من قبل Mohammed Haffz.
القصة فيها غاز
========
يحدث هذا كثيرا.. أخبار تأتي على شريط وكالات الأنباء. يتم التعامل معها على أنها أخبار لأمور هامشية لا تستحق الاهتمام .. من هذه الأخبار مثلا ما قرأناه عن وجود توتر في العلاقات بين الدول الواقعة ما بين جنوب البلقان (كوسوفو ومقدونيا) والدول الواقعة في وسطه ( صربيا و الجبل الأسود ).. و وصل التوتر مداه بحدوث صدفة غريبة و في يوم واحد ، حيث وردت أنباء عن محاولتي اغتيال " ألكسندر فوتشتش.. رئيس وزراء صربيا" و "ميلو جوكانوفتش..رئيس وزراء الجبل الأسود"..
الى هنا والأمور تبدو عادية..مجرد توترات سياسة في دول صغيرة هامشية ، لكن في التفاصيل تكمن الشياطين و ليس شيطانا واحدا.. فرئيسي الوزراء لكل من (صربيا والجبل الأسود) يترأسان جهاز بيروقراطي أرثوذكسي روسي حتى النخاع.. و قد أتى بهما شعبيهما كواجهة مقبولة غربيا للتعامل مع المنظمات الغربية ( الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي ) .. أما الطرف الثاني وهي دول جنوب البلقان (كوسوفو ومقدونيا) فمحسوبتين على أمريكا..
.
قبل هذه الأخبار بعدة أيام.. كان هناك خبر يقول أن " الرئيس الأذربيجاني ..إلهام علييف" وهو الشريك الأكبر للأسهم في شركة "شبكة الغاز اليونانية" قام بتوقيع عقد لمد خط أنابيب غاز من اليونان إلى جمهورية مقدونيا..
ما أوجه الرابط بين كل سبق ؟!ّ.. سأقول لك انتظر و ستسمع حكايات عن اللعب بين الكبار في العالم في عالم السياسة و الاقتصاد.. و كيف أننا دخلنا هذه اللعبة و نحن أقوياء و نلعب و نحن متملكين لكفاءة أسلحتنا و قوتنا.. ببساطة شديدة عقد مد خط أنابيب الغاز الذي وقع عليه "علييف" لو تم العمل فيه و انجازه سيسد الطريق أمام الأنبوب الروسي (المعروف باسم السيل الجنوبي او السيل التركي) إذا ما نجح في الوصول إلى اليونان (عبر تركيا أو بلغاريا )..و من هنا تبدأ لعبة الأجهزة المخابراتية – بالطبع الروسية – في دفع صربيا لإفتعال مشكلة بين مؤسسة الغاز المقدونية و مؤسسة الغاز الصربية.. فتحدث مشاكل تعرقل مد خط "علييف" الذي سيجد نفسه مضطرا الى استخدام طريق بديل بالاتجاه غربا عبر ألبانيا والأدرياتي إلى إيطاليا..
.
القصة اذن ليست مجرد أخبار هامشية.. بل هي قضية توصيل (غاز شرق المتوسط لأوروبا ).. لدينا خط غاز "غاز بروم" المملوك لشركة "غاز بروم" و هي الشركة الروسية الشهيرة وواحدة من أكبر شركات استخراج الغاز الطبيعي في العالم و يصل حجم انتاجها إلى 17% من إنتاج الغاز في العالم كله.. و تمتد خطوط أنابيبها في أغلب دول أوروبا الشرقية و أجزاء من أسيا.. في المقابل هناك خط "الهام علييف " و الذي يحمل اسم " خط أنابيب إسرائيل-أوروبا" مثله في ذلك مثل خط أنابيب نابوكو الأمريكي ، و يبدأ من مدينة ليماسول في قبرص ثم يتجه جنوبا إلى المياه المصرية ليمتطي مرتفع فلورنسو ( نتوء في قاع البحر المتوسط يبلغ عمقه 1900 متر فقط ، بالمقارنة بسهل هيرودوت السحيق المحيط به والذي يتعدى عمقه 4 آلاف متر).. ويتجه هذا الأنبوب إلى جزيرة كريت ثم اليونان إلى إيطاليا و سيبلغ طول الأنبوب 1,250 كيلومتر ويمر عبر مياه تزيد أعماقها عن 3 الاف متر ويستطيع هذا الأنبوب ضخ 10 بليون متر مكعب سنويا..وسيكون أطول أنبوب في العالم ويتوقع أن يتكلف انشاؤه 15 بليون دولار.. و يمر الأنبوب عبر شريط مائي داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية وعبر الحدود اليونانية الألبانية في مضيق اوترانتو (- بالمناسبة هناك تحقيقات في تيرانا حول تفريط الرئيس الألباني السابق صالح بريشا" في حقوق بلده في هذا المضيق ).. لكن المؤكد أن روسيا لن تسمح لأذربيجان بمنافستها في بيع الغاز غير المسال لأوروپا، والذي يشكل أكثر من 50% من صادرات روسيا ، وكذلك (الأرمن) لن يسمحوا بمرور هذا الأنبوب عبر أراضيهم ، ولذلك يرى بعض المراقبون أن "الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بيلعب في عداد عمره، لو سعى جدياً لمد أنبوب غاز إلى أوروبا منافساً لروسيا. "
.
