أحلام الصبايا
والدها يرفض تزويجها حتى إنهاء الدراسات العليا
السؤال ♦ ملخص السؤال:
فتاة لديها صديقةٌ تَعْرِض مشكلتها التي أرَّقَتْها، والسبب أن الفتاةَ ترفض الخطبة بسبب رفْضِ والدها للخطبة حتى إكمال دراستها العليا، والتي ستَمْتَدُّ عامين وأكثر، والفتاة في حيرةٍ هل تقبل أو ترفض إذا جاءها خاطبٌ في تلك الفترة، والآن ترفض جميع المتقدمين بسبب والدها.
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
صديقتي فتاةٌ مُتدينة وطَموحٌ، تُكمل الدراسات العليا، وهي مِن أسرة متوسطة الحال، وأبوها يحبُّها كثيرًا، وهو رجلٌ خلوقٌ ومتدين ويحب العلم، تقدَّم لها رجالٌ للخطبة، لكنها لم تتم بسبب بعض الظروف العائلية التي مرَّتْ بها، والتي أثَّرَتْ على دراستها، مما جعلها تتعب وتمرض وتُجاهد وتكافِح مِن أجْل تحقيق هدفِها!
أراد أن يَتَقَدَّم للفتاة رجلٌ يبدو عليه الدين والخُلُق، لكن المشكلة أن أباها طلب منها هذه المرة ألا تُفَكِّرَ في الزواج حتى تنهيَ دراستها، والتي يُمكن أن تستغرقَ أكثر من سنتين؛ لأنه يرى أنها تعِبَتْ كثيرًا، ويخاف أن يُؤَثِّر موضوعُ الارتباط والزواج على دراستها، هذا مِن جهة، ومِن جهة أخرى حتى تجدَ عملاً وتستطيع أن تدَّخِر المال مِن أجْلِ مساعدته في التحضير لمصاريف زواجها لأنه مريضٌ ومتقاعد!
المشكلة أنها سألتْه: إذا أتاها خاطبٌ في هذه الفترة ماذا ستفعل؟ فكان الرد: الرفض التام؛ بحجة الأسباب السابقة!
وهي الآن ترفض أي شخصٍ يتقدَّم لها، وتُخفي السبب الحقيقي، وتكتفي بقول: لا أريد الارتباط، بالرغم مِن أنها تُريد ذلك، فهي تحترم رأي أبيها، وترى أنَّ الخطبةَ في مصلحتِها.
أرجو أن تفيدوها بِرَأيكم، وتقدِّموا لها النُّصح لترتاح، فهي لن تعملَ إلا ما يرضي والدها، لأن طاعتَه من طاعة الله، وسأطلعها على جوابكم.
وجزاكم الله خيرًاالجواب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأخت الكريمة، نَشْكُرك على تواصُلك معنا، وثقتك في شبكتنا.
كما نشكرك على حِرْصك على إسداء النصيحة لصديقتك، وهكذا شأنُ المؤمنين الناصحين العاملين بالمبدأ النبَوي العظيم: ((الدِّينُ النَّصيحة)).
قرارُ الزواج مِن أهم القرارات في حياة الفتاة، والقراراتُ الأخرى - كقرار الدراسة - تكون تابعةً لهذا القرار في حياة هذه الفتاة أو تلك.
ونحن نُوَجِّه حديثنا للفتاة المعْنِيَّة بالأمر - حسب طلبك - فنقول لها ونسأل الله التوفيق:
أولاً: نحن نكبر فيك طاعتك لوالدك امتثالك لأمر الله - عز وجل - بطاعة الوالدين والإحسان إليهما: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83].
ثانيًا: الأصلُ في موضوع الزواج أن تقبلَ الفتاة مَن يتقدم لها وتنطبق عليه الشروطُ؛ امتثالاً للتوجيه النبَويِّ الكريم: ((إذا أتاكم مَن تَرْضَوْنَ دينَه وخُلُقه فزوِّجوه...)) الحديث.
لكن هذا الأمر والتوجيه النبوي الكريم ليس للوُجوب، وإنما هو للإرشاد؛ بمعنى تقديم الأفضلية للزواج في الأحوال العادية، ولكن قد تَعْرِض ظروفٌ مُعينة أو وضعيَّةٌ خاصةٌ للفتاة تجعل من الزواج أمرًا مُتعذرًا - بشكل مؤقت - أو تكون مصلحة الزواج في هذا الوقت مَرْجوحة لا راجحة، عندها نلجأ إلى الترجيح بين المصالح والمفاسد في هذه الحالة.
ثالثًا: بناءً على ما سبَق فإنَّ وَضْعك يترجَّح فيه جانبُ التأخير المؤقت للزواج لحين الانتهاء من دراستك والتمكُّن مِن الحُصول على وظيفةٍ مناسبةٍ، لكي تتمكَّني مِن مساعدة الوالد حيث تمنعُه حالتُه الصِّحِّيَّة مِن القيام بأعباء زواجك، علمًا بأن هذه المساعدة ليستْ واجبةً عليك، ولكنها داخلة تحت الإحسان والبِرِّ بالوالد، وطالما أن المدةَ سنتان فهي مدة مَعقولة لتحقيق كل هذه الأهداف، ولا تخشَيْ مِن فوات قطار الزواج، فالزواجُ رِزْقٌ مِن الأرزاق سيأتيك إن كان مُقَدَّرًا لك ومكتوبًا، وقدرُ الله تعالى لا يتخلَّف، كما أنَّ بركة البر بالوالد ستكون عاملاً مساعدًا في إمكانية الزواج والاستقرار لاحقًا.
وهذا لا يعني أنك لو تزوجتِ حاليًّا وواصلتِ الدراسة أن هذا سيكون متعذرًا حتْمًا، بل جرَت العادةُ بأن الزواج مِن عوامل الاستقرار النفسيِّ والإنجاز والعطاء في الدراسة وفي غيرها، لكن لأنَّ وضعَك خاصٌّ، واحتف به أكثرُ من سبب؛ لذلك ترجَّح جانبُ تأخير الزواج، ومواصَلة برنامجك الحالي استمرارًا بالعمل بتوجيهات الوالد الكريم الذي يعنيه بالدرجة الأولى مصلحتك الشخصية ونجاحك في الحياة.
أما بخصوص الرد على الخطَّاب، فلا يلزمك بيان السبب لهم؛ لأن هذا ليس مِن شأنهم، ولا يَعنيهم في قليل أو كثيرٍ، وليكن الردُّ بأنك لستِ على استعداد حاليًّا للزواج.
هناك حالةٌ وحيدةٌ يمكن أن تُؤْخَذَ في الحسبان، وهي في حالة ما إذا توفرتْ شروطٌ مُعيَّنة:
• أن يقبلَ المتقدِّم أن تُكملي دراستك، وأن يُعينك في ذلك، ويكون هذا شرطًا في العقد، حتى لا ينكلَ ويتراجَع.
• أن يقبلَ الزوجُ تأخير الحمْل، حتى مُضِي سنتين والانتهاء مِن الدراسة.
• أن يَقْدِرَ إخوتك أو أبوك على توفير المال اللازم لتجهيزك للزواج.
إذا توفرتْ هذه الشروط الثلاثة، فيمكن أن يترجحَ جانبُ الزواج، لكن إن تخلَّف منها شرط، فالأصلُ أن تواصلي خطتك الحالية لحين الانتهاء منها.
نسأل الله تعالى أن يُعينَك في دراستك، وأن يُثِيبَك على بِرِّ والدك، وأن يرزقك الزوجَ الصالح والعمل النافع.
والله الموفِّق