطر, فيرفع الله تعالى عنهم الشدة, ويعصرون
فيه الثمار من كثرة الخِصْب والنماء.




وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِي بِهِ فَلَمّ
َا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ
ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا
بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ
أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ
عَلِيمٌ (50)


وقال الملك لأعوانه:
أخرجوا الرجل المعبِّر للرؤيا من السجن
وأحضروه لي, فلما جاءه رسول الملك يدعوه
ق
ال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك
الملك, واطلب منه أن يسأل النسوة اللاتي
جرحن أيديهن عن حقيقة أمرهن وشأنهن معي;
لتظهر الحقيقة للجميع, وتتضح براءتي, إن
ربي عليم بصنيعهن وأفعالهن لا يخفى عليه
شيء من ذلك.




قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ
إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَف
ْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ
مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ
امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ
الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ
وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51)


قال الملك للنسوة
اللاتي جرحن أيديهن: ما شأنكن حين راودتنَّ
يوسف عن نفسه يو
م الضيافة؟ فهل رأيتن منه ما
يريب؟ قلن: معاذ الله ما علمنا عليه أدنى
شيء يَشينه, عند ذلك قالت امراة العزيز:
الآن ظهر الحق بعد خفائه, فأنا التي حاولت
فتنته بإغرائه فامتنع, وإنه لمن الصادقين
في كل ما قاله.




ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ
أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ
وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي
كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)


ذلك القول الذي
قلته في تنزيهه والإقرار على نفسي ليعلم
زوجي أني لم أخنه بالكذب عليه, ولم تقع مني
الفاحشة, وأنني راودته, واعترفت بذلك لإظهار
براءتي وبراءته, وأن الله لا يوفق أهل الخيانة,
ولا يرشدهم في خيان
تهم.
يتبــــــــــع تفسير سورة يوسف*
***************************************************************



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)   التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**) I_icon_minitimeالجمعة مارس 01, 2013 4:52 pm

اقتباس :

تابــــــــــع تفسير سورة يوسف
*********************************************************

الجزء الثالث عشر :



وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ
النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ
مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ
رَحِيمٌ (53)


قالت امرأة العزيز:
وما أزكي نفسي ولا أبرئها, إن النفس لكثيرة
الأمر لصاحبها بعمل المعاصي طلبا لملذاتها
, إلا مَن عصمه الله. إن الله
غفور لذنوب مَن تاب مِن عباده, رحيم بهم.




وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي
بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا
كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا
مَكِينٌ أَمِينٌ (54)


وقال الملك الحاكم
لـ "مصر" حين بلغته براءة يوسف: جيئو
ني به أجعله من خلصائي وأهل مشورتي,
فلما جاء يوسف وكلَّمه الملك, وعرف براءته,
وعظيم أمانته, وحسن خلقه, قال له: إنك اليوم
عندنا عظيم المكانة, ومؤتمن على كل شيء.




قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ
الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)


وأراد يوسف أن ينفع
العباد
, ويقيم العدل بينهم, فقال للملك:
اجعلني واليًا على خزائن "مصر", فإني
خازن أمين, ذو علم وبصيرة بما أتولاه.




وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ
فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ
يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ
وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
(56)

وكما أنعم الله
على يوسف بالخلاص من السجن مكَّن له في
أرض "مصر" ينزل منها أي منزل شاءه.
يصيب الله برحمته من يشاء من عباده المتقين,
ولا يضيع أجر مَن أحسن شيئًا مِن العمل
الصالح.




وَلأَجْرُ الآخِرَةِ
خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ (57)


ولَثواب الآخرة
عند الله أعظم من ثواب الدنيا لأهل الإيمان
والتقوى الذين يخافون عقاب الله, ويطيعونه
في أمره ونهيه.




وَجَاءَ إِخْوَةُ
يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ
وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58)


وقدِمَ إخوة يوسف
إلى "مصر" -بعد أن حلَّ بهم الجدب في
أر
ضهم-; ليجلبوا منها الطعام, فدخلوا
عليه فعرفهم, ولم يعرفوه لطول المدة وتغيُّر
هيئته.




وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ
بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ
لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي
أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ
(59)


وقد أمر يوسف بإكرامهم وحسن ضيافتهم, ثم أعطاهم
من الطعام ما طلبوا, وكانوا قد أخبروه أن
لهم أخًا من أبيهم لم يُحضروه معهم -يريدون
شقيقه- فقال: ائتوني بأخيكم من أبيكم, ألم
تروا أني أوفيتُ لكم الكيل وأكرمتكم في
الضيافة, وأنا خير المضيفين لكم؟




فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي
بِهِ فَلا
كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ
(60)


فإن لم تأتوني به
فليس لكم عندي طعام أكيله لكم, ولا تأتوا
إليَّ.




قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ
أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)


قالوا: سنبذل جهدنا
لإقناع أبيه أن يرسله معنا, ولن نقصِّر
في ذلك.




وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ
فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا
إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ (62)


وقال يوسف لغلمانه:
اجعلوا ثمن ما أخذوه في أمتعتهم سرًا; رجاء
أن يعرفوه إذا رجعوا إلى أهلهم, ويقدِّروا
إكرامنا لهم؛ ليرج
عوا طمعًا في عطائنا.



فَلَمَّا رَجِعُوا
إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا
مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا
أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
(63)


فلما رجعوا إلى
أبيهم قصُّوا عليه ما كان من إكرام العزيز
لهم, وقالوا: إنه لن يعطينا م
ستقبَلا إلا إذا كان معنا أخونا
الذي أخبرناه به, فأرسلْه معنا نحضر الطعام
وافيًا, ونتعهد لك بحفظه.




قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ
عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى
أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا
وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)


قال لهم أبوهم: كيف آمنكم على "بنيامين"
وقد أمنتكم على أخيه يوسف من قبل, والتزمتم
بحفظه فلم تفوا بذلك؟ فلا أثق بالتزامكم
وحفظكم, ولكني أثق بحفظ الله, خير الحافظين
وأرحم الراحمين, أرجو أن يرحمني فيحفظه
ويرده عليَّ.




وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ
وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُد
َّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا
أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا
رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا
وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ
بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)


ولما فتحوا أوعيتهم
وجدوا ثمن بضاعتهم الذي دفعوه قد رُدَّ
إليهم قالوا: يا أب
انا ماذا نطلب أكثر من هذا؟ هذا
ثمن بضاعتنا ردَّه العزيز إلينا, فكن مطمئنًا
على أخينا, وأرسله معنا; لنجلب طعامًا وفيرًا
لأهلنا, ونحفظ أخانا, ونزداد حِمْلَ بعير
له; فإن العزيز يكيل لكل واحد حِمْلَ بعير,
وذلك كيل يسير عليه.




قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ
مَعَكُمْ حَ
تَّى تُؤْتُونِي مَوْثِقاً
مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلاَّ
أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ
مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا
نَقُولُ وَكِيلٌ (66)


قال لهم يعقوب:
لن أتركه يذهب معكم حتى تتعهدوا وتحلفوا
لي بالله أن تردوه إليَّ, إلا أن تُغْلبوا
عليه فلا تستطيعوا تخليصه, فلما
أعطَوْه عهد الله على ما طلب, قال يعقوب:
الله على ما نقول وكيل, أي تكفينا شهادته
علينا وحفظه لنا.




وَقَالَ يَا بَنِي
لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا
مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي
عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ
مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ
إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ
(67)


وقال لهم أبوهم:
يا أبنائي إذا دخلتم أرض "مصر" فلا
تدخلوا مِن باب واحد, ولكن ادخلوها من أبواب
متفرقة, حتى لا تصيبكم العين, وإني إذ أوصيكم
بهذا
لا أدفع عنكم شيئًا قضاه الله
عليكم, فما الحكم إلا لله وحده, عليه اعتمدت
ووثقت, وعليه وحده يعتمد المؤمنون.




وَلَمَّا دَخَلُوا
مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا
كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ
شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ
قَضَاهَا
وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا
عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لا يَعْلَمُونَ (68)


ولما دخلوا من أبواب
متفرقة كما أمرهم أبوهم, ما كان ذلك ليدفع
قضاء الله عنهم, ولكن كان شفقة في نفس يعقوب
عليهم أن تصيبهم العين, وإن يعقوب لصاحب
علمٍ عظيم بأمر دينه علّ
َمه الله له وحْيًا, ولكن أكثر
الناس لا يعلمون عواقب الأمور ودقائق الأشياء,
وما يعلمه يعقوب -عليه السلام- مِن أمر دينه.




وَلَمَّا دَخَلُوا
عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ
إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)


ولما دخل إخوة يوسف عليه في منزل ضيافته
ومعهم شقيقه, ضم يوسف إليه شقيقه, وقال له
سرًا: إني أنا أخوك فلا تحزن, ولا تغتمَّ
بما صنعوه بي فيما مضى. وأمره بكتمان ذلك
عنهم.




فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ
بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي
رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّ
نٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ
لَسَارِقُونَ (70)


فلما جهزَّهم يوسف,
وحمَّل إبلهم بالطعام, أمر عماله, فوضعوا
الإناء الذي كان يكيل للناس به في متاع
أخيه "بنيامين" من حيث لا يشعر أحد,
ولما ركبوا ليسيروا نادى منادٍ قائلا يا
أصحاب هذه العير المحمَّلة بالطعام,
إنكم لسارقون.



قَالُوا وَأَقْبَلُوا
عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71)


قال أولاد يعقوب
مقبلين على المنادي: ما الذي تفقدونه؟




قَالُوا نَفْقِدُ
صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ
حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)


قال المنادي ومَن
بحضرته: نفقد ال
مكيال الذي يكيل الملك به, ومكافأة
من يحضره مقدار حِمْل بعير من الطعام, وقال
المنادي: وأنا بحِمْل البعير من الطعام
ضامن وكفيل.




قَالُوا تَاللَّهِ
لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ
فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ
(73)


قال إخوة يوسف:
والله لقد تح
ققتم مما شاهدتموه منا أننا
ما جئنا أرض "مصر" من أجل الإفساد فيها,
وليس من صفاتنا أن نكون سارقين.




قَالُوا فَمَا
جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74)


قال المكلَّفون
بالبحث عن المكيال لإخوة يوسف: فما عقوبة
السارق عندكم إن كنتم كاذبين في قولكم:
لسنا بسارقي
ن؟



قَالُوا جَزَاؤُهُ
مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ
كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)


قال إخوة يوسف:
جزاء السارق مَن وُجِد المسروق في رحله
فهو جزاؤه. أي يسلَّم بسرقته إلى مَن سرق
منه حتى يكون عبدًا عنده, مثل هذا الجزاء
-وهو الاسترقاق- نجزي ا
لظالمين بالسرقة, وهذا ديننا
وسنتنا في أهل السرقة.




فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ
قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا
مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا
لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ
فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ
اللَّهُ نَرْفَعُ
دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ
كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)


ورجعوا بإخوة يوسف
إليه, فقام بنفسه يفتش أمتعتهم, فبدأ بأمتعتهم
قبل متاع شقيقه; إحكامًا لما دبَّره لاستبقاء
أخيه معه, ثم انتهى بوعاء أخيه, فاستخرج
الإناء منه, كذلك يسَّرنا ليوسف هذا التدبير
الذي
توصَّل به لأخذ أخيه, وما كان
له أن يأخذ أخاه في حكم مَلِك "مصر";
لأنه ليس من دينه أن يتملك السارق, إلا أن
مشيئة الله اقتضت هذا التدبير والاحتكام
إلى شريعة إخوة يوسف القاضية برِقِّ السارق.
نرفع منازل مَن نشاء في الدنيا على غيره
كما رفعنا منزلة يوسف. وفوق كل
ذي علمٍ من هو أعلم منه, حتى
ينتهي العلم إلى الله تعالى عالم الغيب
والشهادة.




قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ
فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا
يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا
لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُ
ونَ (77)

قال إخوة يوسف:
إنْ سرق هذا فقد سرق أخ شقيق له من قبل (يقصدون
يوسف عليه السلام) فأخفى يوسف في نفسه ما
سمعه, وحدَّث نفسه قائلا أنتم أسوأ منزلة
ممن ذكرتم, حيث دبَّرتم لي ما كان منكم,
والله أعلم بما تصفون من الكذب والافتراء.




قَالُوا يَا أَيُّهَا
الْ
عَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً
كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ
إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (78)


قالوا مستعطفين
ليوفوا بعهد أبيهم: يا أيها العزيز إن له
والدًا كبيرًا في السن يحبه ولا يطيق بُعده,
فخُذْ أحدنا بدلا من "بنيامين", إنا
نراك من المحسن
ين في معاملتك لنا ولغيرنا.



قَالَ مَعَاذَ
اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا
مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ
(79)


قال يوسف: نعتصم
بالله ونستجير به أن نأخذ أحدًا غير الذي
وجدنا المكيال عنده -كما حكمتم أنتم-, فإننا
إن فعلنا ما تطلبون
نكون في عداد الظالمين.



فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا
مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ
أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ
وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ
فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ
لِي
أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ
لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)


فلما يئسوا من إجابته
إياهم لِمَا طلبوه انفردوا عن الناس, وأخذوا
يتشاورون فيما بينهم, قال كبيرهم في السن:
ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم العهد
المؤكد لتردُّنَّ أخاكم إلا أن تُغلبوا,
ومن قبل
هذا كان تقصيركم في يوسف وغدركم
به; لذلك لن أفارق أرض "مصر" حتى يأذن
لي أبي في مفارقتها, أو يقضي لي ربي بالخروج
منها, وأتمكن مِن أَخْذِ أخي, والله خيرُ
مَن حَكَمَ, وأعدل مَن فَصَلَ بين الناس.




ارْجِعُوا إِلَى
أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ
ابْنَكَ
سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ
بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ
حافِظِينَ (81)


ارجعوا أنتم إلى
أبيكم, وأخبروه بما جرى, وقولوا له: إن ابنك
"بنيامين" قد سرق, وما شهدنا بذلك إلا
بعد أن تَيَقَّنَّا, فقد رأينا المكيال
في رحله, وما كان عندنا علم الغيب أنه
سيسرق حين عاهدناك على ردِّه.



وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ
الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي
أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
(82)


واسأل -يا أبانا-
أهل "مصر", ومَن كان معنا في القافلة
التي كنا فيها, وإننا صادقون فيما أخبرناك
به.




قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي
بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (83)


ولما رجعوا وأخبروا
أباهم قال لهم: بل زَيَّنَت لكم أنفسكم
الأمَّارة بالسوء مكيدة دبَّرتموها كما
فعلتم مِن قبل مع يوسف, ف
صبري صبر جميل لا جزع فيه ولا
شكوى معه, عسى الله أن يردَّ إليَّ أبنائي
الثلاثة -وهم يوسف وشقيقه وأخوهم الكبير
المتخلف من أجل أخيه- إنه هو العليم بحالي,
الحكيم في تدبيره.




وَتَوَلَّى عَنْهُمْ
وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ
عَيْنَاهُ مِنَ الْ
حُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)

وأعرض يعقوب عنهم,
وقد ضاق صدره بما قالوه، وقال: يا حسرتا
على يوسف وابيضَّتْ عيناه, بذهاب سوادهما
مِن شدة الحزن فهو ممتلئ القلب حزنًا, ولكنه
شديد الكتمان له.




قَالُوا تَاللَّهِ
تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ
حَرَضاً أَو
ْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ
(85)


قال بنوه: تالله
ما تزال تتذكر يوسف, ويشتدُّ حزنك عليه
حتى تُشْرِف على الهلاك أو تهلك فعلا فخفف
عن نفسك.




قَالَ إِنَّمَا
أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ
(86)


قال يعقوب مجيبًا لهم: لا أظهر همِّي وحزني
إلا لله وحده, فهو كاشف الضرِّ والبلاء,
وأعلم من رحمة الله وفرجه ما لا تعلمونه.




يَا بَنِي اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ
وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ
لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ
الْقَوْ
مُ الكَافِرُونَ (87)

قال يعقوب: يا أبنائي
عودوا إلى "مصر" فاستقصوا أخبار يوسف
وأخيه, ولا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله,
إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون
لقدرته, الكافرون به.




فَلَمَّا دَخَلُوا
عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ
مَسَّنَا وَأ
َهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا
بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا
الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ
اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)


فذهبوا إلى "مصر",
فلما دخلوا على يوسف قالوا: يا أيها العزيز
أصابنا وأهلنا القحط والجدب, وجئناك بثمن
رديء قليل, فأع
طنا به ما كنت تعطينا من قبل
بالثمن الجيد, وتصدَّقْ علينا بقبض هذه
الدراهم المزجاة وتجوَّز فيها, إن الله
تعالى يثيب المتفضِّلين على أهل الحاجة
بأموالهم.




قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ
مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ
أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)


فلما سمع مقالتهم رقَّ لهم, وعرَّفهم بنفسه وقال:
هل تذكرون الذي فعلتموه بيوسف وأخيه من
الأذى في حال جَهْلكم بعاقبة ما تفعلون؟




قَالُوا أَئِنَّكَ
لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا
أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ
مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ
لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
(90)


قالوا: أإنَّك لأنت
يوسف؟ قال: نعم أنا يوسف, وهذا شقيقي, قد
تفضَّل الله علينا, فجمع بيننا بعد الفرقة,
إنه من يتق الله, ويصبر على المحن, فإن الله
لا يذهب ثواب إحسانه, وإنما يجزيه أحسن
الجزاء.




