منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

 فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
بوجى
المدير العام
المدير العام
بوجى


اسم العضو : محمد حسن
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 739
تاريخ الميلاد : 25/03/1994
تاريخ التسجيل : 28/09/2010
العمر : 30

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالسبت يونيو 25, 2011 7:39 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**


يزيد بن أبي سفيان وفتح صور

قال الواقدي‏:‏ وكان عمرو بن العاص لما نزل على قيسارية وجه يزيد بن أبي سفيان في ألفي فارس إلى صور فلما سمع الدمستق أمر بالأبواب فأغلقت وصعدت الرجالة على الأسوار وعمروا الأبراج ونصبوا المجانيق وأدخل الدمستق يوقنا إلى قصر صور واستوثق منهم لئلا يتم عليه أمر منهم وبات القوم يحرسون وأضرموا نيرانهم على الأسوار فأقبلوا يرقصون ويشربون طول ليلتهم فلما كان الغد أشرف عليهم يزيد بن أبي سفيان فنظر إليهم الدمستق فلما رآهم قليلًا استحقرهم وطمع فيهم وقال‏:‏ وحق المسيح لا بد لي من الخروج إليهم وهزم هذه الشرذمة اليسيرة‏.‏

ثم لبس الدمستق اللباس وأمرهم بالخروج وترك على حفظ يوقنا وأصحابه ابن عمه باسيل‏.‏

قال‏:‏ وكان باسيل هذا ممن قرأ الكتب السالفة والأخبار الماضية وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في دير بحيرا الراهب وكان باسيل قد مضى إلى زيارة بحيرا فلما قدمت عير قريش وجمال خديجة بنت خويلد وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر بحيرا إلى القافلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في وسطها والسحابة على رأسه تظله من حر الشمس فلما تبينه قال‏:‏ والله هذه صفة النبي الذي يبعث من تهامة ثم انتظروا وإذا بالركب قد نزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم نزل وحده تحت شجرة يابسة واستلقى إليها فأورقت الشجرة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما عاين بحيرا ذلك صنع طعامًا لقريش واستدعاهم فدخلوا الدير وبقي هو مع الإبل ليرعاها فلما نظر بحيرا إليهم ولم يره في جملتهم قال‏:‏ يا معشر قريش هل بقي منكم أحد‏.‏

قالوا‏:‏ نعم بقي فينا من تخلف لحفظ القافلة ورعي الإبل‏.‏

قال‏:‏ ما اسم من يرعى الإبل قالوا‏:‏ محمد بن عبد الله‏.‏

قال‏:‏ هل مات أبوه وأمه قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ هل كفله جده وعمه‏.‏

قالوا‏:‏ نعم قال‏:‏ يا قريش هو والله سيدكم وبه يعظم في الدنيا مجدكم قالوا‏:‏ من أين علمت ذلك‏.‏

قال‏:‏ لما أشرفتم علي من البرية لم يبق صخر ولا مدر إلا خر له ساجدًا‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فبقي باسيل في حيرة من أمرهم وكتم سره وعلم أن بحيرا لا يتكلم إلا بالحق فلما وقع يوقنا وأصحابه ووكله الدمستق على حفظهم قال‏:‏ إن الإسلام هو الحق وقد بشر به بحيرا الراهب ولعل الله يغفر لي إذا حللت هؤلاء القوم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ من حسن تدبير الله لعباده المؤمنين أنه لما خرج الدمستق إلى لقاء يزيد بن أبي سفيان لم يتأخر أحد من شباب المدينة لا صغير ولا كبير إلا وخرج معه وبقيت العوام ينتظرون على الأسوار ما يكون بينهم وبين العرب فلما نظر باسيل إلى المدينة وخلوها واشتغال أهلها بالحرب أخذ رأيه على خلاص يوقنا ومن معه فأقبل إليهم بالليل والتفت إلى يوقنا وأصحابه وقال‏:‏ أيها البطريق كيف تركت دين آبائك وأجدادك من قبل وعولت على دين هؤلاء العرب وما الذي رأيت من الحق حتى تبعتهم وقد كانت الروم تتخذك عضدًا لها وعونًا قال له يوقنا‏:‏ يا باسيل ظهر لي من الحق ما ظهر لك من الحق فعرفته وقد هتف بي هاتف يقول لي‏:‏ إن الذي هداك إلى دينه يخلصك وبشرني بالخلاص على يديك‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع زاد إيقانه وتحقق إيمانه وقال ليوقنا‏:‏ لقد أنطق الله لسانك بالحق وإن الله كشف حجاب الغفلة عن قلبي منذ رأيت نبي هؤلاء القوم بدير بحيرا الراهب وهو في قافلة لأهل مكة ورأيت من دلائله أنه لا يسير على الأرض إلا والشجر تسير إليه والسحابة على رأسه تظلله ولقد استند إلى شجرة يابسة فأورقت في الحال وأنبأني بحيرا الراهب أنه وجد في العلم أن جماعة من الأنبياء استندوا إليها وجلسوا حولها فلم تورق فلما استند بظهره إليها أورقت أغصانها وأينعت فعجبت من ذلك وسمعت بحيرا يقول‏:‏ هذا والله الذي بشر به المسيح فطوبى لمن تبعه وآمن به وصدقه فلما عدت من زيارة بحيرا سافرت إلى القسطنطينية بتجارة وطفت في بلاد الروم وأقمت ما شاء الله ثم عدت إلى قيسارية فرأيت الروم في هرج ومرج فسألت عن أحوالهم فقيل قد ظهر نبي في الحجاز اسمه محمد بن عبد الله وقد أخرجه قومه من مكة‏.‏

وقد أتى إلى المدينة التي بناها تبع وقد ظهر على قومه ونصر عليهم فما زلت أسأل عن أخباره وهي في كل يوم تنمو وتزيد حتى مات ثم ولى صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأنفذ جيوشه إلى الشام فلم يلبث إلا يسيرا ثم مات وولى هذا الرجل عمر بن الخطاب ففتح بلادنا وهزم جيوشنا وأنا مع ذلك أنتظر قدومهم إلى هذا الساحل حتى أتى الله بهم‏.‏

فقال له يوقنا‏:‏ وما الذي عزمت عليه‏.‏

قال‏:‏ عزمت والله أن أفارق قومي وأتبعكم فإن الحق بين ثم حل يوقنا وأصحابه وسلم إليهم العدد والسلاح وقال ليوقنا‏:‏ اعلم أن مفاتيح أبواب المدينة عندي والعسكر خارج المدينة مشتغل بقتال العرب وليس في المدينة من يخاف جانبه فانهض على اسم الله‏.‏

فقال يوقنا‏:‏ جزاك الله خيرًا فلقد هداك الله إلى دينه وسلك بك طريق النجاة وختم لك بخير‏.‏

ويجب الآن علينا أن نظهر أنفسنا ونبعث في المراكب حتى ينزلوا إلينا ونكون نحن يدًا واحدة‏.‏

فقال باسيل‏:‏ سأفعل ذلك ثم إنه خرج لي حال الخفاء وفتح باب البحر ومعه رجل من بني عم يوقنا وركبا زورقًا حتى وصلا إلى البحر والمراكب وحدثاهم بما قد كان فأقبل كل مركب برجاله إليهما وساروا إلى أن نزل الجميع وحصلوا داخل المدينة أعني مدينة صور وأعمى الله أبصار الكفار فلما هموا أن يثوروا قال يوقنا‏:‏ ليس هذا من الرأي وأين من يهب نفسه لله عز وجل ويخفي أمره ويخرج من الباب ويدور إلى عسكر المسلمين ويتوصل إلى أميرهم ويعلمه بما كان منا ويكون على أهبة وإذا سمع بنا أحد لا يهوله وليصدم جيش العدو فقال رجل من القوم‏:‏ أنا أكون ذلك الرجل ثم خرج متنكرًا وأغلق باسيل خلفه ووصل إلى يزيد بن أبي سفيان وحدثه بالأمر على حقيقته وبما كان من أمر يوقنا فسجد لله شكرًا وبعث من ساعته إلى المسلمين ليأخذوا على أنفسهم في الكبة على القوم ففعلوا ذلك‏.‏

وأما يوقنا رحمه الله فلما علم أن الخبر وصل إلى المسلمين قال لأصحابه‏:‏ ليصعد منكما خمسمائة رجل إلى السور ويقتلوا من عليه قال باسيل‏:‏ ليس هذا رأيًا فإن العوام لا اعتبار لهم ولعل الله أن يهديهم إلى الإسلام ولكن مر أصحابك أن يلزموا مطالع السور حتى لا ينزل أحد منهم ويزعقوا بالأمان‏.‏

قال‏:‏ فاستصوب رأيه ووكل الرجال بالمطالع ثم زعق يوقنا وأصحابه بصوت مزعج وقالوا‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله فسمع كل من في المدينة ومن على السور ذلك فعلموا أن يوقنا وأصحابه تخلصوا من الأسر ووثبوا في المدينة وطارت عقولهم وانزعجت أفئدتهم على أولادهم وأهاليهم فبقوا في حيرة فسمع يزيد بن أبي سفيان الضجة فعلم أن المسلمين قاموا في المدينة فكبر وكبرت المسلمون وهلل الموحدون فسمع الدمستق الضجة من المدينة فعلم أن يوقنا وأصحابه تخلصوا من الأسر وهم الذين فعلوا ذلك فوقع الرعب في قلوبهم ونظروا إلى النيران قد اشتعلت في عسكر المسلمين وتأهبوا للحملة عليهم فلم يبق لهم صبر وقد انقطعت قلوبهم من أجل أموالهم وأولادهم الذين في داخل المدينة وقيسارية محاصرة وليس لهم مدد من ولد الملك فولوا الأدبار واتبع المسلمون آثارهم وملكوا خيامهم وما كان فيها فلما أصبح الصباح فتح يوقنا باب المدينة ودخل يزيد بن أبي سفيان ومن معه من المسلمين واحتووا على أموال الروم ونادى من كان على السور الغوث فأمنهم المسلمون ونزلوا بأجمعهم فقال لهم يزيد‏:‏ إن الله عز وجل قد فتح لنا مدينتكم عنوة وأنتم الآن لنا عبيد فما شئنا حكمنا فيكم ولكن نحن إذا عاهدنا وفينا إذا قلنا صدقنا وقد أعطيناكم الأمان من أنفسنا ولكن عليكم الجزية كلى من لم يدخل في ديننا ومن أسلم منكم فله ما لنا وعليه ما علينا فأجاب القوم إلى ذلك وأسلم أكثر القوم وبلغ الخبر إلى فلسطين بأن صور قد فتحت فعلم أنه لا بقاء له فأخذ الفرصة وانهزم وأخذ خزائنه وأمواله وذخائره وخدمه وأركبهم في المراكب بالليل وأقلع يريد اللحوق إلى قسطنطينية


فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7stars.forumarabia.com
بوجى
المدير العام
المدير العام
بوجى


اسم العضو : محمد حسن
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 739
تاريخ الميلاد : 25/03/1994
تاريخ التسجيل : 28/09/2010
العمر : 30

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالسبت يونيو 25, 2011 7:41 am

فتح قيسارية والرملة وعكا وعسقلان ونابلس وطبرية وبيروت وجبلة واللازقية

فلما نظر أهل قيسارية إلى ذلك خرجوا إلى عمرو بن العاص وصالحوه على أن يسلموا له المدينة فصالحهم على مائة ألف درهم وما ترك الملك من خزائنه ورجاله فأجابوه إلى ذلك وكتب لهم كتاب الصلح فعندها دخل عمرو بن العاص إلى قيسارية وأخذ بقية ما ترك الملك وضرب الجزية عليهم من السنة الآتية كل رجل أربعة دنانير وبذلك أمرهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وبعث عمرو جيشًا إلى صور مع ياسر بن عمار بن سلمة وكان شيخًا كبيرًا قد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا والنضير وقتل أخوه يوم حنين قتله مالك بن عون النضيري فبعثه عمرو إلى صور ومعه رجل من أصحابه وصالح عمرو بن العاص أهل قيسارية على مائة ألف درهم وما خلفه فلسطين من بقية ذخائره قال‏:‏ ودخلها يوم الأربعاء في العشر الأول من رجب الفرد سنة تسع عشرة من الهجرة ووصل الخبر إلى الرملة وعكاء وعسقلان ونابلس وطبرية فعقدوا كلهم صلحًا مع المسلمين وكذلك أهل بيروت وجبلة واللاذقية وملك الله الشام كله للمسلمين ببركة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم‏.‏

ذكر فتوح مصر

بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي‏.‏

قال زياد بن عامر‏:‏ قال شام بن عبد الله العنبري‏:‏ حدثنا سالم مولى عروة بن النعيم اليشكري قال‏:‏ لما فتح عمرو بن العاص قيسارية صلحًا كان لعمر في الخلافة أربعة أعوام وستة أشهر وبلغ الخبر إلى أهل الرملة وعكاء وبلقاء وعسقلان وصيدا وعزة ونابلس وطبرية فأتى كبراؤهم إلى أبي عبيدة وأصلحوا أمرهم معه على مال لا يحصى وكذلك أهل بيروت وجبلة واللاذقية وأنفذ أبو عبيدة لعمرو بن العاص أن يسير إلى مصر بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وملك المسلمون أقاصي البلاد ببركة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعظم كرم‏.‏

قال‏:‏ وسكنها العرب وتفرقوا في البلاد والمدن ودانت لهم العباد وكل يوم يزدادون فلم يبق في الشام وأعمالها مركز من مراكز الروم إلا أخذه المسلمون وتوالدوا وتناسلوا وكثروا ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال محمد بن إسحق الأموي رحمه الله تعالى‏.‏

قال‏:‏ حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة عليه بالخضراء بمدينة عسقلان‏.‏

قال‏:‏ أخبرنا الليث بن سعد‏.‏

قال‏:‏ حدثنا نوفل بن عامر قال‏:‏ أخبرني يحيى بن ساكن المدني قراءة عليه يوم الجمعة ونحن عند منبر يونس بن متى‏.‏

قال‏:‏ لما فتح الله ساحل الشام على المسلمين في سنة تسع عشرة من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبوا بذلك إلى أمير جيوش المسلمين أبي عبيدة عامر بن الجراح‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

من عمرو بن العاص إلى أمين الأمة‏.‏

أما بعد‏:‏ فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأن الله جل وعلا قد فتح ما كان قد بقي من الساحل وأخذنا قيسارية صلحًا وهرب منها فلسطين بن هرقل بأمواله وعياله ونحن بها ننتظر أمرك والسلام‏.‏

وكتب أيضا يزيد بن أبي سفيان بما تتم ليوقنا في صور وأن الله قد عضد الدين ووصل الكتابان إلى أبي عبيدة وقد رحل من حلب يريد طبرية فوصل إليه الخبر وهو نازل على الزراعة فلما قرأ الكتابين تهلل وجهه فرحًا وضج المسلمون بالتهليل والتكبير وكتب من وقته وساعته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبشره بما فتح الله على المسلمين وبما فعله يوقنا ووجه الكتاب مع عرفجة بن مازن فركب ناقته وسار حتى وصل المدينة‏.‏

قال عرفجة بن مازن‏:‏ وعلي من ديباج الروم قباء فاخر وعلى رأسي مطرف خز مذهب‏.‏

قال‏:‏ فلما أتيت المدينة ودخلتها يوم الجمعة أول ليلة من شهر رمضان قبل مغيب الشمس وعمر رضي الله عنه قد أتى يريد المسجد فلما أبركت ناقتي وعقلتها وجئته لأسلم عليه نظر إلي شزرًا وقال‏:‏ من الرجل‏.‏

قلت‏:‏ عرفجة بن مازن فقال‏:‏ يا ابن مازن أما كان لك برسول الله أسوة حسنة وأن هذه ثياب الجبارين ومن جعل الله لهم الدنيا جنة وهذا الديباج حرام على الرجال منا ولا يصلح إلا للنساء وهذا الذي عليك تصدق به على فقراء المدينة‏.‏

أما والله لقد دخلت يومًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على سرير مرمل بشريط وليس بين جلده وبين الشريط شيء وقد أثر الشريط في نعومة جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيت ذلك بكيت‏.‏

فقال لي‏:‏ يا عمر ما الذي أبكاك‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله إن كسرى وقيصر يعيشان في ملك الدنيا وأنت رسول الله بهذه المثابة‏.‏

فقال‏:‏ يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة‏.‏

قال عرفجة‏:‏ فسلمت إليه الكتاب فلما قرأه تهللت أسارير وجهه‏.‏

قال عرفجة‏:‏ ثم نزلت على خالتي عفراء بنت أبي أيوب الأنصاري وبت عندها ليلتي فلما أصبحت لم أقدر أن أقابل عمر بذلك الزي فأعطيت الثوب والعمامة لخالتي فباعتهما وتصدقت بثمنهما على فقراء المدينة قال‏:‏ وسرت إلى عمر وعلي وثوب من كرابيس الشام كان تحت ثيابي فلما رآني تبسم في وجهي وقال‏:‏ يا ابن مازن ما فعلت بديباجتك‏.‏

قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين باعتها خالتي وتصدقت بثمنها على المسلمين فقرأ عمر ‏{‏وما تفعلوا من خير يعلمه الله‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏‏.‏ ثم إنه كتب إلى أبي عبيدة يقول‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح أما بعد‏:‏ فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقد فرحت بما فتح الله على المسلمين وما وعدنا به رسول الله من كنوز قيصر وسيفتح علينا من كنوز كسرى والحمد لله على ذلك كثيرًا وقد بلغني أن بادية الأعراب قد استلذوا الدنيا وزينتها وقد نصبت لهم شباك محبتها وقد تمسكوا بذيل غرورها ونسوا نعيم الجنة وقصورها ورفلوا في ثياب الديباج والخز وأكلوا الحلواء وخبز الحنطة ولهاهم ذلك عن الآخرة وقد بلغني يا ابن الجراح أنهم قد تهاونوا بالصلاة ونسوا المفترضات فجرد عليهم عتاق الخيل ذوات الهمم وأغلظ عليهم ولا تكن لهم خاملًا فيطمعوا فيك ومن أخل منهم بشيء مما فرض عليهم فأقم فيهم حدود الله واعلم بأنك راع ومسؤول عن رعيته‏.‏

قال الله عر وجل‏:‏ ‏{‏الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 41‏]‏‏.‏ وقد قال فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أبو عبيدة أمين هذه الأمة‏)‏‏.‏ فأعط الأمانة حقها ومن ترك صلاته فاضربه عليها ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه‏.‏

فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه اشتغالًا بالصلاة وبعظمة الله وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله عز وجل يقول‏:‏ إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زارني فيها عمارها بالعبادة فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني فحق على المزور أن يكرم زائره‏)‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏جميع المفترضات افترضها الله علي في الأرض إلا الصلاة فإن الله افترضها علي في السماء‏)‏‏.‏ وإذا قرأت بكتابي هذا فأمر عمرو بن العاص أن يتوجه إلى مصر بعسكره ويقدمهم عامر بن ربيعة العامري ومشايخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضي بهم عند مشورته وأنفذ من قدرت عليه من الأرض ربيعة وديار الجد بن صالح والله أسأل أن يكون لكم عونًا ومعينًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

وسلم الكتاب إلى عجرفة بن مازن وأمر له بنفقة من بيت المال‏.‏

قال عجرفة‏:‏ فأخذت الكتاب وسرت به على طريق تيماء فلقيت عند بيت لحم راكبًا من أهل وادي القرى فسألهم عن أبي عبيدة فأخبروني أنه على غباغب وهو طالب طبرية قال عجرفة‏:‏ أطلب الغور والجولان وأقصد طبرية قال‏:‏ فالتقيت بأبي عبيدة على الأردن فسلمت عليه وناولته كتاب عمر رضي الله عنه فلما قرأه جمع المسلمين وقرأ عليهم فلما فرغ قال‏:‏ ما من رجل ترك الصلاة أو أخل بشيء مما أفترضه الله عليه إلا جلدته ومن الغد أتى خالد بن الوليد من طرابلس فقرأ عليه الكتاب وأنفذه إلى عمرو بن العاص أرسل يحثه على المسير إلى أرض مصر فلما وصل إلى عمرو أخذ على نفسه بالمسير وسار معه يزيد بن أبي سفيان وعامر بن ربيعة العامري وجماعة من الصحابة وسار معه يوقنا في أربعة آلاف من أصحابه وقد وهبوا أنفسهم لله ورسوله فسار عمرو على البيداء من وراء العريش قال‏:‏ وكانت أرض مصر وريفها عامرة بالديور والصوامع وكان دير الزجاج في مملكة القبط وكان معهم يومئذ المقوقس بن راعيل وكان هذا الملك من أهل الرأي والتدبير والفضل والحكمة وكان تلميذ الحكيم أعاشادمون وهو الذي لما غلبت الحيات على أرض مصر وأخربتها صنع لها جلجلًا وكان من حركة سمع صوته من مقدار ميل قال‏:‏ فتخرج الحيات من حجرتها فمن هربت نجت ومن وقعت هلكت وكان المقوقس من أعلم أهل زمانه وكانت القبط معه في عيشة مرضية وكان يتوقع ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان حكيم ذلك الزمان بمصر يقال له عطماوس وهو الذي صنع دواليب الريح ورحى الهواء وكان عمر في الأجيال واطلع على مكنون الحكم والأسرار وعرف عمل صنعة الإكسير وعمل الذهب والفضة والجوهر والحركات المتحركة من نفسها بهبوب الريح وأجناس الأهوية في أجسامها وكان يجد في عمله أن الله يبعث نبيًا من أرض تهامة ينشر دينه وتعلو كلمته وتملك أصحابه البلاد فعمل في أيام راعيل أبي المقوقس هيكلًا عظيمًا على أعمدة من نحاس بمكان يعرف بعين شمس وجعل عليه أشخاصًا مجؤفة جعل وجهها إلى جهة مصر وكتب عليها بالقبطية إذا دارت هذه الأشخاص إلى جهة الحجاز فقد قرب ملك العرب قال‏:‏ فبينما المقوقس راكب في بعض الأيام للصعيد وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انتهى سيره إلى عين شمس إذ هو سمع أصواتًا من الأشخاص قد علت ثم إنها حولت وجهها نحو الحجاز فأيقن بتلف ملكه وزواله فعاد من ركوبه وهو قلق ودخل الشمع وجلس على سريره وجمع القسوس والرهبان وكبراء القبط وقال لهم‏:‏ يا أهل دين النصرانية اعلموا أن زمانكم قد مضى وهذا النبي المبعوث لا شك فيه وهو أخر الأنبياء ولا نبي بعده وقد بعث بالرعب ولا بد لرجل من أصحابه أن يملك ما تحت سريري هذا فانظروا إلى ملككم وأصلحوا ذات بينكم وارفقوا برعيتكم ولا تجوروا في حكمكم وأمنوا ضعفاءكم وإياكم واتباع الظلم فإن الظلم وبيل ومرتعه وخيم وأعطوا الحق من أنفسكم ولا يستطل قويكم على ضعيفكم وما دامت الدنيا لأحد من قبلكم حتى تدوم لكم وكما ملكتموها ممن كان قبلكم كذلك يأخذها منكم من كان بعدكم فأصلحوا نياتكم فيما بينكم وبين خالقكم فإن فعلتم ذلك رجوت لكم النصر على أعدائكم ومن يريدكم وإن اتبعتم أهواءكم تبين هلاككم‏.‏

قالت‏:‏ حدثنا ابن إسحق عن عبد الملك عن أبيه عن حسان بن كعب عن عبد الواحد بن عوف عن موسى بن عمران عن حميد الطويل عن أبي إسحق الراوي المغازي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وبايعه الأوس والخزرج كتب إلى ملوك الأرض وفي الجملة كتابًا إلى المقوقس ملك مصر وكان الذي كتب الكتاب إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ونسخة الكتاب‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب مصر‏.‏

أما بعد‏:‏ فإن الله أرسلني رسولًا وأنزل علي كتابًا قرانًا مبينًا وأمرني بالإنذار والأعذار ومقاتلة الكفار حتى يدينوا بديني ويدخل الناس فيه وقد دعوتك إلى الإقرار بوحدانية الله تعالى فإن أنت فعلمت سعدت وإن أنت أبيت شقيت والسلام ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه‏.‏

قال أنس بن مالك‏:‏ فاستخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبعه وكان فصه عليه ثلاثة أسطر‏:‏ السطر الأول محمد السطر الثاني رسول السطر الثالث الله ولا نقش أحد على خاتمه كنقشه‏.‏

قال سمرة بن عوف‏:‏ قمت لحميد الطويل‏:‏ أكان لخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فص أم لا‏.‏

قال‏:‏ لا أدري قال‏:‏ وسأل رجل جابر بن عبد الله الأنصاري فقال له‏:‏ في أي يد كان يتختم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال‏:‏ في يده اليمنى ويقول‏:‏ ‏(‏اليمنى أحق بالزينة من الشمال‏)‏ وفص الخاتم في يمينه

قال عبد الله بن عباس

‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يمينه ثم حوله إلى يساره‏.‏

حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره وحدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعًا يتختمون في اليسار‏.‏

قال الراوي‏:‏ فلما طبع الكتاب بخاتمه قال‏:‏ أيها الناس أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله‏.‏

قال‏:‏ فوثب إليه حاطب بن أبي بلتعة القرشي وقال‏:‏ أنا يا رسول الله‏.‏

فقال له‏:‏ ‏(‏بارك الله فيك يا حاطب‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأخذت الكتاب من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وودعته وأصحابه وسرت إلى منزلي وشددت راحلتي وودعت أهلي واستقمت على الطريق إلى نحو مصر‏.‏

فلما بعدت عن المدينة بثلاثة أيام أشرفت على ماء لبني بدر فأردت أن أورد ناقتي الماء وإذا على الماء رجلان ومعهما ناقتان ومعهما رجل آخر راكب على جواد أدهم فلما رأيتهم وإذا بالفارس أتى إلي وقال لي‏:‏ من أين أقبلت وأين تريد‏.‏

فقلت‏:‏ يا هذا لا تسأل عما لا يعينك فتقع فيما يحزنك ويخزيك أنا رجل عابر سبيل وسالك طريق‏.‏

فقال‏:‏ ما إياك أردنا ولا نحوك قصدنا نحن قوم لنا دم وثأر عند محمد بن عبد الله وقد جئت أنا وهذان الرجلان وتحالفنا على أن ندهمه على غفلة فلعلنا نجد منه غزة فنقتله‏.‏

قال حاطب‏:‏ والله لقد أمكنني الله منهم فلأجعلن جهادي فيهم ولو بالخديعة فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا الحرب خدعة‏.‏

فبينما أنا أخاطب الفارس وإذا بالراكبين قد وصلا إلي وقالا لي بغلظة وفظاظة‏:‏ ويحك لعلك من أصحاب محمد فقلت لهما‏:‏ لقد كاد أن يتبدل لكما الطريق عن سبيل التحقيق وإني رجل مثلكما أطلب ما تطلبون وأنا قاصد يثرب وقد عولت علي صحبتكم لأكون معكم ولكن سمعت في طريقي هذا ممن أثق به أن محمدًا أنفذ رسولًا من أصحابه إلى مصر بكتاب فلعله في هذا الوادي فإن وقعنا به قتلناه‏.‏

فقال صاحب الفرس‏:‏ أنا أسير معك ثم إنه تقدم أمامي وتركنا صاحبيه واقفين ينتظران قال حاطب‏:‏ فلما بعدت به عن أصحابه وغبنا عنهما قلت‏:‏ ما اسمك‏.‏

قال‏:‏ اسمي سلاب بن عاصم الهمداني قلت‏:‏ يا سلاب اعلم أنه لا يقدر أن يدخل على يثرب إلا من كان له جنان وقلب وغدر ومكر لأن بها سادات الأرض وأبطالها مثل عمر وعلي ولكن كيف سيفك‏.‏

قال‏:‏ سيفي ماض قلت‏:‏ أرني إياه فاستقه من غمده وسلمه إلي فأخذت السيف من يده وهززته وقلت‏:‏ سيف ماض ثم قلت‏:‏ سيوف حداد يا لؤي بن غالب مواض ولكن أين للسيف ضارب فقال‏:‏ ما معنى هذا الكلام قلت‏:‏ يا ابن عاصم إن سيفك هذا من ضرب قوم عاد من ولد شداد وما ملكت العرب سيفًا مثله ولا أمضى من هذا السيف ولكن وجب علي إكرامك وأريد التقرب إليك بحيلة أعلمك إياها تقتل بها عدوك‏.‏

فقال‏:‏ بذمة العرب أفعل ذلك‏.‏

فقال حاطب‏:‏ إذا كنت في مقام حرب وقتال وخصمك بين يديك وتريد قتله فهز هذا السيف حتى يهتز هكذا وتلتئم مضاربه واضربعدوك بحرفه فإنه أسرع للقتل والقطع وملت بالسيف على عنقه وإذا برأسه طائر عن بدنه فنزلت إليه وأمسكت الجواد لئلا ينفلت فينذر أصحابه وتركته مربوطًا إلى شجرة وأسرعت إلى صاحبيه وإذا هما ينتظراننا فلما رأياني أقبل أحدهما إلي فقال‏:‏ ما وراءك وأين سلاب فقلت‏:‏ أبشر بأخذ الثأر وكشف العار واعلم بأننا وجدنا رجلين من أصحاب محمد وهما نائمان وقد وجهني سلاب بأن يمضي أحدكما حتى نتمكن منهما ويقف أحدكما ههنا فإن هذأ الوادي ما خلا ساعة من أصحاب محمد‏.‏

فقال‏:‏ نعم الرأي الذي أشرت به وسار معي فلما غيبته عن صاحبه قلت‏:‏ ما اسمك‏.‏

قال‏:‏ عبد اللات قلت‏:‏ كن رجلًا وإياك الخوف فإنك إن رأيتنا ولد هجمنا على الرجلين فاستيقظ‏.‏

فقال‏:‏ لا بد أن أفعل ذلك فقلت له‏:‏ إني أرى غيرة ولا شك أن تحتها قوما ممن صبأ إلى دين محمد فجعل يتأمل كأنه الوالد الحيران فعاجلته بضربة على غفلة فرميت رأسه عن بدنه وعدت إلى الثالث فلما رآني وحدي تيقن بالشر فقارعني وقارعته وصدمني وصدمته إلا أن الله أعانني عليه فقتلته وأخذت الراحلتين والفرس وأسلابهما ووضعت الجميع عند رجل من أصحابي وكان رفيقًا لي من زمن الجاهلية وهو من عبد شمس ثم توجهت أريد مصر ولم أزل إلى أن أتيتها فلما وصلت إلى باب الملك قالوا‏:‏ من أين جئت‏.‏

قلت‏:‏ أنا رسول إلى ملككم فقالوا‏:‏ من عند من قلت‏:‏ من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا بذلك أحاطوا بي وأوصلوني إلى قصر الشمع بعد أر استأذنوا لي وأوقفوني على باب الملك فأمرهم بإحضاري بين يديه فعقلت راحلتي وسرت معهم عند المقوقس وإذا هو في قبة كثر الجوهر في حافتها ولمع الياقوت من أركانها والحجاب بين يديه‏.‏

فأومأت بتحية الإسلام فقال حاجبه‏:‏ يا أخا العرب أين رسالتك‏.‏

قال‏:‏ فأخرجت الكتاب فأخذه الملك من يدي بيده‏.‏

قال‏:‏ فباسه ووضعه على عينيه وقال‏:‏ مرحبًا بكتاب النبي العربي ثم قرأه وزيره الباكلمين فقال له‏:‏ اقرأه جهرًا فإنه من عند رجل كريم فقرأه الوزير إلى أن أتى إلى آخره‏.‏

فقال الملك لخادمه الكبير‏:‏ هات السفط الذي عندك فأتى به ففتحه واستخرج نمطًا ففتح ذلك النمط وإذا فيه صفة آدم وجميع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وفي آخره صفة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال لي‏:‏ صف صاحبك حتى كأنني أواه‏.‏

قال حاطب‏:‏ ومن يقدر أن يصف عضوًا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال‏:‏ لا بد من ذلك‏.‏

قال‏:‏ فوقفت بعدما كنت جالسًا وقلت‏:‏ إن صاحبي وسيم قسيم معتدل القامة بعيد الهامة بين كتفيه شامة وله علامة كالقمر إذا برز صاحب خشوع وديانة وعفة وصيانة صادق اللهجة ووضح البهجة أشم العرنين واضح الجبين سهل الخدين رقيق الشفتين براق الثنايا بعينيه دعج وبحاجبيه زجج وصدره يترجرج وبطنه كطي الثوب المدبج له لسان فصيح ونسب صحيح وخلق مليح قال‏:‏ والملك ينظر في النمط فلما فرغت قال‏:‏ صدقت يا عربي هكذا صفته فبينما هو يخاطبني إذ نصبت الموائد وأحضروا الطعام فأمرني أن أتقدم فامتنعت فتبسم وقال‏:‏ وقد علمت ما أحل لكم وحرم عليكم ولم أقدم لك إلا لحم الطير‏.‏

فقلت‏:‏ إني لا آكل في هذه الصحاف الذهب والفضة فإن الله قد وعدنا بها في الجنة قال‏:‏ فبدلوا طعامي في صحاف فخار فأكلت‏.‏

فقال‏:‏ أي طعام أحب إلى صاحبك‏.‏

فقلت‏:‏ الدباء يعني القرع فإذا كان عندنا شيء منه آثرناه على غيره‏.‏

فقال‏:‏ ففي أي شيء يشرب الماء فقلت‏:‏ في قعب من خشب‏.‏

قال‏:‏ أيحب الهدية قلت‏:‏ نعم فإنه قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع لقبلت‏)‏‏.‏ قال‏:‏ أيأكل الصدقة‏.‏

قلت‏:‏ لا بل يقبل الهدية ويأبى الصدقة وقد رأيته إذا أتي بهدية لا يأكل منها حتى يأكل صاحبها‏.‏

فقال الملك‏:‏ أيكتحل‏.‏

قلت‏:‏ نعم في عينه اليمنى ثلاثًا وفي اليسرى اثنتين وقال‏:‏ ‏(‏من شاء اكتحل أكثر من ذلك أو أقل‏)‏ وكحله الإثمد وينظر في المرآة ويرجل شعره ويستاك‏.‏

فقال المقوقس‏:‏ إذا ركب ما الذي يحمل على رأسه فقلت‏:‏ راية سوداء ولواء أبيض وعلى اللواء مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله‏.‏

فقال‏:‏ أله كرسي يجلس عليه أو قبة‏.‏

قلت‏:‏ نعم له قبة حمراء تسع نحو الأربعين‏.‏

قال‏:‏ فما الذي يحب من الخيل‏.‏

قلت‏:‏ الأشقر الأرتم الأغر المحجل في الساق وقد تركت عنده فرسًا يقال لها المرعد‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع كلامي انتخب من خيله فرسًا من أفخر خيول مصر الموصوفة وأمر به فأسرج وألجم فأعده هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فرسه المأمون وأرسل معه حمارًا يقال له عفير وبغلة يقال لها دلدل وجارية اسمها بريرة وكانت سوداء وجارية بيضاء من أجمل بنات القبط اسمها مارية وغلام اسمه محبوب وطيب وعود وند ومسك وعمائم وقباطي وأمر وزيره أن يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا يقول فيه‏:‏ باسمك اللهم من المقوقس إلى محمد‏.‏

أما بعد‏:‏ فقد وصل إلي كتابك وفهمته وأنت تقول‏:‏ إن الله أرسلك رسولًا وفضلك تفضيلًا وأنزل عليك قرآنًا مبينًا فكشفنا يا محمد خبرك فوجدناك أقرب داع إلى الله وأصدق من تكلم بالصدق ولولا أنني ملكت ملكًا عظيمًا لكنت أول من آمن بك لعلمي أنك خاتم النبيين وإمام المرسلين والسلام عليك ورحمة الله وبركاته مني إلى يوم الدين‏.‏

قال‏:‏ وسلم الكتاب والهدية إلي وقتلني بين عيني وقال‏:‏ بالله عليك قبل بين عيني محمد عني هكذا ثم بعث معي من يوصلني إلى بلاد العرب وإلى مأمني‏.‏

قال‏:‏ فوجدنا قافلة من بلاد الشام وهي تريد المدينة فصحبتها إلى أن وردت المدينة فأتيت المسجد وأنخت ناقتي ودخلت وسلمت أنعم صباحًا يا وسيلة أحمد نرجو النجاة غدًا بيوم الموقف إني مضيت إلى الذي أرسلتني أطوي المهامه كالمجد المعنف حتى رأيت بمصر صاحب ملكهم فبدا إلي بمثل قول المنصف فقرأ كتابك حين فك ختامه فأطل يرعد كاهتزاز المرهف قال البطارقة الذين تجمعوا ماذا يروعك من كتاب مشرف قال اسكتوا يا ويلكم وتيقنوا هذا كتاب من نبي المصحف قالوا وهمت فقال لست بواهم إني قرأت بيان لفظ الأحرف وبكل سطر من كتاب محمد خط يلوح لناظر متوقف هذا الكتاب كتابه لك جامعًا يا خير مأمول بحبك نكتفي قال الراوي‏:‏ ورجعنا إلى الفتوح قال‏:‏ حدثني أحمد بن عبيد عن عبد الله بن عمر السلمي عن محمد الزهري عن عبد الله بن زيد الهذلي عن أبي إسحق الأموي وهو المعتمد عليه في فتوح مصر وأرض ربيعة والفرس‏.‏


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7stars.forumarabia.com
بوجى
المدير العام
المدير العام
بوجى


اسم العضو : محمد حسن
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 739
تاريخ الميلاد : 25/03/1994
تاريخ التسجيل : 28/09/2010
العمر : 30

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالسبت يونيو 25, 2011 7:43 am

تابـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع ذكر فتح مصر

حدثنا عمر بن حفص ولم ينفرد بهذه الرواية سواه وكان أصحاب السير قد اشتغلوا بوقائع وأرض مصر فيما بعد وكان قد ارتحل عنهم فتركوه لأجل الزيادة والنقصان فيه وإنما انفرد ابن إسحق لأنه انفرد عن مشايخ ثقات قد وثق بهم من آل مخزوم اجتمع بهم في الرملة بعد الفتوح أحدهم نوفل بن ساجع المخزومي وكان عمه خالد بن الوليد وكان من المعمرين شهد تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم وشهد بعدها الحديبية وشهد يوم اليمامة ومسيلمة وكان مع عمرو بن العاص بأرض مصر في جميع فتوحها والثاني فهد بن عاصم بن عمرو بن سهل بن عمرو المخزومي وغيرهما من الثقات ممن شهد فتوح أرض مصر والوقائع كلها قالوا جميعًا ومنهم من قال‏:‏ إن عمرو بن العاص لما انفصل من ساحل الشام وكتب الله سلامة المسلمين وسار متوجهًا يريد أرض مصر فلما كان بمكان يقال له رفح قال له يوقنا‏:‏ يا عمرو أنت تريد أن تدهم مصر على حين غفلة من أهلها وأنا ممن يمكنني ذلك لأن ثواب الله أجل غنيمة فإن قلبي ملوث بحب الدنيا وإني كنت ممن أشرك بالله سواه وأنا أجتهد في الخلاص وأقاتل من كنت أنصره على الكفر وعبادة الصلبان والسجود للصور من دون الله وقد أخذت الإسلام بنية وقبول لأنه الحق وأريد أن أتقدم إلى أرض مصر فلعلي أجد لكم بالحيلة سبيلًا‏.‏

فقال عمرو‏:‏ وفقك الله وأعانك وحفظك وصانك‏.‏

قال‏:‏ فسار يوقنا ليلًا من رفح يطلب الفرماء ولم يقرب من العريش ولا القاربا وكلها حصون عامرة وقد سكنها أقوام من العرب المختلطة وكانوا يؤذون المال إلى الملك المقوقس بن راعيل وسنذكر فتوحها فيما بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

قال‏:‏ وإن يوقنا أشرت على الفرماء وكان بها وال من قبل المقوقس اسمه الرندبان والفرماء على جانب بحيرة تنيس من الشرق فرأى يوقنا خيامًا منصوبة وقبابًا مضروبة فلما رأوا يوقنا ومع الصائح فركب من كان هناك وكانت الأخبار ترد عليهم كل وقت بما صنع الصحابة فلما بلغهم أن قيسارية فتحت اغتموا لذلك لأنه كان فلسطين بن هرقل قد تزوج بابنة المقوقس أومانوسة وكان قد جهزها أبوها وأرسلها مع غلمانها وأموالها إلى بلبيس ثم إنها وجهت حاجبها تميلاطوس إلى الفرماء في ألفي فارس لحفظ ذلك المكان‏.‏

الاستعداد حدثنا أبو إسحق أخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أسامة بن زيد بن أسلم‏.‏

قال ابن إسحق‏:‏ حدثني رجل من القبط رأيته وقد دخل في دين الإسلام فقربت إليه وسألته فأخبرني أنه من قبط مصر من جند المقوقس فقلت له‏:‏ كيف كان من أمركم لما سمعتم بقدوم المسلمين من الشام وكسر جيوش هرقل‏.‏

قال‏:‏ لما بلغنا ذلك بعث المقوقس رسله إلى جميع أطراف بلاده مما يلي الشام بأن لا يتركوا أحدًا من الروم ولا غيرهم يدخل أرض مصر كل ذلك لئلا يتحدثوا بما صنع المسلمون بجنود هرقل فيدخل الرعب في قلوب قومه فلأجل ذلك أنه لما دخل يوقنا أرض مصر لم يعلم به أحد فلما ركبوا إلى لقائه ورأوا حشده وعسكره وكانوا بزي الروم سألوه عن مكانه وكان قد أخبر في طريقه من حصن كيفا وأعلموه بابتعاد فلسطين عن زوجته أرمانوسة‏.‏

وأن أباها قد جهزها وهي على مدينة بلبيس‏.‏

فقال يوقنا‏:‏ ومتى تزوجها قالوا‏:‏ تزوجها والمسلمون على حصن حلب‏.‏

فقال لهم‏:‏ إنه قد ركب في البحر وترث قيسارية وقد أرسلني حتى آخذها في المراكب من دمياط ومضى يوقنا يقول‏:‏ أنا قد جئت رسولًا من الملك فلسطين إلى الملك المقوقس حتى يرسل معي أبنته إلى زوجها كلما سمعوا كلامه قالوا‏:‏ إن الملكة في بلبيس وقد أنفذها إليه وما منعها من السير إلا خوف العرب وهروب فلسطين من قيسارية فسار يوقنا حتى قرب من بلبيس فنزل هناك وسار حاجبها إليها وعرفها بما قاله يوقنا‏.‏

فقالت‏:‏ علي به فأتى إليه الحاجب وأموه بالمسير فركب وركبه أصحابه وهم بأحسن زي وأتوا إلى عسكر أرمانوسة وإذا به عسكر كبير أكثر من عشرة آلاف قال‏:‏ فترجل يوقنا وترجل قومه ووقفوا على باب قصرها واستأذنوا عليها فأذنت لهم بالدخول فلما وقفوا بين يديها خضعوا لها فأمرت لهم بكراسي فوضعت لهم فأمرتهم بالجلوس فجلسوا ووقفت الحجاب والمماليك والخدم فقالت الملكة أرمانوسة له من غير ترجمان‏:‏ كم لكم عن الملك‏.‏

فقال‏:‏ شهر‏.‏

فقالت‏:‏ أكان رحل من المراكب أم قبل رحيله‏.‏

فقال يوقنا‏:‏ بل قبل رحيله وحين ركب منهزمًا ولما وصلت إلى غزة بلغني أنه سار وقد قال لي في السر بيني وبينه‏:‏ لا طاقة لنا بقتال هؤلاء العرب فإن أبي هرقل ترك أنطاكية وذهب وقد قاتلتهم بجميع جنوده واستنصر عليهم بجميع دين النصرانية وأنفذ إليهم ما هان الأرمني إلى اليرموك في ألف ألف فهزموه وقتلوه وإني أريد أن آخذ خزائني وأطلب القسطنطينية ثم إنه وجهني إليك أيتها الملكة لتركبي في المركب إليه‏.‏

قال‏:‏ فلما سمعت ذلك أطرقت برأسها إلى الأرض ثم رفعت رأسها وقالت‏:‏ إني لا أقدر أن أصنع شيئًا إلا بأمر الملك أبي وإني مرسلة إليه‏.‏

قال‏:‏ فقام يوقنا وصقع لها ودعا ثم خرج من عندها فوجد غلمانه قد ضربوا خيامه فنزل بها وأرسلت إليه العلوف والضيافة‏.‏

قال ابن إسحق الأموي رضي الله عنه‏:‏ ولقد بلغني أنه لما جن الليل أتت إليها الجواسيس وأعلموها بفتح قيسارية ومدائن الساحل جميعها وبتوجه عمرو بن العاص إلى مصر وبحديث يوقنا صاحب حلب وحذروها منه وعرفوها بجميع الأخبار مفضلة وأنه هم الذي فتح طرابلس وصور وجبلة‏.‏

قال‏:‏ فلما سمعت ذلك دخل في قلبها الرعب وعلمت أنه محتال فطلبت حاجبها وقالت له‏:‏ مر العسكر بلبس السلاح وأن يكونوا مستيقظين فقد جرى من الأمر كذا وكذا ثم إنها أوقفت مماليكها وغلمانها وقالت لهم‏:‏ إذا دخل هذا الرجل وخواصه فاقبضوا عليهم فإذا نحن ملكناهم انخذل عسكر المسلمين فلما رتبت هذا أرسلت تطلب يوقنا فذهب حاجبها إليه وقال له‏:‏ أيها البطريق الكبير إن الملك تطلبك لتوصيك بما تقوله لأبيها فقال له‏:‏ السمع والطاعة ها أنا راكب وأصحابي فذهب القاصد‏.‏

فقال يوقنا لأصحابه‏:‏ اعلموا أن الملكة شعرت بنا والقوم قد عولوا على قتلنا فإن حصلنا في أيديهم قتلونا لا محالة وتضرب بنا الأمثال لمن يأتي بعدنا فموتوا كرامًا ولا تلقوا بأيديكم إلى القتل بأيدي الكفار وكونوا نصرة لدين الإسلام وما عسى نرجو من هذه الدنيا الغدارة التي ما صفت لأحد إلا وغيرته بالكدر فاعمروا دار البقاء وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده فلعلكم ترضونه بذلك‏.‏

قال‏:‏ فأخذ القوم على أنفسهم واشتدوا وركبوا وتوكلوا على الله في جميع أمورهم‏.‏


حدثنا ابن إسحق قال‏:‏ لقد بلغني أن الملكة أقامت تنتظر قدومهم لتقبض عليهم فاستبطأتهم فبعثت رسولًا ثانيًا تستحثهم‏.‏

فقال له يوقنا‏:‏ ارجع إلى صاحبتك وقل لها ما جرت بذلك عادة الملوك يبعثون يطلبون الرسل إلا لأمر يحدث وقد كنت عندها فما الذي تريده نصف الليل مني‏.‏

فعاد الرسول وأخبرها بما قاله فركبت من وقتها وتقدمت وتقدمها حاجبها وأمرت الجيش كله أن يركب ودارت بيوقنا وأصحابه ولم تحدث بشيء إلى الصباح فأقبل صاحب الملكة إليهم وقال‏:‏ ما حملكم أن تركتم دين آبائكم وهجرتم دين المسيح وأمه وقد جئتم تحتالون علينا ألا وإن المسيح قد غضب عليكم‏.‏

فقال يوقنا‏:‏ إن المسيح عبد من عبيد الله لا يقدر على شيء لأنه مأمور ومكلف وقد أنطقه الله بذلك وهو في المهد فقال‏:‏ ‏{‏إني عبد الله‏}‏ ‏[‏مريم 30‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏أوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا‏}‏ ‏[‏مريم 31‏]‏ ‏{‏السلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًا‏}‏ ‏[‏مريم 33‏]‏ ومن يؤمر بالصلاة والزكاة ويموت فليس بإله إنما هو عبد الله مكلف بالعبادة مثل واحد منا وأن الله لا يتشبه بأحد منا وأن الله لا يشبه شيء ولا يتشبه بأحد ولقد أضلكم من صدكم عن ذلك وزاغ بكم عن طريق الحق بقوله‏:‏ على الله والمسيح ولقد كنا مثلكم نسجد للصلبان ونعظم القربان ونسجد للصور ونجعل مع الله إلهًا آخر إلى أن تبين لنا دين محمد صلى الله عليه وسلم فشفانا بعد العمى وشرح صدورنا للهدى ودين الإسلام هو الدين الواضح وكنا نقول مثل قولكم إن المسيح ابن الله وإن إبراهيم وإسحق كانا نصرانيين فكذبنا الله بقوله في كتابه‏:‏ ‏{‏ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين‏}‏ ‏[‏آل عمران 67‏]‏ وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين‏}‏ ‏[‏آل عمران 85‏]‏ وها نحن قد جئناكم لنجاهدكم إما أن تقولوا‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله وإما الجزية وإما القتال قال‏:‏ فلما سمع الحاجب كلامه قال لقومه‏:‏ دونكم وهؤلاء قد جاؤوا يريدون قتلكم وأخذ أموالكم وأولادكم وحريمكم قال‏:‏ فاحملوا على يوقنا وأصحابه وعمل السيف بينهم بقية يومهم فلما كان من الغد ركبوا وداروا بهم وتصايحت عليهم القبط وقتلوا هم من القبط خلقًا كثيرًا ولكنهم صبروا لأمر الله وقالوا‏:‏ والله لا نسلم أنفسنا أو نموت كلنا فقد حصل لنا ما كنا نطلب من رضا ربنا قال ابن إسحق‏:‏ حدثنا سيف بن شريح عن يونس بن زيد عن عبد الله بن عمر بن حفص عن عبد الله بن الحرث‏.‏

قال‏:‏ لما أخبرت الجواسيس أرمانوسة بقصة يوقنا أنفذت كتابًا إلى أبيها المقوقس تعلمه بذلك وأنها مغلوبة معهم وأن العرب متوجهون مع رجل يقال له عمرو بن العاص وأنا منتظرة جوابك‏.‏

قال‏:‏ فلما وصل الكتاب إليه دعا أرباب دولته وقال لهم‏:‏ قد تم من الأمر علي كذا وكذا فما تشيرون به علي‏.‏

قالوا‏:‏ أيها الملك نوى لك من الأمر أن تنقذ جيشًا إلى الملكة ينصرها على عدوها وتنفذ إلى جلب له ملك البرية تستنصر به على هؤلاء العرب وتنفذ إلى مازع بن قيس ملك البجاوة ينفذ لك جيشًا وتنفذ إلى من بالإسكندرية يأتون وإلى من بالصعيد يأتون فإذا اجتمعت إليك هذه الأمم فالق بهم العرب ولا تأمن لهم فيطمعوا فيك‏.‏

فقال‏:‏ يا أهل دين النصرانية اعلموا أن الملك محتاج إلى سياسة ومن ملك عقله ملك رأيه ومن ملك رأيه أمن من حوادث دهره وليست الغلبة بالكثرة وإنما هي بحسن التدبير والله القد كان قيصر أكثر مني جهدًا وأوسع بلادًا وأعظم عدة وقد جمع من بلاد الروم إلى اليونانية ومن أقاليمه ومن القسطنطينية ومن سائر البلاد وبلاد الأندلس واستنصر بنا وبغيرنا فما أغنى عنه جمعه شيئًا ولا قدر أن يرد القضاء والقدر عنه واعلموا أن العقل أساس الأدمي المخاطب المكلف المفضل به على سائر ما خلق على الأرض فمن ملك عقله ملك أمره ومن لم يجد منه حالًا كان بجهله أرضيًا ولن تنال الحكمة إلا بالعقل‏.‏

قال الحكيم ماسوسي‏:‏ إن الحكمة مرقى جليل وطالبها نبيل وتاركها ذليل لأنها غذاء الأرواح وقوت القلوب واعلموا أني لست أتكلم إلا بالصدق وأنتم تعلمون أن محمدًا في أيامه بعث إلينا يدعونا إلى دينه فاستدليت على صدق قوله بكتابه وما ظهر من معجزاته وقد سمعتم أنه لما بعث ما سمع أحد بذكره إلا وخاف منه وقد سمعتم أن القمر انشق له والذراع المسموم كلمه وقال‏:‏ يا رسول الله إني مسموم فلا تأكلني وقد كلمه الضب والحجر والشجر والمدر وعرج به إلى السماء وركب أوج الماء وأول من تغلب عليه قومه وحاربه عشيرته حين أنكروا قوله وفعله فنصر عليهم وقهرهم وقد تبين لهم الحق فاتبعوه ونصروه وهم هؤلاء الذين فتحوا الشام وما أنكرت من أمرهم شيئًا فإنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون حدود الله التي أمر بها وما في كتابهم شيء إلا وفي الإنجيل مثلها وقد أضلكم بولس وأغواكم حين غر بكم وبدل شرعكم وسماكم باسم لا يليق بكم وكيف وقد عاد بكم من الطريق الواضح وأحل لكم جميع ما حرم عليكم من قبل وهذا هو عين المحال وداعية العمى أن تتعدوا ما قال نبيكم وكيف نبغي لروح الله عيسى ابن مريم أن يكلمكم بما لم يرسله الله إليكم‏.‏

ثم إن بولص قال لكم‏:‏ إنه أحل لكم الخنزير وشرت الخمر وارتكاب المعاصي ما ظهر منها وما بطن فأطعتم أمره وصدقتم قوله وحاشا المسيح أن يفعل ذلك وما كان أحد من الأنبياء إلا على ما جاء به محمد وهؤلاء الحكماء الأولون ما منهم إلا من يتكلم بوحدانية الله تعالى وهذا الحكيم دمونا الذي صنع في براري أخيم أرصادًا وجعلها مثلًا للأمم الآتية وذكر فيها من بأتي من الأمم والأجيال إلى آخر الزمان وصور الحكماء منفردة به والنسر يعقد رأس الحمل والنسر يقيم في كل برج ثلاثة آلاف سنة كما قدر بالمقدار الحكيمي‏.‏

وكان قد صور صورة وكتب على رأسها بقلم اليونانية أربعة أسطر‏.‏

الأول‏:‏ من خاف الوعيد سلم مما يريد‏.‏

الثاني‏:‏ من خاف ما بين يديه صان دموعه بما في يديه‏.‏

الثالث‏:‏ إن كنت تريد الجزيل فلا تنم ولا تقيل‏.‏

الرابع‏:‏ بادر قبل نزول ما تحاذر فمن كان هذا كلامهم فكيف صنع سواهم وهذه فريضة هؤلاء القوم المحمديين‏.‏

قال‏:‏ فأطرقوا برؤوسهم إلى الأرض غيظًا على الملك‏.‏

قال‏:‏ وما تكلم المقوقس بهذا الكلام حتى أوقف عنده من مماليكه ألف غلام فوق رأسه بالسيف لأنه كان قد سمع ما جرى لقيصر وهرقل مع بطارقته لما جمعهم ونصحهم فوثبوا عليه وأرادوا قتله‏.‏

أما المقوقس فإنه استوثق بمماليكه حتى لا يطمع فيه‏.‏

قال‏:‏ فلما تكلم بذلك قال له وزيره‏:‏ أيها الملك رأيك راجح وأنا أول من يؤمن بما تقول‏.‏

فقال الوزير‏:‏ اكتب إلى ابنتي كتابًا تأمرها فيه أن تتلطف بالقوم وتعطيهم الأمان وتنفذهم إلينا حتى نخلع عليهم وتطيب قلوبهم ويكونوا معنا يقاتلون من يريد قتالنا وما أراد بذلك إلا أن يسلم مثل يوقنا وأصحابه إذ هم على الحق‏.‏

قال‏:‏ فكتب الوزير إلى الملكة كتابًا بما قاله أبوها فلما وصل الكتاب إليها وقرئ عليها أمرت أصحابها أن يرجعوا عن قتل يوقنا ومن معه فرجعوا وأرسلت إلى يوقنا تعلمه بكتاب أبيها وأرسلت إليه الكتاب فلما قرأه قال لرسولها‏:‏ امض إليها حتى أستخبر الله تعالى في ذلك‏.‏

فقال يوقنا لأصحابه‏:‏ إن الله قد كشف حجاب الغفلة عن قلب هذا الملك وقد ظهر له ما ظهر لنا من الحق فما الذي ترون من الرأي قالوا‏:‏ نحن نسمع من رأيك‏.‏

فقال‏:‏ دعوني هذه الليلة‏.‏

قال‏:‏ فلما جن عليه الليل قام يصلي وأمر أصحاب أن لا ينزلوا عن خيولهم مخافة من غدر القوم فبينما هو يصلي وإذا بشخص قد دخل فارتاع منه ثم تأمله فإذا هو عمر بن أمية الضمري ساعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه يوقنا فرح وكان قد رآه مرارًا فقال له‏:‏ مرحبًا يا عمرو من أين‏.‏

فقال‏:‏ إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعثني إلى عمرو بن العاص لأحثه على المسير إلى مصر فوجدته قد وصل وها هو منك قريب وقد أرسلني إليك لأعرفه خبرك فأخبره بما وقع له وقال له‏:‏ امض يا عمرو ودعه يعجل بالمجيء يعيننا على هؤلاء القوم وحدثه بجميع ما جرى علينا‏.‏

فرجع عمرو مسرعًا إلى عمرو بن العاص وأعلمه بقصة يوقنا‏.



فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7stars.forumarabia.com





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالإثنين يوليو 11, 2011 9:34 am


رسالة عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب

‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

من عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سلام عليك وإني أحمد الله إليك وأصلي على نبيه‏.‏

أما بعد فقد وصلت إلى مصر سالمًا وجرى لنا على بلدة بلبيس مع ابنة المقوقس كذا وكذا ونصرنا الله عليهم ورحلنا إلى بحر الحصى وقد كنا صالحنا قومًا من أهل قرى بلاد مصر ببلاد يقال لها الجرف حتى يعينونا بالعلوفة والميرة ويجلبوا إلينا الطعام وإني أرسلت عبد الله يوقنا ليشتري لنا منهم طعامًا ومضى في خيله وسرت بنفسي رسولًا إلى مخاطبة القوم فهموا بالقبض علي ونجاني الله منهم وأنهم أكمنوا لنا كمينًا من الليل وأشغلونا برسول والكمين كان من الليل فلما استوت صفوفنا للصلاة كبسوا علينا ونحن في الصلاة فلم نشعر حتى بذلوا فينا السيف وقتلوا منا أربعمائة وستة وثلاثين رجلًا والأعيان منهم ستون ختم الله لهم بالشهادة ونحن الآن في بحر متلاطم أمواجه من كثرة القوم والعساكر فأنجدنا يا أمير المؤمنين وأدركنا بعسكر ليعيننا على عدونا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

وختم الكتاب وأعطاه عبد الله بن قرط فسار من ساعته وجد في السير إلى أن وصل المدينة فقدمها في العشر الأوسط من شوال سنة اثنتين وعشريات من الهجرة فأناخ مطيته بباب المسجد ودخل فرأى عمر بن الخطاب عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن قرط‏:‏‏.‏

فدفعت الكتاب إليه فنظر إلي وقال‏:‏ عبد الله‏.‏

قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ من أين أتيت‏.‏

قلت‏:‏ من مصر من عند عمرو بن العاص‏.‏

قال‏:‏ مرحبًا بك يا ابن قرط ثم فك الكتاب وقرأه وقال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال‏:‏ من ترك الحزم وراء ظهره تباعدت عنه فسيحات الخطا ووالله ما علمت عميرًا إلا حازم الرأي مليح التدبير ضابط الأمر حسن السياسة ولكن إذا نزل القضاء عمي البصر‏.‏

ثم إنه كتب كتابًا إلى أبي عبيدة وذكر له ما جرى لعمرو بن العاص بمصر وأمره أن ينفذ إليه جيشًا عرمرمًا وأنفذ الكتاب مع سالم مولى أبي عبيدة قال عبد الله بن قرط‏:‏ فأقمت في المدينة يومين واستأذنته في المسير فزودني من بيت المال وكتب إلى عمرو يقول‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص‏.‏

أما بعد‏:‏ فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي وأسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وقد بلغني ما جرى لكم بمصر من غدر عدوكم كما سبق في أم الكتاب وكان يجب عليك يا ابن العاص أن لا تطمئن إلى عدوك ولا تسمع منه حيلة وما كنت أعرفك إلا حسن الرأي والتدبير ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا فاستعمل النشاط في أمرك ولا تأمن لعدوك واستعمل الحذر فإن الإمام ما يكون إلا على حذر والله يعيننا وإياك على طاعته وقد أنفذت إلى أبي عبيدة أن يرسل إليكم جيشًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

وختمه وسلمه لعبد الله بن قرط‏.‏

قال‏:‏ فأخذته وسرت وأنا أجد السير حتى أتيت مصر ودفعت الكتاب لعمرو بن العاص فقرأه على المسلمين ففرحوا بذلك وأقاموا ينتظرون إخوانهم‏.‏

كبسة الجيش حدثني ابن إسحق حدثني سهل بن عبد ربه عن موسى عن عبد الرزاق‏.‏

قال‏:‏ لما كبس ابن المقوقس جيش المسلمين ورجعت دائرة السوء عليه وقتلوا عن آخرهم وبلغه الخبر بكى على ابن عمه وحلف بما يعتقده من دينه أنه لا بد له أن يأخذ بثأرهم ثم إنه أمر أرباب دولته أن يجتمعوا بالكنيسة المعلقة في داخل قصر الشمع فاجتمعوا فجلس على سرير عند المذبح وقام فيهم خطيبًا‏.‏

فقال‏:‏ يا أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية اعلموا أن ملككم عقيم وبلدكم عظيم وهذه بلاد الفراعنة ممن كان قبلكم وقد ملكها عدة ملوك ممن احتوى على الأقاليم وملكها مثل الملك المعظم من آل حمير ومثل مستفان والبستق والملحان وهو بأني هذه الأهرام ونمروذ بن كنعان ولقمان بن عاد وذي القرنين الملك العظيم وانقضى ملكهم منها ورجع إلى سبأ وأرضها وحضرموت وقصر عمان ثم تولى هذه الأرض القبط من آبائكم وأجدادكم أطسليس وبلينوس والريان بن الوليد وهو الذي استخلص يوسف لنفسه والوليد وهو المكنى بفرعون وبعدهم طبلهاوس ثم جدي راعيل ثم أبي المقوقس وجميع ملوك الأرض تحسدنا على ملك مصر وهؤلاء العرب الطماعة وليس في العرب أطمع منهم فإني أراكم قد كسلتم وفشلتم عن لقائهم فطمعوا فيكم وفي ملككم كما طمعوا في ملك الشام وانتزعوه من أيدي القياصرة فقاتلوا عن أموالكم وحريمكم وأولادكم وأما أنا فواحد منكم واعلموا أن الملك المقوقس قد أمرني بلقاء هؤلاء العرب وقال‏:‏ إنه لا يظهر إليهم حتى أرى ما يظهر من قومي وأرباب دولتي فما تقولون وما الذي اجتمع عليه رأيكم‏.‏

فقالوا‏:‏ أيها الملك إنما نحن عبيد هذه الدولة وغلمانها فإنها قد استعبدت رقابنا بنعمتها وإحسانها ونحن نقاتل لمحبتها فإما أن نرزق النصر من المسيح وإما أن نموت فنستريح‏.‏

قال‏:‏ فشكر قولهم وخلع على أكابرهم وقال لهم‏:‏ اخرجوا واضربوا خيامكم ظاهر البلد مع القوم وطاولوهم بالمبادرة إلى أن يأتي إلينا نجدة من ملك النوبة والبجاوة فأجابوا إلى ذلك وأمروا غلمانهم بأن يضربوا الخيام خارج البلد فضربوها مما يلي النور والرصد‏.‏

قال ابن إسحق‏:‏ وفي ليلتهم تلك جاءتهم الأخبار بأنه وقع بين ملك النوبة وملكالبجاوة حرب وأنه ما يجيبكم منهم أحد وأخرجوا للملك أرسطوليس سرادقًا معظمًا وسط جيش القبط‏.‏

قال‏:‏ وأخذ المسلمون على أنفسهم وأقبلوا يحرضون بعضهم ويحرسون قومهم بالنوبة فكان عمرو في أول الليل يطوف حول العسكر ومعاذ إذا انتصف الليل ويزيد بن أبي سفيان في آخر الليل والنور على عسكرهم والإيمان لائح عليهم وأصواتهم مرتفعة بالقرآن وبذكر الله وبالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحق‏:‏ فلما وصل كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة وقرأه على المسلمين قال لخالد بن الوليد‏:‏ يا أبا سليمان ما ترى من الرأي‏.‏

فقال‏:‏ إذا كان أمير المؤمنين أمرك أن تنجد عمرو بن العاص فأنجده‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ إن الطريق إلى مصر بعيد وإن أنا أرسلت جيشًا كبيرًا خفت عليه من بعد الطريق ومن المشقة فقال خالد‏:‏ كم جهدك أن ترسل‏.‏

قال‏:‏ أربعة آلاف فارس‏.‏

فقال خالد‏:‏ إن الله كفاك ذلك‏.‏

قال‏:‏ وكيف ذلك يا أبا سليمان‏.‏

قال‏:‏ إن عزمت على ما ذكرت فابعث أربعة من المسلمين فهم مقام أربعة آلاف فارس‏.‏

فقال أبو عبيدة‏:‏ من الأربعة‏.‏

قال خالد‏:‏ أنا أحد الأربعة والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر ومالك بن الحرث فلما سمع أبو عبيدة ذلك تهلل وجهه وقال‏:‏ يا أبا سليمان افعل ما تراه فدعاهم خالد وأعلمهم بما عزم عليه فقالوا‏:‏ سمعًا وطاعة‏.‏

فقال‏:‏ خذوا على أنفسكم فنحن نسير هذه الليلة‏.‏

قال‏:‏ فلما صلى أبو عبيدة بالناس صلاة المغرب قدم الثلاثة إلى قبة خالد فركبوا وودعوا أبا عبيدة والمسلمين وأخذوا معهم دليلًا يدلهم على الطريق إلى وادي موسى والشوبك وأخذوا معهم ما يحتاجون إليه وساروا يريدون مصر فما زالوا يجذون إلى أن قربوا من عقبة أيلة وإذا هم بخيل ومطايا تزيد على ألف فأسرعوا إليهم فإذا هم من ثقيف وطي ومرداس قد وجههم عمر بن الخطاب إلى مصر مع رفاعة بن قيس وبشار بن عون‏.‏

قال‏:‏ فلما رأوهم سلموا عليهم ورحبوا بهم واستبشروا بالنصر لما رأوا خالدًا وعمارًا والمقداد ومالكًا وارتفعت أصواتهم بالتهليل والتكبير وساروا بأجمعهم‏.‏

قال‏:‏ حدثنا يوسف بن يحيى عن دارم عن منصور بن ثابت قال‏:‏ كنت في جملة الوفد الذي وجهه عمر رضي الله عنه مع رفاعة وبشار والتقينا بخالد بن الوليد وأصحابه عند عقبة أيلة وسرنا معهم حتى وصلنا أرض مصر وقربنا وبقي بيننا وبينها يومان فبينما نحن نسير في بعض الليالي وكانت ليلة مظلمة لا يكاد الرجل أن يرى من شدة الظلام إذ سمعنا حسًا بالبعد منا فوقفنا‏.‏

فقال خالد‏:‏ أيكم يأتينا يا فتيان العرب بخبر هؤلاء الذين في هذا الجيش‏.‏

قال نصر بن ثابت‏:‏ وكنت راكبًا فقفزت من ظهر الراحلة وسعيت على قدمي وأخفيت حسي إلى أن تبين لي جيش كبير فتحققت أمرهم فإذا هم جيش من العرب المتنصرة وهم يزيدون على ثلاثة آلاف وهم ركبان المطايا والخيل‏.‏

فقلت‏:‏ والله لا عدت إلى أصحابي إلا بالخبر اليقين‏.‏

قال‏:‏ فاتبعت أثرهم لأسمع ما يقولون وما يتحدثون فمشيت معهم قليلًا فأسمعهم يقولون‏:‏ أذل الصليب أعداءنا فإنا قد أصابنا التعب ولحقنا الجهد ومن وقت خروجنا من مدين لم نجد أحدًا ومصر قد قربنا منها فانزلوا لنأخذ راحة ونريح مطايانا ونعلق على خيلنا وإذا بمقدمهم يقول‏:‏ وحق المسيح ما بغيتنا إلا في الخلع والأموال من ملك عصر ولكن إذا عولتم على الراحة فانزلوا‏.‏

قال فنزل القوم على ماء يعرف بالغدير وأقبلوا يجمعون الشيح ويصنعون لهم الزاد وعلقوا على خيولهم وتركوا إبلهم ترعى‏.‏

قال نصر بن ثابت‏:‏ فعلمت أن القوم من متنصرة العرب فتركتهم وأتيت إلى أصحابي وحدثتهم بذلك فحمدوا الله كثيرًا وأثنوا عليه وقالوا لخالد‏:‏ ما الذي ترى فقال‏:‏ أرى أن تركبوا خيولكم الآن وتستعدوا للحرب ونسير إليهم ونكبسهم فإنهم قد أتوا لنصرة صاحب مصر وما أتوه إلا بمكاتبه لهم يستنجد بهم على أصحابنا قال فلبسوا سلاحهم وركبوا الخيل وتركوا مواليهم مع المطايا والرجال وساروا خيلًا ورجالًا إلى أن قربوا من نيران القوم فصبروا حتى خمدت وناموا فتسللوا عليهم كتسلل القطاة‏.‏
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالإثنين يوليو 11, 2011 9:37 am

خديعة خالد للمقوقس ودخول مدينة مصر

فقال خالد‏:‏ دوروا بالقوم ولا تدعوا أحدًا منهم ينفلت من أيديكم فيثير عليكم عدوكم قال فداروا بهم كدوران البياض بسواد الحدق وأعلنوا بالتهليل والتكبير ووضعوا فيهم السيف فما استيقظ أعداء الله إلا والسيف يعمل فيهم ووقعت الدهشة في القوم وهم في أثر النوم فقتل بعضهم بعضًا ووقف ابن قيس ومعه جماعة على البعد منهم وبشار ورفقته وكل من انهزم أخذوه فلما أصبحنا رأينا القتلى منهم ألفًا وأسرنا منهم ألفًا فعرضوهم على خالد فقال‏:‏ حدثوني من أين جئتم وإلى أين مقصدكم‏.‏

فقالوا‏:‏ إنا قوم من متنصرة العرب وكلنا كنا أصحاب الشام فلما هزمتم الملك هرقل رحلنا من أرض الشام ونزلنا أرض مدين ونحن على خوف منكم وكاتبنا صاحب مصر وهو المقوقس لعله أن يأذن لنا أن نكون من أصحابه ونكون له عونًا عليكم فلما أجابنا إلى ذلك بعثنا الخيل العربية إلى ولي عهده وصاحب الأمر من بعده فلما كان في هذه الأيام جاءتنا خلعة ورسالة بالدخول إلى مصر فرحلنا إليهم فوقعتم بنا فلما سمع خالد منهم ذلك قال‏:‏ من حفر لمسلم قليبًا أوقعه الله فيه قريبًا ثم عرض عليهم الإسلام فأبوا فأمر بقتلهم فقتلناهم عن آخرهم وقسمنا رحالهم وما كان معهم ووجدنا معهما الخلع التي وجهها إليهم ابن المقوقس ففرقها خالد على المسلمين وفيها خلعة سنية وكانت لمقدم القوم فأعطاها رفاعة وساروا حتى قربوا من الجبل المقطم فرأوا جيش القبط فأرسل خالد رجلًا من قبله وهو نصر بن ثابت وقال له‏:‏ امض إلى هذا الملك وقل له‏:‏ إن العرب أصحاب مدين قد أتوا لنصرتك‏.‏

قال فمضى الرجل إلى أن وصل إلى عسكر القبط فأخذه الحرس وقالوا له‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا مبشر الملك بقدوم العرب المتنصرة إلى نصرته‏.‏

قال ابن إسحق‏:‏ فأخذوا نصر بن ثابت وأتوا به إلى سرادق الملك‏.‏

قال فلما وقفت بين يديه ناداني الحجاب أن أسجد للملك ففعلت وأنا أسجد لله تعالى حتى لا ينكروا علي وكان قد صح عندهم أنه من امتنع من السجود فهو مسلم‏.‏

قال فلما رفعت رأسي قال لي الوزير‏:‏ يا أخا العرب أوصل أصحابك إلى نصرة الملك فقلت‏:‏ نعم وهاهم في دير الجبل المقطم‏.

قال فلما سمع الملك ذلك أمر من حجابه أناسًا أن يمضوا إلى لقائهم

وسرت في جملتهم وأخذوا معهم الجنائب وأظهروا زي الفراعنة وخلع على نصر بن ثابت عوض بشارته وساروا إلى لقاء المتنصرة‏.‏

قال‏:‏ حدثنا عسكر بن حسان عن رفاعة بن موسى عن موسى بن عون عن جده نعيم بن مرة‏.‏

قال كنت فيمن وجه عمر بن الخطاب من أهل نخلة وكان خالد يحبني ويقربني لأن أبي كان يسافر له ببضاعة إلى سوق بصرى‏.‏

قال‏:‏ فلما رأى خالد أصحاب الملك قد أتوا قال لي خالد‏:‏ يا ابن مرة أريد أن أوصيك‏.‏

فقلت‏:‏ بماذا‏.‏

فال‏:‏ اعلم أنا العدو قد أرسل يلاقينا وهو يظن أننا من متنصرة العرب ولا شك أن عمرو بن العاص ومن معه تجفل قلوبهم منا وأريد أن فتزل عن فرسك وتكمن خلف هذه الحجارة فإذا خلا لك الطريق فانسل نحو عسكر المسلمين وحدثهم بأمرنا وما قد عزمنا عليه من غدر القوم‏.‏

فإذ عمر لا يطمئن لغيرك وأقرئه سلامي وقل له يكن على أهبة فإذا سمع تكبيرنا يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير فإن ذلك مما يزيد في رعب أعدائنا فقال‏:‏ نعم‏.‏

قال وفعلت كما أمرني خالد ونزلت عن فرسي وأسلمتهما لغلامي دارم ومضيت نحو الجبل وكمنت بين الأحجار‏.‏

قال الراوي‏:‏ وإن خالد أمر أصحابه بلبس الخلع التي أرسلها لهم ابن المقرقس فلبسوها فوق دروعهم ولبس رفاعة بن قيس وبشار بن عون أحسنها وغير خالد زيه والمقداد وعمار ومالك الأشتر‏.‏

قال فلما وصل مقدم جيش القبط‏.‏

قال خالد لرفاعة وبشار‏:‏ ترجلوا له وأصقعوا بين يديه وصلبوا على وجوهكم فليس عليكم في ذلك حرج واحلفوا بالمسيح والسيدة مريم وإياكها والغلط بأن تذكروا محمد صلى الله عليه وسلم فيظن القوم بنا واجعلوا الجهاد نصب أعينكم وتوكلوا على الله في جميع أموركم قال ففعلوا ما قال لهم خالد وترجلوا عند رسول القبط قال‏:‏ حدثنا نصر بن عبد الله عن عامر بن هبار وقال‏:‏ يا عم اعلم أن الله إذا أراد أمرًا هيأ أسبابه وذلك أننا لما أشرفنا على أول ديار مصر نزلنا على دير يقال له دير مرقص وإن ديرًا عامرًا بالرهبان فلما نزلنا عليه أشرف عليه أهله وقالوا‏:‏ من أنتم‏.‏

قلنا‏:‏ نحن من أصحاب الملك هرقل ملك الشام وقد جئنا لنصرة صاحبكم فإنه قد أرسل إلينا يستنفرنا لأجل هؤلاء العرب‏.‏

قال ففرحوا بنا ودعوا لنا وكان كبيرهم والمقدم عليهم في دينهم شيخًا كبيرًا وكان من قسوس الشام وكان من أعلم القوم بدينهما وأعرف الناس بآل غسان وكانت الضيحا قد أقطعها هرقل للملك جبلة بن الأيهم وكان قد جعل على جبايتها ولد هذا القس وكان اسمه نونلس وأن المسلمين لما فتحوا بعلبك وحمص هرب هذا القس بأمواله وأولاده إلى طرابلس وركب البحر في مركب وتوصل إلى مصر وبلغ خبره المقوقس فأحضره وسأله عن حاله فحدثه بأمره فخلع عليه وجعله قيمًا في الكنيسة المعلقة التي في قصر الشمع وصار من أصحاب سكناه في دير مرقص ولا يدخل مصر إلا في أمر مهم فلما نزل عمرو بمن معه عليهم وقتل ابن المقوقس أباه احتاج إلى رأي البترك فأرسل إليه وأنزله في الكنيسة وولى البترك مكان هذا القس نونلس بن لوقا فكان في الدير فلما نزل خالد بن الوليد ومن معه على الدير قال عامر بن المبارك الثعلبي‏:‏ فأشرف علينا وتأملنا وكان أعرف الناس بخالد بن الوليد لأنه رآه في مواطن كثيرة من الشام وكان صاحب حمص قد أرسله رسولًا إلى أبي عبيدة ليصالحوهم‏.‏

قال فجعل يتفقدهم وينظر في وجوههم ثم قال‏:‏ وحق المسيح ما أنتم من آل غسان وما أنتم إلا من عرب الحجاز وقد جئتم لتحتالوا علينا فإني رأيت إمامكم الذي فتح الشام وقتل ملوكها وسوف أكاتب الملك بقصتكم ليقبض عليكم فقالوا‏:‏ ما عندنا خبر من الذي تقوله وقد خيل لك ذلك‏:‏ أما علمت أن المسلمين ما خلوا لنا حالًا وقد نهبونا وأصبحنا بالذل بعد العز والفقر بعد الغنى وقد كتب إلينا ملك مصر بأن نجيء إليه فأرسل إلينا بالخلع وطيب قلوبنا‏.‏

قال عامر‏:‏ فضحك اللعين من قولي وقال لي‏:‏ إن آل غسان أكثرهم يعرف بكلام الروم وحق ديني ما أنتم منهم وقد صح قولي‏:‏ إنكم مسلمون‏.‏

فقلنا له‏:‏ يا ويلك لو كنا من الذين تقول عنهم ما كنا نأتيكم بالنهاروكنا نكمن ونسير في الليل حتى نصل إلى أصحابنا وإنك استحقرت المسيح إذ جعلتنا من أصحاب محمد فقد وقعت في ذنب عظيم ثم إننا بالقرب منهم‏.‏

فقال أصحابه‏:‏ يا أبانا ليس هؤلاء القوم ممن ذكرت فلو كانوا مسلمين ما جسروا أن يدخلوا أرض مصر في ضوء النهار ولا يقربوا العمران‏.‏

فقال‏:‏ وحق ديني أنا أعرف الناس بهم وإنهم مسلمون بلا شك فامتنعوا منهم ولا تخرجوا لهم طعامًا ولا ماء وسأنفذ خبرًا للملك بذلك فيكون منهم على حذر‏.‏

قال عامر بن هبار‏:‏ وكان من لطف لله بنا أن الرهبان الذين بالدير لما سمعوا كلامه قال بعضهم لبعض‏:‏ يجب علينا أن نأخذ لنا منهم صلحًا فنكون آمنين من غائلتهم ولا نبرح من ديرنا هذا‏.‏

فقال أكبرهم‏:‏ إن أنتم فعلتم ذلك فإننا لا نعلم من ينصر الفريقين أصحابنا أم العرب فان كان النصر لأصحابنا خفنا من هذا القس أن يعلم بنا الملك أننا صالحنا المسلمين بغير أمره فإنه يقتلنا وإن هذا اللعين تعلمون أنه على غير منصبنا وهو في كل يوم يكفرنا لأنه نسطوري ونحن يعقوبية فإن أنتم أردتم صلح هؤلاء العرب فدونكم وهذا القس فاقبضوا عليه وسلموه لهم وخذوا منهم أمانًا‏.‏

قال‏:‏ ففعلوا وقبضوا عليه وأشرفوا علينا وقالوا لنا‏:‏ بحق ما تحقدون من دينكم أنتم من أصحاب محمد أم لا‏.‏

فإنا قد قبضنا على هذا اللعين ونريد أن فسلمه لكم وأنكم تعطوننا أمانًا فإنا قوم لا نعرف حربًا ولا قتالًا‏.‏

فقال لهم مالك الأشتر‏:‏ يا هؤلاء أما ما زعمتم من صلحنا فإنا نصالحكم وما كان أمرنا بالذي يخفى ولا نرضى بالكذب فإنه أشنع شيء عندنا ولا سيما أن الإسلام يمنعنا من استعماله ولو أن السيف على رأس أحدنا إذا سئل عن دينه أجاب به وتكلم بوحدانية الله تعالى ونحن من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولكم الأمان وهذا أمان الله ورسوله‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع الرهبان من مالك ذلك نزلوا وفتحوا الباب وسلموا لنا القس‏.‏

فقال له خالد‏:‏ يا عدو الله أردت أمرًا وأراد الله خلافه ثم إنه عرض عليه الإسلام فأبى وقال‏:‏ أنا هربت منكم من الشام ثم أوقعني المسيح لي أيديكم وما أظن إلا أن المسيح مسلم فافعل ما أردت فضربوا عنقه‏.‏

قال عامر بن هبار‏:‏ وخرج إلينا أهل الدير بأجمعهم ومعهم الطعام والعلوفة فأكلنا وأقمنا عندهم إلى الليل‏.‏

فقال شيخهم الذي أشار عليهم بقبض القس الرومي لخالد‏:‏ أيها السيد إني قد تفرست فيك الشجاعة فبألله من أنت من أصحاب محمد فقال‏:‏ أنا خالد بن الوليد المخزومي‏.‏

فقال‏:‏ أنت وحق ديني الذي فتحت بلاد الشام وأذللت ملوكها وبطارقتها وإن صفتك عندي ثم إنه دخول الدير وأتى ومعه سفط ففتحه وإذا فيه بين أوراقه ورقة وفيها صفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وزيه وصورته وصورة أبي عبيدة وصورة خالد بن الوليد والسيف في يديه مشهور‏.‏

قال‏:‏ ما زلت أسمع أخبارك كلها فلم عزلك عمر بن الخطاب وولى غيرك فقال خالد‏:‏ اعلم أن عمر هو الإمام وهو الخليفة ومهما أمرنا فلا نخالفه فإن الله أمرنا بذلك في كتابه فقال تعالى‏:‏ ‏{‏أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏]‏‏.‏ فطاعته فرض علينا لأنه يحكم بالعدل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإنا قد وجهنا إليه خمس الغنائم من الفتوح كلها من الأموال فما ازداد في الدنيا إلا زهدًا ولا إثر الدنيا على الآخرة بل مجلسه على التراب ولبسه المرقعة ويمشي في سوق المدينة متواضعًا راجلًا فالتواضع لباسه والتقوى أساسه والذكر شعاره والعدل في الرعية دثاره وما زال يعطف على اليتيم ويرفق بالأرملة والمسكين ويرفد أبناء السبيل فظ في دين الله غليظ على أعداء الله قائم بشعائر الله لا يستحي من الحق ولا يداهن الخنق‏.‏

فقال القس‏:‏ أكانت له الهيبة على عهد نبيكم‏.‏

قال خالد‏:‏ نعم سمعت سعد بن أبي وقاص يقول‏:‏ استأذن عمر فأذن له فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك‏.‏

فقال عمر‏:‏ أضحك الله سنك يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏عجبت من هؤلاء اللواتي كن ضدي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب‏)‏‏.‏

فقال عمر‏:‏ أنت أحق أن يهبنك وقال لهن‏:‏ يا عدوات أنفسكن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن‏:‏ نعم أنت فظ غليظ دون رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًا إلا سلك فجًا غيره‏)‏‏.‏ قال فلما سمع القس ذلك قال‏:‏ بركة نبيكم عادت على إمامكم وعليكم‏.‏

فقال خالد‏:‏ وما يمنعك من الدخول في ديننا‏.‏

فقال‏:‏ حتى يشاء صاحب هذه الخضراء ثم قال لخالد‏:‏ أريد أن أعطيكم من صلبان هذا الدير حتى تكمل حيلتكم‏.‏

قال وأخرج لهم صلبانا كثيرة فأخذها خالد ودفعها لرفاعة بن قيس وبشار بن عون وتزيوا بزي الذين قتلوهم من آل غسان وارتحل خالد بعدما وكل بالدير عشرة من أهل وادي القرى لئلا يخرج أحد بأخبارهم ويقربوا للملك بذلك‏.‏

قال وعدنا إلى سياق الحديث فلما أشرف أصحاب ابن المقوقس عليهم رأوهم وقد لبسوا خلع الملك وعلقوا الصلبان وشدوا الزنانير ورفعوا صليبًا من فضة كان قد أخرجه لهم القس فلما صقعوا للحجاب ركبوا وساروا حتى وصلوا إلى سرادق الملك فترتجلوا وأخذوا لهم إذنًا فأذن لهم فدخلوا ودخل أولهم رفاعة وبشار ومن معه وخدموا الملك وسجدوا له ولم يدخل خالد ومن معه ووقفوا مع بقية العرب خارج السرادق وإن الملك لما رآهم قال لهم‏:‏ يا معاشر العرب أنتم تعلمون محبتنا لكم وتقريبنا لكم وقد طلبتم أن تكونوا لنا عونًا على هؤلاء العرب فإن نصحتم لنا في دولتنا شاركناكم في مملكتنا وقاسمناكم في ملكنا ونعمتنا‏.‏

فقال له فاعة‏:‏ أبشر أيها الملك سوف ترى ما نبذله في محبتك يوم الحرب‏.‏

قال فخلع عليه وخرج من عنده وأمر لهم بخيام ضربت في عسكرهم‏.‏

قال‏:‏ حدثنا عامر بن أوس عن جرير بن صاعد عن نوفل بن غانم عن سهل بن مسروق‏.‏

قال لما قدم الجيش الذي وجه عمر بن الخطاب مع رفاعة وبشار وكان من أمرهم ما ذكرناه ونظر إليهم عمرو بن العاص ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا ينظرون إليهم وإلى زيهم‏.‏

فقال معاذ لعمرو‏:‏ ما هؤلاء من المتنصرة وإن نفسي تأبى ذلك‏.‏

فقال عمرو‏:‏ والله يا أبا عبد الرحمن لقد نظرت بنور الله وإنني نظرت فيهما واحداُ واحدًا ورأيتهم بزي وادي القرى وزي الطائف‏.‏

فقال شرحبيل بن حسنة‏:‏ وأنا نظرت أعجب من ذلك إني رأيت خالد بن الوليد في جملتهم ولاحت لي عمامته وقلنسوته وثيابه التي كانت عليه يوم دخول طرابلس‏.‏

فقال يزيد بن أبي سفيان‏:‏ أنا والله رأيت مالكًا الأشتر النخعي وعرفته بطول قامته وركبته على فرسه ثم قالوا‏:‏ لا بد أن ينكشف لنا خبرهم على جليته فهم في الحديث إذ قد أتاهم نعيم بن مرة فلما رأوه تهللت وجوههم فرحًا وسرورًا فلما وصل إليهم وسلم عليهم وحدثهم بالحديث كله سجدوا لله شكرًا وقال بعضهم لبعض‏:‏ أيقظوا هممكم وكونوا على يقظة مات أمركم فإذ سمعتم التكبير في عسكر العدو فبادروا إليهم‏.‏

قال ابن إسحق‏:‏ ولله في خلقه تدبير وذلك أنه لما جن الليل جمع أرسطوليس بن المتوقس أرباب دولته وقال لهم‏:‏ قد ضاق صدري من هؤلاء العرب وقال لهم‏:‏ قد غلا السعر عندنا لأن أهل البلاد قد أجلت من خوفهم وإن خيلهم تضرب إلى الريف من هذا الجانب وإلى الصعيد من هذا الجانب والنوبة والبجاوة ما يأتينا منهما أحد للفتنة التي هي بينهم والرأي عندي أن نحارب هؤلاء العرب صبيحة عيدهم‏.‏

قالوا‏:‏ أيها الملك هذا هو الرأي‏.‏

فقال‏:‏ أخرجوا السلاح وفرقوه على من ليس معه سلاح‏.‏

‏.‏

هذا ما جرى عنده وليس عنده خبر بما جرى في قصره بعد‏.‏

نتائج المعركة قال ابن إسحق‏:‏ وكان عن حسن تدبير الله تعالى لعباده المؤمنين أنه كان للمقوقس أخ شقيق واسمه أرجانوس وكانا متحابين وكان المقوقس لا يقطع أمرًا دونه وكانا إذا ركبا لا يفترقان وإذا جلسا يجلسان معًا على السرير وكان المقوقس قد دخل في خلوته التي ذكرنا وكان أخوه من محبته قد رتب هناك من يعرفه لما يخرج من خلوته فلما كان في هذه النوبة استبطأه فأتى إلى ابن أخيه فرآه على السرير‏.‏

فقال له‏:‏ ما فعل الملك إنه في خلوته إلى الآن وقد رأى أن طالعه ضعيف مع هؤلاء العرب وقد أمري أن أكون مكانه حتى يرى ما يريد من قتالهم أو صلحهم قال‏:‏ فكتم أرجانوس الأمر في نفسه وعلم أن أخاه قد قتل وكان أرجانوس ممن يعتقد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويعلم أن دعوته تطرف المشرق والمغرب وأن الملوك تضمحل في أيام أصحابه وسينزلون على البلاد فترك أرجانوس الأمر موقوفًا ولم يبد ما في نفسه لأحد فنما خرج ابن أخيه مع العسكر جمع أرجانوس الذين تركهم ابن أخيه لحفظ البلد في قصر المشع - قال لهم‏:‏ اعلموا أن العقل هو عمدة قوى ابن آدم لأن الله قد خصه به دون سائر المخلوقات وإن أخي قد قتله ولده لا محالة وقد كان محبًا لكم ومشفقًا عليكم وأعلموا أن هؤلاء العرب قد كان قدامهم من ملكه أعظم من ملككم وما ثبت بين أيديهم وليس بين دولتكم وبين أن تزول وتضمحل إلا أن يلتقي الجيشان وإن ظافر بكم هؤلاء العرب قتلوكم ونهبوكم وسكنوا في مساكنكم وايتموا أولادكم‏.‏

فقالوا‏:‏ أيها الملك فما يكون عندك من الرأي وما تفعل قال‏:‏ إني أرى من الرأي أن تستيقظوا لأنفسكم وتغلقوا أبواب هذا القصر ولا تدعوا أحدًا يدخل عليكم من جند الملك ولا هو نفسه فإنهم لا يقدرون أن يقاتلوكم والعرب من ورائهم وأنه يعدي الجانب الغربي ويمضي إلى إسكندرية ونعقد لنا صلحًا مع هؤلاء العرب على أنفسنا وأولادنا وحريمنا ونسلم لهم بعد ذلك‏.‏

فمن أراد يتبعهم ومن أراد يعطيهم الجزية‏.‏

قال‏:‏ فاستصوبوا رأيه وعلموا إنه نطق بالحق كان أرجانوس له في سرايته ألف مملوك‏.‏

قال‏:‏ فاحتوى على قصر الملك وأخذ الخزائن والأموال ومخلق أبواب قصر الشمع وفعل ما فعل وليس عند ابن أخيه خبر إلى أن ذهب من الليل نصفه أو أكثر فجاء إليه بعض خدمه وأخبره بما فعل عمه فأيقن بتلفه وخروج ملك مصر منه‏.‏

قال فبينما هو في حيرة في أمره إذ كبر خالد بن الوليد ومن معه في وسط عسكره فسمع عمرو وأصحابه التكبير فكبروا ووقعت الخذلة على الكفار وحملت فيهم المسلمون ووضعوا فيهم السيوف فلما نظر أرسصوليس إلى ما نزل به والكبسة التي وقعت بعسكره لم يكن له دأب إلا أن ركب وأحدقت به مماليك أبيه وأرباب دولته وطلبوا بالهزيمة وقصدوا البحر وعدوا الجانب الغربي وطلبوا إسكندرية فجازوا على مدينة مريوط وفيها الموبذان الساقي ومعه ثلاث آلاف من عسكره فلما أن صاح الصائح في مصر بأن الملك انهزم وما ثبت أحد من عسكر القبط وولوا والسيف يعمل فيهم وغرق منهم في البحر خلق كثير ونصر الله المسلمين وانهزموا‏.‏

قال ابن إسحق‏:‏ حدثني من أثق به أنه قتلى في تلك الليلة من عسكر القبط خمسة آلاف وغنم المسلمون أثقالهم وما كان فيها من الأموال فلما أقبل الصباح اجتمع خالد بالمسلمين وسلم بعضهم على بعض وهنوهم بالسلامة ودخلوا مصر وملكوا دورها وأحاطوا بقصر الشمع فأشرف عليهم أرجانوس بن راعيل أخو المقوقس وقال لهم‏:‏ يا فتيان العرب اعلموا أن الله قد أمدكم بالنصر وقد فعلت في حقكم كذا وكذا ولولا حيلتي على ابن أخي لما انهزم منكم وقد ظفرتم الآن ونحن نسلم إليكم على شرط أنكم لا تتعرضون لنا ولا تمدون أيديكم لنا بسوء ومن أراد منا أن يبقى على دينه يؤذي الجزية ومن أراد أن يتبعكم يتبعكم‏.‏

فقال له معاذ بن جبل‏:‏ قد نصرنا الله على الكفار بصدق نياتنا وصلح أعمالنا واتباعنا للحق وإنا ما قلنا قولًا إلا وفيناه ولا استعملنا الغدر ولا المكر وأنتم لكم الأمان على أنفسكم وأموالكم وحريمكم وأولادكم ومن بقي منكم على دينه فلن نكرهه ومن اتبع ديننا فله ما لنا وعليه ما علينا فلما سمع أرجانوس ذلك نزل إليهم بالمفاتيح فأمنوه وأمنوا من كان معه في القصر وجمعوا أكابر مصر ومشايخها وقالوا لهم‏:‏ إن الله قد نصرنا عليكم وقد انهزم ملككم منا وأنتم الآن في قبضتنا وقد صرتم مماليكنا ومن أسلم منكم قبلناه ومن أبى استعبدناه فقالوا‏:‏ أيها الملك ما هكذا بلغنا عنكم‏.‏

قال‏:‏ وما الذي بلغكم عنا‏.‏

قالوا‏:‏ سمعنا عنكم أن الله قد أسكن الرحمة في قلوبكم وأنتم تعفون عمن ظلمكم وتحسنون إلى من أساء إليكم وأنت تعلم أننا قوم محكوم علينا ولو كان الأمر إلينا لاتبعناكم فارفقوا بنا وانظروا في أحوالنا فقال عمرو لأصحابه وللأمراء‏:‏ ما ترون من الرأي في أمر هؤلاء القوم فقال شرحبيل بن حسنة‏:‏ اصنع ما أمر الله به من العدل فيهم وأحسن إليهم وطيب خواطرهم فإننا إذا قصدنا غير هذه المدينة وسمع أيها الأمير عنك أهل المدينة الأخرى ما فعلته مع أهل مصر يسلمون بغير منازعة ولا حرب فقال معاذ بن جبل وخالد بن الوليد والمقداد وعمار ومالك وربيعة ويزيد‏:‏ القول الذي قاله كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعمول به فقال عمرو لأهل هصر‏:‏ قد أمناكم على أنفسكم وأولادكم وحريمكم منة منا عليكم وقد وضعت عنكم جزية هذه السنة وفي السنة الآتية نأخذ منكم الجزية من كل محتلم أربعة دنانير ومن أسلم منكم قبلناه قال فلما سمع أرجانوس ابن راعيل كلام عمرو قال‏:‏ لقد أنصفت وإن الله بهذا نصركم وقد وقفت الآن على صحة دينكم وأنا أشهد أن الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله واشهدوا على أن كل ما تركه أخي من الأموال والأصول والثياب والمتاع هو هبة مني إليكم بما فعلتم مع أهل بلدي‏.‏

قال فلما نظر أهل مصر إلى أرجانوس وقد أسلم دخل أكثرهم في الإسلام وعمد عمرو إلى الكنيسة وعملها جامعًا وهو المعروف به إلى يومنا هذا وجمح الأموال التي أخذها من وراء القبط المنهزمين ومن منازلهم وما كان في قصر الملك وأخرج الخمس وأعطى كل ذي حق حقه ثم كتب كتابًا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعث الخمس والكتاب مع علم بن سارية وسلم المال والكتاب له وسير معه مائة فارس وأمره بالمسير إلى المدينة فاستلم الخمس وسار حتى قدم المدينة وسلم المال والكتاب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما قرأه سجد لله شكرًا وأمر بالمال إلى بيت المال‏.‏

فقال علم بن سارية‏:‏ يا أمير المؤمنين إن عمرًا يسلم عليك ويقول لك‏:‏ إن القبط كانوا استسنوا سنة في نيلهم في كل سنة وذلك أنهم كانوا إذا أبطأ عليهم الوفاء في النيل يأخذون جارية من أحسن الجواري ويزينونهما بأحسن زينة ويرمونها في البحر فيأتي الماء ويفي النيل وقد قرب ميقات ذلك ولا يفعل عمرو شيئًا إلا بإذنك‏.‏

قال فكتب عمر بن الخطاب‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد‏:‏ فإن كنت مخلوقًا لا تملك ضرًا ولا نفعًا وأنت تجري من قبل نفسك وبأمرك فانقطع ولا حاجة لنا بك وإن كنت تجري بحول الله وقوته فاجر كما كنت والسلام‏.‏

وأمره أن يدفعه لعمرو بن العاص يرميه فيه وقت الحاجة إليه ثم إنه كتب‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد‏:‏ فالسلام عليك وإني أحمد الله إليك وأصلى على نبته وإذا وصل إليك كتابي فاطلب أعداء الله حيث كانوا وإياك أن تلين جانبك لهم وانظر في أحوال الرعية واعدل فيهم ما استطعت واطلب العفو بالعفو عن الناس وأجر الناس على عوائدهم وقوانينهم وقرر لهم واجبًا في دواوينهم وأعل رسوم العافية بالعدل فإنما هي أيام تمضي ومدة تنقضي فأما ذكر جميل وإما خزي طويل ثم إنه سلم الكتاب إلى علم بن سارية فسار هو ومن معه إلى أن قدموا مصر وسلم الكتاب إلى عمرو فأما كتابه فقرأه على المسلمين وأما كتاب النيل فإنهم قد كانوا عدوًا ليالي الوفاء وتوقف النيل عن الوفاء وقد يئس الناس من الوفاء في تلك السنة فمضى عمرو إلى النيل وخاطبه ورمى فيه كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏

قال فلما رماه فيه هاج البحر وزاد فوق الحد ببركة عمر بن الخطاب وانقطعت عن أهل مصر تلك السنة السيئة ببركة عمر رضي الله عنه‏.‏

حدثنا محمد بن يحيى بن سالم عن عدي بن يحيى بن عوف قال‏:‏ لما بلغنا أن عمرو افتتح مصر وأتى إلى الكنيسة المعظمة عندهم وجد في مذبحها بيتًا مغلقًا وإذا فيه صورة من الفضة وأمام الصورة شخص آخر وفي يده أعلام وهي على صفة الصورة التي وجدها النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة لما فتح مكة فدعا عمرو بالقسوس وقال لهم‏:‏ ما هذه الصورة‏.‏

قالوا له‏:‏ هذه صورة إبراهيم وأبيه آزر فتبسم عمرو وقال‏:‏ ‏{‏ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين‏}‏‏.‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 67‏]‏‏.‏ فقال معاذ بن جبل‏:‏ لما قدمت من اليمن سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجهه قترة فيقول له إبراهيم‏:‏ ألم أقل لك لا تعصني فيقول آزر‏:‏ اليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم‏:‏ يا رب أنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون فأفي خزي أخزى من هذا فيقول الله‏:‏ حرمت الجنة على الكافرين ثم يقول له‏:‏ يا إبراهيم انظر إلى ما تحت قدميك فينظر إلى الريح وقد أخذت أباه فتلقيه في النار‏)‏‏.‏

قال ثم أمر عمر بالصورتين فكسرتا وعبر عسكر المسلمون إلى الجانب الغربي وقد تقدم خالد فترجل إلى نحو الإسكندرية وتقدم على مقدمته عبد الله يوقنا وسار يومًا وليلة هو وبنو عمه وهم بزي الروم‏.‏

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالإثنين يوليو 11, 2011 9:39 am

فتوح مدينة مريوط

قال ابن إسحق‏:‏ كان قد بلغ الموبذان الذي مع الثلاثة آلاف وهم في مدينة مريوط وقد حصنها ما حصل فلما قدم عليه يوقنا قال اسه الموبذان‏:‏ ما الذي أقدمك علينا‏.‏

فقال يوقنا‏:‏ إن المسلمين وجهوني إليك وهم يحرضونك على خلاص نفسك ويأمرونك بتسليم هذه المدينة إليهم ولك الأمان على نفسك وأهلك ومالك ومن أردت ولك الخيار في المقام تحت يد الإسلام أو الانفصال فإن اخترت المقام فلا مانع يمنعك وإن أردت المسير أوصلناك إلى أي موضع أردت فلما سمع الموبذان ذلك قهقه ضاحكًا‏.

وقال‏:‏ وحق ديني إن الغدر شعاركم والمكر دثاركم فلا فلح من آمن لكم وأما أنا فلا أخون الملك في بلده وأنا وهو في أرض واحدة وسوف أبعث إليه بأن أقدم إليه وأساعده عليكم جزاء بما عملتموه من الخديعة وستعلمون على من تدور الدائرة ومن يكون المغبون في الآخرة وأنتم يا معشر الروم قد كفرتم بالمسيح وجحدتم السيدة أم النور وخرجتم من ملة الحواريين وأردتم هؤلاء العرب الجياع الأكباد العراة الأجساد ولمن يغنوا عنكم شيئًا ووحق المسيح لأبعثن بكم إلى الملك فيقتلكم على كفركم وكان يوقنا قد ترك جماعته ومضى في عشرين رجلًا منهم لعله يعلم عليه حيلة فلما دخل عليه أنزله في دار الضيافة فوضعوا سلاحهم فلما أكلوا الطعام وتحادثوا وكان قد فطن بهم وأمر غلمانه أن يكونوا على حذر وأن يهجموا عليهم فيقبضوهم يريد بذلك أن يرسلهم إلى الملك إلى الإسكندرية ورماهم في بيت مظلم في دار إمارته وأقام ينتظر غفلة من عسكره وكانوا قد أحاطوا بالبلد ووكل بهم جارية اسمها زينا وهي أخت مارية التي أرسلها المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكانت أختها شقيقتها وسلم إليها المفاتيح لمعزتها عنده وقال لها‏:‏ احفظي عليهم لأرى ما أنظر فيهم قال فلما جن الليل واشتغل عدو الله الموبذان بالشراب قال فصبرت رينا إلى أن غرق في سكره هو ومن معه وناموا وأمنت على نفسهما مالت إلى الباب وفتحت على يوقنا وأصحابه وقالت لهم‏:‏ أبشروا لا خوف عليكم فإن الله قد جعل رحمتكم في قلبي وأنا أخت مارية التي أهداها المقوقس لنبيكم وإني أريد منكم أن توصلوني عند أختي مارية‏.‏

فقال لها يوقنا‏:‏ أبشري بما يسرك ولكن أخاف عليك من عدو الله فما ترين‏.‏

فقالت‏:‏ والله مما جئتكم حتى سكر ونام‏.‏

فقال يوقنا‏:‏ فعرفينا الطريق التي نسلكها إلى قومنا‏.‏

قالت‏:‏ إن هذا المكان فيه سرب يخرج إلى ظاهر البلد وهو مبنى من قديم الزمان وبابه الخارج مبني عليه قبة على أعمدة وتحتها قبر بين المقابر فكل من رآه يظن أنه قبر وإن الذي بنى هذه المدينة امرأة يقال لها فمعمان بنت عاد وصنعت هذه المقابر التي وراء التل وهي كأنها قصور مشيدة وكان فيها أناس يسكنوها‏.‏

لقال يوقنا‏:‏ افعلي بنا ما يقربك إلى الله تعالى ورسوله ولعلك أن تنزلينا من هذا السرب حتى نذهب إلى أصحابنا ونأتي بهم من هذا ما دام الموبذان سكران وهو نائم فقالت‏:‏ سأفعل ذلك إن شاء الله تعالى غير أني أريد أن أفتح لكم باب السرب قبله حتى لا تتعوقوا‏.‏

قال الراوي‏:‏ وقد مضت رينا أخت مارية وأشرفت على الموبذان‏.‏

فإذا هو ومن معه صرعى من الخمر فتركتهم وعادت إلى باب السرب لتفتحه وإذا هي تسمع وراءه حسًا ففزعت ووقفت تسمع‏.‏

قال‏:‏ حدثني عبد الرزاق بن يحيى عن سليم أن بن عبد الحميد عن سفيان الأعمش عن أوس بن ماجد وكان ممن شهد فتوح مصر والإسكندرية‏.‏

قال‏:‏ لما نزل خالد بن الوليد على مريوط بجيشه تفقد يوقنا وقال لأصحابه‏:‏ إنه من وقت أن بعثته برسالتي إلى مريوط للموبذان ما عاد قالوا‏:‏ أيها الأمير إنه من وقت ما دخل إليه ما خرج ونحن في انتظاره فعلم خالد أن يوقنا مقبوض عليه فبات مهمومًا من أجله وإن خالد صاحب همة وعزيمة لا ينام من خوفه على المسلمين وكان معه جواسيس قد أخذهم معه من كل أقليم وقد اصطفاهم لنفسه وهو يحسن إليهم وأينما ذهب يكونوا معه ليأتوه بالأخبار فبينما هو في غم بسبب يوقنا وإذا هو بواحد منهم قد دخل عليه وأعلمه أن ولد الموبذان قد أتى من إسكندرية من عند ارسطوليس ومعه خلع وهدايا لأبيه ومعه خمسمائة فارس وقد بلغه أنكم محاصرون أباه فترك العسكر وما معه بالبعد وانفرد ومعه خادمان وأتى وما نعلم ما يريد‏.‏

قال فلما سمع خالد ذلك قام وأخذ معه غلامه همامًا وأربعة ممن يعتد بهم وأبعد وقعد على سفح التل من نحو إسكندرية ونظروا إلى التل وإذا بولد الموبذان ومعه الخادمان قصدوا إلى وراء التل عند تلك المقابر التي وصفتي رينا ليوقنا وقصدوا القبة فمشى خالد وراءهم وفرق جماعته من أربع جهات القبة وكبسهم وإذا هم قد فتحوا طبقًا في وسط القبة فأخذهم خالد فلما رآهم الموبذان ارتعدت فرائصه وخاف فقال خالد‏:‏ إن صدقتموني أمنتكم وإن لم تصدقوني رميت رقابكم‏.‏

فقال الغلام‏:‏ أنا أصدقك أنا ولد الموبذان وكنت عند الملك في إسكندرية وقد أنفذ معي خمسمائة فارس عونًا لأبي وحفظًا لهذه المدينة فنحن في الطريق وإذ قد جاءتني الجواسيس بأنكم نازلون على البلد فأوقفت العسكر وأتيت إلى هذه القبة فقال له خالد‏:‏ وما الذي تريد من هذه القبة ألكم فيها سلاح أم مطلب فيه مال‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فما تريد منها‏.‏

قال الغلام‏:‏ إن أمنتني قلت لك الحق‏.‏

فقال له خالد‏:‏ قد أمنتك على نفسك فقبل يده وقال‏:‏ يا مولاي أريد أمانًا لأبي ومن يلوذ به فأعطاه فقال‏:‏ اعلم أن هذه القبة على سرب والسرب ينتهي إلى دار الإمارة ودار الإمارة في وسط هذه المدينة قال فلما سمع خالد ذلك تهلل وجهه فرحًا وسرورًا وقبض على الغلام وعلى الخادمين وأمرهما مع واحد آخر ممن معه أن يفتحوا السرب ففتحوه فأرسل همامًا إلى العسكر وأمره بأن يأتي بهم في السرب وأن يأتوا معهم بالنار والزيت والقناديل وأن يسرع بذلك وكان ذلك التل عاليًا والذين في المدينة لا ينظرون ما وراءه فلما أقبل همام بما طلبه خالد أوقدوا المسارج ونزلوا في السرب وابن الموبذان أمامهم فوصلوا إلى الباب وإذا برينا عند الباب تريد فتحه ليوقنا ومن معه فلما سمعت حسهم قالت‏:‏ من أنتم‏.‏

فقال خالد لابن الموبذان‏:‏ كلمها فقال‏:‏ أنا فلان بن الموبذان افتحي ولا تعلمي أبي‏.‏

قال فلم يبق لها بد أن تفتح الباب ففتحت فصعد خالد ومن معه فقبضوا على رينا‏.‏

فقالت لهم‏:‏ يا قوم دعوني فإني أردت أن أخلص أصحابكم وجئت لأفتح لهم هذا الباب وأنزلهم إليكم وتملكوا هذه المدينة من ههنا وقد أتى بكم رب العالمين وأنا رينا أخت مارية زوجة نبيكم فلما سمع خالد فرح وقال لها‏:‏ وأين أصحابنا فأتت بهم عندهم فحلوا وثاقهم وأتوا إلى دار الإمارة فوجموا الموبذان لا يشعر بنفسه من الخمر فوكل به جماعة وأمر الباقي أن يملكوا السور وقبضوا على الحرس ونزلوا إلى الأبواب وكان لها بابان فكسروا أقفالها وفتحوهما وأرسل إلى بقية العسكر فدخلوا المدينة والكل في حالك الليل فلما أصبح الصباح استيقظ الموبذان ومن معه وإذا بالمسلمين حولهم وكل من في المدينة قد أسر‏.‏

فقال له خالد‏:‏ يا عبد الله لولا أني أعطيت ولدك الأمان كنت قتلتك شر قتلة ولكن خذ أهلك وانصرف فإننا قوم إذا قلنا قولا نعمل به وفهم الموبذان أن ولده قد دلهم على السرب فلما خرج الموبذان بأهله قال ولده لخالد‏:‏ يا مولاي إن أنا مضيت معه قتلني ولست أريد بغيركم بدلًا وأنا أقول‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فقال له خالد‏:‏ إن قصر أبيك وما فيه لك وعرض خالد الإسلام على أهل مريوط فأسلم أكثرهم ثم إن خالدًا قال ليوقنا رحمه الله‏:‏ أبشر من الله بالرضوان والغفران والثواب فبصبرك على الشدائد فتح الله علينا هذه المدينة فقال‏:‏ والله ما فتحها إلا بفضله وببركة نبيه صلى الله عليه وسلم فكتب إلى عمرو بن العاص يبشره بفتح مريوط ونحن معولون على الدخول إلى إسكندرية وأرسل الكتاب إليه‏.‏

قال ابن إسحق‏:‏ وأقام خالد بمريوط لأجل ذي الكلاع الحميري لأنه مرض معه وكان مرضه شديدًا فجلسوا عنده شهرًا ولم يفارقه خالد فقدر الله بالوفاة فحزنوا عليه حزنًا شديدًا عظيمًا فكان ذو الكلاع ملك حمير وكان قبل دخوله في الإسلام يركب له اثنا عشر ألف مملوك سود سوى غيرهم‏.‏

قال أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه‏:‏ واغد رأيته بعد تلك الحشمة يمشي في سوق المدينة وعلى كتفه جلد شاة لما قدم عليه من اليمن إلى الجهاد في أيام أبي بكر الصديق رضي الله كنه فلما مات رثاه ولده تنوخ بما رثى به حمير أباه سبأ بن يشجب في الزمن المتقدم وهو‏:‏ عجبت ليومك ماذا فعل وسلطان عزك كيف انتقل وسلمت ملكك ذا طائعًا وسلمت للأمر لما نزل فيرمك يوم رفيع النزال ودورك في الدهر دور رحل فلا يبعدنك فكل امرئ سيدركه بالسنين الأجل لئن صحبت نائبات الزمان وشت مع الدهر وجه الأمل لقد كنت بالملك ذا قوة لك الدهر بالعز عان وجل بلغت من الملك أقصى المدى نقلت وعزك لم ينتقل فطحطحت آفاقه والمدى وجئت من العرب حول الدول حويت من الدهر إطلاقه ونلت من الملك ما لم ينل وحملت عزمك ثقل الأمور فقام بها حازم واستقل صحبت الدهور فهنأتها وما مر عيشك فيما فعل تؤمل في الدهر أقصى المنى ولم تدر بالأمر حين نزل فزالت لعزمك شم الجبال ولم يك حزمك فيها هبل

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالإثنين يوليو 11, 2011 9:43 am

ذكر فتح مدينة مصر

قال ابن إسحق الأموي رضي الله عنه‏:‏ لما ورد المنهزمون على الملك وأخبروه بما تم عليهم وعلى ابنته‏.‏

ضاق صدره وبقي متفكرًا فيما يصنع وليس له نية في القتال مع الصحابة فبينما هو متفكر إذ جاءه البشير بقدوم ابنته وما معها فخف عنه بعض ما كان يجده فلما دخل عليه قيس رفع مجلسه فوق الملوك والحجاب وأرباب دولته وكانوا قد اجتمعوا يهنئونه بابنته فلما حضر قيس بن سعد سأله الملك عن أشياء لعل أصحابه أن تلين قلوبهم إلى الإسلام‏.‏

فقال‏:‏ يا أخا العرب أخبرني عن صاحبكم ما الذي كان يركب من الخيل قال‏:‏ الأشقر الأرتم المحجل في الساق وكان اسمه المترجل‏.‏

فقال‏:‏ لقد بلغنا أنة كان لا يركب إلا الجمال‏.‏

فقال قيس‏:‏ إن الله أكرم الإبل وشرفها قال لها‏:‏ كوني فكانت وأخرج ناقة من الصخر وخص بها العرب من دون غيرهم من بني آدم وكان يركبها لكونها قد جعلها الله مباركة تقنع بما تجد وتصبر على الحمل الثقيل والسير الشديد وتصبر على الماء أيامًا وقد ذكرها ربنا في قوله في كتابه العزيز فقال‏:‏ ‏{‏وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 27‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏والبدن جعلناها لكم من شعائر الله‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 36‏]‏‏.‏

ولما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزواته غزوة بدر كان معه مائة ناضح من الإبل وكان معه فرسان يركب أحدهما المقداد بن الأسود الكندي ويركب الآخر مصعب بن عمير وإنا لقينا قريشًا في عددها وعديدها فهربوا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أصحابه يتعاقبون في الطريق وكان عليه الصلاة والسلام وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد حليف حمزة بن عبد المطلب وغيرهم يتعاقبون شامخًا وكان أيها الملك يركب الحمار الذي أهديته إليه ويردف وراءه معاذ بن جبل وعلى الحمار ركاب من نيف وخطامه ليف واعلم يا ملك القبط أنه كان يخصف نعله ويرفع ثوبه ويقول‏:‏ ‏(‏من رغب عن سنتي فليس مني‏)‏ وكان قميصه من القطن قصير الطول والكفين ليس له أزرار ولقد أهدى إليه ذو يزن جبة اشتراها له قومه بثلاثة وثلاثين بعيرًا فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وأهدى له جبة من الشام فلبسها حتى تخرقت وخفين فلبسهما حتى تخرقا وكان له رداء طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعات ونصف وكان له ثوب خز يلبسه للوفد إذا قدموا عليه وكان أفصح الناس إذا تكلم بكلمة يرددها ثلاثًا وكلما رأى قومًا سلم عليهم ورأيته كلما تحدث تبسم في حديثه وكان إذا اجتمع إليه أصحابه وأراد أن ينهض‏.‏

قال‏:‏ سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك قلنا‏:‏ يا رسول الله إن هذه الكلمات اتخذتهن عادة‏.‏

قال‏:‏ أمرني بهن جبريل وأخرجت لنا زوجته لما قبض كساء وإزارًا غليظين وقالت‏:‏ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذين‏.‏

فقال المقوقس‏:‏ هذه والله أخلاق الأنبياء فطوبى لمن اتبعه فإن أمته هي الأمة الموصوفة في الإنجيل فقال بعض من حضر‏:‏ أيها الملك ما تكون أمة عند الله أفضل من هذه الأمة وهم نحن فغضب الملك من قوله وقال‏:‏ وبأي شيء أنتم أفضل عند الله أبأكلكم الحرام وارتكابكم الآثام وصنعكم المنكرات وتجنبكم الحسنات وظلمكم في الرعية وميلكم إلى الدنيا أين أنتم من قوم عبر عليهم الإسكندر فرآهم ليس بينهم قاض ولا حاكم ولا أمير قائم عليه ولا فيهم من يختص بالغنى دون أخيه بل هم سواء في كل ما هم فيه أكلهم وشربهم واحد غير متناف ولا متضاد وملبسهم غير متناف ولا متباعد فتعجب الإسكندر منهم وسأل الأكابر منهم عما رآه من أحوالهم‏.‏

فقالوا‏:‏ أيها الملك إنا وجدنا جمجمة وعليها مكتوب‏:‏ يا ابن آدم ما خلقت إلا من التراب وقد خلوت بما قدمت إما صالحًا فيسرك وإما طالحًا فيضرك فتندم حيث لا ينفعك الندم ولم يكن لك إلى الدنيا مرجع فطوبى للكيس العاقل الذي ليس ببليد ولا غافل يتزود إلى ما إليه يصير ولا يلقي الاتكال على التقصير فبادر إلى الخير قبل الموت واغتنم حياتك قبل الفوت وكأنك بالحي وقد هلك وترك كل ما ملك فلما قرأنا هذا اعتبرنا أيها الملك بهذه الموعظة البالغة ولبسنا أثوابها السابغة فقال‏:‏ ما بال مساجدكم شاسعة نائية وقبوركم دانية فقالوا‏:‏ أما مساجدنا فبعيدة ليكثر الأجر بكثرة الخطا وقبورنا قريبة لنذكر الموت فننتهي عن الخطأ فقال‏:‏ ما لي أرى أبوابكم بغير غلاق‏.‏

قالوا‏:‏ لأننا ما فينا خائن ولا سارق‏.‏

فقال‏:‏ ما لي لا أرى فيكم أميرًا ولا حاكمًا‏.‏

فقالوا‏:‏ لأننا ما فينا معتد ولا ظالم‏.‏

فقال‏:‏ ما لي لا أرى فيكم معسرًا ولا فقيرًا‏.‏

قالوا‏:‏ لأن رزق الله فينا الكبير والصغير ثم إنهم أخرجوا له جمجمتين عظيمتين فقالوا‏:‏ أيها الملك هذه جمجمة رجل عادل سالم وهذه جمجمة رجل ظالم وكلاهما صار إلى هذا المصير ولم يغن عنهما الجمع والتدبير‏.‏

أما العادل فمسرور ريان وأما الظالم فنادم حيران فاز المتقي وخسر الشقي فاختر ما تراه قبل الحين أيها الملك لأنك قد ملكت النواصي ونفذ أمرك في الداني والقاصي واستخلفك الله في الأرض وأمرك بالقيام بالنفل والفرض فتذكر مرجعك ورمسك واعمل لنفسك واعلم أنه لا ينفعك جدك إذا قبضت روحك وأشتمل عليك لحدك فاترك أوامر الشيطان ودواعيه وخذ بأوامر الرحمن ونواهيه ولا يغريك النعيم فتبوء بالإثم العظيم اذكر أيها الملك ما فعل الشيطان بأبيك حين نصب له مكيدته وأدار عليه حيلته فنصب له فخ العداوة وغره فيه بحبة البر‏.‏

فقال قيس‏:‏ أيها الملك أتدري من أولئك‏.‏

قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ هم قوم مؤمنون قال الله عنهم في كتابه‏:‏ ‏{‏وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعملون‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 181‏]‏‏.‏ وقد رآهم نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به فلما عاد أخبر أصحابه بهم قالوا‏:‏ يا رسول الله أهم قوم مؤمنون بما أنزل عليك فأراد أن يعلمهم أن أمة محمد أفضل منهم فأنزل الله ‏{‏وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 81‏1]‏ فقال المقوقس لقيس بن سعد‏:‏ يا أخا العرب ارجع إلى أصحابك وأخبرهم بما سمعت وبما رأيت وانظر فيما يستقر عندكم وبينكم‏.‏

فقال قيس‏:‏ أيها الملك لا بد لنا منكم ولا ينجيكم منا إلا الإسلام أو أداء الجزية أو القتال‏.‏

فقال المقوقس‏:‏ أنا أعرض ذلك عليهم واعلم أنهم لا يجيبون لأن قلوبهم قاسية من أكل الحرام‏.‏


حدثنا ابن إسحق رضي الله عنه حدثنا عبد الله بن سهل عن علي بن حاطب عن سليمان بن يحيى قال‏:‏ إن الملك المقوقس كان من عادته أنه في شهر رمضان لا يخرج إلى رعيته ولا يظهر لأحد من أرباب دولته ولا أحد منهم يعلم ما كان يصنع وكانت مخاطبته لقيس بن سعد في أواخر شعبان سنة عشرين من الهجرة فخرج قيس من عنده ومضى إلى عمر بن العاص وحدثه بما كان منه‏.‏

قال ابن إسحق‏:‏ وكان ولي عهد الملك ولده أسطوليس وكان جبارًا عنيدًا وأنه لما سمع ما تحدث به أبوه رأى ميله إلى الإسلام وعلم أنه لا يقاتلهم وربما أسلم وسلم إليهم ملكه صبر إلى أن دخل أبوه إلى خلوته التي اعتاد أن يدخلها ويختلي فيها كل سنة فجمع أرباب الدولة في الخفية لئلا يدري به أحد فيعلم أباه وقال لهم‏:‏ اعلموا أنكم قد ملكتم هذا الملك وأن أبي يريد أن يسلمه إلى العرب لأنني فهمت من كلامه ذلك‏.‏

فقالوا‏:‏ أيها الملك أنت تعلم أن هذا الأمر مرجعه إليك وأنت ولي عهده فاعمل أمرًا يعود صلاحه عليك وعلينا‏.‏

قال‏:‏ فطلب صاحب شراب أبيه وأعطاه ألف دينار ووعده بكل جميل وأعطاه سمًا وقال له‏:‏ ضعه في شرابه‏.‏

قال‏:‏ ففعل الساقي ما أمر به وسقى الملك فمات فأتى الساقي إلى أرسطوليس وأعلمه أن أباه قد مات فذهب إليه ودفنه في الخفية وقتل الساقي وجلس على سرير الملك كأنه نائب عن أبيه إذا غاب كعادته في كل عام ولم يعلم أحد بموته هذا ما كان منه وأما عمرو بن العاص فإنه ارتحل من بلبيس ونزل على قليوب وبعث إلى أهل البلاد والقرى وطيب خواطرهم وقال لهم‏:‏ لا يرحل أحد من بلده ونحن نقنع بما توصلونه إلينا من الطعام والعلوفة فأجابوا إلى ذلك وارتحل من قليوب ونزل على بحر الحصى فارتجت بنزولهم إليها ووقع التشويش فيهم وعلا الضجيج وأغلقوا الدروب والدكاكين ووقف أهل كل درب على دربهم بالسلاح ليحموا حريمهم‏.‏

قال‏:‏ أما عمرو بن العاص فإنه أمر أهل اليمن ومن معه من العربان أن يحدقوا بالبلد وأن أهل ثم إن عمرًا أراد أن يرسل إلى صاحب مصر رسولًا وكان عنده غلام له من أهل الرملة وكان اسمه وردان وكان يعرف سائر الألسن فقال له عمرو‏:‏ يا وردان إنني أريد أن أرسلك إلى هؤلاء القبط فإنك تعرف بلسانهم ولا تظهر لهم أنك تعرفه فقال‏:‏ سمعًا وطاعة فقال‏:‏ أريد أن أكتب معك كتابًا وهم أن يكتب وإذا برسول أرسطوليس قد أقبل وقال‏:‏ يا معاشر العرب إن ولي عهد الملك يريد منكم أن تبعثوا له رجلًا منكم ليخاطبه بما في نفسه فلعل الله أن يصلح فات بينكم‏.‏

فقال عمرو ليزيد بن أبي سفيان ولهاشم الطائي ولعبد الله بن جعفر الطيار وللنعمان بن المنذر ولسعيد بن وائل‏:‏ اعلموا أني قد ضربت على ملوك الروم ولست أرى من يتكلم مثلي وما يسير إلى هؤلاء إلا أنا فإني أريد أن أرد القوم وأنظر حالهم وما هم فيه من القوة وأن لا يخفى علي شيء من أمرهم فقالوا‏:‏ يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوي الله عزمك وما عندنا إلا النصيحة للدين والنظر في مصالح المسلمين فافعل ما أردت تعان‏.‏

فمال لشرحبيل‏:‏ قد قلدتك أمور المسلمين فكن مكاني حتى أمضي إلى القوم وآتيكم بما فيه‏.‏

فقال له شرحبيل‏:‏ الله يوفقك ويسددك‏.‏

قال‏:‏ فلبس عمرو ثوبًا من كرابيس الشام وتحته جنة صوف وتقلد بسيفه وركب جواده وسار ومعه غلامه وردان وسار الثلاثة إلى قصر الشمع وإذا هم بالمواكب مصطفة والعساكر واقفة وهم بالدروع والجواشن والعدد وقد أظهروا ما أمكنهم من القوة فلما وصلوا إلى قصر الملك أخبروا أرسطوليس أن رسولك أتى بواحد من العرب فأمرهم بإحضاره فدخل عمرو راكبًا وهو متقلد بسيفه فأراد الحجاب أن ينزلوه عن جواده فأبى وأن يأخذوا سيفه فأبى وقال‏:‏ ما كنت بالذي أنزل عن حصاني ولا أسلم سيفي‏.‏

فإن أذن صاحبكم أن أدخل على حالتي وإلا رجعت من حيث أتيت فإننا قوم قد أعزنا الله بالإيمان ونصرنا بالإسلام فما لنا أن ننزل لأهل الشرك والطغيان وأنتم طلبتمونا ونحن لم نطلبكم فأعلموا الملك بما قاله‏.‏

فقال أرسطوليس‏:‏ دعوه يدخل كيف شاء فخرجوا إليه وقالوا له‏:‏ ادخل كيف أردت فدخل عمرو وهو راكب حتى وصل إلى قبة الملك ورأى السريرية والحجاب وقوفا والبطارقة وهم في زبنة عظيمة فلما رأى عمرو ذلك تبسم وقرأ ‏{‏فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 36‏]‏‏.‏

قال‏:‏ وقال قصر الملك قد بناه الريان بن الوليد بن أرسلاووس وهو الذي استخلف يوسف على مصر بعد العزيز‏.‏

ثم خرب وأقام خرابًا خمسمائة سنة وما بقي إلا أثره فلما بعث عيسى وانتشرت دعوته ورفعه الله إليه وافترقت منه فرقًا وادعوا فيه ما ادعوا من الإلهية وتقول الكذب ولي مصر رجاليس بن مقراطيس بنى ذلك القصر الخراب وهو في وسط قصر الشمع وإنما سمي قصر الشمع لأنه لا خلو من شمع الملوك فلما بناه أحضر الحكماء الذين كانوا قد بنوا في برية أخميم كان المقدم عليهم قربانس‏.‏

فقال لهم‏:‏ إني قرأت كثيرًا من الكتب التي أنزلت على الأنبياء من الله وقرأت صحف موسى ورأيت أن الله يبعث نبيًا قوله حق ودينه صدق أخلاقه طاهرة وشريعته ظاهرة وقد بشر به المسيح فما تقولون فيه فقال قربانس حكيم‏:‏ إن الذي قرأته هو الصحيح‏.‏

قال‏:‏ فثم من يخالف ذلك‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال الحكيم‏:‏ أريد أن أصنع تمثالًا من الحكمة ونجعله بيتًا للعبادة ونجعل على هيكلها تماثيل يكون وجوهها مما يلي التمثال بأعلى قصرك‏.‏

فإذا جاء وقت مبعث هذا النبي يحول كل تمثال وجهه عن صاحبه‏.‏

وأما الذي يجعل على الكنيسة‏.‏

فإنه عند مبعث النبي العربي يقع على وجهه ويكون موضع عبادة القوم وإقامة شرعهم‏.‏

قال‏:‏ فأخذوا في عمل الحكمة وأقاموا التماثيل على ما ذكرنا فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حول كل شخص وجهه عن صاحبه وسقط الذي كان على سطح الكنيسة وهو الجامع اليوم‏.‏

وأما التمثال العالي فبقي على حاله بأعلى القصر فلما دخل عمرو بجواده سمعوا من التمثال صوتًا عظيمًا‏.‏

ثم إنه سقط على وجهه فارتاع له الملك وأرباب دولته وصكوا وجوههم ودخل الرعب في قلوبهم وقالوا بلسانهم‏:‏ ما وقع هذا التمثال إلا عند دخول هذا العربي وما جرى هذا إلا لأمر عظيم ولا شك أنه هو الذي يقلع دولتنا ويأخذ ملكنا فأمروا عمرًا أن ينزل عن جواده فنزل وترتجل وجلس حيث انتهى به المجلس وأمسك عنان جواده بيده ويده اليسرى على مقبض سيفه ونظر إلى زينتهم وزخرفة قصرهم فقرأ ‏{‏ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتكئون وزخرفًا وأن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 33‏:‏ 35‏]‏‏.‏ ثم قال‏:‏ اعلموا أن الدنيا دار زوال وفناء والآخرة هي دار البقاء‏.‏

أما سمعتم ما كان من نبيكم عيسى وزهده وورعه كان لباسه الشعر ووساده الحجر وسراجه القمر وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله أوحى إلى عيسى أن نح على نفسك في الفلوات وعاتبها في الخلوات وسارع إلى الصلوات واستعمل الحسنات وتجتب السيئات وابك على نفسك بكاء من ودع الأهل والأولاد واصبح وحيدًا في البلاد وكن يقظان إذا نامت العيون خوفًا من الأمر الذي لا بد أن يكون‏)‏‏.‏ فإذا كان روح الله وكلمته خوف بهذا التخويف فكيف يكون المكلف الضعيف وأول من تكلم في المهد‏.‏

قال‏:‏ إني عبد الله فإذا كان أقر لله بالعبودية فلم تنسبون إليه الربوبية تعالى الله ما اتخذ صاحبة ولا ولدًا ولا أشرك في حكمه أحدًا جل عن الصاحبة والأولاد والشركاء والأضداد لا صاحبة له ولا ولد ولا شريك له ولا وزير ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انتهاء ولا يحويه مكان ليس بجسم فيمس ولا بجوهر فيحس لا يوصف بالسكون والحركات ولا بالحلول والكيفيات ولا تحتوي عليه الكميات ولا المنافع ولا المضرات‏.‏

ثم إنه قرأ ‏{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 93- 95‏]‏‏.‏

فقال له الوزير‏:‏ أصح عندكم معاشر العرب أن المسيح تكلم في المهد‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قالوا له‏:‏ فهذه فضيلة قد انفرد بها عن جميع الأنبياء فقال عمرو‏:‏ قد تكلم في المهد أطفال منهم صاحب يوسف وصاحب جريج وصاحب الأخدود وغيرهم فقالوا‏:‏ يا عربي أتكلم نبيكم بغير العربية‏.‏

قال‏:‏ لا قال الله في كتابه‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 4‏]‏ قالوا‏:‏ أبعث الله منكم أنبياء غير نبيكم‏.‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قالوا‏:‏ من‏.‏

قال‏:‏ صالح وشعيب ولوط وهود‏.‏

قال‏:‏ فلما سمعوا كلام عمرو وفصاحته وجوابه الحاضر قالوا بالقبطية للملك‏:‏ إن هذا العربي فصيح اللسان جريء الجنان ولا شك أنه المقدم على قومه وصاحب الجيش فلو قبضت عليه لانهزم أصحابه عنا‏.‏

قال‏:‏ وغلام عمرو وردان يسمع ذلك فقال الملك‏:‏ إنه لا يجوز لنا أن نغمر برسول لا سيما ونحن استدعيناه إلينا فقال وردان بلسان آخر ما قالوه ففهم عمرو كلامه‏.‏

ثم إن الملك قال‏:‏ يا أخا العرب ما الذي تريدون منا‏.‏

وما قصدنا أحد إلا ورجع بالخيبة وإنا قد كاتبنا النوبة والبجاوة وكأنكم بهم قد وصلوا إلينا‏.‏

فقال عمرو‏:‏ إننا لا نخاف من كثرة الجيوش والأمم وإن الله قد وعدنا النصر وأن يورثنا الأرض ونحن ندعوكم إلى خصلة من ثلاث‏:‏ إما الإسلام‏.‏

وإما الجزية‏.‏

وإما القتال‏.‏

فقالوا‏:‏ إنا لا نبرم أمرًا إلا بمشورة الملك المقوقس وقد دخل خلوته ولكن يا أخا العرب ما نظن أن في أصحابك من هو أقوى منك جنانًا ولا أفصح منك لسانًا‏.‏

فقال عمرو‏:‏ أنا ألكن لسانًا ممن في أصحابي ومنهم من لو تكلم لعلمت أني أقاس به‏.‏

فقال الملك‏:‏ هذا من المحال أن يكون فيهم مثلك فقال‏:‏ إن أحب الملك أن آتيه بعشرة منهم من يسمع خطابهم‏.‏

فقال الملك‏:‏ أرسل فاطلبهم فقال عمرو‏:‏ لا يأتون برسالة وإنما إن أراد الملك مضيت وأتيت بهم‏.‏

فقال الملك لوزرائه‏:‏ إذا حضروا قبضنا عليهم والأحد عشر أحسن من الواحد ووردان يفهم ذلك ثم إن الملك قال لعمرو‏:‏ امض ولا تبطئ علي فوثب عمرو قائمًا وركب جواده فقال الملك بالقبطية‏:‏ لأقتلنهم أجمعين فلما خرج من مصر قال له وردان ما قاله الملك فلما وصل إلى الجيش أقبلت الصحابة وسلموا عليه وهم يقولون‏:‏ والله يا عمرو لقد ساءت بك الظنونا فأقبل يحدثهم بما وقع له معهم وبما قالوه وبما قاله وردان فحمدوا الله على سلامته وكان أقبل الليل فلما أصبح صلى عمرو بالناس صلاة الفجر وأمرهم بالتأهب للقتال وإذا برسول الملك قد أقبل وقال له‏:‏ إن الملك ينتظرك أنت والعشرة فقال عمرو‏:‏ إن الغدر يهلك أصحابه وأهله وإن على الباغي تدور الدوائر يا ويلكم ينفذ صاحبكم يطلب منا رسولًا فلما أتيته أراد أن يقضي علي وقال كذا وكذا فأنت يا ويلك ما الذي يمنعني عنك إذا أردت قتلك ولسنا نحن ممن يخون ويغدر ارجع إليه وقل له‏:‏ إني فهمت ما قاله وما بقي بيننا وبينه إلا الحرب‏.‏

قال ابن إسحق رحمه الله ورضي عنه‏:‏ هكذا وقع له مع القبط وكان عمرو إذا ذكر ذلك يقول‏:‏ لا والذي نجاني من القبط‏.‏


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالإثنين يوليو 11, 2011 9:45 am

[/b]قال ابن إسحق رحمه الله ورضي عنه‏:‏ هكذا وقع له مع القبط وكان عمرو إذا ذكر ذلك يقول‏:‏ لا والذي نجاني من القبط‏.‏

قال‏:‏ وعاد الرسول وأخبر الملك بما قاله عمرو فعند ذلك قال‏:‏ أريد أن أدبر حيلة أدهمهم بها فقال الوزير‏:‏ اعلم أيها الملك أن القوم متيقظون لأنفسهم لا يكاد أحد أن يصل إليهم بحيلة ولكن بلغني أن القوم لهم يوم في الجمعة يعظمونه كتعظيمنا يوم الأحد وهو عندهم يوم عظيم وأرى لهم من الرأي أن تكمن لهم كمينًا مما يلي الجبل المقطم‏.‏

فإذا دخلوا في صلاتهم يأتي إليهم الكمين ويضع فيهم السيف‏.‏

قال‏:‏ فأجابه الملك إلى ذلك وأقاموا ينتظرون ليلة الجمعة‏.‏

قال‏:‏ وأما عمرو فإنه أرسل يوقنا إلى القرى التي صالحوها ليأتيه منها بما يأكلونه ويعلفون به خيلهم قال‏:‏ فركب يوقنا إلى القرى التي صالحوها وسار في عسكره وبني عمه إلى ما يأتي به ومضى نحو الجرف وكان معهم جواسيس الملك في عسكرهم فأتوا إلى الملك وأخبروه بما جرى من المسلمين فعندها دعا بابن عمه ماسيوس وهو المقدم على جيوش مصر وقال له‏:‏ اختر من جيوشنا أربعة آلاف وامض بهم واكمن وراء عسكر المسلمين من جهة الجبل وإياك أن يظهر عليكم أحد وليكن لكم ديدبان‏.‏

فإذا دخل القوم في صلاتهم فاحملوا عليهم وضعوا فيهم السيف‏.‏

قال‏:‏ ففعل ماسيوس ما أمره به الملك ومضى في الليل من نحو مغارة السودان ولم يعلم بهم أحد فلما كان وقت صلاة الجمعة أتاهم الديدبان وأعلمهم أنهم دخلوا في الصلاة وكانوا قد أخذوا بغالًا ودواب وحملوها برًا وشعيرًا وكان قد قال لهم‏:‏ إذا أردتم أن تحملوا عليهم فقدموا الحمول أمامكم فإنهم يأمنون ويحسبون أنها هي التي مضى صاحبهم يأتي بها قال‏:‏ ففعلوا ذلك‏.‏

حدثنا ابن إسحق حدثنا عمارة بن وهب عن سعيد بن عامر عن سليمان بن ناقد عن عروة عن جابر عن محمد بن إسحق قال‏:‏ هكذا دبر عليهم القبط وكان بين القوم وبينهم نصف ميل وليس عند المسلمين خبر ما صنع المشركون وكان سعيد بن نوفل العدوي يقول لعمرو‏:‏ أيها الأمير ما الذي يمسكنا عن قتال هؤلاء القبط‏.‏

فيقول‏:‏ والله ما تأخري جزع وإنما قد علمتم قصد هذا الملك المقوقس وما عليه من الدين والعقل وهو مقر بنبوة نبينا وقد دخل إلى خلوته التي سنها لنفسه في هذا الشهر المعظم وقد بقي منه خمسة أيام ويظهر ونبعث إليه رسولًا ونرى ما يكون جوابه‏.‏

فإما الصلح وإما القتال‏.‏

قال‏:‏ فبينما هم يتحادثون في ذلك إذ أتاهم رسول من عند أرسطوليس بن المقوقس وقال لهم‏:‏ معاشر العرب إن ولي عهد الملك يسلم عليكم ويقول لكم إني لا أقدر أن أحدث أمرًا حتى يخرج الملك من خلوته وقد بقي له خمسة أيام وهو يدبر في رعيته بما يشاء‏.‏

فقال له عمرو‏:‏ قد علمنا ذلك ولولا الملك وما نعلم منه أنه يحب نبينا وأنه مؤمن به ما أمهلناكم طرفة عين فمضى الرسول‏.‏

قال ابن إسحق‏:‏ وما بعث هذا اللعين هذا الرسول إلا ليطمئن المسلمون وليقضي الله أمرًا كان مفعولا وإذا جاء القدر لا ينفع الحذر وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه‏.‏

قال الراوي‏:‏ فكان المسلمون قد اطمأنت قلوبهم بذلك الخبر وقربت الصلاة فقام عمرو وخطبهم خطبة بليغة حقر فيها وأنذر فلما فرغ أقيمت الصلاة وأقاموا مواليهم يرقبون مخافة العدو أن يكبسهم في صلاتهم‏.‏

قال صابر بن قيس ونحن لا نرى أحدًا من أهل مصر لا فارسًا ولا راجلًا قال‏:‏ فاصطففنا خلف عمرو للصلاة وليس يبين لنا عدو نخافه فلما أحرمنا وقرأ عمرو ركعنا وأومأنا للسجود إذ أشرفت الدواب والبغال وعلى ظهورها الأحمال والعسكر من ورائها وهم أهل الكمين الذي أكمنه أعداء الله وهم على عدد أصحابنا الذين مع يوقنا فلما رآهم موالينا ظنوا أنهم أصحابنا وقد أقبلوا بالعلوفة فرفعوا أصواتهم بالفرح وقالوا‏:‏ جاء يوقنا وأصحابه ولم يكلمهم العدو حتى أتونا ونحن في الصلاة ووضعوا السيف فينا ونحن ساجدون السجدة الأخيرة ونحن بين يدي الله تعالى‏.‏

قال‏:‏ وإذا بالسيوف تقرقع في لحومهم وما أحد منهم قام من سجوده وكان القتل في آخر صف من المصفين والصف الذي يليه وهم من اليمن ومن بجيلة ومن وادي القرى ومن الطائف ومن وادي نخلة ثم قال ابن عتبة‏:‏ وكنت قد شهدت وقائع الشام وحضرموت واليرموك فوالله ما قتل منا في وقعة من الوقائع مثل ما قتل منا يوم بحر الحصى في أرض مصر بالحيلة التي دبرها عدو الله علينا وقال‏:‏ والله ما منا من انحرف عن صلاته ولا حول وجهه عن ربه وقد أيقنا بالهلاك عن آخرنا حتى أشرف علينا يوقنا بأصحابه فلما نظروا ما حل بالمسلمين صاحوا ورموا ما على رؤوسهم من العمائم وقال يوقنا لبني عمه‏:‏ والله من قصر منكم عن عدوه فالله يطالبه به يوم القيامة وما أرى إلا أن الأعداء قد غدروا وكبسوا المسلمين فدوروا من حولهم وضعوا السيوف فيهم واحذروا أن ينفلت منهم أحد فحملوا وأطبقوا على القيط فدفعوهم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل القتال بينهم حتى فرغ عمرو من الصلاة هو ومن معه وثاروا ثوران الأسد وركب عمرو ومعاذ وسعيد بن زيد وجميع الصحابة وحملوا في العدو وطحنوهم طحنًا‏.‏

قال جابر بن أوس‏:‏ وحلنا بينهم وبين الوصول إلى مصر فوالله ما نجا منهم أحد وبقوا كأنهم طيور وقعت عليهم شبكة صياد فلما وضعت الحرب أوزارها هنأ المسلمون بعضهم بعضًا بالسلامة وشكروا الله على ما أولاهم من نصره وأثنوا على يوقنا خيرًا وافتقدوا قتلاهم فكانوا أربعمائة وستة وثلاثين قد ختم الله لهم بالشهادة‏.‏

قال‏:‏ واتصل الخبر إلى أرسطوليس بقتل ابن عمه ومن معه وأنهم لم ينج منهم أحد فصعب عليه ذلك وأيقن بهلاكه فدعا ببطارقته وأرباب دولته وشاورهم في أمره فقالوا‏:‏ أيها الملك أنت تعلم بأن الدنيا ما دامت لأحد ممن كان قبلك حتى تدوم لك وما زالت الملوك تنكسر وتعود وما أنت بأكثر ممن انهزم من ملوك الأرض وقد سمعنا أن داونوس بن أردين بن هرمز بن كنعان بن يزحور الفارسي هزمه الإسكندر الرومي سبعين مرة فاخرج إلى لقاء القوم واضرب معهم مصاف ولا تيأس وهؤلاء القسوس والرهبان والشمامسة والمطران والبترك يدعون لك بالنصر‏.‏

قال‏:‏ فعول على لقاء المسلمين وفتح خزائن أبيه وأنفق على الجند وأعطاهم السلاح وطلب شباب مصر وأمرهم بالخروج وبعث يستنجد بملك النوبة وملك البجاوة وأقام مدة ينتظر قدومهم‏.‏

قال‏:‏ حدثهم محمد بن إسحق القرشي عن عقبة بن صفوان عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه قال‏:‏ لما كان من أمر المسلمين ما ذكرنا مما قدره الله عليهم من كبسة عدوهم كتب بذلك عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي.
أولى الإنتصارات

قال‏:‏ فترك عمرو بن العاص الأثقال ومعها من يحفظها وركب وسار بجرائد الخيل وترك مع الأثقال عامر بن ربيعة العامري فما كان قبل طلوع الفجر إلا وهو عند يوقنا فدار بالقوم فلما أحس بهم يوقنا كبر هو ومن معه ورفع الجميع أصواتهم بالتهليل والتكبير ووضعوا السيف في القبط فما طلعت الشمس إلا وقد قتل من القبط أكثر من ألف وأسر منهما خلق كثير وولى الباقي منهزمين وأخذت أرمانوسة ابنة الملك وجميع ما معها من الأموال والرجال والجواري والغلمان‏.‏

فقال عمرو بن العاص لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل يزيد بن أبي سفيان وهاشم بن سعيد الطائي والقعقاع بن عمرو التميمي وخالد بن سعيد وعبد الله بن جعفر الطيار وصفوان وأمثالهم‏:‏ أن الله سبحانه وتعالى قد قال‏:‏ ‏{‏هل جزاء الإحسان إلا الإحسان‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 60‏]‏ وهذا الملك قد علمتم أنه كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث هدية ونحن أحق بمن كافأ عن نبيه صلى الله عليه وسلم هديته وكان يقبل الهدية ويشكر عليها وقد رأيت أن ننفذ إلى المقوقس ابنته وما أخذنا معها ونحن نتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمعته يقول‏:‏ ‏(‏ارحموا عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر‏)‏ فاستصوبوا رأيه فبعث بها مكرمة مع جميع ما معها مع قيس بن سعد رضي الله عنه‏.



فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي

[b]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][center]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 19, 2011 6:09 pm

فتوح إسكندرية

قال‏:‏ وعول خالد على المسير إلى إسكندرية‏.‏

حدثنا زياد بن أوس الطائي عن معمر بن الرشيد قال‏:‏ لما نزل خالد بعد رحيله عن مريوط قال له عيونه‏:‏ إنه لما انهزم ابن المقوقس وأتى إلى إسكندرية وبلغه فتح مصر صعب عليه قال‏:‏ وكانت إسكندرية عامرة كان فيها الخلق كثيرًا والمراكب فأرسل مراكب وعمرها بالرجال وأمرهم أن يكبسوا سواحل بلاد الشام على المسلمين فقالوا‏:‏ سمعًا وطاعة ومضوا إلى ساحل الرملة فوجدوا بالليل نيرانًا كثيرة فسألوا من كان خبيرًا بالبلاد فقالوا‏:‏ هذه نيران المسلمين النازلين ههنا فقالوا‏:‏ هذه حاجتنا التي جئنا في طلبها فنزلوا وقصدوها وإذا بها حلل من حلل دوس بني عم أبي هريرة وكان معهم طائفة من بجيلة وفي جملتهم ضرار بن الأزور وهو مريض وأخته خولة معه تمرضه وكان أبو عبيدة أمرهم بالنزول هناك لأجل كثرة المرعى وهم آمنون مطمئنون من الروم وغيرهم لأن دولة الروم قد انصرمت وأيامهم قد ولت فما فطن القوم إلا وقد كبسهم القبط في حندس الليل ووضعوا فيهم السيف فقتلوا منهم رجالًا وأخذوا منهم أسارى ومن جملتهم ضرار وأخته وأخذوا ما قشروا على حمله وأتوا بهم المراكب وكان جملة من أسروه من الرجال والنساء والأولاد والعبيد ألف قال ابن إسحق‏:‏ وكان أبو عبيدة قد استوطن طبرية لكونها في وسط البلاد وهي قريبة من الأردن والشام والسواحل وإن أبا هريرة قد أتى ليزور قومه في تلك الأيام وشمال عن حال ضرار وكانوا يحبونه لشجاعته فأتى أبو هريرة ومعه حليف له من بني بجيلة فأصبحا تلك الليلة في الحي وإذا بهم قد أخذهم القبض وبيوتهم مطروحة والرجال مقتولة وآثارهم منبوذة ووجدوا من الذين انهزموا أناسًا مجروحين فسألوهم فقالوا‏:‏ ما عندنا خبر حتى كبسنا قوم نصارى وما نعلم من أي الطوائف هم ولم نفق حتى وقعوا فينا بالسيوف فقتلوا ما ترون وأسروا الباقين وأخذوهم في مراكبهم‏.‏

فقال أبو هريرة‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وساروا إلى ساحل البحر فلم يروا لهم أثرًا فلما عولوا على الرجوع إذا بلوح من ألواح المراكب تلعب به الأمواج وعليه شخص فوقفوا له حتى أقبل وخرج الرجل وإذا به أمير دوس وحيان ابن عم أبي هريرة فلما رآه ترجل له وعانقه وهنأه بالسلامة وقال له‏:‏ يا ابن عم ما وراءك فقال‏:‏ هجم العدو علينا ليلًا وأسرونا وساروا فلما توسطنا البحر بعث الله بريح لغرقت مركبنا وقد نجاني الله على هذا اللوح‏.‏

فقال له‏:‏ ومن أعداؤكم‏.‏

قال‏:‏ من قبط مصر وإني سمعتهم يذكرون إسكندرية كثيرًا‏.‏

قال‏:‏ فرجع أبو هريرة يطلب طبرية وأتى ابن عمه إلى مكان الحلة حتى يلم شعث الناس ويداوي المجروحين فجمع ما تركوه وأتى بهم إلى الرملة‏.‏

وأما أبو هريرة فأتى أبا عبيدة وأخبره بما جرى فاسترجع وبكى وقال‏:‏ أعوذ بالله من الساعات الرديئة ثم قال‏:‏ والله لئن وصلوا إلى إسكندرية ما يبقيهم صاحبها طرفة عين ويموت ضرار ويمضي دمه هدرًا وكتب إلى عمرو بن العاص يعلمه بذلك ويحذره من صاحب الإسكندرية وأنه أسر ألفًا ومائة من جملتهم ضرار وأخته وكانت تداويه وهي عنده فإذا وصل إليك كتابي هذا فاجتهد في خلاصهم وإن وقع في أيديكم أحد من القبط ففادوهم به ودفع الكتاب لزيد الخيل وأمره أن يسير إلى مصر فلما قدم زيد الخيل إلى مصر دفع الكتاب لعمرو بن العاص فلما قرأه صعب عليه وكان يحب ضرارًا فأرسل الكتاب إلى خالد بن الوليد وكتب إليه يحثه بالمسير إلى الإسكندرية وأنه يفتقد حال الأسرى فلما وصل الكتاب إلى خالد وقرأه صعب عليه أمر ضرار وأخته خولة‏.‏

حدثنا ابن إسحق قال‏:‏ حدثنا عاصم بن منصور عن أحمد المروزي عن سلمة عن عبد الله بن المبارك عن عبد العزيز عن أبيه‏.‏

قال‏:‏ لما أخذت النصارى حلل دوس وضرارًا وأخته وعصفت عليهم الريح وغرق أحد المراكب ووصل الباقي إلى إسكندرية أوقفوهم أمام ابن المقوقس فأراد قتلهم فقال له أرباب دولته‏:‏ أيها الملك لا تعجل عليهم واعلم أن العرب متوجهة إلي ولا بد لنا من قتالهم فإن أسر أحد منا ممن يعز عليك يكون عندنا من نفادي به ولعل أن نصالح العرب فاستصوب رأيهم وقال‏:‏ ادفعوا هؤلاء الأسرى إلى دير الزجاج وأرسل معهم ألفي فارس يوصلونهم إلى الدير فجاءت عيون خالد وأخبروه بما وقع فقام وأخذ معه أصحابه وسار يطلب دير الزجاج فوصل خالد إلى الدير قبل وصول الأسارى ومن معهم فلما أحدقوا بالدير أشرف عليهم راهب كبير السن وكان اسمه فباحًا وكان تلميذًا لبحيرا راهب بصرى وكان مؤمنًا بالله وبأنبيائه‏.‏

فقال له خالد‏:‏ يا راهب كيف ترى الدنيا‏.‏

قال‏:‏ تنحف البدن وتجدد الأمل وتقرب المنية وتقطع الأمنية‏.‏

قال‏:‏ فما حال أهلها‏.‏

قال‏:‏ من نال منها شيئًا نفضته ومن فاته منها شيء حسرته‏.‏

قال‏:‏ فما خير الأصحاب فيها‏.‏

قال‏:‏ العمل الصالح والتقي‏.‏

قال‏:‏ فما شر الأصحاب فيها‏.‏

قال‏:‏ اتباع النفس والهوى‏.‏

قال خالد‏:‏ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال‏:‏ ‏(‏الحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجدها‏)‏‏.‏ ثم قال‏:‏ كيف طابت لك الوحدة‏.‏

قال‏:‏ ألفتها‏.‏

قال‏:‏ فهل نلت منها فائدة‏.‏

قال‏:‏ نعم الراحة من مداراة الناس‏.‏

قال‏:‏ فما أحسن هذا الاعتقاد لو كان في دين الإسلام والتوحيد قال فما أعرف غيره‏.‏

قال‏:‏ فما تقول في محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ سيد الرسل وخاتم الأنبياء وصفي الأصفياء وحجة الجبار على الورى‏.‏

قال‏:‏ فلم لا تكون في بلاد الإسلام فهي أصلح لك من ههنا قال‏:‏ قلبي ملوث بحب الدنيا‏.‏

قال خالد‏:‏ أعندك خبر بالعرب الأسرى الذين أرسلهم الملك هنا‏.‏

قال‏:‏ لا والله ولكن مر بي البارحة بطريق وأسقف واستقيا ماء من بئر هذا الدير فسألتهما من أين أتيتما‏.‏

فقالا‏:‏ من الإسكندرية وإننا رسل الملك كيماويل صاحب أرض برقة وأنه أرسلنا إلى ملك القبط يسأله أن يرسل له أسرى من عرب المسلمين حتى يراهم ويسمع كلامهم فأجاب أنه يرسل منهم جماعة وإذا ماضون نعلم صاحب برقة بذلك‏.‏

فقال لخالد‏:‏ لعلكم من المسلمين الذين فتحوا بلاد الشام قال خالد‏:‏ نحن هم‏.‏

فقال الراهب‏:‏ إن أخباركم عندي في كل وقت وأعلمك أني رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو في قافلة قريش وأنا عند بحيرا فلما مات بحيرا انتقلنا إلى هذا الدير واعلموا أنه ما بقي من أرض الكنائس ولا بأرض العقبة ولا بأرض الرمادة أحد ولا ديار من راهب ولا قس إلا وقدم لزيارتي ويسألني عنكم وعن نبيكم ويقولون لي‏:‏ أنت كنت على طريقهم ورأيت نبتهم وشرحت لهم دينكم وأوصلتهم إلى ما ظهر من معجزات نبيكم صلى الله عليه وسلم ولقد جرى بيني وبين راهب منهم بالقرب مناظرة وقال لي‏:‏ إن النبي الذي بشر به عيسى المسيح ابن مريم ليس هذا فقلت له‏:‏ بلى هو والله النبي العربي‏.‏

فقال لي‏:‏ إننا سمعنا في العلم أن الرسول الذي يظهر من أرض الحجاز يعرج به إلى السماء وما سمعنا أن هذا عرج به فقلت‏:‏ بلى والله أنا سمعت بأنه عرج به إلى السماء وخاطب العلي الأعلى وأصبح فأعلم بذلك قريشًا ثم قال لخالد‏:‏ اعلم أن في وسط هذا الجبل ديرًا يقال له دير المسيح وقد استوى عليه بطريق ومعه جماعة وهو يقطع الطريق على قوافل العرب وأنه منذ زمان قطع الطريق على قافلة وفيها لشخص من بلادكم وهو مسلم فأخذ القافلة وعزى أهلها وأطلقهم وقبض على ذلك المسلم وأخذ ماله ووضعه عنده في العذاب الشديد والرجل يستجير فلا يجار ويقول له‏:‏ ما أطلقك حتى تكفر بالرحمن وتسجد للصلبان ثم إنه يأتيه بصورة من نحاس وعلى رأسه عمامة سوداء ويقول له هذه صفة نبيكم وينصبه قباله ويصمت فضلة كأسه على رأس هذه الصورة وذلك الرجل يستجير من فعاله‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع خالد ذلك أخذ معه شرحبيل بن حسنة وعامر بن ربيعة ويزيد بن أبي سفيان وهاشم بن سعيد والقعقاع ورفاعة وترك بقية العسكر محيطة بالدير ومضوا إلى وسط الجبل فوجدوا الدير فوصلوا إليه وإذا بالبطريق قد أقبل ومعه وحش مذبوح وقد قصد إلى شجرة بالقرب من الدير وتحتها عين فنزل على العين وصاح بغلمانه فأتوا إليه وأضرموا النار وجعلوا يشوون له وهو يأكل ويشرب الخمر وقال لهم‏:‏ هاتوا المحمدي فأتوه برجل قد ركبه الذل وغلبه القهر فلما رآه قال له‏:‏ أنت قد غلبتني بتجلدك على العذاب وحق ديني لا أرفع عنك العقوبة حتى ترجع عن دينك إلى ديني فقال له‏:‏ اصنع ما بدا لك فإني أعلم أن الكل بمشيئة الله وبإرادته وإني صابر على مر البلاء وما أرجع عن دين محمد المصطفى‏.‏

قال فهم أن يقوم إليه يضربه فصاح به خالد بن الوليد وحمل عليه وطعنه فأخرج السنان من ظهره وقتلوا غلمانه وخلصوا المسلم ونزلوا على العين ولم يكن لأهل الدير شرب إلا من تلك العين فأشرف عليهم الرهبان من أهل الدير وقالوا‏:‏ ما نحن أهل سيف حتى نقاتلكم وقد نهاكم نبيكم عن قتل الرهبان فقال خالد‏:‏ سلموا لنا مال هذا البطريق وعياله وأطفاله ونحن نترككم في ديركم ففتحوا لهم وسلموا لهم جميع موجوداته وأخذوا الأسير وساروا وسأله خالد بن الوليد من أين أنت فقال‏:‏ أنا أمية بن حاتم أخو عدي وقد أخذني هذا في أواخر أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإني كنت طالب برقة مع قافلة ومعي بضاعة نأخذها وأخذني وكان أمر الله قدرًا مقدورًا قال‏:‏ فرجعوا عند أصحابهم ولم يأتوا القبط فما لحقوا أن ينزلوا عن خيولهم إلا والراهب صاح وقال لهم‏:‏ استعدوا للقاء عدوكم فإنهم قربوا منكم فتجهزوا للقاء العدو وإذا بهم قد أقبلوا وضجيج الأطفال وبكاء الناس وأنين الرجال وصراخ المأسورات وصياح القبط عليهم يسوقونهم من ورائهم وزئير الفرسان وهفيف الصلبان والعربيات تنادي بالويل والهوان وخولة بنت الأزور على مقدمة الأسارى وهي تقول‏:‏ جل المصاب وزاد الويل والحرب وكل دمع من الأجفان ينسكب ومادت الأرض مما قد بليت به حتى توهمت أن الأرض تنقلب لهفي على بطل قد كان عدتنا فيه العفاف وفيه الدين والأدب قد كان ناصرنا في وقت شدتنا أعني ضرار الذي للحرب ينتدب فيه الحمية والإحسان عادته فيه التعصب والإنصاف والحسب لو كان يقدر أن يرقى مراكبه كان العدو فني والحرب تلتهب أو كان خالد فينا حاضرًا وطنًا لزال عنا الذي نشكو وننتحب لو كان يسمع صوتي صاح بي عجلًا مهلًا فقد زال عنك البؤس والعطب قال‏:‏ فلما سمع خالد نداءها قال‏:‏ لبيك يا بنت الأزور قد جاءك انفرج وذهب عنك الحرج فأطبقوا على القبط فما كان ببعيد حتى قتلوا منهم سبعمائة وأسروا ألفًا وثلثمائة وخلصوا الأسرى وسلموا على ضرار وهنئوه بالسلامة وودعوا الراهب بعدما كتب له خالد كتابًا بأن له من طعام الإسكندرية صاعًا ولكل من سكن الدير من أهله وقبيلته ثم إنهم ساروا طالبين الإسكندرية وهم سائقون الأسرى من القبط بين أيديهم‏.‏

قال وكان الملك أرسطوليس لما سمع بأن العرب قد أتوه أخرج عسكره وضرب خيامه خارج باب السدرة‏.‏

قال فلما قدم المسلمون وقع الصايح بقدومهم ووقع الخوف في قلب الملك وعسكره وقالوا له‏:‏ أيها الملك ما الذي تدبر في أمر هؤلاء العرب قال‏:‏ وما عسى أن أدبر والخوف قد ملأ قلوبكم وهم طمعوا فيكم ورأوا أنكم تنهزمون ولا تخافون العار وإذا قاتلتموهم كانت قلوبكم متفرقة وأهواؤكم غير متفقة وقد أسروا رجالًا ولم يرهبوا قتالكم ولا مانع يمنعهم ولو أن أصحابهم الذين أرسلتهم إلى دير الزجاج عندي لكنت صالحتهم بإطلاقهم ودفعناهم عنا وقد فرطنا أيضًا في الألفين الذين أرسلتهم معهم فلو كانوا فينا لقاتلوا معنا‏.‏

فقال له وزيره‏:‏ أيها الملك هل لك أن ترسل إليهم وتتحدث معهم في أمر الصلح ونحن نسلم إليهم أصحابهم‏.‏

فقال‏:‏ إنهم لن يقبلوا منكم رسولًا منذ صبأنا عليهم ببحر الحصى فبينما هم في ذلك وإذا بصاحب البحر قد أتى إليه وهو الموكل بالنار وأخبره أنه رأى مركبًا قد ظهر من قبل الغرب ولا أعلم من أين أتى‏.‏

فقال‏:‏ لا شك أنه من صاحب برقة الملك كيماويل وقد أنجدنا فأقبل المركب ورمى مراسيه ونزل منه شيخ مهيب مليح الشيبة ظاهر الهيبة وعليه ثياب من الصوف الأسود ونزل معه عشرون شخصًا من القسوس والرهبان فلما نزلوا إلى البر جاءتهم الخيول بالمراكب المذهبة والغلمان والحجاب وعظموا شأنهم وأركبوهم وساروا بين أيديهم إلى أن أوصلوهم إلى الملك وأدخلوهم عليه فقام لهم وعظم شأنهم وأجلس ذلك الشيخ معه على السرير‏.‏

قال الراوي‏:‏ وكان أرسطوليس قد أرسل هدية إلى الملك صاحب برقة وأرسل إليه يعلمه بما فعله العرب في مدة قيصر وأنهم قد أتونا ومن جملة ما أرسل له يقول‏:‏ أيها الملك اعلم أن الدنيا دار زوال وانتقال فما وهبت إلا واستردت ولا فرحت إلا وأحزنت فالمغرور من تشبث بذيلها واطمأن إليها والسعيد من لبس ثياب الحذر منها وعمل لدار المقر أما ترى أيها الملك إلى هرقل هلك الشام كيف هرب وزال ملكه‏.‏

وذلك عندما رمته الدنيا بمصائبها وشتتته بسهام نكائبها بعدما كانت في وجهه مشرقة ولا يخطر له هم الأعداء على بال وما ضربت لك هذا المثال إلا لعلمي أن الدنيا لا تبقى على حال وهؤلاء العرب قد استولوا على البلاد وأذلوا بسيوفهم العباد وقد أقاموا لهم شرعًا بالسيوف الحداد وقد ملحوا القياصرة وقد جاءنا طائفة إلينا وأخذوا مصر منا وأخذوا ملكنا وحكموا على بلادنا بعدنا ولا بد لهم منك ولا غنى لهم عنك والصواب أن تشمر لهم عن الهمم وتنجدنا على من بغى وأجرم فنحن جيرانك وكلنا جندك وأعوانك والسلام‏.‏

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 19, 2011 6:22 pm

تابـــــــــــــــــــــــــــع فتوح إسكندرية

قال الواقدي‏:‏ فلما وصلت الهدية والكتاب عنده على أرباب دولته وقال لهم‏:‏ ما ترون فيما كاتبكم به صاحب مصر والإسكندرية فقالوا له‏:‏ أيها الملك ما زالت الملوك يستنصر بعضها ببعض والذي أشار إليه هو الحق وأن العرب إذا ملكت ملك القبط فلا بد لهم منا والعبور إلى بلادنا فابعث إليه بنجدة ونكون نحن وهو يدًا واحدة فالمسيح يعطي النصر لمن يشاء فأجابه إلى ذلك وأمر ابن أخيه أسطفانوس أن يمضي في أربعة آلاف وأمره أن يسير لمعاونة صاحب إسكندرية ثم إنه أرسل خادمه إلى عالم أرضهم والمشار إليه في علم النصرانية وهو البترك واسمه سطيس وكان عمره مائة وعشرين سنة وكان تلميذ زيروسا وزيروسا تلميذ مرقس ومرقس تلميذ يوحنا ويوحنا أحد حواري عيسى المسيح وكان هذا البترك سطيس مؤمنًا بالله وموحدًا وسمع بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وهو مؤمن من قبل مبعثه وظهوره حتى بلغته أخباره صلى الله عليه وسلم وأنه مات فبكى لموته ولزم زاوية الحزن ولم يظهر خبره لأحد مدة من الزمان وقد بنى له صومعة وانفرد بها وجعلها على قارعة الطريق فما مرت به قافلة إلا واستخبرها عنه ويسأل عمن جلس بعده للمسلمين خليفة‏.‏

فقالوا‏:‏ أبو بكر الصديق وبلغه موته وولاية عمر ثم بلغه فتوح الشام وقدوم الصحابة إلى مصر وفتحها فلما أرسل صاحب مصر يستنجد صاحب برقة وأرسل أخاه أرسل هذا البترك في مركب يبشره بقدوم أسطفانوس إلى نصرته فلما وصل إليه وبشره فرح بذلك وقال‏:‏ يا أبانا أريد من أنعامك أن تسير إلى هؤلاء العرب وتختبر دينهم ونبيهم وتدعوهم إلى الصلح وتعلمهم أن في أيدينا جماعة منهم أخذناهم من ساحل الرملة وقد أنفذت بهم إلى دير الزجاج فإن أرادوا أصحابهم أطلقناهم لهم ونعطيهم شيئًا من مالنا واعقد لنا لهم الصلح بأنهم لا يرجعون إلينا ولا يتعرضون لنا‏.‏

فقال البترك‏:‏ سأفعل ذلك وإني قد قرأت في الكتب السالفة فوجدت فيها أن الله يبعث نبيًا من أرض تهامة تعرض عليه مفاتيح الأرض وكنوزها فلا يلتفت إليها ولا يعيرها نظره ولا يختار إلا الفقر على الغنى وأن أصحابه يتبعون سنته وأنا أستخبر حالهم قبل سيري إليهم‏.‏

فقال الملك‏:‏ وكيف تستخبر حالهم يا أبانا‏.‏

قال‏:‏ أيها الملك أرسل بغلة من مراكبك وعليها مركب من ذهب وهو مرضع بالمعادن وتأمر غلمانك أن يسيروا بها ويرسلوها نحو عسكر المسلمين فإن أخذوها فنعلم أنهم يحبون الدنيا ولا يريدون الآخرة وإن ردوها فنعلم أنهم يطلبون ما عند الله‏.‏

فقال ففعلوا ذلك وأرسلوها كانوا في حندس النيل وكان في الحرس شرحبيل بن حسنة فلما رأى البغلة وما عليها من الزينة ضحك وقال‏:‏ إن أعداء الله يريدون اختبارنا ومعرفة أحوالنا إن كنا نطلب الدنيا أو الآخرة فوالله ما منا من يميل إلى ما يفنى وإنما بغيتنا فيما يبقى ثم قرأ ‏{‏إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرًا ثم يكون حطامًا وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 20‏]‏‏.‏ ثم أمسك بعنان البغلة وأطلقها نحو عسكر القبط‏.‏

قال فلما رأوها صلبوا على وجوههم وقال الملك‏:‏ والله بهذا نصروا وخذلنا الله إن أبي كان على بصيرة من أمرهم ثم أمر البترك وسطيس أن يتوجه إليهم فمضى فلما قرب منهم رأى أقوامًا قد هجروا الدنيا فمنهم القارئ ومنهم الذاكر لباسهم الصوف صغيرهم يوقر كبيرهم وكبيرهم يرحم صغيرهم وصوت أحدهم لا يعلو على الآخر الذكر كلامهم والقرآن شعارهم والتقوى لباسهم والخوف من الله أنيسهم فلما دخل على عسكرهم سأل عن أميرهم وصاحبهم فدلوه على موضع خالد فقصده فلما وصل إليه وجده في ذكر الدين والقيامة فنزل عن بغلته ووقف أمامه وأومأ إليه بالسجود فمنعه خالد‏.‏

فقال له‏:‏ أنت أمير هؤلاء القوم قال‏:‏ كذا يزعمون أني أميرهم ما دمت على الحق واتباع العدل والإنصاف والخوف من الله محسنًا للمحسنين منهم مشدادًا على المسيئين منهم فمتى حدت عن هذه الأشياء فلا إمارة لي عليهم‏.‏

فقال البترك‏:‏ أنتم والله القوم الذين بشر بكم عيسى ابن البتول وإن الحق معكم لا يفارقكم قال‏:‏ فأمره خالد بالجلوس فجلس وقال‏:‏ يا معاشر العرب أخبروني عن نبيكم‏.‏

فقال خالد‏:‏ إن الله اختار من ولد آدم العرب واختار من العرب مضر وأختار من مضر كنانة واختار من كنانة قريشًا واختار من قريش بني هاشم واختار من بني هاشم عبد المطلب واختار من عبد المطلب عبد الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏(‏كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين‏)‏ وقال‏:‏ لما خلق الله العرش كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فلما وقع آدم في الزلة رأى على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله‏.‏

فقال‏:‏ يا رب من هذا‏.‏

قال‏:‏ ولدك يا آدم الذي لولاه مما خلقتك‏.‏

قال‏:‏ يا رب فبرحمه هذا الولد ارحم هذا الوالد‏.‏

فقال‏:‏ يا آدم لو تشفعت إلينا بمحمد في أهل السموات والأرضين لشفعناك ثم إن الله جعل اسمه مقرونًا باسمه وذكره مع ذكره ووسمه بما وسم به نفسه‏.‏

فقال‏:‏ ‏{‏إن الله بالناس لرؤوف رحيم‏}‏ ‏[‏البقرة 143‏]‏ وقال في حقه‏:‏ ‏{‏بالمؤمنين رؤوف رحيم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 128‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏من يطع الرسول فقد أطاع الله‏}‏ ‏[‏النساء‏]‏‏:‏ 0 وقال‏:‏ ‏{‏النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏}‏ ‏[‏الأحزاب 6‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 67‏]‏‏.‏ وإن الله عز وجل رفع ذكره وعظم فخره وأعز قدره فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ورفعنا لك ذكرك‏}‏ ‏[‏الشرح‏:‏ 4‏]‏‏.‏ وهذا غاية الشرف والتعظيم والتبجيل والتكريم وقال‏:‏ يا محمد لا أذكر حتى تذكر فمن أحبك فقد أحبني ومن سبك فقد سبني ومن جحدك فقد جحدني ومن أنكر نبوتك فما عرفني وها أنا أشهد على نبوتك‏.‏

فقال عز من قائل‏:‏ ‏{‏ويقول الذين كفروا لست مرسلًا قل كفى بالله شهيدًا بيني وبينكم‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 43‏]‏‏.‏ وقال في موضع آخر‏:‏ ‏{‏وكفى بالله شهيدًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 79‏]‏ محمد رسول الله قال‏:‏ فلما سمع البترك ذلك من خالد فرح وقال‏:‏ لقد نجا من اتبعه وخسر من فارقه ثم جدد إسلامه على يد خالد وحدثهم بأمره من أوله إلى آخره ثم حذرهم من أخي صاحب برقة وأنه واصل ومعه أربعة آلاف فارس وإني قد سبقته في البحر وهذا الملك القبطي يريد صلحكم ويقرر لكم على أنكم تصالحونه أن يعطيكم شيئًا من المال ولسلم إليكم قومًا من أصحابكم قد أخذوهم من ساحل الرملة‏.‏

فقال خالد‏:‏ إن أصحابنا قد فك الله أسرهم وجمع بنا شملهم وقد نصرنا الله على القبط الألفين الذين كانوا مع الأسارى فإننا أخذنا ألفًا وثلثمائة أسير وقتلنا سبعمائة ثم إنه عرضهم عليه وعرض الإسلام عليهم فأبى أكثرهم وأسلم بعضهم فأمر خالد بضرب رقابهم بين العسكرين ثم أن البترك عاد إلى صاحب إسكندرية وقال له‏.‏

هؤلاء لا نملك غرتهم لأنهم حذرون من أعدائهم وعرفه بقصة أصحابه وأنهم هؤلاء الذين ضربوا رقابهم قبالك فقال له‏:‏ يا أبانا ومن أين هؤلاء قال‏:‏ قد وقعوا بهما وخلصوا أصحابهم وأسروا من أصحابك ألفًا وثلثمائة وقتلوا سبعمائة‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع ابن المقوقس ذلك سقط في يده وأيقن بإتلاف ملكه وقال لأرباب دولته وعسكره‏:‏ خذوا أهبتكم للقتال وكأنكم بعسكر الملك كيماويل صاحب برقة وقد أقبل عليكم ونقاتل هؤلاء العرب بقلوب قوية وأسرار نقية ويعطي الله النصر لمن يشاء وباتوا وهم معولون على القتال‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ ولقد بلغني أن الملك نام بقية ليلته فرأى في منامه كأن شخصًا أشقر عريض الصدر قد خرج من حمام ومعه شخص آخر مليح الوجه حسن الخلق وسيم قسيم في عينيه دعج وله نور يسطع كأنه قمر‏.‏

فقال أبن المقوقس للأشقر‏:‏ من أنت قال‏:‏ ابن العذراء البتول أنا المسيح ابن مريم وهذا الذي بشرت به من قبل مبعثه هذا محمد رسول الله العربي الأمي من آمن به فقد اهتدى ومن جحد نبوته فقد اعتدى وقد جئنا لنصرة أصحابه ومقامنا على قال ابن إسحق‏:‏ ولقد بلغني أن برج القبة مما يلي باب البحر وذلك أن الإسكندر لما بنى الإسكندرية وسماها باسمه كان الخضر وزيره وهو الذي بنى الباب الأخضر وصنع تلك القبة باسمه ورسمه وكان يأوي إليها فصار ذلك الباب مشتهرًا به إلى يومنا هذا‏.‏

قال‏:‏ ثم إن عيسى عليه السلام قال للملك في نومه‏:‏ إن كنت من أمتي فاتبع شريعة هذا النبي وذهب عنه فلما أصبح حدث أرباب دولته بما رأى في نومه فقالوا‏:‏ أيها الملك هذه أضغاث أحلام وما كان عيسى المسيح يماشي العربي وهو عدوه وإنما الشيطان قد خيل لك ذلك فلا تلتفت إليه قال‏:‏ فأصغى الملك إلى كلامهم ثم إنه أمر عسكره بالقتال فركبوا وصافوا المسلمين‏.‏

وأما الملك فإنه نظر إلى برج القبة وإذا بالقبة يسطع منها نور فدخل الوهم في قلبه مما رأى في منامه وقال‏:‏ الله ما هذا النور إلا نور المسيح ومحمد وإن هذا هو الحق لا شك فيه‏.‏



يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 19, 2011 6:24 pm

تابـــــــــــــــــــــــــــع فتوح إسكندرية

حدثنا ابن إسحق حدثنا عامر بن بشر عن الأحوص قال‏:‏ كنت في خيل خالد بن الوليد يوم قتالنا على إسكندرية قال لما وقفنا في ميدان الحرب وقف يقاتلنا فارس وهو بطريق عظيم الخلقة وعليه لبس يلمع وتحته جواده عربي فنادانا بالعربية بلسان فصيح وقال‏:‏ يا عرب انصرفوا عنا فإن لا نريد حربكم وقد ملكتم منا مصر والصعيد وأكثر الريف وقد بقي في أيدينا هذه الجهة وما نحن منازعونكم فيما أخذتموه منا ونحن لا نقلدكم في البغي ونصالحكم صلحًا نعود منه عن ظلم أنفسنا ونعدل في رعيتنا وإن أبيتم صلحنا لقيناكم بأسرار نقية وقلوب للجهاد قوية فنردكم على أعقابكم منهزمين وفي أذيال الذل متعثرين لأنه ما عدا أحد على أهل هذا الدين إلا ذل وانهزم لأننا قوم لنا الكنائس الأربع والصوامع والبيع والقسوس والرهبان والمذابح والقربان والإنجيل والصلبان ثم سكت عن كلامه‏.‏

قال الراوي‏:‏ وكان هو الملك ابن المقوقس فكان أول من بادر إلى رد جوابه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ لقد افتخرت بما يؤدي صاحبه إلى البوار ويعقبه سوء الدار يا ويلكم أفتفتخرون علينا بالشرك والطغيان وعبادة الصلبان والكفر بالرحمن ونحن أولوا التقى والإيمان والفوز والرضوان والقبلة والقرآن والحج والإحرام والصلاة والصيام والاجتهاد والاحترام ديننا أفضل الأديان ونبينا المبعوث بالمعجزات والبيان وبالآيات والبرهان والمنزل عليه القرآن ومن اتبعه نال من ربه الغفران ومن جحد صحبته باء بغضب الملك الديان الذي كان ولا مكان ولا دهر ولا زمان ولا وقت ولا أوان شهد لنفسه بالربوبية ولصفاته بالأزلية ولذاته بالأحدية ولملكه بالأبدية سلطانه قاهر وكرمه ظاهر وتدبيره محكم وقضاؤه مبرم وعرشه رفيع وصنعه بديع وليس بوالد ولا مولود ولا لذاته حد محدود ولا لبقائه أجل معدود خضعت الأعناق لعظمته وخشعت الأصوات لهيبته وعنت الوجوه لعزته وذلت الأقوياء لقوته لا يحصى نواله ولا يفنى كماله ولا تبيد نعمه وأفضاله يا ويلكم كيف طال لكم الكفر بإلهيته والإشراك بربوبيته وأن تجعلوا له ولدًا من خلقه وبريته وتسجدون للصلبان في دار مملكته ولا تفزعون من عظمته ثم إنه قرأ ‏{‏وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 19 - ا2‏]‏‏.‏

ثم قال شرحبيل‏:‏ إن لتل عبادًا لو أقسموا على الله أن يدكدك لهم هذا السور لفعل وكانت إشارتهإلى سور المدينة فغار السور في الأرض وبانت المنازل والدور‏.‏

قال فارتعدت فرائص الملك لما عاينا ذلك من عظيم القدرة فلوى عنان جواده إلى عسكره وأفئدتهم قد طارت وأفكار القبط قد حارت فلما جن الليل أخذ الملك خزائنه وأمواله وحريمه وعياله وركب في المراكب وسار يريد جزيرة أقريطش فلما أصبح الصباح وقع الصايح بالمدينة بأن الملك قد انهزم فاجتمع الأكابر وقالوا‏:‏ إن الملك قد انهزم وما لنا‏:‏ من يدفع هؤلاء العرب‏.‏

قال فخرجوا بأجمعهم إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفوا بين يدي خالد وقالوا‏:‏ إن الله قد نصركم بحق وأيدكم بصدق وإنا نريد منكم أن تعاملونا بالنصفة وتنظروا إلينا بعين الرحمة والعدل سنة من كان قبلنا معكم من الروم فقال خالد‏:‏ ما فعل ملككم‏.‏

قالوا‏:‏ انهزم بأهله وماله في البحر‏.‏

فقال قوم‏:‏ قد أسكن الله الرحمة في قلوبنا وبصرنا بمعالم ديننا وأظهرنا على أعدائنا وفضلنا على سائر من كان قبلنا من الأجناس‏.‏

فقال تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 110‏]‏‏.‏ ونحن نجريكم على أحسن عوائدنا مع سائر من فتحنا بلادهم وقد أمسكنا عنكم ولو أردنا أن نملك البلد بالسيف لهان علينا ولكن خير الناس من قدر وعفا ونريد منكم مائة ألف مثقال ذهبًا صلحًا عن أنفسكم وأهاليكم وندعوكم بعد ذلك إلى الإسلام فمن أجاب منكم كان له ما لنا وعليه ما علينا ومن عدل عن ذلك أخذنا منه الجزية عن السنة الآتية من كل رجل وغلام بلغ الحلم أربع دنانير ونشرط عليكم شروطًا أن لا تركبوا دابة ولا تعلوا دوركم على دور المسلمين ولا ترفعوا أصواتكم عليهم ولا اتبنوا كنيس ولا صومعة ولا ديرًا ولا تجددوا ما دثر وتلقوا المسلمين بالذل والانكسار وتسارعوا في قضاء حوائجهم وما يريدون في إصلاح شأنهم لا تعدلوا عن تعظيم أشكاله ومن أذنب منكم ذنبًا حددناه ومن ارتد عن قولنا قتلناه وأن تشدوا الدنانير على حضوركم إظهارًا لدينكم وأن لا تظهروا ناقوسًا ولا صليبًا ولو آمنتم بالله ورسوله لكان خيرًا لكم‏.‏

فقالوا‏:‏ أيها الأمير ما نترك ديننا فقرأ ‏{‏وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلًا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 21 - 24‏]‏ فقالوا‏:‏ أيها الأمير نريد أن تولي علينا رجلًا منا حتى جمع المال الذي تقرر علينا فيلمه بالعدل وليكن معه رجل منكم من أصحابكم فقال خالد‏:‏ إني لا أعرف أحدًا من أجاويدكم فاختاروا لأنفسكم برضاكم من أوليه عليكم فأشاروا إلى رجل منهم اسمه شيعا بن شامس وكان مقدمًا في القبط فولاه خالد على جمع المال ورجاسة البلد وندب معه قيس بن سعد وأوصاهم وقال‏:‏ خذوا من كل واحد ما يحتمل حاله من كان معسرًا ضعيفًا فدعوه وأحسنوا إن الله يحب المحسنين‏.‏

ولا تظلموا يتيمًا ولا فقيرًا ولا أرملة فتعجب القبط من حسن وصيته وكلامه فدخل القوم واجتمعوا في دار الأمارة وبعث شيعًا غلمانه يجمعون الناس‏.‏

قال‏:‏ حدثنا جرير بن عاصم عن نعيم بن موسى الداراتي عن سليمان بن عوف عن جده مازن بن سعيد‏.‏

قال‏:‏ وقع القسط على أهل إسكندرية فكان أكبرهم في الحشمة وأغزرهم في المال يزن عشرة قراريط وأسطهم حالًا يزن قيراطين ولقد أتى برجل من أغنيائهم اسمه براس لا يدري من يملك المال والدبش والغنم وكان أبخل أهل زمانه فقال له شيعًا‏:‏ قد وجب عليك في هذا المال دينار قال‏:‏ وحق المسيح ما أنا بالذي يؤذيه ولو مت إن تصدقت به كان أفضل من عطيتي للعرب‏.‏

فقال له قيس بن سعد‏:‏ إن في الذي نأخذه منكم صونًا لأنفسكم وحفظًا لدمائكم ونحن ما نأخذه على وجه الصدقة منكم بل نأخذه حلالًا لا حرامًا يا ويلك لو دخلنا مدينتكم بالسيف ألست كنت أنت أول من قتل ومالك أول ما نهب‏.‏

وقال لشيعًا‏:‏ خذلك الله ولعنك كل من في إسكندربة يعلم أنك كنت أولًا فقيرًا لا تقدر على شيء من أمور الدنيا وقد آتاك الله من فضله ووسع عليك رزقه‏.‏

فقال‏:‏ ألست ورثته عن آباء كرام وأجداد عظام وما لله علي من فضل‏.‏

قال فغضب لمجس وقام إليه وقمعه بمقرعة كانت معه وقال له‏:‏ كذبت يا عدو الله ورسوله الفضل والحمد والمنة لله لأنه رزقنا من فضله وأسبغ علينا من نعمه ‏{‏وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 34‏]‏ ثم قال قيس‏:‏ اللهم إنه جحد نعمتك فأزلها عنه‏.‏

قال‏:‏ فوالله ما مضى يومه حتى جاء الخبر بأن أغنامه قد هلكت جميعًا وبساتينه يبست ودياره قد تهدمت وأمواله ذهبت‏.‏

قال قيس‏:‏ الله أكبر هذا والله حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة بجانبي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏إن ثلاثة من بني إسرائيل كان أحدهم أبرص والآخر أقرع والآخر أعمى‏.‏ فبعث الله إليهم ملكًا فأتى الأبرص فقال له‏:‏ أي شيء أحب إليك فقال‏:‏ الجلد الحسن والإبل فأتى الأقرع فقال له‏:‏ أفي شيء أحب إليك‏.‏

قال‏:‏ الشعر الحسن والغنم وأتى الثالث فقال له‏:‏ أي شيء أحب إليك فقال‏:‏ النظر والبقر‏.‏قال‏:‏ ثم إن الملك مسح بيده على جلد الأبرص فعاد أحسن جلدًا وأعطاه ناقة عشراء فبارك الله له فيها حتى ضاقت بإبله الديار وأما الأقرع فأتاه ومسح يده على رأسه فأنبت الله له شعرًا حسنًا وأعطاه نعجة عشراء فتوالدت إلى أن ضاقت بها تلك الديار‏.‏ثم أتى الأعمى ومسح بيده على عينيه فعادتا أحسن عينين وأعطاه بقرة عشراء فتوالدت إلى أن ضاقت بها تلك الديار‏.‏قال‏:‏ ثم أتاهم ليمتحنهم فأتى للأبرص‏.‏فقال له‏:‏ كنت أبرص فقيرًا لا تملك شيئًا فأعطني مما أتاك الله من هذه الإبل ناقة أتسبب عليها فقال له‏:‏ ما كنت فقيرًا ولا أبرص وإنما ورثت هذا المال من آبائي‏.‏قال فذهب إلى الأقرع وقال له مثل ما قال للأبرص فقال مثل ما قال للأبرص فذهب إلى لثالث وقال له مثل ما قال لصاحبيه‏.‏فأجاب وقال‏:‏ بسم الله والله لقد صدقت‏.‏فاذهب إلى هذا البقر فاقسمها بيني وبينك فقال له‏:‏ بارك الله لك في مالك وقد رد الله صاحبيك كما كانا فإنهما كفرا نعمة الله‏)‏‏.‏

قال الراوي‏:‏ وجعلوا المال ومضوا به إلى خالد وبنى فيها المساجد وأخذ كنيستهم العظمى فجعلها جامعًا وترك لهم أربع كنائس وكتب إلى عمرو بن العاص يعلمه بفتح إسكندرية ففرح وركب وترك موضعه أبا ذر الغفاري وذهب إلى الإسكندرية وبنى فيها جامعًا في الربض وهو معروف بجامع عمرو إلى يومنا هذا‏.

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 19, 2011 6:26 pm


فتح مدينة دمياط

وما والاها قال الراوي‏:‏ وأتت إليه أهل رشيد وفوة المحلة ودميرة وسمنود وجرجة ودمنهور وأبيار والمجيرة وصالحوه على بلادهم‏.‏

ثم إنه بعث المقداد ومعه أربعون فارسًا وهم ضرار وشاكر ونوفل وراجح وعاصم وفارس وعروة وسهل وعمير وكعب وسعيد ويزيد وصعصعة وغيرهم وأمرهم بالمسير إلى دمياط وأمر عليهم المقداد بن الأسود الكندي فساروا إلى البرلس ودمياط كان بها خال الملك المقوقس وكان عسكره اثني عشر ألفًا وكان قد حصن البلد وجمع فيها من آلة الحصار من الزاد وغيره قال فلما أشرف عليه الصحابة ونظر إلى قلتهم ضحك وقال‏:‏ إن قومًا ينفذون إلينا منهم أربعين ليملكوا بلدنا إنهم لفي عجز وقلة عقل قال‏:‏ وكان ولده الأكبر فارسًا مشهورًا في جميع بلاد النيل وكان اسمه هريرًا وكان يثق به وبشجاعته وبراعته وليس في عينيه الفرسان شيئًا فلما رأى الصحابة وهم أربعون قفز إليهم وهو لابس لامة حربه وطلب البراز فخرج إليه ضرار بن الأزور وحمل عليه فطعنه فقتله وحمل على عسكر دمياط فألجأهم إلى حيطان البلد وهو كأنه النار في الحطب فاستعاذ منه الجيش‏.‏

ثم إن خال الملك وكان اسمه البامرك اجتمع بأرباب دولته وقد صعب عليه قتل ولده وكان عندهم حكيم يثقون به وبرأيه ويعتمدون على عقله فأحضروه وقالوا له‏:‏ أيها الحكيم العالم ما الذي تشير به علينا في أمر هؤلاء العرب فقال‏:‏ أيها الملك إن جوهر العقل لا قيمة له وما استضاء به أحد إلا هداه إلى سبيل نجاته وقاده إلى معالم مصالحه وهؤلاء القوم لا تذل لهم راية ولا تلحق لهم غاية قد فتحوا البلاد وأذلوا العباد واشتهر أمرهم وعلا ذكرهم وفشا خبرهم وعلت كلمتهم وطافت الأرض دعوتهم فما أحد يقدر عليهم ولا يصل إليهم وما نحن بأشد من جيوش الشام ولا أمنع بلدًا وهؤلاء القوم قد أيدوا بالنصر وغلبوا بالقهر وإن الرحمة في قلوبهم فعاهدهم فما عاهدوا عهدًا وخانوا وما حلفوا يمينًا فكذبوا وقد بلغك ما هم عليه من الدين والصيانة والصدق والأمانة والرأي عندي أن تصالحهم لتنال بذلك الأمن وحقن الدماء وصون الحريم ودفع الأمر العظيم ونكون قد صالحناهم ودفعناهم بشيء من مالنا‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع البامرك ذلك من الحكيم أمر بضرب عنقه فلما عرف الحكيم أن المنية قد غشيته قال‏:‏ اللهم إني بريء مما يشركون بك لا شريك لك ولا ولد ولا صاحبة لك وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله‏.‏

قال فلما سمع البامرك كلامه ضربه فقتله وأملهم بأن يأخذوا على أنفسهم للحرب فلما كان الغد خرجوا إلى ظاهر دمياط ونصبوا خيامهم‏.‏

قال وكان للحكيم ولد ورث فضائل أبيه وكان فيه فطنة وعقل وتدبير‏.‏

فلما قتل أبوه أظهر الفرح والدعة للملك البامرك وقال‏:‏ لقد أراحني الملك منه ومن شره فبلغ البامرك ما قاله ابن الحكيم فأرسل إليه وخلع عليه وطيب قلبه فلما كان الليل قال‏:‏ والله لآخذن بثأر أبي من هذا اللعين ومن أولاده وكانت داره ملاصقة للسور فنقب نقبًا واسعًا وخرج منه وقصد الصحابة فلما رأوه قالوا له‏:‏ من أنت‏.‏

قال‏:‏ إن أبي قد قتل من أجلكم وقد نقبت نقبًا وخرجت منه فقوموا على بركة الله في عونه حتى تملكوا المدينة منه‏.‏

فقال له ضرار‏:‏ يا ويلك وإن الذي بعثك بهذه الحيلة أراد قتلك أما علمت أن الحذر شعارنا واليقظة دثارنا وهم بقتله فقال له المقداد‏:‏ أمهل يا ضرار ورفقك الله إلى الخير ووقاك الألم والضير‏.‏

ثم قال المقداد‏:‏ إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يشير إلى شخص بين يديه وكأنما يقول على زي هذا الغلام وكأنما أتأمل إلى هذا الغلام فرأيته على ما هو عليه الآن وكان على وسطه منطقة من الأديم وفيها جلق فضة وهي تحت أثوابه‏.‏

ثم إن المقداد قال‏:‏ يا غلام اكشف عن أثوابك فكشف عن أثواب وإذا المنطقة بعينها فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام المسلمون فصافحوه ومضى الغلام أمامهم إلى أن دخل بهم النقب ووسعوه بأيديهم حتى دخلت خيولهم ثم ردوا الحجارة والطين والبناء على حاله وأعمى الله أبصار القوم عنهم فلما كان الغد نظر أعداء الله فلم يروا للصحابة أثرًا ولا خبرًا فضجوا بمكلمة كفرهم وماجوا وقالوا‏:‏ هربت العرب ووقع الصائح في العسكر فظهر أهل البلد ليقفوا على صحة الخبر ولم يبق في البلد سوى النساء والأطفال‏.‏

قال ابن إسحق‏:‏ وكان للحكيم بنو عم ثمانون رجلًا وأن ولده طاف عليهم بالليل وأعلمهم بما فعل فأقبلوا معه وأسلموا عن آخرهم فلما كان الغد وخرج كل من في البلد بادر بنو عم الحكيم وإخوته إلى الأبواب فأغلقوها وأعلنوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير فوقعت الخمدة على النساء والصبيان واستوثق القوم من المدينة بالثمانين رجلا فأمسكوهم الأبواب وخرج الصحابة رضي الله عنهم ورفعوا أصواتهم يكبرون ويدعون الله عز وجل فلما نظر لهم أهل البلد علموا أنهم قد ملكوها وأن الذي فعل ذلك بنو عم الديرجان الحكيم وقد أغلقوا الأبواب وقفلوها وملكوا السور فوقف الملك ينظر إلى ما فعله الصحابة وعلم أن المدينة أخذت منهم وكان في أولاده ولد عاقل لبيب كامل الذات والصفات وافر العقل وكان منذ نشأ يتبع العلماء ويجالسهم ويطلب العلم ومنذ ملك عقله ما أكل لحم خنزير ولا كشف ذيله على محرم ولا سجد لصورة ولا لصليب وكان هم أن يبني صومعة وينفرد فيها فلم يمكنه أبوه من فرط محبته له وكان لا يستطيع فراقه وهذا الغلام اسمه شطا وكان يحب أن يسمع أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبحث عنها فلما نظر إلى لصحابة وقد ملكوا منه البلد وشطا عن يمين أبيه قال‏:‏ فشخص شطا نحو السماء ببصره وصاح وسقط عن قربوس فرسه بوجهه‏.‏

قال ارتاع أبوه وجميع عسكره من تلك الصيحة فلما أفاق قال له أبوه‏:‏ يا بني ما وراءك قال‏:‏ ظهر والله والحق وبان وقد تبينت لي حقيقة الإيمان وقد نظرت إلى عسكر هؤلاء العرب وعليهم نور عظيم ومعهم رجال عليهم ثياب خضر وهم على خيول شهب وبينهم قبتان معلقتان في الجو بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها وفيها رجال ما رأيت أحسن من وجوههم ولا شك أنهم الشهداء ورأيت في إحدى القبتين حورًا لو برزن لأهل الدنيا لماتوا شوقًا إليهن وإن الله تعالى ما كشف عن بصري وأراني ذلك إلا وقد أراد لي الخير وما كنت بالذي بعد هذه الرؤيا أبقى على الضلال ولا أتبع المحال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وحرك جواده وقال‏:‏ من أحبني من رجالي وغلماني فليتبعني‏.‏

قال‏:‏ فتبعه من القوم ألف رجل ولحقوا بالصحابة وألقوا سلاحهم وأعلنوا بكلمة التوحيد‏.‏

قال‏:‏ فلما نظر البامرك إلى ما فعل ولده شطا‏.‏

قال‏:‏ والله ما فعل ولدي شطا ذلك إلا وقد رأى الحق ولست أشك في عقله ودينه‏.‏

ثم إنه أسلم ولحق بولده فلما نظر أرباب دولته ذلك قالوا‏:‏ إذا كان الملك وولده قد أسلما فما وقوفنا نحن‏.‏

فأسلموا جميعًا على يد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا المدينة فمن أسلم تركوه ومن أبى أخرجوه إلى بلاد الأرياف‏.‏

قال‏:‏ وفتح المقداد النقب الذي دخلوا منه وأمر ببنائه بابًا فسماه باب اليتيم وهو ابن الحكيم وترك عندهم المقداد رجلًا من الصحابة يعلمهم شرائع الإسلام وهو يزيد بن عامر رضي الله عنه ورجع المقداد وأصحابه إلى إسكندرية وحدثوا عمرًا بما فتح الله عليه من دمياط ففرح بذلك وكتب كتاب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بفتح مريوط والإسكندربة ودمياط ورشيد وفوة والمحلة ودميرة وسمنود وجرجة ودمنهور وأبيار والبحيرة وبعث الكتاب مع عامر بن لؤي‏.‏

فتح الجزيرة تنيس قال‏:‏ حدثني زياد عن حميد الطويل عن يونس بن الصامت عن نصر بن مسروق‏.‏

قال‏:‏ لما فتحت دمياط وكان من أمرها ما كان‏.‏

قال البامرك لولده‏:‏ يا بني إن الله قد أنقذنا من نار الجحيم وقد هدانا إلى الصراط المستقيم وذلك لسابقة سبقت لنا في القدم وهذه تنيس بالقرب منا وهي جزيرة ولا يمكن التوصل إليها إلا في المراكب والصواب أننا نكاتب صاحبها أبا ثوب وندعوه إلى الله وإلى دين نبيه‏.‏

فإن أجاب وإلا قصدناه والله ينصرنا‏.‏

فقال شطا‏:‏ هذا هو الرأي وأنا أكون الرسول إليه بنفسي‏.‏

فقال‏:‏ يا بني أعزم على بركة الله وعونه‏.‏

قال‏:‏ فركب شطا في مركب وأخذ معه أربعة من غلمانه الخواص فلما نظر يزيد بن عامر إلى ذلك‏.‏

قال‏:‏ وأنا أسير معك إلى صاحب تنيس‏.‏

فإنه لو سألك عن ديننا ومعالمه لم يكن عندك به علم بأن تكلمه ونحن بحمد الله ما فينا من يتكبر ولا من يتجبر وما طلبتنا إلا الآخرة والعمل بما يقربنا إلى الله‏.‏

ثم سار معه يزيد بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا إلى جزيرة تنيس وفيها رجال يحفظونها فلما نظروا إلى شطا وغلمانه وبينهم رجل بدوي قالوا‏:‏ من أنتم قال لهم شطا‏:‏ أنا ابن الملك البامرك صاحب دمياط ومعنا هذا الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئناكم رسلًا قال‏:‏ فأرسلوا منهم واحدًا يستأذن لهم فأذن لهم أبو ثوب‏.‏

قال‏:‏ فنزلوا في الزورق وإذا به قد أرسل لهم دوابًا ليركبوها فامتنع يزيد من الركوب ووافقه شطا على ذلك وساروا كلهم رجالًا إلى أبي ثوب فاستأذنوا عليه فأذن لهم فلما دخلوا قصر أبي ثوب وإذا به في حشمه وخدمه وزينته والحجاب والغلمان بين يديه وهو في مرتبة إمارته وكان قد تكبر وتجبر منذ نزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصر ومنع المال والخراج أن يؤذيه للمقوقس وولده وقد اجتمع عنده مال عظيم فلما دخل عليه يزيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشطا وغلمانه ونظروا إلى أبي ثوب وغلمانه وتجبره بدأ يزيد بالسلام فقال‏:‏ السلام على من اتبع الهدى ‏{‏إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 48‏]‏‏.‏


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 19, 2011 6:28 pm

تابــــــــــــــــــــــــــــع فتح مدينة دمياط


قال الواقدي‏:‏ حدثنا ابن سالم عن جرير بن أحمد عن أبيه عيينة عن ابن جرير وكان أعلم الناس بقصة فتوح مصر والمغرب‏.‏

قال‏:‏ كان أبو ثوب هذا من أرض العريش من متنصرة العرب من آل غسان وهو قريب جبلة وكان صاحب مال ورجال وأنه لما وقعت الهزيمة على الروم وفتح الشام وانهزم الملك هرقل وهرب معه جبلة هرب معهم أبو ثوب هذا بماله وأهله وإخوته إلى أرض الجفار ونزل في البرية ما بين العريش ورفح وأن المقوقس خرج في بعض الأيام يريد الصيد في عسكره فانتهى في سرحته إلى أرض العريش فانطرد قدامهم وحش كبير فطلبه الملك وتبعه ولم يتبعه أحد من عسكره وهو وراءه وحده إلى أن رماه في حلل العرب في حلة أبي ثوب فقام إليه وعظمه وبجله وعلم أنه الملك فأمسك ركابه وأنزله في بيته وذبح له الأغنام ووضع له الطعام وتلاحق الجيش‏.‏

قال‏:‏ فأضافهم أبو ثوب ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع ركب في خدمة الملك وشيعه وعاد فلما دخل المقوقس إلى مصر أمر وزيره بأن يكتب إلى أبي ثوب بولاية تنيس وأعمالها وأرسل له الخلع والأموال والمماليك والغلمان فلما وصل إليه منشور الملك وخلعه فرح أبو ثوب وركب وسار إلى الفرمة وركب منها في المراكب إلى تنيس فلما مكث في ولايته بعث إلى أهله وإخوته فأتوا إليه فولى أخاه أبا سيف على جزيرة الصدف وولى أخاه الثاني أبا شق على جزيرة الطير وولى ولده على دنيوز فلما طال عليه الأمر طغى وتجبر ومرت الأيام والليالي حتى قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض مصر فمنع دفع الخراج إلى مصر وإلى المقوقس وولده ورأى نفسه في تلك الجزيرة فتحصن بها وقال‏:‏ ما أحد يقدر أن يصل إلي فلما قدم شطا ويزيد بن عامر ونظر إليهم أبو ثوب أظهر الإعجاب والتكبر ولم يلتفت إليهم ولم يجسر أحد من جماعته أن يأذن لهم بالجلوس فلما نظر إلى ذلك يزيد بن عامر قرأ ‏{‏إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 128‏]‏‏.‏ وجلس إلى جانبه شطا ونظر يزيد إلى سرير أبي ثوب فإذا هو من الذهب وفيه صورة النخلة ومن تحتها صورة مريم والمسيح في حجرها فقرأ ‏{‏فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيا فكلي واشربي وقري عينًا فإما ترين من البشر أحد فقولي إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 24 - 26‏]‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيًا وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 30 - 33‏]‏‏.‏

قال‏:‏ فلما سمع أبو ثوب كلام يزيد التفت إليه بغضب وحنق وقال‏:‏ ما هذا الكلام الذي نطقت به‏.‏

قال يزيد‏:‏ هذا كلام الله جل جلاله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا تفنى عجائبه ولا تنفذ غرائبه ولا تبدل كلماته ولا تمل آياته‏.‏

فقال‏:‏ ما معنى الذي ذكرت ونطقت به وما تفسيره‏.‏

فقال يزيد‏:‏ أما قول الله إخبارًا عن عيسى حين قال‏:‏ ‏{‏إني عبد الله‏}‏ فإنه يعلم الخلق أنه عبد الله وليس بولد جل الواحد الأحد الفرد الصمد‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏{‏آتاني الكتاب‏}‏ فمعناه أعلمكم الأحكام وأعرفكم الحلال والحرام وأما قوله‏:‏ ‏{‏وأوصاني بالصلاة والزكاة‏}‏ فمعناه أني مأمور بالطاعة والخدمة والزكاة مثلكم فإن في مالي حقًا لله وأما قوله‏:‏ ‏{‏والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت‏}‏ فيعلمهم أنه يموت ومن يموت لا يكون له العزة والجبروت وأما قوله‏:‏ ‏{‏ويوم أبعث حيًا‏}‏ فيعلمهم أنه وإياهم مبعوثون في يوم القيامة وقوف يوم الحشر والندامة ولو كانا إلهين لهما لهما إرادتان ووقع الخلف بينهما وأن الحكمة غير ذلك وهي على وحدانيته شاهدة‏.‏

قال فلما سمع أبو ثوب من يزيد بن عامر هذا المقال قال‏:‏ لقد مثلتم بالأباطيل وغرقتم في بحر الأضاليل‏.‏

فقال يزيد‏:‏ الله أعلم من هو تائه في تيه المحال مشرك بالملك المتعال الذي لا سماء تظله ولا أرض تقله ولا ليل يؤويه ولا نهار يأتيه ولا ضياء يظهره ولا ظلام يستره ولا يقهره سلطان ولا يغيره زمان كل يوم هو في شأن أما لكم بصائر أما منكم من ينظر ويعتبر في قدرة الله القادر‏.‏

أما منكم من يعظ نفسه بذهاب النهار وإقبال الليل‏.‏

أما آن لكم أن تنزهوه‏.‏

أما آن لكم أن توحدوه أما سمعتم ممن تعبدونه وتبرؤون إليه وتعظمون‏.‏

فإن المسيح قد أقر له بالعبودية وتبرأ من دعوى الربوبية وقال‏:‏ إني عبد الله ولقد بشر بنبينا قبل مبعثه وعرف بني إسرائيل بقربه من الحق وكرامته أما سمعتم بمعجزاته وما ظهر من دلالاته‏.‏

أما انشق له القمر‏.‏

أما كلمه الضب والحجر‏.‏

أما خاطبه البعير والشجر‏.‏

أما هو من أطيب بيت من مضر‏.‏

قال‏:‏ فعجز أبو ثوب عن رد الجواب ولم يكن له ما يزيل حجته إلا أن قال ليزيد بن عامر‏:‏ لقد علمنا ما فعل ولكنه كان ساحرًا وإن كان قولك هذا حقًا فادع الله وتوسل إليه بمحمد أن يسقينا الغيث فإن جاء الغيث علمنا أن قولك ليس في شك ونؤمن بالله ونصدق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال يزيد بن عامر‏:‏ إن الله يقدر على ما ذكرت فإن الله على كل شيء قدير إن العبد المخلص إذا دعاه أجاب دعوته ولكنه يفعل ما يشاء وأنا أتوسل إلى الله بخير خلقه وصفيه وهو الفعال لما يريد ثم إن يزيد قام وخرج من مجلس أبي ثوب‏.‏

فقال له‏:‏ إلى أين قال‏:‏ أدعو الذي لو شاء أنزل عليكم رجزا من السماء ثم قرأ ‏{‏بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 9‏]قال‏:‏ حدثنا عاصم عن رويم عن ابن جبير قال‏:‏ إنما طلب أبو ثوب الغيث واقتصر عليه لأنه كانت له مزرعة بالبعد من النيل ولا يقدر أن يسقيها ولا يصل إليها ماء وكانت قد أشرفت على الهلاك واليبس وكانت منه ببال وكان قد غرس فيها من جميع الثمار والأشجار وصنع لها مصانع تمتلئ بماء المطر فيسقيها وقت الحاجة إليها وكان المطر قد أمسك عنها والمصانع نشفت فلما خرج يزيد إلى البحر توضأ وصلى ركعتين ثم رفع رأسه نحو السماء وقال‏:‏ اللهم إنك قد أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالإجابة فقلت وأنت أصدق القائلين‏:‏ ‏{‏وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 186‏]‏‏.‏ وقد دعوت كما أمرت فاستجب كما وعدت يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدًا ولا يحصيه غيرك‏.‏

قال ابن جبير‏:‏ لقد بلغني ممن أثق به أن يزيد بن عامر ما برح يدعو حتى ارتفع السحاب من الجو ووقف وقفة الخاضع ورفع جناح السائل المتواضع وارتفعت سحابة وتألقت والرعد يصول حولها صولة الغاضب وهو لها بصوت البرق يزجر بصلصلة وقعقعة وهرير وهو على ذلك سيره ومسيره وقد أحاطت بالسحابة ملائكة الرحمة متمنطقة بنطاق الخدمة يسوقونها من خزائن رحمته ويجذبونها بأزمة القهر إلى ملك أبديته وهو واضع أجنحة عبوديته موسوم بوسم ‏{‏ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 13‏]‏‏.‏ والركام يسري ويسرع إسراع الوجل يسبح من يسجد لجلاله ‏{‏فترى الودق يخرج من خلاله‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 43‏]‏‏.‏ فإذا هي أشرقت وتكاملت بالماء ووسقت والبروق من أركانها قد انشقت وهبت عليها رياح فذرته من مواضع خزائن رحمته ‏{‏وهو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 57‏]‏‏.‏ فعندها تفتح مغاليق أبوابها وترفع ستر حجابها فهمت بدموع أشجانها على أيدي خزانها فتستبشر الأرض عند ورودها وتنتظم عقود الزهر عند ورودها في جيد وجودها وتخرج كنوز ذخائرها ‏{‏فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 50‏]‏‏.‏

قال‏:‏ ونزل المطر يسكب بقية يومهم وليلتهم فلما كان من الغد حضر يزيد بن عامر مجلس أبي ثوب وقال له‏:‏ كيف رأيت صنع الله الصانع المتكفل بأرزاق العبيد‏.‏

قال‏:‏ فضحك أبو ثوب وقال‏:‏ إن سحركم لعظيم وإن مكركم لجسيم وإن سحركم يفعل أكثر من هذا‏.‏

فقال‏:‏ إنما ذلك رحمة من الله قد أبر من أقسم باسمه عليه فلما رأى نزول المطر وظهرت بركات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على سبيل المكر‏:‏ الآن تحققت أن دينكم الحق وقولكم الصدق وأنا مؤمن بالله ومصدق برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوف أعرض دين الإسلام على أهل جزيرتي وأصحابي وأهلي وأبني المساجد وآمر بالمعروف وأنهي عن المنكر‏.‏

فقال يزيد‏:‏ إن أنت فعلت ذلك رشدت وإن نافقت فإن ربك لبالمرصاد ثم خرج منه عنده هو ومن كان معه شطا وغلمانه ومضوا إلى دمياط إلى البامرك وحدثوا بما كان من أبي ثوب‏.‏

فقال‏:‏ والله لقد خدعكم بخديعته ورماكم بسهم مكيدته‏.‏

فقال يزيد بن عامر‏:‏ ‏{‏ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين‏}‏ ‏[‏آل عمران 54‏]‏ فما لبثوا أيامًا قلائل حتى وصل الخبر أن أبا ثوب جمع من سائر الجزائر وهو قادم عليهم فلما سمع البامرك بذلك قال ليزيد بن عامر‏:‏ ما الذي ترى من الرأي في أمر هذا العدو فقال يزيد‏:‏ نستعين بالله ونتوكل على الله ومن قاتلنا قاتلناه‏.‏



يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طارق
لاعب ذهبى
لاعب ذهبى



اسم العضو : طارق محمد حشيش
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 299
تاريخ الميلاد : 20/09/1965
تاريخ التسجيل : 30/05/2011
العمر : 58
المزاج رايق

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالجمعة يوليو 29, 2011 11:46 am


فتح ماكسين والشمسانية

قال‏:‏ حدثني زهمان بن رقيم بن الصلت بن مجالد عن القيل بن ميسور‏.‏

قال لما ارتحل عبد الله عن قرقيسيا ونزل على ماكسين فتحها صلحًا على أربعة آلاف درهم وكذلك بلادهم وألف حمل طعام حنطة وشعير فقلقوا من ذلك فترك لهم النصف وكذلك أهل المشمسانية ثم نزل على عربان فجاؤوا إليه وصالحوه بما صالح به أهل ماكسين أرتحل إلى المجدل فملكها وأقام ينتظر ما يرد عليه من أخبار أميره عياض بن غنمًا و نازل على نهر البلخ فكتب إليه يعلمه بما فتح الله على يديه فلما وصل الكتاب إليه كتب إليه أن الزم مكانك حتى يأتيك أمري والسلام‏.‏

قال سهل بن مجاهد بن سعيد‏:‏ لما فتح الله على يد عبد الله بن غسان أرض الخابور صلحًا وأقام بالمجدل إنشد قيس بن أبي حازم البجلي هذه الأبيات‏:‏ أقمنا منار الدين في كل جانب وصلنا على أعدائنا بالقواضب ودان لنا الخابور مع كل أهله بفتيان صدق من كرام العرائب هزمناهم لما التقينا بماسح وثار عجاج النقع مثل السحائب وكل همام في الحروب نخاله يكر بحمل في صدور الكتائب وما زال نصر الله يكنف جمعنا ويحفظنا من طارقات النوائب فلله حمد في المساء وبكرة وما لاح نجم في سدول الغياهب فتوح قلعة ماردين قال‏:‏ حدثني سوار بن كثير عن يوسف بن عبد الرزاق عن الكامل عن المثنى بن عامر عن جده‏:‏ قال‏:‏ لما فتحت مدائن الخابور صلحًا بلغ قتل الملك شهرياض صاحب أرض ربيعة وعين وردة ورأس العين فعظم عليه وكبر لديه فجمع أرباب دولته وهو نازل على أرض الطير وقال لهم‏:‏ هذه ثلاث مدائن من بلادنا قد ملكت وقلعتان والعرب المتنصرة قد مضت عنا‏.‏

فقال له البطريق توتا‏:‏ أيها الملك إنه لا بد للعرب منا ولا بد لنا منهم ويعطي الله النصر لمن يشاء غير أنه كان من الرأي أنك لو زوجت ابنك عمودا الملكة مارية بنت أرسوس بن جارس صاحب ماردين ومرين لأعانتنا قلعة المرأة‏.‏

قال الراوي‏:‏ وكان السبب في بناء القلعتين المذكورتين أن هذا الرجل أرسوس بن جارس كان من أهل طبرزند وكان بطلًا مناعًا وكان أول من بنى المملكة بأرمينية وكان منفردًا بطبرزند وكان يغير في بلاد الروم حيث شاء حتى كتب أهل تلك البلاد إلى الملك الأعظم يستغيثون به من يده فأرسله الملك هرقل من أنطاكية إلى ديار ربيعة وقال له‏:‏ ابن لك حصنا تسكن فيه فلما توسط أرض جبل ماردين نزل تحته ونظر وإذا على قلة الجبل موضع نار وكان فيه عابد من عباد الفرس وكان مشهورًا عندهم بالعبادة وكانت الهدايا تقبل إليه من أقصى بلاد خراسان والعراق وكان اسمه دين فلم يمر به أرسوس حتى صادقه وكان يحمل إليه الهدايا والتحف وكان العابد لا يحتجب عنه ولم يزل معه حتى إنه وقع به منفردًا فقتله وغيبه فلما عدمه أهل تلك الأرض قالوا‏:‏ مات دين ثم إن أرسوس بنى بيت النار وجعله حصنًا وكانت له ابنة يقال لها مارية فلما رأت أباها بنى له مكانًا وتحصن فيه بنت أيضًا قلعة بإزائه وحصنتها وجعلت فيها أموالها وذخائرها ورجالها وكانت كلما خطبها أحد تراه دونها لأنها من بيت المملكة‏.‏

وكان بالقرب من قلعتها دير بسفح الجبل وفي الدير راهب قد انقطع فيه وكان من أجمل الناس وجهًا وكان اسمه فرما قال‏:‏ فأتت إليه زائرة فلما رأته وقعت محبته في قلبها فلم تزل تتردد إليه وتتجاسر عليه إلى أن صارت بينهما صحبة فسلمت نفسها إليه فحملت منه فلما تكامل حملها ولدت في خفية ولدًا ذكرًا فسلمته إلى دايتها وقالت لها‏:‏ انظري كيف تفعلين بهذا الغلام فإني أحبه ولا أريد قتله لأنه إن علم أبي بقصتي قتلني ثم أخرجت له ذخائر نفيسة وجعلتها في قماطه وخيطت عليها وقالت‏:‏ من وقع به ينفقها على تربيته ثم إنها افتقدت بدنه وإذا على خذه الأيمن شامة سوداء بقدر الظفر ورأت أذنه اليمنى وفيها زيادة قال‏:‏ فأخذته الداية ونزلت به ليلًا ومعها خادم وكان مطلعًا على أسرار الملكة فأتت به إلى أسفل القلعة في الطريق الأعظم وهناك عمود من رخام وغالبه غائص في الأرض وهو قائم على رأس ذلك العمود قاعدة من الرخام فوضعت ذلك المولود على القاعدة خوفًا عليه من الوحش أن يقربه فيأكله ثم رجعت هي والخادم إلى القلعة‏.‏

قال الراوي‏:‏ وكان من قضاء الله وقدره‏:‏ أن صاحب الموصل الملك الأنطاق قد بعث رسولًا لشهرياض ثم أرسوس بن جارس صاحب ماردين فجاز سحرًا في الطريق الذي فيه العمود فسمع بكاء الطفل فدنا منه وهو على جواده فنظر عصابة الذهب فأخذه وسلمه إلى جارية كانت معه في السفر وقال لها‏:‏ احتفظي على هذا المولود فلا شك أن له شأنًا ثم أوصل الرسالة إلى صاحب ماردين وارتحل إلى رأس العين وأعاد الجواب على الملك شهرياض وأجرى الله على لسانه بأن حدث الملك شهرياض بقصة الطفل الذي وجد على العمود‏.‏

فقال‏:‏ أعطني إياه فإنه ليس لي ولد يرثني ويخلفني في ملكي فدفعه إليه فأخذه الملك ودفعه إلى الحواضن والدايات فربوه إلى أن ركب الخيل ونشأ وترعرع فسماه الملك عمودا وسماه الناس ولد الملك وتربى في النعمة وتعلم طريقة الملوك من ركوب الخيل والرماية والقتال والمعالجة والصراع إلى أن سما ذكره وانتشر في الناس فخره وكان لا يأوي إلى عين ورعة بل أكثر زمانه في الصيد والقنص وبنى له قصرًا على رأس المغارة يأوي إليه وسمي القصر باسمه عمودا وليس عند أمه مارية خبر بما فعل الزمان به وانقضت الأيام واندرجت الأعوام حتى قدم عسكر المسلمين يريد فتح أرض الجزيرة فلما شاور الملك أرباب دولته في أمر العرب أشار عليه توتا أنا يزوج ولده عمودا من الملكة فإنها لا تصلح إلا له‏.‏
وهي بكر ولها من العمر ثلاثون سنة وقد خطبها الملوك وأبناؤهم فلم ترض بهم لأنها تراهم دونها وأنت إذا طلبتها لولدك لم يمتنع من ذلك أبوها ويفرح بمصاهرتك فأجابه إلى ذلك وبعث إلى أرسوس بن جارس هدية عظيمة وقال لتوتا‏:‏ كن أنت الواسطة في ذلك فسار توتا إلى أرسوس وسلم عليه ودفع إلية الهدية فقبلها وتحدث معه فيما ذكرناه فأجابه إلى ذلك وطلب منه الصداق مائه ألف دينار والبارعية وجملين وعشرين أميرًا من العرب ليقتلهم قربانًا للمسيح ليلة زفافها فأجابه توتا إلى ذلك فركب أرسوس إلى قلعة ابنته ودخل عليها وأعلمها بالخبر فرضيت فخرج من عندها وجمع القسوس والشمامسة وزوج ابنته لعمودا وليس عندهم خبر من أحكام القدر‏.‏



قال الراوي‏:‏ ورجع توتا إلى الملك شهرياض وأعلمه أن الأمر قد انبرم وأعلمه بما اشترط عليه أرسوس من القلعتين الباوعية وجملين ومائة ألف دينار وعشرين أميرًا من العرب ليقربهم ليلة زفافها ففرح بذلك وأنفذ الأموال وقال‏:‏ إذا زفت إليه سلمت إلى أبيها القلعتين ثم إنه طلب عمودا وأخبره أنه قد زوجه ابنة أرسوس بن جارس وقال له‏:‏ اعلم يا بني أن من جملة الصداق عشرين من فرسان العرب فتجهز وخذ العسكر واقصد العرب وأمر أن يخرج معه توتا الوزير ورودس صاحب حران وقال لهم‏:‏ إن قدرتم أن تكبسوا العرب فافعلوا ومضوا في عشرين ألفًا‏.‏

قال الراوي‏:‏ وأتت عياضا عيونه وأخبرته بما جرى وأنهم قد أقبلوا إليك وهم رودس صاحب حران وصاحب كفر توتا وعمودا ابن الملك في عشرين ألفًا وهم يريدون كبسكم في الليل فاستيقظوا لأنفسكم‏.‏

قال‏:‏ فجمع عياض وجوه الصحابة واستشارهم‏.‏

فقال خالد بن الوليد‏:‏ اكتب من وقتك إلى عبد الله بن غسان وسهل بن عدي أن يسيروا إلينا من وقتهم ويعلمهم بما قصد العدو فيكونون منهم على حذر‏.‏

فإذا قربوا منهم يكمنون لهم حتى يعبروهم ويصير أصحابنا من ورائهم ونكمن نحن عن يمينهم وشمالهم ثم نطبق عليهم‏.‏

فقالوا كلهم‏:‏ هذا هو الرأي المصيب وخرج خالد في ألفين وكتب في الحال إلى عبد الله وسهل يأمرهما باللحوق بعسكر خالد ويوصيهما بما يفعلان وبعث الكتاب مع سراقة بن دارم فوصل إليهما في يومه على ناقة له فلما وصل وقرأ الكتاب ارتحلوا من ساعتهم وأطلع الصحابة على الخبر فركبوا وانفذ عبد الله عيونه يتجسسون له خبر العدو‏.‏

قال الراوي‏:‏ وأما خالد فإنه انفصل من عياض في ألفين ولم يأخذ بهم على الجادة بل أرسل ألفًا عن يمين الطريق وأمر عليهم ابن سعدا وألفًا عن يسار الطريق مع خالد وأمر سعدًا أن لا يبعد قال الواقدي‏:‏ إنه لما سار عمودا وتوتا ورودس في العشرين ألف فارس لم يزالوا سائرين إلى أن بقي بينهم وبين عسكر عياض بن غنم عشرة فراسخ‏.‏

‏.‏

فنزلوا في مكان يستريحون ويعلقون على خيلهم ويلبسون لامة الحرب‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وسار جيش عبد الله بن غسان من ورائهم وسار خالد بن الوليد عن يمينهم ونجيبة بن سعد عن يسارهم وليس عند الروم خبر من ذلك فلما علم خالد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحدقوا بالقوم أرسل يعلم المسلمين أن يتأهبوا إلى وقوع الصوت‏.‏

قال‏:‏ فتأهبوا ثم إن خالدًا أخذ خمسمائة من أبطال المسلمين وترك خمسمائة مع عدي بن سالم الهلالي وقال له‏:‏ إذا رأيت الحرب قد اشتعل نارها وتطاير شرارها فاخرج من كمينك ثم إن خالدا لما قصد جيش العدو بمن معه وتظاهر لهم رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير قال‏:‏ فسمعت الروم أصواتهم فلبسوا سلاحهم ولم يركب منهم سوى رودس وأصحابه وهم خمسة آلاف ولم يكن فيهم مستيقظ سواه وتوتا مشغول مع عمودا‏.‏

قال‏:‏ وإن صاحب حران استقبل خالدًا واستصغر شأنه لما رآه في شرذمة قليلة طمع فيه واشتغلت الروم بالنظر إليهم وقالوا‏:‏ رودس يكفينا أمرهم‏.‏

قال‏:‏ فبينما هم ينظرون إذ صاح خالد بعدو الله رودس وانحط عليه انحطاط السحاب وهو يقول هذه الأبيات‏:‏ سيوف دخرناها لقتل عدونا وإعزاز دين الله من كل خائب قتلنا بها كل البطارق عنوة جلاء لأهل الكفر من كل جانب إلى أن ملكنا الشام قهرًا وغلظة وصلنا على أعدائنا بالقواضب أنا خالد المقدام ليث عشيرتي إذا همهمت أسد الوغى في المغالب وفاجأ رودس بطعنة فألقاه على وجه الأرض فأوثقه غلامه همام وحمل في أصحابه هو ومن معه‏.‏

قال‏:‏ فهم في ذلك إذ خرج عليهم نجيبة بن سعد وعدي بن سالم وأشرف من بعدهم عبد الله بن غسان فامتلأت الأرض بالزعقات وارتخت سائر الجهات وصدموهم على الخيل العربيات ونادوا باسم جبار الأرض والسموات وأطبقوا عليهم من كل جانب وكان التوفيق للصحابة مصاحبًا فما لحقت الروم أن تركب على خيلها إلا والسيف يعمل فيهم فطحطحوهم وفرقوا مواكبهم واستوثقوا منهم أسرى وأخذوا عمودا وتوتا فكانت الأسارى أربعة آلاف والقتلى ألفًا وسبعمائة وستة وستين وولى الباقي الأدبار فوصلوا إلى الملك شهرياض فأعلموه بما وقع فضاقت عليه الأرض بما رحبت وعلم أن دولته قد انقرضت وأن أيامه قد اضمحلت ومضت فأحضر من بقي من أرباب دولته فاستشارهم فيما يفعل‏.‏

فقالوا‏:‏ أيها الملك إن مقامنا على رأس العين سفه فإن بينه وبين حران والرها وسروج بعيد يطمع العرب في بلادنا بل الرأي أن نرحل ونتوسط البلاد وتكون قلاعنا أقرب منا والميرة تصل إلينا من كل جانب فإن كانت لنا وانهزمت العرب أخذنا عليهم سائر الطرقات وإن كانت علينا انهزمنا إلى ماردين وقلعة مازن وكفر توتا وقصدنا جملين وتل توتا والبارعية وتل سماوي وتل القرع والصور ودجلة الجبل ونأمن على أنفسنا‏.‏

قال‏:‏ فأجابهم إلى ذلك وارتحل من برج الطير وقصد رأس العين ورتب آلة الحصار وترك في المدينة عشرة آلاف فارس مع مرتودس وكان من الفرسان المشورة وهو متزوج بابنة الملك شهرياض فلما رتب أمره رحل إلى مرج رغبان‏.‏

حدثنا أبو يعلى عن طاهر المطوعي عن أبي طالب بن مليحة عن وهبان بن بثر بن هزارد‏.‏

قال‏:‏ قرأت الفتوح من أوله إلى آخره بجامع الرصافة على أحمد بن عامر الحوفي وأحمد قرأ على سعدان بن صاحب وابن صاحب قرأ على يحيى بن سعيد المروزي ويحيى قرأ على أبي عبد الله بن محمد الواقدي وهو يومئذ قاضي الجانب الغربي‏.‏

قال‏:‏ لما نزل الملك شهرياض على مرج رغبان بجيوشه ارتحل عياض في أثره بعدما كتب بخبر الوقعة وفتح زبا وزلوبيا والخابور إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسأله الدعاء وبعث الكتاب والخمس وما أخذه من القلاع وأرسله مع حبيب بن صهبان وضم إليه مائة فارس فسار إلى المدينة وأما عياض بن غنم ومن معه من عساكر المسلمين فإنهم تبعوا شهرياض إلى أن نزلوا مع العدو بمرج رغبان قال‏:‏ فنزلوا في مقابلتهم قال واتصلت الأخبار بأرسوس بن جارس صاحب ماردين بأسر عمودا فأحضر ابنته إليه وقال لها‏:‏ أي بنية اعلمي أن بعلك قد أسر وهو ابن الملك ونحن نخاف العار بأن يقال مارية بنت أرسوس ما كانت موافقة على ابن الملك وأنه لما تزوج بها أسر وقد حرت في أمري‏.‏

فقالت له مارية‏:‏ يا أبت وحق المسيح لقد قلت الحق وتكلمت بالصدق فما عندك من الرأي قال لها‏:‏ وما عندك أنت قالت‏:‏ أريد أن أتنكر وأدخل إلى عسكر المسلمين وآتي أميرهم وأقول له إني قد أتيت أسلم على يديك لرؤيا رأيتها وهو أني رأيت المسيح في النوم ومعه الحواريون وكأني أشكو للمسيح ما نزل بنا منكم وكأنه يقول لي أسلمي فإن القوم على الحق وقد جئتكم لأسلم وأملككم قلعة أبي وتتركوني أنا في قلعتي فإذا قال أميرهم‏:‏ كيف تملكيننا قلعة أبيك وهي أمنع الحصون وأحصن القلاع فأقول له‏:‏ يرسل معي من فرسانهم مائة فارس من صناديدهم وأدخلهم في قلعتي وأجعلهم في صناديق وأرسلهم إلى قلعة أبي وأسير معهم إلى والي قلعة أبي وأقول هذه الصناديق قيها أموالي وأريد أن أجعلها في خزانة أبي فإذا حصل القوم عندي رميتهم في المطامير وأقول لهم لست أدعكم حتى ترسلوا إلى أميركم يرسل إلي بعلي‏.‏

فقال لها أبوها‏:‏ إنك تريدين أن تلقي نفسك في الهلاك وإن العرب لا تتم عليهم الحيل لأنهم هم أربابها‏.‏

قالت‏:‏ وإن طلبوا مني رهائن فإذا وقع الفداء بأصحابهم طلبت الرهائن مع بعلي‏.‏

فقال لها‏:‏ دبري ما تريدين فلعل أن يكون فيه المصلحة‏.‏

قال فنزلت في الليل وقصدت مرج رغبان ومعها خادم وأربعة مماليك يسوقون بغلتها وعليها من الهدايا والتحف والطرف‏.‏

قال فلما وصلت إلى تنيس التقت بغلمان أبيها وحاجبه ومعهم أربعون أسيرًا من العرب‏:‏ منهم عبد الله بن غسان وأمثاله‏.‏

قال وكان السبب في ذلك أن عياض بن غنم لما ارتحل يطلب رأس العين مع هؤلاء الساعة الذين مع عبد الله بن غسان بحسب العادة في سيرهم إلى حران وسروج والرها ليأتوا بالطعام والميرة للعسكر فساروا فلما توسطوا البلاد لقيهم السائس ابن نقولا وجرجيس بن شمعون وقد أقبل بميرة عظيمة لعسكر الملك شهرياض ومعهم ثلاثة آلاف غائصون في الحديد فلما رأوا قلة المسلمين طمعوا فيهم فأقبلوا وأطبقوا عليهم من كل جانب فأخذوهم قبضًا بالكف وأحضروهم بين يدي الملك شهرياض فهم بقتلهم‏.‏

فقال له وزيره‏:‏ أيها الملك ليس هذا برأي لأن ولدك عمودا في يد العدو ورودس صاحب حران وتوتا صاحب الحجاب فإن أنت قتلتهم قتلوا أصحابك وولدك والصواب أنك ترسلهم إلى قلعة ماردين‏:‏ يعني قلعة المرأة وتسلمهم إلى الملكة مارية ويكونون عندها فإذا طلبتهم العرب تقول لهم إنهم بقلعة ماردين وليس هم في أسرنا ونحن لا نبالي بمن هم عندهم فيكون أعظم لحرمتك وهيبتك فاستصوب رأيه وأرسلهم إلى مارية مع صاحب أبيها فالتقت بهم على تنيس كما ذكرنا فأمرت الحاجب أن يوصلهم إلى قلعتها ففعل ثم إنها سارت حتى أتت إلى عسكر المسلمين في حندس الليل فكان يطوف في العسكر سهل بن عدي ونجيبة بن سعد في جماعة فلما رأوها أتوا إليها وسألوها عن حالها‏.‏

فقالت‏:‏ أريد أميركم فأتوا بها إلى عياض بن غنم‏.‏

فلما وقفت بين يديه قدمت له الهدايا وهمت أن تسجد له فنهاها وقال‏:‏ إن الله قد أعزنا بالإسلام وأنقذنا من الضلال بمحمد صلى الله عليه وسلم فأزال عن قلوبنا الغل والحسد واتباع الهوى وشرفنا بالتحية ونزهنا أن يسجد بعضنا لبعض وما يرغب في ذلك إلا الجبابرة من ملوك الأرض وإن الله يقول‏:‏ العظمة ردائي والكبرياء إزاري فمن نازعني فيها قصدته ولا أبالي ومارية تفهم ما يقوله فلما انتهى قالت‏:‏ أيها الملك إن الله بهذا نصركم علينا‏.‏

قال لها‏:‏ فمن أنت‏.‏

قالت‏:‏ أنا مارية بنت أرسوس بن جارس صاحب ماردين وإن الذي بأيديكم أسيرًا هو بعلي ولا صبر عليه وهو عمودا فلما كثرت فكرتي فيه واشتد شوقي إليه رأيت المسيح في نومي والحواريين وقد أمرني باتباعكم وقد أتيت إليكم بهذه النية بأن أتبع دينكم وأسلم لكم القلعتين قلعتي وقلعة أبي على شرط أن تبقوني في قلعتي ولا تغيروا من أمري شيئًا وأقيم أنا وبعلي فيها وأكون الحاكمة على أهل بلدي‏.‏

قال فتبسم عياض من قولها وقال‏:‏ يا مارية أما إنك ما أتيت إلينا إلا لتنصبين علينا بسبب بعلك وكيف يكون هذا بعلك وهو ولدك وحديثه كذا وكذا‏.‏


قال فلما سمعت الجارية الحديث من عياض بن غنم امتقع لونها وتغير كونها وقالت له‏:‏ يا سيدي ومن أين لك هذا وأن عمودا ولدي وهو ولد الملك شهرياض‏.‏

قال لها رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة وحدثني بذلك كله‏.‏

فقالت‏:‏ إني أريد أن أراه فإن كان ولدي فإن لي فيه علامة فأمر عياض بن غنم بحضوره فأتى به سعيد بن زيد فلما نظرت إليه ووقعت عينها عليه ورأت الشامة التي على خذه وزيادة أذنه ورأت عصابتها وما فيها من الجواهر صاحت صيحة عظيمة أذهلت من حضر وترامت عليه والتزمته وقالت‏:‏ لا شك ولدي وقد صدق محمد صلى الله عليه وسلم في قوله‏.‏

قال ونظر الغلام إلى أمه فتحرك الدم في بدنه فغشي عليه من البكاء فلما أفاق بكى بكاء شديدًا هو وأمه فلما سكتا قال لهما عياض‏:‏ قد وجب عليكما أن توحدا الله شكرًا على ما أنعم عليكما فإنه يزيد الشاكرين ورحمته قريب من المحسنين ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ليس له حد ولا قبل ولا بعد هو الأول وعليه المعول وهو الأخر وله المفاخر‏.‏

قال فلما سمع عمودا ما قاله عياض قال‏:‏ والله ما في قولك زور ولا محال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله‏.‏

قال فلما نظرت مارية أمه إليه وقد أسلم وافقته في الحال وعرجت عن طريق المحال وشهدت لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة‏.‏

فقال عياض بن غنم ومن حضر من المسلمين‏:‏ تقبل الله منكما إسلامكما ووفقكما واعلما أن الله قد طهر قلوبكما وغفر ذنوبكما فاستأنفا العمل ولكن كيف السبيل إلى هذه القلعة المنيعة‏.‏

فقالت‏:‏ أبشر فإن أصحابكم أسروا عند حران وقد وجههم شهرياض إلي لأفدي بهم منكم هذا الغلام عمودا وقد سيرتهم إلى قلعتي وها أنا أسير إليهم وأحصلهم في قلعة أبي وأفك أسرهم وأملك بهم القلعة إن شاء الله تعالى‏.‏

فقال لها عياض‏:‏ لقد وفقك الله في كل حال وصرف وجهك عن المحال ولقد صعب علي أسر أصحابي ولكن قد طاب قلبي بما قلت من الصواب فدعي ولدك عندنا وارجعي إلى أبيك فإذا رأيتيه فقولي له‏:‏ قد تفت حيلتك علينا فإذا حصلت عند أصحابنا فافعلي ما فيه الصلاح‏.‏

فقالت‏:‏ السمع والطاعة ثم ودعت زوجها أي ولدها والمسلمين وسارت من ليلتها إلى ماردين فوجدت أباها قد نزل إلى خدمة الملك إلى مرج رغبان ووجدت الحاجب الذي كانت معه الأسرى قد أوصلهم إلى قلعة أبيها وتركهم تحت قبضته وكان هذا الحاجب من عقلاء الناس ممن قرأ التوراة والإنجيل والزبور وكان راهبًا في مبدأ أمره وكانت له صومعة على عمود رخام قائم طويل وصنع على رأس العمود قائمة عظيمة وعقد عليها قبة وكان يصعد إليها بسلم أبريسم معلق بأعلى القبة وله سكتان في الأرض فإذا حصل في القبة انتزع السكتين وأخذ السلم إليه‏.‏

فشاع خبره ونما ذكره بالعبادة والرهبانية فلما توجه إلى بلادهم وفتحت الخابور صلحًا اجتمع حول ذلك العمود أمم وقالوا‏:‏ يا أبانا ما الذي تشير به علينا فإن العرب قد توجهت إلينا وقد فتحوا الشام وأكثر العراق وحصلوا في أرضنا فما الذي نصنع‏.‏

قال فاطلع عليهم من القبة وقال‏:‏ يا معاشر النصرانية ما زالت النعم عليكم ظاهرة وباطنة مطمئنين في البلاد وقد ذلت لكم رقاب العباد ونصركم المسيح على سائر الأمم ورد عنكم سائر الغمم ومهد لكم الأرض في الطول والعرض إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتردون المظالم إلى أهلها وتحكمون بالحق وتتبعون شريعتكم وتزجرون أنفسكم عن أكل الحرام واتباع الزنا فلما غيرتم غير بكم وفي إنجيل يحيى وإنجيل مرقص مكتوب‏:‏ من اتبع سنن الحق وعود لسانه طريق الصدق وفعل بأوامر ربه وألزم نفسه بما يعنيه ولم يبخس الناس أشياءهم وداوم على صلاته وعمل بأوامر شريعته ولم يتبع هواه بلغه زهده ما تمناه ومن جار وبغى وظلم وتجبر وحاد عن طريق الحق كان فناؤه عاجلًا ولنفسه بيده قاتلًا وخربت داره ونفد ادخاره وكان الخوف شعاره والجحيم دثاره وفي التوراة مكتوب‏:‏ لا تظلموا إنه لا يحب الظالمين‏.‏

وقد بلغني أن في القرآن مكتوبا ‏{‏إن الله لا يصلح عمل المفسدين‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 81‏]‏ فأصلحوا ذات بينكم واجعلوا تقوى الله نصب عيونكم وقاتلوا عن أهلكم وحريمكم واتبعوا شريعة نبيكم وأخرجوا إلى جهاد عدوكم فإن الجهاد اليوم أفضل من جميع العبادات المأمور بها فإنه من جاهد أعداءه كانت الجنة مأواه ألا وإني نازل من صومعتي هذه فلا يتخفف أحد منكم ثم إنه أرسل سلمه ونزل فلما رأوه وقد نزل أقبلوا عليه بالسلام وقتلوا يديه ورجليه فأتى بهم إلى كنيسة دمائر وكنيسة باذا فصلى بهم ودعا ثم أمرهم بالجهاد وقصد دير ملوخ هو قبله من دار عبديدان الروم وكان فيه راهب فناداه باسمه وقال له‏:‏ ليس هذا وقت العبادة فأنزله من صومعته وسار إلى نصيبين فخرج إلى لقائه الملك قرقياقس فترتجل إليه وصافحه وسار بين يديه إلى البيعة وزار دير يعقوب وهرع إليه أهل نصيبين فوعظهم وأمرهم بالجهاد وقصد رأس العين وبلغ خبره لأرسوس بن جارس فلما أسر عبد الله بن غسان ومن معه بعثهم مع الراهب ميتا بن عبد المسيح ولقيته مارية في الطريق كما ذكرنا وأمرته بأن يسير بهم إلى قلعتها فلما أبعد عنها لقي أباها في عسكره فسأله عما هو فيه فأخبره أن الملك شهرياض أرسله بهؤلاء الأسرى‏.‏

فقال له‏:‏ من أنت‏.‏

قال‏:‏ ميتا بن عبد المسيح فلما سمع أرسوس قوله فرح به وقال‏:‏ وحق ديني لي زمان أرقبك ولست أستغني عن رأيك ولكن انطلق بهؤلاء إلى قلعتي وتول أنت حفظهم حتى يأتيك أمري وخذ خاتمي هذا‏.‏

فانطلق وأوصلهم إلى القلعة ووضعهم في الاعتقال وتولى حفظهم بنفسه وجعل ينظر إلى حسن عبادتهم وجودة تلاوتهم فأقبل عليهم وقال لهم‏:‏ أخبروني كم فرض عليكم في اليوم والليلة‏.‏

فقال عبد الله بن غسان‏:‏ خمس صلوات فمن أتى بها بركوعها وسجودها على الكمال لا يرد على النار قال الله تعالى في كتابه‏:‏ ‏{‏حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 238‏]‏‏.‏ وقال نبينا صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الصلاة صلة ما بين العبد وربه فيها إجابة الدعاء وقبول الأعمال وبركة الرزق وراحة الأبدان وستر بينه وبين النار وثقل في الميزان وجواز على الصراط ومفتاح الجنة‏)‏‏.‏ وهذه الصلاة فرضت على جميع الأمم فلم يؤذوها وقصروا فيها حتى فرضها الله علينا فأديناها والصلاة جامعة لجميع الطاعات فمن جملتها الجهاد وإن المصلي مجاهد عدوين نفسه والشيطان وفي الصلاة الصوم فإن المصلي لا يأكل ولا يشرب وزادت على الصيام التمسك بمناجاة ربه وفي الصلاة الحج وهو القصد إلى بيت الله الحرام والمصلي قصد رب البيت وزاد على الحج بقربه من ملكوت ربه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واسجد واقترب‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 19‏]‏‏.‏ وقال نبينا صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏جميع المفترضات افترضها الله في الأرض إلا الصلاة فإن الله افترضها في السماء وأنا بين يديه‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ يا محمد هذه الصلاة افترضتها على جميع الأنبياء وأما أمتك فقد سلمتها إليهم وجعلت جميع الطاعات كلها فيها‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أتاني جبريل وقال لي‏:‏ يا محمد قم فاصنع مثل ما أصنع فتقدم وصلى ركعتين وقال لي‏:‏ يا محمد هذه صلاة الصبح وهي أول صلاة صلاها ولذلك سماها الأولى ثم صلى به مرة أخرى إذ صار ظل كل شيء مثله وقال له‏:‏ هذه صلاة الظهر ثم صلى العصر أول وقتها وقال‏:‏ هذه صلاة العصر ثم صلى به مرة أخرى إذ صارت الشمس مصفرة ثم صلى والشمس قد غربت وقال‏:‏ هذه المغرب ثم صلى به عند مغيب الشفق وقال‏:‏ هذه عشاء الآخرة ثم صلى المرة الخامسة والفجر قد طلع وقال‏:‏ هذه صلاة الصبح‏.‏
وقال نبينا‏:‏ فرضت الصلاة مثنى مثنى فزيدت في الحضر وتركت صلاة السفر على حالها‏)‏‏.‏

فقال ميتا لعبد الله بن غسان‏:‏ يا أخا العرب فما معنى رفع أيديكم في الصلاة للتكبير‏.‏

