ـ مقدمة البحث.
ـ رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين.
ـ حقائق الفتوحات الإسلامية.
- الحكمة من إعلان النبي الكريم نيته بمهاجمة مكة قبل أربعة أشهر.
- معركة تبوك.
- معركة بدر.
- هل أخطأ أبو بكر الصديق بمهاجمته الفرس والروم في وقت واحد.
- فتح العراق والشام.
- معارك المسلمين مع الروم.
ـ لم يشهد التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين (حقائق تاريخية مقارنة بين المسلمين والصليبيين).
ـ رحمة النبي الكريم شملت الإنسان والحيوان.
ـ مسائل شرعية استعص فهمها على علماء المسلمين وانتقدها الغربيون.
- الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم أكثر من زوجة.
- تعدد الزوجات في القرآن الكريم هدف إنساني كامل.
- الطلاق في الإسلام هل هو هضم لحقوق المرأة كما يراه البعض؟!
- بحث الميراث.
- سمو الحجاب في الإسلام.
- الرق.
ـ تعليق المؤلف اليهودي أوري أفنيري على خطاب البابا بندكت في خدمة الرئيس جورج بوش.
ـ شهادات بعض المستشرقين وكبار علماء الغرب والشرق بحق الدين الإسلامي.
مقدمة البحث
في خضم هذا العصر المترف ومن خلف حجاب المادة الكثيف التي طغت على النفوس
فسلبت منها بريقها النوراني الرباني الأزلي، فأبعدت قلوبها عن مصدر السعادة
والحياة القلبية عن الرحيم مصدر كل الصفات الإنسانية عن خالقها الله، فبات
الناس يتخبطون في ظلمات المادة مبتعدين في نهجهم عن شريعة خالقهم، داثرين
فطرتهم الطيبة في غياهب المادة وشقائها لا يهمهم إلا التمرغ في أنواع الترف
والعب المتواصل من ملذات الدنيا الدنية سكارى بملذات الدنيا عن حقيقتها
المرعبة وقسوتها اللاإنسانية، وهنا الطامة الكبرى حيث حل الصراع على المادة
وكأن الدنيا هي دار الحياة الأبدية، فضاعت الأخوة الإنسانية ونسي الناس
أباهم العظيم ذلك الرسول الكريم سيدنا آدم عليه السلام، نسوا أنهم أخوة لأب
واحد، الأبيض منهم والأسود الشرقي والغربي العربي والروسي والفرنسي
والإنكليزي...
لقد بات الأخ عدواً لدوداً لأخيه... ضاعت الشريعة السماوية التي أنزلها
خالقنا حتى نبقى على هدى وأمان وسلامة في حياتنا ومن ثم في آخرتنا الأبدية،
فحل الضياع والتخبط العشوائي في هذه الحياة وبات الناس في مرارةٍ وعيشٍ
ممجوج وذلك لبعدهم عن خالقهم وإعراضهم عن ذكر شريعته.
وبات الدين غريباً، ابتعد الناس عن نهج الإسلام الصحيح وتطبيق شرائعه
القويمة، واستهجنوها ولم يروا حقيقة هذا الدين السامي لأن من يطبق هذا
الدين ذاته أصبح في بعد عن نهجه السليم، وبضياعٍ عن فهم حكمه العالية وسننه
السامية الهادفة، فلم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه، وألصق
بهذا الدين السامي الجامع لبقية الأديان في طياته والخاتم لها في كماله
وشموله، أُلصق فيه سفاسف وأمور ما أنزل الله لها ولا رسوله طبقها، ألصقت
برسوله الكريم قولاً أو فعلاً وهو بريء منها كل البراءة قولاً أو فعلاً،
فكل ما يخالف كتاب الله تعالى هو براء منه صلى الله عليه وسلم.
شرائع كثيرة ذكرها تعالى في كتابه الكريم (القرآن) وقفت المجتمعات أمامها
حيارى عندما لم تدرك الحكمة منها، ومن جهل شيئاً عاداه، وحتى علماء
المسلمين وقفوا عاجزين عن شرح حكمتها العالية العظيمة الإنسانية الرحيمة.
حقيقة ما شريعة الله في الأرض إلا للسعادة دنيا قبل الآخرة، والرسول الكريم
رسول الإنسانية العظمى صلى الله عليه وسلم عندما كان يعلّم شرائع الله
وأوامره لصحبه الأبرار كان يعلمهم إياها والحكمة منها {...ويعلمهم الكتاب والحكمة...} لأن من طبيعة النفس البشرية أنها لا تركن لأمر إلا عن قناعة، فتطبقه عن رضى.
من تلك المعضلات التي وقفت المجتمعات حيارى أمامها ولم تفهم مغزاها وقوتها
في الدين الإنساني الإسلامي: قضية تعدد الزوجات ـ الطلاق ـ الغاية من حجاب
المرأة ـ قضية الرق ـ قضية ميراث المرأة ـ زواجه صلى الله عليه وسلم من
تسعة زوجات ـ الجزية... وقضايا كثيرة تتعلق في فهم آيات قرآنية فهماً
خاطئاً وخاصة ما تعلق منها بمسألة الفتوحات الإسلامية والمعارك التي خاضها
المسلمون.
معضلات وقف أمامها حتى علماء المسلمين عاجزين عن فهم حكمتها وإن طبقوها...
عاجزين عن تبيان حقيقتها السامية لغيرهم ممن استهجنها وابتعد عنها فعن
الإسلام بالكلية وذلك لأن النفس البشرية مجبولة على الكمال فإن عاينت نقصاً
في أمر ما فإنها وبعفويتها تبتعد وتنفر منه... وذلك حتى تفهم الحكمة
العالية الكاملة فيها.
وهكذا حتى ظهر علامتنا الإنساني الكبير مجمد أمين شيخوقدس سره، الذي استنار
قلبه بنور الله وازدان بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين حقائقاً
كبرى وحكماً إنسانية عظمى في هذا الدين غابت عن العلماء والفلاسفة، أعادت
لهذا الدين السامي حقيقته وجوهره العظيم في زمن ضاعت فيه معانيه العالية
وسِيء فهمه ولم يبق منه إلا اسمه ومن كتابه العظيم إلا رسم حرفه. لقد بين
من خلال الكتاب المقدس القرآن حلول هذه المعضلات وصحح فهم الكثير من النقاط
والأمور التي ساء فهمها. لقد بيّن بفهمه العالي لكتاب الله والحكمة من
أوامره: لم خلق هذا الكون، وما قيمة هذه الحياة وهدفها، لم شريعة الله في
أرضه، ما الحكمة من فروض الله من الصلاة والصيام والحج والزكاة... لم الموت
وماذا حقاً بعده... لم الحج في صحارى لا ماء فيها ولا شجر ولم الطواف حول
الكعبة، وما رمزية رمي الجمرات ومدلول الوقوف في عرفات... لم الجوع والعطش
مدة اثنتا عشر ساعة ولشهر كامل من كل سنة.
