Mohammed Haffz
.............................
مسلسل الجماعة .. و سر تشويه عبد الناصر
=======================
طبعا كلكو ملاحظين اني من أول شهر رمضان وانا بأنصح بمتابعة الجزء الثاني من مسلسل الجماعة ، بل وتمنيت لو أن هذ المسلسل يتم إذاعته بالمدارس ويخلوا الطلبة يمتحنوا فيه
ومازلت عند رأيي .. فهو مسلسل توثيقي رائع بيشرح خبايا وأسرار الجماعة الإرهابية وكواليس مؤامراتها وصفقاتها مع العهد الملكي ( ما عُرض حتى اليوم )
لكن الحاجة الوحيدة اللي ماكنتش قادر أفهمها ، هي إصرار كاتب المسلسل ( الأستاذ وحيد حامد) على تشويه شخصية الزعيم عبد الناصر وسقوطه في فخ بعض الكتابات الإخوانية اللي كانت بتحاول تشوه عبد الناصر في عيون محبيه عبر الإدعاء بأن عبد الناصر نفسه كان إخوانيا ثم ترك الجماعة ، وهو ذات ما يردده خراف تلك الجماعة الضالة بأن عبد الناصر كان منهم بل وأقسم وبايع المرشد، لكنه انشق على جماعته وغدر بها.. بل وصلت بيهم البجاحة والتنطع إنه نسبوا ثورة يوليو 52 لنفسهم وقالوا إحنا اللي عملنا ثورة يوليو بس " العسكر سرقوها مننا 
" لحد امبارح انا ماكنتش فاهم سر السقطات والمغالطات التاريخية اللي وقع فيها المسلسل فيما يخص سيرة الزعيم وعلاقته بجماعة الإخوان ..لكن النهاردة بس عرفت سبب الخبطة دي كلها إيه... السبب يا سادة إن المؤلف الأستاذ وحيد حامد إستعان بمؤرّخ إخوانى للاشراف على المسلسل ..هذا المؤرخ هو د. حمادة حسنى، أستاذ التاريخ بكلية السياحة والفنادق - جامعة قناة السويس
بدايةً يجب أن أقرر إني أنا وجيلى مَدينون للكاتب الكبير وحيد حامد بأنه أسهم بكتاباته فى السينما والدراما التليفزيونية فى تشكيل وجداننا، ولا يستطيع شخص أن يزايد على «وحيد» فى فضحه للإخوان والتيار السلفى التكفيرى، وهذا ليس كلام لتبرئة الذمة، ولكنه إحساس عميق يسكننى تجاه هذا المبدع الكبير
لكن ذلك لا يغفر أبدا للأستاذ وحيد تلك السقطة الغير مفهومة ..أن يستعين كاتب كبير مثله بمؤرخ إخوانى الهوى يعتبر الإخوان فصيلاً وطنياً، بل يعتبرهم الصنّاع الحقيقيين لثورة 52! هذا المؤرخ يكره «عبدالناصر» كراهية التحريم، ويعتبره شيطاناً رجيماً، ويعتقد مَن يسمعه أو يقرأ له أن هناك ثأراً شخصياً بينه وبين «ناصر» .. ذلك الثأر الذي يبدو جليا في مقالاته عن «عبدالناصر» المغموسة فى حبر الكراهية المسمومة ، والتي تصيب من يطالعها بالنفور والتقزز من رداءة الأسلوب وغلّ التعبيرات
وعندما يستعين وحيد حامد بشخص غير موضوعى وغير محايد للإشراف والمراجعة التاريخية لمسلسل ضخم مثل مسلسل «الجماعة» الذي سيشكل وجدان وعقل أمة، وسيعتبر مستقبلاً وثيقةً ومرجعاً عن زمن الإخوان ، فهنا يحق لنا أن نتساءل عن أسباب ذلك ..فهل عقمت كليات الآداب وأقسام التاريخ على امتداد القطر المصرى ونضبت وجفّت ، فلم يجد لنا الأستاذ وحيد سوى ذلك الـ حمادة الذى تحيط به علامات استفهام كثيرة.. اشمعنى حمادة دوناً عن كل الحمادات و أساتذة التاريخ ؟
وقد حاولت أن أستفسر عن سبب كراهية حمادة الرهيبة لـ«عبدالناصر»، فجائتني الإجابة من بعض زملائه فى الجامعة، بأن تلك الكراهية لها جذور شخصية، عندما تم القبض على أفراد عائلة الأخ حمادة من «الإخوان المسلمين» فرضع منذ الطفولة حليب الغل والرغبة فى الثأر من هذا الزعيم بشكل هستيرى لا يتفق مع رؤية وموضوعية أستاذ تاريخ
فكيف نطمئن ونأخذ تاريخنا من رجل يقول إن «عبدالناصر هو السبب الأساسى فى حدوث الهيمنة الأمريكية والصهيونية على المنطقة، وأن حكمه تميَّز بغياب مقومات الدولة المدنية، وعلى رأسها احترام القانون واحترام حقوق الإنسان» ؟
كيف نأمن لرجل يقول إن «حكم عبدالناصر بالجملة كان كارثةً على مصر وعلى جميع القضايا القومية التى تناولها»، بينما يقول حمادة عن الإخوان إن «حلّ جماعتهم وقتلَ مرشدهم يرجع لدورهم الوطني فى حرب فلسطين»، يعنى الإخوان الكيوت الوسطيين العظماء حُلّت جماعتهم فقط، لأنهم أشداء على الإنجليز رحماء بالمصريين، ومن بينهم النقراشى والخازندار!
كيف نأخذ تاريخنا من هذا الحمادة الذي يقول إن «الإخوان هم أول مَن خاضوا معارك مفتوحة مع الإنجليز فى التل الكبير يومَى 11 و12 يناير 1952، ونسفوا قضبان السكك الحديدية قبل وصول قطار الجند والذخيرة إلى معسكر التل الكبير، وتصدّوا مع رجال البوليس لبعض القوات البريطانية»، وهذا يدل على أن روّاد الوطنية والكفاح ضد الاحتلال هم «الإخوان»! وكأن البلد ليس فيه إلا «الإخوان»، وأنها لم تكن عصابة إجرامية، بل مجموعة من راقصى الباليه ومنسّقى الزهور يحسبون القنبلة من فرط براءتهم عقد فُل وياسمين!
كيف نطمئن لرجل يؤرخ لسيرة الزعيم جمال عبد الناصر فيقول عنه أنه عبد الناصر «السفاح »؟! بل ويصل به الغل والهستيريا إلى درجة التخلّى عن رداء الأستاذ الباحث، واستخدام أسلوب الردح والتلسين على «عبدالناصر» بأنه ابن «بوسطجى» حين قال في مقال له أنه «بفضل حكومة «الوفد» والظروف الداخلية، دخل أبناء (البوسطجية) الكلية الحربية، وتخرّجوا فيها، ليحكموا الشعب المصرى «بالحديد والنار» ؟
كيف ترتاح ضمائرنا لرجل وصل به الغل والحقد لأن يقارن بين «عبدالناصر» والإنجليز، ثم يخرج بنتيجة مفادها أن الإنجليز أفضل من «عبدالناصر» حيث يقول: «فإذا كان عبدالناصر أقام السد العالى، الذى شرَّد أهل النوبة وأضر البيئة، فالإنجليز أنشأوا شبكة سكك حديدية متميزة، وأقاموا مجموعة متكاملة من القناطر والترع، بالإضافة إلى خزان أسوان، وألغوا السُّخرة فى مصر»!! وتصل به الهلاوس الفكرية إلى أقصاها، حين يقول إن «النظام الديكتاتورى لم يُخرج لنا مبدعاً واحداً، فالإبداع خصم دائماً للديكتاتورية، وإن كل المبدعين ظهروا فى الفترة الليبرالية» ؟
ألم تسأل نفسك يا أخ حمادة كيف تتعاون مع وحيد حامد وهو ابن الفترة الديكتاتورية التى لم تُخرج لنا مبدعاً واحداً ؟!