فقال‏:‏ ألا ترى أن الغريق لما يجد شيئًا يتعلق به لينجو من الغرق وكذلك العبد في الصلاة فهو غريق في بحار الخطايا والمعصية يرفع يديه ويقول‏:‏ يا رباه خذ بيدي فإني غريق في بحار الخطايا والمعصية هارب منك إليك وأما معنى القراءة في الصلاة فهو عتاب بين العبد وربه وأما الركوع فمعناه أنا عبدك وقد مددت يميني إليك وأما الرفع من الركوع وقول العبد‏:‏ ربنا لك الحمد يعني على عتق رقبتي من الذنوب يقول الله تعالى بقول العبد أنا عبدك قد أعتقتك من الذنوب وأما معنى السجدة الأولى ووضع الجبهة على الأرض كأنه يقول‏:‏ منها خلقتني والرفع منها‏:‏ أخرجتني والسجدة الثانية‏:‏ وفيها تعيدني والرفعة الأخرى‏:‏ ومنها تخرجني تارة أخرى وأما معنى السلام على اليمين‏:‏ اللهم أعطني كتابي بيميني ولا تعطني كتابي بشمالي ولما حضرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته قال‏:‏ ‏(‏من حافظ على الصلوات الخمس كانت كمثل نهر عذب يغتسل فيه أحدكم كل يوم خمس مرات فهل يبقى من درنه شيء فكذلك الصلوات الخمس لا تبقي على العبد خطيئة‏)‏‏.‏

فلما سمع الراهب ميتا كلام عبد الله قال‏:‏ أشهد أنكم على الحق وأن دينكم حق وقولكم صدق ثم أسلم وبعده بقليل وصلت مارية لما علمت أن الصحابة في قلعة أبيها فلما صارت في أعلى القلعة ونزلت في دار أبيها باتت على قلق بسبب الصحابة فلما كان قد دخل عليها ميتا وسلم عليها‏.‏

فقالت له‏:‏ يا ميتا ما الذي صنعت بالعرب‏.‏

قال‏:‏ استوثقت منهم حتى يرى الملك فيهم رأيه‏.‏

فقالت‏:‏ والله ما قصرت ولكن اجعلهم معنا في البيعة حتى يروا حسن عبادتنا وقراءتنا الإنجيل فلعلهم أن يدخلوا في ديننا‏.‏

فقال‏:‏ السمع والطاعة ثم إنه نقلهم إلى البيعة فلما كان الليل أتت البيعة فرأت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم في القيود ولم يكن هناك سوى ميتا فقالت له‏:‏ يا ميتا أنت من علماء ديننا وما يخفى عليك الحق اطلعت على دين هؤلاء القوم فالحق معنا أو معهم‏.‏

فقال‏:‏ أيتها الملكة ليس على الحق من غطاء الحق مع هؤلاء العرب والذي قد جئتني به فانجزيه من قبل أن تطلبيه فلا تقدري عليه وقد رأيت بيان بينك وبين ولدك عمودا قال فلما سمعت كلام ميتا بقيت باهتة فيه فقالت له‏:‏ ومن أين لك هذا‏.‏

قال‏:‏ رأيته في نومي وحدثها بما كان كأنه كان حاضرًا فسجدت شكرًا لله فلما رفعت رأسها وثبت قائمة وحلتهم من وثاقهم ودفعت إليهم السلاح وأمرت ميتا أن يكرمهم وقالت له‏:‏ أنا أدبر كيف تقبض على الوالي ونملك القلعة ثم أنها سارت إلى قلعتها وولت عليها من هي به مطمئنة الفكرة وأخرجت منها من تخشى جانبه واستوثقت منها وأما ميتا فإنه جعل الصحابة في البيعة في بيت المذبح وقال لهم‏:‏ إذا كانت غداة غد وأتى الوالي وأصحابه إلى الصلاة فاخرجوا عليهم فإن الله ينصركم عليهم‏.‏

قال الراوي‏:‏ فلما كان الصبح أقبل الوالي وخواصه ليصلوا وضربت النواقيس وأتى القس ليفتح باب المذبح ويقرب القربان فلما فتح الباب خرج عبد الله بن غسان وأصحابه الأربعون وكبروا تكبيرة واحدة ارتعدت لها القلعة وما فيها وبذلوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم واحتووا على القلعة وما فيها وسمع أهل الربض التكبير فعلموا أنهم قد ملكوا القلعة فولوا على وجوههم هاربين قال فلما سمعت مارية التكبير والصياح علمت أن قلعة أبيها قد ملكت فغلقت أبواب قلعتها وأرسلت من تثق به إلى عياض بن غنم وأخبرته بما جرى فشكر الله على ذلك ووصل أكثر المنهزمين إلى الملك شهرياض وأعلموه أن قلعة ماردين ملكها العرب فصعب عليه وأيقن بتلف ملكه ووقع الرعب في قلبه وقلوب عسكره وبلغ أرسوس الخبر أن قلعته ملكت وخزائنه أخذت فكتم أمره إلى الليل وأخذ من يثق بهم وسار يطلب حران فوصل إليها في الليلة الثانية فلما قرب من الباب قام إليهم الحرس فصاح بهم أصحابه وقالوا‏:‏ افتحوا هذا البطريق رودس يعنون بطريقهم الأول وقد تخلص من العرب ففتحوا لهم فدخل أرسوس وملك المدينة وفشا الخبر في تلك البلاد أن أرسوس صاحب ماردين قد ملك حران بالحيلة فقصد إليه جميع من يطلب الديوان فصار عنده جيش عظيم‏.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طارق
لاعب ذهبى
لاعب ذهبى



اسم العضو : طارق محمد حشيش
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 299
تاريخ الميلاد : 20/09/1965
تاريخ التسجيل : 30/05/2011
العمر : 58
المزاج رايق

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالجمعة يوليو 29, 2011 11:49 am

فتوح الرها وحران

قال الراوي‏:‏ وكان لرودس هذا صاحب حران المقبوض عليه ولد وكان قد قبض أبوه عليه لأنه خاف منه وكان شجاعًا اسمه أرجوك فقبض عليه وحبسه في العمق وكان له أم اسمها ست العسكر وهي صاحبة سميساط وكانت قد مضت إلى زيارة أهلها وهي غضبانة للقبض على ولدها فلما بلغها أن أرسوس ملك حران صعب عليها وركب من سميساط وجاءت العمق وخلت بولدها وأخبرته أن حران ملكها أرسوس فأخرجته وسلمت إليه الأموال وقالت‏:‏ أنفق على الفرسان واجمع لك جيشًا وامض إلى هذا الرجل الذي فعل ما فعل قال فأنفق المال وأتت إليه الرجال وبقي في جيش عظيم وعبر الفرات وقصد حران وبلغ أرسوس الخبر فخرج إلى لقائه والتقى الجمعان وكان قد قدم أمام جيشه بطلًا من الأرمن اسمه أرجوك في ثلاثة آلاف فوقعت الهزيمة على الأرمني‏.‏

حدثنا عبد الله بن أسيد‏.‏

قال‏:‏ حدثنا سالم بن ربيعة عن عدلان التميمي عن محمد بن عمر الواقدي‏.‏

قال‏:‏ لما بلغت الأخبار إلى عياض بن غنم بمسير أرجوك الأرمني إلى أرسوس أحضر عياض رودس صاحب حران وأخبره بما انتهى إليه من خبر أرسوس وكيف ملك حران وأن ولده يريد أن يلقى أرسوس وإني قد عولت على قتلك إلا أن تدخل في ديننا فقال‏:‏ إن أنت أطلقتني سلمت إليك ما تحت يدي من القلاع ولعلي أخلص حران لأن أهلها يحبونني لأني كنت فحسنًا في حقهم وأنا أقول إنهم إذا رأوني سلموا إلي البلد وأنا أسلمها إليكم على أن تعطيني السويداء ونصيبين الصغرى وأنا أعطيكم الجزية كل عام‏.‏

قال‏:‏ فأجابه بلى ذلك وأمر عبد الله يوقنا أن يستحلفه فحلف وأجاب إلى ذلك فأطلقه وبعث معه يوقنا في جماعته ورد على رودس خيامه وثقله وجماعته وانسلوا من الليل من مرج رغبان طالبين حران فلما قربوا منها أرسلوا عيونهم فوجدوا العسكر نازلًا خارجًا منها وعسكر ولده بإزائه غير أنه قد أسر أرجوك وأخذ أرسوس وأن عسكره باق على حاله وقد بعث إليهم أرسوس رسولًا يدعوهم أن يكونوا من حزبه وينعم عليهم وأن ينزل بهم وبعسكره على الرها ليأخذها وتصير من تحت يده قالوا‏:‏ حتى نرى لأنفسنا في ذلك‏.‏

قال الراوي‏:‏ فلما قدم رودس ويوقنا ونظرا إلى العسكرين والنيران تتقد قال رودس ليوقنا‏:‏ هذه النار القريبة لا شك أنها لعسكر ولدي فأرسل إليهم من يختبرهم فسار الرجل وعلم من هم وعاد فأخبره أن القوم معولون على أن يحلف لهم أرسوس وأن يكونوا جنده وقد تقرر الحال على أنه في غداة غد يخرج في مائة فارس من أصحابه إلى دير فرها بين الرها وحران ومن عسكر ولدك خمسون من أكابرهم ويتعاهدون هناك قال‏:‏ فلما سمع يوقنا ذلك تهلل وجهه فرحًا وقال لرودس‏:‏ أبشر فقد صار القوم في قبضتنا‏.‏

ثم مضوا يطلبون الدير وكمنوا بالقرب منه ثم إن يوقنا أرسل غلامًا له وكان نجيبًا قد رباه وكان اسمه شامس وكان لبيبًا فقال‏:‏ يا شامس انطلق إلى صاحب الرها وهو كيلوك وقل له إن مقدمي صاحب أرجوك قد بعثني إليك لكي يكونوا من رجالك فإنك منهم وإليهم وأرسوس من الروم وإن رجالًا منا يأتون إلى دير فرها وأرسوس معهم حتى يحلف لهم ويحلفوا له ويريد منك أن تخرج في مائة وتكمن لنا بالقرب من الدير‏.‏

فإذا قدمنا فاخرج علينا قال‏:‏ فانطلق شامس إلى أن قدم على صاحب الرها وحدثه بما ألقى إليه صاحبه يوقنا وكان من قضاء الله وقدره أن الحيلة التي دبرها يوقنا وبعث بها إلى صاحب الرها قد بعث بها أكابر جيش أرجوك فلما قدم شامس عليه من قبل يوقنا وحدثه بالحديث الذي ذكرنا تأكد عنده ذلك وخرج في أربعمائة من قومه في أكمل سلاح وساروا طالبين دير فرها قال وكان يوقنا قد كمن بالقرب منهم واختلس شامس وأتى إلى يوقنا وأخبره بأنهم كامنون في المكان الفلاني وهم منكم قريب قال وأما ما كان من أمر أرسوس فإنه لما أرسل رسوله إلى الأرمن من عسكر أرجوك أتى رودس وقال لهم إنه يحلفه لهم ويحلفون أنهم لا يخامرون عليه ووقع الاتفاق على أن يكون الحلف في دير فرها فسما كان آخر الليل مضوا وهم متباعدون من بعضهم خوفًا من الغدر وكان خاطرهم طيبًا بصاحب الرها بما قرروا عنده‏.‏

ثم إنه قبل خروجهم أعلموا ألفًا من شجعانهم بأن ينسلوا من العسكر في خفية وأن يلحقوهم ليكونوا عونًا لصاحب الرها وقالوا لهم‏:‏ لا تتكلموا دون أن تروا صاحب الرها قد خرج عليه بكمينه‏.‏

فإذا خرجتم فازعقوا بشارة كأنكم من أصحابه حتى يطمئن إليكم فلعل أن تقبضوا عليه حتى يخلص أميرنا أرجوك قال فانسلوا من أول الليل ولم يعلم بهم أحد‏.‏

قال الراوي‏:‏ ولما أشرف أرسوس على الدير إذا به قد خرج عليه مائتا فارس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المقدم عليهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي وكان السبب في ذلك أن عياض بن غنم لما بعث رودس ويوقنا معه وأصحابه ساء ظنه من جانب رودس وقال‏:‏ لقد فرطت وأذهبنا ولي الله مع عدو الله‏.‏

قال خالد‏:‏ أيها الأمير لا تشغل سرك من قبل رودس فإن ملوك الروم إذا قالت وقت ويرون العار في أن يقول أحدهم قولًا ولا يفي به فقال‏:‏ يا أبا سليمان إنه لا ينبغي لنا أن نغفل عن صاحبنا ومن معه‏.‏

ثم إنه أرسل عمرو بن معد يكرب الزبيدي في مائتي فارس وساروا طالبين حران فلقوا في طريقهم أرسوس وهو خارج إلى الدير فقبضوا عليه وعلى من كان معه وأما يوقنا فإنه قبض على كيلوك صاحب الرها وكمن إلى الليل وتوجه إلى الرها فلما قربوا منها وقد لبسوا الثياب التي كانت على صاحب الرها وألبس جماعته ثياب جماعة صاحب الرها فلما قربوا منها وكانوا قد أوقدوا لهم مشاعل فتحوا لهم الباب فدخلوا فلما حصلوا داخلها رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير والثناء على رب العالمين فما جسر أحد من العوام أن يتكلم واحتوى يوقنا على ما كان فيها من ذخائر وتحف وخزائن كيلوك وأمواله وترك عليها من يثق به بعدما قبض على من يخافه من رؤسائها وأكابرها وكان قد استأمنه ابن عم كيلوك فأمنه فدله على جميع ما كان لكيلوك‏.‏

ثم أخذه أمامه وساروا طالبين حران فوجدوا رودس قد فتحها وذلك أنه لما قبض عمرو بن معد يكرب على أرسوس سار رودس ومعه بقية عسكر المسلمين حتى وصل إلى حران ونادى الناس الذين على السور فلما عرفوه فتحوا له الباب وصقعوا وساروا معه إلى دار إمارته فملكها وأتى له عظماء البلد وهنئوه بالسلامة فقام فيهم خطيبًا وقال لهم‏:‏ اعلموا أن الله تعالى أنقذني وأنجاني وقد جرى من حديثي كذا وكذا وأني عاهدت أمير القوم أن أسلم إليهم هذه المدينة ويوليني على نصيبين الصغرى والسوداء وحلفت له على ذلك وأني سوف أوفي بعهدي وأشهدكم أن كل دين يخالف دين الإسلام فهو باطل وأنا أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمدًا رسول الله‏.‏

قال فلما سمع أهل حران ذلك قالوا‏:‏ لقد أراد الله بك خيرًا ونحن نوافقك على إسلامك فأسلموا إلا قليلًا منهم‏.‏



فتوح قلعة رأس العين

قال الراوي‏:‏ حدثنا ربيعة بن هيثم عن عبد الله التنوخي عن عبدان بن عطية قال‏:‏ ما أسلم من أهل الجزيرة إلا حران فلما رآهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخلوا في الإسلام قالوا‏:‏ اللهم ثبتهم على دينك ولا تمكن من بلدهم عدوًا وأعادوا الكنائس مساجدًا وجوامع وسلموا الصحابة ما حول حران والرها تسليمًا وأتى يوقنا من الرها إلى حران واجتمع بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاورهم في أمر الرها وكيف يكون حكمها فقال سعيد بن زيد‏:‏ إنك قد أخذت هذا البلد بحيلتك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الحرب خدعة‏)‏ وقد صار كل من فيها عبيدًا للمسلمين هم وأموالهم‏.‏

فقال يوقنا‏:‏ أنتم تعلمون أن أكثر الجزيرة ما ملكتموه وثم إلى الآن حصون وموانع والصواب أن تصنعوا جميلًا وخيرًا يعلو به ذكركم ويرتفع به فخركم فقال له سعيد‏:‏ إذا كان الأمر على ما ذكرته فاتركوهم على حالهم حتى نرى ما يرى فيهم الأمير عياض بن غنم‏.‏

قال ففعلوا ذلك ثم إن الأخبار اتصلت بالملك شهرياض أن حران والرها وسروج والسخن وأكساس والعمق قد صارت كلها للعرب فأيقن بزوال ملكه فدخل إلى رأس العين هو ومن يثق به وصلوا في بيعة نسطوريًا وهي الجامع اليوم فلما فرغوا من صلاتهم قال‏:‏ يا معاشر الروم اعلموا أن العرب قد شاركونا في بلادنا وقد صار لهم معاقل يجتمعون فيها وتقوم بأودهم ويصل إليهم منها الميرة والعلوفة وتجيئهم منها الأموال والخابور وفيها كلها حكمهم وما بقي بيننا وبينهم إلا هذا المصف‏.‏

فإن كان لنا فلا مقام للعرب بيننا وإن كان للعرب فالبلاد لهم من دوننا وقد رأيت رأيًا فيه السداد‏.‏

فقالوا‏:‏ وما هو قال‏:‏ أرى أن أماطلهم بالمصف ونكتب للملكين المعظمين شقر وزعفرة فلعلهما ينجدوننا بعسكرهما ونكاتب الملك حرفتاس بن فارس ونكاتب الملك الأنطاق صاحب نينوى وبلادها وإلى الحبرا بن صاحب الهكارية‏.‏

فإذا أرسلوا إلينا عسكرهم نستعين بالمسيح ونلقى المسلمين والله يعطي نصره لمن شاء فقالوا‏:‏ هذا رأي جيد فكتب الكتب وأرسل الرسل إلى الملوك المذكورة وعاد إلى عسكره‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وما منع عياض بن غنم عن حرب القوم إلا أنه رأى أن البلاد تفتح لأصحابه بدون قتال فلم يستعجل لأنه قوي ظهره بالبلاد التي فتحت وأيضًا أنه كتب إلى عبيدة بن الجراح يطلب منه خبرًا يأتيه قال ووصلت كتب الملك شهرياض إلى أصحاب الأقاليم فما منهم إلا من عين عسكرًا لنصرته‏.‏

قال ووصل مكتوبه إلى صاحب أخلاط وكان له بنت ذات جمال فائق وكانت من الشجاعة على جانب عظيم وكان اسمها طاريون وكان مستقرها بجبل سموه باسمها وكان كل من خطبها لا ترضى به إلا أن تلقاه في الميدان فإن قهرها كانت له زوجة‏.‏

قال وإنها غلبت جميع خطابها وكان مهن جملة من خطبها غلام اسمه سوسى بن سلنطور صاحب جبل السناسنة وكان قد قدم إلى أخلاط بهدية من أبيه إلى أبيها فقالت هي‏:‏ على شرط معروف فبارزته في الميدان فقهرته وجرت ناصيته ومرت الأيام والليالي فلما بعث الملك شهرياض يستنجد الملوك وأرسل إلى صاحب أخلاط أرسل إليه أربعة آلاف فارس وأمر عليهم ابنته طاريون وقال لها‏:‏ أي بنية قد قدمتك على الجيش وأريد منك أن تظهري على العرب ما كنت تظهرين به على الفرسان حتى تشكري عند أمة المسيح‏.‏

قال وأرسل معها ملك السناسنة نجدة وهم ألف رجل وكان المقدم عليهم ولده فسار في صحبتها وكان الغلام قد كمل شأنه وحسن كماله وابتدر هلاله ولم يكن أحد في زمانه يوصف بجماله فلما نظرت طاريون إلى حسنه وجماله نظرته بعين المحبة فوقع قلبها في شبكة عشقه فسيرت رجالها مع رجاله‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وأحسن ما رأيت في هذه الفتوح أنه كان لهذه الجارية ابن عم اسمه برغون وكان يحبها ولا يستطيع أن يسمع بذكرها وكان من أهل الشجاعة والشدة وكان تحت يده من المعاقل حيزان والمعدن وأبزون وقف وأنطر وأيدليس وآرزن وأنه سار ينجد شهرياض في ثلاثة آلاف فلما عبر جيش ابنة عمه طاريون بيدليس اهتم لها وأكرمها وأهدى لها الهدايا والتحف وسار معها إلى أن عبروا حصن كيفا وأخذوا طريقهم على الموزر ونزلوا على حصن يعرف بالهتاج على طريق النهر وكان لابن عمها عيون يطلعونه على أخبارها‏.‏

قال فلما نزلت على النهر أرسلت إلى الغلام سوسى الذي تحبه وهي تقول له‏:‏ اعلم أن المحبة الصادقة لا تكون إلا بعد العداوة المفرطة وقد ندمت على ما فات وما كان مني إليك وقد رأيت أنك بعد رجوعنا من قتال العدو ترسل إلى أبي وتطلبني منه ولكن أريد منك أن تصل إلي ليلًا وفي خفية من ابن عمي يرغون حتى تحلف لي أنك ترسل إلى أبي وتطلبني منه وأحلف لك أني لا أريد سواك وبعثت له بهدايا مع بعض خدمها وأرسلت معه شيئًا من الحلوى وأرسلت مثل ذلك لابن عمها ولكل أمير صحبها حتى لا ينكر عليها‏.‏

قال وإن ذلك الخادم قد علم بما جرى وكان هذا الخادم قد ربى ابن عمها على كتفه وكان يحبه محبة شديدة فأعلمه بما وقع من حديثها مع الغلام سوسى بن سلنطور وهي تريد أن تجتمع به الليلة حتى تحلف له أنها ما تريد غيره‏.‏

قال فكتم يرغون أمره فلما جن الليل طلب عظماء جيشه وقال لهم‏:‏ اعلموا أني ما وليت عليكم إلا وقد علم المسيح أن عقلي أوفر من عقلكم‏.‏

قالوا‏:‏ أيها الصاحب أعلمنا بما تريد حتى نقبل قولك ونطيع أمرك‏.‏

قال‏:‏ يا قوم اعلموا أننا سائرون على غزة وعن قليل ترون الخيل تنوشنا والرماح تحوشنا قالوا‏:‏ وكيف ذلك قال‏:‏ لأن العرب لا تنام ولا ترام وقد عاد النصر إليهم واعلموا أن الملك شهرياض ليس بأعظم همة ولا أكثر جنودًا من هرقل ولا من ملوك الأرض وقد ملكت العرب دولتهم وأخذوا معاقلهم وأذلوا ملوكهم وأنا أعلم أن شهرياض لا ثبات له مع العرب يوم المصف وقد ملكت بلاده وهي‏:‏ حران والرها وسروج والبيرت والخابور وقد أخذوا ماردين وقلعة ماردين يعني قلعة المرأة وأخذوا أرسوس وابنته مارية وكأنكم بالعرب قد ملكت ديار شهرياض وعادت إليكم وملكت دياركم وسبت حريمكم واعلموا أن الحق مع العرب وأنهم إذا قالوا قولًا وفوا به ومن أسلم إليهم أمن على نفسه وأهله وماله سواء رجع إلى دينهم أو أقام على دينه واعلموا أن بقلبي النار من هذه الجارية طاريون وقد أرسلت إليها لتكون لي أهلًا وأكون لها بعلًا فأبت ذلك وهي تحب ابن ملك الغساسنة فإن تزوجت به وصاروا يدا واحدة أخذوا معاقلنا وملكوا حصوننا ولا يكون لنا معهم مقام وقد رأيت أنني في هذه الليلة أقبض عليها ثم إنه أخبرهم بما حدثه به الخادم‏.‏

قالوا‏:‏ أيها الملك إذا أخذتها فأي أرض تؤويك وأي حصن يحميك‏.‏

قال‏:‏ نقصد إلى عسكر العرب ونأخذ لنا منهم أمانًا‏.‏

قالوا‏:‏ إذا كنت عولت على ذلك فاعزم‏.‏

قال‏:‏ فخذوا على أنفسكم وتأهبوا للرحيل ففعلوا‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فلما جن الليل تزيا يرغون ابن عمها بزي الغلام سوسى وسار إلى سرادق الجارية فلما رأته ظنت أنه سوسى فوثبت إليه قائمة وسلمت عليه وصقعت له وكانت قد أبعدت الحرس عنها والغلمان والحجاب حتى لا يطلع أحد على سرها قال ثم إنها تحققت أنه ابن عمها فاستحيت منه ووجلت فلم يمكنها إلا أن تخدمه بأعظم خدمة‏.‏

فقال لها‏:‏ يا طاريون أظننت أني لا أقف على سرك ولا أبحث عن أمرك‏.‏

يا ويحك أي مناسبة بين الروم والأرمن حتى أنك ملت إلى ابن ملك الغساسنة وتركت مثلي ثم إنه مال عليها بشدته وقبض عليها وألقمها أكرة وكتفها وخرج بها إلى عسكره فوجد أصحابه قد لبسوا وركبوا ورموا المضارب وشالوا ثقلهم فلما وصل إليهم حملها على بغل وساروا ونظر أصحاب سوسى إلى رحيل يرغون فقال لهم‏:‏ أمهلوا أنتم بالرحيل إلى أن يطلع الفجر فإن هذا طريق ضيق تزدحم فيه الخيل والبغال قال ففعلوا ذلك وجد يرغون في السير فما أصبح إلا وهو على مرج السور فنزل هناك وأما الغلام سوسى فإنه لم يمض إلى الجارية ولا سأل عنها ولا سار إليها لأنه خاف أن يكون ذلك منها مكرًا به فتقبض عليه فلما أصبح أمر غلمانه بالرحيل وركب وأتى إلى سرادق الجارية طاريون فوجد قومها ينتظرون خروجها من سرادقها فدخل عليها خادمها وخرج وقال لهم‏:‏ إن الملكة ما كان من أمرها ولا سبب لغيبتها‏.‏

قال فماج أصحابه وأرادوا الرجوع فقال لهم صاحبها‏:‏ إن عدنا إلى الملك فلا نأمن أن يرمي رقابنا ويقول كيف غفلتم حتى أخذت ابنتي من بينكم وما عندكم خبر وما أخذ الملكة إلا يرغون ابن عمها لأن في قلبه شيئًا ثم إنهم ركبوا وجدوا في طلبه‏.‏

قال وإن يرغون لما نزل في مرج السور واستراح وهم بالمسير إذا بالقوم قد أشرفوا عليه وهم يزعقون‏:‏ يا ويلك اترك الملكة من يدك قبل حلول منيتك فاستقبلهم هو ومن معلى من بني عمه وأقاربه فعندها قال لبني عمه‏:‏ اعلموا أن العرب ما نصروا على أعدائهم إلا بالصدق في دينهم وقتالهم عن دين الله واعلموا أن هؤلاء القوم الذين طلبناهم لا يبخلون لا سيما إذا علموا أننا قصدناهم وأردناهم من غير قهر لكن من طريق العقل أن دينهم أفضل من ديننا لأنهم يشيرون إلى الله بالوحدانية ونحن نسجد للصلبان والصور ونقول إن للخالق زوجة وولدًا وهو واحد أحد فرد صمد وقد بلغني أنهم يقولون إنه من قتل منهم صار إلى الجنة ومن قتل منا صار إلى النار لأننا عندهم من الكفار فإن كنتم تريدون النصر على أعدائكم فأقروا الله بالوحدانية وقولوا‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله‏.‏

قال فأعلنوا بكلمة التوحيد فدوت من أصواتهم الجبال والتلال والرمال والشجر والحجر فلما سمع أعداء الله ما نطقوا به علموا أنهم دخلوا في دين الإسلام فتقدم سوسى وقد داروا بيرغون وأصحابه وقالوا له‏:‏ يا ويلك يا يرغون أما كفاك أن تكون غادرًا حتى تكون بدين النصرانية كافرًا‏.‏

أتظن أن برجوعك إلى دينهم ينصرونك علينا وأين العرب وما يصل صائحك إليهم إلا ونحن فرغنا منك‏.‏

وقتلناكم أشر قتلة عن آخركم‏.‏

فقولوا لمحمد ينصركم ثم إنهم حملوا على يرغون ومن معه فاستقبلوهم بنية صادقة وهمم متوافقة وأعلنوا بكلمة الحق والصلاة على سيد الخلق وبذلوا صوارمهم في العدا وأوردوهم شراب الردى وقصدوا نحو أعدائهم وطلبوا بجهادهم منازل الجنة وطفقوا الدنيا ثلاثًا وكانوا يمشون في ظلمات ثلاث فانقدحت نار شوقهم بزناد صدقهم فأحرق زرع الكفر ‏{‏فأصبح هشيمًا تذروه الرياح‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 45‏]‏‏.‏ فلما أضاءت لهم الأفكار ولاحت لهم لوائح الأنوار لم يجدوا من يشار إليه بالوحدانية ويوصف بالإلهية وينعت بالأزلية إلا الواحد القهار فركضوا في ميدان الاعتذار ونادوا بلسان الإقرار‏:‏ آمنا بالله الواحد القهار فلما سرحوا خواطر الأفتكار في أسرار الاعتبار‏.‏

قالوا‏:‏ كيف عبدنا سواه وما ثم لنا معبود إلا إياه فواخجلتنا إذا وقفنا بين يديه يوم العرض عليه فبأي عمل نلقاه وبأي بضاعة نقصد رضاه فأشار إليهم منادي الإيمان من القرآن ‏{‏وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا عسى الله أن يتوب عليهم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 102‏]‏ فلما رحلوا في عسكر الطاعة وخافوا من هول يوم الساعة وجعلوا رواحل رجائهم في ركب إقبالهم وساروا في موكب عزهم وجلالهم أشرقت شموس إسلامهم في ذلك استسلامهم وانقضت بازات أفراحهم من جو أتراحهم ومنادي جهادهم يناديهم‏:‏ يا أخيار ‏{‏سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 24‏]‏‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ودارت بهم الأوغاد وشرعوا نحوهم الصعاد وأشرف يرغون وأصحابه على الهلاك وإذ باب السور قد فتح وخرج منه مائة فارس كالليوث العوابس وقد رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير ونادوا‏:‏ يا من تعلقوا بكلمة التوحيد أبشروا بالنصر والتأييد ها نحن قد لبينا دعوتكم وخرجنا لنصرتكم وسوف نخلصكم من الأمر المهول فنحن أصحاب الرسول‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وكان هذا السور حصنا من الحصون وكان قد سلمه ميتًا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد أرسل عياض بن غنم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في مائة فارس ليأتوه بالميرة وكان فيهم المقداد بن الأسود وضرار بن الأزور وسعد بن غنيم الأسدي ومعمر بن ماجد السلمي وباري بن مزة الغنوي وهلال بن عامر الأنصاري وعيينة بن رافع الجهني وخضر بن يعشور الفزاري ومثل هؤلاء السادات رضي الله عنهم أجمعين فلما وصلوا إلى السور تلقاهم طالوت صاحب الحصن وأنزلهم وأكرمهم وأمر لهم بالطعام وأقاموا عنده ثلاثة أيام حتى جاء يرغون وكان من أمره ما كان فلما سمعوهم يكبرون قالوا‏:‏ هؤلاء قد دخلوا في ديننا وقد وجب علينا نصرتهم فخرجوا كما ذكرنا وحملوا على أعداء الله ونصروا يرغون ومن معه وانهزموا في الليل إلى مرج رغبان إلى الملك شهرياض فأخبروه بما جرى عليهم‏.‏

قال فأيقن بذهاب ملكه‏.‏

قال‏:‏ فلما أصبح يرغون أتى إلى الصحابة وشكر الله إذ نجاه ومن معه على أيديهم وقد أزدادوا إيمانًا وحدث الصحابة بما كان من أمرهم وسار معهم إلى عياض بن غنم فما جازوا على ماردين نزل إليهم ميتًا وكان قد بلغه ما جرى فسلم عليهم وهنأهم بالسلامة وقال ليرغون وأصحابه‏:‏ إن كنتم تريدون الثواب الجزيل من الملك الجليل فتمموا إسلامكم بما ألقيه عليكم‏.‏

فقال يرغون‏:‏ وكيف العمل قال ميتا‏:‏ انزل ههنا أنت ومن معك فإذا غربت الشمس فسيروا على بركة الله وعونه واقصدوا كفر توتا‏.‏

فإذا جئتم إليها ليلًا فقولوا لأهلها‏:‏ نحن قد وتجهنا الملك إليكم لحفظ المدينة‏.‏

فإذا صرتم داخلها فثوروا على اسم الله وبركة نبيه‏.‏

قال ففعل ذلك يرغون وجلس إلى أن جن الليل وارتحل بجيشه وثقله وودعوا الصحابة وساروا بالميرة وسار يرغون إلى أن وصل إلى كفر توتا وكان آخر الليل والفجر بدر فلما وصل إليها أمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بذكر شعارهم حتى لا ينكر عليهم القوم وجاءت الأثقال والبغال وسمع أهل كفر توتا ضجة العسكر فأشرفوا عليهم من أعلى السور وسألوهم من أنتم‏.‏

قالوا‏:‏ نحن من عسكر الملك شهرياض وقد بعثنا لنكون عونًا لكم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وأعجب ما في هذه القصة أن الملك شهرياض قد بعث إليهم يعرفهم أني مرسل إليكم جيشًا مع الحاجب فإذا وصلوا إليكم فافتحوا لهم الباب فإن العرب في آثارهم‏.‏

قال فلما وصل إليهم يرغون ومن معه وقالوا لهم نحن من عسكر الملك فتحوا لهم ودخلوا ولم يتكلم حتى أنه نزل في دار الإمارة فلما استقر به الجلوس وثق من الأبواب وصعد إلى السور وقال لأهل البلد‏:‏ استريحوا لأن الملك قد وصاني بالحرس على البلد فقالوا‏:‏ أيها السيد إن كتاب الملك قد جاءنا بغير ما قلته بأن لا يتولى حفظ البلد إلا الحاجب‏.‏

قال فلما سمع يرغون قولهم علم أن الملك يريد أن يرسل لهم جيشًا فقال لهم‏:‏ انصرفوا إلى منازلكم وإياكم أن يظهر منكم أحد في الليل فإني إن وقعت بأحد منكم قتلته قال فانصرفوا ولم يبق عنده سوى الوالي الذي كان من قبل توتا هو وغلمانه فقبض عليهم يرغون وضرب رقابهم وتركهم في بعض الأبراج المهجورة وقال لأصحابه‏:‏ كونوا على حذر فإن شهرياض يريد أن يرسل جيشًا إلى هذه المدينة فإذا رأيتموهم قد وصلوا فانزلوا وافتحوا لهم درقة الباب الواحدة وكلما دخل فارس فأبعدوا به عن الباب وأنزلوه عن فرسه وخذوا عدته وكتفوه وألقوه في البرج‏.‏

قال فبينما هو يوصيهم إذ وصل الجيش وهم ألف فارس والمقدم عليهم صاحب الملك الكبير فصاحوا عليهم‏:‏ افتحوا لجيش الملك فتبادرت أصحاب يرغون ففتحوا درقة الباب الواحدة وقالوا‏:‏ لا نمكن أحد يدخل إلا واحدًا واحدا مخافة من يوقنا وأصحابه فإنا نخاف أن يدخلوا في جملتكم فبقي كلما دخل فارس رجلوه بعد أن يبعدوا به عن الباب ويأخذوا سلاحه وجواده ويكتفوه إلى أن أدخلوا الألف والحاجب بعدهم فلما اجتمعوا نادوا بأعلى أصواتهم الله أكبر الله أكبر فتح الله ونصر وجاءنا بالظفر‏.‏

قال فارتج كفر توتا ووقع الرعب في قلوب أهلها وعلموا أنهم ملكوا بلدهم فلم يجسر أحد منهم أن يظهر في المدينة ومن ظهر قتل فلما أصبح طلب يرغون أكابر البلد ومشايخها وبطارقتها فلما حصروا قبض عليهم وأنفذ إلى عياض بن غنم يعلمه بما صنع فلما وصلت إليه الرسالة سجد لله شكرًا وكان عبد الرحمن بن أبي بكر وأصحابه لما وصلوا بالميرة أخبروا المسلمين والأمير بما وقع وأن يرغون مضى إلى كفر توتا فكان منتظرًا لما يأتي إليه من خبره فلما جاء الخبر بالفتح حمد الله تعالى وتفاءل بالنصر‏.‏

قال الواقدي‏:‏ قال عياض بن غنم للصحابة‏:‏ اركبوا ودونكم والقوم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأمر خالد بن الوليد أن يكون بأصحابه في الميمنة من القوم وأمر عمر بن سالم أن يكون على يسار القوم وقال لهم‏:‏ لا تخرجوا حتى تشب نار الحرب وتشتغل بالطعن والضرب فاحملوا واعتمدوا على السيوف فإنها أقرب للحتوف وليكن شعاركم التهليل والتكبير واقطعوا أجل أمنيتكم من الحياة الفانية وارغبوا في العيشة الراضية وإياكم والميل إلى دار الغرور فإنها محل النوائب والثبور ‏{‏فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 33‏]‏‏.‏ وقفوا بهممكم وقوف قوم غذوا بحلاوة وصاله فصانوا أمرهم بالوقوف على طاعته فهاموا وتجردوا في الليل لخدمته وقاموا فأثنى عليهم إذ بحبه هاموا ‏{‏إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏30‏]‏‏.‏ قال فسار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو الجهات التي ذكرنا وزحف الموحدون ونشرت الرايات والبنود وتواعدوا على اللقاء في اليوم الموعود وقالوا‏:‏ إلهنا ما لنا سواك من نصير فأنت ‏{‏نعم المولى ونعم النصير‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 40‏]‏ قال‏:‏ ووقع الصائح في عسكر الروم أن المسلمين قد زحفوا وأشرفوا‏.‏

قال فتبادروا إلى القتال وتمسكوا بقول المحال ولبسوا وتفرعوا وعن الآخرة نزعوا وإلى الصليب تضرعوا ورفعوا رايات الطغيان وتلت عليهم الإنجيل القساوسة والرهبان‏.‏

وفتحت لهم أبواب النيران عندما أشركوا بالرحمن وصار على جيشهم من الكفر شبه الدخان وصار إمامهم الشيطان وعلا منهم الضجيج ووقعوا في أمر مريج فلما نظر المسلمون إلى كثرة من اجتمع من قومهم استسلموا لحكم القضا وقالوا‏:‏ نرضى بما قدر وقضى فنودوا من سرائرهم قد اشترينا منكم النفوس فاصبروا لحكم الملك القدوس ولا تولوا الأدبار فقد سبق الحكم وانبرى وخط القلم في اللوح وجرى وكتب بأمر الله ‏{‏إن الله اشترى‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 11‏]‏ قالوا‏:‏ ما الذي اشتراه من له المنة قال‏:‏ ‏{‏أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 111‏]‏‏.‏

فقالوا‏:‏ نحن نريد التسليم لنصل إلى جنان النعيم‏.‏

فقيل لهم‏:‏ انهضوا إلى سوق المبيع فقد هبت بشائر الربيع وتجلى لقبض أرواحكم البصير السميع فسبحوه وسجدوا ورفعوا أصواتهم بتوحيده ومجدوا فلما أيقنوا بالوصال طلع لهم سهيل الحل وأزهرت شجرة الأحوال واستدار لهم رقيبه في فلك التيسير وناداهم ‏{‏إني بما تعملون عليم‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 51‏]‏ فلما سمعوا منادي الأفكار يناديهم بالعشي والأبكار بذلوا نفوسهم وأرضوا قدوسهم وجاهدوا واجتهدوا وحملوا واقتصدوا ونهلوا من نهر الشهادة ووردوا ولم يزالوا في حرب الأعادي وموارد الاجتهاد في مغاني ميادين الجهاد حتى خرجت الكمناء وهبت عواصف رياح الفناء فدمر ما كان شيده الكفار من البناء وانتشرت أستار ما أملوه من الأماني والمني فقتلت بينهم الصناديد وأصبحوا صرعى على وجه الصعيد وناداهم منادي التهديد ‏{‏إن عذابي لشديد} ‏[‏إبراهيم:7‏] {وما هي من الظالمين ببعيد}‏ ‏[‏هود‏:‏ 83‏]‏ ولم يزالوا في قتال الكفار إلى أن مضى النهار وأقبل الليل بالأستار والمسلمون يقولون‏:‏ يا ليتنا دام لنا النهار ولا غلبتنا جيوش الأعتكار وإذ قد ظهر لهم على أطناب سرادق القتال ولا الليل سابق النهار قال فلما مضى الليل بغياهبه وأقبل الصباح بجانبه بادروا إلى الحرب والطعن والضرب ولم يمهل بعضهم بعضًا دون أن وقعت الحملة على المسلمين فانهزم الجناح الأيمن وكان فيه أخلاط العرب‏.‏

قال وانهزمت ميسرة العدو ووقع فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل القتال فيهم إلى أن غلبهم الليل فانفصلوا فلما كان اليوم الثالث تولى الحرب خالد بن الوليد ورتب الناس ترتيبًا جيدًا وجعل في الميمنة باهلة وطبا وجعل في الميسرة عديًا ونميرا وفزارة وفي الجناحين كندة وعاملة ومرة وفي القلب أبطال الأنصار من ذوي الشدة والانتصار وجعل راية الميمنة بيد عامر بن سراقة وراية الميسرة بيد ضرار بن الأزور وراية الجناح الأيمن بيد عبد الرحمن الأشتر وراية القلب بيد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فلما رتبهم قال لهم‏:‏ اتقوا الله الذي إليه مصيركم واعلموا أنه متكفل بتأييدكم ونصركم وإياكم أن يؤتي المسلمون من قبلكم واتبعوا سنن الذين فتحوا الشام من قبلكم فمن ولى الأدبار كان مأواه النار وغضب عليه الجبار واعلموا أن الله فرض عليكم الجهاد وقتل الأعداء واعلموا أن الأحب إلى الله تعالى جل جلاله قطرتان‏.‏

قطرة دم جرت في سبيل الله وقطرة دمع جرت من خشية الله وهذا اليوم له من الأجر ما لا يعد فاتقوا الله عباد الله واثبتوا في هذه المواطن كما ثبتم في المواطن الكبار وإياكم والفشل فتذهب ريحكم وقوموا شريعة نبيكم واعلموا ‏{‏إن الله مع الصابرين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 153‏]‏ و ‏{‏لا يضيع أجر المحسنين‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 120‏]‏‏.‏ وها أنا أنفرد بجماعة من إخوانكم إلى صليب القوم ولست براجع إلا بحطم من حوله من الكفرة والمشركين‏.‏

قال جل ذكره‏:‏ ‏{‏وكان حقًا علينا نصر المؤمنين‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 47‏]‏ فإذا رأيتم صليب القوم قد هوى إلى الأرض فاحملوا ولا تمهلوا‏.‏

قال فلما وعظهم خالد رتب كل صاحب راية في موضعه وانتخب من انتخب من أبطال المسلمين وقال للناس‏:‏ إذا رأيتم الصليب قد وقع فاحملوا والله ينصركم وحمل هو ومن معه وقصدوا لواء شهرياض الأعظم فما ردهم عن حملتهم كثرة العساكر‏.

قال الواقدي

‏:‏ ولقد بلغني ممن أثق به أنهم لما حملوا طحطحوا العساكر وزعزعوا الدساكر وأزالوا الأبطال عن مراكزها والبطاركة عن مراتبها وما اعتمدوا إلا على السيوف واستقبلوا بها الصفوف فلما رأى شهرياض فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى التاج عن رأسه وزعق بالبطارقة والأراجية والقياصرة وقال‏:‏ يا معشر الروم من بني الأصفر اعلموا أنه ما بين ذهاب دولتكم إلا هذا اليوم فإما أن تقاتلوا عن دينكم وحريمكم وملككم وذراريكم وأولادكم وإلا أخذت منكم فإياكم أن تولوا الأدبار فمن تولى غضب عليه المسيح وأدخله النار‏.‏

قال الراوي‏:‏ وبلغني أنه في ذلك اليوم وصل إليهم بتركهم الكبير المشار إليه في دينهم ومعه كل قس وشماس ورهبان بأرض الجزيرة جاء ليحرض الروم على القتال وكان هذا البترك اسمه دين الديروم وكان يسكن بدير يقال له دير قرقوت وأنهم وصلوا قبل أن يحمل المسلمون فوعظهم بين الصفوف وقال‏:‏ من انهزم منكم حرمته فلا يقبله المسيح أبدًا ثم انفصل من القوم هو ومن معه وعلوا على رابية تشرف على القوم ورفعوا الصلبان وفتحوا الأناجيل وأشركوا بالملك الجليل‏.‏

فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طارق
لاعب ذهبى
لاعب ذهبى



اسم العضو : طارق محمد حشيش
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 299
تاريخ الميلاد : 20/09/1965
تاريخ التسجيل : 30/05/2011
العمر : 58
المزاج رايق

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالجمعة يوليو 29, 2011 11:51 am


الفرما وقرقيسيا

قال هلال‏:‏ من أين قالوا‏:‏ من أصحاب القلعة المسماة الفرماء‏. قال‏:‏ وأين هي قالوا‏:‏ على جانب بحيرة تنيس مما يلي شرقها وفيهم أقوام وعليهم الصامت بن مرة من آل مرداس فلما سمع هلال بن أوس ذلك مضى إليها بجميع من معه فلما وصلوا إليها أشرف عليهم الصامت بن مرة وأمر أصحابه أن يرموهم وكان بها ألف رجل وغالبهم رماة النبل فرموا عن قوس واحد ألف سهم فسمعتها العرب من الفرماء فأقام عليها هلال بن أوس عشرين يومًا فلم يقدر عليها فبعث إلى عمرو يعلمه بما وقع ويستنجده فأرسل إليه المقداد بن الأسود الكندي في خمسمائة من عسكر الإسلام وأرسل معه ثلاثة آلاف ممن أسلم من القبط‏.

فتح قرقيسيا

ولما ملك عبد الله بن غسان القلعة الغربية حين سلمها إليه شرجون بأمر يوقنا وترك يوقنا العرب وهرب إلى قرقيسيا دلهم الراهب شرجون على الطريق نحو السرب إلى القلعة الشرقية فملكوها واحتووا على ما كان لأشفكياص فيها وبعثوا إلى عياض بن غنم وأرسلوا يعلمونه في السر بما صنع يوقنا فدعا له المسلمون وشكروه وأرسل يقول لعبد الله بن غسان ولسهل بن عدي‏:‏ احتفظا على ما في القعلة الثانية ولا تأخذا منها قيمة الدرهم الواحد حتى يسلمه يوقنا لبنته واتركا في القلعة من يحفظها واطلبا قرقيسيا وأنزلا عليها والسلام‏.‏

قال فلما وصل الكتاب إليهما فعلا ما أمرهما به عياض ووليا على القلعة الغربية الأحوص بن عامر ومعه مائة فارس وعلى الشرقية زياد بن الأسود في مائة فارس ومضى عبد الله بن سهل إلى قرقيسيا فحال بينهم وبين الفرات فدلهم بعض سكان تلك الأرض على المخاضة فعبروا في الليل وأصبحوا على أرض واحدة مع أعداء الله وأرسلوا إلى ماجن والمحولة والبديل والصور وبعثوا إليهم الأمان وأقروهم في منازلهم وقالوا‏:‏ إن كانت لنا فقد أحسنا فيكم الصنيع وإن كانت علينا انصرفنا عنكم مشكورين على عدلنا فيكم‏.‏

قال‏:‏ فأجاب القوم إلى ذلك وباعوا عليهم الميرة‏.‏

قال‏:‏ حدثنا هلال بن عاصم عن يحيى بن جبير عن سوار بن زيد قال‏:‏ لما بعث عبد الله بن غسان إلى أهل تلك القرى وطيب قلوبهم بعث بعد أيام سهل بن إساف التميمي وكان من الصحابة الأول ومعه مائة من المسلمين ليأتوهم بالطعام والعلوفة من ناحية ماسكين فسار سهل ومن معه فلما وصلوا إلى السمسانية شن عليها الغارة واستاق أموالها فخرج عليه نوفل بن مازن في خمسمائة فارس واستخلصوا منهم ما أخذوه ووقع بينهم القتال فحملوا بأسرار صافية ونيات سامية وأفعال نامية وقلوب تنزهت بالإيمان وألسنة تنطق بذكر الرحمن ولم يزالوا في قتال إلى أن قتل من المسلمين ثلاثون وانهزم سبعة وأربعون وأسر سبعة وعشرون من جملتهم سهل بن إساف بن عدي وحدثوا أصحابهم بما كان من المتنصرة ومنهم فعظم ذلك عليهم‏.‏


قال الراوي‏:‏ حدثني نوفل بن عامر عن سالف بن عاصم عن سالم عن الدوسي قال‏:‏ كنت مع سهل بن إساف حين قدمنا على السمسانية وخرج علينا نوفل بن مازن فقال‏:‏ والله لقد قاتلنا قتالًا شديدًا ما شهدنا مثله حتى كان من أمر الهزيمة ما كان‏.‏

قال سالم بن عبد الله‏:‏ لما أسرهم نوفل بن مازن شدهم في الحبال وقرن بعضهم إلى بعض ورجلهم عن خيولهم وسار بهم يطلب رأس العين فأخبروه أن الملك شهرياض على مرج الطير من جانب النقب فقصد إليه ومعه من بني عمه أربعون رجلًا وساقوا أصحاب رسول الله إلى أن أوقفوهم بين يديه وحدثوه بأمرهم فأمر بضرب رقابهم وكان آخر من بقي أميرهم سهل بن إساف وكان أحسن الرجال وجهًا قال فشفع فيه بعض البطارقة فوهبه له وكان ذلك البطريق أسمه توتا بن لورك وهو صاحب كفر توتا فأخذه وأتى به إلى قصره في كفر توتا‏.‏

قال فنظرت إليه ابنته فسألت أباها عنه‏.‏

فقال‏:‏ أي بنية إن المسيح قد طرح رحمة هذا الشاب في قلبي فسألت الملك فيه فوهبه لي فخذيه إليك فأخذته وأدخلته في بستان‏.‏

قال فلما كان بعض الأيام دخلت البستان فنظرت إلى سهل بن إساف وهو يقرأ ‏{‏محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 9‏]‏ فلما سمعت قراءته أخذت بمجامع قلبها‏.‏

فقالت‏:‏ ما أفصح هذا الكلام وأطيبه وألينه للأفهام‏.‏

فقال لها‏:‏ هذا كلام الملك العلام الذي أنزله على سيد الأنام‏.‏

فقالت الجارية‏:‏ أما محمد فهو نبيكم لا محالة فيه فمن هؤلاء الذين قال فيهم ‏{‏والذين معه‏}‏‏.‏

قال‏:‏ هو صاحبه ووزيره أبو بكر الصديق رضي الله عنهم‏.‏

‏{‏أشداء على الكفار‏}‏ هو صاحب هذه الفتوح ومجهز هذه الجيوش عمر بن الخطاب ‏{‏رحماء بينهم‏}‏ هو كاتبه وصهره عثمان بن عفان ‏{‏تراهم ركعًا سجدًا‏}‏ هو أخوه وابن عمه وصاحب سيفه علي بن أبي طالب‏.‏

فقالت له الجارية وكان اسمها أبريتا وكانت تكتب بقلم التوراة والإنجيل وتتكلم بكلام العرب وكثيرًا ما كانت تسأل علماء دينهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعطيها أحد منهم خبرًا حتى وقع بيدها سهل بن إساف‏.‏

فقالت من هؤلاء الذين ذكرت‏.‏

قال‏:‏ هم الذين قالوا وصدقوا وقاتلوا فحققوا وركبوا نجب السوابق فوقفوا وساروا في بادية الطلب فلم يرفقوا وكلما لاح لهم علم الأفاضل تشوقوا ونودوا في سرائرهم رجال صدقوا ثم أنشد يقول‏:‏ رجال من الأحباب تاهت نفوسهم ينادونه خوفًا ويدعونه قصدا وقاموا بليل والظلام مغلس إلى منزل الأحباب فاستعملوا الكدا يحثون حث الشوق نحو مليكهم وقصدهم الفردوس كي يرزقوا الخلدا أولئك قوم في العبادة أخلصوا فتاهوا به شوقًا وماتوا به وجدا فقالت له الجارية‏:‏ لقد سمعت من نيسا راهب دير قنا أن الله ينشر دعوة نبيكم في المشرق والمغرب ويملك المشرق والمغرب وأنهم يفضلونه على الآباء والأمهات والأخوة والأخوات وأنهم بعد موته يسيرون إليه وإذ ذكر يكثرون الصلاة عليه‏.‏

فقال لها سهل بن إساف‏:‏ أما علمت أنه كان في حياته يدعو لهم ويستغفر لهم ولمن دخل في دينه وأقر به ولقد كانت زوجته عائشة رضي الله عنها تقول‏:‏ كانت ليلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مضى الثلث الاول منها والفلك يدور بالنجوم والسماء تزهر بالكواكب والمردة تحرق بالشهب الثواقب وسرادق الله قد مد جناحه وأحال الظلام بادلهامه فبينما أنا في وادي الوتين ساكنة وبجانبي أفضل مرسل وأكرم من ابتهل وتوسل وإذا به قط قبضني وبكلامه الشريف أيقظني وهو يقول‏:‏ أيتها العين المكتحلة بعين السبات الغافلة عن موارد الهبات هبي من منامك وأعملي ليوم حمامك فقد قام أولو الألباب ومرغوا خدودهم على الأعتاب وفي التراب‏.‏

قالت‏:‏ فقمت معه للخدمة ووقفنا نشفع للأمة إلى أن برق بارق الصباح وانفقل فلق الإصباح فقال هلمي للصلاة والاستغفار وطلب العفو من العزيز الغفار قالت‏:‏ فوافقته على ما أراد وبلغنا القصد والمراد فلما سكت من تسبيحه وفاح ريحه رأيته وهو يتنفس ويقرع بسبابته جوهر سنه فقلت يا سيد الوجود و وطيب الآباء والجدود إن العرب لا تقرع سنها إلا لأمر مهم أو لشأن ملم‏.‏

قال‏:‏ ذكرت حال العصاة من أمتي والمخلصين في محبتي وذكرت قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين‏}‏ ‏[‏هود 119‏]‏‏.‏ فقلت يا رسول الله‏:‏ أما أنزل عليك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 2‏]‏ فوالله ليغفرن لك ولأمتك لقوله‏:‏ ‏{‏ولسوف يعطيك ربك فترضى‏}‏ ‏[‏الضحى‏:‏ 5‏]‏‏.‏ أنت الذي خلقت السموات والأرضين والعرش والكرسي من أنوارك وأنت الذي ربط براق القرب ببابك أنت الذي اخترقت معالم الملكوت وحملت إلى حضرة القرب والجبروت وأنت الذي أوتيت ليلة القدر وأنت صاحب البطحاء والحرم ولانت لك الأحجار وسلمت عليك الأشجار وانشق لك القمر ليلة الإبدار وأنزل عليك ‏{‏يا أيها النبي جاهد الكفار‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 73‏]‏‏.‏ أنت صاحب عرفات ومنى والمخصوص بالشكر والثنا وسوف يبلغك الله من أمتك المنى أما وعدك الله المقام المحمود واللواء المعقود والحوض المورود والكرم والجود وسرادق السعود على أمتك ممدود وسحاب التوفيق عليهم يجود ولواء أصحابك بجواهر قبولك منضود وعليه مرقوم عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا فكيف تخاف على أمتك نزول البأس وقد فضلوا على سائر الناس بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 110‏]‏‏.‏ يا سيدي أنت تعلم أن أباك آدم تشفع بك فتاب الله عليه ونوح سأل بك فنجاه الله من الغرق وإبراهيم مع علو قدره بك أنجاه الله من النار والحرف وموسى مع تقربه ومكانته بك سأل ربه أن يشرح صدره وييسر أمره‏.‏

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالجمعة يوليو 29, 2011 7:33 pm


قال الراوي‏:‏ وما ذكر سهل للجارية هذه المناقب إلا لأن ترجع إلى دين الإسلام‏.‏

قال فلما سمعت كلامه قالت‏:‏ فما جزاء من يدخل في دينه ويقول بقوله‏.‏

فقال‏:‏ يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وتمحى عنه سيئاته ويكون جزاؤه الرضوان في الجنان ثم قرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا‏}‏ ‏[‏النساء 110‏]‏‏.‏ فلما سمعت الجارية اخترقت معالم الملكوت وحملت إلى حضرة القرب والجبروت وأنت الذي أوتيت ليلة القدر وأنت صاحب البطحاء والحرم ولانت لك الأحجار وسلمت عليك الأشجار وانشق لك القمر ليلة الإبدار وأنزل عليك ‏{‏يا أيها النبي جاهد الكفار‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 73‏]‏‏.‏ أنت صاحب عرفات ومنى والمخصوص بالشكر والثنا وسوف يبلغك الله من أمتك المنى أما وعدك الله المقام المحمود واللواء المعقود والحوض المورود والكرم والجود وسرادق السعود على أمتك ممدود وسحاب التوفيق عليهم يجود ولواء أصحابك بجواهر قبولك منضود وعليه مرقوم عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا فكيف تخاف على أمتك نزول البأس وقد فضلوا على سائر الناس بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 110‏]‏ يا سيدي أنت تعلم أن أباك آدم تشفع بك فتاب الله عليه ونوح سأل بك فنجاه الله من الغرق وإبراهيم مع علو قدره بك أنجاه الله من النار والحرف وموسى مع تقربه ومكانته بك سأل ربه أن يشرح صدره وييسر أمره‏.‏

قال الراوي‏:‏ وما ذكر سهل للجارية هذه المناقب إلا لأن ترجع إلى دين الإسلام‏.‏

قال فلما سمعت كلامه قالت‏:‏ فما جزاء من يدخل في دينه ويقول بقوله‏.‏

فقال‏:‏ يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وتمحى عنه سيئاته ويكون جزاؤه الرضوان في الجنان ثم قرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا‏}‏ ‏[‏النساء 110‏]‏‏.‏ فلما سمعت الجارية ما تكلم به سهل وقع بقلبها وصغت إليه بلبها وقالت‏:‏ أنا أشهد أن لا إنه إلا الله وحده لا شريك له وإن محمدًا عبده ورسوله ففرح سهل بإسلامها‏.‏

فقالت له اكتم أمرك إلى الليل حتى أخلصك وأسير معك إلى عسكر الإسلام‏.‏

قال الراوي‏:‏ حدثنا صاعد بن عدي النميري عن أبيه أنه سمعه وهو يحدث الناس بالمدينة وقد أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأموال رأس العين وخزائن الملك شهرياض‏.‏

قال‏:‏ وإن الجارية مضت واستدعت بجواريها وأخذت من مال أبيها ألف دينار فلما جن الليل فتحت باب السر بعدما تجسست فرأت كل من في قصر أبيها نيامًا فأتت إلى سهل وحلته من وثاقه وقالت له‏:‏ قم على اسم الله وبركة نبيه فقام سهل بن إساف إلى الباب وأعطته لامة حرب ولبست هي مثلها وخرجا من الباب وإذا هما بجوادين فركبا وخرجا وسارا مقدار فرسخين عن كفرتوتا وإذا هم بحس الخيل وراءهم فقالت‏:‏ إن كانوا من الروم فعلي مخاطبتهم وإن كانوا من العرب المتنصرة فعليك مخاطبتهم قال‏:‏ فوقفوا غير كثير وإذا بالقوم عدتهم ثلاثة وعشرون فارسًا وعليهم ثياب خضر وهم على خيول شهب قال‏:‏ تأملهم سهل وإذا هم أصحابه الذين قتلوا بحضرة الملك قال فدنا منهم سهل وسلم عليهم وقال‏:‏ سبحان الله ألم أشاهد قتلكم‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

أما علمت أن الشهداء أحياء لا يموتون وإنما هي نقلة من دار إلى دار وأن الله قد بعث بأرواح الشهداء في هذه الليلة لتزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تلك الليلة ليلة النصف من شعبان‏.‏

فقال لهم‏:‏ أريد المسير معكم وفي صحبتكم قالوا‏:‏ إنك لا تقدر على ذلك وقد بقي من عمرك إحدى وأربعون ليلة وتلحق بنا‏.‏

وأما هذه الجارية فقد أعد الله لها في الجنة ما أعد لأوليائه وقد بنى لها قصرًا عن الجوهر والياقوت الأحمر على شاطئ نهر الكوثر ستوره معلقة وبالأنوار مرونقة وقبابه مزوقة وأسرته موصولة وفرشه مرفوعة وأباريقه مصفوفة وزواياه محفوفة وحلله منسوجة وحواشيه بحسن الوفاء مسروجة على أبوابه مكتوب بقلم السر المكنون ‏{‏ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 32‏]‏‏.‏ فلما سمعت الجارية قولهم قالت‏:‏ فبم استوجبت هذا النعيم قالوا‏:‏ بتوحيدك الرب العظيم وتصديقك النبي الكريم‏.‏

قال‏:‏ فصاحت صيحة فإذا هي ميتة قال سهل‏:‏ فنزلت فدفنتها وغاب الشهداء عني وسرت إلى المسلمين فحدثت عبد الله بن غسان وسهل بن عدي بذلك فازداد المسلمون يقينًا بذلك وعاش سهل بعدها أحدًا وأربعين يومًا ومات‏.‏

حدثنا صفوان بن عامر عن خويلد بن ماجد عن عبد الرحمن بن النعمان عمن حدثه عن فتوح الشام وأرض ربيعة الفرس‏.‏

قال لما نزل عسكر المسلمين على قرقيسيا مع عبد الله وسهل قال‏:‏ خندق المسلمون على أنفسهم خندقًا وتركوا لهم موضعًا يدخلون منه ويخرجون‏.‏

قال واتصلت الأخبار بعياض بن غنم وهو بجانب الرقة وهو يتروى فيمن يبدأ بحربه بشهرياض وجنوده أو بحران والرها‏.‏

فقال له خالد بن الوليد رضي الله عنه‏:‏ أتترك جيشًا قد تهيأ واحتفل لقتالك وتمضي لسواه والرأي أن تلقى هذا العدو‏.‏

فإذا أنت هزمته وأوقعت الهيبة هنا فاقصد ما شئت من البلاد فإنها تفتح إن شاء الله تعالى‏.‏

قال‏:‏ فعول عياض على ذلك وإذا قد أتته جواسيسه وأخبروه أنه قد تهيأ لحربكم الملك شهرياض ونوفل وطرباطس صاحب دارا والمؤزر وصاحب جملين وأرمانوس صاحب تل سماوي وأرجو وصاحب البارعية وشهرياض صاحب ماردين ورودس صاحب حران والرها وقد صارت جريدتهم مائتي ألف وقد ضمنوا للملك لقاءكم وقالوا‏:‏ لا نلقى العدو إلا بأهالينا وأولادنا وأموالنا وحريمنا حتى لا ينهزم منا أحد وقد تقدم إليكم الأرمن وبعدهم الروم وهم دون الفرات فلما سمع عياض ذلك بعث إليهم الوليد بن عقبة ووصاه بما أراد قال فقدم على بني تغلب وجمع أمراءهم وهم نوفل بن مازن وعاصم والأشجع وميسرة وحزام وقارب وقال‏:‏ يا فتيان العرب اعلموا أن من نظر في العواقب أمن من المعاطب وليس أنتم أحد سننا ولا أقوى جنانًا ولا أجرأ في الجولان ولا أوسع ميدانًا من بني غسان وليس فيكم من يشبه جبلة بن الأيهم وكان في ستين ألفًا وقد نصرنا الله عليهم وقتلنا ساداتها والصواب أن ترجعوا إلينا وتكونوا من حزبنا‏.‏

قال فأجابوه بأجمعهم إلا طائفة إياد الشمطاء فإنهم ارتحلوا إلى بلاد الروم ووصل عرب بني تغلب إلى جيش بن غنم مسلمهم وكافرهم فرحب بهم وطيب قلوبهم وقال لهم‏:‏ يا معاشر العرب إن الله سبحانه وتعالى قد أراد بكم خيرًا بوصولكم إلينا ونزوعكم عن عبدة الصليب وقد أراكم الله إعزاز دينه وشرف نبيه وقد وعدنا ووعده الحق بملك كسرى وقيصر وأخذ كنوزهما وما كان ينطق عن الهوى وقال الله في حقنا‏:‏ ‏{‏ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 105‏]‏‏.‏ قال فأسلم كافرهم وبقوا جميعهم مسلمين‏.‏

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** Empty
مُساهمةموضوع: رد: فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**   فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر** I_icon_minitimeالجمعة يوليو 29, 2011 7:34 pm


تابــــــــــــــــع فتح قرقيسيا

قال الراوي‏:‏ أخبرنا سيف عن خالد بن سعيد قال‏:‏ لما علم عياض بهروب إياد الشمطاء إلى بلاد الروم كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فأرسل عمر رضي الله عنه إلى هرقل وولده قسطنطين يقول لهم‏:‏ إن لم تصرفوهم عن أرضكم لأفنين كل نصراني عندنا‏.‏

قال الراوي‏:‏ فلما وصلت رسالة عمر إلى هرقل وولده أنفذ بهم إليه‏.‏

قال وعزم عياض على لقاء الملك شهرياض‏.‏

وأما ما كان من شهرياض صاحب قرقيسيا فإنه جمع بطارقته وقال لهم‏:‏ اعلموا أنه قد بلغني عمن تقدم من الملوك أنهم كانوا يجيشون الجيوش ولا يستغنون عن الحيل وأنا أريد في غداة غد أن أخرج إلى لقاء العرب‏.‏

فإذا اصطفت الصفوف فرجلوني عن جوادي وأشهروا علي سلاحكم كأنكم تريدون قتلي فأقول لكم‏:‏ أنا معتذر إنما أردت أن أجرب خبر حميتكم لدينكم وظننت أنه قد أخذكم الخوف من هؤلاء فإذا سمعتم مني ذلك فأرجعوني إلى إجلالي وإعظامي ثم ناوشوهم الحرب فأهرب أنا إليهم وأقول لهم إني أردت أن أسلمكم البلد فهاش القوم علي كما رأيتم وهموا بقتلي وقد جئت إليكم راغبًا في صحبتكم فإذا أفنوني وغفلوا عني قتلت أميرهم في الليل وأنا أعلم أن القوم بعده يهون علي أمرهم ثم أعول على انهزامهم فقال له وزيره الأرمني‏:‏ وكيف تسمح بنفسك وتلقيها في أضيق المسالك وإن أنت فعلت ذلك لا نأمن عليك من العرب ويعتبنا خالك ويقول لنا كيف تركتموه يمضي إلى العرب‏.‏

فقال عبد الله يوقنا‏:‏ لقد صدق السيد في قوله وكيف نتركك تمضي إليهم وأنا أدبر لك مع هؤلاء القوم تدبيرًا يكون أقرب من هذا وأهون‏.‏

فقال شهرياض والوزير الأرمني‏:‏ وما هذا التدبير أيها الملك‏.‏

قال‏:‏ أن نخرج غدا بأجمعنا ونلقاهم ونريهم الجد من أنفسنا ونقاتل بحسب الطاقة ثم ننهزم إلى المدينة ونستوثق من أبوابها ونصعد على السور فربما قربوا منا فلا نقاتل‏.‏

فإذا فعلنا ذلك طمعت العرب فينا ودنوا منا واعلموا أن في عسكرهم جماعة من الروم ممن صبأ إلى دينهم فربما قربوا منا فإذا أرادوا ذلك كتبنا إليهم نطيب قلوبهم ونرسل رسولًا في طلب الصلح ونقول‏:‏ أرسلوا إلينا عشرة من عقلائكم حتى نرى ما تريدون منا ولعلنا نعقد معكم صلحًا فإذا فعلوا ذلك وحصلوا عندنا قبضنا عليهم ونشهر سيوفنا عليهم ونقول لهم‏:‏ إما أن ترحلوا عنا وإلا ضربنا رقابهم فإن القوم إذا أرادوا الجد منا طلبوا صلحنا بأصحابهم ورحلوا عنا والعرب إذا قالوا قولًا وفوا به فإن هزموا الملك شهرياض واحتووا على بلاده دخلنا بعدها تحت طاعتهم وارتحلنا عنهم إلى بلاد الروم‏.‏

قال‏:‏ وإنما أراد يوقنا بهذا الكلام أمرين‏:‏ أحدهما أن يبرأ عندهم من التهمة حتى يطمئنوا إليه‏.‏

والثاني أن يحصل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة في المدينة فيحتال أن يكونوا تحت يده ليثور بهم فيملك بهم المدينة‏.‏

فقال له وزيره الأرمني‏:‏ وإن كان العرب يبعثون إلينا صعاليكهم أو مواليهم فنقبض عليهم ونعدهم بالقتل فلا يلتفتون إلى ذلك ويقع الجد منهم في قتالنا ولا يرحلون عنا فكيف تصنع‏.‏

قال‏:‏ فأراهم يوقنا أنه غضب وحول وجهه وقال‏:‏ وحق المسيح لقد دخل رعب القوم في قلوبكم ولن تفلحوا بعدها أبدًا وحق ما أعتقده لقد قاتلتهم في قلعتي بحلب قتالًا سارت به الركبان إلى سائر البلدان مدة سنة كاملة ولولا أن عبدًا أسود من عبيدهم اسمه دامس أبو الهول وعشرين معه نصبوا حيلة علي ملكوا قلعتي لما قدروا عليها أبدًا وكانوا قد نزلوا علي بجميع عسكرهم وأبطالهم فكيف بكم وما نزل عليكم إلا شرذمة يسيرة وبلدكم حصين ليس عليه قتال إلا من موضعين من صوب الجبل ومن الغرب وما لكم عذر ومن أراد رضا المسيح والأجر قاتل عن دينه وصان أهله وحريمه من هؤلاء العرب وإن خفتم أن القوم يرسلون إلينا مواليهم أو من لا له عندهم قدر ولا شأن فأنا أعرف الناس بهم وبفرسانهم وأبطالهم ومواليهم وخاصة أصحابهم فأنفذوا مع رسولكم كتابًا بأسماء القوم الذين أريد منهم المقداد والنعمان وشرحبيل بن كعب ونوفل وعبد الرحمن بن مالك والأسود مولى قيس وخالد بن جعفر وابن قيس وهمام الحرث ومالك بن نوبة وسلامة بن عامر قال فضحك الوزير الأرمني وقال‏:‏ وحق ديني إن العرب لا يسمحون بهؤلاء قط إلا أن يطالبوا رهائن منكم فقال يوقنا‏:‏ ما أفشل رأيكم وأضعف قلوبكم انفذوا إلى القوم فإن فإن أجابوا كانت بركة السيد المسيح وإن طلبوا رهائن أرسلنا أضعفنا من أهل المدينة ومن أولادهم وألبسناهم أفخر الثياب وقلنا هؤلاء أكابرنا من أهل المدينة قال شهرياض‏:‏ وحق القربان ما نفعل إلا ما أمرتنا‏.‏

ثم أنه أمر بطارقته وأرباب دولته أن يأمروا الناس بالتأهب للحرب ففعلوا ولبسوا سلاحهم واستعدوا للقتال وأمر سهل بن عدي أصحابه بالركوب فركبت العرب وخرجت من باب الخندق واستقبلوا العدو بهمم عالية وقالوا اللهم انصرنا عليهم كنصر نبيك يوم الأحزاب وعبوا صفوفهم ثم وعظهم وقال في آخر وعظه‏:‏ ها أنا حامل نحو طاغية الروم وصليبه فاتبعوني فإن فتح الله بقتله أو أخذ صليبه فالقوم لا ثبات لهم فقالوا‏:‏ أيها الأمير لقد دعوتنا إلى شيء هو أحب إلينا فاحمل حتى نحمل قال محمد بن عبد الله‏:‏ فحمل هو ومن معه على عسكر قرقيسيا وكان أمير المسلمين عبد الله بن غسان وسهل بن عدي فلقد قاتلوا قتالًا شديدًا وجاهدوا في الله حق جهاده وبذلوا رماحهم وسيوفهم في أعداء الله والتقى عبد الله بن مالك الأشتر بيورنيك الأرمني فلما عاين زيه علم أنه من ملوكهم فطعنه في صدره فأخرج السنان من ظهره والتقى النعمان بن المنذر بشهرياض وقد طحطح الجموع ولم يعلم النعمان بأنه صاحب البلد بل عرف أنه من الملوك فحمل عليه النعمان وهو يقول هذه الأبيات‏:‏ وإنا لقوم في الحروب ليوثها وتنفر منا عند ذلك أسودها نحامي عن الدين القويم نصرته ونرغم آناف العدا ونذودها لنا الفخر في كل المواطن دائمًا بأحمدنا الهادي فذاك سعيدها ملكنا بلاد الشام ثم ملوكها إلى أن تبدي بالنكال عدبدها وسوف نقود الخيل جردًا سوابقا إلى شهرياض ذلك شديدها ونملك دارًا ثم جملين بعدها كذا رأس عين والجيوش نقودها ونمضي إلى حران ثم سروجهم كذا الرها للمسلمين نعيدها وإني أنا النعمان ذاك ابن منذر أبيد ليوث الحرب ثم أسودها ثم أطبق عليه وفاجأه بطعنة فألقاه صريعًا فلما نظر جيش قرقيسيا إلى هلاك ملكهم انحرفوا إلى مدينتهم وتحصنوا في بلدتهم وخافت أرمانوسة ودخل الرعب في قلبها‏.‏

ثم إنها قالت للعبد الصالح يوقنا‏:‏ يا عبد المسيح ما بقي لي أحد سواك يسوس ملكنا ويدبر حالنا‏.‏

فقال‏:‏ أيتها الملكة أنا لك وبين يديك‏.‏

ثم إنها خلعت عليه وعلى أصحابه وقالت‏:‏ اعلموا أن هذه المدينة والمملكة لكم‏.‏

فقال يوقنا‏:‏ يجب علينا أن نقوم بحقها ونقاتل بين يديها ثم إنه رتبهم على الأسوار فدنا المسلمون ورجالهم وهم يرمون بالمقاليع فكانت حجارتهم لا تخطئ أبدًا وكان المقدم على الرجال والموالي المنذر بن عاصم ولم يكن بالحجاز ولا باليمن قاطبة أرمى منه بالمقاليع وكان عن قوة ساعده إذا خرج حجره يجاوز البرج الأعظم فلم يزل يرمي فيه كل يوم فيصيب الرجل والرجلين فسمته العرب برج المنذر وكانوا قد ضايقوا أهل قرقيسيا مضايقة شديدة‏.‏

فقالت أرمانوسة‏:‏ أين ما وعدت به الملك شهرياض من تدبيرك‏.‏

في هؤلاء العرب فقال‏:‏ أنا في الأمر متفكر‏.‏

ثم إنه صعد على السور مما يلي المسلمين ونادى‏:‏ يا معاشر العرب قد طال الأمر بيننا وبينكم ولا نسلم لكم إلا أن تهزموا الملك وتملكوا رأس العين ونحن لكم بعد ذلك واطلبوا منا من المال ما تريدون فقد علمنا أنكم إذا قلتم فعلتم ووفيتم قال فلما رآه عبد الله بن غسان وسهل بن عدي والصحابة ونظروا إليه علموا أنه يريد أن ينصب حيلة على أهل قرقيسيا‏.‏

فقال سهل بن عدي‏:‏ يا عدو نفسه مكرت بنا وتممت منصوبك علينا بدخولك في ديننا حتى اطمأننا إليك‏.‏

ثم غدرت ورجعت إلى دينك الأول فأين تهرب منا أو تولي عنا ونحن لك في الطلب وسوف نملك هذه المدينة بالسيوف ونضرب عنقك وهذا أيضًا من تمام الحيلة‏.‏

فقال‏:‏ يا معاشر العرب لقد نصحتكم وخدمتكم وما رأيت منكم إلا خيرًا ولكن طالبتني نفسي بديني فرجعت إليه والآن فقد مضى ما مضى وهذه المدينة ما لكم إليها وصول ولا تقدرون عليها لأنها حصينة وفيها رجال الحرب والقوت عندنا كثير ولكن أنفذوا إلينا منكم عشرة من أعز أصحابكم ممن نثق بهم يحلفون لنا ونحلف لهمإذا فتحتم رأس العين سلمنا هذه المدينة إليكم ويكون الصلح بيننا بقية هذه السنة فقد بقي منها أربعة أشهر أولها شهر رمضان‏.‏

فقال له عبد اله بن غسان‏:‏ قد أجبناك إلى ذلك فمن هم العشرة الذين تريدهم حتى نرسلهم إليك فقال‏:‏ أريد المقداد بن الأسود والأسود مولى قيس وخالد بن جعفر ورواحة بن قيس وهمام بن الحرب وسلامة بن عامر وابن نعيم فهؤلاء نريدهم فإنه لا يقع الصلح إلا بهم‏.‏

فقال‏:‏ فوجه عبد الله هؤلاء الذين ذكرهم له يوقنا‏.‏

قال وفتح لهم الباب فقال عبد الله‏:‏ نحن ما نسمح بأصحابنا بلا رهائن فمضى يوقنا إلى الملكة أرمانوسة وأخبرها أن القوم يريدون رهائن فقالت‏:‏ أرسل لهم من أولاد السوقة‏.‏

قال يوقنا‏:‏ أيتها الملكة إن الحيل في الحرب من عند العرب خرجت والملوك من شأنها إذا قالت قولًا وفت به واعلمي أنه قد قال حكيم الفرس‏:‏ إذا كان الغدر طباع قوم فالثقة بكل أحد عجز واعلمي أن أهل بلدك فيهم رؤساء وملوك وهم يعظمون شأنك بعد الملك ولكن ينظرون إليك بعين التأنيث وينظرون إلي بعين الغربة ولا هيبة لي عندهم وربما سمعوا بصلحنا مع العرب فلا يملكونا من ذلك ولا يتم لنا ما نريده وربما يرسلون يستنجدون علينا بمثل ملك الموصل وصاحب الهنكارية ويعظم الأمر‏.‏

قالت‏:‏ فما الذي ترآه من الرأي‏.‏

قال‏:‏ الرأي أن نبعث الرؤساء رهائن عند العرب وإنما فعل ذلك يوقنا حتى لا يتعرض له متعرض في المدينة وإذا سلمهم لا يكون فيها رئيس من رؤسائهم فأجابته إلى ذلك وأنفذت الرؤساء منهم رهائن إلى عبد الله بن غسان فلما وصلوا إليه دخل العشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حصلوا في المدينة أمر بهم إلى البرج الكبير وهو المعروف ببرج المنذر وإنما فعل ذلك حتى لا يعصى من في البرج لأن فيه مال أهل البلد فلما حصلوا هناك رجع إلى الملكة أرمانوسة وقال‏:‏ قد حصلتهم في البرج وغدًا نوقفهم بأعلى البرج ونقول لهم‏:‏ إما أن ترحلوا عنا أو نقتلهم‏.‏

قالت‏:‏ وكيف نصنع برهائننا وإن نحن فعلنا بأصحابهم ما ذكرت يفعلوا بأصحابنا كذلك قال لها يوقنا‏:‏ إذا كنت تفزعين على أهلي البلد فصالحي القوم‏.‏

قالت‏:‏ دبرنا بحسن رأيك‏.‏

فقال‏:‏ السمع والطاعة وأنا أمضي إلى هؤلاء العشرة مع ما وصاهم به أميرهم وننظر ما الذي يطلبونه منا ثم إنه مضى إلى الصحابة وحدثهم بما عزم عليه من تسليم البلد وقال لهم‏:‏ إذا سمعتم الضجة فدونكم ومن في البرج ثم رجع إلى أصب أبه ورتبهم على السور ولم يترك معهم أحدًا من أهل البلدة فلما أظلم الليل سار عبد الله يوقنا مع أصحابه المائتين وأعلنوا بالتهليل والتكبير وبادروا إلى الباب ففتحوه وأرسل إلى عبد الله بأن يأتي إليهم بعسكره فأتوا ووضعوا السيف في أهل البلد فما أفاق أهل قرقيسيا إلا والمسلمون قد مكنوا منهم القواضب فقصدوا البرج الأعظم فثار عليهم العشرة الصحابة فعلمت الملكة أرمانوسة أن الحيلة قد تمت عليها من قبل يوقنا وسمعت أهل البلد ينادون الغوث الغوث فأمنهم عبد الله بن غسان وسهل بن عدي واحتووا على ما في المدينة وأخذوا جميع ما كان فيها من الأموال وما في البرج الأعظم من الذخائر فأخرجوا منه الخمس وقسموا الباقي على المسلمين وعرضوا عليهم الإسلام فمن أسلم منهم وهبوا له أهله وماله ومن أبى ضربت عليه الجزية ثم اجتمع الذين أسلموا وأتوا إلى الأمراء وقالوا‏:‏ نحن قد دخلنا في دينكم فسلموا لنا كرومنا وبساتيننا‏.‏

فقال لهم عبد الله بن غسان بن وسهل بن عدي‏:‏ هي بحكم الإمام يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الذي يسكن فيها من أراد ويأخذ خراجها من هي في يده فإن حكم الخراج والخمس والجزية بأمر الإمام يأخذ حاجة منه ويصرف الباقي في صالح المسلمين‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وأسلمت أرمانوسة ومن كان يلوذ بها فأقرهم عبد الله في أماكنهم وأحسن إليهم غاية الإحسان وجدد لهم الأمان كل ذلك ليتصل الخبر بأهل البلاد فيدخلوا في الإسلام‏.‏

قال عطية بن الحرث وكان ممن أدرك ذلك‏:‏ كان فتح قرقيسيا أول ليلة من شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين من الهجرة وبنوا الكنيسة العظمى وهي بيعة جرجيس جامعًا ولم يبرحوا حتى صلوا فيه وأطلقوا الرهائن وتسلم ولايتها شرحبيل بن كعب في مائة وخمسين رجلًا وعولوا على المسير إلى ماكسين والتفت الأمير إلى عبد الله يوقنا وقال‏:‏ مر ابنتك أن ترجع إلى قلعتها فقد جاءت الوصية إلينا من قبل الأمير عياض‏.‏

قال‏:‏ فرجعت والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده‏.


فـــــــــــتــــــــــوح الشـــــــــــــــام

أبو عبدالله بن عمر الواقدي الواقدي




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فتوحات إسلامية فتح الشام ومصر**
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: قسم التاريخ :: التاريخ الاسلامى-
انتقل الى: