منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

 ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين**

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
طارق
لاعب ذهبى
لاعب ذهبى



اسم العضو : طارق محمد حشيش
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 299
تاريخ الميلاد : 20/09/1965
تاريخ التسجيل : 30/05/2011
العمر : 58
المزاج رايق

ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** Empty
مُساهمةموضوع: ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين**   ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** I_icon_minitimeالإثنين يونيو 06, 2011 3:31 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين**


معارك أجنادين بقيادة ضرار بن الأزور

قال‏:‏ فرجع خالد إلى بابه واستدعى بضرار بن الأزور فجاء إليه وسلم عليه‏.‏

فقال‏:‏ يا ابن الأزور إني أريد أن أقدمك على خمسة آلاف قد باعوا أنفسهم لله عز وجل واختاروا دار البقاء والآخرة على الأولى وتسيروا إلى لقاء هؤلاء القوم الذين وردوا علينا فإن رأيت لك فيهم طمعًا فقاتلهم وإن رأيت أنك لا تقدر عليهم فابعث إلينا رسولك‏.‏

فقال ضرار بن الأزور‏:‏ وافرحتاه والله يا ابن الوليد ما دخل قلبي مسرة أعظم من هذه فاتركني أسير وحدي‏.‏

قال خالد‏:‏ لعمري إنك ضرار ولكن لا تلق نفسك إلى الهلاك وسر بما ندب معك من المسلمين‏.‏

قال فقام ضرار رضي الله عنه مسرعًا فقال خالد‏:‏ ارفق بنفسك حتى يجتمع عليك الجيش فقال‏:‏ والله لا وقفت ومن علم الله فيه خيرًا أدركني ثم ركب ضرار وأسرع إلى أن وصل إلى بيت لهيا وهو الموضع الذي كان يصنع فيه الأصنام فوقف هناك حتى لحق به أصحابه‏.‏

فلما تكاملوا نظر ضرار وإذا بجيش الروم ينحدر كأنه الجراد المنتشر وهم غائصون في الدروع وقد أشرقت الشمس على لاماتهم وطوارقهم‏.‏

فلما نظر إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لضرار‏:‏ أما والله إن هذا الجيش عرمرم والصواب أننا نرجع‏.‏

فقال ضرار‏:‏ والله لا زلت أضرب بسيفي في سبيل الله وأتبع من أناب إلى الله ولا يراني الله مهزومًا ولا أولي الدبر لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 16‏]‏‏.‏ وتكلم رافع بن عميرة الطائي وقال‏:‏ يا قوم وما الخيفة من هؤلاء العلوج أما نصركم الله في مواطن كثيرة والنصر مقرون مع الصبر ولم تزل طائفتنا تلقى الجموع الكثيرة والجموع اليسيرة فاتبعوا سبيل المؤمنين وتضرعوا إلى رب العالمين وقولوا كما قال قوم طالوت عند لقائهم جالوت ‏{‏ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 250‏]‏‏.‏

فلما سمع ضرار كلامهم وأنهم اشتروا الآخرة على الأولى كمن بهم عند بيت لهيا وأخفى أمره وجلس عاري الجسد بسراويله على فرس له عربي بغير سلاح وبيده قناة كاملة الطول وهو يوصي القوم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ هكذا حدثني تميم بن أوس عن جده عمرو بن دارم‏.‏

قال‏:‏ كنت لوم بيت لهيا ممن صحب ضرار بن الأزور رضي الله عنه وهو بهذه الصفة رغبة منه في الشهادة‏.‏

فلما قارب العدو كان أول من برز وكبر ضرار بن الأوزر قبل فأجابه المسلمون بتكبيرة واحدة رعبت منها قلوب المشركين وفاجؤهم بالجملة ونظروا إلى ضرار بن الأوزر وهو في أول القوم وهو في حالته التي وصفناها فهالهم أمره وكان وردان في المقدمة والأعلام والصلبان مشتبكة على رأسه‏.‏

قال‏:‏ فما طلب ضرار غيره لأنه علم أنه صاحبهم فحمل عليه غير مكترث به وطعن فارسًا كان في يده العلم فتجندل من على فرسه قتيلًا ثم إنه طعن آخر في الميمنة فأرداه وحمل يريد القلب وكان قد عاين وردان والصليب على رأسه يحمله فارس من الروم والجواهر تلمع من أربع جوانبه فعارضه ضرار وطعن حامله طعنة عظيمة فخرج السنان يلمع من خاصرته‏.‏

قال فسقط الصليب منكسًا إلى الأرض‏.‏

فلما نظر وردان إلى الصليب أيقن بالهلاك وهم أن يترجل لأخذه أو يميل في ركابه ليأخذه فما وجد لذلك سبيلًا لما قد أحدق به وترتجل عليه قوم من المسلمين ليأخذوه وقد اشتغل كل عن نفسه ونظر ضرار إلى من ترجل لأخذ الصليب‏.‏

فقال‏:‏ معاشر المسلمين إن الصليب لي دونكم وأنا صاحبه فلا تطمعوا فإني إليه راجع إذا فرغت من كلب الروم‏.‏

قال فسمع ذلك وردان وكان يعرف العربية فعطف من القلب يريد الهرب‏.‏

فقالت البطارقة‏:‏ إلى أين أيها السيد أتفر من الشيطان فما رأينا أدنى من منظره ولا أهول من مخبره ونظر إليه ضرار وقد عطف راجعًا فعلم أنه قد عزم على الهرب فصاح بقومه ثم اقتحم في أثره ومد رمحه وهمز جواده فتصارخت به الروم وعطفت عليه المواكب من كل الموت حق أين لي منه المفر وجنة الفردوس خير المستقر هذا قتالي فاشهدوا يا من حضر وكل هذا في رضا رب البشر ثم اخترق القوم وحمل عليهم وحمل المسلمون في أثره فأحدقوا بهم من كل مكان ونظروا إلى ضرار وقد قصده وردان صاحب حمص عندما علم أنه اخترق القوم فمد إليه رمحه وقد أحدقت به بطارقته وضرار يمانع عن نفسه يمينًا وشمالًا فما طعن أحدًا إلا أباده إلى أن قتل من القوم خلقًا كثيرًا وهو يصرخ بقومه‏:‏ ويقول‏:‏ ‏{‏إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏ 4‏]‏‏.‏ قال‏:‏ وأكبت عليه جيوش الروم من كل جانب ومكان واشتعل الحرب بينهم ووصل همدان بن وردان إلى ضرار بن الأزور ورماه بسهم‏.‏

فأصاب عضده الأيمن فوصل السهم إليه فأوهنه وأحس ضرار بالألم فحمل على همدان وصمصم عليه برمحه وطعنه‏.‏

فأصاب بالطعنة فؤاده فوصل السنان إلى ظهره فجذب الرمح منه فلم يخرج وإذا به قد اشتبك في عظم ظهره فخرج الرمح من غير سنان فطمعوا فيه وحملوا عليه وأخذوه أسيرًا فنظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ضرار وهو أسير فعظم الأمر عليهم وقاتلوا قتالًا شديدًا ليخلصوه فما وجدوا إلى ذلك سبيلًا وأرادوا الهرب‏.‏

فقال رافع بن عميرة الطائي‏:‏ يا أهل القران إلى أين تريدون أما علمتم أن من ولى ظهره لعدوه فقد باء بغضب من الله وإن الجنة لها أبواب لا تفتح إلا للمجاهدين الصبر الصبر الجنة الجنة يا أهل الكتاب كروا على الكفار عناد الصلبان وها أنا معكم في أوائلكم فإن كان صاحبكم أسر أو قتل فإن الله حي لا يموت وهو يراكم بعينه التي لا تنام فرجعوا وحملوا معه‏.‏

قال‏:‏ ووصل الخبر إلى خالد أن ضرار قد أسر بيد الروم وأنه قتل من الروم خلقًا كثيرًا فعظم ذلك على خالد وقال‏:‏ في كم العدو قالوا‏:‏ في اثني عشر ألف فارس‏.‏

فقال‏:‏ والله ما ظننت إلا أنهم في عدد يسير ولقد غررت بقومي ثم سأل عن مقدمهم من يكون فقيل وردان صاحب حمص وقد قتل ضرار ولده همدان فقال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم أرسل إلى أبي عبيدة يستشيره فبعث إليه أبو عبيدة يقول له‏:‏ اترك على الباب الشرقي من تثق به وسر إليهم فإنك تطحنهم بإذن الله تعالى‏.‏

فلما وصل الجواب إلى خالد قال‏:‏ والله ما أنا ممن يبخل بنفسه في سبيل الله ثم أوقف بالمكان ميسرة بن مسروق العبسي رضي الله عنه ومعه ألف فارس وقال له‏:‏ أحذر أن تنفذ من مكانك‏.‏



هجوم خالد بن الوليدعلى أجنادين وتخليص ضرار من الأسر



فقال ميسرة‏:‏ حبًا وكرامة وعطف خالد بالناس وقال لهم‏:‏ أطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة فإذا أشرفتم على العدو فاحملوا حملة واحدة ليخلص فيها ضرار إن شاء الله تعالى إن كانوا أبقوا عليه والله إن كانوا عجلوا عليه لنأخذن بثأره إن شاء تعالى وأرجو أن لا يفجعنا به ثم تقدم أمام القوم وجعل يقول‏:‏ لأروين الرمح من ذوي الحدق ** لأهتكن البيض هتكًا والدرق

عسى أرى غدًا مقام من صدق ** في جنة الخلد وألقى من سبق

خولة بنت الأزور

فبينما خالد يترنم بهذه الأبيات إذ نظر إلى فارس على فرس طويل وبيده رمح طويل وهو لا يبين منه إلا الحدق والفروسية تلوح من شمائله وعليه ثياب سود وقد تظاهر بها من فوق لامته وقد خرم وسطه بعمامة خضراء وسحبها على صدره ومن ورائه وقد سبق أمام الناس كأنه نار فلما نظره خالد قال‏:‏ ليت شعري من هذا الفارس وايم الله إنه لفارس شجاع ثم اتبعه خالد والناس وكان هذا الفارس أسبق الناس إلى المشركين‏.‏

قال وكان رافع بن عمير الطائي رضي الله عنه في قتال المشركين وقد صبر لهم هو ومن معه إذ نظر خالدًا ولد أنجده هو ومن معه من المسلمين ونظر إلى الفارس الذي وصفناه وقد حمل على عساكر الروم كأنه النار المحرقة فزعزع كتائبهم وحطم مواكبهم ثم غاب في وسطهم فما كانت إلا جولة الجائل حتى خرج وسنانه ملطخ بالدماء جمن الروم وقد قتل رجالًا وجندل أبطالًا وقد عرض نفسه للهلاك ثم اخترق القوم غير مكترث بهم ولا خائف وعطف على كراديس الروم في الناس وكثر قلقهم عليه فأما رافع بن عميرة ومن معه فما ظنوا إلا أنه خالد وقالوا‏:‏ ما هذه الحملات إلا لخالد فهم على ذلك إذ أشرف عليهم رضي الله عنه وهو في كبكبة من الخيل فقال رافع بن عميرة‏:‏ من الفارس الذي تقدم أمامك فلقد بذل نفسه ومهجته‏.‏

فقال خالد‏:‏ والله إنني أشد إنكارًا منكم له ولقد أعجبني ما‏.‏

ظهر منه ومن شمائله‏.‏

فقال رافع‏:‏ أيها الأمير إنه منغمس في عسكر الروم يطعن يمينًا وشمالًا‏.‏

فقال خالد‏:‏ معاشر المسلمين احملوا بأجمعكم وساعدوا المحامي عن دين الله‏.‏

قال فأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة والتصق بعضهم ببعض وخالد أمامهم إذ نظر إلى الفارس وقد خرج من القلب كأنه شعلة نار والخيل في أثره وكلما لحقت به الروم لوى عليهم وجندل فعند ذلك حمل خالد ومن معه ووصل الفارس المذكور إلى جيش المسلمين‏.‏

قال فتأملوه فرأوه قد تخضب بالدماء فصاح خالد والمسلمون‏:‏ لله درك من فارس بذل مهجته في سبيل الله وأظهر شجاعته على الأعداء اكشف لنا عن لثامك‏.‏

قال فمال عنهم ولم يخاطبهم وانغمس في الروم فتصايحت به الروم من كل جانب وكذلك المسلمون وقالوا‏:‏ أيها الرجل الكريم أميرك يخاطبك وأنت تعوض عنه اكشف عن اسمك وحسبك لتزداد تعظيمًا فلم يرد عليهم جوابًا فلما بعد عن خالد سار إليه بنفسه وقال له‏:‏ ويحك لقد شغلت قلوب الناس وقلبي بفعلك من أنت‏.‏

قال فلما لج عليه خالد خاطبه الفارس من تحت لثامه بلسان التأنيث وقال‏:‏ إنني يا أمير لم أعرض عنك إلا حياء منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات الخدور وبنات الستور وإنما حملني على ذلك أني محرقة الكبد زائدة الكمد‏.‏

فقال لها‏:‏ من أنت‏.‏

قالت‏:‏ أنا خولة بنت الأزور المأسور بيد المشركين أخي وهو ضرار وإني كنت مع بنات العرب وقد أتاني الساعي بأن ضرار أسير فركبت وفعلت ما فعلت‏.‏

قال خالد‏:‏ نحمل بأجمعنا ونرجو من الله أن نصل إلى أخيك فنفكه‏.‏

قال عامر بن الطفيل‏:‏ كنت عن يمين خالد بن الوليد حين حملوا وحملت خولة أمامه وحمل المسلمون وعظم على الروم ما نزل بهم من خولة بنت الأزور وقالوا‏:‏ إن كان القوم كلهم مثل هذا الفارس فما لنا بهم من طاقة‏.‏

ولما حمل خالد ومن معه إذا بالروم قد اضطربت جيوشهم ونظر وردان إليهم‏.‏

فقال لهم‏:‏ اثبتوا للقوم فإذا رأوا ثباتكم ولوا عنكم ويخرج أهل دمشق يعينونكم على قتالهم‏.‏

قال فثبت المسلمون لقتال الروم وحمل خالد بالناس حملة منكرة وفرق القوم يمينًا وشمالًا وقصد خالد مكان صاحبهم وردان عند اشتباك الأعلام والصلبان وإذا حوله أصحاب الحديد والزرد النضيد وهم محدقون به فحمل خالد عليهم حملة منكرة واشتبك المسلمون بقتال الروم وكل فرقة مشغولة بقتال صاحبها‏.‏

وأما خولة بنت الأزور فإنها جعلت تجول يمينًا وشمالًا وهي لا تطلب إلا أخاها وهي لا ترى له أثرًا ولا وقفت له على خبر إلى وقت الظهر وافترق القوم بعضهم عن بعض وقد أظهر الله المسلمين على الكافرين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة‏.‏

قال وتراجعت كل فرقة إلى مكانها وقد كمدت أفئدة الروم ما ظهر لهم من المسلمين وقد هموا بالهزيمة وما يمسكهم إلا الخوف من صاحبهم وردان فلما رجع القوم إلى مكانهم أقبلت خولة بنت الأزور على المسلمين وجعلت تسألهم رجلًا رجلًا عن أخيها فلم تر من المسلمين من يخبرهما أنه نظره أو رآه أسيرًا أو قتيلًا فلما يئست منه بكت بكاءًا شديدًا وجعلت تقول‏:‏ يا ابن أمي ليت شعري في أي البيداء طرحوك أم بأي سنان طعنوك أم بالحسام قتلوك يا أخي أختك لك الفداء لو أني أراك أنقذتك من أيدي الأعداء ليت شعري أترى أني أراك بعدها أبدًا فقد تركت يا ابن أمي في قلب أختك جمرة لا يخمد لهيبها ولا يطفأ ليت شعري لحقت بأبيك المقتول بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فعليك مني السلام إلى يوم اللقاء‏.‏

قال فبكى الناس من قولها وبكى خالد وهم أن يعاود بالحملة إذ نظر إلى كردوس من الروم قد خرج من ميمنة العقبان فتأهب الناس لحربهم وتقدم خالد وحوله أبطال المسلمين‏.‏

فلما قربوا من القوم رموا رماحهم من أيديهم والسيوف وترجلوا ونادوا بالأمان‏.‏

فقال خالد‏:‏ اقبلوا أمانهم وائتوني بهم فأتوا إليه‏.‏

فقال خالد‏:‏ من أنتم‏.‏

فقالوا‏:‏ نحن من جند هذا الرجل وردان ومقامنا بحمص وقد تحقق عندنا أنه ما يطيقكم ولا يستطيع حربكم فأعطونا الأمان واجعلونا من جملة من صالحتم من سائر المدن حتى نؤدي لكم المال الذي أردتم في كل سنة فكل من في حمص يرضى بقولنا‏.‏

فقال خالد‏:‏ إذا وصلت إلى بلادكم يكون الصلح إن شاء الله تعالى إن كان لكم فيه أرب ولكن نحن ههنا لا نصالحكم ولكن كونوا معنا إلى أن يقضي الله ما هو قاض ثم إن خالدًا قال لهم‏:‏ هل عندكم علم عن صاحبنا الذي قتل ابن صاحبكم قالوا‏:‏ لعله عاري الجسد الذي قتل منا مقتلة عظيمة وفجع صاحبنا في ولده‏.‏

قال خالد‏:‏ عنه سألتكم‏.‏

قالوا‏:‏ بعثه وردان عندنا أسيرًا على بغل‏.‏

ووكل به مائة فارس وأنفذه إلى حمص ليرسله إلى الملك ويخبره بما فعل‏.‏

قال ففرح خالد بقولهم ثم دعا برافع بن عميرة الطائي وقال‏:‏ يا رافع ما أعلم أحدًا أخبر منكم بالمسالك وأنت الذي قطعت بنا المفازة من أرض السماوة وأعطشت الإبل وأوردتها الماء وأوردتنا أركة وما وطئها جيش قبلنا لمفازتها وأنت أوحد أهل الأرض في الحيل والتدبير فخذ معك من أحببت واقبع أثر القوم فلعلك أن تلحق بهم وتخلص صاحبنا من أيديهم فلئن فعلت ذلك لتكونن الفرحة الكبرى‏.‏

فقال رافع بن عميرة‏:‏ حبًا وكرامة ثم إنه في الحال انتخب مائة فارس شدادًا من المسلمين وعزم على المسير فأتت البشارة إلى خولة بمسير رافع بن عميرة ومن معه في طلب أخيها ضرار فتهلل وجهها فرحًا وأسرعت إلى لبس سلاحها وركبت جوادها وأتت إلى خالد بن الوليد ثم قالت له‏:‏ أيها الأمير سألتك بالطاهر المطهر محمد سيد البشر إلا ما سرحتني مع من سرحت فلعلي أن أكون مشاهدة لهم‏.‏

فقال خالد لرافع‏:‏ أنت تعلم شجاعتها فخذها معك‏.‏

فقال له رافع‏:‏ السمع والطاعة وارتحل رافع ومن معه وسارت خولة في أثر القوم ولم تختلط بهم وسار إلى أن قرب من سليمة‏.‏

قال فنظر رافع فلم يجد للقوم أثرًا‏.‏

فقال لأصحابه‏:‏ أبشروا فإن القوم لم يصلوا إلى ههنا ثم إنه كمن بهم في وادي الحياة فبينما هم كامنون إذا بغبرة قد لاحت‏.‏

فقال رافع لأصحابه‏:‏ أيقظوا خواطركم وانتبهوا فأيقظ القوم هممهم وبقوا في انتظار العدو وإذا بهم قد أتوا وهم محدقون بضرار فلما رأى رافع ذلك كبر وكبر المسلمون معه وحملوا عليهم فلم يكن غير ساعة حتى خلص الله ضرارًا وقتلوهم جميعًا وأخذوا سلبهم‏.‏

قال وإذا بعساكر الروم قد أقبلت منهزمة وأولهم لا يلتفت إلى آخرهم فعلم رافع أن القوم انهزموا فأقبل يلتقطهم بمن معه‏.‏

قال وكان خالد لما أرسل رافع بن عميرة في طلب ضرار ليخلصه ومعه المائة فارس صدم وردان صدمة من يحب الشهادة ويبتغي دار السعادة وصدم المسلمون الروم فما لبثوا أن ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وكان أولهم وردان واتبعهم المسلمون وأخذوا أسلابهم وأموالهم ولم يزالوا في طلبهم إلى وادي الحياة فاجتمع المسلمون برافع بن عميرة الطائي وضرار بن الأزور وسلموا عليهم وفرحوا بضرار رضي الله عنه وهنأوه بالسلامة‏.‏

قال وأثنى خالد على رافع خيرًا ورجعوا إلى دمشق وفرح المسلمون بالنصر واتصل الخبر إلى الملك هرقل وأن وردان قد انهزم وقتل ولده همدان‏.‏

قال فأيقن بزوال ملكه من الشام فكتب إلى وردان كتابًا يقول فيه‏:‏ أما بعد فإني قد بلغني جياع الأكباد عراة الأجساد قد هزموك وقتلوا ولدك رحمه المسيح ورحمك ولولا أني أعلم أنك فارس الحرب ومجيد الطعن والضرب وليس النصر آتيك لحل عليك سخطي والآن مضى ما مضى وقد بعثت إلى أجنادين تسعين ألفًا وقد أمرتك عليهم فسر نحوهم وانجد أهل دمشق وأنفذ بعضهم ليمنعوا من في فلسطين من العرب وحل بينهم وبين أصحابهم وانصر دينك وصاحبك‏.‏

قال وأنفذ إليه الكتاب مع خيل البريد فلما ورد عليه الكتاب وقرأه سرى عنه بعض ما كان يجده وأخذ الأهبة إلى أجنادين فسار فوجد الروم قد تجمعوا وأظهروا العدد والزرد وخرجوا إلى لقائه وسلموا عليه وتقدموا بين يديه وعزوه في ولده فلما استقر قراره قرأ عليهم منشور الملك فأجابوا بالسمع والطاعة وأخفوا على أنفسهم‏.‏

قال‏:‏ حدثني روح بن طريف قال‏:‏ كنت مع خالد بن الوليد على باب شرقي حين رجعنا من هزيمة وردان وإذ قد ورد علينا عباد بن سعد الحضرمي وكان قد بعثه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصرى يعلم خالدًا بمسير الروم إليه من أجنادين في تسعين ألف فارس فخذ أهبتك للقائهم‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع خالد ذلك ركب إلى أبي عبيدة وقال له‏:‏ يا أمين الأمة هذا عباد بن سعد الحضرمي قد بعث به شرحبيل بن حسنة يخبر أن طاغية الروم هرقل قد ولى وردان على من تجمع بأجنادين من الروم وهم تسعون ألفًا فما ترى من الرأي يا رسول الله‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ اعلم يا أبا سليمان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقون مثل شرحبيل بأرض حسنة بأرض بصرى ومعاذ بن جبل بحوران وبزيد بن أبي سفيان بالبلقاء والنعمان بن المغيرة بأرض تدمر وأركة وعمرو بن العاص بأرض فلسطين والصواب أن تكتب إليهم ليقصدونا حتى نقصد العدو ومن الله نطلب المعونة والنصر‏.‏

قال فكتب خالد إلى عمرو بن العاص كتابًا يقول فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

أما بعد فإن إخوانكم المسلمين قد عولوا على المسير إلى أجنادين فإن هناك تسعين ألفًا من الروم يريدون المسير إلينا ‏{‏يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون‏}‏ ‏[‏الصف‏:‏ ‏]‏‏.‏ فإذا وصل إليك كتابي هذا فاقدم علينا بمن معك إلى أجنادين تجدنا هناك إن شاء الله تعالى والسلام عليك وعلى من معك من المسلمين ورحمة الله وبركاته وكتب نسخة الكتاب إلى جميع الأمراء الذين ذكرناهم ثم أمر الناس بالرحيل فرفعت القباب والهوادج على ظهور الجمال وساقوا الغنائم والأموال‏.‏

فقال خالد لأبي عبيدة‏:‏ قد رأيت رأيًا أن أكون على الساقة مع الغنائم والأموال والبنين والولدان وكن أنت على المقدمة مع خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ بل أكون أنا على الساقة وأنت على المقدمة مع الجيش‏.‏

فإن وصل إليك جيش الروم مع وردان يجدوك على أهبة فتمنعهم من الوصول إلى الحريم والأولاد فلا يصلون إلينا إلا وأنت قتلت فيهم وإلا كنت أنا ومن معي غنيمة لهم إذا كنت أنا في المقدمة‏.‏

فقال خالد‏:‏ لست أخالفك فيما ذكرت‏.‏

ثم إن خالدًا قال‏:‏ أيها الناس إنكم سائرون إلى جيش عظيم فأيقظوا هممكم وإن الله وعدكم النصر وقرأ عليهم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 249‏]‏‏.‏

ثم إن خالدًا أخذ الجيش وسار في المقدمة وبقي أبو عبيدة في ألف من المسلمين ونظر إلى ذلك أهل دمشق فعطفوا عليهم وأقبلوا بسيوفهم وهم يظنون أنهم منهزمون لأجل ما بلغهم من الجيش العظيم الذيهو بأجنادين‏.‏

فقال لهم عقلاوهم‏:‏ إن كانوا سائرين على طريق بعلبك فإنهم يريدون فتحها وفتح حمص وإن كانوا على طريق مرج راهط فالقوم لا شك هاربون إلى الحجاز ويتركون ما أخذوا من البلاد‏.‏

قال وكان بدمشق بطريق يقال له بولص وكان عظيمًا عند النصرانية وكان إذا قدم على الملك يعظمه وكان الملعون فارسًا وذلك أنهم كان عندهم شجرة فرماها بسهم فغاص السهم في الشجرة من قوة ساعده‏.‏

ثم إن من عجبه كتب عليها‏:‏ إن كل من يدعي الشجاعة فليرم بسهمه إلى جانب سهمي وكان قد شاع ذكره بذلك ولم يحضر قتال المسلمين منذ دخلوا دمشق فلما اجتمعوا عليه قال لهم بولص‏:‏ ما الذي حل بكم‏.‏

فأعلموه بما جرى عليهم من المسلمين وقالوا له‏:‏ إن كنت تريد حياة الأبد عند الملك وعند المسيح وعند أهل دين النصرانية فدونك والمسلمين فاخرج إليهم وأخطف كل من تخلف منهم وإن رأيت لنا فيهم مطمعًا قاتلناهم‏.‏

فقال بولص‏:‏ إنما كان سبب تخلفي عن نصرتكم لأنكم قليلو الهمة لقتال عدوكم فتخلفت عنكم والآن لا حاجة لي في قتال العرب‏.‏

فقالوا‏:‏ وحق المسيح والإنجيل الصحيح لئن سرت في مقدمتنا لنثبتن معك وما منا من يولي عنك وقد حكمناك فيمن ينهزم أن تضرب عنقه ولا يعارضك في ذلك أحد‏.‏

قال فلما استوثق منهم دخل إلى منزله ولبس لامته‏.‏

فقالت له زوجته‏:‏ إلى أين عزمت‏.‏

قال‏:‏ أخرج في أثر العرب فقد ولآني أهل دمشق عليهم‏.‏

فقالت‏:‏ لا تفعل والزم بيتك ولا تطلب ما ليس لك به حاجة فإني رأيت لك في المنام رؤيا‏.‏

فقال لها‏:‏ وما الذي رأيت‏.‏

قالت‏:‏ رأيتك كأنك قابض قوسك وأنت ترمي طيورًا وقد سقط بعضها على بعض ثم عادت صاعدة فبينما أنا متعجبة إذ أقبلت نحوك سحابة من الجو فانقضت عليك من الهواء وعلى من معك فجعلت تضرب هاماتهم ثم وتيتم هاربين ورأيتها لا تضرب أحدًا إلا صرعته ثم إني انتبهت وأنا مذعورة باكية العين عليك‏.‏

فقال لها‏:‏ ومع ذلك رأيتني فيمن صرع‏.‏

قالت‏:‏ نعم وقد صرعك فارس عظيم‏.‏

قال‏:‏ فلطم وجهها وقال‏:‏ لا بشرك المسيح بخير لقد دخل رعب العرب في قلبك حتى صرت تحلمين بهم في النوم فلا بد أن اجعل لك أميرهم خادمًا وأجعل أصحابه رعاة الغنم والخنازير‏.‏

فقالت له زوجته‏:‏ افعل ما تريد فقد نصحتك‏.‏

قال فلم يلتفت إلى كلامها وخرج من عندها وركب وسار معه من كان في دمشق من الروم فعرضهم فإذا هم ستة آلاف فارس وعشرة آلاف راجل من أهل النجدة والحمية وسار يطلب القوم‏.‏

معركة حول دمشق وكان حنا أسد في المقدمة وأبو عبيدة يمشي مع الأموال والأغنام والجمال إذ نظر رجل من أصحابه وهو يتأمل الغبرة من ورائهم فسأله أبو عبيدة عن ذلك فقال‏:‏ أظنها غبرة القوم‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ إن أهل الشام قد طمعوا فينا وهذا العدو قاصد إلينا‏.‏

قال فما استتم كلامه حتى بدت الخيل كأنها السيل وبولص في أوائلهم‏.‏

فلما نظر إلى أبي عبيدة قصد ومعه الفرسان وأخوه بطرس قصد الحريم والمال فاقتطعوا منها قطعة‏.‏

فلما احتوى عليها رجع بها بطرس نحو دمشق‏.‏

فلما بعد جلس هناك لينظر ما يكون من أمر أخيه‏.‏

وأما أبو عبيدة فإنه لما نظر إلى ما فاجأه من الروم‏.‏

قال‏:‏ والله لقد كان الصواب مع خالد لما قال دعني في الساقة فلم أدعه وإنه قد وصل إليه بولص وقصده والأعلام والصلبان على رأسه مشتبكة والنساء يولولن والصبيان يصيحون والألف من المسلمين قد اشتغلوا بالقتال وقد قصد عدو الله بولص أبا عبيدة واشتد بينهم الحرب ووقع القتال من أصحابه والروم وارتفعت الغبرة عليهم وهم في كر وفر على أرض سحورًا‏.‏

قال وقد بلى أبو عبيدة بالقتال وصبر صبر الكرام قال سهيل بن صباح وكان تحتي جواد محجل من خيل اليمن شهدت عليه اليمامة فقومت السنان وأطلقت العنان فخرج كأنه الريح العاصف فما كان غير بعيد حتى لحقت بخالد بن الوليد والمسلمين فأقبلت إليهم صارخًا وقلت‏:‏ أيها الأمير أدرك الأموال والحريم‏.‏

فقال خالد‏:‏ ما وراءك يا ابن الصباح فقلت‏:‏ أيها الأمير إلحق أبا عبيدة والحريم فإن نفير دمشق قد لحق بهم وقد اقتطعوا قطعة من النسوان والولدان وقد بلى أبو عبيدة بما لا طاقة لنا به‏.‏

قال فلما سمع خالد ذلك الكلام من سهل بن صباح قال‏:‏ إنما لله وإنا إليه راجعون قد قلت لأبي عبيدة دعني أكون على الساقة فما طاوعني ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا ثم أمر رافع بن عميرة على ألف من الخيل‏.‏

وقال له‏:‏ كن في المقدمة وأمر عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق على ألفين‏.‏

وقال له‏:‏ أدرك العدو وسار خالد في أثره ببقية الجيش‏.‏

قال‏:‏ فبينما أبو عبيدة في القتال مع بولص لعنه الله إذ تلاحقت به جيوش المسلمين وحملوا على أعداء إلنه وداروا بهم من كل مكان فعند ذلك تنكست الصلبان وأيقن الروم بالهوان وتقدم الأمير ضرار بن الأزور كأنه شعله نار وقصد نحو بولص‏.‏

فلما رآه عدو الله تبلبل خاطره ووقعت الرعدة في فرائصه وقال لأبي عبيدة‏:‏ يا عربي وحق دينك إلا ما قلت لهذا الشيطان يبعد عني وكان بولص قد سمع به ورآه من سور دمشق وما صنع بعسكر كلوس عزازير وسمع بفعاله في بيت لفيا فلما رآه مقبلًا إليه عرفه‏.‏

فقال لأبي عبيدة‏:‏ قل لهذا الشيطان لا يقربني فسمعه ضرار رضي الله عنه فقال له‏:‏ أنا شيطان إن قصرت عن طلبك ثم إنه فاجأه وطعنه فلما رأى بولص أن اللعنة واصلة إليه رمى نفسه عن جواده وطلب الهرب نحو أصحابه فسار ضرار في طلبه‏.‏

وقال له‏:‏ أين تروح من الشيطان وهو في طلبك ولحقه وهم أن يعلوه بسيفه‏.‏

فقال بولص‏:‏ يا بدوي إبق علي ففي بقائي بقاء أولادكم وأموالكم‏.‏

قال فلما سمع ضرار قوله أمسك عن قتله وأخذه أسير هذا والمسلمون قد قتلوا من الروم مقتلة عظيمة‏.‏

قال‏:‏ حدثني أسلم بن مالك اليربوعي عن أبي رفاعة بن قيس‏.‏

قال‏:‏ كنت يوم وقعة سحورًا مع المسلمين وكنت في خيل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه‏.‏

قال فسرنا بالروم من كل جانب وبدلنا أسيافنا في القوم وكانوا ستة كتائب في كل كتيبة ألف فارس قال رفاعة بن قيس‏:‏ فوالله لقد حملنا يوم فتح دمشق وأنه ما رجع منهم فوق المائة ووجه خبر لضرار أن خولة مع النسوان المأسورات فعظم ذلك عليه وأقبل على خالد وأعلمه بذلك فقال له خالد‏:‏ لا تجزع لقد أسرنا منهم خلقًا كثيرًا وقد أسرت أنت بولص صاحبهم وسوف نخلص من أسر من حريمنا ولا بد لنا من دمشق في طلبهم ثم أمر خالد أن يسيروا بالناس على مهل حتى ننظر ما يكون من أمر حريمنا‏.‏




فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي



[center][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** Empty
مُساهمةموضوع: رد: ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين**   ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** I_icon_minitimeالإثنين يونيو 06, 2011 4:38 pm

مناوشات حول أجنادين

ثم دعا خالد ببولص فقال له‏:‏ أسلم وإلا فعلت بك كما فعلت بأخيك‏.‏

فقال له‏:‏ وما الذي صنعت بأخي قال‏:‏ قتلته وهذه رأسه ورماها ضرار قدامه‏.‏

فلما رأى أخيه بكى وقال له‏:‏ لا بقاء لي بعده حيا فألحقوني به قال فقام إليه المسيب بن يحيى الفزاري رضي الله عنه فضرب عنقه بأمر خالد ثم رحل القوم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ حدثنا سعيد بن مالك‏.‏

قال‏:‏ لما بعث خالد الكتب إلى شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى يزيد بن أبي سفيان وإلى عمرو بن العاص قرأ كل واحد من الأمراء كتابه‏.‏

قال فساروا بأجمعهم إلى أجنادين لعون إخوانهم وجاءوا بعددهم وعديدهم‏.‏

قال سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كنت في خيل معاذ بن جبل فلما أشرفنا بأجمعنا على أجنادين كنا كلنا على سيارة واحدة في يوم واحد وذلك في شهر صفر سمنة 20 من الهجرة وتبادر المسلمون يسلم بعضهم على بعض قال ورأينا جيوش الروم في عدد لا يحصى‏.‏

فلما أشرفنا عليهم أظهروا لنا زينتهم وعددهم واصطفوا مواكب وكتائب ومدوا صفوفهم فكانوا ستين صفًا في كل صف ألف فارس قال الضحاك بن عروة‏:‏ والله لقد دخلنا العراق ورأينا جنود كسرى فما رأينا أكثر من جنود الروم ولا أكثر من عددهم وسلاحهم‏.‏

قال فنزلنا بإزائهم‏.‏

قال فلما كان من الغد بادرت الروم نحونا‏.‏

قال الضحاك‏:‏ فلما رأيناهم وقد ركبوا أخذنا على أنفسنا وتأهبنا وأن خالدًا ركب وجعل يتخلل الصفوف‏:‏ ويقول‏:‏ اعلموا أنكم لستم ترون للروم جيشًا مثل هذا اليوم فإن هزمهم الله على أيديكم فما يقوم لهم بعدها قائمة أبدًا فأصدقوا في الجهاد وعليكم بنصر دينكم وإياكم أن تولوا الأدبار فيعقبكم ذلك دخول النار وأقرنوا المواكب ومكنوا المضارب ولا تحملوا حتى آمركم بالحملة وأيقظوا هممكم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ولقد بلغني ممن أثق به أن وردان لما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجمعوا وعولوا على حربهم جمع إليه الملوك والبطارقة وقال لهم‏:‏ يا بني الأصفر اعلموا أن الملك يعول عليكم وإذا انكسرتم لا تقوم لكم بعدها قائمة أبدًا وتملك العرب بلادكم وتسبي حريمكم فعليكم بالصبر ولتكن حملتكم واحدة ولا تتفرقوا واعلموا أن كل ثلاثة منا بواحد منهم واستعينوا بالصليب ينصركم فهذا ما كان من هؤلاء‏.‏

وأما خالد رضي الله عنه فإنه مشى على أصحابه وقال‏:‏ معاشر المسلمين من فيكما يحذر لنا القوم وينفرهم‏.‏

فقال ضرار بن الأزور‏:‏ أنا أيها الأمير‏.‏

فقال خالد‏:‏ أنت لها والله ولكن يا ضرار إذا أشرفت على القوم فإياك أن تحمل نفسك ما لا تطيق وأن تغزر بنفسك وتحمل على القوم فما أمرك الله بذلك فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 195‏]‏‏.‏ قال فأطلق ضرار عنان جواده حتى أشرف على جيش الروم فرأى أثاثهم وخيامهم وشعاع البيض والطوارق والرايات كأجنحة الطيور قال وكان وردان ينظر نحو جيش المسلمين إذ نظر إلى ضرار وهو مشرف على القوم فقال للبطارقة‏:‏ إني أرى فارسًا قد أقبل ولست أشك أنه طليعة القوم فأيكم يأتيني به فانتدب من القوم ثلاثين فارسًا طلبوا ضرارًا كلما نظر إليهم ضرار ولى من بين أيديهما فتبعوه وظنوا أنه قد انهزم وإنما أراد بذلك أن يبعدهم عن أصحابهم فلما بعدوا علم أنه تمكن منهم فلوى رأس جواده إليهما وصوب السنان عليهم فأول من طعن فارسًا من القوم أرداه وثنى على الآخر فأعدمه الحياة وصال فيهم صولة الأسد على الغنم ودخل رعبه في قلوبهم فولوا منهزمين فتبعهم وهو يصرع منهم فارسًا بعد فارس إلى أن صرع منهم تسعة عشر فارسًا‏.‏

فلما رأوا ذلك وقرب هو من جيوش الروم لوى راجعًا إلى خالد ومعه أسلابهم وخيولهم وأعلمه بما كان فقال له خالد‏:‏ ألم أقل لك لا تغزر بنفسك ولا تحمل عليهم فقال‏:‏ إن القوم طلبوني فخفت أن يراني الله منهزمًا فجاهدت بإخلاص ولا جرم أن الله ينصرنا عليهم والله لولا خوفي من ملامك لأحملن على الجميع‏.‏

واعلم أن القوم غنيمة لنا‏.‏

قال فرتب خالد عسكره ميمنة وميسرة وقلبًا وجناحين فجعل في القلب معاذ بن جبل وفي الميمنة عبد الرحمن بن أبي بكل الصديق وفي الميسرة سعيد بن عامر وفي الجناح الأيسر شرحبيل بن حسنة وفي الساقة يزيد بن أبي سفيان في أربعة آلاف فارس حول الحريم والبنات والأولاد ثم التفت إلى النسوة وهن عفراء بنت غفار الحميرية وأم أبان ابنة عتبة وكانت عروسًا قد تزوج بها في هذا اليوم أبان بن سعيد بن العاص والخضاب في يدها والعطر في رأسها وخولة بنت الأزور ومزروعة بنت عملوق وسلمة بنت زارع وغيرهن من النسوة ممن عرفن بالشجاعة والبراعة‏.‏

نصيحة خالد فقال لهن خالد‏:‏ يا بنات العمالقة وبقية التبابعة قد فعلتن فعلًا أرضيتن به الله تعالى والمسلمين وقد بقي لكن الذكر الجميل وهذه أبواب الجنة قد فتحت لكن وأبواب النار قد أغلقت عنكن وفتحت لأعدائكن واعلمن أني أثق بكن‏.‏

فإن حملت طائفة من الروم عليكن فقاتلن عن أنفسكن وإن رأيتن أحدًا من المسلمين قد ولى هاربًا فدونكن وإياه بالأعمدة وأرمين بولده وقلن له‏:‏ أين تولي عن أهلك ومالك وولدك وحريمك فإنكن ترضين بذلك الله تعالى‏.‏