قَالُوا تَاللَّهِ
لَقَدْ آ
ثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ
كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)


قالوا: تالله لقد
فَضَّلك الله علينا وأعزَّك بالعلم والحلم
والفضل, وإن كنا لخاطئين بما فعلناه عمدًا
بك وبأخيك.




قَالَ لا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ
لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاح
ِمِينَ (92)

قال لهم يوسف: لا
تأنيب عليكم اليوم, يغفر الله لكم, وهو أرحم
الراحمين لمن تاب من ذنبه وأناب إلى طاعته.




اذْهَبُوا بِقَمِيصِي
هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي
يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ
أَجْمَعِينَ (93)


ولما سألهم عن أبيه
أخبروه
بذهاب بصره من البكاء عليه,
فقال لهم: عودوا إلى أبيكم ومعكم قميصي
هذا فاطرحوه على وجه أبي يَعُدْ إليه بصره,
ثم أحضروا إليَّ جميع أهلكم.




وَلَمَّا فَصَلَتْ
الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ
رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ
(94)


ولما خرجت القافلة من أرض "مصر", ومعهم القميص
قال يعقوب لمن حضره: إني لأجد ريح يوسف لولا
أن تسفهوني وتسخروا مني, وتزعموا أن هذا
الكلام صدر مني من غير شعور.




قَالُوا تَاللَّهِ
إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95)


قال الحاضرون عنده:
تالله إنك لا تزال في خطئك القديم مِن حب
يوسف, وأنك لا تنساه.



فَلَمَّا أَنْ
جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ
فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ
لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا
لا تَعْلَمُونَ (96)


فلما أن جاء من
يُبشِّر يعقوب بأن يوسف حيٌّ, وطرح قميص
يوسف على وجهه فعاد يعق
وب مبصرًا, وعمَّه السرور فقال
لمن عنده: ألـمْ أخبركم أني أعلم من الله
ما لا تعلمونه من فضل الله ورحمته وكرمه؟




قَالُوا يَا أَبَانَا
اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا
كُنَّا خَاطِئِينَ (97)


قال بنوه: يا أبانا
سل لنا ربك أن يعفو عنا ويستر علينا ذنوبنا,
إن
ا كنا خاطئين فيما فعلناه بيوسف
وشقيقه.




قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ
لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ (98)


قال يعقوب: سوف
أسأل ربي أن يغفر لكم ذنوبكم, إنه هو الغفور
لذنوب عباده التائبين, الرحيم بهم.




فَلَمَّا دَخَلُوا
عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَ
يْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا
مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)


وخرج يعقوب وأهله
إلى "مصر" قاصدين يوسف, فلما وصلوا
إليه ضمَّ يوسف إليه أبويه, وقال لهم: ادخلوا
"مصر" بمشيئة الله, وأنتم آمنون من
الجهد والقحط, ومن كل مكروه.




وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ
عَل
َى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ
سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ
رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي
حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي
مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ
بَيْنِي وَبَيْن
َ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ
لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ (100)


وأجْلَسَ أباه
وأمه على سرير ملكه بجانبه; إكرامًا لهما,
وحيَّاه أبواه وإخوته الأحد عشر بالسجود
له تحية وتكريمًا, لا عبادة وخضوعًا, وكان
ذلك جائزًا في شريعتهم, وقد حَرُم
في شريعتنا; سدًا لذريعة الشرك
بالله. وقال يوسف لأبيه: هذا السجود هو تفسير
رؤياي التي قصصتها عليك من قبل في صغري,
قد جعلها ربي صدقًا, وقد تفضَّل عليَّ حين
أخرجني من السجن, وجاء بكم إليَّ من البادية,
من بعد أن أفسد الشيطان رابطة الأخوة بيني
وبين إخوتي. إن رب
ي لطيف التدبير لما يشاء, إنه
هو العليم بمصالح عباده, الحكيم في أقواله
وأفعاله.




رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي
مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ
الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي
مُسْلِماً
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
(101)


ثم دعا يوسف ربه
قائلا ربِّ قد أعطيتني من ملك "مصر",
وعلَّمتني من تفسير الرؤى وغير ذلك من العلم,
يا خالق السموات والأرض ومبدعهما, أنت متولي
جميع شأني في الدنيا والآخرة, توفني إليك
مسلمًا, وألحقني بعبادك الصالحين من الأنبي
اء الأبرار والأصفياء الأخيار.



ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ
الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ
لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ
وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)


ذلك المذكور من
قصة يوسف هو من أخبار الغيب نخبرك به -أيها
الرسول- وحيًا, وما كنت حاضرًا مع إخوة يوسف
حين دبَّروا له الإلقاء في البئر,
واحتالوا عليه وعلى أبيه. وهذا يدل على
صدقك, وأن الله يُوحِي إليك.




وَمَا أَكْثَرُ
النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ
(103)


وما أكثرُ المشركين
من قومك -أيها الرسول- بمصدِّقيك ولا متبعيك,
ولو حَرَصْتَ على إيمانهم, فلا ت
حزن على ذلك.



وَمَا تَسْأَلُهُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ
ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)


وما تطلب من قومك
أجرة على إرشادهم للإيمان, إن الذي أُرسلتَ
به من القرآن والهدى عظة للناس أجمعين يتذكرون
به ويهتدون.




وَكَأَيِّنْ مِنْ
آيَةٍ فِي السَّمَوَات
ِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا
وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)


وكثير من الدلائل
الدالة على وحدانية الله وقدرته منتشرة
في السموات والأرض, كالشمس والقمر والجبال
والأشجار, يشاهدونها وهم عنها معرضون, لا
يفكرون فيها ولا يعتبرون.




وَمَا يُؤْمِنُ
أَكْثَرُهُم
ْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ
(106)


وما يُقِرُّ هؤلاء
المعرضون عن آيات الله بأن الله خالقهم
ورازقهم وخالق كل شيء ومستحق للعبادة وحده
إلا وهم مشركون في عبادتهم الأوثان والأصنام.
تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرا.




أَفَأَمِنُوا
أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِي
َةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ
تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ
لا يَشْعُرُونَ (107)


فهل عندهم ما يجعلهم
آمنين أن ينزل بهم عذاب من الله يعُمُّهم,
أو أن تأتيهم القيامة فجأة, وهم لا يشعرون
ولا يُحِسُّون بذلك.




قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللَّه
ِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا
أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)


قل لهم -أيها الرسول-:
هذه طريقتي, أدعو إلى عبادة الله وحده, على
حجة من الله ويقين, أنا ومن اقتدى بي, وأنزِّه
الله سبحانه وتعالى عن الشركاء, ولستُ من
المشرك
ين مع الله غيره.



وَمَا أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي
إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا
كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا ت
َعْقِلُونَ (109)

وما أرسلنا من قبلك
-أيها الرسول- للناس إلا رجالا منهم ننزل
عليهم وحينا, وهم من أهل الحاضرة, فهم أقدر
على فهم الدعوة والرسالة, يصدقهم المهتدون
للحق, ويكذبهم الضالون عنه, أفلم يمشوا
في الأرض, فيعاينوا كيف كان مآل المكذبين
السابقين وما حلَّ ب
هم من الهلاك؟ ولَثواب الدار
الآخرة أفضل من الدنيا وما فيها للذين آمنوا
وخافوا ربهم. أفلا تتفكرون فتعتبروا؟




حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ
الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا
جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ
وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْ
مِ الْمُجْرِمِينَ (110)

ولا تستعجل -أيها
الرسول- النصر على مكذبيك, فإن الرسل قبلك
ما كان يأتيهم النصر عاجلا لحكمة نعلمها,
حتى إذا يئس الرسل من قومهم, وأيقنوا أن
قومهم قد كذبوهم ولا أمل في إيمانهم, جاءهم
نصرنا عند شدة الكرب, فننجي من نشاء من الرسل
وأتباعهم,
ولا يُرَدُّ عذابنا عمَّن أجرم
وتجرَّأ على الله. وفي هذا تسلية للنبي
صلى الله عليه وسلم.




لَقَدْ كَانَ فِي
قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ
مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ
تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ
كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَ
رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
(111)


لقد كان في نبأ
المرسلين الذي قصصناه عليك وما حلَّ بالمكذبين
عظة لأهل العقول السليمة. ما كان هذا القرآن
حديثًا مكذوبًا مختلَقًا, ولكن أنزلناه
مصدقًا لما سبقه من الكتب السماوية, وبيانًا
لكل ما يحتاج إليه العباد من تحليل وت
حريم, ومحبوب ومكروه وغير ذلك,
وإرشادًا من الضلال, ورحمة لأهل الإيمان
تهتدي به قلوبهم, فيعملون بما فيه من الأوامر
والنواهي.




التالى
فى صفحة منفصلة
تفسير سورة الرعد


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التفسير الميسر (سورة الأنفال /التوبة/يونس/ هود/يوسف**)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: المنتدى الاسلامى :: التفسير-
انتقل الى: