[rtl]*المقال الأول:[/rtl]
للدكتور جمال حمدان ///عبقرية الإنسان والمكان في ضوء كتاب شخصية مصر- الجزء الثاني
[rtl]في المقال الأول* تحدثنا عن "وجه مصر"... فماذا عن موقعها؟[/rtl]
[rtl]عن هذا يقول الدكتور جمال حمدان في كتابه: "مصر هي حجر الزاوية، والأرض الركن في الثلاثية القارية التي يتألف منها العالم القديم، والوحيدة التي تلتقي فيها قارتان وتقترب منها الثالثة أكثر ما تقترب، لا سيما وأنها تقع عند التقاء أربعة ضلوع من هاتين القارتين. وبهذه الصفة فإنها لا تمتاز فقط بالموقع المركزي المتوسط في قلب الدنيا القديمة، ولا بالموقع المدخلي أو موقع البوابة فحسب، ولكن أيضًا بالموقع العقدي البؤري."[/rtl]
[rtl]الواقع التاريخي يؤكد ما يقوله الدكتور حمدان، فالمتأمل في حركة التجارة والغزو والتبادل الثقافي في العالم القديم، منذ أقدم العصور وحتى العصر الحديث، يدرك أن مصر -عبر الوسائط المختلفة- هي البوابة الأمثل من آسيا لكلّ من أفريقيا وأوروبا، ومن أوروبا لكلّ من آسيا وأفريقيا، ومن أفريقيا لكلّ من آسيا وأوروبا.[/rtl]
[rtl]صحيح أن البحر المتوسط وموانىء الشام والجنوب الأوروبي والشمال الأفريقي لعبت دورًا كبيرًا في حركات الانتقال والتواصُل، ولكن دائمًا كانت مصر كوسيط حضاري أو جغرافي هي صاحبة الدور الأكبر..[/rtl]
[rtl]والملاحَظ أيضًا أن ما زاد هذا الدور بروزًا وتنوعًا هو "النقلات" النوعية التي شهدتها مصر عبر عصورها المختلفة فيما يتعلق باستغلال موقعها لتسهيل التواصل الإنساني بشتى صوره -السلمية والحربية-، هذه النقلات أبرزها شق "طريق حورس" المار بشمال سيناء وصولًا للشام في العصر الفرعوني، وحفر قناة سيزوستريس بين البحر الأحمر ونهر النيل في نفس العصر، وتأسيس مدينة الإسكندرية كميناء رئيسي على المتوسط في بداية العصر البطلمي، وتنظيم حركة البريد السريع ومحطاتها خلال بداية العصر المملوكي، والاهتمام والتطوير لمواني الإسكندرية ودمياط ورشيد في العصر نفسه، وشق قناة السويس في العصر الحديث، وغيرها...[/rtl]
[rtl]بشكل أوضح وأكثر اختصارًا، فإن يد التقدم في مجال النقل والعمران كلما مسّت مصر ومعابرها، استطاعت بدورها أن تبرز أهمية موقعها وطرق استغلاله..[/rtl]
[rtl]
***[/rtl]
[rtl]كذلك، كانت قيمة موقع مصر من العالم القديم تبدو واضحة خلال فترات الوحدة السياسية مع منطقة الشام، كالعصر الأموي، والعباسي الأول، والطولوني، والفاطمي، والأيوبي، والمملوكي، وحكم سلالة محمد علي، والجمهورية العربية المتحدة...[/rtl]
[rtl]إن خضوع تلك المنطقة لسلطة مركزية واحدة، ونظم إدارية موحدة، والتزامها نفس السياسات الخارجية مع "الآخرين"، من المؤكد أن من شأنه تعزيز دور بلدانها التي تلعب دور الجسر بين القارات الثلاث.. [/rtl]
[rtl]والقارىء في تاريخ مراكز التبادل التجاري وحركات القوافل -بالذات في العصور الوسطى- يلاحظ ما سبق، سيما أن ازدهار تلك المراكز وارتفاع نشاط التواصل والتبادل كان يرتبط غالبًا بوحدة هذه المنطقة... فالمسافر عمليًا يتحرك في أراضي دولة واحدة ذات جناحان، يمتد الشرقي منهما لشمال الشام والعراق كمدخل لآسيا، والغربي إلى المغرب العربي وما بعده من بلدان تقود طرقها لقلب أفريقيا..[/rtl]
[rtl]والباحث عن أدلة تاريخية لذلك لا يبذل مجهودا كبيرا، فأشهر الحملات العسكرية الهادفة لإقامة إمبراطورية كبيرة في المنطقة العربية -حتى قبل أن تصبح عربية- كان لابد له من المرور بمصر كمعبر، بل وكان غالبا ما يستخدمها كمركز للإدارة والإمداد والتموين...[/rtl]
[rtl]هذا إن لم يجعل منها عاصمة لإمبراطوريته كذلك...[/rtl]
[rtl]والقارىء في كتابات أشهر الرحالة كابن بطوطة وابن جبير وليون الأفريقي -وغيرهم- جد أن مرورهم بمصر إن لم يكن على سبيل السياحة والاطلاع، فإنه كان ضروريا ليتصل بالجوانب الأخرى من العالم برا أو بحرا...[/rtl]
[rtl]تجاريا كان لهذا الموقع أثره في سعي القوى التجارية في الجمهوريات الإيطالية -مثل بيزا وجنوة وفلورنسا والبندقية- وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وكتالونيا، للتقرب من السلطات الحاكمة خلال العصر المملوكي للحصول على امتيازات وتسهيلات تجارية في الإسكندرية.[/rtl]
[rtl]وفي العصور الحديثة خلال الصراع الاستعماري، كانت مصر دوما تمثل الجائزة للمنتصر الراغب في السيطرة على طرق التجارة والحرب، والساعي كذلك لقطع الطريق على منافسيه أمام التواصل مع مستعمراته، ويبدو هذا جليا في سعي فرنسا بقيادة نابوليون بونابارت لقطع الطريق بين انجلترا ومستعمراتها الهندية، كأحد أهم أهداف الحملة الفرنسية على مصر.[/rtl]
[rtl]ومن ناحية أخرى، كان سعي بريطانيا بعد العام 1923 لإبقاء قوة عسكرية لها في القنال يهدف- بين مجموعة أهدافه- إلى قطع الطريق على التواصل العربي-العربي بين الجناحين الآسيوي والأفريقي للوطن العربي... وحماية بعد ذلك للكيان الإسرائيلي من أن يجد نفسه محاصرا من الشمال والجنوب بأعداء عرب يرفضون وجوده.[/rtl]
[rtl]أخيرا، بقي أن ألفت النظر لأن هذا الموقع المتميز جعل من القاهرة إحدى نقاط مثلث الأمن القومي العربي المكون من العواصم الثلاث: القاهرة، دمشق وبغداد، وهي حقيقة لا ترجع للعصر الحديث فحسب، بل برزت أهميتها خلال العصور الوسطى وحروب الفرنجة في الشرق المعروفة بالصليبية، منذ سعي الزنكيين لمحاصرة الوجود الأوروبي في المشرق العربي، وحتى سقوط آخر معقل للفرنجة في الشرق، عكا، على يد المماليك بقيادة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون.[/rtl]
[rtl]الموقع إذن يفرض نفسه على التاريخ المصري، بل والعربي والعالمي أيضا، كعامل أساسي مؤثر في جريان الأحداث والتغيرات القديمة والحديثة، ما يعني فرض مسؤولية دائمة على أية أنظمة تحكم مصر، مؤداها أن تجيد التفاعل مع موقعها، سواء تجنبا للمخاطر أم سعيا للمكاسب.[/rtl]
[rtl](يتبع)[/rtl]
[rtl]*المقال الأول: http://goo.gl/zLlcIg[/rtl]
[rtl]*المقال الأول: http://goo.gl/zLlcIgرر[/rtl]
[rtl]://goo.gcIg[/rtl]
[rtl]*المقال الأول: http://goo.gl/zLlcIg[/rtl]
[rtl]*المقال الأول: http://goo.gl/zLlcIg[/rtl]
[rtl]*المقال الأول: http://goo.gl/zLlcIg[/rtl]
[rtl]*المقال الأول: http://goo.gl/zLlcIg[/rtl]