المضحك أن الأخ حمادة من فرط حقده الأعمى وإخوانيته الناضحة على أفكاره قد وقع في تناقضات مفضوحة يمكن لأي قارئ للتاريخ أن يكتشفها بكل سهولة ، فهو يورد في المسلسل مثلا أن ابراهيم باشا عبد الهادي حينما سأل الضابط جمال عبد الناصر عن محل خدمته ، أجاب الأخير بأنه حاليا يخدم في العريش، بينما الحقيقة أن جمال عبد الناصر عاد من الفالوجة ليعمل مباشرة كمدرس بكلية اركان الحرب ولم يخدم في سيناء ولو يوما واحدا
كما أن الأخ حمادة أتى بما لم يقله من قبله أحد من العالمين حينما جعل من سيد قطب بمثابة المرشد الأعلى لثورة يوليو ، فهو يورده في مشهد وهو يجلس في مقام الأستاذ بينما يجلس الضباط الأحرار أمامه في منزلة التلامذة الذين يسألونه من علمه ويستمعون لتوجيهاته ويتبعون تعليماته لهم .. ولا أعرف من أين أتى هذا الحمادة بتلك الهرطقات المضحكة .
.
أما عن حقيقة علاقة عبد الناصر بجماعة الإخوان ، فقد أجاب عنها عبد الناصر نفسه من خلال مناقشات الرئيس الراحل مع الشباب الذين حضروا معسكر تدريب قيادات الشباب فى حلوان، وذلك بتاريخ 18/11/1965..ففي هذا اللقاء سأل أحد الشباب الرئيس عبد الناصر قائلًا: من ناحية حـزب الإخـوان، يقـول بعض الناس: إن الرئيس جمال عبد الناصر نفسه كان مشتركًا فى هذا الحزب، فى يوم من الأيام قبل الثورة، فهل هذا صحيح؟
ويرد الرئيس: "أنا قبل الثورة، كنت على صلة بكل الحركات السياسية الموجودة فى البلد، يعنى مثلاً كنت أعرف الشيخ حسن البنا.. لكن ماكنتش عضو فى الإخوان، وكنت أعرف ناس فى الوفد، وكنت أعرف ناس من الشيوعيين، وأنا باشتغل فى السياسة من أيام ما كنت فى تالتة ثانوى، وفى ثانوى اِتْحَبَسْت مرتين ، مرة منهم كنت ماشى فى الإسكندرية لقيت معركة بين الأهالى والبوليس، اشتركت مع الأهالى ضد البوليس، وقبضوا علىّ ورحت القسم، وبعدما رحت القسم سألت الخناقة كانت ليه؟ فقالوا إن رئيس حزب مصر الفتاة بيتكلم والبوليس جاى يمنعه بالقوة، وقعدت يوم، وتانى يوم طلعت بالضمان الشخصى، رحت انضميت لحزب مصر الفتاة، وبعدين حصل خلافات، سبت مصر الفتاة، ورحت انضميت للوفد، وطبعًا أنا الأفكار التى كانت فى رأسى بدأت تتطور وحصل نوع من خيبة الأمل بالنسبة لمصر الفتاة ورحت الوفد، وبعدين حصل نفس الشىء بالنسبة للوفد وبعدين دخلت للجيش وبعدين ابتدينا نتصل فى الجيش بكل الحركات السياسية».