لم الحجاب ستر المرأة عن الاختلاط ما الحكمة، لماذا تعدد الزوجات ومتى
أُبيح ولماذا، لم الطلاق، وما هي الحكمة الإنسانية من فرض الجزية ـ ولماذا
الرق في الإسلام ـ ولماذا جعل الله نصيب المرأة نصف الرجل في الميراث
وقضايا كثيرة أغلق فهمها على العلماء والفلاسفة حتى جاء هذا العلامة
الإنساني الجليل بالحكمة منها وبفهمها العالي وذلك بما استنار قلبه بنور
الله وكشف الله عن بصيرته فشاهد بنور ربه ومحبة رسوله حقائق آيات الله
العظيمة والحكمة من شرائعه وأوامره.
ومن خلال بحثنا هذا سنسير بالنقاش والحوار العلمي ونأتي على أهم المسائل
والمعضلات المغلقة الفهم، فنكشف اللثام عن حقائقها التاريخية العظيمة
مستندين بذلك إلى البحوث الإنسانية التي بينها العلامة الإنساني محمد أمين
شيخو مستهدياً بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه.
رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين
البداية ستكون مع مسألة ذات أهمية كبيرة تتعلق باتهام الدين الإسلامي
بالقسوة والشدة والعنف والتعدي... ورداً على هذه الاتهامات نقول:
إن الظن خاطئ عندما ننظر إليه بعين الواقع. فأول كلمة في الدستور الإسلامي: وهي آية البسملة {بسم الله الرحمن الرحيم}، تدعو إلى الرحمة وليس إلى العنف والقسوة.
ونجد في أول سورة في الكتاب الإسلامي المقدس، القرآن الكريم، دعوة محضة إلى الرحمة تتجلّى بقوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم}. فهو يعامل كافة العالمين بالرحمة لأنه تعالى ذاته رحيم.
فإذن قاموس وناموس الإسلام قوامه الرحمة وليس العنف ولا الشدة،
فقوته تعالى محوّلة كليّاً للرحمة (إلا بالدفاع عن النفس ودفع العدوان
والتعدي) والآية الصريحة وشاهدنا قول الله في كتابه الكريم يخاطب رسوله
محمداً صلى الله عليه وسلم بتلخيص وظيفته الدنيوية حصراً بالرحمة، وليس
بالتعدي ولا القسوة إذ قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}.
وصف تعالى رسوله بالقرآن الكريم بما يحمله في قلبه تجاه المشركين قبل المؤمنين بآية: {لقد جاءكم}: أيّها المشركون بما فيهم أهل الكتاب من نصارى ويهود {رسولٌ منْ أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّمْ حرِيْصٌ عليكُمْ} أنتم أيها المشركون، بعدها {بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ}، فقد رحِمَ المشركين قبل المؤمنين.
والقانون الإسلامي عام، وبما أنّه صلى الله عليه وسلم رحمةٌ للعالمين فما
خصّ صلى الله عليه وسلم المؤمنين من المشركين أو عبادَ النيران أو البقر أو
غيرهم، فهو رحمةٌ للناس جميعاً يخرجهم من الشقاء إلى السعادة.
كان صلى الله عليه وسلم يورّي في القتال رحمةً بالمشركين وبالمؤمنين، وبذا
فقد حقن دماءهم، وهداهم للإيمان؛ وهكذا عندما كان يريد صلى الله عليه وسلم
أن يغزو بلداً ما قد اعتدوا على المؤمنين كان يبعث بالأخبار بأنّه عازمٌ
على غزو بلدٍ مغاير وباتجاهٍ معاكس، حتى إذا اطمأن أهلُ البلد الذين هو
قاصدهم أتاهم بغتةً على حين غفلةٍ في التفاف عسكري في ضحى النهار، حيث
الرجال وقد خرجوا لأعمالهم ولم يبقَ إلا النساء والشيوخ والأطفال، وبالتالي
لا مقاتلين ولا قتال بل ولا مقاومة تذكر فيستسلموا فرادى ويقبلوا بالحق،
فيحقن دماء الطرفين وهذا أسلوبه صلى الله عليه وسلم ، وتلك خططه الرحيمة
دائماً من أجل حقن الدماء، فهو صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يريق دم كافر
ولا مؤمن وحريصٌ على عدم قتل الكافر رحمةً به إذ بقتله سيؤول لعذاب الآخرة
و صلى الله عليه وسلم يريد له الهداية والسعادة في الجنات.
حقائق الفتوحات الإسلامية
الحكمة من إعلان النبي الكريم نيته بمهاجمة مكة قبل أربعة أشهر:
لكنه فقط صلى الله عليه وسلم أعلن هجومه المستقبلي على قومه في مكة قبل
أربعة أشهر، وكان هذا الإعلان على الملأ بأن الهجوم المقبلَ على مكة محضَ
الرحمة بالمشركين ليخافوا ويرجعوا للحقّ، حيث لم تبقَ مع قريش أيةُ قوةٍ
تناصرهم في الجزيرة العربية وبالفعل أحدث هذا الإعلان نتائج صاعقة فقد خاف
الكثير من أهل مكة، ومنهم خالد بن الوليد وأسلم هو وفلذة أكباد قريش وعادوا
للحق، عندها جمع صلى الله عليه وسلم كافّة جيوشه ودخل بهم مكّة علانيةً
دون إسالة قطرة دم واحدة.
فرحمةً بأهل مكة الذين كانوا بمنتهى الضعف والاضمحلال ولا قوةَ أبداً
لديهم، وضع ثقله بكثرة الجيوش عطفاً عليهم ليخافوا فلا يخرجوا للقتال لئلا
يُقتَل أحدٌ من المشركين ويذهب إلى النار بدل الجنات وهكذا فقد رجعوا للحق
وعفا عنهم.
ومن بالغ رحمته صلى الله عليه وسلم أنه أغدق على ألدّ خصامه في مكة والذين
كانوا يتآمرون على قتله عندما كان فيهم ويناصبونه العداء ويصدون الناس عنه
ويجمعون العرب لحربه ويحملون السلاح في وجهه بالأمس، أغدق عليهم العطايا
والإكرام بل منحهم عطاءً بدون مقابل، مئات الجمال لكل من أعدائه على مبدئه
الرحيم صلى الله عليه وسلم: «أحبوا أعداءكم»،
لقد أعطى صلى الله عليه وسلم أعداءه الأعطيات الكبيرة خاصة بعد انتصار
حنين، ووزع الأموال عليهم رغم أن لا شوكة ولا قوّة لديهم، ولم يعطِ منها
أصحابه الكرام رضي الله عنهم رغم عظيم محبّتهم له صلى الله عليه وسلم ،
وبذا لا بالقسوة ألّف بين قلوبهم فأصبحوا جميعاً إخواناً متحابّين.
معركة تبوك:
وفي وقعة تبوك، وهي آخر الغزوات التي شارك فيها صلى الله عليه وسلم؛
تتجلّى الرحمة بالأعداء بأجلى معانيها ولو كانوا من أعظم الدول العالمية في
ذلك الحين، لقد جهّزت هذه الدولة العظمى (الدولة الرومانية والتي كانت
تحكم نصف العالم المعروف في ذلك الوقت تقريباً) جيشاً عظيماً تريد القضاء
المبرم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الناشئ، والذي صار يشكل
خطراً على حدودهم الجنوبية، وكان ذلك في سنة شديدة الحرّ ومجدبة، وقد أخطأ
الرومان من حيث لا يعلمون في اختيارهم القتال والغزو في هذه السنة، وكان
يمكن له صلى الله عليه وسلم أن يتركهم يدخلوا الصحراء الحارقة ليموتوا فيها
من الحر والعطش، حيث إنهم لم يعتادوا من قبل على مثل هذه الظروف القاسية،
ومشى صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الصحراء الحارقة حرصاً على حياة أعدائه
لئلا يموتوا ومصيرهم النيران بالآخرة ولأن الله ينصره بالرعب فلا يراق دم
من الفريقين وهكذا تمّ، فقد فرّوا بالرعب من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
«نصرت بالرعب مسيرة شهر». إنّه الرحيم صلى الله عليه وسلم الذي يريد
للبشرية السعادة والفوز بما أعده الله سبحانه وتعالى لها من الإكرام في
الجنات العلا، لا يريد لها الخسارة الدنيوية والأخروية والحرمان من إكرام
الرحيم الرحمن. لقد قذف تعالى الرعب في قلوب أعدائه عندما وصلتهم الأنباء
الغير متوقعة أن عدوهم خارجٌ إليهم من قلب الصحراء بكامل جيوشه وكلّه حزمٌ و
عزمٌ وتصميم وإصرار على دحرهم والإطاحة بهم. ودّوا الفرار فهربوا دون
مجابهة ولا قتال لا يلوون على أحد. وكانوا كما وصفهم القائل: "يود المرء
فيهم لو أنه يُعار جناحي طائر فيطير".
وهكذا كانت موقعة تبوك أشهر المواقع لم يقتل فيها صلى الله عليه وسلم ولا
رومانياً واحداً ولكنه انتصر عليهم وهربوا فراراً فقط بالرعب.
معركة بدر:
وقد جمع المؤرخون ومنهم حسين هيكل أعداد القتلى منذ بداية معركة بدر إلى
نهاية الحروب في الجزيرة العربية فلم يتجاوز عددهم ثلاثمائة بين قتيل وجريح
وتم نصر الإسلام الرحيم، فأين دعوى من يدعي أن دين محمد دين السيف!
ونحن نقول: محمّدٌ (عليه السلام) وليس عليه الحرب والقتال وسفك الدماء،
وليس ذلك فحسب بل إنّه صلى الله عليه وسلم لم يقتل في حياته الشريفة أحداً
أبداً إلا ذاك الذي سمّاه وتحداه فقتل نفسه.
هل أخطأ أبو بكر الصديق بمهاجمته الفرس والروم في وقت واحد:
قد يعتبر كل قادة الجيوش بالعالم أن أبو بكر أخطأ في مهاجمته الفرس والروم
في حربهم العالمية الثالثة وكان من الأحق و الأصح حربياً وسياسياً لتحقيق
النصر أن يترك أعداءه يقتتلون حتى يفنوا بعضهم، فيخرج المنتصر منهم ضعيفاً
متهالكاً، عندها ينقض بجيشه عليهم فيفنيهم ويأخذ بلادهم، لكن أبا بكر، صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته الذي لم يحد عن منهجه الرحيم، خيّب
ظنهم إذ دخل على القوتين الكبريّتين العالميّتين بجيشين صغيرين جداً
بالنسبة لهما وانتصر، فأسكت نصره الألسنة أن هذا خطأ حربي "بنظر قادة
العالم"، ولم يعلموا أنه اشتق من رحمة رسول الله رحمة عليهم ولكافة بني
البشر، إذ بدخول جيشي المسلمين على هاتين الدولتين، لن تقتتل هاتان
الدولتان مع بعضهما ولن يبطش بشدة وقسوة عظيمة كلٌّ منهما بعدوّه بل
سينشغلان بحرب جيش المسلمين، و المسلمون سينصرون لا بسفك الدماء ولا بكثرة
القتلى ولكنهم ينصرون بالرعب كما أشار الله في كتابه العزيز: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا...} سورة آل عمران (151).
وبالرعب يُوفّر سفك الدماء لأنه لو تُرك الفرس والروم يقتتلان لذهبت
جنودهما حتماً إلى النار الأبدية بالآخرة وخسروا الدنيا والآخرة والله يريد
لهم السعادة والجنات كذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا أبو بكر
والصحب الكرام رضي الله عنهم كلهم كانوا علماء فقهاء رحماء بإخوانهم بني
البشر، لذلك وبما أن النصر من الله وحده، والنصر كان يتم بالرهبة و الرعب
كما بالآية الكريمة (60) في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ...}: أي النصر للمسلمين يتم بالرهبة فقط قام المسلمون بالدخول على هاتين الدولتين بآن واحد دون أدنى تردد.
فتح العراق والشام:
كذا دخولهم هذا على هذه الدول بالعراق والشام لم يكن من قبيل التعدي
والتدخل في الشؤون الدولية الخارجية، بل كان دخولهم تحريراً لأراضي العرب
التي اغتصبتها هذه الدول من أهلها وحكموها وتكبّروا على أهلها وتجبّروا
ونهبوا خيرات بلادهم أمام أعينهم.
لقد كانت العراق والشام بلاد عربية وأهلها عرب، إلا أن طغيان الدول العظيمة
في ذلك الوقت وتصارعها على بسط النفوذ في العالم جعل العراق تحت حكم دولة
كسرى ـ عباد النارـ وجعل بلاد الشام تحت حكم النصارى الرومان. فلم يشأ
الصحب الكرام رضي الله عنهم أن يتركوا أخوتهم العرب تحت نير الاستعمار
والذل للأعاجم وفي أرضهم. فتدخلوا لردع المعتدي وإخراجه إلى أرضه، وليعيدوا
الحق إلى نصابه.
