Mohammed Haffz
15 ساعة ·
تحريات سرية .. تحليلات دقيقة .. معلومات شديدة الحساسية وصلت إلى قيادات الجيش المصري بشمال سيناء حول الصيد الثمين الذي طال انتظاره..أحد أخطر قيادات تنظيم انصار بيت المقدس الإرهابي الذى أرهق رجالاتنا كثيرا بين الوديان والدروب.. ها قد تم تحديد مكانه مختبًأ داخل أحد البيوت الصحراوية بمنطقة غيرمرئية...تم دراسة الموقف وتلقين الخطة على تختة الرمل.....حدد الأسود المهمة ...وزعت المهام على نسور الوطن....حُملت الصواريخ على الطائرات..... خرجت من هناجرها قبل أول ضوء بقليل.....تم إدخال احداثيات الهدف على شاشات الكمبيوتر.....سرب من النسور يحلق فوق سماء سيناء متجهًا صوب موقع العمليات....تم رصد الهدف.....دخل مرمي قوس النيران.... وضعت النسور المقاتلة أصبعها على زر الإطلاق....بسم الله الرحمن الرحيم.....
قائد السرب يصرخ في جماعته عبر اللاسلكي ..انتظروا..انتظروا....فيه إيه يا فندم؟؟ ....أوقفوا الضرب ، كما كنت......ليه يا فندم؟؟...ألا ترون...هناك طفلة تخرج من الدار..يصيح أحد أفراد العمليات منفعلًا " يا فندم لازم نضرب.. الهدف بات واضح أمامنا ويجب تنفيذ المهمة بنجاح" .
يعود صوت قائد السرب" انتظروا قليلًا..استمروا في التحليق بعيدًا عن الهدف وانتظروا التعليمات".
قائد السرب يخاطب قائد مركز القيادة الجوية بشمال سيناء الذى قام بدوره بتبليغ مركز القيادة العامة للقوات المسلحة بالقاهرة، فجاءت التعليمات واضحة وصارمة من القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول صدقي صبحي .... "إلغاء العملية فورًا وعودة سرب الطائرات إلى قواعده".
هؤلاء من قال عنهم رسولنا الكريم هم خير اجناد الأرض.... نعم الصيد ثمين جدًا، والضربة ستكون موجعة على هؤلاء الانجاس . لكن ما ذنب هذه البريئة حتي لو كانت بنت أحد الإرهابيين عتاة القتل والتفجير؟
هذه عقيدتنا وهذا ديننا وهذه تعاليم إسلامنا الحنيف.. لكن ماذا عن دين هؤلاء؟؟
.
العميد مقاتل هشام شاهين أحد رجالات قوات الدفاع الجوي المصري من أهالي العريش. دائما ما يتلقى من زملاءه تحذيرات بتوخي الحظر أثناء فترات أجازته التي يقضيها وسط أهله وابنائه بمدينة العريش ولطالما ما كان يطمئنهم أنه وسط أهله وناسه.
الجمعة 4 نوفمبر 2016 اصطحب هشام طفلته الصغيرة لأداء صلاة الجمعة بالمسجد... الطفلة كانت فرحه بوالدها وظلت تتراقص معه في سيرها، وظل هشام يقص عليها رواياتها المفضلة أثناء عودتهما للمنزل ...وعدها بالاحتفال بعيد ميلادها الأجازة القادمة .
""أوعي يا بابا تنسى هديتي وانت راجع م الشغل المره الجاية...حاضر يا حبيبة بابا ، بس ادعيلي أرجع بالسلامة المره الجاية وأنا حجيبلك كل اللى نفسك فيه........يا رب يا بابا تفضل قاعد معانا على طول انت بتوحشنا خالص.. ليه كل صحباتي ابهاتهم عايشين معاهم وانت لأ؟؟ هو انت مش بتحبنا يا بابا ؟؟.. معلش يا حبيبتي ده ظروف شغلي ..كلها سنتين واطلع معاش وأفضل معاكي طول العمر ومش حسيبك إلا وانت في بيت جوزك.......وأنا اوعدك يا بابا لو سبت الشغل وقعد معانا حفضل معاك طول العمر ومش حسيبك ابدًا"".