و في نوفمبر 2014، تم نشر خريطة تـُظهـِر عبور أنبوب الغاز الإسرائيلي-الأوروپي من اليونان إلى إيطاليا ومكتوب على تلك الوصلة "السيل الجنوبي "، وقد كان هذا الاسم هو اسم المشروع الروسي لتوصيل الغاز الروسي إلى أوروپا من الجنوب..لكن هذا المشروع (السيل الجنوبي) توقف لرفض بلغاريا تنفيذ عقد مرور الغاز الروسي فيها إلى صربيا ومنها للمجر وباقي أوروبا.. و يبدو أن الحل المعروض على روسيا وقتها هو أن يمر السيل الجنوبي عبر بلغاريا إلى اليونان وليس صربيا ، ومن اليونان وصولا إلى إيطاليا ، وذلك بشرط أن يختلط الغازان الروسي والإسرائيلي.. هنا و عند هذه النقطة يبرز اسم ( سوريا ).. فالخط الأوروبي الاسرائيلي القادم من أذربيجان في أقصى الشرق يجب أن يمر عبر أراضيها إلى تركيا ثم أوروبا و بالتبعية اسرائيل لكي يتم ضخ الغاز القطري عبره ( أي محاولة جديدة لإحياء خط غاز نابكو ولكن بواجهة جديدة ) ..
و قد رفض "بشار الأسد" كل العروض و التفاهمات التي عرضت عليه لتمرير هذا الخط.. خاصة و أن سوريا نفسها لديها مشروعها الخاص و هو ( أنبوب الغاز العربي ) وهو شراكة 50 % مع روسيا عبر شركة "غاز بروم" و من هنا أصبح لازما الخلاص من ( نظام الأسد ).. ليأتي نظام أخر لديه الاستعداد الكافي للموافقة على كل ما يعرض عليه.. و لكن يجب أن يتم تصدير الأمر على انها ( حرب مقدسة ).
.
و ماذا عن مصر في هذه القضية لعبة الغاز الطبيعي ؟!.. مصر حتى قبل عام 2014 كانت تعتمد على استيراد الغاز الطبيعي و بكميات كبيرة.. لكن حصلت النقلة النوعية بتوالي الاكتشافات التي تقول أن مصر بداخل اعماقها كنوز من الغاز الطبيعي و بكميات هائلة ..
و من هنا كان توجه القيادة السياسية الى سرعة التفاوض مع قبرص و اليونان لترسيم الحدود البحرية الاقليمية بين البلدان الثلاثة للحفاظ على حقوق مصر في هذه الثروة.. و التي تشير كل المؤشرات انها مع حلول عام 2018 ستصبح مركز تصدير رئيسي للغاز الطبيعي الى كافة دول البحر المتوسط.. و هي الوحيدة أيضا في المنطقة التي لديها بنية تحتية جاهزة لإسالة كل الغاز القادم من قبرص واليونان.. و قد تم مؤخرا توقيع بروتوكول لتسعير الغاز الطبيعى المصرى للصناعات الأردنية مع تزويد مدن الأردن بالغاز الطبيعي..على أن يمتد التعاون مع سوريا بمد أنبوب لنقل الغاز يبدا من العريش ويمر بالأردن باتجاه الاراضي السورية..
فهمتم القصة و ما فيها و اللا لسه ؟!..
.
--------------------------
الصحفي الأستاذ هانئ مباشر