وخلاصة القول أنهم كانوا بقتالهم رحمةً على عدوهم، إذ يفر العدو ولا تُسفك
الدماء، والدليل على ذلك المعارك التي خاضها خالد بن الوليد الإحدى عشر في
بلاد العراق تجاه مئات الألوف ما كان يُقتل من الطرفين إلا القليل القليل،
إذ يحلّ الرعب في قلوب أعداء الله فيفرّون هاربين، إذ لو قتل خالد بن
الوليد جنود الفرس لما بقي هناك جنود لمعركتي القادسية ونهاوند وغيرها
ولكنه ما كان ليحدث قتل ولا سفك دماء على الغالب لأن غاية المؤمنين الهداية
لا أموالهم أو أراضيهم أو أعراضهم لذا كان يحلُّ الرعب والرهبة فتتوفر
الدماء لأن دين الإسلام دين الرحمة، واسمه الإسلام من السلام لا من التعدي
والعنف والطغيان وكما ورد في الكتاب المقدس القرآن: الله هو السلام، عكس ظن
من أخطأ من الأجانب بأنه تمّ بالقتل وسفك الدماء، والقرآن يقول {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ...} سورة يونس (25).
والله في دستورنا القرآن لا يحب المعتدين {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
سورة البقرة (190)... فكيف يزعمون بأن انتصارات المسلمين، واسمهم المسلمون
وهو من المسالمة لا من الحرب والمخاصمة، كيف يتهمونهم بالقسوة والعنف!!
والدليل على مسالمتهم أن كافة الشعوب التي انتصروا عليها أصبحوا محبين
مسلمين وتبنَّوا الإسلام أكثر من المسلمين السابقين إذ أصبحت دمشق عاصمة
العصر الذهبي للإسلام. وتقبّلت أممُ الأرض حتى الصين هذا الدين الرحيم ولو
بُني ـ على حساب الزعم الخاطئ ـ على العنف والقهر لقابلته الشعوب التي
أسلمت بالعنف والقتال ولكنهم تبنوه واستقبلوه وأصبحوا هم أهله و حُماته،
لقد تبنّته شعوب الأرض أكثر من العرب كالمماليك والأكراد والأتراك
العثمانيون والتتر وشعوب الهند والسند ودول روسيا وتركستان والصين وغيرها.
معلوم أن ألمانيا كانت تستعمل الشدة والقسوة في البلاد التي احتلتها حتى
أن البلدان الإسلامية وغيرها التي كانت تحت نير الشيوعية وشدتها بالحرب
العالمية الثانية وحينما انساح الألمان على روسيا سارعت هذه البلدان
لمساعدة ألمانيا ضد الشيوعية ولكنهم عندما ذاقوا قسوة الألمان وجدوا أن
الشيوعية أرحم فانفكّوا عن مناصرتهم، وهذا الأمر معلوم تاريخياً.
لقد كانت ألمانيا كلما دخلت واحتلت قطراً من الأقطار نقص عدد جنود جيوشها
وبدأ الضعف يسري شيئاً فشيئا وبالتدريج، إذ كلما فتحت قطراً وضعت حماية فيه
لئلا ينقلبوا عليها بسبب قسوتها في معاملتهم، عكس الإسلام الرحيم الذي كان
كلما افتتح بلدة ظالمة متعدية انقلب أهلها للإسلام وأصبحوا من جنوده
المخلصين؛ فكانت الفتوحات تترى ويزداد ويغنى الإسلام بزيادة المقاتلين
ومعروف أنه لما أنقذ صحب رسول صلى الله عليه وسلم الشام قُتل منهم عشرة
آلاف فبقي عشرون ألفاً، وبعد فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الشهرين عندما عادت
الروم للبقاع بجيوش ضخمة لجبة خرج سبعون ألفاً لقتالها فمن أين جاء
الخمسون ألفاً زيادةً عن عدد جيش المسلمين الذي دخل الشام! أضف إلى ذلك أن
الجزيرة العربية لا تستطيع أبداً جمع خمسين ألفاً وهؤلاء أصبحوا سبعين
ألفاً! كل ذلك بسبب معاملة المسلمين الإنسانية.
ذلك أن أهل الشام لما شاهدوه من رحمة المسلمين وعطفهم وإحسانهم انضموا إليه
ونصروهم حتى غدا العصر الذهبي للإسلام ينبع من دمشق عاصمة الشام إلى الهند
والصين، ناهيك عن رحمتهم وطيب عنصر أخلاقهم، أمّا الصينيّون سمَّوا
الطريقَ الذي أتى منه المسلمون بطريق الحرير، وغدا للمسلمين شأن عند أباطرة
الصين بحيث أنه وكما هو معلوم تاريخياً إذا اضطر مسلم لقتل صيني ففديته
(أعزكم الله) حمار عند الإمبراطور، أما العكس إذا قتل أحد الصينيين مسلماً
فكان جزاؤه قتله وقتل حمولته الذين يؤازرونه وأنتم تعلمون قول القائل "ما
عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب".
ومن المعروف عموماً وتاريخياً أن الذين أسلموا من دول الكرة الأرضية أسلموا
عن طريق التجارة والمعاملة الحسنة الرحيمة أكثر عدداً بكثير ممّن أسلموا
بالقتال.
معارك المسلمين مع الروم:
في وقعة اليرموك جمع هرقل كبير الروم جيوش اثنتي عشرة دولة للقتال في هذه
الوقعة، والتي هي بمثابة الحرب العالمية بالعهد القديم. من تلك الجيوش
والدول التي كانت تابعة لروما فكان هناك جيش السلاف (الروس) وجيش الأرمن
الشرس بالقتال وجيش الأوربيين ويضم هذا الجيش جيوش إسبانيا وفرنسا وغيرها
من الدول الغربية وبقية الجيوش، إذن اسبانيا كانت تدور في فلك روما حتى أن
الإسبانيين والأوربيين هم أبناء الرومانيين وهم يعتزون بآبائهم العظماء
الرومان حتى الآن، وروما كانت في قتال دائب مع المسلمين العرب الذين حرّروا
بلاد العرب من الاستعمار الروماني، ومنها بلاد الشام التي حرروها من
الروم، وبما أن الروم ما كانوا ليكفّوا عن الهجوم على ثغور الشام وإعمال
القتل والخطف فيها ثمّ يفرون سراعاً، لذا قام الحجاج بن يوسف الثقفي
باستعمال المراصد الفلكية لكشف الجيوش المعتدية على الثغور الإسلامية ووضع
الكمائن لصدِّهم عن القتل والسلب والنهب من جهة، ومن جهة ثانية أراد أن
يُنهي هذا العدوان من الأصل وذلك بأن يهاجم القسطنطينية عاصمة الروم
الشرقيين والغربيين، وذلك بالالتفاف على روما عن طريق إسبانيا (الأندلس)
التابعة لروما والدخول والعبور منها لمحاصرة القسطنطينية من جهة ومنع المدد
عنها ومهاجمتها أيضاً من الجهة الأخرى من قِبَل بلاد الشام: وهذه خطة
قتالية بين دولتين متقاتلتين.
والحقيقة أن روما بعد هزيمتها وخروجها من سوريا ما كانت لتكفّ عن العدوان
على ثغور بلاد الإسلام وإعمال القتل والخطف والنهب مما اضطّر الحجاج أن
يرسل قادته موسى بن النصير وطارق بن زياد للالتفاف على القسطنطينية عن طريق
الأندلس.
إذن لم يكن هناك ثمة عدوان من المسلمين على اسبانيا إنما هي حروب لردع العدوان نهائياً عن ثغور الشام وإلى الأبد.
طبعاً هذا الحصار للقسطنطينية لم يتم لأن الخليفة الجاهل سليمان بن عبد
الملك كان قد نال الخلافة بالوراثة لا بالاستحقاق فكان لا يفهم كيف ينصر
بلاده على العدو المغتصب، بل كان يحقد على الحجاج (فاتح السند والهند وبلاد
ما وراء النهر ومشكّل ومنقّط القرآن الكريم "الكتاب المقدس") وذلك لضعف
بصيرة سليمان، بل بالعكس جاء بهؤلاء القادة العظماء وسجنهم في دمشق وأوقف
فتوحاتهم، وقتل القائد الأكبر (قتيبة بن مسلم الباهلي) فاتح بلاد الصين
ومملكة بخارى وحوض نهرجيحون وبلاد الصغد وخوارزم، وسمرقند و بلخ والطالقان
وكاشغر، وكاشان...
إذن لم يكن هناك ثمة عدوان قطعاً على اسبانيا من قبل الإسلام إنما هي
مناورات عسكرية وحركات التفافية على الدولة الأمّ روما التي لم تكنْ لها
شكوى إلا أن العرب المسلمين حرروا بلاد الشام العربية من نيرها وطغيانها.
كان هذا مطلبَ أهل الشام إذ انضموا لدين الرحمة الجديد وفضّلوه على حكم
روما القاسي،كما في حمص وقبل أن يجلو عنها المسلمون أعاد أبو عبيدة الجزية
إلى أهلها لأنه كان قد أخذها لحمايتهم والدفاع عنهم والآن لا يستطيع أن
يحميهم لذلك أعاد إليهم أموالهم وذهب لملاقاة الرومان على اليرموك وما أن
أراد الرومان الدخول إلى حمص حتى أوصد أهلها الأبواب في وجوههم، وقالوا لا
نريدكم بل نريد المسلمين الرحماء، ثم فتحوها على مصراعيها للفاتحين
المسلمين الرحماء ورفضوا حكم الرومان القاسين المستبد.
وكما في دمشق إذ شارك أهلها بخمسين ألف مقاتل مع جيش خالد بن الوليد البالغ عشرين ألفاً بالمعركة بالبقاع ضد الرومانيين.
حقاً لم يشهد التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين
(حقائق تاريخية مقارنة بين المسلمين والصليبيين)
لو بحثنا في كتاب الإسلام (القرآن الكريم) لوجدنا بالآيات الصريحة أن مشيئة
الله هي الرحمة لا الحرب ولا القتال فالإنسان نسيج الحضرة الإلهية فهل
يعقل أن يصنع امرؤٌ ما صنعاً بديعاً ثمّ يأمر بتحطيمه! طبعاً لا يفعل هذا
ذو عقل، والآية تقول أن الله تعالى منح الإنسان الخيار والإطلاق ليعمل
الإنسان الخير بإرادته فيكسب به نوال الجنات أمّا القتل والحرب فهو من صنع
الإنسان لا إرادة الله لكنه تعالى لا يجبر فالآية الكريمة في سورة البقرة
(53) تقول على لسان حضرة الله ورسوله: {تِلْكَ
الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ
اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا
اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ
الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ
مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِن اللَّهَ
يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}: ولا يريد إلا الخير والرحمة لعباده.
إذن فالله هو الرحمن الرحيم والقسوة وسفك الدماء هي من صنع الإنسان المعرض عن الرحيم، وقد ذُكرت كلمة {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} مرتان ما يدلّ على أن الإسلام دين الرحمة لا دين السفك والقسوة.
ودليلٌ عملي واقعي على مدى ثلاثة عشر قرناً حيث كان الإسلام بمعظم هذه
الفترات هو المسيطر تقريباً على العالم؛ بالصدر الأول وبعهد الأمويين وبعهد
العباسيين والسلجوقيين وأخيراً بعهد العثمانيين الأوائل لا الأتراك
المتأخرين، و مع أن الإسلام في تلك العهود والأحقاب والقرون هو الدولة
الضاربة الأقوى في العالم، مع ذلك تتجلى الرحمة التي يفيض بها الإسلام على
الديانتين السماويتين اليهودية والنصرانية، فقد أبقى لهم كنائسهم ومعابدهم
وحريتهم الدينية المطلقة ناهياً إياهم فقط عن إشاعة الفساد والتعدي على
حريات الآخرين، فظلّت طقوسهم ونواقيسهم تُقرع في عواصم الدول الإسلامية
وبلدانها وقُراها دون إجبار ولا إكراه حتى يومنا هذا، عكس ما رأينا مع بالغ
الأسى في قتال الصرب ضد المسلمين لإنهائهم عن بكرة أبيهم وهدم معابدهم
وطلبهم أن تكون هناك أوربا خالية من المسلمين ولك الحق في المقايسة بين
الفريقين أيهما أرحم. فدين الإسلام هو دين الرحمة لا دين السيف، لأنه من
الرحمن الرحيم جلّ شأنه.
ولو قارنا مقارنة ثانية بين معاملة الإسلام لأهالي البلاد التي فتحها وما
قامت به محاكم التفتيش في إسبانيا، لعلمنا ما ينبض به الإسلام من رأفة
ورحمة ببني البشر.
ففي إسبانيا صدر مرسوم يحتم تنصير كل مسلم جبراً وإكراهاً عام (1533)
ميلادي وعقاب من خالف بالرق والاستعباد مدى الحياة (لطفاً ارجعوا لكافة كتب
تاريخ العالم)، أمّا محاكم التفتيش النصرانية فقد تعسفت بشكل مذهل في
أعمال التعذيب والإعدام حيث كانت تحرق المسلمين بصورة جماعية في مواكب
الموت.بل وتحرق عائلات بأكملها بأطفالها ونسائها. حتى أن هذه المحاكم تحاكم
الموتى فتنبش قبورهم، وكان أعضاؤها يتمتّعون الحصانة الكاملة رغم كل ما
يفعلونه من فظائع.
ترجى المقارنة بين ما فعله الأسبان النصارى أحفاد الرومان بالمسلمين حين
انتصروا عليهم وذلك بعصر نهضتهم بالقرون الوسطى وما فعله المسلمون بنصارى
الشام والعراق من رحمة وعطف وحماية وتركوا لهم حرّية المعتقدات وأبقوا لهم
كنائسهم وأديرتهم وتسامحوا معهم التسامح الكلي بل وكانوا يرتّبون لفقرائهم
ومساكينهم رواتب شهرية تقاعدية محققين التكافل الاجتماعي الإنساني الرحيم و
لاتزال الكنائس والأديرة منذ ما يزيد على (1400) عام وحتى الآن في كافة
البلاد الإسلامية المفتوحة مشارق الأرض ومغاربها.
نظرة ثانية لإسبانيا، ففي (5/1611) ميلادي صدر قرار للقضاء على المتخلّفين
من المسلمين في بلنسية يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي،
وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قتل. (حقائق معلومة
تشهد بها تواريخ العالم).
والتاريخ سجّل البشاعة والشناعة والفظائع التي ارتكبها الصليبيون بحق سكان
القدس عندما احتلوها، فهل فعل صلاح الدين فعلهم وانتقم لما أسالوه من بحور
الدماء؟! أم قال قولة معلمه معلم الرحمة «اذهبوا فأنتم الطلقاء»...فهل الإسلام دين سيف أم دين الرحمة والإنسانية؟!
ولم يلجأ المسلمون حتى منذ نشأتهم إلى القتال إلا للدفاع عن النفس والمبدأ
لدفع المعتدي، وما ردّوا عن أنفسهم العدوان حتى جاءهم الإذن من الله بعدما
ظُلموا، لقوله تعالى في القرآن الكريم: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِن اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} سورة الحج (39). وهذا لرد العدوان عنهم وعن أموالهم وأعراضهم ومبدئهم.
يقولون: "أنه من لا يمشي بدين محمد فهو ضدّه وعدوه" ولو كان هذا القول
صحيحاً، وهو خطأ،لأزالوا الكنائس والمعابد النصرانية وهذا لم يحدث فلا صحة
لهذا القول، بل جعلوا من أنفسهم حماةً للنصارى واليهود يدفعون عنهم العدوان
ويطيعون قول رسولهم الرحيم صلى الله عليه وسلم: «من آذى ذميّاً فقد
آذاني»، فهو بالنصارى واليهود رحيم، وهذا الواقع العملي فمن ينكر الواقع
إلا مخطئ!
والحقيقة أن هذه نظرة الغرب فنسبوا ما فيهم إلى أرحم الخلق الذي أرسله رحمةً للعالمين ودستوره القرآن الذي يقول: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} سورة البقرة (256).
حتى أن عمر بن الخطاب رغم تعدي الفرس على ثغور الإسلام بالعراق ما زاد على
الثلاثين من التعديات وخرق الحدود وهو يرفض أن يقابل هذا العدوان بالقتال؛
حتى علم من الأحنف بن قيس أنّه إن لم يصدهم عن عدوانهم فلن يكفّوا حتى
يُزيلوا دين الله من الأرض ويعودوا بمن معهم وتحت حكمهم لعبادة النار، نعوذ
بالله منها. عندها اضطّر لقتالهم، ونصره الله عليهم. أما القتال في العراق
فكان لتحرير العرب وتخليصهم من الاستعمار الطاغي لا للتعدي على الفرس.
رحمة النبي الكريم شملت الإنسان والحيوان
لقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة لكي نشفى ولا نمرض، فكانت
الحجامة الدواء والشفاء وثبت طبياً وعلمياً أن غيرها لا خير فيه، حتى أن
الشفاءات لا تكاد تذكر، وتكاليف العمليات الباهظة يعجز عنها الفقير
والمسكين ومعظمها لا يفيد.
فمحمد صلى الله عليه وسلم إذن رحمة لبني البشر وجاءهم بالشفاء من كلِّ
مستعصٍ وداء بل بلغت الرحمة من ينبوعها الإٌسلام الصحيح فشملت الحيوانات
والأنعام بالتكبير الذي يزيل كل ألم للحيوان ويهبه الراحة والنعيم أثناء
الذبح كما يزيل كافة الجراثيم من كل ذبيح من الأنعام بذكر الله أكبر أثناء
لحظة الذبح فيذهب الدم المتدفق بالجرثوم كله.
إذن رحمته شملت الإنسان والأنعام، بل أضف إليها ما جاء به الإسلام من حقنة
معلق النشاء مرفقة بشربة زيت الخروع. وهذا كلام مبني على أسس صارمة بالدقة
قائمة على التجربة الطبية والبحوث العلمية اليقينية.
ونحن نقول محمد "عليه السلام" أي عليه واجب السلام لا الحرب بكلمة عليه السلام.
وإذا أردت البحث أنه لا ظلم للمرأة في الإسلام بل العكس الرحمة لها والنجاة
ونوال وضمان حقوقها وسعادتها في دنياها وآخرتها، انظر إلى بحوثنا في كتب
العلامة الكبير محمّد أمين شيخو في مكاتب سوريا ومصر ككتاب الحجاب، وكتاب
تعدد الزوجات الطلاق، وسنذكر ملخصاً لاحقاً بهذه المواضيع.
مسائل شرعية استعص فهمها على علماء المسلمين وانتقدها الغربيون
أولاً: الحكمة من زواجه صلى الله عليه وسلم أكثر من زوجة بعد وفاة زوجته الشريفة أمنا خديجة بسن الخامسة والستين:
صلى الله عليه وسلم سيد الإنسانية، سيد الرحماء، حياته جهاد في إنقاذ إخوته
في الإنسانية، مقصده الآخرة، فهو الكريم الذي ما تلوثت نفسه من الدنيا
أبداً ذراتها كالماء العذب الطاهر النقي.
فما تزوّج صلى الله عليه وسلم زوجةً إلا ولهذا الزواج مصلحة راجحة من مصالح
الدعوة للإسلام بجلب المنفعة الإنسانية ودرء الأخطار الاجتماعية وحقن
الدماء الكثيرة، فلقد كان للأرحام والمصاهرة تأثير كبير في حياة البشر
القبلية والاجتماعية، وهكذا زواج الملوك بالعالم كله، فكان لهذه المصاهرة
أثرها البعيد في تاريخ الدعوة الإسلامية وإنقاذها من الهلاك كما هبّ أهل
مصر وأوقفوا الزحف المغولي الذي لم يستطع العالم كله مواجهته بحماسهم
للدفاع عن دعوة صهرهم محمد صلى الله عليه وسلم زوج مارية القبطية (ومما لا
ينكره التاريخ اندفاع أهل مصر القوي للدفاع عن الاسلام ضد عدو الاسلام
المغول والتتر، وذلك بعدما سقطت بلاد الشام والعراق وانهارت الدولة
الاسلامية لقد اجتاح المغول المسلمين و النصارى، ولم يبق إلا مصر، فهب أهل
مصر دفاعاً وصوناً للإسلام من هذه الحملة البربرية على الإسلام، حتى أن
نساء مصر أسوةً بمارية القبطية زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم قُمن ببيع
حليّهن لدعم الجيش والوقوف بوجه هذا العدو، وكان النصر بتحالف الظاهر بيبرس
وقطز، ولو لم تقف مصر بوجه هذا العدو الكافر لانتهى العالم بيد الكفر).
فكم كان لهذا الزواج المبارك على العالم من تأثير بعد أجيال! إذ كم كان
لهذه المصاهرة من حقن للدماء ووقاية من معرة القبائل العربية وديمومة
الرسالة السماوية العليّة "الإسلام"، هذا عن زواجه صلى الله عليه وسلم من
مسيحية كذا زواجه من يهودية أو أكثر لتأليف قلوب بني إسرائيل ليعودوا
لمجدهم بالإسلام كما كانوا بعهد سيدنا داوود وسليمان عليهما السلام، فهو
صلى الله عليه وسلم رحمة لهم وللعالمين.
وسبب آخر هامٌ جداً، ألا وهو تربية وتخريج مرشدات داعيات للنساء، فهو صلى
الله عليه وسلم المدرسة التي خرّجت المرشدين الداعين للإسلام بالطريق
القويم الصحيح وكذا المرشدات "زوجاته الطاهرات العليات" فعلى يديه صلى الله
عليه وسلم تخرجت نساؤه المرشدات لنساء العالم واللواتي بدورهن غدين مرشدات
لتخريج النساء بكل الأصقاع والبقاع في العالم، ولذا نرى أنه وعلى سبيل
المثال هنا في سوريا قد توفيت ودُفنت ثلاث زوجات من زوجاته الشريفات (أم
سلمة وأم حبيبة وحفظة) فلقد قدمن بلاد الشام لمّا فُتحت مرشدات داعيات
لنساء بلاد الشام وإلى آخر حياتهن الشريفة رضوان الله عليهن ولذا غدا العصر
الذهبي لنشر الإسلام لثلاثة أرباع العالم من دمشق الشام.
فصلى الله عليه وسلم ما تزوج في ريعان شبابه (قبل الرسالة) إلا السيدة
الطاهرة خديجة بنت خويلد وهي التي كانت بالغةٌ من العمر أربعين عاماً وبينه
صلى الله عليه وسلم وبينها من التفاوت في السن خمسة عشر عاماً، وما تزوج
غيرها إلا بعد وفاتها وكان قد تخطّى من العمر الثلاثة والخمسين وانتقالها
بالخامسة والستين كل ذلك يشير إلى طهارته وسمو غاياته الإنسانية لا
الشهوانية قطعاً، فهو أطهر الخلق الأمين الذي لم يصافح في حياته امرأة ما
كان زواجه إلا لأغراض إنسانية عليا قطعاً وبداهة، وأهداف سياسية سامية لربط
الأمم والشعوب بمركبة الحق والصراط القويم.
فلسان حاله صلى الله عليه وسلم يقول:
أفحين شِبت يحقُّ لي الفسق |
| ما كنت أفسق والشباب أخي |
ومـــــركب مــا خـــاتــه عــــرق |
| لــي مــانـــع عـن ذاك يمنعني |
نستعرض:
خديجة بنت خويلد عليها السلام: تزوجها
صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة وقد بلغت من عمرها أربعين عاماً وبينه ص
وبينها من العمر خمس عشرة سنة وما تزوج غيرها إلا بعد وفاتها رضي الله عنها
وقد تخطّى الخمسين من عمره صلى الله عليه وسلم.
سودة بنت زمعة: ولم تكن عليها السلام من الجمال أو الثروة أو المكانة بما
تجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج منها لولا أن زوجها توفي في سبيل
الله في الهجرة إلى الحبشة فغدت منقطعة في تلك الديار النائية، ولن تعود
لأهلها وكانوا لا يزالون على الكفر فهل يتخلّى عنها! حقاً إنه لزواج
إنساني.
عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما:
تزوج منها صلى الله عليه وسلم توثيقاً لعُرى الارتباط السياسي الإنساني
بين الوزير الأول للدولة الإسلامية وبينه صلى الله عليه وسلم، إذ بهذه
المصاهرة تزداد رابطة أبو بكر الصديق توثّقاً معه صلى الله عليه وسلم،إذ أن
فلذة كبده تصبح عند المصطفى مما يزيد قوة التعلّق والارتباط بينه وبين
المصطفى زيادة لما هي عليه (فبشكل عام للمصاهرة أثرها الكبير في توثيق عرى
الارتباط تدل عليه الكلمة "المصاهرة" ذاتها) وسيدنا أبو بكر الصديق سيأتي
عليه يوم ويكون بيده قياد زمام الأمة الإسلامية. والله تعالى يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا...}
فهو صلى الله عليه وسلم حبل الله المتين ونوره المبين، فلقد كان لزواجه
صلى الله عليه وسلم من أمنا عائشة أثره الكبير في زيادة وتوثيق هذا
الاعتصام والارتباط بينه وبين الصديق، الذي يترتّب عليه مصير الأمّة
والعالم من بعده.
حفظة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما:
نفس السبب السابق تماماً، فسيدنا عمر سيكون وزير الدولة الثاني وستكون
بيده قياد الأمة الإسلامية، فزواجه صلى الله عليه وسلم من ابنة الفاروق
إنما هو نفس سبب زواجه من ابنة الصديق.
زينب بنت خزيمة عليها السلام: كانت
زوجاً لعبيدة بن الحارث الذي استشهد يوم بدر فعوّضها الرسول صلى الله عليه
وسلم عن زوجها بزواجه بها إكراماً لها وقد توفيت عنده بعد شهرين. كذا أهلها
كفرة لا تُعاد إليهم حتماً.
أم سلمة عليها السلام: استشهد زوجها في
أحد فلما امضت عدتها خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت لكثرة
ابنائها وبكونها تخطت سن الشباب، فتعهّد لها صلى الله عليه وسلم بالعناية
بتنشئة أبنائها وتزوج منها لهذا الاعتبار، وتربية اليتامى هو السبب بالقرآن
من إجازة التزوّج بأكثر من واحدة.
زينب بنت جحش عليها السلام: زوّجها رسول
الله صلى الله عليه وسلم من معتوقه ومتبناه (زيد بن الحارث رضي الله عنه)
مبطلاً تلك الاعتبارات القائمة في النفوس على العصبيّة وحدها وكي يدرك
الناس جميعاً أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى "إذ هي من أرفع
القبائل نسباً في الجزيرة العربية وزيد إنما هو عبد معتوق". ولما وقع
الطلاق بينها وبين زوجها معتوق ومتبنّى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
هنالك أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالزواج من زينب رضي الله
عنها لهدم تلك الاعتبارات القديمة الخاطئة من اعتبار المتبنى كالابن في
النسب وما يجره هذا الالتصاق بأفراد الأسرة من المفاسد والوقوع في الزنى
وضياع الأنساب. قال تعالى في سورة الأحزاب (37): {...فلما قضى زيد منها وطراً زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم}، إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً.
جويرية بنت الحارث المصطلقية عليها السلام:
وكان في زواجها إسلام قومها بني المصطلق بعد أن كانوا على عداء تام مع
المسلمين. حتى أن أباها الحارث زعيم بني المصطلق لما علم بإكرام وفادة
ابنته وهي بالأسر جاء مسلماً مذعناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
قيل: ما كانت امرأة أعظم بركة على قومها من جويرية.
مارية القبطية المصرية عليها السلام:
أهداها إليه صلى الله عليه وسلم المقوقسُ عظيم مصر كجارية وقد قبلها رحمة
بها إذ في ذلك خلاص لها من بيئة الشرك إلى عالم التوحيد والإيمان، وقد
أعجبه صلى الله عليه وسلم من مارية فطنتها ووجد لديها من الأهلية ما يجعلها
جديرة أن تكون زوجة له صلى الله عليه وسلم مبلغة عنه ومرشدة للنساء،
وبمصاهرته صلى الله عليه وسلم لأهل مصر تمّ إنقاذ الإسلام بعد ستة عقود من
الفناء الحقيقي أيام الظاهر بيبرس قدس سره، فزواجه منها صلى الله عليه وسلم
كان فيه ربط سياسي إنساني مع النصارى، فأهل مصر كلهم أقباط ثم صار منهم
المسلمون وبقي منهم الأقباط وهم الذين نهضوا لنصرة الإسلام مع الملك
الظاهر.
صفية بنت حيي بن الأخطب عليها السلام "زعيم بني قريظة" يرجع نسباً لسيدنا موسى بن عمران
ريحانة بنت القريظة عليها السلام: أسلمت فأعتقها صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها.
وكلتاهما من اليهود وكان زواجه صلى الله عليه وسلم منهما لتوثيق عرى
الارتباط مع الذين آمنوا من اليهود سادةً وعامة ولتقريب وتأليف قلوب اليهود
للإسلام والسلام.
أم حبيبة عليها السلام: بنت أبي سفيان، كانت سبباً مباشراً بإسلام أبيها زعيم قريش وبالتالي حفظ دماء القرشيين الذين آمنوا فيما بعد.
قال تعالى: {يا أيها النبي إنّا أحللنا لك
أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمّك
وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن
وهبت نفسها للنبي إن أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا
ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله
غفوراً رحيماً، ترجي من تشاء منهن وتؤي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت
فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقرّ أعينهن ولا يحزن ويرضين بما اتيتهن كلهن
والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً، لا يحل لك النساء من بعد
ولا أن تبدّل بهن أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على
كل شيء رقيباً} سورة الأحزاب (50-52).
وهذه الآيات تدل دلالة صريحة واضحة أنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليتزوج
إلا بأمر الله وما أقره الله له وبإذنه، فالله تعالى يحب خلقه ولا يريد
إلا إنقاذهم وإقالة العثار عنهم والأخذ بأيديهم لطريق الشعادة دنيا آخرة،
وصلى الله عليه وسلم هو رحمة لهم وزواجه لانقاذ نسائهم وهدايتهن فهو سيد
الرحماء الذي أتي لهذه الدنيا منقذاً ليخرج الناس من الظلمات إلى النور
ويقيل عنهم العثار ويأخذ بيدهم للنور والسعادة دنيا آخرة... فصلى الله عليه
وسلم ما كان ليتزوج زيجة إلا بما يرضي الله تعالى وبأمره تعالى، ودائماً
لسان حاله يقول: إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.
والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، وصلى الله عليه وسلم أنفع خلق الله لخلقه فهو حبيب الله.
إذن تعدد زوجاته بأمر وإذن الله بما فيه نفع البشريّة على مدى زمانه وما
تلاه من أزمان... ومما يدل أيضاً على أنه صلى الله عليه وسلم كانت نيّته
وهدفه تخريج المرشدات من زوجاته للنساء، فلقد خرّج صلى الله عليه وسلم
مجموعة من المرشدات الطاهرات الفطنات، من خلال زواجه من عدّة زوجات... وكان
يهمّه ممن يتزوج الفطنة والذكاء إذ هي شرط أساسي للمرشدة، بحيث تستطيع نقل
مراده صلى الله عليه وسلم وإرشاده للنساء. فنجد أن في الآية (52) من سورة
الأحزاب أن الله يحرّم عليه الزواج بعد أن كان محللاً له من قبل وذلك لأن
الله تعالى مطّلع على الآجال، وكان بتلك الآونة قد اقترب أجله صلى الله
عليه وسلم ولم يعد هناك من المدة ما يكفي لتخريج الزوجة الجديدة إذ مدة
إقامتها معه صلى الله عليه وسلم باتت بقرب أجله صلى الله عليه وسلم قصيرة
ولا تكفيها لتتشرب الحياة القلبية منه صلى الله عليه وسلم والعلوم التي بها
تصبح مرشدة للنساء، ولذلك أخبره الله تعالى أنه الآن: لا يحل لك النساء من
بعد... ولو أعجبك حسنهن...
والحسن الذي يتطلع له صلى الله عليه وسلم إنما هو الطهارة النفسية (فهو
صلى الله عليه وسل