منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

 كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 11:30 am

اقتباس :


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري



السيرة النبوية لابن هشام
[ ص 1 ] الحمد لله رَبّ الْعَالَمِينَ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيّدِنَا مُحَمّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ
[ ذِكْرُ سَرْدِ النّسَبِ الزّكِيّ ]
مِنْ
مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ إلَى آدَمَ عَلَيْهِ
السّلَامُ قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ (
النّحْوِيّ ) : هَذَا كِتَابُ سِيرَةِ رَسُولِ اللّهِ صّلى اللّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ . قَالَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : شَيْبَةُ بْنُ هَاشِمٍ
وَاسْمُ هَاشِمٍ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ وَاسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ
الْمُغِيرَةُ بْنُ قُصَيّ ، ( وَاسْمُ قُصَيّ : زَيْدُ ) بْنُ كِلَابِ
بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ النّضْرِ [ ص 2 ] كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ
وَاسْمُ مُدْرِكَةَ عَامِرُ بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ
مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ بْنِ ( أُدّ وَيُقَالُ ) : أُدَدُ بْنُ مُقَوّمِ
بْنِ نَاحُورَ بْنِ تَيْرَح بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ نَابِتِ
بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ - خَلِيلِ الرّحْمَنِ - بْنِ تَارِحٍ
وَهُوَ آزَرُ بْنُ نَاحُورَ بْنِ سَارُوغَ بْنِ رَاعُو بْنِ فَالَخ بْنِ
عَيْبَرَ بْنِ شالَخ بْنِ أرْفَخْشَذ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَمْكَ
بْنِ مَتّوشَلَخ بْنِ أخنوخ ، وَهُوَ إدْرِيسُ النّبِيّ [ ص 3 ] أَعْلَمُ
وَكَانَ أَوّلَ بَنِي آدَمَ أُعْطَى النّبُوّةَ وَخَطّ بِالْقَلَمِ -
ابْنِ يَرْدِ بْنِ مهْلَيِل بْنِ قَيْنَن بْنِ يانِشَ بْنِ شِيثِ بْنِ
آدَمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ بِهَذَا الّذِي
ذَكَرْتُ مِنْ نَسَبِ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلّمَ إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَمَا فِيهِ مِنْ حَدِيثِ
إدْرِيسَ وَغَيْرِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ
قُرّةَ بْنِ خَالِدٍ السّدُوسِيّ ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ
شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دُعَامة ، أَنّهُ قَالَ [ ص 4 ]
إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - خَلِيلِ الرّحْمَنِ - بْنُ تَارِحٍ و هُوَ
آزَرُ بْنُ نَاحُورَ بْنِ أسرغ بْنِ أَرْغُو بْنِ فَالَخ بْنِ عَابِرِ
بْنِ شالَخ بْنِ أرْفخْشَذ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحِ بْنِ لَمْك بْنِ
مَتّوشَلَخ بْنِ أخنوخ بْنِ يَرْدِ بْنِ مهْلائِيل بْن قاين بْن أَنُوش
بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ نَهْجُ ابْنِ هِشَامٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنَا إنْ شَاءَ اللّهُ مُبْتَدِئٌ هَذَا الْكِتَابَ
بِذِكْرِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، وَمَنْ وَلَدَ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ مِنْ وَلَدِهِ وَأَوْلَادِهِمْ
لِأَصْلَابِهِمْ الْأَوّلَ فَالْأَوّلَ مِنْ إسْمَاعِيلَ إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ وَمَا يَعْرِضُ مِنْ
حَدِيثهِمْ وَتَارِكٌ ذِكْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَى
هَذِهِ الْجِهَةِ لِلِاخْتِصَارِ إلَى حَدِيثِ سِيرَةِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَارِكٌ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ
إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمّا لَيْسَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ فِيهِ ذِكْرٌ وَلَا نَزَلَ فِيهِ مِنْ
الْقُرْآنِ شَيْءٌ وَلَيْسَ سَبَبًا لِشَيْءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَلَا
تَفْسِيرًا لَهُ وَلَا شَاهِدًا عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْت مِنْ
الِاخْتِصَارِ وَأَشْعَارًا ذَكَرَهَا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا ، وَأَشْيَاءَ بَعْضُهَا ، يَشْنُعُ
الْحَدِيثُ بِهِ وَبَعْضٌ يَسُوءُ بَعْضَ النّاسِ ذِكْرُهُ وَبَعْضٌ لَمْ
يُقِرّ لَنَا الْبَكّائِيّ بِرِوَايَتِهِ وَمُسْتَقْصٍ إنْ شَاءَ اللّهُ
تَعَالَى مَا سِوَى ذَلِك مِنْهُ بِمَبْلَغِ الرّوَايَةِ لَهُ وَالْعِلْمِ
بِهِ .
سِيَاقَةُ النّسَبِ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ
[ أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَنَسَبُ أُمّهِمْ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ،
عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ وَلَدَ إسْمَاعِيلُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا : نَابِتًا ،
وَكَانَ أَكْبَرَهُمْ [ ص 5 ] وقَيْذَر ، وَأَذْبُلَ وَمُبِشّا ،
وَمِسْمَعًا ، وَمَاشِي ، وَدِمّا ، وَأَذَر ، وطيما ، وَيَطُورَ و نَبِشَ
و قَيْذُما . وَأُمّهُمْ ( رَعْلَةُ ) بِنْتُ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو
الْجُرْهُمِيّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مِضَاضٌ . وَجُرْهُمُ
بْنُ قَحْطَانَ ، وَقَحْطَانُ أَبُو الْيَمَنِ كُلّهَا ، وَإِلَيْهِ
يَجْتَمِعُ نَسَبُهَا - ابْنُ عَامِرِ بْنِ شالَخ بْنِ أرْفَخْشَذ بْنِ
سَامِ بْنِ نُوحٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : جُرْهُمُ بْنُ يَقْطَنَ بْنِ
عَيْبَر بْنِ شالَخ . و ( يَقْطَنُ هُوَ ) قَحْطَانُ بْنُ عَيْبَر بْنِ
شالَخ .
[ عُمْرُ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَمَدْفِنُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ عُمْرُ إسْمَاعِيلَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ مِئَةَ
سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمّ مَاتَ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ
عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي الْحِجْرِ مَعَ أُمّهِ هَاجَرَ ، رَحِمَهُمْ اللّهُ
تَعَالَى . [ ص 6 ]
[ مَوْطِنُ هَاجَرَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
تَقُولُ الْعَرَبُ : هَاجَرَ وَآجَرَ فَيُبْدِلُونَ الْأَلِفَ مِنْ
الْهَاءِ كَمَا قَالُوا : هَرَاقَ الْمَاءَ وَأَرَاقَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ
. وَهَاجَرُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ .
[ وَصَاةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَهْلِ مِصْرَ وَسَبَبُ ذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ قَالَ اللّهَ اللّهَ فِي أَهْلِ
الذّمّةِ ، أَهْلِ الْمَدَرَةِ السّوْدَاءِ السّحْمِ الْجِعَادِ فَإِنّ
لَهُمْ نَسَبًا وَصِهْرًا قَالَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ : نَسَبُهُمْ
أَنّ أُمّ إسْمَاعِيلَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
مِنْهُمْ . وَصِهْرُهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلّمَ - تَسَرّرَ فِيهِمْ . قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ أُمّ
إسْمَاعِيلَ هَاجَرُ ، مِنْ أُمّ الْعَرَبِ ، قَرْيَةٍ كَانَتْ أَمَامَ
الْفَرَمَا [ ص 7 ] مِصْرَ . وَأُمّ إبْرَاهِيمَ مَارِيَةُ سُرّيّةُ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ الّتِي أَهْدَاهَا لَهُ
الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنٍ مِنْ كُورَةِ أنْصِنا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابِ
الزّهْرِيّ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ ثُمّ السّلَمِيّ حَدّثَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ قَالَ إذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ
فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا ، فَإِنّ لَهُمْ ذِمّةً وَرَحِمًا
فَقُلْت لِمُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ : مَا الرّحِمُ الّتِي
ذَكَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ لَهُمْ ؟
فَقَالَ كَانَتْ هَاجَرُ أُمّ إسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ .
[ أَصْلُ الْعَرَبِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَالْعَرَبُ كُلّهَا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَقَحْطَانَ
. وَبَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقُولُ قَحْطَانُ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ
وَيَقُولُ إسْمَاعِيلُ أَبُو الْعَرَبِ كُلّهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
عَادُ بْنُ عَوْص بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَثَمُودُ وجديس
ابْنَا عَابِرِ بْنِ إرَمِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وطَسْم وَعِمْلَاقُ
وَأُمَيْمُ بَنُو لَاوِذْ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ عَرَبٌ كُلّهُمْ .
فَوَلَدَ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ : يَشْجُبَ بْنَ نَابِتٍ فَوَلَدَ
يَشْجُبُ يَعْرُبَ بْنَ يَشْجُبَ فَوَلَدَ يَعْرُبُ تَيْرَح بْنَ يَعْرُبَ
فَوَلَدَ تَيْرَح : [ ص 8 ] نَاحُورَ بْنَ تَيْرَح ، فَوَلَدَ نَاحُورُ
مُقَوّمَ بْنَ نَاحُورٍ ، فَوَلَدَ مُقَوّمُ أُدَدَ بْنَ مُقَوّمٍ
فَوَلَدَ أُدَدُ عَدْنَانَ بْنَ أُدَدَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
عَدْنَانُ بْنُ أُدّ .
[ أَوْلَادُ عَدْنَانَ ]
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَمِنْ عَدْنَانَ تَفَرّقَتْ الْقَبَائِلُ مِنْ وَلَدِ
إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ فَوَلَدَ عَدْنَانُ
رَجُلَيْنِ مَعَدّ بْنَ عَدْنَانَ ، وَعَكّ بْنَ عَدْنَانَ .
[ مَوْطِنُ عَكّ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَصَارَتْ عَكّ فِي دَارِ الْيَمَنِ ، وَذَلِكَ أَنّ
عَكّا تَزَوّجَ فِي الْأَشْعَرِيّينَ فَأَقَامَ فِيهِمْ فَصَارَتْ الدّارُ
وَاللّغَةُ وَاحِدَةً والأشعريون بَنُو أَشْعَرَ بْنِ نَبْتِ بْنِ أُدَدَ
بْنِ زَيْدِ بْنِ همَيْسَع بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ
زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ
قَحْطَانَ ، وَيُقَالُ أَشْعَرُ نَبْتُ بْنُ أُدَدَ وَيُقَالُ أَشْعَرُ
ابْنُ مَالِكٍ . وَمَالِكٌ مَذْحجُ بْنُ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ هَمَيْسع
. وَيُقَالُ أَشْعَرُ ابْنُ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ . وَأَنْشَدَنِي أَبُو
مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ لِعَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ
أَحَدِ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ
عَدْنَانَ ، يَفْخَرُ بِعَكّ [ ص 9 ] وَعَكّ بْنُ عَدْنَانَ الّذِينَ
تَلَقّبُوا ؟ بِغَسّانِ حَتّى طُرّدُوا كُلّ مَطْرِدِ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَغَسّانُ : مَاءٌ بِسَدّ مارِب
بِالْيَمَنِ ، كَانَ شِرْبًا لِوَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ
الْغَوْثِ فَسُمّوا بِهِ وَيُقَالُ غَسّانُ : مَاءٌ بِالْمُشَلّلِ قَرِيبٌ
مِنْ الْجُحْفَةِ ، وَاَلّذِينَ شَرِبُوا مِنْهُ فَسُمّوا بِهِ قَبَائِلُ
مِنْ وَلَدِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ
يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ . قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ -
وَالْأَنْصَارُ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، ابْنَيْ حَارِثَةَ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ
الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ :
[ ص 10 ]
إمّا سَأَلْتِ فَإِنّا مَعْشَرٌ نُجُبٌ ... الْأَسْدُ نِسْبَتُنَا وَالْمَاءُ غَسّانُ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . فَقَالَتْ الْيَمَنُ : وَبَعْضُ عَكّ
وَهُمْ الّذِينَ بِخُرَاسَانَ مِنْهُمْ عَكّ بْنُ عَدْنَانَ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ ؟ وَيُقَالُ عُدْثان بْنُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ .
[ أَوْلَادُ مَعَدّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ مَعَدّ بْنُ عَدْنَانَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ
نِزَارَ بْنَ مَعَدّ وَقُضَاعَةَ بْنَ مَعَدّ ، وَكَانَ قُضَاعَةُ بِكْرَ
مَعَدّ الّذِي بِهِ يُكَنّى فِيمَا يَزْعُمُونَ وقُنُص بْنَ مَعَدّ
وَإِيَادَ بْنَ مَعَدّ . فَأَمّا قُضَاعَةُ فَتَيَامَنَتْ إلَى حِمْيَرِ
بْنِ سَبَأٍ - وَكَانَ اسْمُ سَبَأٍ عَبْدَ شَمْسٍ ، وَإِنّمَا سُمّيَ
سَبَأً ، لِأَنّهُ أَوّلُ مَنْ سَبَى فِي الْعَرَبِ - ابْنِ يَشْجُبَ بْنِ
يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ .
قُضَاعَةُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
فَقَالَتْ الْيَمَنُ وَقُضَاعَةُ : قُضَاعَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرَ
. وَقَالَ [ ص 11 ] عَمْرُو بْنُ مُرّةَ الْجُهَنِيّ ، وَجُهَيْنَةُ بْنُ
زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ الْحَافِ بْنِ
قُضَاعَةَ :
نَحْنُ بَنُو الشّيْخِ الْهِجَانِ الْأَزْهَرَ ... قُضَاعَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ حِمْيَرِ
النّسَبِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ ... فِي الْحَجَرِ الْمَنْقُوشِ تَحْتَ الْمِنْبَرِ
[ قُنُصُ بْنُ مَعَدّ وَنَسَبُ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمّا قُنُصُ بْنُ مَعَدّ فَهَلَكَتْ بَقِيّتُهُمْ -
فِيمَا يَزْعُمُ نُسّابُ مَعَدّ - وَكَانَ مِنْهُمْ النّعْمَانُ بْنُ
الْمُنْذِرِ مَلِكُ الْحِيرَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي
مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ :
أَنّ النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ كَانَ مِنْ وَلَدِ قُنُصِ بْنِ مَعَدّ
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَنَصَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ
عَنْ شَيْخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَنّهُ حَدّثَهُ [ ص
12 ] عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حِينَ أُتِيَ بِسَيْفِ
النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، دَعَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ - وَكَانَ جُبَيْرُ مِنْ
أَنْسَبِ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشِ وَلِلْعَرَبِ قَاطِبَةً وَكَانَ يَقُولُ
إنّمَا أَخَذْتُ النّسَبَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ أَنْسَبَ الْعَرَبِ - فَسَلّحَهُ
إيّاهُ ثُمّ قَالَ مِمّنْ كَانَ يَا جُبَيْرُ النّعْمَانُ بْنُ
الْمُنْذِرِ ؟ فَقَالَ كَانَ مِنْ أَشْلَاءِ قُنُصِ بْنِ مَعَدّ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَمّا سَائِرُ الْعَرَبِ فَيَزْعُمُونَ أَنّهُ كَانَ
رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ مِنْ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ ، فَاَللّهُ
أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
[ نَسَبُ لَخْمِ بْنِ عَدِيّ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : لَخْمُ : ابْنُ عَدِيّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُرّةَ بْنِ
أُدَدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ همَيْسع بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ يَشْجُبَ
بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ ، وَيُقَالُ لَخْمُ : ابْنُ
عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَبَأٍ ، وَيُقَال : رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرِ بْنِ
أَبِي حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، وَكَانَ تَخَلّفَ
بِالْيَمَنِ بَعْدَ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ .
أَمْرُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْيَمَنِ
وَقِصّةُ سَدّ مَأْرِبٍ
[
ص 13 ] وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ الْيَمَنِ -
فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ - أَنّهُ رَأَى جُرَذًا
يَحْفِرُ فِي سَدّ مَأْرِبٍ سَدّ مَأْرِب ، الّذِي كَانَ يَحْبِسُ
عَلَيْهِمْ الْمَاءَ - فَيُصَرّفُونَهُ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ أَرْضِهِمْ
فَعَلِمَ أَنّهُ لَا بَقَاءَ لِلسّدّ عَلَى ذَلِكَ فَاعْتَزَمَ عَلَى
النّقْلَةِ مِنْ الْيَمَنِ ، فَكَادَ قَوْمَهُ فَأَمَرَ أَصْغَرَ وَلَدِهِ
إذَا أَغْلَظَ لَهُ وَلَطَمَهُ أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ فَيَلْطِمَهُ
فَفَعَلَ ابْنُهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَقَالَ عَمْرٌو : لَا أُقِيمُ
بِبَلَدِ لَطَمَ وَجْهِي فِيهِ أَصْغَرُ وَلَدِي ، وَعَرَضَ أَمْوَالَهُ .
فَقَالَ أَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ : اغْتَنِمُوا غَضْبَةَ
عَمْرٍو ، فَاشْتَرَوْا مِنْهُ أَمْوَالَهُ . وَانْتَقَلَ فِي وَلَدِهِ
وَوَلَدِ وَلَدِهِ . وَقَالَتْ الْأَزْدُ : لَا نَتَخَلّفُ عَنْ عَمْرِو
بْنِ عَامِرٍ ، فَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ وَخَرَجُوا مَعَهُ فَسَارُوا
حَتّى نَزَلُوا بِلَادَ عَكّ مُجْتَازِينَ يَرْتَادُونَ الْبُلْدَانَ
فَحَارَبَتْهُمْ عَكّ ، فَكَانَتْ حَرْبُهُمْ سِجَالًا . فَفِي ذَلِكَ
قَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْبَيْتَ الّذِي كَتَبْنَا . ثُمّ
ارْتَحَلُوا عَنْهُمْ فَتَفَرّقُوا فِي الْبُلْدَانِ فَنَزَلَ آلُ
جَفْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الشّامَ ، وَنَزَلَتْ الْأَوْسُ
وَالْخَزْرَجُ يَثْرِبَ ، وَنَزَلَتْ خُزَاعَةُ مَرّا ، وَنَزَلَتْ أَزْدُ
السّرَاةَ ، وَنَزَلَتْ أَزْدُ عَمّانَ عُمَانَ . ثُمّ أَرْسَلَ اللّهُ
تَعَالَى عَلَى السّدّ السّيْلَ فَهَدَمَهُ فَفِيهِ أَنْزَلَ اللّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنّتَانِ عَنْ
يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ
طَيّبَةٌ وَرَبّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ
الْعَرِمِ } . [ ص 14 ] وَالْعَرِمُ : السّدّ ، وَاحِدَتُهُ عَرِمَةٌ
فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ . قَالَ الْأَعْشَى : أَعْشَى بَنِي
قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ
بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ
بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ أَفْصَى بْنِ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ وَاسْمُ الْأَعْشَى ،
مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَنْدَلِ بْنِ شَرَاحيل بْنِ عَوْفِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
وَفِي ذَاكَ لِلْمُؤْتَسِي أُسْوَةٌ ... ومارِبُ عَفّى عَلَيْهَا العَرِمْ
رُخَامٌ بَنَتْهُ لَهُمْ حِمْيرٌ ... إذَا جَاءَ مَوّارُهُ لَمْ يَرِمْ
فَأَرْوَى الزّرُوعَ وَأَعْنَابَهَا ... عَلَى سَعَةٍ مَاؤُهُمْ إذْ قُسِمْ
فَصَارُوا أَيَادَى مَا يَقْدِرُو ... نَ مِنْهُ عَلَى شُرْبِ طِفْلٍ فُطِمْ
وَهَذِهِ
الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ
الثّقَفِيّ - وَاسْمُ ثَقِيفٍ قَسِيّ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ
هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ : مِنْ
سَبَأِ الْحَاضِرِينَ مارِب إذْ يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ الْعَرِمَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَتُرْوَى لِلنّابِغَةِ
الْجَعْدِيّ وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ
بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَنَعَنِي
مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْت مِنْ الِاخْتِصَارِ [ ص 15 ]
[ أَمْرُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرِ مَلِكِ الْيَمَنِ وَقِصّةُ شِقّ وَسَطِيحٍ الْكَاهِنَيْنِ مَعَهُ ]
[ رُؤْيَا رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ مَلِكُ الْيَمَنِ بَيْنَ
أَضْعَافِ مُلُوكِ التّبَابِعَةِ فَرَأَى رُؤْيَا هَالَتْهُ وَفَظِعَ
بِهَا فَلَمْ يَدَعْ كَاهِنًا ، وَلَا سَاحِرًا ، وَلَا عَائِفًا وَلَا
مُنَجّمًا مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إلّا جَمَعَهُ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ
إنّي قَدْ رَأَيْت رُؤْيَا هَالَتْنِي ، وَفَظِعْتُ بِهَا ،
فَأَخْبِرُونِي بِهَا وَبِتَأْوِيلِهَا ، قَالُوا لَهُ اُقْصُصْهَا
عَلَيْنَا نُخْبِرْك بِتَأْوِيلِهَا ، قَالَ إنّي إنْ أَخْبَرْتُكُمْ
بِهَا لَمْ أَطْمَئِنّ إلَى خَبَرِكُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا ، فَإِنّهُ لَا
يَعْرِفُ تَأْوِيلَهَا إلّا مَنْ عَرَفَهَا قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا
. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ الْمَلِكُ يُرِيدُ هَذَا
فَلْيَبْعَثْ إلَى سَطِيحٍ وَشِقّ فَإِنّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ
مِنْهُمَا ، فَهُمَا يُخْبِرَانِهِ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ .
[ نَسَبُ سَطِيحٍ وَشِقّ ]
وَاسْمُ
سَطِيحٍ رَبِيعُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذِئْبِ
بْنِ عَدِيّ بْنِ مَازِنِ غَسّانَ . وَشِقّ : ابْنُ صَعْبِ بْنُ يَشْكُرَ
بْنِ رُهْم بْنِ أَفْرَكَ بْنِ قَسْرِ بْنِ عَبْقَرَ بْنِ أَنْمَارِ بْنِ
نِزَارٍ ، وَأَنْمَارُ أَبُو بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ .
[ نَسَبُ بَجِيلَةَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَتْ الْيَمَنُ وَبَجِيلَةُ : ( بَنُو ) أَنْمَارِ :
بْنِ إرَاشِ [ ص 16 ] مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ :
وَيُقَالُ إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ . وَدَارُ
بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ يَمَانِيّةٌ .
[ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ وَسَطِيحٌ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَعَثَ إلَيْهِمَا ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ سَطِيحٌ قَبْلَ
شِقّ فَقَالَ لَهُ إنّي رَأَيْت رُؤْيَا هَالَتْنِي وَفَظِعْتُ بِهَا ،
فَأَخْبِرْنِي بِهَا ، فَإِنّك إنْ أَصَبْتَهَا أَصَبْتَ تَأْوِيلَهَا .
قَالَ أَفْعَلُ رَأَيْت حُمَمَهُ خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمه ، فَوَقَعَتْ
بِأَرْضِ تَهَمه ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ فَقَالَ لَهُ
الْمَلِكُ مَا أَخْطَأْتَ مِنْهَا شَيْئًا يَا سَطِيحٌ فَمَا عِنْدَك فِي
تَأْوِيلِهَا ؟ فَقَالَ أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ الْحَرّتَيْنِ مِنْ حَنَشٍ
لَتَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ فَلَتَمْلِكَن مَا بَيْن أَبْيَنَ إلَى
جُرَش ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ [ ص 17 ] وَأَبِيك يَا سَطِيحُ إنّ هَذَا
لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ فَمَتَى ، هُوَ كَائِنٌ ؟ أَفِي زَمَانِي هَذَا ،
أَمْ بَعْدَهُ ؟ قَالَ لَا ، بَلْ بَعْدَهُ بِحِينِ أَكْثَرَ مِنْ سِتّينَ
أَوْ سَبْعِينَ يَمْضِينَ مِنْ السّنِينَ قَالَ أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ
مُلْكِهِمْ أَمْ يَنْقَطِعُ ؟ قَالَ لَا ، بَلْ يَنْقَطِعُ لِبِضْعِ
وَسَبْعِينَ مِنْ السّنِينَ ثُمّ يُقْتَلُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا
هَارِبِينَ قَالَ وَمَنْ يَلِي مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِمْ
وَإِخْرَاجِهِمْ ؟ قَالَ يَلِيهِ إرَمُ ( بْنُ ) ذِي يَزَنَ ، يَخْرُجُ
عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ ، فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ
قَالَ أَفَيَدُوم ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ أَمْ يَنْقَطِعُ ؟ قَالَ لَا ،
بَلْ يَنْقَطِعُ قَالَ وَمَنْ يَقْطَعُهُ ؟ قَالَ نَبِيّ زَكِيّ ،
يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيّ قَالَ وَمِمّنْ هَذَا النّبِيّ
؟ قَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
النّضْرِ ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ ؟ قَالَ
وَهَلْ لِلدّهْرِ مِنْ آخِرٍ ؟ قَالَ نَعَمْ يَوْمٌ يُجْمَعُ فِيهِ
الْأَوّلُونَ وَالْآخِرُونَ يَسْعَدُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ وَيَشْقَى
فِيهِ الْمُسِيئُونَ قَالَ أَحَقّ مَا تُخْبِرُنِي ؟ قَالَ نَعَمْ
وَالشّفَقُ وَالْغَسَقُ وَالْفَلَقُ إذَا اتّسَقَ إنّ مَا أَنْبَأْتُك
بِهِ لَحَقّ .
[ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ وَشِقّ ]
ثُمّ قَدِمَ
عَلَيْهِ شِقّ ، فَقَالَ لَهُ كَقَوْلِهِ لِسَطِيحِ وَكَتَمَهُ مَا قَالَ
سَطِيحٌ لِيَنْظُرَ أَيَتّفِقَانِ أَمْ يَخْتَلِفَانِ فَقَالَ نَعَمْ
رَأَيْت حُمَمَهُ خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمه ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ
وَأَكَمَهْ فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ نَسَمَهْ . [ ص 18 ] قَالَ
فَلَمّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ وَعَرَفَ أَنّهُمَا قَدْ اتّفَقَا وَأَنّ
قَوْلَهُمَا وَاحِدٌ إلّا أَنّ سَطِيحًا قَالَ " وَقَعَتْ بِأَرْضِ
تَهَمَهْ فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ جُمْجُمَهُ " وَقَالَ شِقّ : "
وَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَهْ فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلّ ذَاتِ
نَسَمَهْ " . فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا أَخْطَأْت يَا شِقّ مِنْهَا
شَيْئًا ، فَمَا عِنْدَك فِي تَأْوِيلِهَا ؟ قَالَ أَحْلِفُ بِمَا بَيْنَ
الْحَرّتَيْنِ مِنْ إنْسَانٍ لَيَنْزِلَن أَرْضَكُمْ السّودَانُ ،
فَلَيَغْلِبُنّ عَلَى كُلّ طَفْلَةِ الْبَنَانِ وَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ
أَبْيَنَ إلَى نَجْرَانَ . فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ وَأَبِيك يَا شِقّ ،
إنّ هَذَا لَنَا لَغَائِظٌ مُوجِعٌ فَمَتَى هُوَ كَائِنٌ ؟ أَفِي زَمَانِي
، أَمْ بَعْدَهُ ؟ قَالَ لَا ، بَلْ بَعْدَهُ بِزَمَانِ ثُمّ
يَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْهُمْ عَظِيمٌ ذُو شَأْنٍ وَيُذِيقُهُمْ أَشَدّ
الْهَوَانِ قَالَ وَمَنْ هَذَا الْعَظِيمُ الشّانِ ؟ قَالَ غُلَامٌ لَيْسَ
بِدَنِيّ وَلَا مُدَنّ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ (
فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ ) ، قَالَ أَفَيَدُومُ
سُلْطَانُهُ أَمْ يَنْقَطِعُ ؟ قَالَ بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ
يَأْتِي بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ بَيْنَ أَهْلِ الدّينِ وَالْفَضْلِ يَكُونُ
الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ قَالَ وَمَا يَوْمُ
الْفَصْلِ ؟ قَالَ يَوْمٌ تُجْزَى فِيهِ الْوُلَاةُ وَيُدْعَى فِيهِ مِنْ
السّمَاءِ بِدَعَوَاتِ يَسْمَعُ مِنْهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ
وَيُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ النّاسِ لِلْمِيقَاتِ يَكُونُ فِيهِ لِمَنْ
اتّقَى الْفَوْزُ وَالْخَيْرَاتُ قَالَ أَحَقّ مَا تَقُولُ ؟ قَالَ إي
وَرَبّ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ رَفْعٍ وَخَفْضٍ إنّ
مَا أَنْبَأْتُك بِهِ لَحَقّ مَا فِيهِ أَمْضِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
أَمْضِ يَعْنِي شَكّا ، هَذَا بِلُغَةِ حِمْيَرَ ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو
: أَمْضِ أَيْ بَاطِلٌ .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 11:32 am

اقتباس :


[ هِجْرَةُ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ إلَى الْعِرَاقِ ]
فَوَقَعَ
فِي نَفْسِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَا قَالَا . فَجَهّزَ بَنِيهِ وَأَهْلَ
بَيْتِهِ إلَى الْعِرَاقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَكَتَبَ لَهُمْ إلَى مَلِكٍ
مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ يُقَالُ لَهُ سَابُورُ بْنُ خُرّزاذ ،
فَأَسْكَنَهُمْ الْحِيرَةَ . [ ص 19 ]
[ نَسَبُ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ]
فَمِنْ
بَقِيّةِ وَلَدِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ ،
فَهُوَ فِي نَسَبِ الْيَمَنِ وَعِلْمِهِمْ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ
بْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيّ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ ، ذَلِكَ الْمَلِكُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُنْذِرِ فِيمَا أَخْبَرَنِي خَلَفٌ
الْأَحْمَرُ .
اسْتِيلَاءُ أَبِي كَرِبٍ تُبّانَ أَسْعَدَ عَلَى مَلِكِ الْيَمَنِ وَغَزْوِهِ إلَى يَثْرِبَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا هَلَكَ رَبِيعَةُ بْنُ نَصْرٍ رَجَعَ مُلْكُ
الْيَمَنِ كُلّهُ إلَى حَسّانِ بْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ -
وَتُبّانُ أَسْعَدُ هُوَ تُبّعٌ الْآخِرُ - ابْنُ كُلِي كَرِبِ بْنِ
زَيْدٍ وَزَيْدٌ هُوَ تُبّعٌ الْأَوّلُ بْنُ عَمْرِو ذِي الأذْعار بْنِ
أَبْرَهَةَ ذِي الْمَنَارِ بْنِ الرّيشِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ الرّائِشُ - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ابْنَ عَدِيّ بْنِ صَيْفِيّ
بْنِ سَبَأٍ الْأَصْغَرِ بْنِ كَعْبٍ كَهْفِ الظّلْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
سَهْلِ بْنِ عَمْرِو [ ص 20 ] قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ
عَبْدِ شَمْسِ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ قَطَنِ بْنِ عَرِيبِ بْنِ
زُهَيْرِ بْنِ أَيْمَنَ بْنِ الهَمَيْسع بْنِ العَرَنجَج والعَرَنْجَج :
حِمْيَرُ بْنُ سَبَأٍ الْأَكْبَرِ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ
قَحْطَانَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَشْجُبُ ابْنُ يَعْرُبَ بْنِ
قَحْطَانَ .
[ شَيْءٌ مِنْ سِيرَةِ تُبّانَ ]
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَتُبّانُ أَسْعَدُ أَبُو كَرِبٍ الّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ
وَسَاقَ الْحِبْرَيْنِ مِنْ يَهُودِ ( الْمَدِينَةِ ) إلَى الْيَمَنِ ،
وَعَمّرَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَكَسَاهُ وَكَانَ مُلْكُهُ قَبْلَ مُلْكِ
رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ
حَظّي مِنْ أَبِي كرب26500"id="الشعر" > لَيْتَ حَظّي مِنْ أَبِي كَرِبٍ ... أَنْ يَسُدّ خَيْرُهُ خَبَلَهُ
[ غَضَبُ تُبّانَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ قَدْ جَعَلَ طَرِيقَهُ - حِينَ أَقْبَلَ مِنْ
الْمَشْرِقِ - عَلَى الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ قَدْ مَرّ بِهَا فِي
بَدْأَتِهِ فَلَمْ يَهِجْ أَهْلَهَا ، وَخَلّفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
ابْنًا لَهُ فَقُتِلَ غِيلَةً . فَقَدِمَهَا وَهُوَ مُجْمِعٌ
لِإِخْرَابِهَا وَاسْتِئْصَالِ أَهْلِهَا ، وَقَطْعِ نَخْلِهَا ؟ فَجُمِعَ
لَهُ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ وَرَئِيسُهُمْ عَمْرُو بْنُ طَلّةَ
أَخُو بَنِي النّجّارِ ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ
وَاسْمُ مَبْذُولٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، وَاسْمُ
النّجّارِ [ ص 21 ] تَيْمُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ .
[ نَسَبُ عَمْرِو بْنِ طَلّةَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ طَلّةَ : عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، وَطَلّةُ أُمّهُ
وَهِيَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ
بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ .
[ سَبَبُ قِتَالِ تُبّانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ
يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ . عَدَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ تُبّعٍ حِينَ
نَزَلَ بِهِمْ فَقَتَلَهُ وَذَلِكَ أَنّهُ وَجَدَهُ فِي عَذْقٍ لَهُ
يَجُدّهُ فَضَرَبَهُ بِمِنْجَلِهِ فَقَتَلَهُ وَقَالَ إنّمَا التّمْرُ
لِمَنْ أَبّرَهُ . فَزَادَ ذَلِكَ تُبّعًا حَنَقًا عَلَيْهِمْ
فَاقْتَتَلُوا . فَتَزْعُمُ الْأَنْصَارُ أَنّهُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَهُ
بِالنّهَارِ وَيَقْرُونَهُ بِاللّيْلِ فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ
وَيَقُولُ وَاَللّهِ إنّ قَوْمَنَا لَكِرَامٌ .
[ انْصِرَافُ تُبّانَ عَنْ إهْلَاكِ الْمَدِينَةِ وَشِعْرُ خَالِدٍ فِي ذَلِكَ ]
فَبَيْنَا
تُبّعٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِتَالِهِمْ إذْ جَاءَهُ حَبْرَانِ مِنْ
أَحْبَارِ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ - وَقُرَيْظَةُ وَالنّضِير ُ
وَالنّجّامُ وَعَمْرٌو ، وَهُوَ هَدَلُ بَنُو الْخَزْرَجِ بْنِ الصّرِيحِ
بْنِ التّوْءمان بْنِ السّبْطِ بْنِ الْيَسَعَ بْنِ سَعْدِ بْنِ لَاوِيّ
بْنِ خَيْرِ بْنِ النّجّامِ بْنِ تَنْحوم بْنِ عازَر بْنِ عزْرَى بْنِ
هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ يَصْهَرَ بْنِ قَاهِثِ ابْنِ لَاوَى بْنِ
يَعْقُوبَ وَهُوَ إسْرَائِيلُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ
الرّحْمَنِ صَلّى اللّهُ [ ص 22 ] الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا . فَقَالَا
لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ لَا تَفْعَلْ فَإِنّك إنْ أَبَيْتَ إلّا مَا
تُرِيدُ حِيلَ بَيْنَك وَبَيْنَهَا وَلَمْ نَأْمَنْ عَلَيْك عَاجِلَ
الْعُقُوبَةِ فَقَالَ لَهُمَا : وَلِمَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَا : هِيَ
مُهَاجَرُ نَبِيّ يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْحَرَمِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي آخِرِ
الزّمَانِ تَكُونُ دَارَهُ وَقَرَارَهُ فَتَنَاهَى عَنْ ذَلِكَ . وَرَأَى
أَنّ لَهُمَا عِلْمًا ، وَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمَا ، فَانْصَرَفَ
عَنْ الْمَدِينَةِ - وَاتّبَعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا . فَقَالَ خَالِدُ
بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ غَزِيّة بْنِ عَمْرِو ( ابْنِ عَبْدِ ) بْنِ
عَوْفِ بْنِ غُنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ يَفْخَرُ بِعَمْرِو بْنِ
طَلّةَ [ ص 23 ]
أَصَحّا أَمْ قَدْ نَهَى ذُكَرَهْ
أَمْ قَضَى مِنْ لَذّةٍ وَطَرَهْ
أَمْ تَذَكّرْتَ الشّبَابَ وَمَا
ذِكْرُكَ الشّبَابَ أَوْ عُصُرَهْ
إنّهَا حَرْبٌ رَبَاعِيَةٌ
مِثْلُهَا أَتَى الْفَتَى عِبَرَهْ
فَاسْأَلَا عِمْرَانَ أَوْ أَسَدًا
إذْ أَتَتْ عَدْوًا مَعَ الزّهَرَهْ
فَيْلَقٌ فِيهَا أَبُو كَرِبٍ
سُبّغ أَبْدَانُهَا ذَفِرَهْ
ثُمّ قَالُوا : مَنْ نَؤُمّ بِهَا
أَبَنِي عَوْفٍ أَمْ النّجَرَهْ
بَلْ بَنِي النّجّارِ إنّ لَنَا
فِيهِمْ قَتْلَى وَإِنّ تِرَه
فَتَلَقّتْهُمْ مُسَايِفَةٌ
مُدّهَا كالغَبْية النّثِره
فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ طَلّةَ مَلّى
الْإِلَهُ قَوْمَهُ عُمُرَهْ
سَيْدٌ سَامِي الْمُلُوكِ وَمَنْ
رَامَ عَمْرًا لَا يَكُنْ قَدَرَهْ
وَهَذَا
الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ يَزْعُمُونَ أَنّهُ إنّمَا كَانَ حَنَقُ تُبّعٍ
عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ يَهُودَ الّذِينَ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ
وَإِنّمَا أَرَادَ هَلَاكَهُمْ فَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ حَتّى انْصَرَفَ
عَنْهُمْ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شِعْرِهِ
حَنَقًا عَلَى سَبْطَيْنِ حَلّا يَثْرِبَا
أَوْلَى لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِد
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الشّعْرُ الّذِي فِي هَذَا الْبَيْتِ مَصْنُوعٌ فَذَلِكَ الّذِي مَنَعَنَا مِنْ إثْبَاتِهِ .
[ اعْتِنَاقُ تُبّانَ اليَهُودِيّةَ ، وَكِسْوَتُهُ الْبَيْتَ وَتَعْظِيمَهُ وَشِعْرُ سُبَيعة فِي ذَلِكَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ تُبّعٌ وَقَوْمُهُ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ
يَعْبُدُونَهَا ، فَتَوَجّهَ إلَى مَكّةَ ، وَهِيَ طَرِيقُهُ إلَى
الْيَمَنِ ، حَتّى إذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفان ، وَأَمَجٍ ، أَتَاهُ نَفَرٌ
مِنْ [ ص 24 ] هُذَيل بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ
نِزَارِ بْنِ مَعَدّ ، فَقَالُوا لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ أَلَا نَدُلّك
عَلَى بَيْتِ مَالٍ دَاثِرٍ أَغَفَلَتْهُ الْمُلُوكُ قَبْلَك ، فِيهِ
اللّؤْلُؤُ وَالزّبَرْجَدُ وَالْيَاقُوتُ وَالذّهَبُ وَالْفِضّةُ " قَالَ
بَلَى ، قَالُوا : بَيْتٌ بِمَكّةَ يَعْبُدُهُ أَهْلُهُ وَيُصَلّونَ
عِنْدَهُ وَإِنّمَا أَرَادَ الْهُذَلِيّونَ هَلَاكَهُ بِذَلِكَ لِمَا
عَرَفُوا مِنْ هَلَاكِ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ الْمُلُوكِ وَبَغَى عِنْدَهُ .
فَلَمّا أَجْمَعَ لِمَا قَالُوا أَرْسَلَ إلَى الْحَبْرَيْنِ
فَسَأَلَهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا لَهُ مَا أَرَادَ الْقَوْمُ إلّا
هَلَاكَك وَهَلَاكَ جُنْدِك ، مَا نَعْلَمُ بَيْتًا لِلّهِ اتّخَذَهُ فِي
الْأَرْضِ لِنَفْسِهِ غَيْرَهُ وَلَئِنْ فَعَلْت مَا دَعَوْك إلَيْهِ
لَتَهْلَكَن وَلَيَهْلَكَن مَنْ مَعَك جَمِيعًا - قَالَ فَمَاذَا
تَأْمُرَانِنِي أَنْ أَصْنَعَ إذَا أَنَا قَدِمْت عَلَيْهِ قَالَا :
تَصْنَعُ عِنْدَهُ مَا يَصْنَعُ أَهْلُهُ تَطُوفُ بِهِ وَتُعَظّمُهُ
وَتُكْرِمُهُ وَتَحْلِقُ رَأْسَك عِنْدَهُ وَتَذِلّ لَهُ حَتّى تَخْرُجَ
مِنْ عِنْدِهِ قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْتُمَا مِنْ ذَلِكَ " قَالَ
أَمَا وَاَللّهِ إنّهُ لَبَيْتُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ . وَإِنّهُ لَكَمَا
أَخْبَرْنَاك وَلَكِنّ أَهْلَهُ حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ
بِالْأَوْثَانِ الّتِي نَصَبُوهَا حَوْلَهُ وَبِالدّمَاءِ الّتِي
يُهْرِقُونَ عِنْدَهُ وَهُمْ نَجَسٌ أَهْلُ شِرْكٍ - أَوْ كَمَا قَالَا
لَهُ - فَعَرَفَ نُصْحَهُمَا وَصِدْقَ حَدِيثِهِمَا فَقَرّبَ النّفَرَ
مِنْ هُذَيْلٍ ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمّ مَضَى حَتّى
قَدِمَ مَكّةَ . فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَنَحَرَ عِنْدَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ
وَأَقَامَ بِمَكّةَ سِتّةَ أَيّامٍ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - يَنْحَرُ بِهَا
لِلنّاسِ وَيُطْعِمُ أَهْلَهَا وَيَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ وَأُرَى فِي
الْمَنَامِ أَنْ يَكْسُوَ الْبَيْتَ فَكَسَاهُ الْخَصَفَ ثُمّ أُرَى أَنْ
يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ فَكَسَاهُ الْمَعَافِرَ ثُمّ أُرَى أَنْ
يَكْسُوَهُ أَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ فَكَسَاهُ الْمُلَاءَ وَالْوَصَائِلَ
فَكَانَ تُبّعٌ - فِيمَا يَزْعُمُونَ [ ص 25 ] أَوّلَ مَنْ كَسَا
الْبَيْتَ وَأَوْصَى بِهِ وُلَاتَهُ مِنْ جُرْهُمٍ ، وَأَمَرَهُمْ
بِتَطْهِيرِهِ وَأَلّا يُقَرّبُوهُ دَمًا وَلَا مِيتَةً وَلَا مِئْلَاةً
وَهِيَ الْمَحَايِضُ وَجَعَلَ لَهُ بَابًا وَمِفْتَاحًا وَقَالَتْ سُبَيعة
بِنْتُ الْأَحَبّ بْنِ زَبِينة بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ نَصْرِ
بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ ابْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ
عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ وَكَانَتْ عِنْدَ
عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ ابْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ
بْنِ كِنَانَةَ ، لِابْنِ لَهَا مِنْهُ يُقَالُ لَهُ خَالِدٌ تُعَظّمُ
عَلَيْهِ حُرْمَةَ مَكّةَ ، وَتَنْهَاهُ عَنْ الْبَغْيِ فِيهَا ،
وَتَذْكُرُ تُبّعًا وَتَذَلّلَهُ لَهَا ، وَمَا صَنَعَ بِهَا : [ ص 26 ]
أَبُنَيّ لَا تَظْلِمْ بِمَكّةَ ... لَا الصّغِيرَ وَلَا الْكَبِيرْ
وَاحْفَظْ مَحَارِمَهَا بُنَ ... يّ وَلَا يَغُرّنك الغَرورْ
أَبُنَيّ مَنْ يَظْلِمْ بِمَكّةَ ... يَلْقَ أَطْرَاف الشّرورْ
أَبُنَيّ يُضْرَبْ وَجْهُهُ ... وَيَلُحْ بِخَدّيْهِ السّعيرْ
أَبُنَيّ قَدْ جَرّبْتهَا ... فَوَجَدْتُ ظَالِمهَا يَبُورْ
اللّهُ أَمّنَهَا وَمَا ... بُنِيَتْ بِعَرْصَتِهَا قُصورْ
وَاَللّهُ أَمّنَ طَيْرَهَا ... وَالْعُصْمُ تَأْمَنُ فِي ثَبيرْ
وَلَقَدْ غَزَاهَا تُبّعٌ ... فَكَسَا بَنِيّتَهَا الْحَبِير
وَأَذَلّ رَبّي مُلْكَهُ ... فِيهَا فَأَوْفَى بالنّذُورْ
يَمْشِي إلَيْهَا حَافِيًا ... بِفِنَائِهَا أَلْفَا بَعِيرْ
وَيَظَلّ يُطْعِمُ أَهْلَهَا ... لَحْمَ الْمَهَارَى والجَزورْ
يَسْقِيهِمْ الْعَسَلَ الْمُصَفّى ... وَالرّحِيضَ مِنْ الشعيرْ
وَالْفِيل أُهْلِكَ جَيْشُهُ ... يُرْمَوْنَ فِيهَا بِالصّخُورْ
وَالْمُلْك فِي أَقْصَى الْبِلَا ... دِ وَفِي الْأَعَاجِمِ َالْخَزِيرْ
فَاسْمَعْ إذَا حُدّثْتَ وَافْهَمْ ... كَيْفَ عَاقِبَةُ الأمورْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . يُوقَفُ عَلَى قَوَافِيهَا لَا تُعْرَبُ .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 11:33 am

اقتباس :


[ دَعْوَةُ تُبّانَ قَوْمَهُ إلَى الْيَهُودِيّة ، وَتَحْكِيمُهُمْ النّارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ ]
ثُمّ
خَرَجَ مِنْهَا مُتَوَجّهًا إلَى الْيَمَنِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنُودِهِ
وَبِالْحَبْرَيْنِ حَتّى إذَا دَخَلَ [ ص 27 ] الْيَمَنَ دَعَا قَوْمَهُ
إلَى الدّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ حَتّى
يُحَاكِمُوهُ إلَى النّارِ الّتِي كَانَتْ بِالْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : حَدّثَنِي أَبُو مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكِ
القُرَظيّ قَالَ سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ
عُبَيْدِ اللّه ِ يُحَدّثُ أَنّ تُبّعًا لَمّا دَنَا مِنْ الْيَمَنِ
لِيَدْخُلَهَا حَالَتْ حِمْيَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَقَالُوا : لَا
تَدْخُلُهَا عَلَيْنَا ، وَقَدْ فَارَقْت دِينَنَا ، فَدَعَاهُمْ إلَى
دِينِهِ وَقَالَ إنّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ فَقَالُوا : فَحَاكِمْنَا
إلَى النّارِ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ - فِيمَا يَزْعُمُ
أَهْلُ الْيَمَنِ - نَارٌ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ
تَأْكُلُ الظّالِمَ وَلَا تَضُرّ الْمَظْلُومَ فَخَرَجَ قَوْمُهُ
بِأَوْثَانِهِمْ وَمَا يَتَقَرّبُونَ بِهِ فِي دِينِهِمْ وَخَرَجَ
الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا مُتَقَلّدَيْهَا ،
حَتّى قَعَدُوا لِلنّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ
فَخَرَجَتْ النّارُ إلَيْهِمْ فَلَمّا أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ حَادُوا
عَنْهَا وَهَابُوهَا ، فَذَمَرَهُمْ مَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ النّاسِ
وَأَمَرُوهُمْ بِالصّبْرِ لَهَا ، فَصَبَرُوا حَتّى غَشِيَتْهُمْ
فَأَكَلَتْ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرّبُوا مَعَهَا ، وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ
مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي
أَعْنَاقِهِمَا تَعْرَقُ جِبَاهُهُمَا لَمْ تَضُرّهُمَا ، فَأُصْفِقَتْ
عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِ فَمِنْ هُنَالِكَ وَعَنْ ذَلِكَ
كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيّةِ بِالْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ
حَدّثَنِي مُحَدّثٌ أَنّ الْحَبْرَيْنِ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ حِمْيَرَ ،
إنّمَا اتّبَعُوا النّارَ لِيَرُدّوهَا ، وَقَالُوا : مَنْ رَدّهَا فَهُوَ
أَوْلَى بِالْحَقّ فَدَنَا مِنْهَا رِجَالٌ مِنْ حِمْيَرَ بِأَوْثَانِهِمْ
لِيَرُدّوهَا فَدَنَتْ مِنْهُمْ لِتَأْكُلَهُمْ فَحَادُوا عَنْهَا وَلَمْ
يَسْتَطِيعُوا رَدّهَا وَدَنَا مِنْهَا الْحَبْرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ
وَجَعَلَا يَتْلُوَانِ التّوْرَاةَ وَتَنْكُصُ عَنْهُمَا ، حَتّى رَدّاهَا
إلَى مَخْرَجِهَا الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ
حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِمَا ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
[ رئَامٌ وَمَا صَارَ إلَيْهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رِئَامٌ بَيْتًا لَهُمْ يُعَظّمُونَهُ
وَيَنْحَرُونَ عِنْدَهُ وَيَكَلّمُونَ [ ص 28 ] كَانُوا عَلَى شِرْكِهِمْ
؟ فَقَالَ الْحَبْرَانِ لِتُبّعِ إنّمَا هُوَ شَيْطَانٌ يَفْتِنُهُمْ
بِذَلِكَ فَخَلّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَالَ فَشَأْنُكُمَا بِهِ
فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ - فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ - كَلْبًا
أَسْوَدَ فَذَبَحَاهُ ثُمّ هَدَمَا ذَلِكَ الْبَيْتَ فَبَقَايَاهُ
الْيَوْمَ - كَمَا ذُكِرَ لِي - بِهَا آثَارُ الدّمَاءِ الّتِي كَانَتْ
تُهْرَاق عَلَيْهِ .
مُلْكُ ابْنِهِ حَسّانَ بْنِ تُبّانَ وَقَتْلُ عَمْرٍو أَخِيهِ لَهُ
( سَبَبُ قَتْلِهِ )
فَلَمّا
مَلَكَ ابْنُهُ حَسّانُ بْنُ تُبّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ سَارَ
بِأَهْلِ الْيَمَنِ يُرِيدُ أَنْ يَطَأ بِهِمْ أَرْضَ الْعَرَبِ وَأَرْضَ
الْأَعَاجِمِ ، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ أَرْضِ الْعِرَاقِ - قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : بالَبحريْنِ فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ -
كَرِهَتْ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ الْمَسِيرَ مَعَهُ وَأَرَادُوا
الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِهِمْ فَكَلّمُوا أَخًا لَهُ يُقَالُ
لَهُ عَمْرٌو ، وَكَانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ فَقَالُوا لَهُ اُقْتُلْ
أَخَاك حَسّانَ وَنُمَلّكُك عَلَيْنَا ، وَتَرْجِعُ بِنَا إلَى بِلَادِنَا
، فَأَجَابَهُمْ . فَاجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ إلّا ذَا رُعَيْنٍ
الْحِمْيَرِيّ فَإِنّهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ
فَقَالَ ذُو رُعَيْنٍ
سهرا بنوم29358"id="الشعر" > أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهْرًا بِنَوْمِ ... سَعِيدٌ مَنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنِ
فَأَمّا حِمْيَرُ غَدَرَتْ وَخَانَتْ ... فَمَعْذِرَةُ الْإِلَهِ لَذِي رُعَيْنِ
ثُمّ
كَتَبَهُمَا فِي رُقْعَةٍ وَخَتَمَ عَلَيْهَا ، ثُمّ أَتَى بِهَا عَمْرًا
فَقَالَ لَهُ ضَعْ لِي هَذَا الْكِتَابَ عِنْدَك ، فَفَعَلَ تَمّ قَتَلَ
عَمْرٌو أَخَاهُ حَسّانَ وَرَجَعَ بِمَنْ مَعَهُ إلَى الْيَمَنِ ؛ فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ : [ ص 29 ]
لَاهِ عَيْنَا الّذِي رَأَى مِثْلَ حَسّا ... نَ قَتِيلًا فِي سَالِفِ الْأَحْقَابِ
قَتَلَتْهُ مَقاوِلٌ خَشْيَةَ الْحَبْسِ ... غَدَاةً قَالُوا : لَبَابِ لَبَابِ
مَيْتُكُمْ خَيْرُنَا وَحَيّكُمْ ... رَبّ عَلَيْنَا وَكُلّكُمْ أَرْبَابِي
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَوْلُهُ لَبَابِ لَبَابِ لا بَأْسَ لَا بَأْسَ
بِلُغَةِ حِمْيَرَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : لِبَابِ لِبَابِ .
[ نَدَمُ عَمْرٍو وَهَلَاكُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا نَزَلَ عَمْرُو بْنُ تُبّانَ الْيَمَنَ مُنِعَ
مِنْهُ النّوْمُ وَسُلّطَ عَلَيْهِ السّهَرُ فَلَمّا جَهَدَهُ ذَلِكَ
سَأَلَ الْأَطِبّاءَ والحُزاة مِنْ الْكُهّانِ وَالْعَرّافِينَ عَمّا بِهِ
فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْهُمْ إنّهُ وَاَللّهِ مَا قَتَلَ رَجُلٌ قَطّ
أَخَاهُ أَوْ ذَا رَحِمِهِ بَغْيًا عَلَى مِثْلِ مَا قَتَلْتَ أَخَاك
عَلَيْهِ إلّا ذَهَبَ نَوْمُهُ وَسُلّطَ عَلَيْهِ السّهَرُ فَلَمّا قِيلَ
لَهُ ذَلِكَ جَعَلَ يَقْتُلُ كُلّ مَنْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ أَخِيهِ حَسّانَ
مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ ، حَتّى خَلَصَ إلَى ذِي رُعَيْنٍ فَقَالَ لَهُ
ذُو رُعَيْنٍ إنّ لِي عِنْدَك بَرَاءَةً فَقَالَ وَمَا هِيَ ؟ قَالَ
الْكِتَابُ الّذِي دَفَعْتُ إلَيْك : فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا فِيهِ
الْبَيْتَانِ فَتَرَكَهُ وَرَأَى أَنّهُ قَدْ نَصَحَهُ . وَهَلَكَ عَمْرٌو
، فَمَرَجَ أَمْرُ حِمْيَرَ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَفَرّقُوا .
وثوب لخينعة ذي شناتر على ملك اليمن

[ تولِيهِ الْمُلْكَ وَشَيْءٌ مِنْ سِيرَتِهِ ثُمّ قَتْلُه ]
فَوَثَبَ
عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بُيُوتِ الْمَمْلَكَةِ
يُقَالُ لهَ لَخْنيعة يَنُوف . [ ص 30 ] شَناتر ، فَقَتَلَ خِيَارَهُمْ
وَعَبِثَ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ مِنْهُمْ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ
حِمْيَرَ للخنيعة :
حِمْيَرَ للخنيعة :
تُقَتّلُ أَبْنَاهَا وَتَنْفِي سَرَاتَهَا ... وَتَبْنِي بِأَيْدِيهَا لَهَا الذّلّ حِمْيَرُ
تُدَمّرُ دُنْيَاهَا بِطَيْشِ حُلُومِهَا ... وَمَا ضَيّعْت مِنْ دِينِهَا فَهُوَ أَكْثَرُ
كَذَاك الْقُرُونُ هَلْ ذَاكَ بِظُلْمِهَا ... وَإِسْرَافِهَا تَأْتِي الشّرُورَ فَتُخْسَرُ
وَكَانَ
لَخْنيعة امْرِئِ فَاسِقًا يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، فَكَانَ
يُرْسِلُ إلَى الْغُلَامِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ فَيَقَعُ عَلَيْهِ
فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ قَدْ صَنَعَهَا لِذَلِك . لِئَلّا يَمْلِكُ بَعْدَ
ذَلِكَ ثُمّ يَطْلُعُ مِنْ مَشْرَبَتِهِ تِلْكَ إلَى حَرَسِهِ وَمَنْ
حَضَرَ مِنْ جُنْدِهِ قَدْ أَخَذَ مِسْوَاكًا فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ أَيْ
لِيُعْلَمَهُمْ أَنّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ . حَتّى بَعَثَ إلَى زُرْعَةَ
ذِي نُوَاسِ بْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ أَخِي حَسّانَ وَكَانَ صَبِيّا
صَغِيرًا حِينَ قُتِلَ حَسّانُ ثُمّ شَبّ غُلَامًا جَمِيلًا وَسِيمًا ،
ذَا هَيْئَةٍ وَعَقْلٍ فَلَمّا أَتَاهُ رَسُولُهُ عَرَفَ مَا يُرِيدُ
مِنْهُ فَأَخَذَ سِكّينًا حَدِيدًا لَطِيفًا ، فَخَبّأَهُ بَيْنَ قَدَمِهِ
وَنَعْلِهِ ثُمّ أَتَاهُ فَلَمّا خَلَا مَعَهُ وَثَبَ إلَيْهِ فَوَاثَبَهُ
ذُو نُوَاسٍ فَوَجَأَهُ حَتّى قَتَلَهُ ثُمّ حَزّ رَأْسَهُ فَوَضَعَهُ فِي
الْكُوّةِ الّتِي كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا ، وَوَضَعَ مِسْوَاكَهُ فِي
فِيهِ ثُمّ خَرَجَ عَلَى النّاسِ فَقَالُوا لَهُ ذَا نُوَاسٍ أَرَطْبٌ
أَمْ يَبَاسٌ فَقَالَ سَلْ نَخْماس اسْترطُبان ذُو نُوَاسٍ . اسْترطُبان
لاباس - قَالَ [ ص 31 ] ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا كَلَامُ حِمْيَرَ . ونخماس
: الرّأْسُ - فَنَظَرُوا إلَى الْكُوّةِ فَإِذَا رَأْسُ لَخْنيعة
مَقْطُوعٌ فَخَرَجُوا فِي إثْرِ ذِي نُوَاسٍ حَتّى أَدْرَكُوهُ فَقَالُوا
: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَنَا غَيْرُك : إذْ أَرَحْتنَا مِنْ هَذَا
الْخَبِيثِ .
مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ
فَمَلّكُوهُ وَاجْتَمَعَتْ
عَلَيْهِ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ ، فَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ
حِمْيَرَ ، وَهُوَ صَاحِبُ الْأُخْدُودِ ، وَتَسَمّى يُوسُفَ فَأَقَامَ
فِي مُلْكِهِ زَمَانًا .[ النّصْرَانِيّةُ بِنَجْرَانَ ]
وَبِنَجْرَانَ
بَقَايَا مِنْ أَهْلِ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ
عَلَى الْإِنْجِيلِ ، أَهْلِ فَضْلٍ وَاسْتِقَامَةٍ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ
لَهُمْ رَأْسٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الثّامِرِ ، وَكَانَ
مَوْقِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الدّينِ بِنَجْرَانَ ، وَهِيَ بِأَوْسَطِ أَرْضِ
الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ وَأَهْلُهَا وَسَائِرُ الْعَرَبِ كُلّهَا
أَهْلُ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا ، وَذَلِكَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا
أَهْلِ ذَلِكَ الدّينِ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُون - وَقَعَ بَيْنَ
أَظْهُرِهِمْ فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ فَدَانُوا بِهِ .
ابْتِدَاءُ وُقُوعِ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ
[ فَيْمِيُون وَصَالِحٌ وَنَشْرُ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي لَبِيَدٍ مَوْلَى
الْأَخْنَسِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ الْيَمَانِيّ أَنّهُ حَدّثَهُمْ [
ص 32 ] بِنَجْرَانَ كَانَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ دِينِ عِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُون ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا
مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدّنْيَا ، مُجَابَ الدّعْوَةِ وَكَانَ
سَائِحًا يَنْزِلُ بَيْنَ الْقُرَى ، لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةِ إلّا خَرَجَ
مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ لَا يُعْرَفُ بِهَا ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلّا
مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ وَكَانَ بَنّاءً يَعْمَلُ الطّينَ وَكَانَ يُعَظّمُ
الْأَحَدَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا ،
وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلّي بِهَا حَتّى يُمْسِيَ .
قَالَ وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ
مُسْتَخْفِيًا ، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ
صَالِحٌ فَأَحَبّهُ صَالِحٌ حُبّا لَمْ يُحِبّهُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ
فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ وَلَا يَفْطِنُ لَهُ فَيْمِيُون : حَتّى
خَرَجَ مَرّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا
كَانَ يَصْنَعُ وَقَدْ اتّبَعَهُ صَالِحٌ وفَيْمِيون لَا يَدْرِي فَجَلَسَ
صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ لَا يُحِبّ أَنْ
يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ . وَقَامَ فَيْمِيُون يُصَلّي ، فَبَيْنَمَا هُوَ
يُصَلّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ التّنّينُ - الْحَيّةُ ذَاتُ الرّءُوسِ
السّبْعَةِ - فَلَمّا رَآهَا فَيْمِيُون دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ
وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهَا فَخَافَهَا عَلَيْهِ
فَعِيلَ عَوْلُهُ فَصَرَخَ يَا فَيْمِيُون ، التّنّينُ قَدْ أَقْبَلَ
نَحْوَك ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتّى
فَرَغَ مِنْهَا ، وَأَمْسَى فَانْصَرَفَ . وَعَرَفَ أَنّهُ قَدْ عُرِفَ
وَعَرَفَ صَالِحٌ أَنّهُ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ فَقَالَ ( لَهُ يَا )
فَيْمِيُون ، تَعْلَمُ وَاَللّهِ أَنّي مَا أَحْبَبْت شَيْئًا قَطّ حُبّكَ
وَقَدْ أَرَدْت صُحْبَتَك ، وَالْكَيْنُونَةَ مَعَك حَيْثُ كُنْت ،
فَقَالَ مَا شِئْتَ أَمْرِي كَمَا تَرَى ، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنّك تَقْوَى
عَلَيْهِ فَنَعَمْ ؟ فَلَزِمَهُ صَالِحٌ . وَقَدْ كَادَ أَهْلُ
الْقَرْيَةِ يَفْطِنُونَ لِشَأْنِهِ وَكَانَ إذَا فَاجَأَهُ الْعَبْدُ
بِهِ الضّرّ دَعَا لَهُ فَشُفِيَ وَإِذَا دُعِي إلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرّ
لَمْ يَأْتِهِ وَكَانَ لِرَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ
فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِ فَيْمِيُون فَقِيلَ لَهُ إنّهُ لَا يَأْتِي أَحَدًا
دَعَاهُ وَلَكِنّهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِلنّاسِ الْبُنْيَانَ بِالْأَجْرِ .
فَعَمَدَ الرّجُلُ إلَى ابْنِهِ ذَلِكَ فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ
وَأَلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبًا ، تَمّ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ [ ص 33 ]
فَيْمِيُون ، إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَعْمَلَ فِي بَيْتِي عَمَلًا ،
فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ حَتّى تَنْظُرَ إلَيْهِ فأُشارِطك عَلَيْهِ .
فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتّى دَخَلَ حُجْرَتَهُ ثُمّ قَالَ لَهُ مَا تُرِيدُ
أَنْ تَعْمَلَ فِي بَيْتِك هَذَا ؟ قَالَ كَذَا وَكَذَا ، ثُمّ انْتَشَطَ
الرّجُلُ الثّوْبَ عَنْ الصّبِيّ ثُمّ قَالَ لَهُ يَا فَيْمِيُون ، عَبْدٌ
مِنْ عِبَادِ اللّهِ أَصَابَهُ مَا تَرَى ، فَادْعُ اللّهَ لَهُ . فَدَعَا
لَهُ فَيْمِيُون ، فَقَامَ الصّبِيّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ . وَعَرَفَ
فَيْمِيُون أَنّهُ قَدْ عُرِفَ فَخَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ وَاتّبَعَهُ
صَالِحٌ فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بَعْضِ الشّامِ إذْ مَرّ بِشَجَرَةِ
عَظِيمَةٍ . فَنَادَاهُ مِنْهَا رَجُلٌ فَقَالَ يَا فَيْمِيُون ؛ قَالَ
نَعَمْ قَالَ مَا زِلْتُ أَنْظُرُك وَأَقُولُ مَتَى هُوَ جَاءٍ حَتّى
سَمِعْتُ صَوْتَك ، فَعَرَفْت أَنّك هُوَ لَا تَبْرَحْ حَتّى تَقُومَ
عَلَيّ فَإِنّي مَيّتٌ الْآنَ قَالَ فَمَاتَ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتّى
وَارَاهُ ثُمّ انْصَرَفَ وَتَبِعَهُ صَالِحٌ حَتّى وَطِئَا بَعْضَ أَرْضِ
الْعَرَبِ . فَعَدَوْا عَلَيْهِمَا . فَاخْتَطَفَتْهُمَا سَيّارَةٌ مِنْ
بَعْضِ الْعَرَبِ ، فَخَرَجُوا بِهِمَا حَتّى بَاعُوهُمَا بِنَجْرَانَ
وَأَهْلُ نَجْرَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ الْعَرَبِ ، يَعْبُدُونَ
نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَهَا عِيدٌ فِي كُلّ سَنَةٍ إذَا
كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلّقُوا عَلَيْهَا كُلّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَجَدُوهُ
وَحُلِيّ النّسَاءِ ثُمّ خَرَجُوا إلَيْهَا فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا
. فَابْتَاعَ فَيْمِيُون رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَابْتَاعَ صَالِحًا
آخَرُ . فَكَانَ فَيْمِيُون إذَا قَامَ مِنْ اللّيْلِ يَتَهَجّدُ فِي
بَيْتٍ لَهُ - أَسْكَنَهُ إيّاهُ سَيّدُهُ - يُصَلّي ، اُسْتُسْرِجَ لَهُ
الْبَيْتُ نُورًا حَتّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ فَرَأَى ذَلِكَ
سَيّدُهُ فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ
فَأَخْبَرَهُ بِهِ وَقَالَ لَهُ فَيْمِيُون : إنّمَا أَنْتُمْ فِي بَاطِلٍ
إنّ هَذِهِ النّخْلَةَ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْ دَعَوْت
عَلَيْهَا إلَهِي الّذِي أَعْبُدُهُ لَأَهْلَكَهَا ، وَهُوَ اللّهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . قَالَ فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ فَافْعَلْ
فَإِنّك إنْ فَعَلْت دَخَلْنَا فِي دِينِك ، وَتَرَكْنَا مَا نَحْنُ
عَلَيْهِ . قَالَ فَقَامَ فَيْمِيُون ، فَتَطَهّرَ وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ
ثُمّ دَعَا اللّهَ عَلَيْهَا ، فَأَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهَا رِيحًا
فَجَعَفَتْهَا مِنْ أَصْلِهَا فَأَلْقَتْهَا ، فَاتّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ
أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ فَحَمَلَهُمْ عَلَى الشّرِيعَةِ مِنْ
دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ ثُمّ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ
الْأَحْدَاثُ الّتِي دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ [ ص 34 ] كَانَتْ
النّصْرَانِيّةُ بِنَجْرَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَهَذَا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ عَنْ أَهْلِ نَجْرَانَ .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 11:41 am

اقتباس :


أَمْرُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الثّامِرِ وَقِصّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ
[ فَيْمِيُون وَابْنُ الثّامِرِ وَاسْمُ اللّهِ الْأَعْظَمُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ
كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَحَدّثَنِي أَيْضًا بَعْضُ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ
أَهْلِهَا : أَنّ أَهْلَ نَجْرَانَ كَانُوا أَهْلَ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ
الْأَوْثَانَ وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا قَرِيبًا مِنْ نَجْرَانَ
- وَنَجْرَانُ : الْقَرْيَةُ الْعُظْمَى الّتِي إلَيْهَا جِمَاعُ أَهْلِ
تِلْكَ الْبِلَادِ - سَاحِرٌ يُعَلّمُ غِلْمَانَ أَهْلِ نَجْرَانَ
السّحْرَ فَلَمّا نَزَلَهَا فَيْمِيُون - وَلَمْ يُسَمّوهُ لِي بِاسْمِهِ
الّذِي سَمّاهُ بِهِ وَهْبُ بْنُ مُنَبّهٍ ، قَالُوا : رَجُلٌ نَزَلَهَا -
ابْتَنَى خَيْمَةً بَيْنَ نَجْرَانَ وَبَيْنَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الّتِي
بِهَا السّاحِرُ فَجَعَلَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُرْسِلُونَ غِلْمَانَهُمْ
إلَى ذَلِكَ السّاحِرِ يُعَلّمُهُمْ السّحْرَ فَبَعَثَ إلَيْهِ الثّامِرُ
ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الثّامِرِ ، مَعَ غِلْمَانِ أَهْلِ نَجْرَانَ
فَكَانَ إذَا مَرّ بِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ أَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ
مِنْ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ فَجَعَلَ يَجْلِسُ إلَيْهِ . وَيَسْمَعُ
مِنْهُ حَتّى أَسْلَمَ فَوَحّدَ اللّهَ وَعَبَدَهُ وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ
عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ حَتّى إذَا فَقِهَ فِيهِ جَعَلَ يَسْأَلُهُ
عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ . وَكَانَ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ إيّاهُ .
وَقَالَ ( لَهُ ) : يَا ابْنَ أَخِي ، إنّك لَنْ تَحْمِلَهُ أَخْشَى
عَلَيْك ضَعْفَك عَنْهُ . وَالثّامِرُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ لَا يَظُنّ
إلّا أَنّ ابْنَهُ يَخْتَلِفُ إلَى السّاحِرِ كَمَا يَخْتَلِفُ
الْغِلْمَانُ فَلَمّا رَأَى عَبْدُ اللّهِ أَنّ صَاحِبَهُ قَدْ ضَنّ بِهِ
عَنْهُ . وَتَخَوّفَ ضَعْفَهُ فِيهِ عَمَدَ إلَى أَقْدَاحٍ فَجَمَعَهَا .
ثُمّ لَمْ يُبْقِ لِلّهِ اسْمًا يَعْلَمُهُ إلّا كَتَبَهُ فِي قِدْحٍ
وَلِكُلّ اسْمٍ قِدْحٌ حَتّى إذَا أَحْصَاهَا أَوْقَدَ لَهَا نَارًا ،
ثُمّ جَعَلَ يَقْذِفُهَا فِيهَا قِدْحًا قِدْحًا . حَتّى إذَا مَرّ
بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ قَذَفَ فِيهَا بِقِدْحِهِ . فَوَثَبَ الْقِدْحُ
حَتّى خَرَجَ مِنْهَا لَمْ تَضُرّهُ شَيْئًا فَأَخَذَهُ ثُمّ أَتَى
صَاحِبَهُ فَأَخْبَرَهُ بِأَنّهُ قَدْ عَلِمَ الِاسْمَ الّذِي كَتَمَهُ ؟
فَقَالَ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ هُوَ كَذَا وَكَذَا ؟ وَكَيْفَ [ ص 35 ]
فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ قَالَ أَيْ ابْنَ أَخِي ، قَدْ أَصَبْتَهُ
فَأَمْسِكْ عَلَى نَفْسِك ، وَمَا أَظُنّ أَنْ تَفْعَلَ .
[ ابْنُ الثّامِرِ وَدَعْوَتُهُ إلَى النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ ]
فَجَعَلَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ الثّامِرِ إذَا دَخَلَ نَجْرَانَ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا
بِهِ ضُرّ إلّا قَالَ ( لَهُ ) يَا عَبْدَ اللّهِ أَتُوَحّدُ اللّهَ
وَتَدْخُلُ فِي دِينِي وَأَدْعُو اللّهَ فَيُعَافِيك مِمّا أَنْتَ فِيهِ
مِنْ الْبَلَاءِ ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُوَحّدُ اللّهَ وَيُسْلِمُ
وَيَدْعُو لَهُ فَيُشْفَى . حَتّى لَمْ يَبْقَ بِنَجْرَانَ أَحَدٌ بِهِ
ضُرّ إلّا أَتَاهُ فَاتّبَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ وَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ
حَتّى رُفِعَ شَأْنُهُ إلَى مَلِكِ نَجْرَانَ ، فَدَعَاهُ فَقَالَ ( لَهُ
) : أَفْسَدْت عَلَيّ أَهْلَ قَرْيَتِي ، وَخَالَفْت دِينِي وَدِينَ
آبَائِي ، لَأُمَثّلَنّ بِك ، قَالَ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ . قَالَ
فَجَعَلَ يُرْسِلُ بِهِ إلَى الْجَبَلِ الطّوِيلِ فَيُطْرَحُ عَلَى
رَأْسِهِ فَيَقَعُ إلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَجَعَلَ يَبْعَثُ
بِهِ إلَى مِيَاهٍ بِنَجْرَانَ بُحُورٍ لَا يَقَعُ فِيهَا شَيْءٌ إلّا
هَلَكَ فَيُلْقَى فِيهَا فَيَخْرُجُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ . فَلَمّا
غَلَبَهُ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الثّامِرِ : إنّك وَاَللّهِ لَنْ
تَقْدِرَ عَلَى قَتْلِي حَتّى تُوَحّدَ اللّهَ فَتُؤْمِنَ بِمَا آمَنْتُ
بِهِ فَإِنّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ سُلّطْت عَلَيّ فَقَتَلْتنِي . قَالَ
فَوَحّدَ اللّهَ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَلِكُ وَشَهِدَ شَهَادَةَ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ الثّامِرِ ، ثُمّ ضَرَبَهُ بِعَصَا فِي يَدِهِ فَشَجّهُ
شَجّةً غَيْرَ كَبِيرَةٍ فَقَتَلَهُ ثُمّ هَلَكَ الْمَلِكُ مَكَانَهُ ؟
وَاسْتَجْمَعَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الثّامِرِ
، وَكَانَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ الْإِنْجِيلِ
وَحُكْمِهِ ثُمّ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَهْلَ دِينِهِمْ مِنْ
الْأَحْدَاثِ فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ أَصْلُ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ
، وَاَللّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَهَذَا حَدِيثُ
مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَبَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ الثّامِرِ ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
[ ذُو نُوَاسٍ وَخَدّ الْأُخْدُودِ ]
فَسَارَ
إلَيْهِمْ ذُو نُوَاسٍ بِجُنُودِهِ فَدَعَاهُمْ إلَى الْيَهُودِيّةِ
وَخَيّرَهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْقَتْلِ فَاخْتَارُوا الْقَتْلَ فَخَدّ