فقالت عفراء بنت غفار‏:‏ أيها الأمير والله لا يفرحنا إلا أن نموت أمامك فلنضربن وجوه الروم ولنقاتلن إلى أن لا تبقى لنا عين تطرف والله ما نبالي إذا رمينا الروم كله قال فجزاهن خيرًا‏.‏

ثم عاد إلى الصفوف فجعل يطوف بينهم بفرسه ويحرض الناس على القتال وهو ينادي برفيع صوته‏:‏ يا معاشر المسلمين‏:‏ انصروا الله ينصركم وقاتلوا في سبيل الله واحتسبوا نفوسكم في سبيل الله ولا تحملوا حتى آمركم بالحملة ولتكن السهام إذا خرجت من كباد القسي كأنها من قوس واحدة‏.‏

فإذا تلاصقت السهام رشقًا كالجراد لم يخل أن يكون منها سهم صائب ‏{اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 200‏]‏‏.‏ واعلموا أنكم لم تلقوا بعد هذا عدوا مثله وأن هذه الفئة جملتهم وأبطالهم وملوكهم فجردوا السيوف وأوتروا القسي وفوقوا السهام‏.‏

ثم إن خالدًا أقبل ووقف في القلب مع عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر وقيس بن هبيرة ورافع بن عميرة وذي الكلاع الحميري وربيعة بن عامر ونظائرهم‏.‏

قال فلما نظر وردان إلى جيش المسلمين قد زحف زحفوا وكانوا ملء تلك الأرض في الطول والعرض من كثرتهم فترامى الجمعان وتلاقى الفريقان وقد أظهر أعداء الله الصلبان والأعلام ورفع المسلمون أصواتهم بالتهليل والتكبير والصلاة والسلام على البشير النذير‏.‏

فلما قرب القوم بعضهم من بعض خرج من علوج الروم شيخ كبير وعليه قلنسوة سوداء‏.‏

فلما قرب من المسلمين نادى بلسان عربي‏:‏ أيكم المقدم فليخاطبني وليخرج إلي وعليه أمان‏.‏

قال فخر إليه خالد بن الوليد‏.‏

فقال له القس‏:‏ أنت أمير القوم‏.‏

فقال خالد‏:‏ كذلك يزعمون ما دمت على طاعة الله وسنة رسوله وإن أنا غيرت أو بذلت فلا إمارة لي عليهم ولا طاعة‏.‏

قال القس‏:‏ بهذا نصرتم علينا ثم قال‏:‏ اعلم أنك توسطت بلادًا ما جسر ملك من الملوك أن يتعرض لها ولا يدخلها وأن الفرس دخلوها ورجعوا خائبين وأن التبابعة أتوها وأفنوا أنفسهم عليها وما بلغوا ما أرادوا ولكنكم أنتم نصرتم علينا وإن النصر لا يدوم لكم وصاحبي وردان قد أشفق عليكم وقد بعثني إليكم وقال‏:‏ إنه يعطي كل واحد منكم دينارًا وثوبًا وعمامة ولك أنت مائة دينارًا ومائة ثوب ومائة عمامة وارحل عنا بجيشكم فإن جيشنا على عدد الذر ولا تظن أن هؤلاء مثل من لقيت من جموعنا فإن الملك ما أنفذ في هذا الجيش إلا عظماء البطارقة والأساقفة‏.‏

قال خالد‏:‏ والله ما نرجع إلا بإحدى ثلاث خصال‏:‏ إما أن تدخلوا في ديننا أو تؤدوا الجزية أو القتال‏.‏

وأما ما ذكرت من أنكم عدد الذر فإن الله تعالى قد وعدنا النصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل ذلك في كتابه العزيز‏.‏

وأما ما ذكرت من أن صاحبكم يعطي كل واحد منا دينارًا وعمامة وثوبًا فعن قريب إن شاء الله نرى ثيابكم وبلادكم وعمائمكم كل ذلك في ملكنا وبأيدينا‏.‏

فقال الراهب‏:‏ إني راجع إلى صاحبي أخبره بجوابك ثم لوى راجعًا وأخبر وردان بما كان من جواب خالد‏.‏

فقال وردان‏:‏ أيظن أننا مثل من لقيه من قبل وإنما هؤلاء لحقهم الطمع إذ تقاصرنا عن قتالهم والملك قد أرسل إليهم أكابر البطارقة وما بيننا وبينهم إلا جولة الجائل ثم نتركهم صرعى ثم رتب أصحابه وزحف وقدم أمامه الرجالة صفا أمام القوم والخيالة وبأيديهم المزاريق والقسي‏.‏

قال فصاح معاذ بن جبل‏:‏ معاشر الناس إن الجنة قد زخرفت لكم والنار قد فتحت لأعدائكم والملائكة عليكم قد أقبلت والحور العين قد تزينت للقائكم فابشروا بالجنة السرمدية ثم قرأ ‏{‏إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 111‏]‏‏.‏ بارك الله فيكم الحملة‏.‏

فقال خالد‏:‏ مهلا يا معاذ حتى أوصي الناس ومشى في الصفوف ورتبها وقال‏:‏ اعلموا أن هؤلاء أضعافكم فطاولوهم إلى وقت العصر فإنها ساعة نرزق فيها النصر وإياكم أن تولوا الأدبار فيراكم الله منهزمين ازحفوا على بركة الله تعالى‏.‏

فلما تقارب الجمعان رمت الأروام سهامهم رمية واحدة‏.‏

قال فقتلوا رجالًا وجرحوا أناسًا وخالد قد منع الناس من الحملة‏.‏

فقال ضرار بن الأزور‏:‏ وما لنا والوقوف والحق سبحانه وتعالى قد تجلى علينا والله ما يظن أعداء الله إلا أننا قد فشلنا عنهم وجزعنا فأمرنا بالحملة حتى نحمل معك‏.‏

قال‏:‏ فأنت لها يا ضرار فخرج ضرار بن الأزور وقال‏:‏ والله ما من شيء أشهى إلى قلبي من ذلك‏.‏

ثم حمل ضرار وقد تدرع بدرع كان لبطرس أخي بولص وألقى الزرد على وجهه وركب جواده وكان عليه يومئذ جبتان من جلود الفيلة كان قد أخذهما أيضًا من بطرس وقد أخفى نفسه عن الروم بلباسه ذلك وقد أطلق عنانه وقوم سنانه وحمل في صفوف الروم فرشقوه بالسهام فلم يصل إليه منهم أذى وهو يخترق صفوفهم فما كان قدر ساعة حتى قتل من الروم عشرين فارسًا ومثلها رجالة‏.‏

قال عنان بن عوف النجبي‏:‏ كنت ممن يعد قتلى ضرار بن الأزور وكنت كلما قتل فارسًا من الروم أعده فكان جملة قتل ضرار في حملته هذه فرسانًا ورجالًا ثلاثين فارسًا‏.‏

قال عمر بن سالم‏:‏ هكذا حدثني نوفل بن زياد‏.‏

ثم إنه رمى البيضة عن رأسه والزرد عن وجهه ونادى بأعلى صوته‏:‏ أنا الموت الأصفر أنا ضرار بن الأزور أنا صاحبكم أنا قاتل همدان بن وردان أنا البلاء المسقط عليكم وعلى من أشرك بالرحمن‏.‏

قال فلما سمعت الروم كلامه عرفوه وتقهقروا إلى ورائهم‏.‏

قال فطمع فيهم وحمل على أثرهم فعند ذلك انطبقت عليهم الروم‏.‏

فقال وردان‏:‏ من هذا البدوي فقالوا‏:‏ أيها الملك هذا الذي بقي طول عمره عاري الجسد ومرة برمح ومرة بنبل‏.‏

فلما سمع ذلك وبذكر ضرار بن الأزور تنفس الصعداء وقال‏:‏ هذا قاتل ولدي ولقد اشتهيت من يأخذ منه بثأري وله مني ما يريد‏.‏

قال فبرز إليه بطريق وكان صاحب طبرية وقال لوردان‏:‏ أنا آخذ لك بالثأر ثم لوى عنانه وحمل على ضرار فجالا أكثر من ساعة ثم طعنه ضرار طعنة صادقة خرق بها كبد عدو الله فتجندل صريعًا فقال وردان لهم‏:‏ ما أتى به ولو أتى به عينا ما صدقته فإن هذا لا تطيق الإنس أن تقاتله وأنا ما أرى لهذا غيري ثم ترجل وغير لامته وألقى عليه درعًا وجعل على رأسه التاج وركب جوادًا من الخيول العربية وهم أن يخرج إلى ضرار بن الأزور فتقدم إليه بطريق اسمه اصطفان وهو صاحب عمان‏.‏

قال وباس ركاب وردان وقال‏:‏ أيها السيد إن آخذ بثأرك من هذا الذميم أو أسرته لك أتزوجني ابنتك فقال له وردان‏:‏ هي لك وأشهد عليه من حضر من ملوك الشام‏.‏

فلما سمع اصطفان بذلك خرج كأنه شعلة نار وحمل على ضرار وقال له‏:‏ ويلك قد نزل بك ما لا قدرة لك به‏.‏

قال فلم يدر ضرار ما يقول غير أنه أخذ حذره منه وقد أخرج اصطفان صليبًا من الذهب وجعله في عنقه في سلسلة من الفضة وجعل يقتله ويرفعه على رأسه فعلم ضرار أنه يستنصر به عليه فقال ضرار رضي الله عنه‏:‏ إن كنت تستنصر علي به فأنا استنصر بالقريب المجيب الذي هو ممن دعاه قريب‏.‏

ثم حمل عليه وأربًا الناس أبوابًا من الحرب حتى ضج الناس من قتالهما فصاح خالد‏:‏ يا ابن الأزور ما هذا التكاسل والتغافل والجنة قد فتحت لك والنار قد فتحت لأعدائك وإياك الكسل فإن الله عز وجل يعينك قال فأيقظ ضرار نفسه وانقض من سرجه وحمل على خصمه وتصايحت الروم بصاحبها تشجعه وكلاهما في ضرب عظيم ولد حميت الشمس وتعب الجوادان‏.‏

فأشار البطريق إلى ضرار أن ترجل حمى نتقابل فهم ضرار أن يترجل شفقة على الجواد وإذا بصفوف الروم قد خرجت ورجل يقود جنيبًا أمامهم وكان ذلك كلام البطريق فلما نظر إليه ضرار صاح في جواده وقال له‏:‏ اجلد معي ساعة وإلا شكوتك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ فحمحم الجواد وشمر أجنحته جريًا واستقبل ضرار غلام البطريق بطعنه فقتله وأخذ الجنيب فركبه وأطلق جواده نحو عساكر المسلمين فتناولوه وعاد ضرار نحو البطريق‏.‏

فلما رآه أقبل إليه بعد ما قتل غلامه وركب جواده أيقن عدو الله بالهلاك وعلم أنه إن ولى قتله بلا محالة وأن وقف أهلكه‏.‏

فلما نظر ضرار إلى عدو الله علم ما عنده فهجم عليه إذ نظر إلى الروم وقد خرج منهم كردوس وذلك أن وردان لما نظر إلى صاحبه وقد أشرف على الموت علم انه إن لم يدركه هلك فقال لقومه‏.‏

يا قوم إن هذا الشيطان قد أكل من كبدي قطعة وإذا لم أقتله قتلت نفسي ولا بد لي من الخروج إليه‏.‏

قال فخرج في عشرة من البطارقة وهم مدرعون وفي أرجلهم أخفاف من الحديد وسواعد من الحديد وبأيديهم أعمدة من الحديد ووردان قد لبس لامته وعلى رأسه تاج عظيم فخرجوا ووردان أمامهم كأنه شعلة نار ونظر أصطفان إلى من خرج فصرخ بضرار فلم يلتفت إلى من خرج إليه إلا أنه تأهب‏.‏

فبينما هم كذلك إذ نظر خالد إلى القوم وخروجهم ونظر إلى التاج وهو يلمع على رأس صاحبهم‏.‏

فقال‏:‏ إن التاج لا يكون إلا على رأس الملك ولا شك أنه صاحب القوم قد خرج إلى صاحبنا فما الذي يقعدنا عن نصرته ثم قال لأصحابه‏:‏ لا يخرج إلا عشرة حتى نساوي القوم فخرج خالد في عشرة من أصحابه وأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة قال ووصل الروم إلى ضرار فاستقبلهم بقلب أقوى من الحجر الجلمود قال فناداه خالد‏:‏ أبشر يا ضرار‏.‏

فقد أسعدك الجبار ولا تجزع من الكفار فقال ضرار رضي الله عنه‏:‏ ما أقرب النصر من الله وجاء خالد ومن معه والتقت الرجال بالرجال وانفرد كل واحد بصاحبه وطلب خالد وردان ولم يبرح ضرار عن خصمه اصطفان وقد كل ساعة وارتعدت فرائصه عندما نظر إلى خالد ومن معه فنظر يمينًا وشمالًا ليطلب الهرب فعلم ضرار منه ذلك فهجم عليه بسنانه فلما أيقن بالموت ألقى نفسه إلى الأرض وولى هاربًا فبادر إليه ضرار وألقى نفسه عن جواده وطلب عدو الله حتى لحقه وتقابضا على وجه الأرض وكان عدو الله كالصخر الجلمود وكان ضرار نحيف الجسم غير أن الله تعالى أعطاه قوة الإيمان‏.‏

فلما طال بهم العراك ضرب بيده إلى مراق بطنه وقلعه من الأرض بحيلة وجلد به الأرض فصاح عدو الله وجعل يستنجد بوردان وقال بالرومية‏:‏ أيها السيد انجدني مما أنا فيه فقد هلكت فصاح وردان‏:‏ يا ويلك ومن ينقذني أنا من هؤلاء السباع الكاسرة فسمع خالد ذلك فسمع فيه وحمل على وردان وهم ضرار بخصمه ونظر إليهما الفريقان وأقبل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار فلم يمهل على خصمه دون أن برك على صدره وذبحه مثل البعير وكل واحد مشتغل عن نصرة صاحبه‏.‏

قال فأخذ ضرار رأس عدو الله وهو ملطخ بالدماء وركب جواده وحملت الروم على المسلمين ونادى سعيد بن زيد‏:‏ يا معشر الناس اذكروا الوقوف بمن يدي الله الملك الجبار فإياكم أن تولوا الأدبار فتستوجبوا دخول النار يا أهل الإيمان يا حملة القرآن اصبروا‏.‏

قال فزاد الناس بقوله نشاطًا وتزاحم الفريقان‏.‏

قال‏:‏ وجاء وقت العصر فافترقوا وقد قتل من الروم ثلاثة آلاف وعشرة من ملوكهم ومنهم رومان صاحب الأميرة ودمر صاحب نوى وكوكب صاحب أرض البلقاء ولاوي بن حنا صاحب غزة‏.‏

قال ثم افترق القوم ورجع وردان إلى مكانه وقد امتلأ قلبه رعبًا مما ظهر له من المسلمين من شدة صبرهم وقتالهم‏.‏

فجمع البطارقة وقال لهم‏:‏ يا أهل دين النصرانية ما تقولون في هؤلاء العرب فإني أراهم غالبين علينا وقد رأيت أسيافهم قاطعة وخيلهم صابرة وسواعدكم بليدة وإن القوم أطوع منكم لربكم وما خذلتم إلا بالظلم والجور والغدر وما مرادي منكم إلا أن تتوبوا إلى ربكم فإن فعلتم ذلك رجوت لكم النصر من عدوكم وإن لم تفعلوا ذلك فأذنوا بحرب من المسيح وبهلاك أنفسكم فإن الله عاقبكم أشد عقوبة إذ سلط عليكم أقوامًا لا نفكر بهم ولا نعدهم لأن أكثرهم جياع وعبيد وعراة ومساكين أخرجهم إلينا قحط الحجاز وجوعه وشدة الضرر والبلاء والآن قد أكلوا من خبز بلادنا وفواكه أرضنا وأكلوا العسل والتين والعنب وأعظم ذلك سبي نسائكم وأموالكم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فلما سمع القوم ذلك بكوا وقالوا‏:‏ نقتل عن آخرنا ولا يصل إلينا هؤلاء القوم وإنا نرى أن نقاتلهم بالرماح‏.‏

قال فلما سمع وردان ذلك منهم صاح بالبطارقة وقال لهم‏:‏ ما عندكم من الرأي‏.‏

فقال رجل منهم‏:‏ يا وردان اعلم أنك قد بليت بقوم لا تقوم لقتالهم وقد رأيت الواحد منهم يحمل على عسكرنا ولا يبالي من أحد ولا يرجع حتى يقتل منهم وقد قال لهم نبيهم إن من قتل منكم صار إلى الجنة‏.‏

ومن قتل من الروم صار إلى النار والموت والحياة عندهم سواء وما أرى لكم من القوم مطمعًا إلا أن نتحيل على صاحبهم فنقتله فإن قتلتموه ينهزم القوم وإنك لا تصل إليه إلا بحيلة توقعه فيها‏.‏

فقال وردان‏:‏ وأي حيلة ندخل بها على القوم والحيل والخداع والمكر منهم‏.‏

‏.‏

فقال له البطريق‏:‏ أنا أقول لك شيئًا إن صنعته وصلت به إلى أمير العرب من حيث لا يصل إليك شيء ولا أذى وذلك أنك تنتخب عشرة من الفرسان من ذوي الشدة والبأس ويكمنون في مكمن من جهة العسكر قبل خروجك إليه وبعد ذلك تخرج إليه وتشاغله بالحديث ثم اهجم عليه وأخرج قومك يبادرون من المكمن ويقطعونه إربًا إربًا وتستريح منه وبعد ذلك تتفرق أصحابه ولا يجتمع منهم أحد‏.‏

قال فلما سمع وردان ذلك من البطريق فرح فرحًا عظيمًا‏.‏

وقال‏:‏ ما هذا إلا رأي سديد فنعم ما أشرت به وقد أصبت فيما ذكرت غير أن هذا الأمر يعمل في جنح الليل ولا يأتي الصباح إلا وقد فرغنا مما نريد ثم إن وردان دعا برجل من العرب المتنصرة اسمه داود وكان في سكنه‏.‏

وقال له‏:‏ يا داود أنا أعلم أنك فصيح اللسان وإني أريد أن تخرج إلى هؤلاء العرب وتسألهم أن يقطعوا الحرب بيننا وبينهم وقل لهم لا يخرجون لنا بكرة النهار حتى أخرج بنفسي إليهم منفردًا عن قومي ولعلنا نصطلح مع العرب‏.‏

فقال داود‏:‏ ويحك وتخالف أمر الملك هرقل فيما أمرك به من الحرب وتصطلح أنت والعرب فإن الملك ينسبك إلى الجزع والفزع وما كنت بالذي أخاطب العرب في ذلك أبدًا فيبلغ الملك أني كنت السبب في ذلك فيقتلني‏.‏

فقال له وردان‏:‏ يا ويلك إنما دبرت حيلة على أمير العرب حتى أصل بها إليه فأقتله وتتفرق هؤلاء العرب عنا ثم إنه حدثه بما عزم عليه من المكر بخالد بن الوليد‏.‏

فقال لوردان‏:‏ إن الباغي مخول في كل فعل فالق الجمع بالجمع واترك ما عزمت عليه فقال وردان وقد غضب‏:‏ ويلك أنت تعاندني فيما أمرتك به دع عنك المحاججة‏.‏

فقال‏:‏ حبًا وكرامة ثم إنه مضى وقال في نفسه‏:‏ إن وردان قد عزم أن يلحق بولده ثم أقبل حتى إنه وقف قريبًا من المسلمين ونادى برفيع صوته وقال‏:‏ يا معاشر العرب حسبكم من القتل وسفك الدماء فإن الله تعالى يسألكم عن سفكها وأريد أن يخرج إلي أمير العرب حتى أخاطبه بما أرسلت به‏.‏

قال فما استتم كلامه حتى خرج إليه خالد رضي الله عنه وهو كأنه شعلة نار‏.‏

فلما نظر إليه داود النصراني قال له‏:‏ يا عربي على رسلك فما خرجت أحارب ولا أنا من رجال الحرب وما أنا إلا رسول‏.‏

