من قبل Mohammed Haffz.
0000000000000000·
الحرب الإعلامية ودورها في حروب العصر الحديث
=============================
عبر كل أجيال الحروب المعروفة ، بدءا من حروب الجيل الأول وحتى حروب الجيل الرابع، ظلت الحرب النفسية عنصر رئيسي و مهم و حيوي.. و دا كان واضح للعيان جداً في أحد نماذج حروب الجيل الثالث، و هي حرب أكتوبر، اللي هما بيسموها "حرب يوم الغفران Yom Kippur War"...
نكسة 67 كانت معركة.. جزء من حرب تاريخها أقدم حتى من العدوان الثلاثي.. و حصل في 67 هزيمة في معركة من حرب طويلة متصلة...
في 67 اشتغلت الآلتين الإعلاميتين، المصرية و الإسرائيلية؛ بقوة و عنف.. فكانت الجرائد المصرية بترفع معنويات الناس و الجنود بمانشيتات من طراز "أسقطنا كذا طائرة للعدو" و "قواتنا تتوغل داخل إسرائيل".. و في نفس الوقت اسرائيل كانت بتكتب في جرائدها إن القوات الإسرائيلية وصلت القاهرة.. و الحقيقة إن دا كان ممكن يحصل بالفعل و يدخلوا القاهرة.. لولا الحملة اللي قادتها الجرائد دي وقتها...
الحملة دي أي جاهل ضيق الأفق النهاردة تسمعه بيقولك " كذب إعلامي".. و "أكاذيب إعلام عبد الناصر".. و الكلام الفارغ اللي بيتردد علي السوشيال ميديا.. بينما الحقيقة هو اسمه العلمي "حرب نفسية Psychological Warfare" و "بروباجاندا حرب War Propaganda"..
.
"كارل بيركوف Karel C. Berkhoff" بيقول لنا عنها في كتابه "الوطن الأم في خطر motherland in Danger" إنها "ضرورية" و "لازم تتعمل".. حتى لو ثبت عكسها فيما بعد..
و يكفي عشان تتأكد من صحة المعلومة دي.. إنك تقرا مثلا اللي كتبته "النيويورك تايمز New York Times" في الصورة المرفقة مع البوست دا.. في عدد 8 أكتوبر.. بعد ما عبرنا و دمرنا خط بارليف بيومين بمانشيت عريض في الصفحة الأولى..النيويورك تايمز كتبت تقول:
"إسرائيل ترد بقوة داخل العمق المصري".. و: "إسرائيل دمرت الدفاع الجوي السوري"...!
و الحقيقة إن الدفاع الجوي الوحيد اللي تم سحقه وقتها، كان الدفاع الجوي الإسرائيلي نفسه.. إللي اتعطل بالكامل بعدما حصلت المخابرات المصرية علي شفرته.. و حيدته...
بس مانشيت نيويورك تايمز دا اسمه "بروباجاندا حرب War Propaganda"..
ومحدش أمريكي قال وقتها إن دا إعلام فاشل بيضحك على الناس ويزيف وعيها
.
خلصت معركة 67 و دخلنا في المرحلة اللي بعدها.. المرحلة اللي تألقت فيها آلة البروباجاندا الإسرائيلية الرهيبة.. بسيل لا ينقطع من الأخبار و الشائعات و الأفلام و القصص، عن بطولات الجيش الإسرائيلي، وعن المجندة الاسرائيلية الحامل اللي كانت بتجري الرجالة المصريين قدامها وبتحصد أرواحهم بالهليكوبتر ... و عن أقوى مانع دفاعي في التاريخ، "خط بارليف Bar Lev Line" و اللي كلفهم ما يقرب من نصف مليار دولار.. و دا كان مبلغ خرافي وقتها..
"الخط الذي لا يقهر".. و "اقوى سلسلة تحصينات في التاريخ" كنت بتسمعها في الإعلام الإسرائيلي و العالمي.. و كان فيه جواسيس و خلايا بتنشرها بين المصريين.. خط لا يقهر.. مستحيل تقدر تعديه طول عمرك.. سيناء خلاص ضاعت للأبد..
.
و نجحت الخطة الإسرائيلية في النفاذ للصدور.. وهنا لازم نفتكر مقولة نابليون "الحروب تنحسم في صدور الرجال، قبل أن تنحسم في ميادين القتال".. افتكر الجملة دي طول الوقت.. عشان دايما حنرجع لها...
دا استدعى من المصريين حرب نفسية مضادة و آلة إعلامية مضادة..
وقتها المخابرات المصرية أدركت إن الحرب تكاد تنحسم في صدور الرجال.. و إن لو دا حصل.. يبقى مش فاضل غير إن إسرائيل تعمل طلعة كمان و تدخل قاهرة المعز...
المخابرات المصرية اجتمعت أيامها بكبار المفكرين و الأدباء و الفنانين و رجال الدين.. تصور يا أخي إنه وقتها كان منتهى الفخر و الشرف والوطنية إنك تنفذ مهمة لمخابرات بلدك أو تتعاون معها ؟.!!.
آه والله.. كان فخر و شرف إنك تتعامل مع أرفع جهاز أمني في بلدك ضد العدو.. قبل ما تظهر حشرات وديدان إعلامية زي "حازم عبد العظيم" و "باسم يوسف" يقولولنا إن ده عيب و قلة أدب و قذارة.. و إن الفخر كل الفخر هو إنك تجتمع مع الإرهابيين في فيرمونت أو الدوحة أو أنقرة...
