حسني المتعافي
..........................
كان لمصر من الأنبياء أعداد كبيرة، وقد تمَّ اكتشاف بعض صحفهم، وهي تشبه بعض الأسفار المقدسة، لذلك يُقال إن هذه الأسفار منقولة منها، فقد كانت هي الأمة الحاملة للرسالة قبل بني إسرائيل، ولكن بدأ الشرك ينتشر، فكان يوسف عليه السلام رسولا إليهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَاب} [غافر:34]
فالآية تدل على أنهم كانوا يعلمون أن لله تعالى رسلا، ولكنهم وفق كلامهم لم يعودوا يأبهون بهم.
أما موسى فإنما كان رسولا أساسًا إلى فرعون حاكم مصر (فرعون هو الاسم الشخصي للحاكم، وليس لقبه الملوكي) وأسرته الحاكمة وإلى هامان والكهنوت الموجود تحت رئاسته ليدعوهم إلى الإيمان برب العالمين، وإلى قارون الذي رغم أنه كان من قوم موسى إلا أنه كان لا يقيم وزنا إلا لكنوزه وأمواله، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)} غافر، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)} هود، {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47)} المؤمنون، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآَيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)} الزخرف.
والاختلاف بين أهل مصر من ناحية وأقوام عاد أو ثمود أو مدين أو قوم لوط أو قوم تبع ... الخ من ناحية أخرى، أن أهل مصر كانوا شعبًا مكونا من أقوام متعددة، وكان بنو إسرائيل شيعة منهم، وكانت الأسرة الحاكمة هي شيعة لها السيادة والعلو على باقي الشيع، قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِين} [القصص:4]، ففرعون هو الذي استغل الفروقات والاختلافات بين مكونات الشعب ليسيطر عليهم وليستضعف بني إسرائيل الذين كانوا قد أصبحوا شيعة مصرية، فكانت سياسته هي: فرِّق تسد Divide and rule.
أما أقوام عاد أو ثمود أو مدين فكان كل قومٍ قبيلة تنتمي إلى نفس الوالد، ولذلك حلَّ العقاب بشيعة فرعون فقط، وكانت آثارهم هي التي دمرت فقط، أما عاد وثمود ومدين وتبع وقوم لوط فقد أُهلكوا جميعا إلا من آمنوا منهم
الاسم "هامان" يعني "الواصل إلى آمان"، و"آمان" هو اسم الإله عند المصريين القدماء من حيث أنه خفي أو باطن، وقد خلد اليهود والمسيحيون ذكراه بمناجاته بعد الدعاء! ومن معجزات القرءان أن ذكر اسما كهذا في وقت كانت اللغة المصرية القديمة قد اندثرت.
ويستغل بعضهم تشابه الاسم "هامان" مع اسم فارسي (ذكره كتاب اليهود المشكوك فيه أصلا) ليطعنوا في القرءان، هذا مع أنه لا تُوجد أية مشكلة في أن تتشابه بعض الألفاظ في لغات مختلفة مع اختلاف المعاني، ومن المعلوم أن كثيرا من الكلمات الفارسية تنتهي بـ (آن)، وبذلك فاحتمال أن يوجد لديهم الاسم هامان وارد، وهو بالتأكيد يختلف عن (هامان) المصري من حيث المعنى! وكثير من الأسماء العربية وما يُعرف بالصفات المشبهة ينتهي أيضا بالحرفين "ان" دون أدنى صلة باللسان الفارسي، ومن ذلك: حسان، عدنان، عطشان، شبعان، كسلان، ... الخ.
ومن البديهي جدا أن يكون لدى المصريين أسماء عديدة تتضمن الاسم الإلهي "آمن"، ومن معجزات القرءان أنه انفرد بذكر أحدها من قبل أن يعرف الناس اللسان المصري القديم!
ويوجد بعض المجتهدين الجدد الذين يزعمون الآن أن اسم الفعل العربي "آمين" هو نداء للإله المصري آمون لتشابه الحروف بين اللفظين، ويملئون الدنيا شغبا ولغطا بسبب ذلك! وبعض الدخلاء على التاريخ يبنون قصورا من رمال على التشابهات اللفظية ويحاولون أن يطعنوا بها في القرءان وفي حقائق التاريخ إما أملا في استهواء الجهلة وتحقيق مكاسب وشهرة وإما لخدمة أغراض بعض المنظمات السرية التي تستعملهم بعلمهم أو بدون علمهم!
ولكن مما لا شك فيه أن اللفظ "آمِن" كما يتلفظ به أهل الكتاب يشير بالفعل إلى المعبود المصري "آمن" حيث لا أصل له في ألسنتهم! وعلى كل حال فقد أخذ بنو إسرائيل الكثير جدا من الأسماء والتقاليد والنصوص المصرية، وهم الآن أعلم الناس بها.
وعلى كل حال فكون الاسم "هامان" استعمل من بعد في فارس لا غرابة فيه، فقد وصلت جيوش مصر إلى تخوم هضبة فارس وإلى الفرات الأعلى في عهد التوسع الإمبراطوري، كما ساعدوا الفرس عند صعودهم، لذلك كان لابد أن يتركوا بصمات حضارية في هذه المناطق، خاصة وأن ملوكا عظاما مثل تحوت موسى الثالث قد سنَّ سياسة أن يأتي بأمراء هذه البلدان ليتربوا في البلاط المصري.