فلما سمع خالد مقالته قرب منه‏.‏

وقال‏:‏ أذكر مسألتك واستعمل الصدق تنج فمن صدق نجا ومن كذب هلك فقال‏:‏ صدقت يا عربي إن أميرنا وردان كاره سفك الدماء وقد رأى شدتكم ولا يريد حربكم وقد نظر إلى من قتل من جماعته فكره أن يحاربكم وقد رأى أن يدفع لكم مالًا ويحقن به دماء الناس لكن بشرط أن يكون بينك وبينه كتاب وتشهد عليك كبراء قومك أنك لا تتعرض له ولا لأحد من أصحابه ولا لحصن من حصونه فإن فعلت ذلك وثق بقولك وهو يسألك أن تقطع الحرب بقية يومك فإذا أصبحت فاخرج بنفسك ولا يكن معك أحد ويخرج هو أيضًا منفردًا فننظر ما تتفقان عليه عسى أن تحقنا دماء الناس بيننا وبينكم‏.‏

قال فلما سمع خالد ما نطق به داود قال له‏:‏ إن كان ما أخبر به صاحبكم يريد به حيلة أو مكيدة فنحن والله جرثومة الخداع وما مثلنا يأتي بحيلة ولا بخديعة فإن كان ذلك ضميره واعتقاده فما هو إلا قرب أجله وانقطاع عمره وهلاك جموعكم والانفصال بيننا وبينكم وإن كان ذلك حقًا من قوله فلست أصالحه إلا إذا أدى الجزية عن جماعته‏.‏

وأما المال فلست براغب فيه إلا على ما ذكرته لكم وعن قريب نأخذ أموالكم ونملك بلادكم‏.‏

فقال داود وقد عظم عليه كلام خالد‏:‏ ما يكون الأمر إلا كما ذكرت فإذا توافقتم كان الانفصال بيننا وها أنا راجع فأذكر له ما ذكرت ثم لوى راجعًا وقد امتلأ قلبه رعبًا من خالد وفزع منه فزعًا شديدًا ثم قال في نفسه‏:‏ صدق والله أمير العرب وأنا أعلم والله أن وردان أول مقتول ونحن من بعده وما لي إلا أن أصدق أمير العرب وآخذ لي ولأهلي منه أمانًا ثم رجع إلى خالد وقال له‏:‏ يا أمير إني قد أضمرت على سر وأريد أن أبديه لك لأني أعلم أن البلاد لكم إن وردان قد نوى على شيء فقال خالد‏:‏ وما هو فقال‏:‏ خذ لنفسك الحذر وكن مستيقظًا فإنه قد أضمر لك كيدًا ثم أخبره بالقصة من أولها إلى آخرها ثم قال لخالد‏:‏ أريد منك الأمان لي ولأهلي‏.‏

فقال خالد‏:‏ الأمان لك ولأهلك ولأولادك إن أنت لم تخبر القوم ولم تغدر قال داود‏:‏ لو أردت أن أغدر لما حدثتك‏.‏

فقال خالد‏:‏ وأين كمين القوم‏.‏

‏.‏

قال‏:‏ عند كثيب عن يمين عسكرهم ثم إنه خلاه ورجع وأعلم وردان ففرح وقال‏:‏ الآن أرجو أن يظفرني الصليب بهم ثم إنه دعا بعشرة من الأبطال وقال لهم‏:‏ امضوا رجالة وأكمنوا وأمرهم أن يفعلوا ما دبروه‏.‏

وأما خالد فإنه رجع فلقيه أمين الأمة أبو عبيدة فرآه ضاحكًا‏.‏

فقال‏:‏ يا أبا سليمان أضحك الله سنك ما الخبر فحدثه بما جرى‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ على ماذا عزمت قال‏:‏ عزمت أن أخرج إلى القوم وحدي‏.‏

فقال‏:‏ يا أبا سليمان لعمرك إنك لكفء ولكن ما أمرك الله أن تلقي بنفسك إلى التهلكة والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 60‏]‏‏.‏ وقد أعد لك عشرة وهو حادي عشر وما آمن عليك من اللعين ولكن اندب له رجالة كما ندب لك رجالة ويكمنون قريبًا من القوم فإذا صرخ اللعين بقومه فاصرخ أنت بقومك ونكون نحن متأهبين على خيولنا فإذا فرغت من عدو الله حملنا جميعًا ونرجو من الله النصر ثم قال‏:‏ والمسلمون هم رافع بن عميرة الطائي ومعاذ بن جبل وضرار بن الأزور وسعيد بن زيد وقيس بن هبيرة وميسرة بن مسروق العبسي وعدي بن حاتم حتى استتم العشرة وأخبرهم خالد بما قد عزم عليه الروم من الحيلة والمكيدة التي قد دبرها وردان‏.‏

وقال‏:‏ اخرجوا رجالة بحيث لا يدري بكم أحد حتى إنكم تأتون الكثيب الذي عن يمين العسكر فأكمنوا هناك فإذا صرخت بكم فبادروا وانفروا للقوم كل واحد لواحد واتركوني لعدو الله فإنني إن شاء الله تعالى كفء له فقال ضرار‏:‏ أيها الأمير أخاف أن يكثر عليك الجمع الكثير فلا نأمن أن يصلوا بشرهم إليك وقد كنت أدبر لك حيلة أننا نسير من وقتنا هذا إلى مكمن القوم فإذا وجدناهم رقودًا قتلناهم وفرغنا منهم قبل الصباح ونكمن نحن في مواضعهم فإذا خلوت أنت بعدو الله خرجنا عليكم بغير مقالة‏.‏

فقال خالد‏:‏ افعل يا أبا الأزور ما ذكرت إن وجدت إلى ذلك سبيلًا وخذ معك هؤلاء الذين ندبتهم وأنت الأمير عليهم وأرجو أن الله يبلغك ما تطلبه وخرج هو وأصحابه في جنح الليل رجالة وبأيديهم أسلحتهم وودعوا الناس وكان وقت خروجهم قد مضى ثلث الليل ثم سار ضرار حتى وصل الكثيب فأوقف أصحابه وقال‏:‏ على رسلكم حتى أستخبر لكم خبر القوم‏.‏

فلما أشرف عليهم من بعيد سمع غطيطهم وهم نيام سكرى غرقوا في النوم لما نالهم من التعب والنصب وقد أمنوا من أحد ينظرهم‏.‏

فقال ضرار في نفسه‏:‏ إن أنا دنوت من القوم لأقتلهم خشيت أن يوقظ بعضهم بعضًا‏.‏

قال فرجع إلى أصحابه وقال لهم‏:‏ أبشروا فقد أتاكم الله بما تريدون وأذهب عنكم ما تحذرون فجردوا سيوفكم وسيروا إلى القوم فاقتلوهم كيف شئتم ثم تقدم ضرار أمامهم وهم في أثره إلى أن وصل بهم إليهم فوجدهم نيامًا كل واحد منهم سلاحه عند رأسه فانفرد كل واحد منهم بواحد فلم يلبثوا إلا وقد فرغوا منهم عن آخرهم وأخذ كل واحد سلاح غريمه وأخذوا كل ما معهم من الزاد وغيره فقال لهم ضرارًا‏:‏ أبشروا فإن هذا أول النصر إن شاء الله تعالى وأقبلوا بقية ليلتهم يصلون ويدكون الله أن ينصرهم على عدوهم ولم يزل كل واحد منم في مصلاه إلى أن أضاء الفجر فصلوا صلاة الفجر‏.‏

فلما فرغوا من الصلاة لبس كل واحد ثياب غريمه ولباسه وغيبوا القتلى مخافة أن يرسل إليهم وردان خبرًا‏.




يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** Empty
مُساهمةموضوع: رد: ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين**   ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** I_icon_minitimeالإثنين يونيو 06, 2011 4:40 pm


معركة أجنادين

قال الواقدي‏:‏ فلما أصبح الصباح صلى خالد بالناس ورتب أصحابه لأهبة الحرب فبينما هم كذلك إذ خرج من القلب فارس وقال‏:‏ يا معاشر العرب أريد أميركم ليخرج إلى صاحبنا وردان لننظر ما يتفقان عليه من أمر الجيشين وحقق الدماء بينهما‏.‏

قال فخرج إليه خالد بن الوليد‏.‏

فقال له الفارس‏:‏ إن وردان يريد أن تنتظره حتى تتكلم معه‏.‏

فقال خالد‏:‏ السمع والطاعة ارجع وأخبره فعند ذلك خرج وردان وقد تزين بقلادة جوهر وعلى رأسه تاج‏.‏

فقال خالد عندما رآه‏:‏ هذه غنيمة للمسلمين إن شاء الله تعالى‏.‏

قال فلما نظر عدو الله إلى خالد ترجل عن جواده وكذلك خالد وجلس كلاهما وقد جعل عدو الله سيفه على فخذه فقال له خالد‏:‏ قل ما تشاء واستعمل الصدق والزم طريق الحق وأعلم أنك جالس بين يدي رجل لا يعرف الحيل‏.‏

فقل‏:‏ ما تريد‏.‏

فقال وردان‏:‏ يا خالد اذكر لي ما الذي تريدون وقرب الأمر بيني وبينكم فإن كنت تطلب منا شيئًا فلا نبخل به عليك صدقة منا عليكم لأننا ليس عندنا أمة أضعف منكم وقد علما أنكم كنتم في بلاد قحط وجوع تموتون جوعًا فاقنع منا بالقليل وارحل عنا‏.‏

فلما سمع منه خالد هذا الكلام قال له‏:‏ يا كلب الروم إن الله عز وجل أغنانا عن صدقاتكم وأموالكم وجعل أموالكم نتقاسمهما بيننا وأحل لنا نساءكم وأولادكم إلا أن تقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وإن أبيتم فالحرب بيننا وبينكم أو الجزية عند يد وأنتم صاغرون وبالله أقسم إن الحرب أشهى لنا من الصلح‏.‏

وأما قولك يا عدو الله لم لكن أمة أضعف منا عندكم فأنتم عندنا بمنزلة الكلاب وإن الواحد منا يلقي ألفًا منكم بعون الله تعالى وما هذا خطاب من يطلب الصلح فإن كنت ترجو أن تصل إلي بانفرادي عن قومي وقومك فدونك وما تريد‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع وردان مقالات خالد وثب من مكانه من غير أن يجرد سيفه وتشابكا وتقابضا وتعانقا‏.‏

قال‏:‏ فصاح عدو الله عندما وثق من خالد وقال لأصحابه‏:‏ بادروا الآن الصليب قد مكنني من أمير العرب فما استتم كلامه حتى بادر إليه الصحابة كأنهم عقبان يتقدمهم ضرار بن الأزور وقد رموا النشاب عنهم وجردوا سيوفهم وضرار عاري الجسد بسراويله قابض على سيفه وهو يزأر كالأسد وأصحابه من ورائه فالتفت عدو الله ونظر إلى القوم وهم يتسابقون إليه وهو يظن أنهم قومه حتى أنهم وصلوا إليه ونظر في أوائلهم ضرار بن الأزور‏.‏

فقال لخالد‏:‏ سألتك بحق معبودك أن تقتلني أنت بيدك ولا تدع هذا الشيطان يقتلني‏.‏

فقال خالد‏:‏ هو قاتلك لا محالة فهز ضرار سيفه وقال‏:‏ يا عدو الله أين خديعتك من خديعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال خالد‏:‏ اصبر يا ضرار حتى آمرك بقتله ثم وصل إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهزوا سيوفهم في وجهه ومرادهم أن يقتلوه ونظر عدو الله إلى ما دهمه فوقع إلى الأرض وهو يشير بإصبعه الأمان الأمان‏.‏

فقال خالد‏:‏ يا عدو الله لا نعطي الأمان إلا لأهل الأمان وأنت أظهرت لنا المكر والخديعة ‏{‏والله خير الماكرين‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 4‏5]‏‏.‏ فلما سمع ضرار كلام خالد لم يمهله دون أن ضربه على عاتقه فخرج السيف يلمع من علائقه ثم أخذ التاج من على رأسه‏.‏

وقال‏:‏ من سبق إلى شيء كان أولى به ولد أدركته سيوف المجاهدين فقطعوه إربًا إربًا وتبادروا إلى سيفه فأخذوه ثم إن خالدًا قال لأصحابه‏:‏ إني أريد أن تحملوا على الروم لأنهم مشتاقون إلى أصحابهم‏.‏

قال فأخذوا رأس عدو الله وردان وتوجهوا نحو عسكر الروم‏.‏

فلما وصل خالد الصفوف نادى‏:‏ يا أعداء الله هذا رأس صاحبكم وردان‏.‏

‏.‏

أنا خالد بن الوليد أنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنه رمى الرأس وحمل عليهم وحمل المسلمون‏.‏

فلما رأى الروم رأس وردان ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار ولم يزل السيف يعمل فيهم من وقت الصباح إلى الغروب‏.‏

قال عامر بن الطفيل الدوسي‏:‏ كنت مع أبي عبيدة ونحن نتبع المنهزمين إلى طريق غزة إذ أشرف علينا خيل فظننا أنها نجدة من عند الملك هرقل فأخفنا على أنفسنا وإذا بالغبرة قد قربت منا فإذا هي عسكر قد أرسلها أبو بكر قال الواقدي‏:‏ وكان الروم بأجنادين تسعين ألفًا فقتل منهم في ذلك اليوم خمسون ألفًا وتفرق من بقي منهم فمنهم من انهزم إلى دمشق ومنهم من انهزم إلى قيسارية وغنم المسلمون غنيمة لم يغنم مثلها وأخذوا منهم صلبان الذهب والفضة فجمع خالد ذلك كله مع تاج وردان إلى وقت القسمة وقال خالد‏:‏ لست أقسم عليكم شيئًا إلا بعد فتح دمشق إن شاء الله تعالى وكانت الوقعة بأجنادين لليلة ست خلت من جمادى الأول سنة ثلاث عشرة من الهجرة النبوية وذلك قبل وفاة أبي بكر بثلاث وعشرين ليلة ثم إن خالدًا رضي الله عنه كتب كتابًا إلى أبي بكر يقول فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد المخزومي إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام عليك‏.‏

أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأزيد حمدًا وشكرًا على المسلمين ودمارًا على المتكبرين المشركين وانصداع بيعتهم وإنا لقينا جموعهم بأجنادين وقد رفعوا صلبانهم وتقاسموا بدينهم أن لا يفروا ولا ينهزموا‏.‏

‏.‏

‏.‏

فخرجنا إليهم واستعنا بالله عز وجل متوكلين على الله خالقنا فرزقنا الله الصبر والنصر وكتب الله على أعدائنا القهر فقاتلناهم في كل واد وسبسب وجملة من أحصيناهم ممن قتل من المشركون خمسون ألفًا وقتل من المسلمين في اليوم الأول والثاني أربعمائة وخمسون رجلًا ختم الله لهم بالشهادة منهم عشرون رجلًا من الأنصار ومن أهل مكة ثلاثون رجلًا ومن حمير عشرون والباقي من أخلاط الناس ويوم كتبت لك الكتاب كان يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الآخر ونحن راجعون إلى دمشق إن شاء الله تعالى فادع لنا بالنصر والسلام عليك وعلى جميع المسلمين ورحمة الله وبركاته وطوى الكتاب وسلمه إلى عبد الرحمن بن حميد وأمره بالمسير إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام وسار خالد بالمسلمين طالب دمشق‏.‏

قال الواقدي رحمة الله عليه‏:‏ ولقد بلغني أن أبا بكر الصديق كان يخرج كل يوم بعد صلاة الفجر إذ أقبل عبد الرحمن بن حميد‏.‏

فلما رآه تسابقت إليه أصحابه وقالوا له‏:‏ من أين أقبلت قال‏:‏ من الشام وإن الله قد نصر المسلمين فسجد أبو بكر الصديق لله شكرًا وأقبل عبد الرحمن ابن حميد إلى أبي بكر وقال‏:‏ يا خليفة رسول الله ارفع رأسك فقد أقر الله عينك بالمسلمين فرفع أبو بكر رأسه وقرأ الكتاب سرًا فلما فهم ما فيه قرأه على المسلمين جهرًا فتزاحم الناس يسمعون قراءة الكتاب فشاع الخبر في المدينة فهرعت الناس من كل مكان فقرأه أبو بكر ثاني مرة وتسامع الناس من أهل مكة والحجاز واليمن بما فتح الله على أيدي المسلمين وما ملكوا من أموال الروم فتسابقوا بالخروج إلى الشام ورغبوا في الثواب والأجر وأقبل إلى المدينة من أهل مكة وأكابرهم بالخيل والرماح وفي أوائلهم أبو سفيان والغيداق بن وائل وأقبلوا يستأذنون أبا بكر في الخروج إلى الشام فكره عمر بن الخطاب خروجهم إلى الشام وقال لأبي بكر‏:‏ لا تأذن للقوم فإن في قلوبهم حقائد وضغائن والحمد لله الذي كانت كلمته هي العليا وكلمتهم هي السفلى وهم على كفرهم وأرادوا أن يطفوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ونحن مع ذلك نقول‏:‏ ليس مع الله غالب‏.‏

فلما أن أعز الله ليننا ونصر شريعتنا أسلموا خوفًا من السيف فلما سمعوا أن جند الله قد نصروا على الروم أتونا لنبعث بهم إلى الأعداء ليقاسموا السابقين الأولين والصواب أن لا نقربهم‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ لا أخالف لك قولًا ولا أعصي لك أمرًا‏.‏

قال وبلغ أهل مكة ما تكلم به عمر بن الخطاب فأقبلوا جمعهم إلى أبي بكر الصديق في المسجد فوجدوا حوله جماعة من المسلمين وهم يتذاكرون ما فتح الله على المسلمين وعمر بن الخطاب عن يساره وعلي بن أبي طالب عن يمينه والناس حوله فأقبلت قريش إلى أبي بكر فسلموا عليه وجلسوا بين يديه وتشاوروا فيمن يكون أولهم كلامًا فكان أول من تكلم أبو سفيان بن حرب فأقبل على عمر بن الخطاب وقال‏:‏ يا عمر كنت لنا مبغضًا في الجاهلية فلما هدانا الله تعالى إلى الإسلام هدمنا ما كان في قلوبنا لأن الإيمان يهدم الشرك وأنت بعد اليوم تبغضنا فما هذه العداوة يا ابن الخطاب قديمًا وحديثًا أما آن لك أن تغسل ما بقلبك من الحقد والتنافر وإنا لنعلم أنك أفضل منا وأسبق في الإيمان والجهاد ونحن عارفون بمرتبتكم غير منكرين‏.‏

قال‏:‏ فسكت عمر رضي الله عنه واستحى من هذا الكلام‏.‏

فقال أبو سفيان‏:‏ إني أشهدكم أني قد حبست نفسي في سبيل الله وكذلك تكلم سادات مكة‏.‏

فقال أبو بكرة اللهم بلغهم أفضل ما يؤملون واجزهم بأحسن ما يعملون وارزقهم النصر على عدوهم ولا تمكن عدوهم فيهم ‏{‏إنك على كل شيء قدير‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 26‏]‏‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فما تقدمت أيام قلائل حتى جاء جمع من اليمن وعليهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي رضي الله عنه يريد الشام فما لبثوا حتى أقبل مالك بن الأشتر النخعي رضي الله عنه فنزل عند الإمام علي رضي الله عنه بأهله وكان مالك يحب سيدنا عليًا وقد شهد معه الوقائع وخاض المعامع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عوم على الخروج مع الناس إلى الشام‏.‏

كتاب أبو بكر إلى خالد قال الواقدي‏:‏ واجتمع بالمدينة نحو تسعة آلاف فلما تم أمرهم كتب أبو بكر كتابًا إلى خالد بن الوليد يقول فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر خليفة رسول الله إلى خالد بن الوليد ومن معه عن المسلمين‏.‏

أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأوصيكم وآمركم بتقوى الله في السر والعلانية وقد فرحت بما أفاء الله على المسلمين من النصر وهلاك الكافرين وأخبرك أن تنزل إلى دمشق إلى أن يأذن الله بفتحها على يدك فإذا تم لك ذلك فسر إلى حمص وأنطاكية والسلام عليك وعلى من معك من المسلمين ورحمة الله وبركاته وقد تقدم إليك أبطال اليمن وأبطال مكة ويكفيك ابن معد يكرب الزبيدي ومالك بن الأشتر وانزل على المدينة العظمى أنطاكية فإن بها الملك هرقل فإن صالحك فصالحه وإن حاربك فحاربه ولا تدخل الدروب وأقول هذا وإن الأجل قد قرب ثم كتب‏:‏ ‏{‏كل نفس ذائقة الموت‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 185‏]‏‏.‏ ثم ختم الكتاب وطواه ودفعه إلى عبد الرحمن وقال له‏:‏ أنت كنت الرسول من الشام وأنت ترد الجواب فأخذه عبد الرحمن وسار على مطيته يطوي المنازل والمناهل إلى أن وصل إلى دمشق‏.‏




فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** Empty
مُساهمةموضوع: رد: ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين**   ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** I_icon_minitimeالإثنين يونيو 06, 2011 4:42 pm


إلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى دمشق

قال‏:‏ حدثني نافع بن عميرة قال‏:‏ لما بعث خالد بن الوليد الكتاب إلى أبي بكر الصديق ارتحل يريد دمشق وكان أهلها قد سمعوا بقتل بطريقهم وأبطالهم وانهزام جيوشهم ومن أرسلهم الملك بأجنادين فخافوا وتحصنوا بدمشق وأعدوا آلة الحصار ورفعوا السيوف والطوارق وعلوا على الأسوار ونشروا الأعلام والصلبان فلما أخذوا على أنفسهم أشرف عليهم الأمير خالد بن الوليد والجيش قد زاد عمرو بن العاص في تسعة آلاف ويزيد بن أبي سفيان في ألفين وشرحبيل بن حسنة وعامر بن ربيعة في ألفين وأقبل السواد من ورائهم معاذ بن جبل في ألفين فلما رأى أهل دمشق عسكر المسلمين مثل البحر الزاخر أيقنوا بالهلاك وأقبل خالد في جيش الزحف فنزل على الدير المعروف به وبينه وبين المدينة أقل من ميل فلما نزل هناك دعا بالأمراء فأحضرهم فقال لأبي عبيدة‏:‏ أنت تعلم ما ظهر لنا من غدر هؤلاء القوم عند انصرافنا عنهم وخروجهم في أثرنا فامض بمن معك من أصحابك وانزل بهم على باب الجابية ولا تسمح للقوم بالأمان فيأخذوك بمكرهم ولتكن متباعدًا عن الباب وابعث إليهم فوجًا بعد فوج واجعل قتال الناس دولًا ولا يضق صدرك من كثرة المقام ولا تبرح من مكانك واحفر من القوم الكافرين‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ حبًا وكرامة ثم إنه خرج حتى نزل بباب الجابية ونصب له بيتًا من الشعر بالبعد من الباب‏.‏

حول دمشق قال الواقدي‏:‏ حدثني مسلمة بن عوف عن سالم بن عبد الله عن حجاج الأنصاري‏.‏

قال‏:‏ قلت لجدي رفاعة بن عاصم وكان ممن قاتل بدمشق وكان في خيل أبي عبيدة فقلت‏:‏ يا جداه ما منع أبا عبيدة أن ينصب له قبة من بعض قبب الروم مما أخذه من أجنادين ومن بصرى فقد كان عندهم ألوف من ذلك فقال‏:‏ يا بني منعهم من ذلك التواضع ولم يتنافسوا في زينة الدنيا وملكها حتى ينظروا الروم أنهم لا يقاتلون طلبًا للملك وإنما يقاتلون رجاء ثواب الله تعالى وطلب الآخرة ونصرة للدين ولقد كنا ننزل فننصب خيامنا وخيام الروم بالبعد‏.‏

قال‏:‏ فلما نزل أبو عبيدة على باب الجابية أمر أصحابه بالقتال‏.‏

ثم إن خالدًا استدعى بيزيد بن أبي سفيان وقال له‏:‏ يا يزيد خذ صاحبك وانزل على الباب الصغير واحفظ قومك وإن خرج إليك أحد لا يكون لك به طاقة فابعث إلي حتى أنجدك إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم استدعى بشرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له‏:‏ انزل على باب توما‏.‏

ثم توجه بقومه واستدعى بعمرو بن العاص وأمره أن يسير إلى باب الفراديس‏.‏

ثم استدعي بعده بقيس بن هبيرة وقال له‏:‏ أذهب بقومك إلى باب الفرج‏.‏

ثم نزل خالد إلى الباب الشرقي‏.‏

ودعا بضرار بن الأزور رضي الله عنه وضم إليه ألفي فارس وقال له تطوف حول المدينة بعسكرك وإن دهمك أمر أو لاحت لك عيون القوم فأرسل إلينا‏.‏

قال ثم سار ضرار واتبعه قومه وبقي خالد على الباب الشرقي‏.‏

ثم قدم عبد الرحمن بن حميد من المدينة بكتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعدل إلى ناحية خالد بن الوليد على الباب الشرقي وقد تقدم للقتال طائفة من أصحابه مع رافع بن عميرة‏.‏

فلما رفع إليه الكتاب فرح بعد أن قرأه على المسلمين واستبشر بقدوم عمرو بن معد يكرب الزبيدي وأبي سفيان بن حرب‏.‏

قال وشاع الخبر عند جميع الناس وبعث خالد كتاب أبي بكر إلى كل باب فقرئ على الناس وبات الناس متأهبين للحرب يتحارسون إلى الصباح وضرار يطوف حولهم ولا يقف في مكان واحد مخافة أن يكبس بهم العدو‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ولقد بلغني أن أهل دمشق اجتمعوا إلى كبارهم من البلد وتشاوروا فيما بينهم‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ ما لنا إلا الصلح ونعطي العرب جميع ما طلبوه منا وقال آخرون‏:‏ ما نحن بأكثر من جموع أجنادين‏.‏

فقال لهم بطريق من الروم‏:‏ اطلبوا لنا صهر الملك توما نتشاور في هذا الأمر لنسمع ما يقول في نطلب منه أن يكشف عنا ما نحن فيه فإما أن يصالحهم وإما أن يحامي عنا‏.‏

قال فمضى القوم إلى توما وعليه رجال موكلون بالسلاح فأقالوا لهم‏:‏ ما الذي تريدون فقالوا‏:‏ نريد صهر الملك توما نشاوره في هذا الأمر‏.‏

قال فأفنوا لهم فدخلوا عليه وقتلوا الأرض بين يديه‏.‏

فقال لهم‏:‏ ما التي تريدون فقالوا‏:‏ أيها السيد انظر ما نزل ببلادنا وقد جاءنا ما لا طاقة لنا به‏.‏

في ما أن نصالح العرب على ما طلبوا‏.‏

وإما أن نرسل إلى الملك فينجدنا أو يمانع عنا فقد أشرفنا على الهلاك فلما سمع ذلك منهم تبسم ضاحكًا وقال‏:‏ يا ويلكم أطمعتم العرب فيكم وحق رأس الملك ما أرى القوم أهلًا للقتال ولا هم خاطرون لي على بال فلو فتح لهم الباب ما جسروا أن يدخلوا‏.‏

فقالوا‏:‏ أيها السيد إن أكبرهم وأصغرهم يقاتل العشرة والمائة وصاحبهم داهية لا تطاق‏.‏

فإن كافي ولا بد فاخرج بنا لقتالهم فقال لهم توما‏:‏ إنكم أكثر منهم ومدينتنا حصينة ولكم مثل هذا العدد والسلاح وأما القوم فهم حفاة عراة فقالوا له‏:‏ أيها السيد إن معهم من عددنا وأسلحتنا كثيرًا مما أخذوه من واقعة فلسطين ومما أخذوه من بصرى ومن يوم لقائهم بكلوس وعزازير ومما أخذوه عن أجنادين وأيضًا إن نبيهم قال لهم‏:‏ إن من قتل منا صار إلى الجنة فلأجل ذلك يبقون عراة الأجساد ليصلوا إلى ما قال لهم نبيهم‏.‏

قال فضحك عن مولهم وقال لهم‏:‏ لأجل ذلك أطمعتم العرب فينا ولو صدقتم في الحرب والصدام لقتلتموهم لأنكم أضعافهم مرارًا‏.‏

فقالوا‏:‏ أيها السيد اكفنا مؤونتهم كيف شئت واعلم أنك إن لم تمنعهم عنا فتحنا لهم الأبواب وصالحناهم‏.‏

فلما سمع توما كلامهم فكر طويلًا وخشي أن يفعل القوم ذلك‏.‏

فقال‏:‏ أنا أصرف عنكم هؤلاء العرب اقتل أميرهم وأريد منكم أن تقاتلوا معي‏.‏

قالوا‏:‏ نحن معك وبين يديك نقاتل حتى نهلك عن آخرنا‏.‏

فقال لهم‏:‏ باكروا القوم بالقتال فانصرفوا عنه وهم له شاكرون ولأمره منتظرون وباتوا بقية ليلتهم على الحصن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواضعهم ولهم ضجة بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وخالد بن الوليد عند الدير ومعه النساء والعيال والأموال والغنائم التي غنموها من أعدائهم ورافع بن عميرة على الباب الشرقي في عسكر الزحف وغيرهم ولم يزل الناس في الحرس إلي أن برق الصباح وصلى كل أمير بمن معه من قومه وصلى أبو عبيدة بمن معه‏.‏

ثم أمر أصحابه بالزحف وقال لهم‏:‏ لا تخلوا عن القتال واركبوا الخيل‏.‏

حدثني رفاعة بن قيس قال‏:‏ سألت والذي قيسا وكان ممن حضر فتوح دمشق الشام فقلت له‏:‏ أكنتم تقاتلون في دمشق خيالة أو رجالة يوم حصار المسلمين قال‏:‏ ما كان أحد منا فارسًا إلا زهاء ألفي فارس مع ضرار بن الأزور وهو يطوف بهم حول العسكر وحول المدينة وكلما أتى بابًا من الأبواب وقف عنده وحرض أهله على القتال وهو يقول صبرًا صبرًا لأعداء الله‏.‏

قال وأقبل توما صهر الملك هرقل من بابه الذي يدعى باسمه وكان عندهم عابدًا راهبًا ولم يكن في بلاد الشرك أعبد منه ولا أزهد في دينهم وكان معظمًا عند الروم فخرج ذلك اليوم من قصره والصليب الأعظم على رأسه وعلا به فوق البرج وأوقف البطارقة حوله والإنجيل تحمله ذوو المعرفة قال ونصبوه بالقرب من الصليب ورفع القوم أصواتهم وتقدم توما ووضع يده على أسطر من الإنجيل‏.‏

وقال‏:‏ اللهم إن كنا على الحق فانصرنا ولا تسلمنا لأعدائنا واخذل الظالم منا فإنك به عليم اللهم إننا نتقرب إليك بالصليب ومن صلب على دينه وأظهر الآيات الربانية والأفعال اللاهوتية انصرنا على هؤلاء الظالمين‏.‏

قال وأمن الناس على دعائه‏.‏

قال رفاعة بن قيس‏:‏ هكذا حدثني شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي فسر لنا هذا الكلام روماس صاحب بصرى وكان في جيش شرحبيل بن حسنة يقاتل على باب توما وكلما قال الروم شيئًا بلغتهم فسره لنا‏.‏

قال ونهض شرحبيل وقصد الباب بحملته وقد عظم عليه قول توما اللعين وقال له‏:‏ يا لعين لقد كذبت إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب أحياه متى شاء ورفعه متى شاء‏.‏

ثم إن روماس ناوشه بالقتال فقاتل توما قتالًا شديدًا وهشم الناس بالحجارة ورمى النشاب رميًا متداركًا فجرح رجالًا وكان ممن جرح أبان بن سعيد بن العاص أصابته نشابة وكانت مسمومة فأحس بلهيب السم في بدنه فتأخر وحمله إخوانه إلى أن أتوا به إلى العسكر فأرادوا حل العمامة‏.‏

فقال‏:‏ لا تحلوها فان حللتم جرحي تبعتها روحي أما والله لقد رزقني الله ما كنت أتمناه‏.‏

قال فلم يسمعوا قوله وحلوا عمامته‏.‏

فلما حلوها شخص إلى السماء وصار يشير بإصبعيه أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله هنا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون فما استتمها حتى توفي إلى رحمة الله تعالى‏.‏

بطولة المرأة وكانت زوجته بنت عمه وكان قد تزوجها بأجنادين وكانت قريبة العهد من العرس ولم يكن الخضاب ذهب من يدها ولا العطر من رأسها وكانت من المترجلات البازلات من أهل بيت الشجاعة والبراعة فلما سمعت بموت بعلها أتته تتعثر في أذيالها إلى أن وقعت عليه فلما نظرته صبرت واحتسبت ولم يسمع منها غير قولها هنئت بما أعطيت ومضيت إلى جوار ربك الذي جمع بيننا ثم فرق ولأجهدن حتى ألحق بك فإني لمتشوقة إليك حرام علي أن يمسني بعدك أحد وإني قد حبست نفسي في سبيل الله عسى أن ألحق بك وأرجو أن يكون ذلك عاجلًا ثم حفر له دفن مكانه فقبره معروف وصلى عليه خالد بن الوليد فلما غيب في التراب لم تقف على قبره دون أن أتت إلى سلاحه ولحقت الجيش من غير أن تعلم خالدًا بذلك وقالت‏:‏ على أي باب قتل بعلي فقيل لها‏:‏ على باب توما والذي قتله هو صهر الملك قال فسارت إلى أصحاب شرحبيل بن حسنة فاختلطت بهم وقاتلت مع الناس قتالًا لم ير مثله وكانت أرمى الناس بالنبل وكان قد جعل لها قوس وكنانة‏.‏

قال شرحبيل بن حسنة‏:‏ رأيت يوم حصار دمشق رجلًا على باب توما يحمل الصليب وهو أمام توما وهو يشير إليه القهم انصر هذا الصليب ومن لاذ به اللهم أظهر له نصرته وأعل درجته قال شرحبيل بن حسنة‏:‏ وأنا دائمًا أنظر إليه إذ رمته زوجة أبان بنبلة فلم تخطئ رميتها وإذا بالصليب قد سقط من يده وهوى إلينا وكأني أنظر لمعان الجوهر من جوانبه فما فينا إلا من بادر إليه ليأخذه وقد استتر بالدرق وتزاحم بعضنا على بعض كل منا يسبق إليه ليأخذه ونظر عدو الله توما إلى ذلك من تنكس الصليب الأعظم وإهوائه إلى المسلمين فعند ذلك كفر وعظم عليه الأمر وقال‏:‏ يبلغ الملك أن الصليب الأعظم أخذ مني وملكته العرب لا كان ذلك أبدًا ثم إنه حزم وسطه وأخذ سيفه وقال‏:‏ من شاء منكم فليتبعني ومن شاء فليقعد فلا بد لي من القوم عسى أن أشفي صدري ثم انحدر مسرعًا وأمر بفتح الباب وكان هو أول مبادر‏.‏

فلما نظرت الروم إلى ذلك لم يكن فيهم إلا من انحدر في أثره لما يعلمون من شجاعته وخرجوا كالجراد المنتشر‏.‏

هذا والمسلمون محيطون بالصليب فلما خرج الروم ووقع صياحهم حذر الناس بعضهم بعضًا فلما نظر المسلمون إلى الروم سلموا الصليب إلى شرحبيل بن حسنة وانفردوا لأعدائهم وحملوا في أعراضهم وأخذهم النشاب والحجارة ومن كل مكان من أعلى الباب فصاح شرحبيل بن حسنة‏:‏ معاشر المسلمين تقهقروا إلى ورائكم لتأمنوا النشاب من أعداء الله العالين على الباب قال فتقهقر الناس إلى ورائهم إلى أن أمنوا من ضرب النشاب فاتبعهم عدو الله توما وهو يضرب يمينًا وشمالًا وحوله أبطال المشركين من قومه وهو يهدر كالجمل‏.‏

فلما نظر شرحبيل بن حسنة ذلك صرخ بقومه وقال‏:‏ معاشر الناس كونوا آيسين من آجالكم طالبين جنة ربكم وأرضوا خالقكم بفعلكم‏.‏

فإنه لا يرضى منكم بالفرار ولا أن تولوا الأدبار فاحملوا عليهم واقربوا إليهم بارك الله فيكم قال فحمل الناس حملة منكرة واختلط الناس بعضهم ببعض وعملت بينهم السيوف وتراموا بالنبل وتسامع أهل دمشق أن توما خرج إلى العرب من بابه وأن صليبه الأعظم سقط إليهم من كف حامله فجعلوا يهرعون إلى أن تزايد أمرهم وجعل عدو الله ينظر يمينًا وشمالًا وينظر الصليب فحانت منه التفاتة فنظر فرآه مع شرحبيل بن حسنة فلما نظر إليه لم يكن له صبر دون أن حمل وصاح‏:‏ هات الصليب لا أثم لك فقد لحقتك بوائقه‏.‏

قال‏:‏ ونظر شرحبيل بن حسنة إلى عدو الله وهو مقبل فرمى الصليب من يده وصادمه‏.‏

فلما رأى عدو الله الصليب مرميًا على الأرض صرخ بأصحابه صرخة هائلة ونظرت زوجة أبان بن سعيد إلى حملة عدو الله على شرحبيل‏.‏

فمالت‏:‏ من هذا قيل‏:‏ هو صهر الملك وهو قاتل بعلك أبان بن سعيد فلما سمعت ذلك منهم حملت حملة منكرة إلى أن قاربته ورمته بنبلة وكان الروم أرهبوها فلم تلتفت إليهم دون أن حققت نبلتها على صاحبها وقالت‏:‏ بسم الله وبركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أطلقتها وكان عدو الله واصلًا إلى شرحبيل إذ جاءته النبلة فأصابت عينه اليمنى فسكنت النبلة فيها فتقهقر إلى ورائه صارخًا وهمت بأن ترميه بأخرى فتبادرت إليها الرجال واستتروا بالطوارق وتبادر إليها قوم من المسلمين يحامون عنها فلما أمنت من شر الأعداء أخذت ترمي بالنبل‏.‏

ثم إنها رمت علجًا من الروم فأصابت صدره فسقط هاويًا إلى الأرض وكان عدو الله أول من تقهقر ذلك اليوم هاربًا من شدة حرارة النبلة وصرخ صرخة عظيمة إلى أن دخل الباب ونظر شرحبيل إلى ذلك فصرخ بأصحابه‏:‏ يا ويلكم دونكم وكلب الروم احملوا على الكلاب عسى أن تحركوا عدو الله‏.‏

قال فحمل الناس على الروم إلى أن أوصلوهم إلى الباب فحماهم قومهم من أعلى الباب بالحجارة والنشاب‏.‏

قال فتراجع الناس إلى مواضعهم وقد قتلوا من الروم مقتلة عظيمة وأخذوا أسلابهم وأموالهم وصليبهم ودخل عدو الله توما إلى المدينة وأغلقوا الأبواب وجاء الحكماء يعالجون في قلع النبلة من عينه فلم تطلع فجذبوها فلم تنجذب وهو يضج بالصراخ فلما طال على القوم ذلك ولم يجدوا حيلة في إخراجها نشروها وبقي النصل في عينه ولم تزل في مكانها وسألوه المسير إلى منزله فأبى وجلس داخل الباب إلى أن سكن ما به وخف عنه الألم فقالوا له‏:‏ عد إلى منزلك بقية ليلتك فقد نكبنا في يومنا هذا نكبتين نكبة الصليب ونكبة عينك كل هذا مما وصل إلينا من النبال وقد علمنا أن القوم لا يصطل لهم بنار وقد سألناك أن نصالح القوم على ما طلبوه منا قال فغضب توما من قولهم وقال‏:‏ يا ويلكم يؤخذ الصليب الأعظم وأصاب بعيني وأغفل عن هذا ويبلغ الملك عني ذلك فينسبني للوهن والعجز ولا بد من طلبهم على كل حال وآخذ صليبي وآخذ في عيني ألف عين منهم وسأوقع حيلة أصل بها إلى كبيرهم وآخذ جميع ما غنموه وبعد ذلك أسير إلى صاحبهم الذي هو في الحجاز وأقطع آثاره وأخرب دياره وأهدم مساكنه وأجعل بلده مسكنًا للوحوش‏.‏

ثم إن الملعون سار إلى أعلى السور وهو معصوب العين وصار يحرض الناس لكي يزيل عن قلوبهم الرعب وأقبل يقول لهم‏:‏ لا تفزعوا ولا تجزعوا مما ظهر لكم من العرب ولا بد للصليب أن يرميهم وأنا الضامن لكم‏.‏

قال فثبت القوم من قومه وحاربوا حربًا شديدًا وبعث شرحبيل بن حسنة إلى خالد بن الوليد يخبره بما صنع مع القوم‏.‏