المهم .. اجتمعت المخابرات المصرية بالنخبة المصرية وقتها.. و طلبت منهم يرفعوا روح الناس المعنوية.. وقالولهم: كلامكم و كتابتكم بتوصل للجنود.. بتدخل كل بيت.. لازم تدخلوا بينا حلبة الحرب النفسية...
.
وبدأ الإعلام المصري حملة مضادة...
و انطلق سيل من الروايات، والكتب، والمقالات والمسلسلات، والبرامج الإذاعية والتليفزيونية يغمر وسائل الإعلام ويملأ آذان وعيون وعقول الناس، على نحو مالوش مثيل...
و بدأ المصريين يتجمعوا حول الراديو لمتابعة مسلسل "كلاب الحراسة" للأستاذ "كمال إسماعيل" اللي التقطه الأستاذ "نور الدمرداش" و حوله إلى مسلسل تليفزيوني، فتضاعف نجاحه و تأثيره، و كتب "محمود صبحى" برنامج "عيلة مرزوق أفندى" و هو اسكتش تمثيلي طريف بين "مرزوق أفندي" و أحد أفراد عائلته، يناقشه فيه على الراديو، حول سلوك خاطيء يراه "مثل نشر أماكن أو تحركات عسكرية للأقارب المجندين في أماكن عامة كالمقاهي" أو "نشر شائعات".. أو اي حاجة من دي..
و أطلق الأستاذ "محمد سعيد" برنامجه "جند الله".. و ظهرت خماسيات مثل "الكمين" و "صراع حتى النهاية"...
أما الأستاذ الكبير "رأفت الخياط"، فقد كتب "البعثة 69"، و قدم الاستاذ "علي عيسى" ثلاثة برامج ناجحة تروي قصصاً عن الجاسوسية و البطولة و الحرب النفسية.. و قدّم "فايق إسماعيل" مسلسل "اللص و الجاسوس".. و عاد فيلم "عمالقة البحار" للسيّد بدير يظهر علي الشاشات.. و بدأت حملة مسلسلات و افلام عن بطولات "حرب الاستنزاف War of Attrition".. و انطلق العشرات من النخبة و الكتاب الوطنيين بأقلامهم زي "أنيس منصور" و "صالح مرسي" و "عبد السلام داوود".. والأستاذ الكبير "رأفت الخياط"، اللي كتب "البعثة 69" ، و قدّم "فايق إسماعيل" مسلسل "اللص و الجاسوس".. و عاد فيلم "عمالقة البحار" للسيّد بدير يظهر علي الشاشات.. و بدأ الراحل الكبير "ماهر عبد الحميد"، يكتب مقالات أسبوعية، فى جريدة الأهرام، للتعريف بدورالمخابرات العامة وأهميته و خطورته.. ويلهبوا حماس الناس أكثر و أكثر..
.
اللي حضر الفترة دي يقدر يقولك.. إنه بعدما كانت الناس عندها شعور بالهزيمة و الخجل.. بدأت تتساءل تاني "حنحارب إمتي"؟
الحرب النفسية دي مكانش ليها تأثير على المصريين و بس.. لأ.. كان ليها تأثير علي عشرات الجواسيس و العملاء.. اللي جندتهم إسرائيل.. في سائر أنحاء الوطن العربي.. و بدأ ينمو داخلهم شعور بالخزي، و يتعاظم جواهم شعورهم بالوطنية و حب الأرض اللي بينتموا إليها.. اللي هو الشعور الطبيعي عند أي إنسان "طبيعي سوي الفطرة والعقل"..
دا أدى إلى تغيير وتبديل مواقف بعض العملاء، الذين يعملون ضد الدول العربية الأخرى أيضاً مثل سوريا و لبنان و الجزائر و دول الخليج، و بدأ يكتنفهم التردد و يتوقفوا عن التعاون مع العدو بالكامل..
.
الحرب النفسية دي إسرائيل نفسها حست بخطورتها.. فكتبت "جيروسالم بوست The Jerusalem Post" مقال طويل في عددها الصادر 26/4/1972.. بتحذر فيه من نتيجة الحملة اللي بيقودها الإعلام المصري لبث الحماس في الناس و توعيتهم و حثهم على الوقوف خلف جيشهم.. بالإضافة إلي أنها بدأت تضعف الروح المعنوية للجيش و الشعب الإسرائيلي...
.
و استمرت الحرب النفسية الإعلامية المصرية جنبا إلي جنب مع الحرب المخابراتية ، و قدرت المخابرات المصرية تجيب شفرة الدفاع الجوي الإسرائيلي.. و تعطل محطة الإنذار المبكر الأمريكية.. في عمليتين في غاية الصعوبة و الروعة..
و فضلت الحرب النفسية و المخابراتية و التقنية دي مستمرة لحد لحظة العبور...
و بعد 1973.. أدركت المخابرات الإسرائيلية، أن الآلة الإعلامية المصرية، كانت أحد أهم ركائز النصر...
و رغم القفزة الهائلة في حروب الجيل الثالث وبعدها الجيل الرابع.. ورغم ظهور القنابل و الصواريخ الذكية و الطائرات بدون طيار و الأقمار الصناعية و غيرهم .. كل ده لم يلغي أبدا أو يخلينا نقدر تستغنى مطلقا عن الدور الاستخباراتي ولا عن الحرب النفسية والإعلامية ..بالعكس دي أصبحت واحدة من أهم أسلحة الحرب الحديثة ، بجانب كفاءة الرجال و حسن تدريبهم.
راجع البوست السابق
https://www.facebook.com/mohammed.hafez…/…/1787431288171448…
.
-------------------------
By: Alaa Hammouda