فوائد الشتاء يامسلمين

تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فوائد الشتاء
الحمد لله حمداً حمداً والشكر له شكراً شكراً .
أشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له خلق الخلق وعدهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فردا .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه هادياً وبشيراً وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً .
كان لربه متعبداً بالنهار صائماً وفي الليل قائماً ولليتم معيناً وللمسلمين مطعماً .
صلوات ربي وسلامه عليه كثيراً كثيراً ما كان المسلمون قليلاً أو وفيراً .
عباد الله : اتقوا الله ربكم واعبدوا ربكم خالقكم وخذوا من الأزمان عبراً ومن مرور الأزمان انقضاء الأعمار وبتتالي الأيام فناء الشباب , وذهاب الأحلام والألباب .
تزودوا ليوم الرحيل وخذوا المتاع ليوم النفير وتأهبوا ليوم الإنتقال إلى دار القرار .
عباد الله : هذه أيام الشتاء وما أدراك ما أيام الشتاء نعم ما أدراك ما أيام الشتاء كم في الشتاء من عبر وعظات , وكم في الشتاء من فرصة لكسب الحسنات ومضاعفة الدرجات في ليالي الشتاء ماليس في ليالي الصيف نعم ليال الشتاء خصائص وميز ولأهله فضل وتميز كيف لا ؟! , وهو ربيع المؤمن وفي الأثر ( الشتاء ربيع المؤمن طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه ) رواه العسكري والبيهقي .
قال ابن رجب رحمه الله:( وإنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات ويسرح في ميادين العبادات وينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه كما ترتع البهائم بمرعى الربيع فتسمن وتصلح أجسادها فكذلك يصلح دين المسلم في الشتاء بما يسر الله به من الطاعات )
هنيئاً لكم عبادالله : ليل طويل فأين المتهجدون ونهار قصير فأين الصائمون .
وماهو الصيام إنما هو تعجيل للإفطار وتأخير للغداء في يوم بارد قصيرفالله الله عباد الله .
وفي المسند والترمذي ( الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة ) وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول :( ألا أدلكم على الغنيمة الباردة ) قالوا : بلى فيقول الصيام في الشتاء وقيام ليل الشتاء غنيمة بارده : بارده من غير تعب , باردة من غير مشقه .
وكم من عصامي قضى الليل ساهداً        وأصبح يرقى مسلم المجد متعباً
فقم ناهضاً للمكرمات مشــــــــــرقاً         فإن لم تجدها ثمَ فانهض مغرباً
إذا لم تعش بين الرجال مــــــعززاً فمت في عراك الدهر موتاً محبباً
وليله ينام فيرتاح ثم يقوم ويتهجد ويدعو ويستغفر بعد الإنطراح , بين يدي ربه مناجياً متهجداً (( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الأخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب)) الزمر آية (9)
وربنا يقول منادياً لعباده (( من يدعوني فاستجب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فاغفرله )) ما أجمل هذا النداء من رب الفضل والنعماء .
فيا حسن عباد الله المؤمنين ويا طوبى للقائمين ويا زلفى للصالحين .
تنظر إليهم : مابين راكع خاشع وقارئ خاضع , وساجد متذلل , وداع متضرع ومستغفر مخبت وباك على ذنوبه وخائف من معاصيه تراه وقد ابتلت خدوده دموعاً وغارت أعينه خشوعاً ورق قلبه تخوفاً .يسأل ربه العفو عن تقصيره ويبتهل إلى خالقه .
ولذلك بشرهم ربهم فقال : (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون )) السجدة آية (17)
واسمع لسلف الأمة مذكرين ومبشرين ومحذرين قال يحي بن معاذ : ( الليل طويل فلا تقصره بمنامك )
وكان ابن مسعود يقول :( مرحباً بالشتاء تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام )
وهذا معاذ رضي الله عنه يبكي , ما يبكيك يا صاحب رسول الله يبكي عند وفاته ويقول : وإنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر )
ومن عبادات الشتاء مجاهدة النفوس للقيام عن الفراش المنفوش فالفراش وفير والبرد شديد ولكن همة المؤمن أعلى ونفسه أزكى .
ومن عبادات الشتاء : أسباغ الوضوء وما أدراك ما إسباغ الوضوء إنه حسنات موقوره وأجور مشكوره وفضل كبير .
قال _ صلى الله عليه و سلم _ :( ألا أدلكم ) نعم ( ألا أدلكم على مايمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا : بلى يا رسول الله قال : ( إسباغ الوضوء على المكاره ) وفي روايه (( أو الطهور على المكاره ))
واسمع لهذا الفضل من الله جل الله قال عليه الصلاة والسلام ( رأيت ربي في أحسن صورة فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت لا أدري فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله ثم قال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت في الكفارات والدرجات قال : وما الكفارات ؟ فقلت : إسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات وإنتظار الصلاة بعد الصلاة قال : فما الدرجات ؟ قلت : إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام قال : قلت : ماأقول قال : اللهم إني أسالك عملاً بالحسنات وتركاً للمنكارات وإذا أردت في قوم فتنة وأنا فيهم فاقبضني إليك غير مفتون ) رواه الترمذي وصححه الألباني .
اعلم رحمني الله وإياك أن إسباغ الوضوء في ليال الشتاء وبردها من خصال الإيمان وسبب لرضاء الرحمن فالله الله في الحرص وترك أسباب الحرمان .
واعتنوا ــ رحمكم الله ــ بأحكام المسح على الخفين فلا مسح إلا بعد لبس على طهاره ولا فوق يوم وليلة للمقيم ولا فوق ثلاثة أيام للمسافر وتبدأ المدة من أول مسح بعد حدث ولا ينتقض الوضوء بانتهاء المدة مالم يحدث ولا ينزع الخف مالم يرد ناقص للوضوء .