فقال الرسول‏:‏ إن عدو الله توما قد ظهر لنا منه ما لم يكن في الحساب ونطلب منك رجالًا لأن الحرب عندنا أكثر من كل باب فلما سمع خالد ذلك الخبر حمد الله وقال‏:‏ كيف أخذتم الصليب من الروم‏.‏

فقال الرسول‏:‏ كان يحمل صليب الروم رجل وهو أمام توما صهر الملك فرمته زوجة أبان بنبلة فوقع الصليب إلينا وخرج عدو الله فرمته زوجة أبان بنبلة فاشتبكت في عين توما اليمنى‏.‏

فقال خالد‏:‏ إن توما عند الملك معظم وهو الذي يمنعهم عن الصلح ونرجو من الله أن يكفينا شره‏.‏

ثم قال للرسول‏:‏ عد إلى شرحبيل وقل له كن حافظًا ما أمرتك به فكل فرقة مشغولة عنك ولم تؤت من قبلهم وأنا بالقرب منك وهذا ضرار بن الأزور يطوف حول المدينة وكل وقت عندك‏.‏

قال فرجع الرسول فأخبره بذلك فصبر وقاتل بقية يومه ووصل الخبر إلى أبي عبيدة بما نزل بشرحبيل بن حسنة من توما وبما غنم من صليبه فسر بذلك قال‏:‏ ولما أصبح الصباح بعث توما إلى أكابر دمشق وأبطالهم‏.‏

فلما حضروا بين يديه قال لهم‏:‏ يا أهل دين النصرانية إنه قد طاف عليكم قوم لا أمان لهم ولا عهد لهم وقد أتوا يسكنون بلادكم فكيف صبركم على ذلك وعلى هتك الحريم وسبي الأولاد وتكون نساؤكم جواري لهم وأولادكم عبيدًا لهم وما وقع الصليب إلا غضبًا عليكم مما أضمرتم لهذا الدين من مصالحة المسلمين وإذلالكم للصليب وأنا قد خرجت ولولا أني أصبت بعيني لما عدت حتى أفرغ منهم ولا بد من أخذ ثأري وأن أقلع ألف عين من العرب ثم لا بد أن أصل إلى الصليب وأطالبهم به عن قريب‏.‏

فلما سمعوا كلامه قالوا له‏:‏ ها نحن بين يديك وقد رضينا بما رضيت لنفسك فإن أمرتنا بالخروج خرجنا معك وإن أمرتنا بالقتال قاتلنا فقال توما‏:‏ اعلموا أن من خاض الحروب لم يخف من شيء وإني قد عزمت على أن أهجم هذه الليلة وأكبسهم في أماكنهم فإن الليل مهيب وأنتم أخبر بالبلد من غيركم فلا يبقى الليلة منكم أحد حتى يتأهب للحرب ويخرج من الباب وأرجو أن لا أعود حتى تنقضي الأشغال فإذا فرغت من القوم أخذت أميرهم أسيرًا وأحمله إلى الملك يأمر فيه بأمره فقالوا‏:‏ حبًا وكرامة فعند ذلك فرق القوم على الباب الشرقي فرقة وعلى باب الجابية فرقة وعلى كل باب جماعة وقال لهم‏:‏ لا تجزعوا فإن أمير القوم متباعد عنكم وليس هناك إلا الأراذل والموالي فاطحنوهم طحن الحصيد‏.‏

قال ودعا بفرقة أخرى إلى باب الفراديس إلى عمرو بن العاص وخرج توما من بابه وأخذ معه أبطال القوم ولم يترك بطلًا يعرف بالشجاعة إلا أخذه معه ورتب على الباب ناقوسًا وقال لهم‏:‏ إذا سمعتم الناقوس فهي العلامة التي بيننا فافتحوا الأبواب واخرجوا مسرعين إلى أعدائكم ولا تجدوا رجالًا نيامًا إلا وتضعون السيف فيهم‏.‏

فإن فعلتم ذلك فرقتم جمعهم في هذه الليلة وانكسروا كسرة لا يجبرون بعدها أبدًا قال ففرح القوم بذلك وخرجوا إلى حيث أمرهم وقعدت كل فرقة على بابها وأقاموا ينتظرون صوت الناقوس ليبادروا إلى المسلمين قال ودعا توما برجل من الروم وقال له‏:‏ خذ ناقوسًا واعل به على الباب فإذا رأيتنا قد فتحنا الباب فاضرب الناقوس ضربة خفيفة يسمعها قومنا وقد سار توما بقطعة من جيشه عليهم الدروع وبأيديهم السيوف وتوما في أوائلهم وبيده صفيحة هندية وألقى على رأسه بيضة كسروية كان هرقل قد أهداها له وكانت لا تعمل فيها السيوف القواطع حتى وصل إلى الباب ثم وقف حتى تكامل القوم فلما نظر إليهم قال يا قوم إذا فتحنا لكم الباب فأسرعوا إلى عدوكم وجدوا في سعيكم إلى أن تصلوا إلى القوم فإذا وصلتم إليهم فاحملوا ومكنوا السيوف فيهم ومن صاح منهم بالأمان فلا تبقوا عليه إلا أن يكون أمير القوم ومن أبصر منكم الصليب فليأخذه فقالوا‏:‏ حبًا وكرامة‏.




فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** Empty
مُساهمةموضوع: رد: ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين**   ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين** I_icon_minitimeالإثنين يونيو 06, 2011 4:43 pm


القتال من فوق الأسوار

وهزيمة الروم

ثم أمر رجلًا من أصحابه أن يسير إلى الذي بيده الناقوس ويأمره أن يضربه ضربة خفيفة ثم فتح الباب وتبادر الرجال إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في غفلة مما دبر القوم لهم إلا أنهم في يقظة فلما سمعوا الصوت أيقظ بعضهم بعضًا وتواثبت الرجال من أماكنهم كالأسود الضارية فلم يصل إليهم العدو إلا وهم على حذر وحملوا عليهم وهم في غير ترتيب فتقاتل القوم في جنح الظلام وعمل السيف وسمع خالد بن الوليد فقام ذاهل العقل مما سمع من الزعقات فصاح‏:‏ واغوثاه واسلاماه كيد قومي ورب الكعبة اللهم انظر لهم بعينك التي لا تنام وانصرهم يا أرحم الراحمين‏.‏

وسار خالد ومن معه وهم أربعمائة فارس من أصحابه وهو بغير درع قد لبس ثوب كتان من عمل الشام مكشوف الرأس‏.‏

ثم جد في السير والأربعمائة فارس معه كأنهم الليوث العوابس إلى أن وصلوا إلى الباب الشرقي وإذا بالفرقة التي هناك قد هاجمت أصحاب رافع بن عميرة الطائي‏.‏

قال‏:‏ وأصوات المسلمين عالية بالتهليل والتكبير والقوم من أعلى الأسوار قد أشرفوا وتصايحوا عندما استيقظ لهم المسلمون فحمل خالد بن الوليد على الروم ونادى برفع صوته أبشروا يا معشر المسلمين أتاكم الغوث من رب العالمين أنا الفارس الصنديد أنا خالد بن الوليد وحمل في أوساط الناس بمن معه فجندل أبطالًا وقتل رجالًا وهو مع ذلك مشتغل القلب على أبي عبيدة والمسلمين الذين على الأبواب وهو يسمع أصواتهم وزعقاتهم قال وتصايح الروم والنصارى واليهود‏.‏

قال سنان بن عوف‏:‏ قلت لابن عمي قيس‏:‏ هل كانت اليهود تقاتلكم قال‏:‏ نعم يقاتلوننا من أعلى الأسوار ويرمون بالسهام وخشي خالد على شرحبيل بن حسنة مما وصل إليه من عدو الله توما لأنه ملازم الباب‏.‏

وقال ولقي شرحبيل بن حسنة من عدو الله توما أمرًا عظيمًا لم يلق أحد مثله وذلك أنه هجم عليه توما في تلك الليلة وكان أول من وصل إلى المسلمين عدو الله توما قال‏:‏ فصبروا له صبر الكرام وقاتل عدو الله قتالًا شديدًا وهو ينادي‏:‏ أين أميركم الذميم الذي أصابني أنا ركن الملك الرحيم أنا ناصر الصليب‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع شرحبيل صوته قصد جهته وقد جرح رجالًا من المسلمين وقال‏:‏ ها أنا صاحبك وغريمك أنا مبيد جمعكم وآخذ صليبكم أنا كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطف عليه توما عطفة الأسد ورأى من شرحبيل بن حسنة أمرًا هائلًا ولم يزالوا كذلك إلى أن زال من الليل شطره وكل قرن مع قرنه وكانت زوجة أبان مع شرحبيل وكانت في تلك الليلة أحسن الناس صبرًا ورمت بنبالها وكانت لا تقع نبلة من نبالها إلا في رجل من المشركين إلى أن قتلت من الروم مقتلة عظيمة بالنبال والروم يتحايدون عنها إلى أن لاح رجل من الروم فرمته بنبلة فبقيت معلقة في نحره‏.‏

قال فصرخ بالروم فهاجموها وأخذوها أسيرة ومات عدو الله الذي رمته‏.‏

قال‏:‏ ولقي شرحبيل من الروم ما لا يلقاه أحد وإنه ضرب توما ضربة هائلة فتلقاها الملعون بدرقته فانكسر سيف شرحبيل فطمع عدو الله فيه وحمل عليه وظن أنه يأخذه أسيرًا وإذا بفارسين قد أشرفا من ورائهما مع كبكبة من الفرسان فهجموا على الروم ونظروا وإذا بزوجة أبان قد خلصت وهجمت على الروم وهتفت فلحقها فارسان فبرز لهما عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه فقتلا الرجلين ورجع عدو الله توما هاربًا إلى المدينة‏.‏

قال‏:‏ حدثني تميم بن عدي وكان ممن شهد الفتوحات‏.‏

قال‏:‏ كنت في خيمة أبي عبيدة وذلك أن أبا عبيدة كان يصلي فيها إذ سمع الصياح‏.‏

فقال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم لبس سلاحه ورتب قومه ودنا من القوم فنظر إليهم وهم في المعمعة والحرب وعدل عنهم ميسرة وميمنة إلى أن جاوزهم وعطف نحو الباب وكبر وكبر المسلمون فلما سمع المشركون تكبيرهم ظنوا أن المسلمين قد دهموهم من ورائهم في جمع كثير فولوا راجعين فتلقاهم أبو عبيدة وقومه وأخذوا عليهم المجاز وبذل أبو عبيدة السيف فيهم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ولقد بلغني أنه ما سلم من الروم تلك الليلة أحد من الذين هم غرماء أبي عبيدة ولقد قتلوا عن آخرهم فبينما هم في القتال إذ أشرف عليهم ضرار بن الأزور وهم ملطخ بالدماء‏.‏

فقال له خالد‏:‏ ما وراءك يا ضرار‏.‏

فقال‏:‏ أبشر أيها الأمير ما جنتك حتى قتلت في ليلتي هذه مائة وخمسين رجلًا وقتل قومي ما لا يعد ولا يحصى وقد كفيتكم مؤنة من خرج من الباب الصغير إلى يزيد بن أبي سفيان ثم عطفت إلى سائر الأبواب فقتلت خلقًا كثيرًا قال فسر بذلك خالد بن الوليد ثم ساروا جميعًا حتى أتوا شرحبيل بن حسنة وشكروا فعله وكانت ليلة مقمرة ولم يلق مثلها الناس فقتلوا في تلك الليلة ألوفًا من الروم قال فاجتمع كبار أهل دمشق إلى توما وقالوا له‏:‏ أيها السيد إنا قد نصحناك فلم تسمع لقولنا وقد قتل منا أكثر الناس وهذا أمير لا يطاق يعني خالد بن الوليد فصالح فهو أصلح لك ولنا وإن لم تصالح صالحنا وأنت وشأنك‏.‏

فقال‏:‏ يا قوم أمهلوني حتى أكتب إلى الملك واعلمه بما نزل بنا فكتب من وقته وساعته كتابًا يقول فيه‏:‏ إلى الملك الرحيم من صهرك توما أما بعد فإن العرب محدثون بنا كإحداث البياض بسواد العين وقد قتلوا أهل أجنادين ورجعوا إلينا وقد قتلوا منا مقتلة عظيمة وقد خرجت إليهم وأصيبت عيني وقد عزمت على الصلح ودفع الجزية للعرب فإما أن تسير بنفسك وإما أن ترسل لنا عسكرًا تنجدنا بهم وإما أن تأمرنا بالصلح مع القوم فقد تزايد الأمر علينا ثم طوى الكتاب وختمه وبعث به قبل الصباح‏.‏

‏.‏

‏.‏

فلما أصبح الصباح باكرهم المسلمون بالقتال‏.‏

‏.‏

‏.‏

وبعث خالد لكل أمير أن يزحف من مكانه فركب أبو عبيدة ووقع القتال واشتد الأمر على أهل دمشق فبعثوا لخالد أن أمهلنا فأبى إلا القتال ولم يزل كذلك إلى أن ضاق بهم الحصار وهم ينتظرون أمر الملك واجتمع أهل البلد وقالوا لبعضهم‏:‏ ما لنا صبر على ما نحن فيه من الأمر وإن هؤلاء إن قاتلناهم نصروا علينا وإن تركناهم أضر بنا الحصار فاطلبوا من القوم صلحًا على ما طلبوه منكم فقال لهم شيخ كبير من الروم وقد قرأ الكتب السالفة‏:‏ يا قوم والله إني أعلم أنه لو أتى الملك في جيشه جميعًا لما منعوا عنكم هؤلاء لما قرأت في الكتاب إن صاحبهم محمدًا خاتم المرسلين سيظهر دينه على كل دين فأطيعوا القوم وأعطوهم ما طلبوا منكم فهو أوفق لكم فلما سمع القوم مقالات الشيخ ركنوا إليه لما يعلمون من علمه ومعرفته بالأخبار والملاحم‏.‏

فقالوا‏:‏ كيف الرأي عندك فنحن نعلم أن هذا الأمير الذي على باب شرقي رجل سقاك للدماء‏.‏

فقال لهم‏:‏ إن أردتم تقارب الأمر فامضوا إلى الذي على باب الجابية وليتكلم رجل يعرف بالعربية ويقول بصوت رفيع يا معاشر العرب الأمان حتى ننزل إليكم ونتكلم مع صاحبكم‏.‏

قال أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ وكان أبو عبيدة قد أنفذ رجالًا من المسلمين مكثوا بالقرب من الباب مخافة الكبسة مثل الليلة التي خلت وكانت النوبة تلك الليلة لبني دوس والأمير عليها عامر بن الطفيل الدوسي‏.‏

قال فبينما نحن جلوس في مواضعنا من الباب إذ سمعنا أصوات القوم وهم ينادون قال أبو هريرة فلما سمعت بادرت إلى أبي عبيدة قال وبشرته بذلك فاستبشر وقال‏:‏ امض وكلم القوم وقل لهم لكم الأمان قال فأتيت القوم وبشرتهم بالأمان فقالوا‏:‏ من أنت‏.‏

فقلت‏:‏ أنا أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أن عبيدًا أعطوكم الأمان والذمام ونحن في الجاهلية لما غدرنا فكيف وقد هدانا الله إلى دين الإسلام‏.‏

قال فنزل القوم وفتحوا الباب وإذ هم مائة رجل من كبرائهم وعلمائهم فلما قربوا من عسكر أبي عبيدة تبادر إليهم المسلمون وأزالوا عنهم الصلبان إلى أن وصلوا خيمة أبي عبيدة فرحب بهم وأجلسهم وقال‏:‏ إن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أتاكم عزيز قوم فأكرموه‏)‏ وتكلموا في أمر الصلح وقالوا‏:‏ إنا نريد منكم أن تتركوا كنائسنا ولا تنقضوا علينا منها كنيسة وهي الجامع الآن بدمشق فقال لهم أبو عبيدة‏:‏ جميع الكنائس لا يؤمر بهدمها قال‏:‏ وكان في دمشق كنائس واحدة تسمى كنيسة مريم وكنيسة حنا وكنيسة سوق الليل وكنيسة إنذار وهي عند دار عبد الرحمن ذرة فكتب لهم أبو عبيدة كتاب الصلح والأمان ولم يسم فيه اسمه ولا أثبت شهودًا وذلك لأنه لم يكن أمير المؤمنين فلما كتب لهم الكتاب تسلموه منه وقالوا له‏:‏ قم معنا إلى البلد‏.‏

قال‏:‏ فقام أبو عبيدة وركب معه أبو هريرة ومعاذ بن جبل ونعيم بن عمرو وعبد الله بن عمرو الدوسي وذو الكلاع الحميري وحسان بن النعمان وجرير بن نوفل الحميري وسيف بن سلمة ومعمر بن خليفة وربيعة بن مالك والمغيرة بن شعبة وأبو لبابة بن المنذر وعوف بن ساعدة وعامر بن قيس وعبادة بن عتيبة وبشر بن عامر وعبد الله بن قرط الأسدي وجملتهم خمسة وثلاثون صحابيًا من أعيان الصحابة رضي الله عنهم وخمسة وستون من أخلاط الناس فلما ركبوا وتقدموا نحو الباب‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ أريد منكم رهائن حتى ندخل معكم فأتوه برهائن وقيل إن أبا عبيدة رأى في منامه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له‏:‏ تفتح المدينة إن شاء الله تعالى في هذه الليلة فقلت‏:‏ يا رسول الله أراك على عجل قال‏:‏ لأحضر جنازة أبي بكر الصديق‏.‏

قال‏:‏ فاستيقظت من المنام‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وقد بلغني أن أبا عبيدة لما دخل دمشق بأصحابه سارت القسس والرهبان بين يديه على مسرح الشعر وقد رفعوا الإنجيل والمباخر بالند والعود ودخل أبو عبيدة من باب الجابية ولم يعلم خالد بن الوليد بذلك لأنه شد عليهم بالقتال‏.‏

قال وكان هناك قسيس من قسس الروم اسمه يونس بن مرقص وكانت داره ملاصقة للسور مما يلي باب شرقي الذي عنده خالد وكان عنده ملاحم دانيال عليه السلام وكان فيها‏:‏ إن الله تعالى يفتح البلاد على يد الصحابة ويعلو دينهم على كل دين فلما كانت تلك الليلة نقب يونس من داره وحفر موضعًا وخرج على حين غفلة من أهله وأولاده وقصد خالدًا وحدثه أنه خرج من داره وحفر موضعًا والآن أريد أمانًا لي ولأهلي ولأولادي قال فأخذ خالد عهده على ذلك وأنفذ معه مائة رجل من المسلمين أكثرهم من حمير وقال لهم‏:‏ إذا وصلتم المدينة فارفعوا أصواتكم بأجمعكم واقصدوا الباب واكسروا الأقفال وأزيلوا السلاسل حتى تدخلوا إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ففعل القوم ما أمرهم به خالد رضي الله عنه وساروا ومضى أمامهم يونس بن مرقص حتى دخل بهم من حيث خرج‏.‏

فلما حطوا في داره تدرعوا واحترسوا ثم خرجوا وقصدوا الباب وأعلنوا بالتكبير‏.‏

قال فلما سمع المشركون التكبير ذهلوا وعلموا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حطوا معهم في المدينة وان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدوا الباب وكسروا الأقفال وقطعوا السلاسل ودخل خالد بن الوليد ومن معه من المسلمين ووضعوا السيف في الروم وهم مختلفون بين يديه إلى أن وصل إلى كنيسة مريم وخالد بن الوليد يأسر ويقتل‏.‏

قال الواقدي‏:‏ والتقى الجمعان عند الكنيسة جيش خالد وجيش أبي عبيدة وأصحابه سائرون والرهبان سائرون بين أيديهم وما أحد من أصحاب أبي عبيدة جرد سيفه فلما نظر خالد إليهم ورأى أن لا أحد منهم جرد سيفه بهت وجعل ينظر إليهم متعجبًا‏.‏

قال فنظر إليه أبو عبيدة وعرف في وجهه الإنكار‏.‏

فقال‏:‏ أبا سليمان قد فتح الله على يدي المدينة صلخًا وكفى الله المؤمنين القتال‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ما خاطب أبو عبيدة خالدًا يوم الفتح دمشق إلا بالإمارة‏.‏

فقال‏:‏ أيها الأمير قد تم الصلح‏.‏

فقال خالد‏:‏ وما الصلح‏.‏

لا أصلح الله بالهم وأنى لهم الصلح وقد فتحتها بالسيف وقد خضبت سيوف المسلمين من دمائهم وأخذت الأولاد عبيدًا وقد نهبت الأموال‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ أيها الأمير اعلم أني ما دخلتها إلا بالصلح‏.‏

فقال له خالد بن الوليد‏:‏ إنك لم تزل مغفلًا وأنا ما دخلتها إلا بالسيف عنوة وما بقي لهم حماية فكيف صالحتهم‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ اتق الله أيها الأمير والله لقد صالحت القوم ونفذ السهم بما هو فيه وكتبت لهم الكتاب وهو مع القوم‏.‏

فقال خالد‏:‏ وكيف صالحتهم من غير أمري وأنا صاحب رايتك والأمير عليك ولا أرفع السيف عنهم حتى أفنيهم عن آخرهم‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ والله ما ظننت أنك تخالفني إذا عقدت عقدًا ورأيت رأيا فالله الله في أمري فوالله لقد حقنت دماء القوم عن آخرهم وأعطيتهم الأمان من الله جل جلاله وأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رضي من معي من المسلمين والغدر ليس من شيمنا‏.‏

قال وارتفع الصياح بينهما وقد شخص الناس إليهما وخالد مع ذلك لا يرجع عن مراده ونظر أبو عبيدة إلى ذلك فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خالد وهم جيش البوادي من العرب مشتبكون على قتال الروم ونهب أموالهم‏.‏

قال فنادى أبو عبيدة واثكلاه خفرت والله ونقض عهدي وجعل يدرك جواده ويشير إلى العرب مرة يمينًا ومرة شمالًا وينادي‏:‏ معاشر المسلمين أقسمت عليكم برسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تمد أيديكم نحو الطريق الذي جئت منه حتى نرى ما نتفق أنا وخالد عليه فلما دعاهم بذلك سكتوا عن القتل والنهب واجتمع إليهما فرسان المسلمين والأمراء وأصحاب الرايات مثل معاذ بن جبل رضي الله عنه ويزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه وعمرو بن العاص رضي الله عنه وشرحبيل بن حسنة رضي الله عنه وربيعة بن عامر رضي الله عنه وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين ونظرائهم والتقوا عند الكنائس واجتمع هناك فرسان للمشورة والمناظرة‏.‏

فقالت طائفة من المسلمين منهم معاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان‏:‏ الرأي أن تمشي إلى ما أمضاه أبو عبيدة بن الجراح وتكفوا عن القتال للقوم‏.‏

فإن مدن الشام لم تفتح أبدًا وهرقل في أنطاكية كما تعلمون وإن عد أهل المدن صالحتم وغدرتم لم تفتح لكم مدينة صلحًا ولأن تجعلوا هؤلاء الروم في صلحكم خير من قتلهم ثم قالوا لخالد‏:‏ أمسك عليك ما فتحت بالسيف ويعينك أبو عبيدة بجانبه واكتبا إلى الخليفة وتحاكما إليه فكل ما أمر به فعلناه فقال لهم خالد بن الوليد‏:‏ قد أجبت إلى ذلك وقبلت مشورتكم فأما أهل دمشق فقد أمنتهم إلا هذين اللعينين توما وهربيس وكان هربيس هو المؤمر على نصف البلدة ولاه توما حين رحمك الأمر إليه‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ إن هذين أول من دخل في صلحي فلا تخفر ذمتي رحمك الله تعالى‏.‏

فقال خالد‏:‏ والله لولا ذمامك لقتلتهما جميعًا ولكن يخرجان من المدينة فلعنهما الله حيث سارا‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ وعلى هنا صالحتهما‏.‏

قال ونظر توما وهربيس إلى خالد وهو يتنازع مع أبي عبيدة فخافا الهلاك فأقبلا على أبي عبيدة ومعهما من يترجم عنهما وقالا له‏:‏ ما يقول هذا يعني خالدًا‏.‏

قال الترجمان لأبي عبيدة‏:‏ ما تقول أنت وصاحبك فيه من المشاورة‏:‏ إن صاحبك هنا يريد غدرنا فنحن وأهل المدينة دخلنا في عهدكم ونقض العهد ما هو من شيمكم وإني أسألكم أن تدعوني أن أخرج أنا وأصحابي وأسلك أي طريق أردت‏.‏

فقال‏:‏ أنت في ذمتنا فاسلك أي طريق شئت فإذا صرت في أرض تملكونها فقد خرجت من ذمتنا أنت ومن معك‏.‏

فقال توما وهربيس‏:‏ نحن في ذمتكم وجواركم ثلاثة أيام أي طريق سلكنا فإذا كان بعد ثلاثة أيام فلا ذمة لنا عندكم فمن لقينا منكم بعد ثلاثة أيام وظفر بنا فنحن لهم عبيد إن شاء أسرنا وإن شاء قتلنا‏.‏

فقال خالد‏:‏ قد أجبناك إلى ذلك لكن لا تحملوا معكم من هذا البلد إلا الزاد الذي تتقوتون به‏.‏

قال أبو عبيدة لخالد‏:‏ هذا كلام داع لنقض العهد والصلح إنما وقع بيننا أنهم يخرجون برجالهم وأموالهم‏.‏

فقال خالد‏:‏ سمحت لهم بذلك إلا الحلقة يعني السلاح فإني لا أطلق لهم شيئًا من ذلك‏.‏

فقال توما‏:‏ لا بد لنا من السلاح نمنع به عن أنفسنا في طريقنا إن طرقنا طارق حتى نصل إلى بلدنا وإلا فنحن بين أيديكم فاحكموا فينا بما أردتم‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ أطلق لكل واحد قطعة من السلاح إن أخذ سيفًا فلا يأخذ رمحًا وإن أخذ رمحًا فلا يأخذ سيفًا وإن أخذ قوسًا فلا يأخذ سكينًا‏.‏

فقال توما لما سمع منهم ذلك الكلام‏:‏ قد رضينا بذلك وما يريد كل واحد منا إلا قطعة من السلاح لا غير ثم قال توما لأبي عبيدة‏:‏ إني خائف من هذا الرجل أعني خالد بن الوليد فليكتب لي بذلك قال أبو عبيدة‏:‏ ثكلتك أمك إنا معاشر العرب لا نغدر ولا نكذب وإن الأمير أبا سليمان قوله قول وعهده عهد ولا يقول إلا الصدق‏.‏

قال فانطلق توما وهربيس يجمعان قومهما ويأمرانهم بالخروج‏.‏

قال وكان الملك له خزانة ديباج في دمشق فيها زهاء من ثلاثمائة حمل ديباج وحلل مذهبة فعزم على إخراجها وأمر توما فضربت له خيمة من القز ظاهر دمشق وأقبلت الروم تخرج الأمتعة والأموال والأحمال حتى أخرجوا شيئًا عظيمًا فنظر خالد بن الوليد إلى كثرة أحمالهم‏.‏

فقال‏:‏ ما أعظم رحالهم ثم قرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة ومعارج عليها يظهرون‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 33‏]‏‏.‏ الآية ثم نظر خالد إلى القوم كأنهم حمر مستنفرة ولم يلتفت أحد إلى أخيه من شدة عجلتهم فلما نظر خالد إلى ذلك رفع يديه إلى السماء وقال‏:‏ اللهم اجعله لنا وملكنا إياه واجعل هذه الأمتعة قوتًا للمسلمين آمين إنك سميع الدعاء ثم أقبل على أصحابه وقال لهم‏:‏ إني رأيت أنا رأيًا فهل أنتم تتبعوني عليه‏.‏

فقالوا‏:‏ نتبعك ولا نخالف لك أمرًا فقال خالد‏:‏ قوموا بخيلكم حق القيام وأحسنوا إليها ما استطعتم وانجزوا سلاحكم فإني أسير بكم بعد ثلاثة أيام في طلب هؤلاء القوم وأرجو من الله أن يغنمنا هذه الغنيمة والأموال التي رأيتموها‏.‏

وإن نفسي تحدثني أن القوم ما تركوا في دمشق متاعًا ولا ثوبًا حسنًا إلا وقد أخذوه معهم‏.‏

فقالوا‏:‏ افعل ما تريد فما نخالف لك أمرًا ثم أخذوا في إصلاح شأنهم وتوما وهربيس قد جمعوا مال الرساتيق وجميع المال فلما جمعوه جاءوا به إلى أبي عبيدة‏.‏

فقال لهم‏:‏ وفيتم بما عليكم فسيروا حيث شئتم فلكم الأمان منا ثلاثة أيام‏.‏

قال يزيد بن ظريف‏:‏ فلما سلموا المال لأبي عبيدة ارتحلوا سائرين كأنهم سواد مظلم وكان قد خر من القوم خلق كثير من أهل دمشق بأولادهم وكرهوا أن يكونوا في جوار المسلمين‏.‏

قال واشتغل خالد عن اتباعهم بخلاف وقع بينهم وبين أهل دمشق في حنطة وشعير وجدوا في المدينة منه شيئًا كثيرًا‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ هو للقوم دخل في صلحهم فكادت الفتنة أن تثور بين أصحاب خالد وبين أصحاب أبي عبيدة واتفق رأيهم أن يكتبوا كتابًا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه في ذلك وليس عندهم خبر أنه مات يوم دخولهم دمشق‏.‏

قال عطية بن عامر‏:‏ كنت واقفًا على باب دمشق في اليوم الذي سارت فيه الروم مع توما وهربيس ومعهم ابنة الملك هرقل‏.‏

قال فنظرت إلى ضرار بن الأزور وهو ينظر إلى القوم شزرًا ويتحسر على ما فاته منهم فقلت له‏:‏ يا ابن الأزور ما لي أراك كالمتحسر أما عند الله أكثر من ذلك فقال‏:‏ والله ما أعني مالًا وإنما أنا متأسف على بقائهم وانفلاتهم منا ولقد أساء أبو عبيدة فيما فعل بالمسلمين‏.‏

فقلت‏:‏ يا ابن الأزور ما أراد أمين الأمة إلا خيرًا للمسلمين أن يحقن دمائهم وأزواجهم من تعب القتال فإن حرمة رجل واحد خير مما طلعت عليه الشمس وإن الله سبحانه وتعالى اسكن الرحمة في قلوب المؤمنين وإن الرب يقول في بعض الكتب المنزلة إن الرب لا يرحم من لا يرم‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏والصلح خير‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 128‏]‏‏.‏

فقال ضرار‏:‏ لعمري إنك لصادق ولكن اشهدوا علي أني لا أرحم من يجعل له زوجة وولدًا‏.‏

قال‏:‏ حدثني عمر بن عيسى عن عبد الواحد بن عبد الله البصري عن واثلة بن الأسقع‏.‏

قال‏:‏ كنت مع خالد بن الوليد في جيش دمشق وكان قد جعلني مع ضرار بن الأزور في الخيل التي تجوب من باب شرقي إلى باب توما إلى باب السلامة إلى باب الجابية إلى باب الصغير إلى باب قيان إذ سمعنا صرير الباب وذلك قبل فتوح الشام وإذا به قد خرج منه فارس فتركناه حتى قرب منا فأخذناه قبضًا بالكف وقلنا‏:‏ إن تكلمت قتلناك فسكت وإذا قد خرج فارس آخر قام على الباب وجعل ينادي بالذي قد أخذناه فقلنا له‏:‏ كلمه حتى يأتي‏.‏

قال فرطن له بالرومية إن الطير في الشبكة فعلم أنه قد أسر فرجع وأغلق الباب‏.‏

قال فأردنا قتله فقال بعضنا‏:‏ لا تقتلوه حتى نمضي به إلى خالد الأمير‏.‏

قال فأتينا به خالدًا فلما نظر إليه قال له‏:‏ من أنت قال له‏:‏ أنا من الروم وإني تزوجت بجارية من قومي قبل نزولكم عليهم وكنت أحبها فلما طال علينا حصاركم سألت أهلها أن يزفوها علي فأبوا ذلك وقالوا إن بنا شغلًا عن زفافك وكنت أحب أن ألقاها ولنا في المدينة ملاعب نلعب فيها فوعدتها أن نخرج إلى الملاعب فخرجت وتحدثنا فسألتني أن أخرج بها إلى خارج المدينة ففتحنا الباب وخرجت أنظر أخباركم فأخذني أصحابك فنادتني‏.‏

فقلت‏:‏ إن الطير وقع في الشبكة أحذرها منكم مخافة عليها ولو كان غيرها لهان علي ذلك‏.‏

فقال خالد‏:‏ ما تقول في الإسلام‏.‏

فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فكان يقاتل معنا قتالًا شديدًا فلما دخلنا المدينة صلحا أقبل يطلب زوجته‏.‏

فقيل له‏:‏ إنها لبست ثياب الرهبانية فأقبل إليها وهي لا تعرفه‏.‏

فقال لها‏:‏ ما حملك على الرهبانية‏.‏

قالت‏:‏ حملني على ذلك أني غررت بزوجي حتى أخذته العرب وترهبت حزنًا عليه‏.‏

قال‏:‏ أنا زوجك وقد دخلت في دين العرب‏.‏

قال فلما سمعت ذلك قالت‏:‏ وما تريد قال‏:‏ أن تكوني في الذمة‏.‏

فقالت‏:‏ وحق المسيح لا كان ذلك أبدًا وما لي إلى ذلك سبيل وخرجت مع البطريق توما فلما نظر إلى امتناعها أقبل إلى خالد بن الوليد فشكا له حاله‏.‏

فقال له خالد‏:‏ إن أبا عبيدة فتح المدينة صلحًا ولا سبيل لك إليها ولما علم أن خالدًا يسير وراء القوم‏.‏

فقال‏:‏ أسير معه لعلي أقع بها وأقام خالد بدمشق إلى اليوم الرابع ثم أقبل إليه يونس الدمشقي زوج الجارية وقال‏:‏ أيها الأمير قد عزمت على المسير في طلب هذين اللعينين توما وهربيس وأخذ ما معهما قال‏:‏ بلى‏.‏

فقال له‏:‏ وما الذي أقعدك عن ذلك‏.‏

قال‏:‏ بعد القوم وبيننا وبينهم أربعة أيام بلياليها وهم يسيرون سير الخوف ما يمكن اللحاق بهم‏.‏

فقال يونس‏:‏ إن كان تخلفك لبعد المسافة بيننا وبينهم فأنا أعرف الديار وأسلك طريقًا فنلحقهم إن شاء الله تعالى ولكن البسوا زي لخم وجذام وهو العرب المتنصرة وخذوا الزاد وسيروا‏.‏

قال فسار خالد وأخذ عساكر الزحف وهم أربعة آلاف فارس فأمرهم أن يسيروا ويخففوا حمل الزاد ففعلوا ذلك وخالد ومن معه قد صاروا ويونس الذليل أمامهم وهو يتبع آثار القوم وقد أوصى خالد أبا عبيدة على المدينة والمسلمين‏.‏

قال زيد بن طريف‏:‏ وكان يونس دليلنا‏.‏

قال فرأى آثار القوم وأنهم إذا سقط منهم حمل جمل تركوه وسار خالد ومن معه كلما دخلوا بلاد من بلاد الروم يظنون أنهم من العرب المتنصرة من لخم وجذام حتى أشرف بهم الذليل على ساحل البحر ونوى أن يطلب الأثر وإذا بالقوم قد عدوا أنطاكية ولم يدخلوها خيفة الملك‏.‏

قال فوقع للدليل عند ذلك حيرة في أمره فعدل إلى قرية هناك وسأل بعضًا من الناس فأخبروه أن الخبر قد اتصل إلى الملك بأن توما وهوبيس قد سلما دمشق للعرب فنقم عليهما ولم يدعهما يأتيان إليه وذلك أنه جمع الجيوش وأرسلها إلى اليرموك فخاف أن يتحدثوا بشجاعة العرب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتضعف قلوبهم فبعث إلى توما ومن معه أن يسيروا إلى القسطنطينية فلما علم يونس أن القوم عدلوا وأخذوا في طلب التحيز فكر في ذلك وغاب عن المسلمين فوقف خالد وصلى بالناس وإذا بيونس قد أقبل وقال‏:‏ أيها الأمير إني والله قد غررت بكم وبلغت الغاية في الطلب‏.‏

قال خالد‏:‏ وكيف الأمر‏.‏

قال‏:‏ أيها الأمير تبعثني في آثارهم في هذا المكان رجاء أن ألحقهم وأن الملك منعهم من الدخول إلى أنطاكية لئلا يرعبوا عسكره وأمرهم أن يطلبوا القسطنطينية وقد قطع بينكم وبينهم هذا الجبل العظيم وأنتم في جبل هرقل وهو يجمع عسكره ويسير إلى حربكم وإني خائف عليكم إن تركتم هذا الجبل خلف ظهوركم هلكتم وبعد هذا فالأمر إليك وكل ما أمرتني به فعلت‏.‏

قال ضرار بن الأزور‏:‏ فرأيت خالدًا وقد انتقع لونه كالخضاب‏.‏

‏.‏

‏.‏

وكان ذلك منه جزعًا وما عهدت به ذلك‏.‏

فقلت‏:‏ يا أمير على ماذا عولت‏.‏

فقال‏:‏ يا ضرار والله ما فزعت عن الموت ولا من القتل وإنما خفت أن يؤتى المسلمون من قبلي وإني رأيت قبل فتح دمشق منامًا أفزعني وأنا منتظر تأويله وأرجو أن يجعل الله لنا خيرًا وينصرنا على عدونا‏.‏

فقال ضرار‏:‏ خيرًا رأيت وخيرًا يكون إن شاء الله تعالى فما الذي رأيت‏.‏

قال‏:‏ رأيت المسلمين في برية قفرة ونحن سائرون فبينما نحن كذلك وإذا بقطيع من حمر الوحش كثيرة عظيمة أجسامها مهزولة أخفافها وهي لا تكدم برماحنا ونحن نضربها بأسيافنا وهي لا تكترث فيما نزل بها من الأذى ولا تهلع مما ينزل فلم نزل مثل ذلك حتى أجتهدنا واجتهدت خيولنا وأني أقبلت على أصحابي وفرقتهم عليها من أربعة جوانب البرية وحملت عليهم فجفلت من أيدينا إلى مضايق وتلال وأودية خصبة فلم نأخذ منها إلا اليسير فبينما نحن نطبخ ونشوي لحومها وإذا هي قد رجعت تطلب الحرب منا فلما نظرت إليها وقد طرحت المضايق والآجام صحت بالمسلمين اركبوا في طلبها بارك الله فيكم فاستوى المسلمون على خيولهم وركبت معهم وطلبناها حتى وقعت بها وتصيدت منها بعيرًا عظيمًا فقتلته فجعل المسلمون يقتلون ويتصيدون فما بقي منها إلا اليسير فبينما أنا فرح وأنا أريد الرجوع بالمسلمين إلى وطنهم إذ عثرت فرسي فطارت عمامتي من على رأسي فهويت لآخذها فانتبهت من منامي وأنا فزع مرعوب فهل فيكم أحد يفسره فإني أقول الرؤيا ما نحن فيه‏.‏

قال فصعب ذلك على القوم وجعل خالد يراود نفسه على الرجوع‏.‏

فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه‏:‏ أما تفسير الوحوش فهؤلاء الأعاجم الذين نحن في طلبهم وأما سقوطك عن فرسك فإنه أمر تنحط عليه من رفعة إلى خفضة وأما سقوط العمامة عن رأسك فالعمائم تيجان العرب وهي معرة تلحقك‏.‏

فقال خالد‏:‏ أسأل الله العظيم إن كان ذلك تأويل ما رأيته أن يجعله من أمر الدنيا ولا يجعله من أمر الآخرة وبالله أستعين وعليه أتوكل في كل الأمور‏.‏

قال ثم سار خالد والذليل أمامهم حتى قطعوا الجبل فلما كانت الليلة التي أردنا أن نصبح فيها القوم أتى مطر كأفواه القرب وكان من توفيق الله عز وعلا أن حبس القوم عن المسير‏.‏

قال روح بن طريف رضي الله عنه ولقد رأيتنا ونحن نسير والمطر ينزل علينا كأفواه القرب طول ليلتنا فلما أصبح الصباح وطلعت الشمس قال يونس‏:‏ أيها الأمير قف حتى أنظر القوم لأنهم لا شك بالقرب منا وقد سمعت صياحهم‏.‏

فقال له خالد بن الوليد‏:‏ أحقًا سمعت صياحهم يا يونس‏.‏

قال‏:‏ نعم أيها الأمير وأريد منك أن تأذن لي بالمسير إليهم وآتيك بخبرهم‏.‏

قال فعند ذلك التفت خالد بن الوليد إلى رجل اسمه المفرط بن جعدة‏.‏

قال له‏:‏ يا مفرط سر مع يونس وكن له مؤنسًا وأحذر أن يأخذ خبركما القوم فقال المفرط‏:‏ السمع والطاعة لله ولك أيها الأمير ثم انطلقا إلى أن صعدا على جبل يقال له الأبرش والروم تسميه جبل باردة‏.‏

قال المفرط‏:‏ فلما علونا عليه وجدنا مرجًا واسعًا كثير الجنبات كثير النبات وفيه خضرة عظيمة وإن القوم قد أصابهم المطر حتى بل رحالهم وقد حميت عليهم الشمس فخافوا إتلافها فأخرجوها وأخرجوا الديباج ونشروها في طول المرج وقد نام أكثرهم من شدة السير والتعب والمطر الذي أصابهم‏.‏

قال المفرط بن جعدة‏:‏ فلما رأيت ذلك فرحت فرحًا شديدًا ورجعت إلى خالد بن الوليد وتركت صاحبي يونس فلما رآني خالد وحدي أسرع إلي وظن أن صاحبي كيد‏.‏

فقال‏:‏ ما وراءك يا ابن جعدة أخبرني وعجل بالخبر‏.‏

فقلت‏:‏ الخير والغنيمة يا أمير وإن القوم خلف هذا الجبل وقد أصابهم المطر وقد وجدوا الراحة بطلوع الشمس وقد نشروا أمتعتهم‏.‏

فقال‏:‏ بشرك الله بالخير ثم ظهر لي من وجهه الخير والفرح والسرور فبينما نحن كذلك وإذا بيونس قد أقبل‏.‏

فقال له خالد‏:‏ خيرًا فقال له‏:‏ أبشر أيها الأمير فإن القوم أمنوا على أنفسهم ولكن أوص أصحابك أن كل من وقع بزوجتي فليحفظها فما أريد من الغنيمة سواها‏.‏

فقال له خالد‏:‏ هي لك إن شاء الله تعالى ثم إن خالدًا قسم أصحابه أربع فرق فأمر ضرار بن الأزور على ألف فارس وعلى الألف الثاني رافع بن عميرة الطائي وعلى الألف الثالث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وبقي هو في الفرقة الرابعة‏.‏

وقال‏:‏ سيروا على بركة الله تعالى وإياكم أن تخرجوا إليهم دفعة واحدة بل يخرج كل أمير منكم بينه وبين صاحبه قدر ساعة ثم افترق القوم وحمل ضرار بن الأزور والروم مطمئنون وحدك من بعله رافع بن عميرة الطائي ثم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ثم خالد بن الوليد سار في آخر القوم حتى وصلوا المرج‏.‏

قال عبيد بن سعيد‏:‏ والله لقد كدنا أن نفتنه من حسن منظره فزعق فينا خالد بن الوليد وقال‏:‏ عليكم بأعداء الله ولا تشتغلوا بالغنائم ولا بالنظر إلى المرج فإنها لكم إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم عطف خالد بن الوليد رضي الله عنه على الروم وقد نظرت الروم إلى الخيل وقد خرجت عليهم وخالد أمامهم فعلموا أنها خيول المسلمين فبادروا إلى السلاح وركبوا الخيل وقال بعضهم لبعض‏:‏ إنها خيل قليلة ساقها المسيح إليكم وجعلها غنيمة لكم فبادروا إليها‏.‏

قال فتبادر الروم وهم يظنون أن ليس وراء خالد أحد وإذا بضرار بن الأزور قد خرج عليهم في ألف فارس وطلع رافع بن عميرة الطائي بعده وطلع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بعدهم وطلبت كل كتيبة فرقة من الروم وتفرقوا من حولهم وطلبوا ما في أيديهم وقد رفعوا أصواتهم يقولون‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله وانصبت خيل المسلمين على الروم كأنها السيل المنحدر ونادى هربيس برجاله قاتلوا عن نعمكم فما لهؤلاء القوم حيلة ولا يخلصون من هذا المكان أبدًا فانقسمت الروم طائفة معه وطائفة مع توما فكان من طلب خالدًا توما وقد أحدق به خمسمائة فارس وقد رفع بين عينيه صليبًا من الجوهر مقمعًا بالذهب الأحمر فعدل خالد وحمل عليه وقال‏:‏ يا عدو الله أظننتم أنكم تفلتون منا والله تعالى يطوي لنا البلاد وكان توما أعور عورته امرأة أبان قال فحمل عليه وطعنه في عينه الأخرى ففقأها وأرداه عن جواده وحمل أصحابه على رجال توما ولله در عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه لما نظر إلى توما وقد سقط عن جواده نزل وجلس على صدره واحتز رأسه ورفعها على السنان ونادى قد قتل والله توما اللعين فاطلبوا هربيس‏.

قال الواقدي‏:‏ ففرح المسلمون بذلك‏.‏

قال رافع بن عميرة الطائي

‏:‏ كنت في الميمنة مع خالد بن الوليد إذ نظر إلي فارس زيه زي الروم وقد نزل عن جواده وهو يقاتل علجة من نساء الروم وهي تظهر عليه مرة فدنوت أنظرها‏.‏

فإذا هو يونس الذليل وهو يقاتل زوجته ويصارعها صراع الأسد‏.‏

قال رافع‏:‏ فدنوت أن أتقدم إليهما فأعينه فقصد إلى عشرة من النساء يرمين قوسي بالحجارة فخرج حجر كبير من امرأة حسناء عليها ثياب الديباج‏.‏

قال فوقع الحجر في جبهة جوادي فانكب على رأسه وكان جوادًا شهدت عليه اليمامة فسقط الجواد ميتًا‏.‏

قال فأسرعت في طلبها فهربت من بين يدي كأنها ظبية القناص وهربت النساء من وراءها فلحقتهن وقصدت قتلهن وزعقت عليهن وكنت أريد قتلهن وما لي قصد إلا الجارية التي قتلت حصاني فدنوت منها وعلوت بالسيف على رأسها فجعلت تقول الغوث الغوث فرجعت عن قتلها وأقبلت إليها وإذا عليها ثياب الديباج وعلى رأسها شبكة من اللؤلؤ فأخذتها أسيرة من النساء وأوثقتها كتافًا ورجعت على أثري فركبت جوادًا من خيل الروم‏.‏

ثم قلت‏:‏ والله لأمضين وأنظر ما كان من أمر يونس فوجدته وهو جالس وزوجته بجانبه وقد تلطخت بدمائها وهو يبكي عليها فلما رأيتها قلت لها أسلمي فقالت‏:‏ لا وحق المسيح لا اجتمعت أنا وأنتم أبدًا‏.‏

ثم أخرجت سكينًا كانت معها فقتلت بها نفسها‏.‏

فقلت‏:‏ إن الله عز وجل أبدلك ما هي أعظم منها وعليها ثياب الديباج وشبكة من اللؤلؤ وهي كأنها القمر فخذها لك بدلًا عن زوجتك فقال‏:‏ أين هي فقلت‏:‏ هاهي معي‏.‏

قال‏:‏ فلما نظر إليها وإلى ما عليها من الحلي والزينة وتبين حسنها وجمالها راطنها بالرومية وسألها عن أمرها فرطنت عليه وهي تبكي فالتفت إلي وقال لي‏:‏ أتدري من هذه قلت‏:‏ لا فقال‏:‏ هذه ابنة الملك هرقل زوجة توما وما مثلي يصلح لها ولا بد لهرقل من طلبها ويفديها بماله‏.‏

قال‏:‏ وافتقد المسلمون خالدًا فلم يجدوا له أثرًا فقلقوا عليه قلقًا عظيمًا وخالد رضي الله عنه غائص في المعركة وقصد اللعين هربيس بعد قتل توما فبينما هو يحمل يمينًا وشمالًا إذ نظر علجًا من علوج الرومان عظيم الخلقة أحمر اللون فظن خالد أنه اللعين فأطلق جواده نحوه وطلبه طلبًا شديدًا ليقتله فلما نظر إليه العلج وإلى حملته فر هاربًا من بين يديه فوكزه خالد بالرمح وإذا هو واقع على الأرض على أم رأسه فانقض عليه خالد كالأسد وهو يقول‏:‏ ويلك يا هربيس أظننت أنك تفوتني وذلك العلج يعرف العربية‏.‏

فقال‏:‏ يا عربي ما أنا هربيس فأبق علي ولا تقتلني‏.‏

فقال خالد‏:‏ ما لك من يدي خلاص إلا إذا كنت تدلني على هربيس‏.‏

فإذا دللتني عليه أطلقتك‏.‏

فقال له العلج‏:‏ أئذا دللتك عليه تطلقني فقال خالد‏:‏ نعم لك ذلك‏.‏

فقال العلج‏:‏ يا أخا العرب قم من على صدري حتى أدلك عليه فقام خالد من على صدره فوثب العلج ونظر يمينًا وشمالًا‏.‏

ثم قال لخالد‏:‏ أترى هذا الجبل وهذه الخيل الصاعدة اقصدها فإن هربيس فيها‏.‏

قال فوكل خالد بالعلج واحدًا وهو ابن جابر ثم أطلق خالد عنان جواده حتى لحق بهم وصرخ عليهم وقال‏:‏ يا ويلكم أنى لكم مني خلاص‏.‏

فلما سمع هربيس ذلك ظنه من بعض العرب فزعق فيه ورجع ورجعت البطارقة بالسلاح‏.‏

فقال لهم خالد‏:‏ يا ويلكم ظننتم أن الله لا يمكننا منكم أنا الفارس الصنديد أنا خالد بن الوليد‏.‏

ثم طعن فارسًا فرماه وآخر فأرداه‏.‏

فلما سمع هربيس كلام خالد قال لأصحابه‏:‏ يا ويلكم هذا الذي قلب الشام على أصحابه هذا صاحب بصرى وحوران ودمشق وأجنادين دونكم وإياه قال فطمع القوم فيه لانفراده عن أصحابه وكان المسلمون في قتال الروم ونهب الأموال وكل منهم مشتغل بنفسه‏.‏

قال فترجلت البطارقة حول خالد لأنهم في جبل كثير الوعر وأحاطوا بخالد بن الوليد فعندما ترجل عن جواده وأخذ سيفه وجحفته وصبر لقتالهم‏.‏

قال حدثني شداد بن أوس وكان ممن حضر وقعة مرج الديباج وقال خالد‏:‏ قد صحت الرؤيا‏.‏

فلما ترجل أقبل يقاتل بنفسه وأقبل إليه هربيس وهو مشغل بالقتال وأتاه من ورائه وصوب خالدًا بالسيف فوقع السيف على البيضة فقدها وقد عمامته وانقض السيف من يد هربيس وخاف خالد أن يلتفت إلى ورائه فتهجم عليه الروم وخاف أن يفلت هربيس من بين يديه فعند ذلك صاح بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير كأنه مستبشر بشيء أغاثه أو أدركه وذلك خديعة منه وحيلة يريد بها أن يتمكن من الأعلاج‏.‏

فبينما هو كذلك إذ سمع من المسلمين زعقات وقد أخذت الروم من ورائهم وهم يصيحون بالتهليل والتكبير وقائل يقول‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله أتاك النصر من رب العالمين أنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق‏.‏

فلما سمع خالد صوته لم يلتفت إلى عبد الرحمن ولا إلى من معه ومضى يفرق الأعلاج ذات اليمين وذات الشمال ولما أن سمع اللعين هربيس أصوات المسلمين أراد الهرب فلحقه سيدنا خالد وضربه ضربة فأرداه قتيلًا وعجل الله بروحه إلى النار واستطال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحاب هربيس ونزلوا فيهم بالسيف حتى أبادوهم صن آخرهم وكان أكثرهم قتلأ من يد ضمرار بن الأزور‏.‏

فلما انكشف الكرب عن خالد ونظر إلى ما فعل ضرار‏.‏

قال‏:‏ أفلح الله وجهك يا ابن الأزور فما زلت مباركًا في كل أفعالك أنجح الله أعمالك وأصلح ربي حالك‏.‏

ثم سلم على عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعلى المسلمين وقال‏:‏ من أين علمتم مكاني هذا فقال عبد الرحمن‏:‏ يا أمين بينما نحن في قتال الروم وقد نصرنا الله عليهم والمسلمون قد اشتغلوا بالغنائم إذا سمعنا هاتفًا من الهواء يقول‏:‏ اشتغلتم بالغنائم وخالد قد أحاطت به الروم‏.‏

فلما سمعنا ذلك لم ندر أي مكان أنت ليه وفقدنا شخصك فدلنا عليك علج كان بيد رجل من أصحابك وقال‏:‏ إن صاحبكم أنا الذي دللته على هربيس وإنه معه في هذا الجبل فسرنا إليك‏.‏

فقال خالد‏:‏ لقد دلنا على عدونا دل علينا المسلمين وقد وجب له الحق علينا ورجع خالد وأصحابه إلى المسلمين فلما رأوه بادروا وسلموا عليه فرد عليهم السلام‏.‏

ثم إن خالدًا رضي الله عنه دعا بذلك العلج الذي دله على هربيس وقال له‏:‏ إنك وفيت لنا ونريد أن نوفي لك بما وعدناك لأنك نصحت لنا فهل لك أن تكون أصحاب دين الصلاة والصيام وملة محمد صلى الله عليه وسلم فتكون من أهل الجنة فقال‏:‏ ما أريد بديني بدلًا فأطلق خالد سبيله‏.‏

قال نوفل بن عمرو‏:‏ فرأيته قد استوى على ظهر جواده يطلب بلاد الروم وحده‏.‏

ثم إن خالدًا رضي الله عنه أمر بجمع الغنائم والأسارى فجمع ذلك إليه فلما رأى كثرته حمد الله تعالى وشكره وأثنى عليه ودعا بدليله يونس النجيب‏.‏

ثم قال له‏:‏ ما فعلت بزوجتك فحدثه بحديثه معها وما كان من أمرها فعجب من ذلك فقال رافع بن عميرة‏:‏ أيها الأمير إني أسرت ابنة الملك هرقل وقد سلمتها إليه بدلًا من زوجته فقال خالد‏:‏ وأين ابنة الملك هرقل فمثلت بين يديه فنظر إلى حسنها وجمالها وما منحها الله به من الجمال فصرف وجهه عنها وقال‏:‏ سبحانك اللهم وبحمدك تخلق ما تشاء وتختار‏.‏

ثم قرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ربك يخلق ما يشاء ويختار‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 8‏]‏‏.‏ ثم قال ليونس‏:‏ أتريدها بدلًا من زوجتك‏.‏

قال‏:‏ نعم ولكني أعلم أن الملك هرقل لا بد له أن يفديها بالأموال أو يخلصها بالقتال‏.‏

فقال خالد‏:‏ خذها لك الآن فإن لم يطلبها فهي لك وإن طلبها فالله يعوضك خيرًا منها‏.‏

فقال يونس‏:‏ أيها الأمير إنك في مكان ضيق ومكان صعب فاعزم على الخروج قبل أن يلحق نفير القوم‏.‏

فقال خالد‏:‏ الله لنا ومعنا وعطف راجعًا يجد في مسيره والغنائم أمامه والمسلمون في أثره فرحين بالغنيمة والسلامة والنصر‏.‏

قال روح بن عطية‏:‏ فقطعنا الطريق كلها وما عرض لنا من الروم أحد ونحن نخوض في وسط ديار القوم خوضًا فلما وصلنا مرج الصغير عند قنطرة أم حكيم نظرنا إلى غبرة من وراءنا‏.‏

فلما عايناها أنكرنا ذلك فأسرع رجال من المسلمين إلى خالد يخبرونه بالغبرة‏.‏

قال‏:‏ أيكم يأتيني بخبرها فبادر بالإجابة رجل من غفار يقال له صعصعة بن يزيد الغفاري‏.‏

قال‏:‏ أنا أيها الأمير‏.‏

ثم نزل عن جواده وكان بجريه يسبق الفرس الجواد لقوة عزمه فورد الغبرة واختبرها ورجع على عقبه وهو ينادي‏:‏ أيها الأمير أدركنا الصلبان من ورائنا وهم مصفدون في الحديد لم يبن منهم غير حماليق الحدق فدعا خالد بيونس الدليل عندما قاربته الخيل وقال‏:‏ يا يونس اقصد نحو الخيل وانظر ما يريدون‏.‏

فقال‏:‏ السمع والطاعة‏.‏

ثم دنا من الخيل وقاربهم ثم رجع إلى خالد وقال له‏:‏ ألم أقل لك أيها الأمير إن هرقل لا يغفل عن طلب ابنته وقد أنفذ هذه الخيل يريدون أن يأخذوا الغنيمة من أيدي المسلمين فلما لحقوك ههنا قريبًا من دمشق بعثوا رسولًا يسألك في الجارية إما بيعها وإما هدية فبينما خالد يتحدث إذ أقبل إليه شيخ عليه لبس المسوح فأقبل حتى دنا من المسلمين فأوقفوه أمام خالد وقال له‏:‏ قل ما تشاء‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ أنا رسول الملك هرقل وإنه يقول لك بلغني ما فعلت برجالي وقتلت توما زوج ابنتي وهتكت حرمتي وقد ظفرت وسلمت فلا تفرط بمن معك والآن إما أن تبيع ابنتي أو تهديها إلي فالكرم شيمتكم وطبعكم ولا يرحم من لا يرحم وإني أرجو أن يقع بيننا الصلح فلما سمع خالد ذلك‏.‏

قال للشيخ‏:‏ قل لصاحبك والله لا رجعت عنه وعن أهل ملته حتى أملك سريره وما تحت قدميه كما في علمك وأما إبقاؤك علينا فلو وجدت إلى ذلك من سبيل فما قصرت وأما ابنتك فهي لك هدية منا ثم إن خالدًا أطلق ابنة الملك هرقل وسلمها للشيخ ولم يأخذ في فدائها شيئًا فلما بلغ ذلك الرسول إلى الملك هرقل قال لعظماء الروم‏:‏ هذا الذي أشرت عليكم فلم قال الواقدي‏:‏ فبكت الروم بكاء شديدًا وسار خالد حتى أتى دمشق وكان المسلمون وأبو عبيدة قد أيسوا من خالد ومن معه فهم في أعظم القلق والإياس إذ قدم عليهم خالد رضي الله عنه والمسلمون فخرجوا إلى لقائه وهنئوه بالسلامة وسلم المسلمون بعضهم على بعض ووجد خالد في دمشق عمرو بن معد يكرب الزبيدي ومالك بن الأشتر النخعي ومن كان معهما وأقبل خالد إلى جانب أبي عبيدة وهو يحدثه بما لاقى في غزوته وأبو عبيدة يتعجب من شجاعته وجسارته فلما استقر بخالد مكانه أخذ الخصر من الغنائم وفرق الباقي على المسلمين ثم إن خالدًا أعطى من ماله ليونس وقال‏:‏ خذ هذا فتزوج به أو اشتر به جارية لك من بنات الروم‏.‏

قال يونس‏:‏ والله لا أتزوج في هذه الدار الدنيا زوجة أبدًا وما أريد إلا أن أتزوج في الآخرة بعيناء من الحور العين‏.‏

قال رافع بن عميرة الطائي‏:‏ فشهد معنا القتال إلى يوم اليرموك فما كنت أراه في حرب إلا ويجاهد جهادًا عظيمًا وقد أبلى في الروم بلاء حسنا فأتاه سهم في لبته فخز ميتًا رحمه الله تعالى‏.‏

قال رافع‏:‏ فحزنت عليه وأكثرت من الترحم عليه فرأيته في النوم وعليه حلل تلمع وفي رجليه نعلان من ذهب وهو يجول في روضة خضراء فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك‏.‏

قال‏:‏ غفر لي وأعطاني بدلًا من زوجتي سبعين حوراء لو بدت واحدة منهن في الدنيا لكف ضوء وجهها نور الشمس والقمر فجزاكم الله خيرًا فقصصت الرؤيا على خالد فقال‏:‏ ليس كتب خالد بالفتح قال الواقدي‏:‏ ولقد بلغني أن خالدًا رضي الله عنه لما رجع من غزوته ومسيره غانمًا ظن أن الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه حي لم يقبض فهم أن يكتب له كتابًا بالفتح والبشارة وما غنم من الروم


فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ضرار بن الأزور وإقدام خالد بن الوليد ومعركة أجنادين تاريخ بطولى مشرف للمسلمين**
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: قسم التاريخ :: التاريخ الاسلامى-
انتقل الى: