Hassan Margawy
.........
رمضان شهر الخير والبركات والبر والتقوى والإخلاص لله عز وجل
كيفية استقبال شهر رمضان من الأحرى أن نسارع بالتوبة ما بيننا وبين ربنا من الذنوب وما بيننا وبين الناس من حقوق
إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري
بلوغ شهر رمضان من نعم الله العظيمة على العبد المسلم لأن رمضان من مواسم الخير، الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر القرآن، والغزوات الفاصلة في ديننا.
أخي المسلم: بما أنه ستقدم على شهر عظيم مبارك فإن من الأحرى لك أن تسارع بالتوبة مما بينك وبين ربك من الذنوب، ومما بينك وبين الناس من حقوق ليدخل عليك الشهر المبارك فينشغل بالطاعات والعبادات بسلامة صدر، وطمأنينة فلب قال تعالى:(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور ـ 31)، وعَنْ الأَغَرَّ بن يسار ـ رضي الله عنه ـ عن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ) ـ رواه مسلم، وعَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ:(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ) ـ رواه البخاري، وقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم.
فيدعو المسلم ربَّه تعالى أن يبلِّغه شهر رمضان على خير في دينه في بدنه، ويدعوه أن يعينه على طاعته فيه، ويدعوه أن يتقبل منه عمله.
قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وقال أيضاً: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات.
قال أحد السلف:(رجب شهرُ البَذر، وشعبان شهرُ السُقيَا، ورمضان شهرُ الحَصاد)، بمعنى أن كل الذى تريد أنْ تحصده في رمضان يجب أنْ تزرعه أولاً في رجب وشعبان، فرمضان أشبَهُ ما يكون بيوم امتحان الطالب، فهل يُعقَلُ أنْ أحدأً يترك المذاكرة طوال العام ثم يأتي ليذاكر في يوم امتحانه؟! لذلك لا يَصِحّ أبداً أنْ تقول:(أنا سوف أتغير في رمضان، أو سوف أتوب في رمضان)، ولكن لابد أنْ تتغير قبل رمضان وأنْ تتوبَ قبل رمضان، وذلك حتى لا تخسر رمضان، وتُفاجَأ في أول ليلة من التراويح أن كل تركيزك قد ذهب في تعب قدمَيْك، فيضيع الخشوع بذلك، فتندم ساعتها وتقول:(يا ليتني تَعَوَّدْتُ على القيام قبل رمضان).
قبل رمضان لتتدرب فيها قدرَ ما تستطيع، حتى إذا جاء رمضان حصدتَ الثواب حَصداً بإذن الله، وأُعتِقتَ من النار في أول ليلة بإذن الله، وخرجتَ من رمضان لأول مرة .. إنسان جديد.
ولذلك هيا بنا الآن لنتعرف على هذه الخصال الإيمانية التي سوف تقوي من الهمم العالية في شهر رمضان:
1 ـ الصيام: في كل رمضان يَضِيع النهار بدون طاعة جِدِّيَة من (قراءة قرآن أو أذكار أو خشوع في الصلاة أو دعاء أو ..)، وذلك بسبب مَشَقَة الصيام، وكذلك يَضِيع ليل رمضان بسبب مشاكل الإفطار، فلذلك لابد أنْ تُعَوِّد جسدك من الآن على صيام يومَي الاثنين والخميس، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) عنهم:(إن الأعمالَ تُرفَعُ يوم الاثنين والخميس فأحب أنْ يُرفَعَ عملي وأنا صائم وكذلك صيام (13 و14 و15) من الشهر الهجري فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) عنهم:(صيامُ ثلاثة أيام من كل شهر صيامُ الدَهر وإفطارُه) وذلك حتى لا تَقِل عبادتك في رمضان أثناء النهار.
2 ـ الدعاء: من الآن اجعل لك دُعاءً تَلزَمُهُ على لسانك طوال رجب وشعبان وهو:(اللهم بَلِغنا رمضان واجعلنا فيه من الفائزين)، لعلك توافق ساعة إجابة فتفوز فوزاً عظيماً.
3 ـ القيام: هذا يحتاج إلى استعدادٍ خاص قبل رمضان، لأنك لابد أنْ تُعَوِّد نفسك على القيام ولو بنصف ساعة كل ليلة، حتى تدخل رمضان وأنت مُعتاد القيام، فتستطيعَ أنْ تعيش كلمة: (إيماناً واحتساباً) التي جعلها النبي (صلى الله عليه وسلم) شرطاً لمغفرة ما تقدم من ذنبك حينما قال:(مَن قامَ رمضان إيماناً واحتسابا غُفِرَ له ما تقدمَ من ذنبه)، (مَن قامَ بعشر آيات لم يُكتَب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كُتِبَ من القانتين، ومَن قام بألف آية كُتِبَ من المُقنطِرين)
4 ـ الدَعوَة إلى الله: لا أطلبُ منك سِوَى أنْ تهتم بصدقائك (وأنتي تهتمين بصديقاتك) تتصل بهم قبل كل درس لتصحبه معك، وتشجعهم على الصيام والقيام، وتشجعهم على الخير، وستراهُ في آخر رمضان بإذن الله تعالى وقد انبعث النور من وجهه، فساعتَهَا ستسجد شُكرَاً لله تعالى أنْ جعلك سبباً لهداية هذا الشاب، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم):(لأِن يَهدِيَ اللهُ بك رَجُلاً واحداً خير لك من أنْ يكون لك حُمُرُ النَعَم )وقال أيضاً: (مَن دَلَّ على خيرٍ فله مثلُ أجر فاعلِه) (رواه مسلم).
5 ـ العلم: قال تعالى:(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ) (يوسف ـ 108) أي: على علم، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم):(مَن سلك طريقاً يلتمِسُ فيه عِلماً سَهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة) فلذلك ينبغي من الآن أنْ تتعلم الأحكام الفِقهيَّة للصيام حتى تعبُدَ اللهَ على بَصِيرة.
6 ـ إصلاح القلوب: هل ستدخل رمضان بقلبك هذا وهو مُحَمَّل بذنوب 11 شهراً كاملة؟! فمطلوب منك أنْ تدخل رمضان بقلب جديد، ولكن كيف ذلك؟ أولاً: لابد من الدعاء بتضرع إلى الله تعالى بأنْ يُصلِحَ قلبك، فإن القلوب في يده سبحانه وتعالى.
كذلك لابد من توحيد غِذاء القلب، فأنت حينما تعمل طاعة معينة ثم تتبعها بمعصية فكأنك تعطى قلبك دواءً ثم تعطى له سُمَّاً فيَفسَدُ القلبُ بهذا، ولذلك لابد أنْ توحد غذاء قلبك بالطاعة فقط، وأنْ تحافظ عليه قدر المُستَطاع من المعصية، لأن المعصية تترك أثراً في القلب، فلابد أنْ تقاوم أي شهوة أو حب دنيا أو أي شيئ يقترب من قلبك ليُفسِدَه، ثالثاً: عليك أنْ تكثر من ذِكر الله تعالى فهو خيرُ مُعِين على إصلاح القلوب، فقد قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) (الأحزاب ـ 41)، وقال حكايةً عن المنافقين:(يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء ـ 142)، فالذكر الكثير براءة للقلب من النفاق.
نقلا عن موقع جريدة الوطن