ومن خفي عليه في المسح أحكامه فليسأل علماءه فإنما دواء العي السؤال ومن عبادات الشتاء : مواساة الفقراء والمحتاجين وبذل الإحسان وسد حاجة المعوزين , مرة طعام وأخرى كساء .
فرحم الله إمرءاً سعى في سد حاجة إخوانه وفي حاجة يتيم وألبس عن البرد أرملة ومسكين وتفقد المتعففين محتسباً للأجور مطيعاً للرب الغفور كم من ابتسامة تتركها على وجوههم وكم من سرور تدخله قلوبهم .
( أحب الناس إلى الله أنفعهم ) وأعلم أن العطاء من الله يعطي من يشاء ويحرم من يشاء
رأيت الغنى والفقر حظين قسما    فأحرم محتال وذو العي كاسب فهذا ملح دائب غير ربــــــــح   وهذا مريح رابــــح غير دائب
ولله في ذلك حكمة فاسعوا رحمكم الله للمسلمين وهبوا في خدمة المحتاجين وأسأل الله أن يحشركم في زمرة المساكين ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) القصص آية (83)
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم وتسمعون واستغفر الله لي ولكم فا استغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
                             الخطبة الثانية
أيها المسلمون : اتقوا الله في السراء والضراء وراقبوه في الشدة والرخاء كونوا على الحق أعواناً وفي إصلاح ذات البين إخواناً وفي إعلاء كلمة الله أركانا حافظوا على إصلاح القلوب وارضوا علام الغيوب .
عباد الله : كما أن في الشتاء مواسم للقربات والطاعات ففيه موسم للعبرة والعظات ففي بعض الشتاء برد قارص وذلك من زمهرير جهنم فاستعيدوا بالله من بردها وحرها فكلاهما عذاب .
قال عليه الصلاة والسلام ( إذا كان يوم شديد البرد فإذا قال : العبد : لاإله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم !! اللهم أجرني من زمهرير جنهم قال الله لجهنم : إن عبداً من عبادي استجار بي من زمهريرك وإني أشهدك أني قد أجرته )) قالوا ما زمهرير جهنم قال : (( بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة البرد)) وفي الحديث (( إن الله جعل لجهنم نفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ماتجدون من الحر من سمومها ))
ومتى استغاث أهل جهنم فانظر بما يغاثون روي عن ابن عباس أنه قال (( يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر ))
فيامن نفس جهنم يراه مرات ومرات مرة حرها وأخرى بردها وأخرى بردها فاعلم أنها يؤتى بها يقودها سبعون ألف زمام , ألك صبر على حرها وقد آلمك نفس صيفها , ألك صبر على بردها وقد آلمك برد شتائها .
أللهم أجرنا من النار اللهم أجرنا من النار وأهلنا وذريتنا من الخزي من دار البوار .
إن كنت تغدو في الذنوب جليداً         وتخاف في يوم المعــــــــاد وعيداً
فلقد أتاك من المهيمن عفـــــوة       وأفــــــــــاض من نعم عليك مزيداً
لاتيأس من لطف ربك في الحشا في بطــــــــــــن أمك مضغة ووليداً
لو شاء أن تصلى جهنـــــم خالداً      ما كـــان ألهم قلبك التوحيدا
وتذكروا رحمكم الله كيف وقاكم شدة البرد وشدة الحر أنعم عليكم بألبسة تستركم وبيوت تكنكم كل ذلك بفضل ربكم ومنة خالقكم (( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون )) النحل آية (5)
(( ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين (80) والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون (81) فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون (82) النحل
نعوذ بالله من نكران نعم الله وجحود فضل الله .
أيها الأخوة المسلمون :                                                                      تذكروا تذكروا تذكروا وأنتم في بيوتكم مطمئنون وبين أهليكم مسكنون ومع أولادكم تتسامرون تذكروا إخواناً لكم في سوريا مشردون وعن منازلهم مغيبون ومن الألبسة مجردون وعن الدفء مبعدون .
تذكروا حالهم لاجئين في فلسطين وحالهم مشردين في بورما وأما سوريا وحالهم وبردهم وقلة حيلتهم فلا يدرون أين الحرب يهربون أم من الجوع يفرون أم من العريَ وقلة اللباس وشدة البرد يأنون ويتألمون .
تذكروا وأنتم تلبسون وتتدقون بأنواع اللحف تتمتعون تذكروا أن أحدهم إن وجد غطاءاً غطى رأسه انكشفت قدماه وإن غطى قدميه انكشف وجهه ويداه في جو شات قارس شديد .
اللهم سلم سلم من تقصيرنا وقلة حيلتنا
لقد جاءنا هذا الشتاء وتحته                   فقير معري أو أمير مدوج
قد يرزق المجد وأقوات أمة                ويحرم قوتاً واحد وهو أحواج
ولو كانت الدنيا عروساً وجدتها بما قتلت أزوجها لا تزوج
عبادالله : تدكروا وأنتم تتوقون برد الشتاء بألبسة جديدة وضعيفه إخوانكم المستضعفين المشردين ( الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله )) الحج آية (40)
فرحم الله إمرءاً ساهم بحاله وماله في مواساة المسلمين وإغاثة الملهوفين إدخال السرور على اليتامى والثكالى والمعوزين .
يا أمتنا تذكروا أن الله أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف فاطعموا من لا يجدون رغيف خبز به يسدون رمقهم ولا أمنا يسكنون به روعهم .
اللهم أرحم ضعفهم وأمن خوفهم وسد جوعهم وأغفر تقصيرنا واعف عنا تخاذلنا .