حسني المتعافي
..........................
، وأنهم في رباط إلى يوم القيامة، وعلى مدى حوالي 12 قرنا لم يثبت أي جيش آخر في العالم أنه كذلك، والخيرية لا تعني فقط القوة بل في القيم التي يدافع عنها هذا الجيش، ولا نعلم جيشا في هذه المنطقة حقق على مدى التاريخ الإسلامي من الإنجازات مثل التي حققها الجيش الذي يحمل اسم مصر، والذي كان يخرج منها، ويعود إليها، والذي كان في العصر المملوكي يخرج من باب الفتوح ليعود مظفرا من باب النصر. إنه منذ أن استقل ابن طولون بمصر حوالي 254 هـ صار هذا الجيش هو عدة الإسلام والمسلمين في قلب العالم الإسلامي، وهو الذي تصدى للزنادقة والصليبيين والمغول والتتار والوهابيين، وهو الجيش الذي حطَّم كلَّ من تحالف مع الصليبيين، إنه الجيش الذي ألقى بالصليبيين في البحر وحمى الحرمين من شرهم، وهو الجيش الذي ساند كل ثورات التحرر في العالم كله، إنه الجيش الوحيد الذي اجتمعت كل القوى الكبرى يومًا ما للعمل على تحجيمه ولإصدار (الفرمانات) اللازمة لذلك، كان ذلك في عهد محمد علي، تكرر ذلك بعد عهد الخديوي إسماعيل أي في عهد توفيق، تكرر أيضًا في عهد السادات، وهو الجيش الوحيد الذي لم يخرب أبدا ولم يدمر ولم يغتصب النساء ولم يستول على الأطفال والغلمان، بل كان جيشًا معمرا ناشرا للحضارة دائما، وكانت هذه سماته حتى أيام ملوك مصر الأقدمين.
إنه من العجيب أن يشكك المحسوبون على الإسلام في حديث أثبتته وقائع التاريخ وجاءت مصدقة له، نعم، جند مصر خير أجناد الأرض منذ أن نشأت هذه البلاد، هذا الجيش الذي عمره آلاف السنين وعلى مدى التاريخ لم يقاتل إلا دفاعًا عن مصر، ثم عن الإسلام ومصر والحرمين، ولم يخرج منها معتديا، بل كان دائما رسول حضارة وإنسانية، وها هي بعض الحقائق:
1. طوال عهد الأسرات الممتد لأكثر من ثلاثين قرنًا بحساب المؤرخين، ولأكثر من سبعين قرنًا كما نقول نحن، لم يعتد هذا الجيش على أحد، وكان يكتفي بردّ غارات البدو فقط.
2. أول إمبراطورية أسسها هذا الجيش كانت مترتبة على مطاردة الهكسوس خارج مصر، فكانت الإمبراطورية تأمينا لحدود مصر، ولم يترتب عليها أي مجازر أو مظالم أو استعباد، وعندما أظهر إخناتون عدم اكتراث بهذه الإمبراطورية، أخذ الأمراء المحليون يرسلون إليه طالبين استمرارها في رسائل محفوظة (رسائل تل العمارنة).
3. بعد ظهور الإسلام تأسس أول جيش مصري إسلامي في عهد الدولة الطولونية التي استقلت بمصر سنة 254 هـ، وأصبح دائما أقوى جيش في المنطقة طوال عصور الإخشيديين والفاطميين والأيوبيين والمماليك، وتمَّ إحياء التقاليد القديمة، ولم يزد عليها إلا مهمة حماية الحرمين.
4. هذا الجيش هو الذي تمكن من القضاء على الصليبيين وإلقائهم في البحر.
5. هذا الجيش هو الذي قضى على الخطر المغولي التتاري الماحق.
6. هذا الجيش هو الذي هزم أعتى حملتين صليبيتين استهدفتا مصر نفسها بعد أن لقبها الصليبيون برأس الأفعى، وفي الحملة الثانية أسر ملك فرنسا القديس لويس وقضى على زهرة فرسان أوروبا.
7. بعد الغزوة الفرنسية السريعة أدرك المصريون -قبل غيرهم في العالم المحسوب على الإسلام- ضرورة وجود جيش حديث قوي، هذا الجيش هو الذي قضى على الدولة الوهابية الأولى وكاد يقضي على الخلافة العثمانية الجهلوتية، ونشر الحضارة والنظم الحديثة والمساواة والمواطنة والقيم التقدمية في الشرق مما أهاج الشيطان البريطاني وقاد تحالفًا دوليا أرغم مصر على الجلاء عن آسيا ممهدا بذلك الطريق لإحياء الدولة الوهابية الأثيرة دائما لدى الشياطين.