لَهُمْ الْأُخْدُودَ فَحَرَقَ مَنْ حَرَقَ بِالنّارِ وَقَتَلَ بِالسّيْفِ
وَمَثّلَ بِهِ حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا ،
فَفِي ذِي نُوَاس ٍ وَجُنْدِهِ تِلْكَ أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى
رَسُولِهِ سَيّدِنَا مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { قُتِلَ
أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا
قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا
نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ
} [ ص 36 ]
( الْأُخْدُودُ لُغَةً )
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
الْأُخْدُودُ الْحَفْرُ الْمُسْتَطِيلُ فِي الْأَرْضِ كَالْخَنْدَقِ
وَالْجَدْوَلِ وَنَحْوِهِ وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ . قَالَ ذُو الرّمّةِ
وَاسْمُهُ غَيْلَانُ بْنُ عُقْبَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ أُدّ بْنِ طانجة بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ :
مِنْ الْعِرَاقِيّةِ اللّاتِي يُحِيلُ لَهَا
بَيْنَ الْفَلَاةِ وَبَيْنَ النّخْلِ أُخْدُودُ
يَعْنِي
جَدْوَلًا . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ وَيُقَالُ
لِأَثَرِ السّيْفِ وَالسّكّينِ فِي الْجِلْدِ وَأَثَرِ السّوْطِ
وَنَحْوِهِ أُخْدُودٌ وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ .
[ مَقْتَلُ ابْنِ الثّامِرِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَيُقَالُ كَانَ فِيمَنْ قَتَلَ ذُو نُوَاسٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الثّامِرِ ، رَأْسُهُمْ وَإِمَامُهُمْ .
[ مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ الثّامِرِ فِي قَبْرِهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ رَجُلًا مِنْ
أَهْلِ نَجْرَانَ كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ حَفَرَ خَرِبَةً مِنْ خَرِبِ نَجْرَانَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ
فَوَجَدُوا عَبْدَ اللّهِ بْنَ الثّامِرِ تَحْتَ دَفْنٍ مِنْهَا قَاعِدًا
، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى ضَرْبَةٍ فِي رَأْسِهِ مُمْسِكًا بِيَدِهِ
عَلَيْهَا فَإِذَا أُخّرَتْ يَدُهُ عَنْهَا تَنْبَعِثُ دَمًا ، وَإِذَا
أُرْسِلَتْ يَدُهُ رَدّهَا عَلَيْهَا ، فَأَمْسَكَتْ دَمُهَا ، وَفِي
يَدِهِ خَاتَمٌ [ ص 37 ] رَبّي اللّهُ " فَكُتِبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطّابِ يُخْبَرُ بِأَمْرِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ أَنْ أَقِرّوهُ عَلَى حَالِهِ وَرُدّوا عَلَيْهِ الدّفْنَ الّذِي
كَانَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا
أَمْرُ دَوْسِ ذِي ثَعْلَبَانَ ، وَابْتِدَاءُ مُلْكِ الْحَبَشَةِ وَذِكْرُ أَرْيَاطَ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْيَمَنِ
[ فِرَارُ دَوْسٍ وَاسْتِنْصَارُهُ بِقَيْصَرَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ سَبَأٍ ، يُقَالُ لَهُ
دَوْسُ ذُو ثَعْلَبَانَ ، عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَسَلَكَ الرّمْلَ
فَأَعْجَزَهُمْ فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ حَتّى أَتَى قَيْصَرَ
مَلِكَ الرّومِ ، فَاسْتَنْصَرَهُ عَلَى ذِي نُوَاسٍ وَجُنُودِهِ
وَأَخْبَرَهُ بِمَا بَلَغَ مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُ . بَعُدَتْ بِلَادُك
مِنّا ، وَلَكِنّي سَأَكْتُبُ لَك إلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ فَإِنّهُ عَلَى
هَذَا الدّينِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى بِلَادِك ، وَكَتَبَ إلَيْهِ
يَأْمُرُهُ بِنَصْرِهِ وَالطّلَبِ بِثَأْرِهِ .
[ انْتِصَارُ أَرْيَاط وَهَزِيمَةُ ذِي نُوَاسٍ وَمَوْتُهُ ]
فَقَدِمَ
دَوْسٌ عَلَى النّجَاشِيّ بِكِتَابِ قَيْصَرَ ، فَبَعَثَ مَعَهُ سَبْعِينَ
أَلْفًا مِنْ الْحَبَشَةِ ، وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ
لَهُ أَرْيَاط ، وَمَعَهُ فِي جُنْدِهِ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ ، فَرَكِبَ
أَرْيَاط الْبَحْرَ حَتّى نَزَلَ بِسَاحِلِ الْيَمَنِ ، وَمَعَهُ دَوْسٌ
ذُو ثَعْلَبَانَ ، وَسَارَ إلَيْهِ ذُو نُوَاسٍ فِي حِمْيَرَ ، وَمَنْ
أَطَاعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ ، فَلَمّا الْتَقَوْا انْهَزَمَ ذُو
نُوَاسٍ وَأَصْحَابُهُ . فَلَمّا رَأَى ذُو نُوَاسٍ مَا نَزَلَ بِهِ
وَبِقَوْمِهِ وَجّهَ فَرَسَهُ فِي الْبَحْرِ ثُمّ ضَرَبَهُ فَدَخَلَ بِهِ
فَخَاضَ بِهِ ضَحْضَاحَ الْبَحْرِ حَتّى أَفْضَى بِهِ إلَى غَمْرِهِ
فَأَدْخَلَهُ فِيهِ وَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ . وَدَخَلَ أَرْيَاط
الْيَمَنَ ، فَمَلَكَهَا [ ص 38 ]
[ شِعْرٌ فِي دَوْسٍ وَمَا كَانَ مِنْهُ ]
فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ - وَهُوَ يَذْكُرُ مَا سَاقَ إلَيْهِمْ
دَوْسٌ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ : لَا كَدَوْسٍ وَلَا كَأَعْلَاقِ
رَحْلِهِ " فَهِيَ مَثَلٌ بِالْيَمَنِ إلَى هَذَا الْيَوْمِ وَقَالَ ذُو
جَدَن الْحِمْيَرِيّ :
هَوْنكِ لَيْسَ يَرُدّ الدّمْعُ مَا فَاتَا ... لَا تَهْلِكِي أَسَفًا فِي إثْرِ مَنْ مَاتَا
أَبَعْدَ بَيْنُون لَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ ... وَبَعْدَ سِلْحِين يَبْنِي النّاسُ أَبْيَاتَا
بَيْنُون
وَسِلْحِين وَغُمْدَان : مِنْ حُصُونِ الْيَمَنِ الّتِي هَدَمَهَا
أَرْيَاط . وَلَمْ يَكُنْ فِي النّاسِ مِثْلُهَا . وَقَالَ ذُو جَدَن
أَيْضًا : [ ص 39 ]
دَعِينِي لَا أَبَا لَك لَنْ تُطِيقِي أبا لك لن تطيقي23281"id="الشعر" > ... لِحَاكِ اللّهُ قَدْ أَنْزَفْتِ رِيقِي
لَدَيّ عَزْفُ الْقِيَانِ إذْ انْتَشَيْنَا ... وَإِذْ نُسْقَى مِنْ الْخَمْرِ الرّحِيق
وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَيْسَ عَلَيّ عَارًا ... إذَا لَمْ يَشْكُنِي فِيهَا رَفِيقِي
فَإِنّ الْمَوْتَ لَا يَنْهَاهُ نَاهٍ ... وَلَوْ شَرِبَ الشّفَاءَ مَعَ النّشُوقِ
وَلَا مُتَرَهّبٍ فِي أُسطوان ... يُنَاطِحُ جُدْرَهُ بَيْضُ الْأَنُوقِ
وغُمْدان الّذِي حُدّثْتِ عَنْهُ ... بَنَوْهُ مُسَمّكا فِي رَأْسِ نِيق
بِمَنْهَمَةِ وَأَسْفَلُهُ جُرُونٌ ... وَحُرّ الْمَوْحَلِ اللّثَق الزّلِيق
مَصَابِيحُ السّلِيطِ تَلُوحُ فِيهِ ... إذَا يُمْسِي كَتَوْماض الْبُرُوقِ
وَنَخْلَتُهُ الّتِي غُرِسَتْ إلَيْهِ ... يَكَادُ الْيُسْرُ يَهْصِرُ بِالْعُذُوقِ
فَأَصْبَحَ بَعْدَ جِدّتِهِ رَمَادًا ... وَغَيّرَ حُسْنَهُ لَهَبُ الْحَرِيقِ
وَأَسْلَمَ ذُو نُوَاسٍ مُسْتَكِينًا ... وَحَذّرَ قَوْمَهُ ضَنْكَ الْمَضِيقِ
وَقَالَ
ابْنُ الذّئْبَةِ الثّقَفِيّ فِي ذَلِكَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
الذّئْبَةُ أُمّهُ وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بْنِ سَالِمِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطِ بْنِ جُشَمَ بْنِ قَسِيّ [ ص 40 ]
لَعَمْرك مَا لِلْفَتَى مِنْ مَفَرّ ... مَعَ الْمَوْتِ يَلْحَقُهُ والكِبَرْ
لَعُمْرك مَا لِلْفَتَى صُحْرَة ... لَعُمْرك مَا إنْ لَهُ مِنْ وَزَرْ
أَبَعْدَ قَبَائِلَ مِنْ حِمْيَرَ ... أُبِيدُوا صَبَاحًا بِذَاتِ الْعَبَرْ
بِأَلْفِ أُلُوفٍ وحُرّابة ... كَمِثْلِ السّمَاءِ قُبَيْلَ الْمَطَرْ
يُصِمّ صِيَاحُهُمْ الْمُقْرَبَاتِ ... وَيَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا بِالذّفَرْ
سَعَالِيَ مِثْلُ عَدِيدِ التّرَا ... بِ تَيْبَسُ مِنْهُمْ رِطَابُ الشّجَر
وَقَالَ
عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبٍ الزّبَيْدِيّ فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ قَيْسِ بْنِ مَكْشوُح الْمُرَادِيّ فَبَلَغَهُ أَنّهُ
يَتَوَعّدُهُ فَقَالَ يَذْكُرُ حِمْيَرَ وَعِزّهَا ، وَمَا زَالَ مِنْ
مُلْكِهَا عَنْهَا :
أَتُوعِدُنِي كَأَنّكَ ذُو رُعَيْنٍ رعين9961"id="الشعر" > ... بِأَفْضَلِ عِيشَةٍ أَوْ ذُو نُوَاسِ
وكائنْ كَانَ قَبْلَك مِنْ نَعِيمٍ ... وَمُلْكٍ ثَابِتٍ فِي النّاسِ رَاسِي
قَدِيمٍ عَهْدُهُ مِنْ عَهْدِ عَادٍ ... عَظِيمٍ قَاهِرِ الْجَبَرُوتِ قَاسِي
فَأَمْسَى أَهْلُهُ بَادُوا وَأَمْسَى ... يُحَوّلُ مِنْ أُنَاسٍ فِي أُنَاسِ -
[ ص 41 ]
[ نَسَبُ زُبَيْدٍ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : زُبَيْدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ مُنَبّهِ بْنِ
صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِج ، وَيُقَالُ زُبَيْدُ بْنُ
مُنَبّهِ بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ وَيُقَالُ زُبَيْدُ بْنِ
صَعْبٍ . وَمُرَادُ يُحَابِر بْنُ مَذْحِج .
[ سَبَبُ قَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعِدِي كَرِبٍ هَذَا الشّعْرَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ
الْبَاهِلِيّ وَبَاهِلَةَ بْنِ يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عَيْلَانَ وَهُوَ بِأَرْمِينِيّةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُفَضّلَ أَصْحَابَ
الْخَيْلِ الْعِرَابِ عَلَى أَصْحَابِ الْخَيْلِ الْمَقَارِفِ فِي
الْعَطَاءِ فَعَرَضَ الْخَيْلَ فَمَرّ بِهِ فَرَسُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي
كَرِبٍ ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ فَرَسك هَذَا مُقْرِفٌ فَغَضِبَ عَمْرٌو
، وَقَالَ هَجِينٌ عَرَفَ هَجِينًا مِثْلَهُ فَوَثَبَ إلَيْهِ قَيْسٌ
فَتَوَعّدَهُ فَقَالَ عَمْرُو هَذِهِ الْأَبْيَاتِ .
[ صِدْقُ كَهَانَةِ سَطِيحٍ وَشِقّ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَهَذَا الّذِي عَنَى سَطِيحٌ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ "
لَيَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ فَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ
إلَى جُرَشَ " . وَاَلّذِي عَنَى شِقّ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ "
لَيَنْزِلَن أَرْضَكُمْ السّودَانُ ، فَلَيَغْلِبُنّ عَلَى كُلّ طِفْلَةٍ
الْبَنَانَ وَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى نَجْرَانَ " .
[غَلَبَ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَمْرِ الْيَمَنِ وَقَتَلَ أَرْيَاطَ ]
[ مَا كَانَ بَيْنَ أَرْيَاط وَأَبْرَهَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ أَرْيَاط بِأَرْضِ الْيَمَنِ سِنِينَ فِي
سُلْطَانِهِ ذَلِكَ ثُمّ نَازَعَهُ [ ص 42 ] أَمْرِ الْحَبَشَةِ
بِالْيَمَنِ أَبْرَهَةُ الْحَبَشِيّ - ( وَكَانَ فِي جُنْدِهِ ) حَتّى
تَفَرّقَتْ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمَا فَانْحَازَ إلَى كُلّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ثُمّ سَارَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ
فَلَمّا تَقَارَبَ النّاسُ أَرْسَلَ أَبْرَهَةُ إلَى أَرْيَاط : إنّك لَا
تَصْنَعُ بِأَنْ تَلْقَى الْحَبَشَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ حَتّى تَفِنِيهَا
شَيْئًا فَابْرُزْ إلَيّ وَأَبْرُزُ إلَيْك ، فَأَيّنَا أَصَابَ صَاحِبَهُ
انْصَرَفَ إلَيْهِ جُنْدُهُ . فَأَرْسَلَ إلَيْهِ أَرْيَاط : أَنْصَفْتَ
فَخَرَجَ إلَيْهِ أَبْرَهَةُ وَكَانَ رَجُلًا قَصِيرًا ( لَحِيمًا
حَادِرًا ) وَكَانَ ذَا دِينٍ فِي النّصْرَانِيّةِ " وَخَرَجَ إلَيْهِ
أَرْيَاط ، وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا عَظِيمًا طَوِيلًا ، وَفِي يَدِهِ
حَرْبَةٌ لَهُ . وَخَلَفَ أَبْرَهَةَ غُلَامٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ عَتَوْدَة
يَمْنَعُ ظَهْرَهُ . فَرَفَعَ أَرْيَاط الْحَرْبَةَ فَضَرَبَ أَبْرَهَةَ
يُرِيدُ يَافُوخَهُ فَوَقَعَتْ الْحَرْبَةُ عَلَى جَبْهَةِ أَبْرَهَةَ
فَشَرَمَتْ حَاجِبَهُ أَنْفَهُ وَعَيْنَهُ وَشَفَتَهُ فَبِذَلِكَ سُمّيَ
أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ وَحَمَلَ عَتَوْدَة عَلَى أَرْيَاط مِنْ خَلْفِ
أَبْرَهَةَ فَقَتَلَهُ . وَانْصَرَفَ جُنْدُ أَرْيَاط إلَى أَبْرَهَةَ
فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَبَشَةُ بِالْيَمَنِ وَوَدَى أَبْرَهَةُ
أَرْيَاط .
[ غَضَبُ النّجَاشِيّ عَلَى أَبْرَهَةَ لِقَتْلِهِ أَرْيَاط ثُمّ رِضَاؤُهُ عَنْهُ ]
فَلَمّا
بَلَغَ ذَلِكَ النّجَاشِيّ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ عَدَا عَلَى
أَمِيرِي فَقَتَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِي . تَمّ حَلَفَ لَا يَدَعُ
أَبْرَهَةَ حَتّى يَطَأَ بِلَادَهُ وَيَجُزّ نَاصِيَتَهُ . فَحَلَقَ
أَبْرَهَةُ رَأْسَهُ وَمَلَأَ جِرَابًا مِنْ تُرَابِ الْيَمَنِ . ثُمّ
بَعَثَ بِهِ إلَى النّجَاشِيّ ، ثُمّ كَتَبَ إلَيْهِ أَيّهَا الْمَلِكُ
إنّمَا كَانَ أَرْيَاط عَبْدَك ، وَأَنَا عَبْدُك ، فَاخْتَلَفْنَا فِي
أَمْرِك ، وَكُلّ طَاعَتُهُ لَك ، إلّا أَنّي كُنْت أَقْوَى عَلَى أَمْرِ
الْحَبَشَةِ وَأَضْبَطَ لَهَا وَأَسْوَسَ مِنْهُ وَقَدْ حَلَقْتُ رَأْسِي
كُلّهُ حِينَ بَلَغَنِي قَسَمُ الْمَلِكِ وَبَعَثْتُ إلَيْهِ بِجِرَابِ
تُرَابٍ مِنْ أَرْضِي ، لِيَضَعَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَيَبَرّ قَسَمُهُ
فِيّ . فَلَمّا انْتَهَى ذَلِكَ إلَى النّجَاشِيّ رَضِيَ عَنْهُ وَكَتَبَ
إلَيْهِ أَنْ اُثْبُتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ حَتّى يَأْتِيَك أَمْرِي .
فَأَقَامَ أَبْرَهَةُ بِالْيَمَنِ . [ ص 43 ]
أَمْرُ الْفِيلِ وَقِصّةُ النّسَأَةِ
[ بِنَاءُ الْقُلّيْس ]
ثُمّ
إنّ أَبْرَهَةَ بَنَى الْقُلّيْس بِصَنْعَاءَ ، فَبَنَى كَنِيسَةً لَمْ
يُرَ مِثْلُهَا فِي زَمَانِهَا بِشَيْءِ مِنْ الْأَرْضِ ثُمّ كَتَبَ إلَى
النّجَاشِيّ : إنّي قَدْ بَنَيْتُ لَك أَيّهَا الْمَلِكُ كَنِيسَةً لَمْ
يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكِ كَانَ قَبْلَك ، وَلَسْت بِمُنْتَهٍ حَتّى
أَصْرِفَ إلَيْهَا حَجّ الْعَرَبِ ، فَلَمّا تَحَدّثَتْ الْعَرَبُ
بِكِتَابِ أَبْرَهَةَ ذَلِكَ إلَى النّجَاشِيّ غَضِبَ رَجُلٌ مِنْ
النّسَأَةِ . أَحَدُ بَنِي فُقَيْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ
بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاس َ مِنْ مُضَرَ .
[ مَعْنَى النّسَأَةِ ]
وَالنّسَأَةُ
: الّذِينَ كَانُوا يَنْسَئُونَ الشّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ فِي
الْجَاهِلِيّةِ فَيُحِلّونَ الشّهْرَ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
وَيُحَرّمُونَ مَكَانَهُ الشّهْرَ مِنْ أَشْهُرِ الْحِلّ وَيُؤَخّرُونَ
ذَلِكَ الشّهْرَ فَفِيهِ أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {
إِنّمَا النّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا
يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ مَا
حَرّمَ اللّهُ }
[ الْمُوَاطَأَةُ لُغَةً ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
لِيُوَاطِئُوا : لِيُوَافِقُوا ؛ وَالْمُوَاطَأَةُ الْمُوَافَقَةُ تَقُولُ
الْعَرَبُ : وَاطَأْتُك عَلَى هَذَا الْأَمْرِ أَيْ وَافَقْتُك عَلَيْهِ .
وَالْإِيطَاءُ فِي الشّعْرِ الْمُوَافَقَةُ وَهُوَ اتّفَاقُ
الْقَافِيَتَيْنِ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ وَجِنْسٍ وَاحِدٍ نَحْوَ قَوْلِ
الْعَجّاجِ - وَاسْمُ الْعَجّاجِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رُؤْبَةَ أَحَدُ
بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمِ بْنِ مُرّ بْنِ أُدّ
بْنِ طانجة بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارٍ . [ ص 44 ] فِي
أُثْعبُان المَنْجَنون الْمُرْسَل أُثْعبُان المنجنون
المرسل491"id="الشعر" > ِ ثُمّ قَالَ مُدّ الْخَلِيجِ فِي الْخَلِيجِ
الْمُرْسَلِ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ .
[ تَارِيخُ النّسْءِ عِنْدَ الْعَرَبِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلُ مَنْ نَسَأَ الشّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ
فَأَحَلّتْ مِنْهَا مَا أُحِلّ وَحَرّمَتْ مِنْهَا مَا حُرّمَ القَلَمّس ،
وَهُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ فُقَيْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ
خُزَيْمَةَ . ثُمّ قَامَ بَعْدَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُهُ ( عَبّادُ ) بْنُ
حُذَيْفَةَ ثُمّ قَامَ بَعْدَ عَبّادٍ قَلَعُ بْنُ عَبّادٍ ثُمّ قَامَ
بَعْدَ قَلَعٍ أُمَيّةُ بْنُ قَلَعٍ ثُمّ قَامَ بَعْدَ أُمَيّةَ عَوْفُ
بْنُ أُمَيّةَ ثُمّ قَامَ بَعْدَ عَوْفٍ أَبُو ثُمَامَةَ جُنادة بْنُ
عَوْفٍ وَكَانَ آخِرَهُمْ وَعَلَيْهِ قَامَ الْإِسْلَامُ . وَكَانَتْ
الْعَرَبُ إذَا فَرَغَتْ مِنْ حَجّهَا اجْتَمَعَتْ إلَيْهِ فَحَرّمَ
الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ الْأَرْبَعَةَ رَجَبًا ، وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا
الْحِجّةِ وَالْمُحَرّمَ . فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِلّ مِنْهَا شَيْئًا
أَحَلّ الْمُحَرّمَ فَأَحَلّوهُ وَحَرّمَ مَكَانَهُ صَفَرَ فَحَرّمُوهُ
لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ . فَإِذَا
أَرَادُوا الصّدَرَ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ اللّهُمّ إنّي قَدْ أَحْلَلْت
لَك أَحَدَ الصّفَرَيْنِ الصّفَرَ الْأَوّلَ وَنَسّأَتْ الْآخَرَ
لِلْعَامِ الْمُقْبِلِ [ ص 45 ] فَقَالَ فِي ذَلِكَ عُمَيْرُ بْنُ قَيْسٍ
" جِذْلُ الطّعّانِ " أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غُنْمِ ( بْنِ ثَعْلَبَةَ
) بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ ، يَفْخَرُ بِالنّسَأَةِ عَلَى الْعَرَبِ
لَقَدْ عَلِمَتْ مَعَدّ أَنّ قَوْمِي مَعَدّ أَنّ قومي11942"id="الشعر" > ... كِرَامُ النّاسِ أَنّ لَهُمْ كِرَامَا
فَأَيّ النّاسِ فَاتُونَا بِوِتْرٍ ... وَأَيّ النّاسِ لَمْ نُعْلِك لِجَامَا
أَلَسْنَا النّاسِئِينَ عَلَى مَعَدّ ... شُهُورَ الْحِلّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا
؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْمُحَرّمُ .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 11:43 am

اقتباس :


[ إحْدَاثُ الْكِنَانِيّ فِي الْقُلّيْس ، وَحَمْلَةُ أَبْرَهَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ الْكِنَانِيّ حَتّى أَتَى الْقُلّيْس فَقَعَدَ
فِيهَا - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَعْنِي أَحْدَثَ فِيهَا - قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ
أَبْرَهَةُ فَقَالَ مَنْ صَنَعَ هَذَا ؟ فَقِيلَ لَهُ صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ
مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الّذِي تَحُجّ الْعَرَبُ
إلَيْهِ بِمَكّةَ لَمّا سَمِعَ قَوْلَك : " أَصْرِفُ إلَيْهَا حَجّ
الْعَرَبِ " غَضِبَ فَجَاءَ فَقَعَدَ فِيهَا ، أَيْ أَنّهَا لَيْسَتْ
لِذَلِكَ بِأَهْلِ . فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ وَحَلَفَ
لَيَسِيرَن إلَى الْبَيْتِ حَتّى يَهْدِمَهُ ثُمّ أَمَرَ الْحَبَشَةَ
فَتَهَيّأَتْ وَتَجَهّزَتْ ثُمّ سَارَ وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْفِيلِ
وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبُ ، فَأَعْظَمُوهُ وَفَظِعُوا بِهِ وَرَأَوْا
جِهَادَهُ حَقّا عَلَيْهِمْ حِينَ سَمِعُوا بِأَنّهُ يُرِيدُ هَدْمَ
الْكَعْبَةِ ، بَيْتِ اللّهِ الْحَرَامِ . [ ص 46 ]
[ هَزِيمَةُ ذِي نَفْرٍ أَمَامَ أَبْرَهَةَ ]
فَخَرَجَ
إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمُلُوكِهِمْ يُقَالُ
لَهُ ذُو نَفْرٍ ، فَدَعَا قَوْمَهُ وَمَنْ أَجَابَهُ مِنْ سَائِرِ
الْعَرَبِ إلَى حَرْبِ أَبْرَهَةَ وَجِهَادِهِ عَنْ بَيْتِ اللّهِ
الْحَرَام ِ وَمَا يُرِيدُ مِنْ هَدْمِهِ وَإِخْرَابِهِ فَأَجَابَهُ إلَى
ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُ ثُمّ عَرَضَ لَهُ فَقَاتَلَهُ فَهُزِمَ ذُو نَفْرٍ
وَأَصْحَابُهُ وَأُخِذَ لَهُ ذُو نَفْرٍ فَأُتِيَ بِهِ أَسِيرًا ، فَلَمّا
أَرَادَ قَتْلَهُ قَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ : أَيّهَا الْمَلِكُ لَا
تَقْتُلْنِي فَإِنّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَائِي مَعَك خَيْرًا لَك مِنْ
قَتْلِي ، فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فِي وَثَاقٍ
وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا .
[ مَا وَقَعَ بَيْنَ نُفَيْلٍ وَأَبْرَهَةَ ]
ثُمّ
مَضَى أَبْرَهَةُ عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ مَا خَرَجَ لَهُ حَتّى
إذَا كَانَ بِأَرْضِ خَثْعَمَ عَرَضَ لَهُ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ
الْخَثْعَمِيّ فِي قَبيلَيْ خَثْعَمَ : شَهْرَانِ وَنَاهِسُ وَمَنْ
تَبِعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ
وَأُخِذَ لَهُ نُفَيْلٌ أَسِيرًا فَأُتِيَ بِهِ فَلَمّا هَمّ بِقَتْلِهِ
قَالَ لَهُ نُفَيْلٌ أَيّهَا الْمَلِكُ لَا تَقْتُلْنِي فَإِنّي دَلِيلُك
بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، وَهَاتَانِ يَدَايَ لَك عَلَى قبيلَيْ خَثْعَمَ :
شَهْرَانِ وَنَاهِسُ بِالسّمْعِ وَالطّاعَةِ فَخَلّى سَبِيلَهُ .
[ ابْنُ مُعَتّبٍ وَأَبْرَهَةُ ]
وَخَرَجَ
بِهِ مَعَهُ يَدُلّهُ حَتّى إذَا مَرّ بِالطّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ
مَسْعُودُ بْنُ مُعَتّبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَرْوِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ فِي رِجَالِ ثَقِيفٍ .
[ نَسَبُ ثَقِيفٍ وَشِعْرُ ابْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي ذَلِكَ ]
وَاسْمُ
ثَقِيفٍ : قَسِيّ بْنُ النّبِيت بْنِ مُنَبّهِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ
يَقْدُمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمّى بْنِ إيَادِ ( بْنِ نِزَارِ ) بْنِ
مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ . [ ص 47 ] قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ
الثّقَفِيّ :
قَوْمِي إيَادٌ لَوْ أَنّهُمْ أُمَمُ قَوْمِي إيَادٌ لَوْ
أَنّهُمْ أُمَمُ إياد لو أنهم أمم4827"id="الشعر" > ... أَوْ لَوْ
أَقَامُوا فَتُهْزَلَ النّعَمُ
قَوْمٌ لَهُمْ سَاحَةُ الْعِرَاقِ إذَا ... سَارُوا جَمِيعًا وَالْقِطّ وَالْقَلَمُ
وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ أَيْضًا :
فَإِمّا تَسْأَلِي عَنّي لُبَيْنَى لبينى5436"id="الشعر" > ... وَعَنْ نَسَبِي أُخَبّرْك اليَقينَا
فَإِنّا للنّبيت أَبِي قَسِيّ ... لَمَنْصُورُ بْنُ يَقْدُمَ الْأَقْدَمِينَا
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : ثَقِيفٌ قَسِىّ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ
بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ
بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ . وَالْبَيْتَانِ
الْأَوّلَانِ وَالْآخِرَانِ فِي قَصِيدَتَيْنِ لِأُمَيّةِ .
[ اسْتِسْلَامُ أَهْلِ الطّائِفِ لِأَبْرَهَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالُوا لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّمَا نَحْنُ
عَبِيدُك سَامِعُونَ لَك مُطِيعُونَ لَيْسَ عِنْدَنَا لَك خِلَافٌ .
وَلَيْسَ بَيْتُنَا هَذَا الْبَيْتَ الّذِي تُرِيدُ - يَعْنُونَ اللّاتِي
- إنّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الّذِي بِمَكّةَ . وَنَحْنُ نَبْعَثُ مَعَك
مَنْ يَدُلّك عَلَيْهِ فَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ . ( اللّاتِي ) : وَاَللّاتِي
: بَيْتٌ لَهُمْ بِالطّائِفِ كَانُوا يُعَظّمُونَهُ نَحْوَ تَعْظِيمِ
الْكَعْبَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ
النّحْوِيّ لِضِرَارِ بْنِ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ
وَفَرّتْ ثَقِيفٌ إلَى لَاتِهَا ... بِمُنْقَلَبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
[ مَعُونَةُ أَبِي رِغَالٍ لِأَبْرَهَةَ وَمَوْتُهُ وَقَبْرُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَعَثُوا مَعَهُ أَبَا رِغَالٍ يَدُلّهُ عَلَى
الطّرِيقِ إلَى مَكّةَ فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ [ ص 48 ] أَبُو رِغَالٍ حَتّى
أَنْزَلَهُ الْمُغَمّسَ ؛ فَلَمّا أَنْزَلَهُ بِهِ مَاتَ أَبُو رِغَالٍ
هُنَالِكَ فَرَجَمَتْ قَبْرَهُ الْعَرَبُ ، فَهُوَ الْقَبْرُ الّذِي
يَرْجُمُ النّاسُ بِالْمُغَمّسِ .
[ الْأَسْوَدُ وَاعْتِدَاؤُهُ عَلَى مَكّةَ ]
فَلَمّا
نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمّسَ . بَعَثَ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ يُقَالُ
لَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ عَلَى خَيْلٍ لَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى
مَكّةَ ، فَسَاقَ إلَيْهِ أَمْوَالَ ( أَهْلِ ) تِهَامَةَ مِنْ قُرَيْشٍ
وَغَيْرِهِمْ وَأَصَابَ فِيهَا مِئَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ
بْنِ هَاشِمٍ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا فَهَمّتْ
قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَهُذَيْلٌ . وَمَنْ كَانَ بِذَلِكَ الْحَرَمِ (
مِنْ سَائِرِ النّاسِ ) بِقِتَالِهِ . ثُمّ عَرَفُوا أَنّهُمْ لَا طَاقَةَ
لَهُمْ بِهِ فَتَرَكُوا ذَلِكَ .
[ حُنَاطَة وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ ]
وَبَعَثَ
أَبْرَهَةُ - حُنَاطَة الْحِمْيَرِيّ إلَى مَكّةَ ، وَقَالَ لَهُ سَلْ
عَنْ سَيّدِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ وَشَرِيفِهَا ثُمّ قُلْ ( لَهُ ) :
إنّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَك : إنّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ إنّمَا جِئْت
لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونَهُ بِحَرْبِ فَلَا
حَاجَةَ لِي بِدِمَائِكُمْ فَإِنْ هُوَ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي فَأْتِنِي
بِهِ . فَلَمّا دَخَلَ حُنَاطَة مَكّةَ سَأَلَ عَنْ سَيّدِ قُرَيْشٍ
وَشَرِيفِهَا فَقِيلَ لَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمِ ( بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ قُصَيّ ) فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ
أَبْرَهَةُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ : وَاَللّهِ مَا نُرِيدُ
حَرْبَهُ وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ طَاقَةٍ هَذَا بَيْتُ اللّهِ
الْحَرَامُ وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ - أَوْ
كَمَا قَالَ - فَإِنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ .
وَإِنْ يُخَلّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَوَاَللّهِ مَا عِنْدَنَا دَفْعٌ [ ص
49 ] فَقَالَ ( لَهُ ) حُنَاطَة : فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ فَإِنّهُ
قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِك .
[ ذُو نَفْرٍ وَأُنَيْسٌ وَتَوَسّطُهُمَا لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ لَدَى أَبْرَهَةَ ]
فَانْطَلَقَ
مَعَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ ، وَمَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ حَتّى أَتَى
الْعَسْكَرَ فَسَأَلَ عَنْ ذِي نَفْرٍ وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا ، حَتّى
دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَحْبِسِهِ فَقَالَ لَهُ يَا ذَا نَفْرٍ هَلْ
عِنْدَك مِنْ غَنَاءٍ فِيمَا نَزَلَ بِنَا ؟ فَقَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ :
وَمَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ بِيَدَيْ مَلِكٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَقْتُلَهُ
غُدُوّا أَوْ عَشِيّا مَا عِنْدَنَا غَنَاءٌ فِي شَيْءٍ مِمّا نَزَلَ بِك
إلّا أَنّ أُنَيْسًا سَائِسَ الْفِيلِ صَدِيقٌ لِي ، وَسَأُرْسِلُ إلَيْهِ
فَأُوصِيهِ بِك ، وَأُعْظِمُ عَلَيْهِ حَقّك ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ
يَسْتَأْذِنَ لَك عَلَى الْمَلِكِ فَتُكَلّمُهُ بِمَا بَدَا لَك .
وَيَشْفَعُ لَك عِنْدَهُ بِخَيْرِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ
حَسْبِي فَبَعَثَ ذُو نَفْرٍ إلَى أُنَيْسٍ فَقَالَ لَهُ إنّ عَبْدَ
الْمُطّلِبِ سَيّدُ قُرَيْشٍ ، وَصَاحِبُ عِيرِ مَكّةَ ، يُطْعِمُ النّاسَ
بِالسّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ وَقَدْ أَصَابَ لَهُ
الْمَلِكُ مِئَتَيْ بَعِيرٍ فَاسْتَأْذِنْ لَهُ عَلَيْهِ . وَانْفَعْهُ
عِنْدَهُ بِمَا اسْتَطَعْت ؛ فَقَالَ أَفْعَلُ . فَكَلّمَ أُنَيْسٌ
أَبْرَهَةَ فَقَالَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ
بِبَابِك يَسْتَأْذِنُ عَلَيْك ، وَهُوَ صَاحِبُ عِيرِ مَكّةَ ، وَهُوَ
يُطْعِمُ النّاسَ فِي السّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ
فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْك ، فَيُكَلّمْك فِي حَاجَتِهِ ( وَأَحْسِنْ إلَيْهِ
) قَالَ فَأَذِنَ لَهُ أَبْرَهَةُ .
[ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَحُنَاطَة وَخُوَيْلِد بَيْنَ يَدَيْ أَبْرَهَةَ ]
قَالَ
وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ أَوْسَمَ النّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ
وَأَعْظَمَهُمْ فَلَمّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلّهُ وَأَعْظَمَهُ
وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ
الْحَبَشَةُ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ
عَنْ سَرِيرِهِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ
إلَى جَنْبِهِ ثُمّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ حَاجَتُك ؟ فَقَالَ
لَهُ ذَلِكَ التّرْجُمَانُ فَقَالَ حَاجَتِي أَنْ يَرُدّ عَلَيّ الْمَلِكُ
مِئَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي ، فَلَمّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ
أَبْرَهَةُ لِتَرْجُمَانِهِ [ ص 50 ] كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ
رَأَيْتُك ، ثُمّ قَدْ زَهِدْت فِيك حِين كَلّمْتنِي ، أَتُكَلّمُنِي فِي
مِئَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَك ، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُك
وَدِينُ آبَائِك قَدْ جِئْتُ أَهْدِمُهُ لَا تُكَلّمْنِي فِيهِ قَالَ لَهُ
عَبْدُ الْمُطّلِبِ : إنّي أَنَا رَبّ الْإِبِلِ وَإِنّ لِلْبَيْتِ رَبّا
سَيَمْنَعُهُ قَالَ مَا كَانَ لِيَمْتَنِعَ مِنّي ، قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ
. وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ ذَهَبَ مَعَ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلَى أَبْرَهَةَ حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ حُنَاطَة ،
يَعْمُرُ بْنُ نُفَاثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الدّئل بْنِ بَكْرِ بْنِ
مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ بَنِي بَكْرٍ
وَخُوَيْلِد بْنُ وَاثِلَةَ الْهُذَلِيّ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ
هُذَيْلٍ ؛ فَعَرَضُوا عَلَى أَبْرَهَةَ ثُلُثَ أَمْوَالِ تِهَامَةَ ،
عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ وَلَا يَهْدِمَ الْبَيْتَ فَأَبَى
عَلَيْهِمْ . وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَكَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا . فَرَدّ
أَبْرَهَةُ عَلَى عَبْدِ الْمُطّلِبِ الْإِبِلَ الّتِي أَصَابَ لَهُ .
[ عَبْدُ الْمُطّلِبِ فِي الْكَعْبَةَ يَسْتَنْصِرُ بِاَللّهِ عَلَى رَدّ أَبْرَهَةَ ]
فَلَمّا
انْصَرَفُوا عَنْهُ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ إلَى قُرَيْشٍ ،
فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكّةَ ،
وَالتّحَرّزِ فِي شَعَفِ الْجِبَالِ وَالشّعَابِ تَخَوّفًا عَلَيْهِمْ
مِنْ مَعَرّةِ الْجَيْشِ ثُمّ قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ ، فَأَخَذَ
بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ
يَدْعُونَ اللّهَ ويستنصرونه عَلَى أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ فَقَالَ عَبْدُ
الْمُطّلِبِ وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ : [ ص 51 ]
لَا هُمّ إنّ الْعَبْدَ يَمْنَعُ ... رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكْ
لَا يَغْلِبَنّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا مِحَالَكْ
( زَادَ الْوَاقِدِيّ )
كنت تاركهم وقبلتنا3902"id="الشعر" > إنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَقِبْلَتَنَا ... فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا مَا صَحّ لَهُ مِنْهَا .
( شِعْرٌ لِعِكْرِمَةَ فِي الدّعَاءِ عَلَى الْأَسْوَدِ بْنِ مَقْصُودٍ )
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ .
لَا هُمّ أَخْزِ الْأَسْوَدَ بْنَ مَقْصُود أخز الأسود بن مقصود153"id="الشعر" > ... الْآخِذَ الْهَجْمَةَ فِيهَا التّقليدْ
بَيْنَ حِرَاءَ وثَبِيرٍ فَالْبِيدْ ... يَحْبِسُهَا وَهِيَ أُولَاتُ التّطْرِيدْ
فَضَمّهَا إلَى طَمَاطِمٍ سُودْ ... أَخْفِرْهُ يَا رَبّ وَأَنْتَ مَحْمُودْ
[
ص 52 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هذا ما صَحّ لَهُ مِنْهَا ، وَالطّمَاطِمُ
الْأَعْلَاجُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ثُمّ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ
حَلْقَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ
قُرَيْشٍ إلَى شَعَفِ الْجِبَالِ فَتَحَرّزُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ مَا
أَبْرَهَةُ فَاعِلٌ بِمَكّةَ إذَا دَخَلَهَا .
[ دُخُولُ أَبْرَهَةَ مَكّةَ وَمَا وَقَعَ لَهُ وَلِفِيلِهِ وَشِعْرُ نُفَيْلٍ فِي ذَلِكَ ]
فَلَمّا
أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيّأَ لِدُخُولِ مَكّةَ ، وَهَيّأَ فِيلَهُ
وَعَبّى جَيْشَهُ وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا وَأَبْرَهَةُ
مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ ، ثُمّ الِانْصِرَافِ إلَى الْيَمَنِ فَلَمّا
وَجّهُوا الْفِيلَ إلَى مَكّةَ ، أَقْبَلَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ (
الْخَثْعَمِيّ ) حَتّى قَامَ إلَى جَنْبِ الْفِيلِ ثُمّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ
. فَقَالَ اُبْرُكْ مَحْمُودُ أَوْ ارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْت ،
فَإِنّك فِي بَلَدِ اللّهِ الْحَرَامِ ثُمّ أَرْسَلَ أُذُنَهُ فَبَرَكَ
الْفِيلُ وَخَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ يَشْتَدّ حَتّى أَصْعَدَ فِي
الْجَبَلِ وَضَرَبُوا الْفِيلَ لِيَقُومَ فَأَبَى ، فَضَرَبُوا ( فِي )
رَأْسِهِ بالطّبَرْزين لِيَقُومَ فَأَبَى فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَ لَهُمْ
فِي مَرَاقّهِ فَبَزَغُوهُ بِهَا لِيَقُومَ فَأَبَى ، فَوَجّهُوهُ
رَاجِعًا إلَى الْيَمَنِ ، فَقَامَ يُهَرْوِلُ وَوَجّهُوهُ إلَى الشّامِ
فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَوَجّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ
ذَلِكَ وَوَجّهُوهُ إلَى مَكّةَ فَبَرَكَ فَأَرْسَلَ [ ص 53 ] طَائِرٍ
مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يَحْمِلُهَا : حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ
وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ أَمْثَالُ الْحِمّصِ وَالْعَدَسِ لَا تُصِيبُ
مِنْهُمْ أَحَدًا إلّا هَلَكَ وَلَيْسَ كُلّهُمْ أَصَابَتْ . وَخَرَجُوا
هَارِبِينَ يَبْتَدِرُونَ الطّرِيقَ الّذِي مِنْهُ جَاءُوا ،
وَيَسْأَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطّرِيقِ
إلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ نُفَيْلٌ حِينَ رَأَى مَا أَنْزَلَ اللّهُ
بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِهِ أَيْنَ الْمَفَرّ وَالْإِلَهُ الطّالِبُ
وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغَالِبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
قَوْلُهُ " لَيْسَ الْغَالِبُ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ نُفَيْلٌ أَيْضًا :
أَلَا حُيّيت عَنّا يَا رُدَيْنَا ... نَعِمْنَاكُمْ مَعَ الْإِصْبَاحِ عَيْنَا
( أَتَانَا قَابِسٌ مِنْكُمْ عِشَاءً ... فَلَمْ يُقْدَرْ لِقَابِسِكُمْ لَدَيْنَا )
رُدَيْنَةُ لَوْ رَأَيْتِ - وَلَا تَرَيْهِ ... لَدَى جَنْبِ الْمُحَصّبِ مَا رَأَيْنَا
إذًا لَعَذَرْتِنِي وَحَمِدْتِ أَمْرِي ... وَلَمْ تَأْسَيْ عَلَى مَا فَاتَ بَيْنَا
حَمِدْتُ اللّهَ إذْ أَبْصَرْتُ طَيْرًا ... وَخِفْتُ حِجَارَةً تُلْقَى عَلَيْنَا
وَكُلّ الْقَوْمِ يَسْأَلُ عَنْ نُفَيْلٍ ... كَأَنّ عَلَيّ لِلْحُبْشَانِ دَيْنَا
[
ص 54 ] وَأُصِيبَ أَبْرَهَةُ فِي جَسَدِهِ وَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ
تَسْقُطُ ( أَنَامِلُهُ ) أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً كُلّمَا سَقَطَتْ
أُنْمُلَةٌ أَتْبَعَتْهَا مِنْهُ مِدّةٌ تَمُثّ قَيْحًا وَدَمًا ، حَتّى
قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطّائِرِ فَمَا مَاتَ
حَتّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ فِيمَا يَزْعُمُونَ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ أَوّلَ
مَا رُئِيَتْ الْحَصْبَةُ وَالْجُدَرِيّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ذَلِكَ
الْعَامَ وَأَنّهُ أَوّلُ مَا رُئِيَ بِهَا مَرَائِرُ الشّجَرِ
الْحَرْمَلِ وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشَرِ ذَلِكَ الْعَامَ .
[ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ عَنْ قِصّةِ الْفِيلِ وَشَرْحُ ابْنِ هِشَامٍ لِمُفْرَدَاتِهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بَعَثَ اللّهُ تَعَالَى مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ مِمّا يَعُدّ اللّهُ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ
نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ مَا رَدّ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِ
الْحَبَشَةِ لِبَقَاءِ أَمْرِهِمْ وَمُدّتِهِمْ فَقَالَ اللّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا
أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ
مَأْكُولٍ } وَقَالَ [ ص 55 ] { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ
رِحْلَةَ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبّ هَذَا الْبَيْتِ
الّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } أَيْ لِئَلّا
يُغَيّرَ شَيْئًا مِنْ حَالِهِمْ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ، لِمَا
أَرَادَ اللّهُ بِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ لَوْ قَبِلُوهُ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الْأَبَابِيلُ الْجَمَاعَاتُ وَلَمْ تَتَكَلّمْ لَهَا الْعَرَبُ
بِوَاحِدِ عَلِمْنَاهُ . وَأَمّا السّجّيلُ فَأَخْبَرَنِي يُونُسُ
النّحْوِيّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنّهُ عِنْدَ الْعَرَبِ : الشّدِيدُ
الصّلْبُ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ :
وَمَسّهُمْ مَا مَسّ
أَصْحَابَ الْفِيلْ وَمَسّهُمْ مَا مَسّ أَصْحَابَ الفيل12382"id="الشعر"
> ... تَرْمِيهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ سِجّيلْ
وَلَعِبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أَبَابِيلْ
وَهَذِهِ
الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسّرِينَ
أَنّهُمَا كَلِمَتَانِ بِالْفَارِسِيّةِ جَعَلَتْهُمَا الْعَرَبُ كَلِمَةً
وَاحِدَةً وَإِنّمَا هُوَ سَنْج وَجَلّ يَعْنِي بِالسّنْجِ الْحَجَرَ ،
وَالْجَلّ الطّينَ . يَعْنِي : الْحِجَارَةُ مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ
الْحَجَرِ وَالطّينِ . وَالْعَصْفُ وَرَقُ الزّرْعِ الّذِي لَمْ يُقَصّبْ
وَوَاحِدَتُهُ عَصْفَةٌ . قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ
النّحْوِيّ أَنّهُ يُقَالُ لَهُ الْعُصَافَةُ وَالْعَصِيفَةُ .
وَأَنْشَدَنِي لِعَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ أَحَدِ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ :
تَسْقَى مَذَانِبَ
قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا تَسْقَى مَذَانِبَ قَدْ مالت
عصيفتها17421"id="الشعر" > ... حَدُورُهَا مَنْ أَتّى الْمَاءَ
مَطْمُومُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ الرّاجِزُ
فَصُيّرُوا مِثْلَ كَعَصْفِ مَأْكُول قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلِهَذَا
الْبَيْتِ تَفْسِيرٌ فِي النّحْوِ . [ ص 56 ] وَإِيلَافُ قُرَيْشٍ :
إيلَافُهُمْ الْخُرُوجَ إلَى الشّامِ فِي تِجَارَتِهِمْ وَكَانَتْ لَهُمْ
خَرْجَتَانِ خَرْجَةٌ فِي الشّتَاءِ وَخَرْجَةٌ فِي الصّيْفِ .
أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ ، أَنّ الْعَرَبَ تَقُولُ
أَلِفْت الشّيْءَ إلْفًا ، وَآلَفْتُهُ إيلَافًا ، فِي مَعْنًى وَاحِدٍ
وَأَنْشَدَنِي لِذِي الرّمّةِ مِنْ الْمُؤْلِفَاتِ الرّمْلَ
أَدْمَاءُ حُرّةٌ شُعَاعُ الضّ
حَى فِي لَوْنِهَا يَتَوَضّحُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيّ :
الْمُنْعِمِينَ إذَا النّجُومُ تَغَيّرَتْ ... وَالظّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ
اللّهُ تَعَالَى . وَالْإِيلَافُ أَيْضًا : أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ
أَلْفٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
. يُقَالُ آلَفَ فُلَانٌ إيلَافًا . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ
بَنِي أَسْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ
بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ :
بِعَامٍ يَقُولُ لَهُ الْمُؤْلِفُونَ ... هَذَا الْمُعِيمُ لَنَا الْمُرْجِلُ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالْإِيلَافُ أَيْضًا : أَنْ يَصِيرَ
الْقَوْمُ أَلْفًا ، يُقَالُ آلَفَ الْقَوْمُ إيلَافًا قَالَ الْكُمَيْتُ
بْنُ زَيْدٍ
وَآلُ مُزَيقياء غَدَاةَ لَاقَوْا ... بَنِي سَعْدِ بْنِ ضَبّةَ مُؤْلِفِينَا
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالْإِيلَافُ أَيْضًا : أَنْ تُؤَلّفَ
الشّيْءَ إلَى الشّيْءِ فَيَأْلَفُهُ وَيَلْزَمُهُ يُقَالُ آلَفْتُهُ
إيّاهُ إيلَافًا . وَالْإِيلَافُ أَيْضًا : أَنْ تَصِيرَ مَا دُونَ
الْأَلْفِ أَلْفًا ، يُقَالُ آلَفْتُهُ إيلَافًا . [ ص 57 ]
[ مَا أَصَابَ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ
عَمْرَةَ ابْنَةَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - قَالَتْ لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ
الْفِيلِ وَسَائِسَهُ بِمَكّةَ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ
النّاسَ
[ مَا قِيلَ فِي صِفَةِ الْفِيلِ مِنْ الشّعْرِ ]
[ إعْظَامُ الْعَرَبِ قُرَيْشًا بَعْدَ حَادِثَةِ الْفِيلِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا رَدّ اللّهُ الْحَبَشَةَ عَنْ مَكّةَ ،
وَأَصَابَهُمْ بِمَا أَصَابَهُمْ بِهِ مِنْ النّقْمَةِ أَعْظَمَتْ
الْعَرَبُ قُرَيْشًا ، وَقَالُوا : هُمْ أَهْلُ اللّهِ قَاتَلَ اللّهُ
عَنْهُمْ وَكَفَاهُمْ مَئُونَةَ عَدُوّهِمْ . فَقَالُوا فِي ذَلِكَ
أَشْعَارًا يَذْكُرُونَ فِيهَا مَا صَنَعَ اللّهُ بِالْحَبَشَةِ وَمَا
رَدّ عَنْ قُرَيْشٍ مِنْ كَيْدِهِمْ .
[ شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى فِي وَقْعَةِ الْفِيل ِ ]
فَقَالَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى بْنِ عَدِيّ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ
بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْر ٍ : [ ص 58 ]
تَنّكّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ إنّهَا ... كَانَتْ قَدِيمًا لَا يُرَامُ حَرِيمُهَا
لَمْ تَخْلُقْ الشّعْرَى لَيَالِيَ حُرّمَتْ ... إذْ لَا عَزِيزَ مِنْ الْأَنَامِ يَرُومُهَا
سَائِلْ أَمِيرَ الْجَيْشِ عَنْهَا مَا رَأَى ... وَلَسَوْفَ يُنْبِي الْجَاهِلِينَ عَلِيمُهَا
سِتّونَ أَلْفًا لَمْ يَئُوبُوا أَرْضَهُمْ ... وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا
كَانَتْ بِهَا عَادٌ وَجُرْهُمُ قَبْلَهُمْ ... وَاَللّهُ مِنْ فَوْقِ الْعِبَادِ يُقِيمُهَا
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : يَعْنِي ابْنُ الزّبَعْرَى بِقَوْلِهِ . . . بَعْدَ
الْإِيَابِ سَقِيمُهَا أَبْرَهَةَ ، إذْ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ حِينَ
أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ حَتّى مَاتَ بِصَنْعَاءَ .
[ شِعْرُ ابْنِ الْأَسْلَتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
وَقَالَ
أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيّ ثُمّ الْخَطْمِيّ ،
وَاسْمُهُ صَيْفِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَبُو قَيْسٍ : صَيْفِيّ بْنُ
الْأَسْلَتِ بْنِ جُشَمَ بْنِ وَائِلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ ابْنِ
عَامِرَةَ ابْنِ مُرّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ :
وَمِنْ صُنْعِهِ يَوْمَ فِيلِ الْحُوشِ ... إذْ كُلّمَا بَعَثُوهُ رَزَمْ
مَحَاجِنُهُمْ تَحْتَ أَقْرَابِهِ ... وَقَدْ شَرّمُوا أَنْفَهُ فَانْخَرَمْ
وَقَدْ جَعَلُوا سَوْطَهُ مِغْوَلًا ... إذَا يَمّمُوهُ قَفَاهُ كُلِمْ
فَوَلّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ ... وَقَدْ بَاءَ بِالظّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمّ
فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْقِهِمْ حَاصِبًا ... فَلَفّهُمْ مِثْلَ لَفّ الْقُزُمْ
تَحُضّ عَلَى الصّبْرِ أَحْبَارُهُمْ ... وَقَدْ ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ الغَنَمْ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . [ ص 59 ]
وَالْقَصِيدَةُ أَيْضًا تُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ
فَقُومُوا فَصَلّوا رَبّكُمْ وَتَمَسّحُوا ... بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ مُصَدّقٌ ... غَدَاةَ أَبِي يَكسومَ هَادِي الْكَتَائِبِ
كَتِيبَتُهُ بِالسّهْلِ تُمْسِي وَرَجْلُهُ ... عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ
فَلَمّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدّهُمْ ... جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ
فَوَلّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يَؤُبْ ... إلَى أَهْلِهِ مِلْحبِش غَيْرُ عَصَائِبِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَوْلَهُ عَلَى
الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي
قَصِيدَةٍ لِأَبِي قَيْسٍ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللّهُ
وَقَوْلُهُ " غَدَاةَ أَبِي يكْسوم - : يَعْنِي أَبْرَهَةَ ، كَانَ
يُكَنّى أَبَا يَكْسوم .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 11:44 am