يضيف «عبدالناصر»: «ماكناش أبدًا فى يوم أعضاء فى الإخوان المسلمين ولكن الإخوان المسلمين حاولوا يستغلونا، فكانت اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار موجودة فى هذا الوقت، وكان معنا عبدالمنعم عبدالرؤوف، وكان فى اللجنة التأسيسية، وجه فى يوم وضع اقتراح قال إننا يجب أن نضم حركة الضباط الأحرار إلى الإخوان المسلمين.. أنا سألته ليه؟ قال: إن دى حركة قوية إذا انقبض على حد منا تستطيع هذه الحركة إنها تصرف على أولاده وتؤمن مستقبله، فقلنا له اللى عايز يشتغل فى الموضوع الوطنى لا يفكر فى أولاده ولا يفكر فى مستقبله، ولكن مش ممكن نسلم حركة الضباط الأحرار علشان مواضيع شخصية بهذا الشكل».
ويختتم: «حصل اختلاف كبير.. صمم عبدالمنعم عبدالرؤوف على ضم حركة الضباط الأحرار إلى الإخوان المسلمين.. إحنا كنا رفضنا، كان طبعا فى هذا الوقت الشيخ حسن البنا، الله يرحمه، مات، وأنا كانت لى به علاقة قوية، علاقة صداقة ومعرفة زى ما قلت ، لكن لم أكن أبدًا عضوًا بالإخوان المسلمين»..
وفي حوار آخر أجراه الزعيم الراحل مع مندوب صحيفة "الصنداى تايمز" مع المراسل دايفيد مورجان بتاريخ ١٨/٦/١٩٦٢ وبسؤال الرئيس نحو محاولاته الواسعة لاستكشاف الأحزاب السياسية العاملة فى مصر ذلك الوقت، أورد في إجابته أنه كان على اتصال بالإخوان المسلمين رغم أنه لم يكن عضوًا فى هذه الجماعة قط، وأنه شعر بقوة زعيمهم المرشد العام حسن البنا، وهو ما جعله يشعر بوجود صعوبات دينية أمامه حيث كان تصرف الإخوان المسلمين ضربًا من التعصب الدينى، وأنه ما كان ليرضى بإنكار عقيدته ولا بأن تحكم بلاده طائفة متعصبة.
.
أخيرا.. ليس عندي إعتراض يقول هذا الحمادة ما يشاء وأن يسمي الثورة إنقلابا ،، له أن يقول ما يريح ضميره الإخواني فى صالونه بين أحبابه أو فى المطبخ مع زوجته، أو حتى يغنى به فى الحمام !! لكن أن يتم إختياره ليقول لنا هذه الهرطقات عبر مسلسل وثائقي يشاهده عشرات الملايين ، فهذا هو الذى أعترض عليه ، وأتساءل بشأنه
.
المفارقة انه منذ بدء عرض هذا المسلسل وملاحظة الناس لهذا التشويه الممنهج لسيرة عبد الناصر ، كان كل ما صديق يسألني عن السبب كنت بأجاوب بأن سبب ذلك هو أن الأستاذ وحيد حامد قد إعتمد في بناء مسلسله على مراجع ومصادر اخوانية أكثر من اللازم ، وهو ما انعكس بلا وعي منه على موضوعيته ـ خصوصا فيما يخص سيرة الزعيم عبد الناصر.. وكل هذا من قبل أن أعرف سر هذا الحمادة .. والآن بعد أن عرف السبب فقد بطل العجب وتأكدت وجهة نظري
.
مرة أخرى ، فأنا مازلت عند رأيي بأن مسلسل الجماعة يعد حتى الآن أفضل ما تم تقديمه عن تاريخ تلك الجماعة الأفعوانية ، وأتمنى من الجميع متابعته ، لكن يجب دائما الانتباه لما يتم بثه في ثناياه من سموم بين السطور
شير من فضلك 
.
البوست مستوحى من مقال للكاتب خالد منتصر
موضوع: مسلسل الجماعة .. و سر تشويه عبد الناصر 
الأحد يونيو 04, 2017 3:00 am