انحني هشام لأسفل قليلًا ليضم ابنته بين ذراعيه... بدأ في رفعها إلى أعلى لتقبيلها....رصاصات الغدر كانت اسرع منه واستقرت في رأسه قبل أن تسقط طفلته من بين احضانه.....قتله هذا الإرهابي الذي رفضنا قتله في السابق للحفاظ على حياة ابنته .
كان يَقُصُّ عنكِ يا صغيرتي.. ونحن في الخنادقْ
فنفتح الأزرارَ في سُتراتنا.. ونُسندُ البنادِقْ
وحينَ مات عَطَشاً في الصحراءِ المُشمِسهْ
رطَّبَ باسمكِ الشفاه اليابسهْ
وارتختِ العينانْ
.
""هشام مات...ماااات هشام يا شعب مصر..مات هشام يا سيادة الرئيس...مات وملحقش يبوس بنته...ولا بنته لحقت تاخد من ابوها الهدية واتحرمت منه طول العمر. كل اللي شافته قبل م تغيب عن الوعي دم أبوها ينفجرمن رأسه...وكل اللى شافه هشام قبل استشهاده أجنحة ملائكة الرحمة في عيون ابنته "".
.
الشهيد هشام كان دفعتي، الدفعة 18 د/جو،،التحقنا سويا بكلية الدفاع الجوي عام 1986 .
أربع سنوات زهرة شباب العمر قضيناها داخل جدران كلية عسكرية، كان يقف بجواري في طابور الصباح نصيح سويا "تحيا جمهورية مصر العربية" . نقف انتباه بالساعات داخل أرض الطابور تحت لهيب الشمس المحرقة...كتف بكتف داخل ميادين الرماية لتعلم ضرب النار..داخل الفصول التعليمية نتلقي محاضراتنا العسكرية والهندسية...ننزل أجازاتنا ظهر يوم الخميس لنعود مجددًا مساء اليوم التالي...عشنا سويا لحظات عصيبة وأوقات اصعب. حتي جاءت لحظة التخرج، وزغاريد الأهالي تحت منصة التتويج ممزوجة بدموع الفرحة. نشدنا سويًا نشيد الوطن، واقسمنا قسم الولاء لها وللأرض والسلاح.
خرجنا سويًا للحياة العسكرية الشاقة . تشرفنا بالخدمة في وحدات الدفاع الجوي. عشرون عاما قضيتها، وستة وعشرون عاما قضاها هشام داخل الخدمة بالقوات المسلحة...ذكريات كُتبت على جدران الزمن..حياة نفتخر بها..عقيدة قتالية تسطر ملاحم اجناد الأرض..دين نعتنقه ..أرض نتمسك بها...قيم نعيش للدفاع عنها...ومبادىء استعذبنا الموت من أجلها.
نعم استشهد العميد مقاتل هشام شاهين، ومن قبله شهيد الدفعة العميد محمد الكومى. ما يقتُلني الأن تلك الغيرة اللعينة التى تأكل كل ذرة في جسدى. ضميري الوطني يسألني ...لماذا تعجلت الخروج من الخدمة بعد تعرضي لحادث إنقلاب سيارتى أثناء أحد المأموريات المُكلف بها وإجرائى لعملية جراحية شديدة التعقيد...كان يمكنني الاستمرار في الخدمة...نعم كان يمكنني الاحتفاظ بسلاحي ومطاردة الإرهابيين القتلة..كان يمكنني أن أصبح هشام شاهين أومحمد الكومي . لكني تخليت عن شرف الخدمة العسكرية وأثرت الخروج.
.
ليتني كنت بجوارك يا هشام..ليتني كنت شهيد اليوم وعريس الدفاع الجوي...استحلفك بالله يا صديقي وأنت بجوار مليك مقتدر أن يجعلني مثلك من الشهداء الأبرار.
لا تخشى على مصر يا رجل، فكل زملائك متمسكين بعقيدتهم، محافظين على قسمهم ، لن يتركوا سلاحهم قط حتى يذوقوا الموت...سيظلوا على الدرب والعهد مدافعين عن الأرض والعرض والشرف والكرامة.
.
عاااااشت مصر.... وحمى الله شعبها العظيم.
سلامًا عميد مقاتل هشام شاهين...سلام الشهيد...سلام سلاح.
----------------------------------
عقيد/ عمرو عمار ....مقاتل مصري