اقتباس :


[ شِعْرُ طَالِبٍ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ :
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشِ أَبِي يَكْسوم إذْ مَلَئُوا الشّعْبَا
فَلَوْلَا دِفَاعُ اللّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبَا
[
ص 60 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ
فِي يَوْمِ بَدْر سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى
.
[ شِعْرُ أَبِي الصّلْتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيل ِ ]
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو الصّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ فِي
شَأْنِ الْفِيلِ وَيَذْكُرُ الْحَنِيفِيّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السّلَامُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي
الصّلْتِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ :
إنّ آيَاتِ رَبّنَا ثَاقِبَاتُ ... لَا يُمَارِي فِيهِنّ إلّا الْكَفُورُ
خُلِقَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ فَكُلّ ... مُسْتَبِينٌ حِسَابُهُ مَقْدُورُ
ثُمّ يَجْلُو النّهَارَ رَبّ رَحِيمٌ ... بِمَهَاةِ شَعَاعُهَا مَبْشُورُ
حُبِسَ الْفِيلُ بِالْمُغَمّسِ حَتّى ... ظَلّ يَحْبُو كَأَنّهُ مَعْقُورُ
لَازِمًا حَلْقَةَ الْجِرَانِ كَمَا ... قُطّرَ مِنْ صَخْرٍ كَبْكَبٍ مَحْدُورُ
حَوْلَهُ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ أَبْطَالٌ ... مَلَاوِيثُ فِي الْحُرُوبِ صُقُورُ
خَلّفُوهُ ثُمّ ابذعَرّوا جَمِيعًا ... كُلّهُمْ عَظْمُ سَاقُهُ مَكسْورُ
كُلّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللّهِ ... إلّا دِينَ الْحَنِيفَةِ بُورُ
[ شِعْرُ الْفَرَزْدَقِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ - وَاسْمُهُ هَمّامُ بْنُ غَالِبٍ
أَحَدُ بَنِي مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ - يَمْدَحُ سُلَيْمَانَ بْنَ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، وَيَهْجُو الْحَجّاجَ بْنَ يُوسُفَ ،
وَيَذْكُرُ الْفِيلَ وَجَيْشَهُ [ ص 61 ]
فَلَمّا طَغَى الْحَجّاجُ حِينَ طَغَى بِهِ ... غِنَى قَالَ إنّي مُرْتَقٍ فِي السّلَالِمِ
فَكَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ نُوحٍ سَأَرْتَقِي ... إلَى جَبَلٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَاءِ عَاصِمِ
رَمَى اللّهُ فِي جُثْمَانِهِ مِثْلَ مَا رَمَى ... عَنْ الْقِبْلَةِ الْبَيْضَاءِ ذَاتِ الْمَحَارِمِ
جُنُودًا تَسُوقُ الْفِيلَ حَتّى أَعَادَهُمْ ... هَبَاءً وَكَانُوا مُطْرَخِمي الطّرَاخِمِ
نُصِرْتَ كَنَصْرِ الْبَيْتِ إذْ سَاقَ فِيلَهُ ... إلَيْهِ عَظِيمُ الْمُشْرِكِينَ الْأَعَاجِمِ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ شِعْرُ ابْنِ الرّقَيّاتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ الرّقَيّاتُ أَحَدُ
بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ يَذْكُرُ أَبْرَهَةَ - وَهُوَ
الْأَشْرَمُ - وَالْفِيلَ
كَادَهُ الْأَشْرَمُ الّذِي جَاءَ بِالْفِيلِ ... فَوَلّى وَجَيْشُهُ مَهْزُومُ
وَاسْتَهَلّتْ عَلَيْهِمْ الطّيْرُ بِالْجَنْدَلِ ... حَتّى كَأَنّهُ مَهْزُومُ
ذَاكَ مَنْ يَغْزُهُ مِنْ النّاسِ يَرْجِعْ ... وَهُوَ فَلّ مِنْ الْجُيُوشِ ذَمِيمُ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ مُلْكُ يَكْسوم ثُمّ مَسْرُوقٍ عَلَى الْيَمَنِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا هَلَكَ أَبْرَهَةُ مَلّكَ الْحَبَشَةَ ابْنَهُ
يَكْسوم بْنَ أَبْرَهَةَ وَبِهِ [ ص 62 ] كَانَ يُكَنّى ، فَلَمّا هَلَكَ
يَكْسوم بْنُ أَبْرَهَةَ مَلَكَ الْيَمَنَ فِي الْحَبَشَةِ أَخُوهُ
مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ .
خُرُوجُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وَمُلْكُ وهرز عَلَى الْيَمَنِ
فَلَمّا
طَالَ الْبَلَاءُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ ، خَرَجَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ
الْحِمْيَرِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي مُرّةَ حَتّى قَدِمَ عَلَى
قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ ، فَشَكَا إلَيْهِ مَا هُمْ فِيهِ وَسَأَلَهُ
أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْهُ وَيَلِيَهُمْ هُوَ وَيَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ
شَاءَ مِنْ الرّومِ ، فَيَكُونُ لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ فَلَمْ يُشْكِهِ (
وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئًا مِمّا يُرِيدُ ) .
[ تَوَسّطُ النّعْمَانِ لِابْنِ ذِي يَزَنَ لَدَى كِسْرَى ]
فَخَرَجَ
حَتّى أَتَى النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ ، وَهُوَ عَامِلُ كِسْرَى عَلَى
الْحِيرَةِ ، وَمَا يَلِيهَا مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ ، فَشَكَا إلَيْهِ
أَمْرَ الْحَبَشَةِ فَقَالَ لَهُ النّعْمَانُ إنّ لِي عَلَى كِسْرَى
وِفَادَةً فِي كُلّ عَامٍ فَأَقِمْ حَتّى يَكُونَ ذَلِكَ . فَفَعَلَ ثُمّ
خَرَجَ مَعَهُ فَأَدْخَلَهُ عَلَى كِسْرَى . وَكَانَ كِسْرَى يَجْلِسُ فِي
إيوَانِ مَجْلِسِهِ الّذِي فِيهِ تَاجُهُ وَكَانَ تَاجُهُ مِثْلَ القَنْقل
الْعَظِيمِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - يُضْرَبُ فِيهِ الْيَاقُوتُ
وَاللّؤْلُؤُ وَالزّبَرْجَدُ بِالذّهَبِ وَالْفِضّةِ مُعَلّقًا
بِسَلْسَلَةِ مِنْ ذَهَبٍ فِي رَأْسِ طَاقَةٍ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ .
وَكَانَتْ عُنُقُهُ لَا تَحْمِلُ تَاجَهُ إنّمَا يُسْتَرُ بِالثّيَابِ
حَتّى يَجْلِسَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ ثُمّ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي تَاجِهِ
فَإِذَا اسْتَوَى فِي مَجْلِسِهِ كُشِفَتْ عَنْهُ الثّيَابُ فَلَا يَرَاهُ
رَجُلٌ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ [ ص 63 ] دَخَلَ عَلَيْهِ سَيْفُ بْنُ ذِي
يَزَنَ بَرَكَ .
ابْنُ ذِي يَزَنَ بَيْنَ يَدَيْ كِسْرَى ، وَمُعَاوَنَةُ كِسْرَى لَهُ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ سَيْفًا لَمّا دَخَلَ
عَلَيْهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَقَالَ الْمَلِكُ إنّ هَذَا الْأَحْمَقَ
يَدْخُلُ عَلَيّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الطّوِيلِ ثُمّ يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ
؟ فَقِيلَ ذَلِكَ لِسَيْفِ فَقَالَ إنّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِهَمّي ؛
لِأَنّهُ يَضِيقُ عَنْهُ كُلّ شَيْءٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ
لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ غَلَبَتْنَا عَلَى بِلَادِنَا الْأَغْرِبَةُ ،
فَقَالَ لَهُ كِسْرَى : أَيّ الْأَغْرِبَةِ : الْحَبَشَةُ أَمْ السّنْدُ
فَقَالَ بَلْ الْحَبَشَةُ ، فَجِئْتُك لِتَنْصُرَنِي ، وَيَكُونُ مُلْكُ
بِلَادِي لَك ، قَالَ بَعُدَتْ بِلَادُك مَعَ قِلّةِ خَيْرِهَا ، فَلَمْ
أَكُنْ لِأُوَرّطَ جَيْشًا مِنْ فَارِسَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، لَا حَاجَةَ
لِي بِذَلِكَ ثُمّ أَجَازَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَافٍ وَكَسَاهُ
كُسْوَةً حَسَنَةً . فَلَمّا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ سَيْفٌ خَرَجَ فَجَعَلَ
يَنْثُرُ ذَلِكَ الْوَرِقَ لِلنّاسِ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ فَقَالَ
إنّ لِهَذَا لَشَأْنًا ، ثُمّ بَعَثَ إلَيْهِ فَقَالَ عَمَدْت إلَى
حِبَاءِ الْمَلِكِ تَنْثُرُهُ لِلنّاسِ فَقَالَ وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا
مَا جِبَالُ أَرْضِي الّتِي جِئْتُ مِنْهَا إلّا ذَهَبٌ وَفِضّةٌ
يُرَغّبُهُ فِيهَا . فَجَمَعَ كِسْرَى مَرَازِبَتَهُ فَقَالَ لَهُمْ
مَاذَا تَرَوْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ وَمَا جَاءَ لَهُ ؟ فَقَالَ
قَائِلٌ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّ فِي سُجُونِك رِجَالًا قَدْ حَبَسْتَهُمْ
لِلْقَتْلِ فَلَوْ أَنّك بَعَثْتَهُمْ مَعَهُ فَإِنْ يَهْلِكُوا كَانَ
ذَلِكَ الّذِي أَرَدْتَ بِهِمْ وَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ مُلْكًا ازْدَدْتَهُ
. فَبَعَثَ مَعَهُ كِسْرَى مَنْ كَانَ فِي سُجُونِهِ وَكَانُوا ثَمَانَ
مِئَةِ رَجُلٍ .
[ وَهْرِز وَسَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَانْتِصَارُهُمَا عَلَى مَسْرُوقٍ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشّعْرِ ]
وَاسْتَعْمَلَ
عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ وَهْرِز ، وَكَانَ ذَا سِنّ فِيهِمْ
وَأَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَبَيْتًا فَخَرَجُوا فِي ثَمَانِ سَفَائِنَ
فَغَرِقَتْ سَفِينَتَانِ وَوَصَلَ إلَى سَاحِلِ عَدَنَ [ ص 64 ] وَهْرِز
مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْ قَوْمِهِ وَقَالَ لَهُ رِجْلِي مَعَ رِجْلِك حَتّى
نَمُوتَ جَمِيعًا أَوْ نَظْفَرَ جَمِيعًا . قَالَ لَهُ وَهْرِز :
أَنْصَفْتَ وَخَرَجَ إلَيْهِ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ مَلِكُ الْيَمَنِ
، وَجَمَعَ إلَيْهِ جُنْدَهُ . فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ وَهْرِز ابْنًا لَهُ
لِيُقَاتِلَهُمْ فَيَخْتَبِرَ قِتَالَهُمْ فَقُتِلَ ابْنُ وَهْرِز
فَزَادَهُ ذَلِكَ حَنَقًا عَلَيْهِمْ فَلَمّا تَوَاقَفَ النّاسُ عَلَى
مَصَافّهِمْ قَالَ وَهْرِز : أَرُونِي مَلِكَهُمْ فَقَالُوا لَهُ أَتَرَى
رَجُلًا عَلَى الْفِيلِ عَاقِدًا تَاجَهُ عَلَى رَأْسِهِ بَيْنَ
عَيْنَيْهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا : ذَاكَ
مَلِكُهُمْ فَقَالَ اُتْرُكُوهُ . فَوَقَفُوا طَوِيلًا ، ثُمّ قَالَ
عَلَامَ هُوَ ؟ قَالُوا : قَدْ تَحَوّلَ عَلَى الْفَرَسِ ، قَالَ
اُتْرُكُوهُ . فَوَقَفُوا طَوِيلًا ؟ ثُمّ قَالَ عَلَامَ هُوَ ؟ قَالُوا :
قَدْ تَحَوّلَ عَلَى الْبَغْلَةِ . قَالَ وَهْرِز : بِنْتُ الْحِمَارِ
ذَلّ وَذَلّ مُلْكُهُ إنّي سَأَرْمِيهِ فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَهُ
لَمْ يَتَحَرّكُوا فَاثْبُتُوا حَتّى أُوذِنَكُمْ . فَإِنّي قَدْ
أَخْطَأْتُ الرّجُلَ وَإِنْ رَأَيْتُمْ الْقَوْمَ قَدْ اسْتَدَارُوا
وَلَاثُوا بِهِ فَقَدْ أَصَبْتُ الرّجُلَ فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ . ثُمّ
وَتَرَ قَوْسَهُ وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَا يُوتِرُهَا غَيْرُهُ
مِنْ شِدّتِهَا ، وَأَمَرَ بِحَاجِبَيْهِ فَعُصّبَا لَهُ ثُمّ رَمَاهُ
فَصَكّ الْيَاقُوتَةَ الّتِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَتَغَلْغَلَتْ
النّشّابَةُ فِي رَأْسِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ قَفَاهُ وَنُكِسْ عَنْ
دَابّتِهِ وَاسْتَدَارَتْ الْحَبَشَةُ وَلَاثَتْ بِهِ وَحَمَلَتْ
عَلَيْهِمْ الْفُرْسُ ، وَانْهَزَمُوا ، فَقُتِلُوا وَهَرَبُوا فِي كُلّ
وَجْهٍ وَأَقْبَلَ وَهْرِز لِيَدْخُلَ صَنْعَاءَ ، حَتّى إذَا أَتَى
بَابَهَا ، قَالَ لَا تَدْخُلُ رَايَتِي مُنَكّسَةً أَبَدًا ، اهْدِمُوا
الْبَابَ فَهُدِمَ ثُمّ دَخَلَهَا نَاصِبًا رَايَتَهُ . فَقَالَ سَيْفُ
بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيّ : [ ص 65 ]
يَظُنّ النّاسُ بِالْمَلْكَيْنِ ... أَنّهُمَا قَدْ الْتَأَمَا
وَمَنْ يَسْمَعْ بِلَأْمِهِمَا ... فَإِنّ الْخَطْبَ قَدْ فَقُمَا
قَتَلْنَا الْقَيْلَ مَسْرُوقًا ... وَرَوّيْنَا الْكَثِيبَ دَمَا
وَإِنّ الْقَيْلَ قَيْلُ النّاسِ ... وَهْرِز مُقْسِمٌ قَسَمَا
يَذُوقُ مُشَعْشَعًا حَتّى ... يُفِيءَ السّبْيَ وَالنّعما
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
وَأَنْشَدَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ السّدُوسِيّ آخِرَهَا بَيْتًا
لِأَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَغَيْرُهُ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو الصّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثّقَفِيّ قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى لِأُمَيّةِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ : [ ص 66 ]
لِيَطْلُبَ الْوِتْرَ أَمْثَالُ ابْنِ ذِي يَزَنَ ... رَيّمَ فِي الْبَحْرِ لِلْأَعْدَاءِ أَحْوَالَا
يَمّمَ قَيْصَرَ لَمّا حَانَ رِحْلَتُهُ ... فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ بَعْضَ الّذِي سَالَا
ثُمّ انْثَنَى نَحْوَ كِسْرَى بَعْدَ عَاشِرَةٍ ... مِنْ السّنِينَ يُهِينُ النّفْسَ وَالْمَالَا
حَتّى أَتَى بِبَنِي الْأَحْرَارِ يَحْمِلُهُمْ ... إنّكَ عَمْرِي لَقَدْ أَسْرَعَتْ قِلْقَالَا
لِلّهِ دَرّهُمْ مِنْ عُصْبَةٍ خَرَجُوا ... مَا إنْ رَأَى لَهُمْ فِي النّاسِ أَمْثَالَا
بِيضًا مَرَاربةً غُلْبًا أَسَاوِرَةً ... أُسْدًا تُرَبّبُ فِي الْغَيْضَاتِ أَشْبَالَا
يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ كَأَنّهَا غُبُطٌ ... بزَمْخرٍ يُعَجّلُ الْمَرْمِيّ إعْجَالَا
أَرْسَلْتَ أُسْدًا عَلَى سُودِ الْكِلَابِ فَقَدْ ... أَضْحَى شَرِيدُهُمْ فِي الْأَرْضِ فُلّالَا
فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التّاجُ مُرْتَفِقًا ... فِي رَأْسِ غُمْدان دَارًا مِنْك مِحْلَالَا
وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ ... وَأَسْبِلْ الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْك إسْبَالَا
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لاقَعْبان مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا مَا صَحّ لَهُ مِمّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ مِنْهَا ، إلّا آخِرَهَا بَيْتًا قَوْلُهُ
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لاقَعْبان مِنْ لَبَنٍ
[
ص 67 ] لِلنّابِغَةِ الْجَعْدِيّ . وَاسْمُهُ ( حِبّانُ بْنُ ) عَبْدِ
اللّهِ بْنِ قَيْسٍ ، أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ
بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ
هَوَازِنَ ، فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَدِيّ
بْنُ زَيْدٍ الحِيريّ ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : ثُمّ أَحَدُ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ
تَمِيمٍ ، وَيُقَالُ عَدِيّ مِنْ الْعِبَادِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ : [ ص
68 ]
مَا بَعْدَ صَنْعَاءَ كَانَ يَعْمُرُهَا ... وُلَاةُ مُلْكٍ جَزْلٍ مَوَاهِبُهَا
رَفّعَهَا مَنْ بَنَى لَدَى قَزَع ... الْمُزْنِ وَتَنْدَى مِسْكًا مَحَارِبُهَا
مَحْفُوفَةٌ بِالْجِبَالِ دُونَ عُرَى ... الْكَائِدِ مَا تُرْتَقَى غُوَارِبُهَا
يَأْنَسُ فِيهَا صَوْتُ النّهَامِ إذَا ... جَاوَبَهَا بِالْعَشِيّ قَاصِبُهَا
سَاقَتْ إلَيْهَا الْأَسْبَابُ جُنْدُ بَنِي ... الْأَحْرَارِ فُرْسَانُهَا مَوَاكِبُهَا
وفُوّزت بِالْبِغَالِ تُوسَقُ ... بِالْحَتْفِ وَتَسْعَى بِهَا تَوَالِبُهَا
حَتّى رَآهَا الْأَقْوَالُ مِنْ طَرَفِ ... الْمَنْقَلِ مُخْضَرّةٌ كَتَائِبُهَا
يَوْمَ يُنَادُونَ آلَ بَرْبَرٍ ... والْيكْسوم لَا يُفْلِحُنّ هَارِبُهَا
وَكَانَ يَوْمُ بَاقِي الْحَدِيثِ ... وَزَالَتْ إمّة ثَابِتٌ مَرَاتِبُهَا
وَبُدّلَ الْفَيْجُ بِالزّرَافَةِ وَالْأَيّامُ ... جُونٌ جَمّ عَجَائِبُهَا
بَعْدَ بَنِي تُبّعٍ نَخَاوِرَةٌ ... قَدْ اطْمَأَنّتْ بِهَا مَرَازِبُهَا
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ ( الْأَنْصَارِيّ ) وَرَوَاهُ لِي عَنْ
الْمُفَضّلِ الضّبّيّ قَوْلَهُ يَوْمَ يُنَادُونَ آلَ بَرْبَرٍ والْيكْسوم
. . . . إلَخْ
[ هَزِيمَةُ الْأَحْبَاشِ وَنُبُوءَةُ سَطِيحٍ وَشِقّ ]
وَهَذَا الّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ
يَلِيهِ إرَمُ ذِي يَزَنَ
يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَنَ
فَلَا يَتْرُكُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْيَمَنِ .
وَاَلّذِي عَنَى شِقّ بِقَوْلِهِ
غُلَامٌ لَيْسَ بِدَنِيّ وَلَا مُدَنّ
يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ ذِي يَزَنَ
ذِكْرُ مَا انْتَهَى إلَيْهِ أَمْرُ الْفُرْسِ بِالْيَمَنِ
[ مُلْكُ الْحَبَشَةِ فِي الْيَمَنِ وَمُلُوكُهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ وَهْرِز وَالْفُرْسُ بِالْيَمَنِ ، فَمِنْ
بَقِيّةِ ذَلِكَ الْجَيْشِ مِنْ الْفُرْسِ الْأَبْنَاءُ الّذِينَ
بِالْيَمَنِ الْيَوْمَ . وَكَانَ مُلْكُ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ ، فِيمَا
بَيْنَ أَنْ دَخَلَهَا أَرْيَاط إلَى أَنْ قَتَلَتْ الْفُرْسُ مَسْرُوقَ
بْنَ أَبْرَهَةَ وَأُخْرِجَتْ الْحَبَشَةُ ، اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ
سَنَةً تَوَارَثَ [ ص 69 ] أَرْيَاط ، ثُمّ أَبْرَهَةُ ، ثُمّ يَكْسوم
بْنُ أَبْرَهَةَ ثُمّ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ .
[ مُلُوكُ الْفُرْسِ عَلَى الْيَمَنِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : ثُمّ مَاتَ وَهْرِز ، فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَهُ
الْمَرْزُبَانَ بْنِ وَهْرِز عَلَى الْيَمَنِ ثُمّ مَاتَ الْمَرْزُبَان
فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَهُ التّيْنُجان بْنَ الْمَرْزُبَانِ عَلَى
الْيَمَنِ ، ثُمّ مَاتَ التّيْنُجان فَأَمّرَ كِسْرَى ابْنَ التّيْنُجان
عَلَى الْيَمَنِ ، ثُمّ عَزَلَهُ وَأَمّرَ بَاذَانَ فَلَمْ يَزَلْ
بَاذَانُ عَلَيْهَا حَتّى بَعَثَ اللّهُ مُحَمّدًا ( النّبِيّ ) صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ كِسْرَى وَبَعْثَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
فَبَلَغَنِي
عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ كَتَبَ كِسْرَى إلَى بَاذَانَ : أَنّهُ
بَلَغَنِي أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْش خَرَجَ بِمَكّةَ ، يَزْعُمُ أَنّهُ
نَبِيّ ، فَسِرْ إلَيْهِ فَاسْتَتِبْهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلّا فَابْعَثْ
إلَيّ بِرَأْسِهِ . فَبَعَثَ بَاذَانُ بِكِتَابِ كِسْرَى إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُقْتَلَ
كِسْرَى فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فَلَمّا أَتَى بَاذَانَ
الْكِتَابُ تَوَقّفَ لِيَنْظُرَ وَقَالَ إنْ كَانَ نَبِيّا فَسَيَكُونُ
مَا قَالَ . فَقَتَلَ اللّهُ كِسْرَى فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قُتِلَ
عَلَى يَدَيْ ابْنِهِ شِيرَوَيْه ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ حِقّ
الشّيْبَانِيّ :
وَكِسْرَى إذْ تَقَسّمْهُ بَنُوهُ ... بِأَسْيَافٍ كَمَا اُقْتُسِمَ اللّحّامُ
تَمَخّضَتْ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ ... أَنّى وَلِكُلّ حَامِلَةٍ تِمَامُ
[ إسْلَامُ بَاذَانَ ]
قَالَ
الزّهْرِيّ : فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ بَاذَانَ بَعَثَ بِإِسْلَامِهِ
وَإِسْلَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْفُرْسِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَتْ الرّسُلُ مِنْ الْفُرْسِ لِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟
قَالَ أَنْتُمْ مِنّا وَإِلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْت . [ ص 70 ]
[ سَلْمَانُ مِنّا ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَبَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ فَمِنْ ثَمّ
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلْمَانُ مِنّا
أَهْلَ الْبَيْتِ
[ بَعْثَةُ النّبِيّ وَنُبُوءَةُ سَطِيحٍ وَشِقّ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَهُوَ الّذِي عَنَى سَطِيحٌ بِقَوْلِهِ " نَبِيّ زَكِيّ
، يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيّ " . وَاَلّذِي عَنَى شِقّ
بِقَوْلِهِ " بَلْ يَنْقَطِعُ بِرَسُولِ مُرْسَلٍ يَأْتِي بِالْحَقّ
وَالْعَدْلِ مِنْ أَهْلِ الدّينِ وَالْفَضْلِ يَكُونُ الْمُلْكُ فِي
قَوْمِهِ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ " .
[ الْحَجَرُ الّذِي وُجِدَ بِالْيَمَنِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ
كِتَابٌ - بِالزّبُورِ كُتِبَ فِي الزّمَانِ الْأَوّلِ " لِمِنْ مُلْكُ
ذِمَارٍ ؟ لِحِمْيَرَ الْأَخْيَارِ لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ ؟ لِلْحَبَشَةِ
الْأَشْرَارِ لِمَنْ مُلْكُ ذِمَارٍ ؟ لِفَارِسَ الْأَحْرَارِ لِمَنْ
مُلْكُ ذِمَارٍ ؟ لِقُرَيْشِ التّجّارِ " . وَذِمَارٌ : الْيَمَنُ أَوْ
صَنْعَاءُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ذَمَارُ : بِالْفَتْحِ فِيمَا
أَخْبَرَنِي يُونُسُ
[ شِعْرٌ لِأَعْشَى فِي نُبُوءَةِ سَطِيحٍ وَشِقّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْأَعْشَى أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي وُقُوعِ مَا قَالَ سَطِيحٌ وَصَاحِبُهُ
مَا نَظَرَتْ ذَاتُ أَشْفَارٍ كَنَظْرَتِهَا ... حَقّا كَمَا صَدَقَ الذّئْبِيّ إذَا سَجَعَا
وَكَانَتْ
الْعَرَبُ تَقُولُ لِسَطِيحِ الذّئْبِيّ لِأَنّهُ سَطِيحُ بْنُ رَبِيعَةَ
بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مَازِنِ بْنِ ذِئْبٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . [ ص 71 ]
قِصّةُ مَلِكِ الْحَضْرِ
[ نَسَبُ النّعْمَانِ وَشَيْءٌ عَنْ الْحَضْرِ ، وَشِعْرُ عَدِيّ فِيهِ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي خَلّادُ بْنُ قُرّةَ بْنِ خَالِدِ
السّدُوسِيّ عَنْ جَنّاد ، أَوْ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ
بِالنّسَبِ أَنّهُ يُقَالُ إنّ النّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ مِنْ وَلَدِ
سَاطِرُونَ مَلِكِ الْحَضْرِ وَالْحَضْرُ : حِصْنٌ عَظِيمٌ كَالْمَدِينَةِ
، كَانَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ ، وَهُوَ الّذِي ذَكَرَ عَدِيّ بْنُ
زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ
وَأَخُو الْحَضْرِ إذْ بَنَاهُ وَإِذْ ... دِجْلَةُ تُجْبَى إلَيْهِ وَالْخَابُورُ
شَادَهُ مَرْمَرَا وَجَلّلَهُ كِلْسًا ... فَلِلطّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ
لَمْ يَهَبْهُ رَيْبُ الْمَنُونِ فَبَانَ ... الْمُلْكُ عَنْهُ فَبَابُهُ مَهْجُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَاَلّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دُوَادٍ الْإِيَادِيّ فِي قَوْلِهِ
وَأَرَى الْمَوْتَ قَدْ تَدَلّى مِنْ الْحَضْرِ ... عَلَى رَبّ أَهْلِهِ السّاطِرُونَ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَيُقَالُ إنّهَا لِخَلَفِ الْأَحْمَرِ وَيُقَالُ لِحَمّادِ الرّاوِيَةِ .
[ دُخُولُ سَابُورَ الْحَضْرَ ، وَزَوَاجُهُ بِنْتِ سَاطِرُونَ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا ]
وَكَانَ
كِسْرَى سَابُورُ ذُو الْأَكْتَافِ غَزَا سَاطِرُونَ مَلِكِ الْحَضْرِ ،
فَحَصَرَهُ سَنَتَيْنِ فَأَشْرَفَتْ بِنْتُ سَاطِرُونَ يَوْمًا ،
فَنَظَرَتْ إلَى سَابُورَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ دِيبَاجٍ [ ص 72 ] وَكَانَ
جَمِيلًا ، فَدَسّتْ إلَيْهِ أَتَتَزَوّجُنِي إنْ فَتَحْتُ لَك بَابَ
الْحَضْرِ ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَلَمّا أَمْسَى سَاطِرُونَ شَرِبَ حَتّى
سَكِرَ وَكَانَ لَا يَبِيتُ إلّا سَكْرَانَ . فَأَخَذَتْ مَفَاتِيحَ بَابِ
الْحَضْرِ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ فَبَعَثَتْ بِهَا مَعَ مَوْلًى لَهَا ،
فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ سَابُورُ فَقَتَلَ سَاطِرُونَ ، وَاسْتَبَاحَ
الْحَضْرَ وَخَرّبَهُ وَسَارَ بِهَا مَعَهُ فَتَزَوّجَهَا . فَبَيْنَا
هِيَ نَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِهَا لَيْلًا إذْ جَعَلَتْ تَتَمَلْمَلُ لَا
تَنَامُ فَدَعَا لَهَا بِشَمْعِ فَفُتّشَ فِرَاشُهَا ، فَوُجِدَ عَلَيْهِ
وَرَقَةُ آسٍ فَقَالَ لَهَا سَابُورُ أَهَذَا الّذِي أَسْهَرَك ؟ قَالَتْ
نَعَمْ قَالَ فَمَا كَانَ أَبُوك يَصْنَعُ بِكِ ؟ قَالَتْ كَانَ يَفْرِشُ
لِي الدّيبَاجَ وَيُلْبِسُنِي الْحَرِيرَ وَيُطْعِمُنِي الْمُخّ
وَيَسْقِينِي الْخَمْرَ قَالَ أَفَكَانَ جَزَاءُ أَبِيك مَا صَنَعْتِ بِهِ
؟ أَنْتَ إلَيّ بِذَلِكَ أَسْرَعُ ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَرُبِطَتْ قُرُونُ
رَأْسِهَا بِذَنَبِ فَرَسٍ ثُمّ رَكَضَ الْفَرَسُ حَتّى قَتَلَهَا .
فَفِيهِ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ :
أَلَمْ تَرَ لِلْحَضْرِ إذْ أَهْلُهُ ... بِنُعْمَى وَهَلْ خَالِدٌ مِنْ نِعَمْ
أَقَامَ بِهِ شاهَبُور الْجُنُودَ ... حَوْلَيْنِ تَضْرِبُ فِيهِ الْقُدُمْ
فَلَمّا دَعَا رَبّهُ دَعْوَةً ... أَنَابَ إلَيْهِ فَلَمْ يَنْتَقِمْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ ص 73 ] وَقَالَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ
وَالْحَضْرُ صَابَتْ عَلَيْهِ دَاهِيَةٌ ... مِنْ فَوْقِهِ أَيّدٌ مَنَاكِبُهَا
رَبِيّةَ لَمْ تُوَقّ وَالِدَهَا ... لِحَيْنِهَا إذْ أَضَاعَ رَاقِبُهَا
إذْ غَبَقَتْهُ صَهْبَاءَ صَافِيَةً ... وَالْخَمْرُ وَهَلْ يَهِيمُ شَارِبُهَا
فَأَسْلَمَتْ أَهْلَهَا بِلَيْلَتِهَا ... تَظُنّ أَنّ الرّئِيسَ خَاطِبُهَا
فَكَانَ حَظّ الْعَرُوسِ إذْ جَشَرَ الصّبْحُ ... دِمَاءً تَجْرِي سَبَائِبُهَا
وَخُرّبَ الْحَضْرُ وَاسْتُبِيحَ وَقَدْ ... أُحْرِقَ فِي خِدْرِهَا مَشَاجِبُهَا
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
ذِكْرُ وَلَدِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ
[ أَوْلَادُهُ فِي رَأْيِ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ نِزَارُ بْنُ مَعَدّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مُضَرَ
بْنَ نِزَارٍ وَرَبِيعَةَ بْنَ نِزَارٍ وأَنْمَارَ بْنَ نِزَارٍ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ وَإِيَادَ بْنَ نِزَارٍ . قَالَ الْحَارِسُ بْنُ دَوْسٍ
الْإِيَادِيّ ، وَيُرْوَى لِأَبِي دُوَادَ الْإِيَادِيّ و اسْمُهُ
جَارِيَةُ بْنُ الْحَجّاجِ
وَفُتُوّ حَسَنٌ أَوْجُهُهُمْ ... مِنْ إيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . فَأُمّ مُضَرَ وَإِيَادٍ سَوْدَةُ بِنْتُ
عَكّ بْنِ عَدْنَانَ وَأُمّ رَبِيعَةَ و أَنْمَارٍ شُفَيْقَةُ بِنْتُ عَكّ
بْنِ عَدْنَانَ ، وَيُقَالُ جُمُعَةُ بِنْتُ عَكّ بْنِ عَدْنَانَ .
[ أَوْلَادُ أَنْمَارٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَنْمَارُ أَبُو خَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ . قَالَ جَرِيرُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ وَكَانَ سَيّدَ بَجِيلَةَ ، وَهُوَ الّذِي
يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ
لَوْلَا جَرِيرٌ هَلَكَتْ بَجِيلَهُ ... نِعْمَ الْفَتَى وَبِئْسَتْ الْقِبِيلَه
وَهُوَ
يُنَافِرُ الْفُرَافِصَةَ الْكَلْبِيّ إلَى الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ
التّمِيمِيّ ( بْنِ عِقَالِ بْنِ مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ ) :
يَا أَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ ... إنّك إنْ يُصْرَعْ أَخُوك تُصْرَع
وَقَالَ [ ص 75 ]
ابْنَيْ نِزَارٍ اُنْصُرَا أَخَاكُمَا ... إنّ أَبِي وَجَدْتَهُ أَبَاكُمَا
لَنْ يُغْلَبَ الْيَوْمَ أَخٌ وَالَاكُمَا
وَقَدْ
تَيَامَنَتْ فَلَحِقَتْ بِالْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَتْ
الْيَمَنُ : وَبَجِيلَةُ : أَنْمَار بْنُ إرَاشِ بْنِ لِحْيَانَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بْنِ نَبْتِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ ؛ وَيُقَالُ إرَاشُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لِحْيَانَ
بْنِ الْغَوْثِ . وَدَارُ بَجِيلَةَ وَخَثْعَمَ : يَمَانِيّةٌ .
[ أَوْلَادُ مُضَرَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ مُضَرُ بْنُ نِزَارٍ رَجُلَيْنِ إلْيَاسَ بْنَ
مُضَرَ ، وَعَيْلَانَ بْنَ مُضَرَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأُمّهُمَا
جُرْهُمِيّةٌ .
[ أَوْلَادُ إلْيَاسَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَوَلَدَ إلْيَاسُ بْنُ مُضَرَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مُدْرِكَةَ بْنَ إلْيَاسَ
وَطَابِخَةَ بْنَ إلْيَاسَ وَقَمْعَةَ بْنَ إلْيَاسَ وَأُمّهُمْ خِنْدِفُ
، امْرَأَةٌ مِنْ الْيَمَنِ .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 11:45 am

اقتباس :


[ شَيْءٌ عَنْ خِنْدِفَ وَأَوْلَادِهَا ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : خِنْدِفُ بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ اسْمُ مُدْرِكَةَ عَامِرًا ، وَاسْمُ
طَابِخَةَ عَمْرًا ؛ وَزَعَمُوا أَنّهُمَا كَانَا فِي إبِلٍ لَهُمَا
يَرْعَيَانِهَا ، فَاقْتَنَصَا صَيْدًا فَقَعَدَا عَلَيْهِ يَطْبُخَانِهِ
وَعَدَتْ عَادِيَةٌ عَلَى إبِلِهِمَا ، فَقَالَ عَامِرٌ لِعَمْرٍو :
أَتُدْرِكُ الْإِبِلَ أَمْ تَطْبُخ هَذَا الصّيْدَ ؟ فَقَالَ عَمْرٌو :
بَلْ أَطْبُخُ فَلَحِقَ عَامِرٌ بِالْإِبِلِ فَجَاءَ بِهَا ، فَلَمّا
رَاحَا عَلَى أَبِيهِمَا حَدّثَاهُ بِشَأْنِهِمَا ، [ ص 76 ] فَقَالَ
لِعَامِرِ أَنْتَ مُدْرِكَةٌ وَقَالَ لِعَمْرِو : وَأَنْتَ طَابِخَةُ (
وَخَرَجَتْ أُمّهُمْ لَمّا بَلَغَهَا الْخَبَرُ وَهِيَ مُسْرِعَةٌ فَقَالَ
لَهَا : تُخَنْدِفِينَ فَسُمّيَتْ خِنْدِفُ ) . وَأَمّا قَمَعَةُ
فَيَزْعُمُ نُسّابُ مُضَرَ : أَنّ خُزَاعَةَ مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ
لُحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ إلْيَاسَ .
قِصّةُ عَمْرِو بْنِ لُحَيّ وَذِكْرُ أَصْنَامِ الْعَرَبِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حُدّثْت أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَأَيْت عَمْرَو
بْنَ لُحَيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ فَسَأَلْته عَمّنْ بَيْنِي
وَبَيْنَهُ مِنْ النّاسِ فَقَالَ هَلَكُوا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ أَنّ
أَبَا صَالِحٍ السّمّانَ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ ،
وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ - يَقُولُ سَمِعْت
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ
الْجَوْنِ الْخُزَاعِيّ يَا أَكْثَمُ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ بْنِ
قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ فَمَا رَأَيْت
رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْك بِهِ وَلَا بِك مِنْهُ فَقَالَ أَكْثَمُ
عَسَى أَنْ يَضُرّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ لَا ، إنّك
مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ إنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ غَيّرَ دِينَ
إسْمَاعِيلَ فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَسَيّبَ
السّائِبَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِي [ ص 77 ]
[ جَلَبُ الْأَصْنَامِ مِنْ الشّامِ إلَى مَكّةَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَمْرَو بْنَ
لُحَيّ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ إلَى الشّامِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ فَلَمّا
قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ
الْعَمَالِيقُ - وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ . وَيُقَالُ عِمْلِيقُ بْنُ
لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ - رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ
فَقَالَ لَهُمْ مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ ؟
قَالُوا لَهُ هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا ، فَنَسْتَمْطِرُهَا
فَتُمْطِرُنَا ، و نَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا ، فَقَالَ لَهُمْ
أَفَلَا تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا ، فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ
الْعَرَبِ ، فَيَعْبُدُوهُ ؟ فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ هُبَلُ
فَقَدِمَ بِهِ مَكّةَ ، فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النّاسَ بِعِبَادَتِهِ
وَتَعْظِيمِهِ .
[ أَوّلُ عِبَادَةِ الْحِجَارَةِ كَانَتْ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاق : وَيَزْعُمُونَ أَنّ أَوّلَ مَا كَانَتْ عِبَادَةُ
الْحِجَارَةِ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ أَنّهُ كَانَ لَا يَظْعَنُ مِنْ
مَكّةَ ظَاعِنٌ مِنْهُمْ حَيْن ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ وَالْتَمَسُوا الفَسَحَ
فِي الْبِلَادِ إلّا حَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ
تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ فَحَيْثُمَا نَزَلُوا وَضَعُوهُ فَطَافُوا بِهِ
كَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ حَتّى سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ إلَى أَنْ
كَانُوا يَعْبُدُونَ مَا اسْتَحْسَنُوا مِنْ الْحِجَارَةِ وَأَعْجَبَهُمْ
حَتّى خَلَفَ الْخُلُوفُ وَنَسُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَاسْتَبْدَلُوا
بِدِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ غَيْرَهُ فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ
وَصَارُوا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ مِنْ
الضّلَالَاتِ وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ
يَتَمَسّكُونَ بِهَا ، مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ وَالطّوَافِ بِهِ
وَالْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى عَرَفَةَ [ ص 78 ] فَكَانَتْ
كِنَانَةُ وَقُرَيْشٌ إذَا أَهَلّوا قَالُوا : " لَبّيْكَ اللّهُمّ
لَبّيْكَ لَبّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك ، إلّا شَرِيكٌ هُوَ لَك ، تَمْلِكُهُ
وَمَا مَلَكَ " . فَيُوَحّدُونَهُ بِالتّلْبِيَةِ ثُمّ يُدْخِلُونَ مَعَهُ
أَصْنَامَهُمْ وَيَجْعَلُونَ مِلْكَهَا بِيَدِهِ . يَقُولُ اللّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمُحَمّدِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَمَا
يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } أَيْ مَا
يُوَحّدُونَنِي لِمَعْرِفَةِ حَقّي إلّا جَعَلُوا مَعِي شَرِيكًا مِنْ
خَلْقِي .
[ الْأَصْنَامُ عِنْدَ قَوْمِ نُوحٍ ]
وَقَدْ كَانَتْ
لِقَوْمِ نُوحٍ أَصْنَامٌ قَدْ عَكَفُوا عَلَيْهَا ، قَصّ اللّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَبَرَهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ { وَقَالُوا لَا تَذَرُنّ آلِهَتَكُمْ وَلَا
تَذَرُنّ وَدّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ
أَضَلّوا كَثِيرًا }
[ الْقَبَائِلُ وَأَصْنَامُهَا ، وَشَيْءٌ عَنْهَا ]
فَكَانَ
الّذِينَ اتّخَذُوا تَلِك الْأَصْنَامَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ
وَغَيْرِهِمْ وَسَمّوْا بِأَسْمَائِهِمْ حَيْن فَارَقُوا دِينَ
إسْمَاعِيلَ هُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ ،
اتّخَذُوا سُوَاعًا ، فَكَانَ لَهُمْ بُرْهَاطُ . وَكَلْبُ بْنُ وَبْرَةَ
مِنْ قُضَاعَةَ ، اتّخَذُوا وَدّا بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ :
وَنَنْسَى اللّاتَ وَالْعُزّى وَوَدّا ... وَنَسْلُبُهَا الْقَلَائِدَ وَالشّنُوفَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللّهُ .
[ رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِي نَسَبِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَلْبُ بْنُ وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ . [ ص 79 ]
[ يَغُوثُ وَعَبَدَتُهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَنْعُمُ مِنْ طَيّئٍ وَأَهْلُ جُرَشَ مِنْ مَذْحِجَ اتّخَذُوا يَغُوثَ بِجُرَشَ .
[ رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِي أَنْعُمَ وَفِي نَسَبِ طَيّئٍ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَنْعُمُ . وَطَيّئُ ابْنُ أُدَدَ بْنِ مَالِكٍ
وَمَالِكٌ مَذْحِجُ بْنُ أُدَدَ وَيُقَال : طَيّئُ بْنُ أُدَدَ بْنِ
زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ .
[ يَعُوقُ وَعَبَدَتُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَيْوَانُ بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ ، اتّخَذُوا يَعُوقَ
بِأَرْضِ هَمْدَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ الْهَمْدَانِيّ : [ ص 80 ]
يَرِيشُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَيَبْرِي ... وَلَا يَبْرِي يَعُوقُ وَلَا يَرِيشُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
[ هَمْدَانُ وَنَسَبُهُ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : اسْمُ هَمْدَانَ : أَوْسَلَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَوْسَلَةَ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ ، وَيُقَالُ أَوْسَلَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ
أَوْسَلَةَ بْنِ الْخِيَارِ . وَيُقَالُ هَمْدَانُ بْنُ أَوْسَلَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخِيَارِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ .
[ نَسْرٌ وَعَبَدَتُهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذُو الْكُلَاعِ مِنْ حِمْيَرَ ، اتّخَذُوا نَسْرًا بِأَرْضِ حِمْيَرَ .
[عُمْيَانِسُ وَعَبَدَتُهُ ]
وَكَانَ
لِخَوْلَانَ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ عُمْيَانِسُ بِأَرْضِ خَوْلَانَ ،
يَقْسِمُونَ لَهُ مِنْ أَنْعَامِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ قَسْمًا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اللّهِ بِزَعَمِهِمْ فَمَا دَخَلَ فِي حَقّ عُمْيَانِسَ مِنْ
حَقّ اللّهِ تَعَالَى الّذِي سَمّوْهُ لَهُ تَرَكُوهُ لَهُ وَمَا دَخَلَ
فِي حَقّ اللّهِ تَعَالَى مِنْ حَقّ عُمْيَانِسَ رَدّوهُ عَلَيْهِ .
وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ خَوْلَانَ ، يُقَالُ لَهُمْ الْأَدِيمُ وَفِيهِمْ
أَنَزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا يَذْكُرُونَ { وَجَعَلُوا
لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا
هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ
لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ
يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ ص 81 ]
[ نَسَبُ خَوْلَانَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ ؛
وَيُقَالُ خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ بْنِ أُدَدَ بْنِ زَيْدِ
بْنِ مِهْسَعَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَرِيبِ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ
سَبَأٍ ، وَيُقَال : خَوْلَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ
بْنِ مَذْحِجَ .
[ سَعْدٌ وَعَبَدَتُهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَكَانَ لِبَنِي مِلْكَانَ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ
مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ صَنَمٌ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ
صَخْرَةٌ بِفَلَاةِ مِنْ أَرْضِهِمْ طَوِيلَةٌ . فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ
بَنِي مِلْكَانَ بِإِبِلِ لَهُ مُؤَبّلَةٌ لِيَقِفَهَا عَلَيْهِ
الْتِمَاسَ بَرَكَتِهِ فِيمَا يَزْعُمُ فَلَمّا رَأَتْهُ الْإِبِلُ
وَكَانَتْ مَرْعِيّةً لَا تُرْكَبُ وَكَانَ يُهْرَاقُ عَلَيْهِ الدّمَاءُ
نَفَرَتْ مِنْهُ فَذَهَبَتْ فِي كُلّ وَجْهٍ وَغَضِبَ رَبّهَا
الْمِلْكَانِيّ ، فَأَخَذَ حَجَرًا فَرَمَاهُ بِهِ ثُمّ قَالَ لَا بَارَكَ
اللّهُ فِيك ، نَفّرْت عَلَيّ إبِلِي ، ثُمّ خَرَجَ فِي طَلَبِهَا حَتّى
جَمَعَهَا ، فَلَمّا اجْتَمَعَتْ لَهُ قَالَ
أَتَيْنَا إلَى سَعْدٍ لِيَجْمَعَ شَمْلَنَا ... فَشَتّتَنَا سَعْدٌ فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ
وَهَلْ سَعْدُ إلّا صَخْرَةٌ بِتَنُوفَةٍ ... مِنْ الْأَرْضِ لَا تَدْعُو لِغَيّ وَلَا رُشْدٍ
[ صَنَمُ دَوْسٍ ]
وَكَانَ
فِي دَوْسٍ صَنَمٌ لِعَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ الدّوْسِيّ . [ ص 82 ] قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : سَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ .
[ نَسَبُ دَوْسٍ ]
وَدَوْسُ
بْنُ عُدْثَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ
الْأَسَدِ بْنِ الْغَوْثِ . وَيُقَالُ دَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ .
[ هُبَلُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اتّخَذَتْ صَنَمًا عَلَى بِئْرٍ
فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يُقَالُ لَهُ هُبَلُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
سَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ إنْ شَاءَ اللّهُ فِي مَوْضِعِهِ .
[إسَافٌ وَنَائِلَةٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْهُمَا ٍ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ، اتّخَذُوا إسَافًا وَنَائِلَةً عَلَى مَوْضِعِ
زَمْزَمَ يَنْحَرُونَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ إسَافٌ وَنَائِلَةٌ رَجُلًا
وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ - هُوَ إسَافُ بْنُ بَغْيٍ وَنَائِلَةُ بِنْتُ
دِيكٍ - فَوَقَعَ إسَافٌ عَلَى نَائِلَةٍ فِي الْكَعْبَةِ ، فَمَسَخَهُمَا
اللّهُ حَجَرَيْنِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ
أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عَمْرَةَ
بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ أَنّهَا قَالَتْ [ ص
83 ] عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَقُول : مَا زِلْنَا نَسْمَعُ أَنّ
إسَافًا وَنَائِلَةً كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ ،
أَحْدَثَا فِي الْكَعْبَةِ ، فَمَسَخَهُمَا اللّهُ تَعَالَى حَجَرَيْنِ
وَاَللّهُ أَعْلَمُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ
وَحَيْثُ يُنِيخُ الْأَشْعَرُونَ رِكَابَهُمْ ... بِمُفْضَى السّيُولِ مِنْ إسَافٍ وَنَائِلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى .
[ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْعَرَبُ مَعَ الْأَصْنَامِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَاِتّخَذَ أَهْلُ كُلّ دَارٍ فِي دَارِهِمْ صَنَمًا
يَعْبُدُونَهُ فَإِذَا أَرَادَ الرّجُلُ مِنْهُمْ سَفَرًا تَمَسّحَ بِهِ
حِينَ يَرْكَبُ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ مَا يَصْنَعُ حِينَ يَتَوَجّهُ إلَى
سَفَرِهِ وَإِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ تَمَسّحَ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ
أَوّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ فَلَمّا
بَعَثَ اللّهُ رَسُولَهُ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالتّوْحِيدِ قَالَتْ قُرَيْشٌ : { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا
إِنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } وَكَانَتْ الْعَرَبُ قَدْ اتّخَذَتْ مَعَ
الْكَعْبَةِ طَوَاغِيتَ وَهِيَ بُيُوتٌ تُعَظّمُهَا كَتَعْظِيمِ
الْكَعْبَةِ ، لَهَا سَدَنَةٌ وَحُجّابٌ وَتُهْدِي لَهَا كَمَا تُهْدِي
لِلْكَعْبَةِ وَتَطُوفُ بِهِ كَطَوَافِهَا بِهَا ، وَتَنْحَرُ عِنْدَهَا .
وَهَى تَعْرِفُ فَضْلَ الْكَعْبَةِ عَلَيْهَا ، لِأَنّهَا كَانَتْ قَدْ
عَرَفَتْ أَنّهَا بَيْتُ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَمَسْجِدُهُ .
[ الْعُزّى وَسَدَنَتُهَا ]
فَكَانَتْ
لِقُرَيْشِ وَبَنِيّ كِنَانَةَ الْعُزّى [ ص 84 ] وَكَانَ سَدَنَتَهَا
وَحُجّابَهَا بَنُو شَيْبَانَ ، مِنْ سُلَيْمٍ حُلَفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حُلَفَاءُ ( بَنِي ) أَبِي طَالِبٍ خَاصّةً
وَسُلَيْمٌ سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ
الْعَرَبِ :
لَقَدْ أُنْكِحَتْ أَسْمَاءُ رَأْسَ بُقَيْرَةٍ
مِنْ الْأُدْمِ أَهْدَاهَا امْرُؤٌ مِنْ بَنِي غَنْمِ
رَأَى قَدَعَا فِي عَيْنِهَا إذْ يَسُوقُهَا
إلَى غَبْغَبِ الْعُزّى فَوَسّعَ فِي الْقَسْمِ
وَكَذَلِك
كَانُوا يَصْنَعُونَ إذَا نَحَرُوا هَدْيًا قَسّمُوهُ فِي مَنْ حَضَرَهُمْ
. وَالْغَبْغَبُ الْمَنْحَرُ وَمِهْرَاقُ الدّمَاءِ . [ ص 85 ] قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ
وَاسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ مُرّةَ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
[ مَعْنَى السّدَنَةِ ]
وَالسّدَنَةُ الّذِينَ يَقُومُونَ بِأَمْرِ الْكَعْبَةِ . قَالَ رُؤْبَةُ بْن الْعَجّاجِ :
فَلَا وَرَبّ الْآمِنَاتِ الْقُطّنِ ... بِمَحْبَسِ الْهَدْى وَبَيْتِ الْمَسْدَنِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ .
[ اللّاتِي وَسَدَنَتُهَا ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ اللّاتِي لِثَقِيفِ بِالطّائِفِ وَكَانَ
سَدَنَتَهَا وَحُجّابَهَا بَنُو مُعَتّبٍ مِنْ ثَقِيفٍ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى فِي
مَوْضِعِهِ .
[ مَنَاةُ وَسَدَنَتُهَا وَهَدْمُهَا ]
قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَكَانَتْ مَنَاةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَمَنْ دَانَ
بِدِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ
نَاحِيَةِ الْمُشَلّلِ بِقُدَيْدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ
الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُ بَنِي أَسْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ
مُدْرِكَةَ
وَقَدْ آلَتْ قَبَائِلُ لَا تُوَلّى ... مَنَاةَ ظُهُورَهَا مُتَحَرّفِينَا
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ [ ص 86 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَبَعَثَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهَا أَبَا سُفْيَانَ
بْنَ حَرْبٍ فَهَدَمَهَا . وَيُقَالُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ .
[ ذُو الْخَلَصَةِ وَسَدَنَتُهُ وَهَدْمُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ لِدَوْسٍ وَخَثْعَمَ
وَبَجِيلَةَ ، وَمَنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ بِتَبَالَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ذُو الْخُلُصَةِ . قَالَ رَجُلٌ مِنْ
الْعَرَبِ :
لَوْ كُنْتَ يَا ذَا الْخُلُصِ الْمَوْتُورَا ... مِثْلِي وَكَانَ شَيْخُك الْمَقْبُورَا
لَمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُدَاةِ زُورَا
قَالَ
وَكَانَ أَبُوهُ قُتِلَ فَأَرَادَ الطّلَبَ بِثَأْرِهِ فَأَتَى ذَا
الْخَلَصَةِ فَاسْتَقْسَمَ عِنْدَهُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ السّهْمُ
بِنَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ . وَمِنْ النّاسِ
مَنْ يُنْحِلُهَا امْرَأَ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ الْكِنْدِيّ . فَبَعَثَ
إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَرِيرَ بْنَ
عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ فَهَدَمَهُ . [ ص 87 ]
[ فِلْسٌ وَسَدَنَتُهُ وَهَدْمُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ فِلْسُ لِطَيّئٍ وَمَنْ يَلِيهَا بِجَبَلَيْ
طَيّئٍ يَعْنِي سَلْمَى وَأَجَأَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَحَدّثَنِي
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَعَثَ إلَيْهَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَهَدَمَهَا ،
فَوَجَدَ فِيهَا سَيْفَيْنِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا : الرّسُوبُ
وَلِلْآخِرِ الْمِخْذَمُ . فَأَتَى بِهِمَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَهَبَهُمَا لَهُ فَهُمَا سَيْفَا عَلِيّ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ .
[ رِئَامٌ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَان
لِحِمْيَر وَأَهْلِ الْيَمَنِ بَيْتٌ بِصَنْعَاءَ يُقَالُ لَهُ رِئَامٌ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَدْ ذَكَرْت حَدِيثَهُ فِيمَا مَضَى .
[ رُضَاءٌ وَسَدَنَتُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ رُضَاءٌ بَيْتًا لِبَنِي رَبِيعَةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، وَلَهَا يَقُولُ
المُسْتَوْغِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ حِينَ هَدَمَهَا
فِي الْإِسْلَامِ [ ص 88 ]
وَلَقَدْ شَدَدْتُ عَلَى رُضَاءٍ شَدّةً ... فَتَرَكْتُهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ فَتَرَكْتهَا قَفْرًا بِقَاعِ أَسْحَمَا
عن رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ .
[ المُسْتَوْغِرُ وَعُمْرُهُ ]
وَيُقَالُ
إنّ الْمُسْتَوْغِرَ عُمّرَ ثَلَاثَ مِئَةِ سَنَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً
وَكَانَ أَطْوَلَ مُضَرَ كُلّهَا عُمْرًا ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنْ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَعَمَرْتُ مِنْ عَدَدِ السّنِينَ مِئِينَا
مِئَةٌ حَدَتْهَا بَعْدَهَا مِئَتَانِ لِي ... وَازْدَدْتُ مِنْ عَدَدِ الشّهُورِ سِنِينَا
هَلْ مَا بَقِيَ إلّا كَمَا قَدْ فَاتَنَا ... يَوْمٌ يَمُرّ وَلَيْلَةٌ تَحْدُونَا
وَبَعْضُ النّاسِ يَرْوِي هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ .
[ ذُو الْكَعَبَاتِ وَسَدَنَتُهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ ذُو الْكَعَبَاتِ لِبَكْرِ وَتَغْلِبَ ابْنَيْ
وَائِلٍ وَإِيَادٍ بِسَنْدَادٍ وَلَهُ يَقُولُ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْن
ثَعْلَبَةَ
بَيْنَ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الْكَعَبَاتِ مِنْ سَنْدَادِ
[
ص 89 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ لِلْأَسْوَدِ بْنِ
يَعْفُرَ النّهْشَلِيّ . نَهْشَلُ بْنُ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، فِي
قَصِيدَةٍ لَهُ . وَأَنْشَدَنِيهِ أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ :
أَهْلُ الْخَوَرْنَقِ وَالسّدِيرِ وَبَارِقٍ ... وَالْبَيْتِ ذِي الشّرُفَات مِنْ سِنْدَادِ
أَمْرُ الْبَحِيرَةِ وَالسّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَمّا الْبَحِيرَةُ فَهِيَ بِنْتُ السّائِبَةِ
وَالسّائِبَةُ النّاقَةُ إذَا تَابَعَتْ بَيْنَ عَشْرِ إنَاثٍ لَيْسَ
بَيْنَهُنّ ذَكَرٌ سُيّبَتْ فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا ، وَلَمْ يُجَزّ
وَبَرُهَا وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلّا ضَيْفٌ فَمَا نُتِجَتْ بَعْدَ
ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شُقّتْ أُذُنُهَا ، ثُمّ خُلّيَ سَبِيلُهَا مَعَ
أُمّهَا فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا ، وَلَمْ يُجَزّ وَبَرُهَا ، وَلَمْ
يَشْرَبْ لَبَنَهَا إلّا ضَيْفٌ كَمَا فُعِلَ بِأُمّهَا ، فَهِيَ
الْبَحِيرَةُ بِنْتُ السّائِبَةِ . وَالْوَصِيلَةُ الشّاةُ إذَا
أَتْأَمَتْ عَشْرَ إنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَبْطُنٍ لَيْسَ
بَيْنَهُنّ ذَكَرٌ جُعِلَتْ وَصِيلَةً . قَالُوا : قَدْ وَصَلَتْ فَكَانَ
مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِلذّكُورِ مِنْهُمْ دُونَ إنَاثِهِمْ إلّا
أَنْ يَمُوت مِنْهَا شَيْءٌ فَيَشْتَرِكُوا فِي أَكْلِهِ ذُكُورُهُمْ
وَإِنَاثُهُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيَرْوِي : فَكَانَ مَا وَلَدَتْ
بَعْدَ ذَلِكَ لِذُكُورِ بَنِيهِمْ دُونَ بَنَاتِهِمْ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَالْحَامِي : الْفَحْلُ إذَا نُتِجَ لَهُ عَشْرُ إنَاثٍ
مُتَتَابِعَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهُنّ ذَكَرٌ حُمِيَ ظَهْرُهُ فَلَمْ يُرْكَبْ
وَلَمْ يُجَزّ وَبَرُهُ وَخُلّيَ فِي إبِلِهِ يَضْرِبُ فِيهَا ، لَا
يُنْتَفَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا (
كُلّهُ ) عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِ هَذَا إلّا الْحَامِي ، فَإِنّهُ
عِنْدَهُمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . فَالْبَحِيرَةُ عِنْدَهُمْ
النّاقَةُ تُشَقّ أُذُنُهَا فَلَا يُرْكَبُ ظَهْرُهَا ، وَلَا يُجَزّ
وَبَرُهَا ، وَلَا يَشْرَبُ لَبَنَهَا إلّا ضَيْفٌ . أَوْ يُتَصَدّقُ بِهِ
[ ص 90 ] لِآلِهَتِهِمْ . وَالسّائِبَةُ الّتِي يَنْذِرُ الرّجُلُ أَنْ
يُسَيّبَهَا إنْ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ إنْ أَصَابَ أَمْرًا
يَطْلُبُهُ . فَإِذَا كَانَ أَسَابَ نَاقَةً مِنْ إبِلِهِ أَوْ جَمَلًا
لِبَعْضِ آلِهَتهمْ فَسَابَتْ فَرَعَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا .
وَالْوَصِيلَةُ الّتِي تَلِدُ أُمّهَا اثْنَيْنِ فِي كُلّ بَطْنٍ
فَيَجْعَلُ صَاحِبُهَا لِآلِهَتِهِ الْإِنَاثَ ( مِنْهَا ) وَلِنَفْسِهِ
الذّكُورُ مِنْهَا ، فَتَلِدُهَا أُمّهَا وَمَعَهَا ذَكَرٌ فِي بَطْنٍ
فَيَقُولُونَ وَصَلَتْ أَخَاهَا . فَيُسَيّبُ أَخُوهَا مَعَهَا فَلَا
يُنْتَفَعُ بِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ
حَبِيبٍ النّحْوِيّ وَغَيْرُهُ رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ .
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بَعَثَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ
مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَزَلَ عَلَيْهِ { مَا جَعَلَ
اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ
وَلَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ
وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى : {
وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا
وَمُحَرّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ
شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } .
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللّهُ لَكُمْ مِنْ
رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللّهُ أَذِنَ
لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ } وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ { مِنَ
الضّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذّكَرَيْنِ حَرّمَ
أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ
الْأُنْثَيَيْنِ نَبّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَمِنَ
الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذّكَرَيْنِ حَرّمَ
أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ
الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلّ النّاسَ
بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ }
[ الْبَحِيرَةُ وَالسّائِبَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامِي لُغَةً ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ الشّاعِرُ [ ص 91 ]
حَوْلُ الْوَصَائِلِ فِي شُرَيْفٍ حِقّةٌ ... وَالْحَامِيَاتُ ظُهُورَهَا وَالسّيّبُ
وَقَالَ
تَمِيمُ بْنُ أُبَيّ ( بْنِ ) مُقْبِلٍ أَحَدِ بَنِي عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ فِيهِ مِنْ الْأَخْرَجِ الْمِرْبَاعِ قَرْقَرَةٌ هَدْرَ
الدّيَافِي وَسْطَ الْهَجْمَةِ الْبُحُرِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ . وَجَمْعُ بَحِيرَةٍ بَحَائِرُ وَبُحُرٌ . وَجَمْعُ وَصِيلَةٍ
وَصَائِلُ وَوُصَلٌ . وَجَمْعُ سَائِبَةٍ ( الْأَكْثَرُ ) : سَوَائِبُ
وَسُيّبُ . وَجَمْعُ حَامٍ ( الْأَكْثَرُ ) : حُوّمٌ .
عُدْنَا إلَى سِيَاقَةِ النّسَبِ
[ نَسَبُ خُزَاعَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَخُزَاعَةُ تَقُولُ نَحْنُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ
، مِنْ الْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتَقُولُ خُزَاعَةُ : نَحْنُ
بَنُو عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ
بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ
الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ ؛ وَخِنْدِفُ أُمّهَا ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو
عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَيُقَالُ خُزَاعَةُ :
بَنُو حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، وَإِنّمَا سُمّيَتْ
خُزَاعَةَ لِأَنّهُمْ تَخَزّعُوا مِنْ وَلَدِ عَمْرِو [ ص 92 ] ، حِينَ
أَقْبَلُوا مِنْ الْيَمَنِ يُرِيدُونَ الشّامَ ، فَنَزَلُوا بِمَرّ
الظّهْرَانِ فَأَقَامُوا بِهَا . قَالَ عَوْنُ بْنُ أَيّوبَ
الْأَنْصَارِيّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ فِي الْإِسْلَامِ
فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مُرّ تَخَزّعَتْ ... خُزَاعَةُ مِنّا فِي خُيُولٍ كَرَاكِرِ
حَمَتْ كُلّ وَادٍ مِنْ تِهَامَةَ وَاحْتَمّتْ ... بِصُمّ الْقَنَا وَالْمُرْهِفَاتِ الْبَوَاتِرِ
وَهَذَانِ
الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ أَبُو الْمُطَهّرِ إسْمَاعِيلُ
بْنُ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيّ ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ .
فَلَمّا هَبَطْنَا بَطْنَ مَكّةَ أَحْمَدَتْ ... خُزَاعَةُ دَارَ الْآكِلِ الْمُتَحَامِلِ
فَحَلّتْ أَكَارِيسَا وَشَتّتْ قَنَابِلًا ... عَلَى كُلّ حَيّ بَيْنَ نَجْدٍ وَسَاحِلِ
نَفَوْا جُرْهُمًا عَنْ بَطْنِ مَكّةَ وَاحْتَبَوْا ... بِعِزّ خُزَاعِيّ شَدِيدِ الْكَوَاهِلِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَأَنَا إنْ
شَاءَ اللّهُ أَذْكُرُ نَفْيَهَا جُرْهُمًا فِي مَوْضِعِهِ .
[ أَوْلَادُ مُدْرِكَةَ وَخُزَيْمَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ مُدْرِكَةُ بْنُ إلْيَاسَ رَجُلَيْنِ
خُزَيْمَةَ بْنَ مُدْرِكَةَ وَهُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكَةَ ؛ وَأُمّهُمَا
امْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ . فَوَلَدَ خُزَيْمَةُ بْنُ مُدْرِكَةَ
أَرْبَعَةَ نَفَرٍ كِنَانَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ ، وَأَسَدَ بْنَ خُزَيْمَةَ
، وَأَسَدَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ ، [ ص 93 ] وَالْهُونَ بْنَ خُزَيْمَةَ ،
فَأُمّ كِنَانَةَ عُوَانَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ
بْنِ مُضَرَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْهَوْنُ بْنُ خُزَيْمَةَ
.
[ أَوْلَادُ كِنَانَةَ وَأُمّهَاتُهُمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: فَوَلَدَ كِنَانَةُ بْنُ خُزَيْمَةَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ النّضَرَ بْنَ
كِنَانَةَ ، وَمَالِكَ بْنَ كِنَانَةَ ، وَعَبْدَ مَنَاةَ بْنَ كِنَانَةَ
، وَمِلْكَانَ بْنَ كِنَانَةَ . فَأُمّ النّضْرِ بَرّةُ بِنْتُ مُرّ بْنِ
أَدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ ، وَسَائِرُ بَنِيهِ
لِامْرَأَةِ أُخْرَى . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُمّ النّضْرِ وَمَالِكٍ
وَمِلْكَانَ بَرّةُ بِنْتُ مُرّ ؛ وَأُمّ عَبْدِ مَنَاةَ : هَالَةُ بِنْتُ
سُوَيْدِ بْنِ الْغِطْرِيفِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ . وَشَنُوءَةُ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ
الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ ، وَإِنّمَا سُمّوا شَنُوءَةَ لِشَنَآنِ كَانَ
بَيْنَهُمْ . و الشّنَآنُ الْبُغْضُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : النّضْرُ
قُرَيْشٌ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيّ ، وَمَنْ لَمْ
يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيّ . قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيّةَ
أَحَدُ بَنِي كُلَيْبِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ
زَيْدِ مَنَاةَ تَمِيمِ بْنِ يَمْدَحُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
مَرْوَانَ :
فَمَا الْأُمّ الّتِي وَلَدَتْ قُرَيْشًا ... بِمُقْرِفَةِ النّجّارِ وَلَا عَقِيمِ
وَمَا قَرْمٌ بِأَنْجَبَ مِنْ أَبِيكُمْ ... وَمَا خَالٌ بِأَكْرَمَ مِنْ تَمِيمِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 11:48 am

اقتباس :


يَعْنِي
بَرّةَ بِنْتَ مُرّ أُخْتَ تَمِيمِ بْنِ مُرّ ، أُمّ النّضْرِ . وَهَذَانِ
الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَيُقَالُ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ :
قُرَيْشٌ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَشِيّ ، وَمَنْ لَمْ
يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيّ وَإِنّمَا سُمّيَتْ قُرَيْشٌ
قُرَيْشًا مِنْ التّقَرّشِ وَالتّقَرّشُ التّجَارَةُ وَالِاكْتِسَابُ .
قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ :
قَدْ كَانَ يُغْنِيهِمْ عَنْ الشّغُوشِ ... وَالْخَشْلِ مِنْ تَسَاقُطِ الْقُرُوشِ
شَحْمٌ وَمَحْضٌ لَيْسَ بِالْمَغْشُوشِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ [ ص 94 ] وَالشّغُوشُ قَمْحٌ يُسَمّى الشّغُوشَ .
وَالْخَشْلُ رُءُوسُ الْخَلَاخِيلِ وَالْأَسْوِرَةِ وَنَحْوِهِ .
وَالْقُرُوشُ التّجَارَةُ وَالِاكْتِسَابُ . يَقُولُ قَدْ كَانَ
يُغْنِيهِمْ عَنْ هَذَا شَحْمٌ وَمَحْضٌ . وَالْمَحْضُ اللّبَنُ
الْحَلِيبُ الْخَالِصُ . وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ .
وَقَالَ أَبُو جِلْدَةَ الْيَشْكُرِيّ ، وَيَشْكُرُ بْنُ بَكْرِ بْنِ
وَائِلٍ :
إخْوَةٌ قَرَشُوا الذّنُوبَ عَلَيْنَا ... فِي حَدِيثٍ مِنْ عُمْرِنَا وَقَدِيمِ
وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَيُقَالُ إنّمَا
سُمّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا لِتَجَمّعِهَا مِنْ بَعْدِ تَفَرّقِهَا ،
وَيُقَالُ لِلتّجَمّعِ التّقَرّشُ .[ أَوْلَادُ النّضْرِ وَأُمّهَاتُهُمْ ]
فَوَلَدَ
النّضْرُ بْنُ كِنَانَةَ رَجُلَيْنِ مَالِكَ بْنَ النّضْرِ ، وَيَخْلُدَ
بْنَ النّضْرِ فَأُمّ مَالِكٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَدْوَانَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ وَلَا أَدْرِي أَهِيَ أُمّ يَخْلُدَ أَمْ لَا
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالصّلْتُ بْنُ النّضْرِ - فِيمَا قَالَ أَبُو
عَمْرٍو الْمَدَنِيّ - وَأُمّهُمْ جَمِيعًا بِنْتُ سَعْدِ بْنِ ظَرِبٍ
الْعَدْوَانِيّ . وَعَدْوَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ .
قَالَ كُثَيّرُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَهُوَ كُثَيّرُ عَزّةَ أَحَدُ
بَنِي مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو ، مِنْ خُزَاعَةَ [ ص 95 ]
أَلَيْسَ أَبِي بِالصّلْتِ أَمْ لَيْسَ إخْوَتِي ... لِكُلّ هِجَانٍ مِنْ بَنِي النّضْرِ أَزْهَرَا
رَأَيْت ثِيَابَ الْعَصْبِ مُخْتَلِطَ السّدَى ... بِنّا وَبِهِمْ وَالْحَضْرَمِيّ الْمُخَصّرَا
فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا مِنْ بَنِي النّضْرِ فَاتْرُكُوا ... أَرَاكًا بِأَذْنَابِ الْفَوَائِجِ أَخْضَرَا
وَهَذِهِ
الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَاَلّذِينَ يُعْزَوْنَ إلَى الصّلْتِ
بْنِ النّضْرِ مِنْ خُزَاعَةَ ، بَنُو مُلَيْحِ بْنِ عَمْرٍو ، رَهْطُ
كُثَيّرِ عَزّةَ .
[ وَلَدُ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ وَأُمّهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ مَالِكُ بْنُ النّضْرِ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ ،
وَأُمّهُ جَنْدَلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلَيْسَ بِابْنِ مُضَاضٍ الْأَكْبَرِ .
[ أَوْلَادُ فِهْرٍ وَأُمّهَاتُهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ فِهْرُ بْنُ مَالِكٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ غَالِبَ
بْنَ فِهْر ٍ ، وَمُحَارِبَ بْنَ فِهْرٍ ، وَالْحَارِثَ بْنَ فِهْرٍ ،
وَأَسَدَ بْنَ فِهْرٍ ، وَأُمّهُمْ لَيْلَى بِنْتُ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلِ
بْنِ مُدْرِكَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَجَنْدَلَةُ بِنْتُ فِهْرٍ ،
وَهِيَ أُمّ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ يَدِ مَنَاةَ
بْنِ تَمِيمٍ وَأُمّهَا لَيْلَى بِنْتُ سَعْدٍ . قَالَ جَرِيرُ بْنُ
عَطِيّةَ بْنِ الْخَطَفِيّ - وَاسْمُ الْخَطَفِيّ حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرِ
بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ
وَإِذَا غَضِبْتُ رَمَى وَرَائِي بِالْحَصَى ... أَبْنَاءُ جَنْدَلَةٍ كَخَيْرِ الْجَنْدَلِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ أَوْلَادُ غَالِبٍ وَأُمّهَاتُهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ غَالِبُ بْنُ فِهْرٍ رَجُلَيْنِ لُؤَيّ بْنَ
غَالِبٍ ، وَتَيْمَ بْنَ غَالِبٍ ، وَأُمّهُمَا سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو
الْخُزَاعِيّ . وَتَيْمُ بْنُ غَالِبٍ : الّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو
الْأَدْرَمِ . [ ص 96 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَيْسُ بْنُ غَالِبٍ ،
وَأُمّهُ سَلْمَى بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ وَهِيَ أُمّ
لُؤَيّ وَتَيْمٍ ابْنَيْ غَالِبٍ .
[ أَوْلَادُ لُؤَيّ وَأُمّهَاتُهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ لُؤَيّ بْنُ غَالِبٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ كَعْبَ
بْنَ لُؤَيّ ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيّ ، وَسَامَةَ بْنَ لُؤَيّ وَعَوْفَ
بْنَ لُؤَيّ فَأُمّ كَعْبٍ وَعَامِرٍ وَسَامَةَ مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبِ
بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ ، مِنْ قُضَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ وَالْحَارِثُ بْنُ لُؤَيّ وَهُمْ جُشَمُ بْنُ الْحَارِثِ فِي
هِزّانَ مِنْ رَبِيعَةَ . قَالَ جَرِيرٌ
بَنِي جُشَمٍ لَسْتُمْ لِهِزّانَ فَانْتَمُوا ... لِأَعْلَى الرّوَابِي مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ
وَلَا تُنْكِحُوا فِي آلِ ضَوْرٍ نِسَاءَكُمْ ... وَلَا فِي شُكَيْس بِئْسَ مَثْوَى الْغَرَائِبِ
وَسَعْدُ
بْنُ لُؤَيّ وَهُمْ بُنَانَةُ فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْن
عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، مِنْ
رَبِيعَةَ [ ص 97 ] وَبُنَانَةُ حَاضِنَةٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ
بْنِ جَسْرِ بْنِ شَيْعِ اللّهِ وَيُقَالُ سَيْعُ اللّهِ ابْنُ الْأَسْدِ
بْنِ وَبْرَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ
الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ . وَيُقَالُ بِنْتُ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ ، مِنْ
رَبِيعَةَ . وَيُقَالُ بِنْتُ جَرْمِ بْنِ رَبّانَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ
عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ . وَخُزَيْمَةُ بْنُ لُؤَيّ بْنِ
غَالِبٍ ، وَهُمْ عَائِذَةُ فِي شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ . وَعَائِذَةُ
امْرَأَةٌ مِنْ الْيَمَنِ ، وَهِيَ أُمّ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ
بْنِ لُؤَيّ . وَأُمّ بَنِي لُؤَيّ كُلّهُمْ إلّا عَامِرَ بْنَ لُؤَيّ :
مَاوِيّةُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ . وَأُمّ عَامِرِ
بْنِ لُؤَيّ مَخْشِيّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ؛
وَيُقَالُ لَيْلَى بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ .
[أَمْرُ سَامَةَ بْنُ لُؤَيّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَمّا سَامَةُ بْنُ لُؤَيّ فَخَرَجَ إلَى عُمَانَ ،
وَكَانَ بِهَا . وَيَزْعُمُونَ أَنّ عَامِرَ بْنَ لُؤَيّ أَخْرَجَهُ
وَذَلِك أَنّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَفَقَأَ سَامَةُ عَيْنَ عَامِرٍ
فَأَخَافَهُ عَامِرٌ فَخَرَجَ إلَى عُمَانَ . فَيَزْعُمُونَ أَنّ سَامَةَ
بْنَ لُؤَيّ بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ إذْ وَضَعَتْ رَأْسَهَا
تَرْتَعُ فَأَخَذَتْ حَيّةٌ بِمِشْفَرِهَا فَهَصَرَتْهَا حَتّى وَقَعَتْ
النّاقَةُ لِشِقّهَا ثُمّ نَهَشَتْ سَامَةَ فَقَتَلَتْهُ . فَقَالَ
سَامَةُ حِينَ أَحَسّ بِالْمَوْتِ فِيمَا يَزْعُمُونَ [ ص 98 ]
عَيْنِ فَابْكِي لِسَامَةَ بْنِ لُؤَيّ ... عَلّقَتْ سَاقَ سَامَةَ الْعَلّاقَه
لَا أَرَى مِثْلَ سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ ... يَوْمَ حَلّوا بِهِ قَتِيلًا لِنَاقَه
بَلّغَا عَامِرًا وَكَعْبًا رَسُولًا ... أَنّ نَفْسِي إلَيْهِمَا مُشْتَاقَهُ
إنْ تَكُنْ فِي عُمَانَ دَارِي فَإِنّي ... غَالِبِيّ خَرَجْتُ مِنْ غَيْرِ نَاقَهُ
رُبّ كَأْسٍ هَرَقْتَ يَا بْنَ لُؤَيّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَه
رُمْتَ دَفْعَ الْحُتُوفِ يَا بْنَ لُؤَيّ ... مَا لِمَنْ رَامَ ذَاكَ بِالْحَتْفِ طَاقَهُ
وَخَرُوسَ السّرَى تَرَكْتَ رَدِيّا ... بَعْدَ جَدّ وَجَدّةٍ وَرَشَاقَه
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي أَنّ بَعْضَ وَلَدِهِ أُتِيَ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَانْتَسَبَ إلَى سَامَةَ بْنِ لُؤَيّ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آلشّاعِرُ ؟
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ كَأَنّك يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَدْت
قَوْلَهُ
رُبّ كَأْسٍ هَرَقْتَ يَا بْنَ لُؤَيّ ... حَذَرَ الْمَوْتِ لَمْ تَكُنْ مُهْرَاقَه
قَالَ أَجَلْ .
[أَمْرُ عَوْفِ بْنِ لُؤَيّ وَنَقَلَتِهِ ]
[ سَبَبُ انْتِمَائِهِ إلَى بَنِي ذُبْيَانَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمّا عَوْفُ بْنُ لُؤَيّ فَإِنّهُ خَرَجَ - فِيمَا
يُزْعِمُونَ - فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، حَتّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ
غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ أُبْطِئَ بِهِ
فَانْطَلَقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَأَتَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ
سَعْدٍ وَهُوَ أَخُوهُ فِي نَسَبِ بَنِي ذُبْيَانَ - ثَعْلَبَةُ بْنُ
سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ . [ ص 99
] سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ -
فَحَبَسَهُ وَزَوْجَهُ وَالْتَاطَهُ وَآخَاهُ . فَشَاعَ نَسَبُهُ فِي
بَنِي ذُبْيَانَ . وَثَعْلَبَةُ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - الّذِي يَقُولُ
لِعَوْفٍ حِينَ أُبْطِئَ بِهِ فَتَرَكَهُ قَوْمُهُ
احْبِسْ عَلَيّ ابْن لُؤَيّ جَمَلَكْ ... تَرَكَك الْقَوْمُ وَلَا مَنْزِلَ لَك
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ،
أَوْ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُصَيْنٍ .
أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لَوْ كُنْت مُدّعِيًا حَيّا مِنْ
الْعَرَبِ ، أَوْ مُلْحِقَهُمْ بِنَا لَادّعَيْت بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ
، إنّا لَنَعْرِفُ فِيهِمْ الْأَشْبَاهَ مَعَ مَا نَعْرِفُ مِنْ مَوْقِعِ
ذَلِكَ الرّجُلِ حَيْثُ وَقَعَ يَعْنِي عَوْفَ بْنَ لُؤَيّ .
[ نَسَبُ مُرّةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَهُوَ فِي نَسَبِ غَطَفَانَ : مُرّةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ . وَهُمْ
يَقُولُونَ إذَا ذُكِرَ لَهُمْ هَذَا النّسَبُ مَا نُنْكِرُهُ وَمَا
نَجْحَدُهُ وَإِنّهُ لَأَحَبّ النّسَبِ إلَيْنَا . وَقَالَ الْحَارِثُ
بْنُ ظَالِمِ بْنِ جُذَيْمَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
أَحَدُ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفِ - حِينَ هَرَبَ مِنْ النّعْمَانِ بْنِ
الْمُنْذِرِ فَلَحِقَ بِقُرَيْشٍ [ ص 100 ]
فَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدِ ... وَلَا بِفَزَارَةِ الشّعُرِ الرّقَابَا
وَقَوْمِي ، إنْ سَأَلْت ، بَنُو لُؤَيّ ... بِمَكّةَ عَلّمُوا مُضَرَ الضّرَابَا
سَفِهْنَا بِاتّبَاعِ بَنِي بَغِيضِ ... وَتَرْكِ الْأَقْرَبِينَ لَنَا انْتِسَابَا
سَفَاهَةَ مُخْلِفٍ لِمَا تُرَوّى ... هَرَاقَ الْمَاءَ وَاتّبَعَ السّرَابَا
فَلَوْ طُووِعْت ، عَمْرَك ، كُنْت فِيهِمْ ... وَمَا أُلْفِيت أَنْتَجِعُ السّحَابَا
وَخَشّ رَوَاحَةُ الْقُرَشِيّ رِحَلِي ... بِنَاجِيَةٍ وَلَمْ يَطْلُبْ ثَوَابَا
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا مَا أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْهَا . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ الْمُرّيّ ، ثُمّ
أَحَدُ بَنِي سَهْمِ بْنِ مُرّةَ بِرَدّ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمٍ ،
وَيَنْتَمِي إلَى غَطَفَانَ :
أَلَا لَسْتُمْ مِنّا وَلَسْنَا إلَيْكُمْ ... بَرِئْنَا إلَيْكُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ
أَقَمْنَا عَلَى عِزّ الْحِجَازِ وَأَنْتُمْ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
يَعْنِي
قُرَيْشًا . ثُمّ نَدِمَ الْحُصَيْنُ عَلَى مَا قَالَ وَعَرَفَ مَا قَالَ
الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ ، فَانْتَمَى إلَى قُرَيْشٍ وَأَكْذَبَ نَفْسَهُ
فَقَالَ
نَدِمْت عَلَى قَوْلٍ مَضَى كُنْتُ قُلْتُهُ ... تَبَيّنْتُ فِيهِ أَنّهُ قَوْلُ كَاذِبٍ
فَلَيْتَ لِسَانِي كَانَ نِصْفَيْنِ مِنْهُمَا ... بَكِيمٌ وَنِصْفٌ عِنْدَ مَجْرَى الْكَوَاكِبِ
أَبُونَا كِنَانِيّ بِمَكّةَ قَبْرُهُ ... بِمُعْتَلَجِ الْبَطْحَاءِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
لَنَا الرّبُعُ مِنْ بَيْتِ الْحَرَامِ وِرَاثَةً ... وَرُبُعُ الْبِطَاحِ عِنْدَ دَارِ ابْنِ حَاطِبِ
أَيْ
أَنّ بَنِي لُؤَيّ كَانُوا أَرْبَعَةً كَعْبًا ، وَعَامِرًا ، وَسَامَةَ
وَعَوْفًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ أَنّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ لِرِجَالِ مِنْ بَنِي
مُرّةَ إنْ شِئْتُمْ أَنْ تَرْجِعُوا إلَى نَسَبِكُمْ فَارْجِعُوا إلَيْه
. [ ص 101 ]
[ سَادَاتُ مُرّةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ
الْقَوْمُ أَشْرَافًا فِي غَطَفَانَ ، هُمْ سَادَتُهُمْ وَقَادَتْهُمْ .
مِنْهُمْ هَرِمُ بْنِ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ [ بْنِ مُرّةَ بْنِ
نُشْبَةَ ] ، وَخَارِجَةُ بْنُ سِنَانِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ وَالْحَارِثُ
بْنُ عَوْفٍ ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحُمَامِ ، وَهَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ
الّذِي يَقُولُ لَهُ الْقَائِلُ
أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمَ بْنُ حَرْمَلَهُ ... يَوْمَ الْهَبَاآتِ وَيَوْمَ الْيَعْمَلَه
تَرَى الْمُلُوكَ عِنْدَهُ مُغَرْبَلَهُ ... يَقْتُل ذَا الذّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
[هَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَةَ وَعَامِرٌ الْخَصَفِيّ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِعَامِرِ الْخَصَفِيّ خَصَفَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ
أَحْيَا أَبَاهُ هَاشِمُ بْنُ حَرْمَلَهُ ... يَوْمَ الْهَبَاآتِ وَيَوْمَ الْيَعْمَلَه
تَرَى الْمُلُوكَ عِنْدَهُ مُغَرْبَلَهُ ... يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهْ
وَرُمْحُهُ لِلْوَالِدَاتِ مُشْكِلَهْ
وَحَدّثَنِي
أَنّ هَاشِمًا قَالَ لِعَامِرِ قُلْ فِيّ بَيْتًا جَيّدًا أُثِبْكَ
عَلَيْهِ فَقَالَ عَامِرٌ الْبَيْتَ الْأَوّلَ فَلَمْ يُعْجِبْ هَاشِمًا :
ثُمّ قَالَ الثّانِيَ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ثُمّ قَالَ الثّالِثَ فَلَمْ
يُعْجِبْهُ فَلَمّا قَالَ الرّابِعَ [ ص 102 ] يَقْتُلُ ذَا الذّنْبِ
وَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ
أَعْجَبَهُ فَأَثَابَهُ عَلَيْهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَلِك الّذِي أَرَادَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ
وَهَاشِمَ مُرّةَ الْمُفْنِي مُلُوكًا ... بِلَا ذَنْبٍ إلَيْهِ وَمُذْنِبِينَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَوْلُ عَامِرٍ " يَوْمَ الْهَبَاآتِ " عَنْ غَيْرِ أَبِي عُبَيْدَةَ .
[ مُرّةُ وَالْبَسْلُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : قَوْمٌ لَهُمْ صِيتٌ وَذِكْرٌ فِي غَطَفَانَ وَقَيْسٍ
كُلّهَا ، فَأَقَامُوا عَلَى نَسَبِهِمْ وَفِيهِمْ كَانَ الْبَسْلُ .
[أَمْرُ الْبَسْلِ ]
وَالْبَسْلُ
- فِيمَا يَزْعُمُونَ - ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ حُرُمٍ لَهُمْ مِنْ كُلّ
سَنَةٍ مِنْ بَيْنِ الْعَرَبِ قَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهُمْ الْعَرَبُ لَا
يُنْكِرُونَهُ وَلَا يَدْفَعُونَهُ يَسِيرُونَ بِهِ إلَى أَيّ بِلَادِ
الْعَرَبِ شَاءُوا ، لَا يَخَافُونَ مِنْهُمْ شَيْئًا . قَالَ زُهَيْرُ
بْنُ أَبِي سُلْمَى ، يَعْنِي بَنِي مُرّةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
زُهَيْرُ أَحَدُ بَنِي مُزَيْنَةَ بْنِ أُدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ
بْنِ مُضَرَ ، وَيُقَالُ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى مِنْ غَطَفَانَ ،
وَيُقَالُ حَلِيفٌ فِي غَطَفَانَ [ ص 103 ]
تَأَمّلْ فَإِنْ تُقْوِ الْمَرُورَاةَ مِنْهُمْ ... وَدَارَاتِهَا لَا تُقْوِ مِنْهُمْ إذًا نَخْل
بِلَادٌ بِهَا نَادِمَتُهُمْ وَأَلِفْتُهُمْ ... فَإِنْ تُقْوِيَا مِنْهُمْ فَإِنّهُمْ بَسْلُ
يَقُولُ
سَارُوا فِي حَرَمِهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ
فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَعْشَى بَنِي
قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
أَجَارَتُكُمْ بَسْلٌ عَلَيْنَا مُحَرّمٌ ... وَجَارَتُنَا حِلّ لَكُمْ وَحَلِيلُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ أَوْلَادُ كَعْبٍ وَأُمّهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مُرّةَ
بْنِ كَعْبٍ ، وَعَدِيّ بْنَ كَعْبٍ ، وَهُصَيْصَ بْنَ كَعْبٍ .
وَأُمّهُمْ وَحْشِيّةُ بِنْتُ شَيْبَانَ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ النّضْرِ .
[ أَوْلَادُ مُرّةَ وَأُمّهَاتُهُمْ ]
فَوَلَدَ
مُرّةُ بْنُ كَعْبٍ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ كِلَابَ بْنَ مُرّةَ ، وَتَيْمَ بْنَ
مُرّةَ وَيَقَظَةَ بْنَ مُرّةَ . فَأُمّ كِلَابٍ هِنْدُ بِنْتُ سُرَيْرِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ [ ص 104 ]
النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ . وَأُمّ يَقَظَةَ
الْبَارِقِيّةُ امْرَأَةٌ مِنْ بَارِقٍ ، مِنْ الْأَسْدِ مِنْ الْيَمَنِ .
وَيُقَالُ هِيَ أُمّ تَيْمٍ . وَيُقَالُ تَيْمٌ لِهِنْدِ بِنْتِ سُرَيْرٍ
أُمّ كِلَابٍ .
[ نَسَبُ بَارِقٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
بَارِقٌ : بَنُو عَدِيّ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ
الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ ، وَهُمْ فِي شَنُوءَةَ . قَالَ الْكُمَيْتُ
بْنُ زَيْدٍ
وَأَزْدُ شَنُوءَةَ انْدَرَءُوا عَلَيْنَا ... بِجُمّ يَحْسِبُونَ لَهَا قُرُونَا
فَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ قَدْ أَسَأْتُمْ ... وَمَا قُلْنَا لِبَارِقَ أَعْتِبُونَا
قَالَ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَإِنّمَا سُمّوا بِبَارِقَ لِأَنّهُمْ تَبِعُوا الْبَرْقَ .
[ وَلَدَا كِلَابٍ وَأُمّهُمَا ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ كِلَابُ بْنُ مُرّةَ رَجُلَيْنِ قُصَيّ بْنَ
كِلَابٍ ، وَزُهْرَةَ بْنَ كِلَابٍ . وَأُمّهُمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ
بْنِ سَيَلٍ أَحَدِ ( بَنِي ) الْجَدَرَةِ مِنْ جُعْثُمَةَ الْأَزْدِ ،
مِنْ الْيَمَنِ ، حُلَفَاءُ فِي بَنِي الدّيْلِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ . [ ص 105 ]
[ نَسَبُ جُعْثُمَةَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ جُعْثُمَةُ الْأَسْدِ وَجُعْثُمَةُ الْأَزْدِ ،
وَهُوَ جُعْثُمَةُ بْنُ يَشْكُرَ بْنِ مُبَشّرِ بْنِ صَعْبِ بْنِ
دُهْمَانَ بْنِ نَصْرِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ ،
وَيُقَالُ جُعْثُمَةُ بْنُ يَشْكُرَ بْنِ مُبَشّرِ بْنِ صَعْبِ بْنِ
نَصْرِ بْنِ زَهْرَانَ بْنِ الْأَسْدِ بْنِ الْغَوْثِ . وَإِنّمَا سُمّوا
الْجَدَرَةَ لِأَنّ عَامِرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جُعْثُمَةَ تَزَوّجَ بِنْتَ
الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ وَكَانَتْ جُرْهُمُ أَصْحَابَ
الْكَعْبَةِ . فَبَنَى لِلْكَعْبَةِ جِدَارًا ، فَسُمّيَ عَامِرًا بِذَلِك
الْجَادِرِ فَقِيلَ لِوَلَدِهِ الْجَدَرَةُ لِذَلِك . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَلِسَعْدِ بْنِ سَيَلٍ يَقُولُ الشّاعِرُ
مَا نَرَى فِي النّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا ... مَنْ عَلِمْنَاهُ كَسَعْدِ بْنِ سَيَلْ
فَارِسًا أَضْبَطَ فِيهِ عُسْرَةٌ ... وَإِذَا مَا وَاقَفَ الْقِرْنَ نَزَلَ
فَارِسًا يَسْتَدْرِجُ الْخَيْلَ كَمَا ... اسْتَدْرَجَ الْحُرّ الْقَطَامِيّ الْحَجَل
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " كَمَا اسْتَدْرَجَ الْحُرّ " عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ .
[ بَقِيّةُ أَوْلَادِ كِلَابٍ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَنُعْمُ بِنْتُ كِلَابٍ وَهِيَ أُمّ أَسْعَدَ وَسُعَيْدٍ
ابْنَيْ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ،
وَأُمّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ .
[ أَوْلَادُ قُصَيّ وَأُمّهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ
وَامْرَأَتَيْنِ عَبْدَ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ [ ص 106 ] وَعَبْدَ الدّارِ
بْنَ قُصَيّ ، وَعَبْدَ الْعُزّى بْنَ قُصَيّ ، وَعَبْدَ ( قُصَيّ ) بْنَ
قُصَيّ ، وَتَخْمُرَ بِنْتَ قُصَيّ ، وَبَرّةَ بِنْتَ قُصَيّ . وَأُمّهُمْ
حُبَيّ بِنْتُ حُلَيْلِ بْنِ حَبَشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ
عَمْرِو الْخُزَاعِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ حُبْشِيّةُ بْنُ
سَلُولَ .
[ أَوْلَادُ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمّهَاتُهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلَدَ عَبْدُ مَنَافٍ - وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ
قُصَيّ - أَرْبَعَةَ نَفَرٍ هَاشِمَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ وَعَبْدَ شَمْسِ
بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَالْمُطَلّبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأُمّهُمْ
عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرّةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ ،
وَنَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمّهُ وَاقِدَةُ بِنْتُ عَمْرٍو
الْمَازِنِيّةُ مَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ [ ص 107 ]
[ نَسَبُ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَبِهَذَا النّسَبِ خَالَفَهُمْ عُتْبَةَ بْنُ غَزْوَانَ
بْنِ جَابِرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ
[ عَوْدٌ إلَى أَوْلَادِ عَبْدِ مَنَافٍ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَأَبُو عَمْرٍو ، وَتُمَاضِرُ وَقِلَابَةُ وَحَيّةُ
وَرَيْطَةُ وَأُمّ الْأَخْثَمِ وَأُمّ سُفْيَانَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ .
فَأُمّ أَبِي عَمْرٍو : رَيْطَةُ امْرَأَةٌ مِنْ ثَقِيفٍ ؛ وَأُمّ سَائِرِ
النّسَاءِ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرّةَ بْنِ هِلَالٍ أُمّ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ وَأُمّهَا صَفِيّةُ بِنْتُ حَوْزَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَلُولَ
بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ : وَأُمّ
صَفِيّةَ بِنْتُ عَائِذِ اللّهِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجٍ .
[ أَوْلَادُ هَاشِمٍ وَأُمّهَاتُهُمْ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَوَلَدَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ
وَخَمْسَ نِسْوَةٍ عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ ، وَأَسَدَ بْنَ
هَاشِمٍ وَأَبَا صَيْفِيّ بْنَ هَاشِمٍ وَنَضْلَةَ بْنَ هَاشِمٍ ،
وَالشّفَاءَ وَخَالِدَةَ وَضَعِيفَةَ وَرُقَيّةَ وَحَيّةَ . فَأُمّ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ وَرُقَيّةَ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيدِ
( بْنِ حَرَامِ ) بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ [ ص
108 ] وَاسْمُ النّجّارِ تَيْمُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ .
وَأُمّهَا : عَمِيرَةُ بِنْتُ صَخْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ . وَأُمّ عَمِيرَةَ سَلْمَى بِنْتُ عَبْدِ
الْأَشْهَلِ النّجّارِيّةُ . وَأُمّ أَسَدٍ : قَيْلَةُ بِنْتُ عَامِرِ
بْنِ مَالِكِ الْخُزَاعِيّ . وَأُمّ أَبِي صَيْفِيّ وَحَيّةَ هِنْدُ
بِنْتُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْخَزْرَجِيّةُ وَأُمّ نَضْلَةَ
وَالشّفَاءِ امْرَأَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ وَأُمّ خَالِدَةَ وَضَعِيفَةَ
وَاقِدَةُ بِنْتُ أَبِي عَدِيّ الْمَازِنِيّةُ .
أَوْلَادُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَوَلَدَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ عَشَرَةَ
نَفَرٍ وَسِتّ نِسْوَةٍ الْعَبّاسَ وَحَمْزَةَ وَعَبْدَ اللّهِ وَأَبَا
طَالِبٍ - وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ - وَالزّبَيْرَ وَالْحَارِثَ
وَحَجْلًا ، وَالْمُقَوّمَ وَضِرَارًا ، وَأَبَا لَهَبٍ - وَاسْمُهُ
عَبْدُ الْعُزّى - وَصَفِيّةَ وَأُمّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ وَعَاتِكَةَ ،
وَأُمَيْمَةَ ، وَأَرَوَى ، و بَرّةَ . [ ص 109 ] وَضِرَارٍ : نُكَيْلَةُ
بِنْتُ جَنَابِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ
بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَامِرٍ - وَهُوَ الضّحْيَانُ - بْنُ سَعْدِ
بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ تَيْمِ اللّاتِ بْنِ النّمِرِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ
هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ
نِزَارٍ . وَيُقَالُ أَفْصَى ابْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ . وَأُمّ
حَمْزَةَ وَالْمُقَوّمِ وَحَجْلٍ وَكَانَ يُلَقّبُ بِالْغَيْدَاقِ
لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَسَعَةِ مَالِهِ وَصَفِيّةَ هَالَةُ بِنْتُ وُهَيْبِ
بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ
بْنِ لُؤَيّ . وَأُمّ عَبْدِ اللّهِ وَأَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرِ
وَجَمِيعِ النّسَاءِ غَيْرَ صَفِيّةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ
عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ
. وَأُمّهَا : صَخْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ
يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ . وَأُمّ صَخْرَةَ تَخْمُرُ بِنْتُ عَبْدِ
بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ
غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ . وَأُمّ الْحَارِثِ بْنِ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ : سَمْرَاءُ بِنْتُ جُنْدُبِ بْنِ جُحَيْرِ بْنِ
رِئَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ سُوَاءَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ .
[ ص 110 ] أَبِي لَهَبٍ لُبْنَى بِنْتُ هَاجَرَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ
ضَاطِرَ بْنِ حُبْشِيّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو
الْخُزَاعِيّ .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 11:59 am

اقتباس :


[ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأُمّهَاتُهُ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَوَلَدَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدَ وَلَدِ آدَمَ مُحَمّدَ بْنَ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ
وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ . وَأُمّهِ آمِنَةُ
بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ
مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ النّضْر ِ . وَأُمّهَا : بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ
. وَأُمّ بَرّةَ أُمّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ
قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ
بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ . وَأُمّ أُمّ حَبِيبٍ بَرّةُ
بِنْتُ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ
لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَشْرَفُ وَلَدِ آدَمَ حَسَبًا ، وَأَفْضَلُهُمْ نَسَبًا مِنْ قِبَلِ
أَبِيهِ وَأُمّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
إشَارَةٌ إلَى ذِكْرِ احْتِفَارِ زَمْزَمَ
قَالَ
مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ : بَيْنَمَا عَبْدُ الْمُطَلّبِ
بْنُ هَاشِمٍ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ ، إذْ [ ص 111 ] أُتِيَ فَأُمِرَ
بِحَفْرِ زَمْزَمَ ، وَهِيَ دَفْنٌ بَيْنَ صَنَمَيْ قُرَيْشٍ : إسَافٍ
وَنَائِلَةٍ . عِنْدَ مَنْحَرِ قُرَيْشٍ . وَكَانَتْ جُرْهُمُ دَفَنَتْهَا
حِينَ ظَعَنُوا مِنْ مَكّةَ ، وَهِيَ بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ
عَلَيْهِمَا السّلَامُ ، الّتِي سَقَاهُ اللّهُ حِينَ ظَمِئَ وَهُوَ
صَغِيرٌ فَالْتَمَسَتْ لَهُ أُمّهُ مَاءً فَلَمْ تَجِدْهُ فَقَامَتْ إلَى
الصّفَا تَدْعُو اللّهَ وَتَسْتَغِيثُهُ لِإِسْمَاعِيلَ ثُمّ أَتَتْ
الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ . وَبَعَثَ اللّهُ تَعَالَى
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ ، فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي الْأَرْضِ
فَظَهَرَ الْمَاءُ وَسَمِعَتْ أُمّهُ أَصْوَاتَ السّبَاعِ فَخَافَتْهَا
عَلَيْهِ فَجَاءَتْ تَشْتَدّ نَحْوَهُ فَوَجَدَتْهُ يَفْحَصُ بِيَدِهِ
عَنْ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ خَدّهِ وَيَشْرَبُ فَجَعَلَتْهُ حِسْيًا .
أَمْرُ جُرْهُمٍ وَدَفْنِ زَمْزَمَ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ جُرْهُمٍ ، وَدَفْنُهَا زَمْزَمَ ،
وَخُرُوجُهَا مِنْ مَكّةَ وَمَنْ وَلِيَ أَمْرَ مَكّةَ بَعْدَهَا إلَى
أَنْ حَفَرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ زَمْزَمَ ، مَا حَدّثَنَا بِهِ زِيَادُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ
الْمُطّلِبِيّ ، قَالَ لَمّا تُوُفّيَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ ابْنُهُ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ مَا شَاءَ
اللّهُ أَنْ يَلِيَهُ ثُمّ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ مُضَاضُ بْنُ
عَمْرٍو الْجُرْهُمِيّ .
[ جُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيّ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَنُو إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ مَعَ جَدّهِمْ
مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو [ ص 112 ] جُرْهُمٍ . وَجُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ
يَوْمَئِذٍ أَهْلُ مَكّةَ ، وَهُمَا ابْنَا عَمّ . وَكَانَا ظَعَنَا مِنْ
الْيَمَنِ ، فَأَقْبَلَا سَيّارَةً وَعَلَى جُرْهُمٍ مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو
، وَعَلَى قَطُورَاءَ السّمَيْدَعُ رَجُلٌ مِنْهُمْ . وَكَانُوا إذَا
خَرَجُوا مِنْ الْيَمَنِ لَمْ يَخْرُجُوا إلّا وَلَهُمْ مَلِكٌ يُقِيمُ
أَمْرَهُمْ . فَلَمّا نَزَلَا مَكّةَ رَأَيَا بَلَدًا ذَا مَاءٍ وَشَجَرٍ
فَأَعْجَبَهُمَا فَنَزَلَا بِهِ . فَنَزَلَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو بِمَنْ
مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ بِأَعْلَى مَكّةَ بِقُعَيْقِعَانَ فَمَا حَازَ .
وَنَزَلَ السّمَيْدَعُ بِقَطُورَاءَ . أَسْفَلَ مَكّةَ بِأَجْيَادِ فَمَا
حَازَ . فَكَانَ مُضَاضٌ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكّةَ مِنْ أَعْلَاهَا ،
وَكَانَ السّمَيْدَعُ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا ،
وَكُلّ فِي قَوْمِهِ لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ .
ثُمّ إنّ جُرْهُمَ وَقَطُورَاءَ ، بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ بِهَا ، وَمَعَ مُضَاضٍ يَوْمَئِذٍ بَنُو
إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ : وَإِلَيْهِ وِلَايَةُ الْبَيْتِ دُونَ
السّمَيْدَعِ . فَسَارَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَخَرَجَ مُضَاضُ بْنُ
عَمْرٍو مِنْ قُعَيْقِعَانَ فِي كَتِيبَتِهِ سَائِرًا إلَى السّمَيْدَعِ
وَمَعَ كَتِيبَتِهِ عُدّتُهَا مِنْ الرّمَاحِ وَالدّرَقِ وَالسّيُوفِ
وَالْجِعَابِ يُقَعْقِعُ بِذَلِك مَعَهُ فَيُقَالُ مَا سُمّيَ
قُعَيْقِعَانُ بِقُعَيْقِعَانَ إلّا لِذَلِك . وَخَرَجَ السّمَيْدَعُ مِنْ
أَجْيَادٍ وَمَعَهُ الْخَيْلُ وَالرّجَالُ فَيُقَال : مَا سُمّيَ
أَجْيَادٌ أَجِيَادًا إلّا لِخُرُوجِ الْجِيَادِ مِنْ الْخَيْلِ مَعَ
السّمَيْدَعِ مِنْهُ . فَالْتَقَوْا بِفَاضِحٍ ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا
شَدِيدًا ، فَقُتِلَ السّمَيْدَعُ وَفُضِحَتْ قَطُورَاءُ . فَيُقَالُ مَا
سُمّيَ فَاضِحٌ فَاضِحًا إلّا لِذَلِك . ثُمّ إنّ الْقَوْمَ تَدَاعَوْا [
ص 113 ] فَسَارُوا حَتّى نَزَلُوا الْمَطَابِخَ : شِعْبًا بِأَعْلَى
مَكّةَ ، وَاصْطَلَحُوا بِهِ وَأَسْلَمُوا الْأَمْرَ إلَى مُضَاضٍ .
فَلَمّا جُمِعَ إلَيْهِ أَمْر ُ مَكّةَ فَصَارَ مُلْكُهَا لَهُ نَحَرَ
لِلنّاسِ فَأَطْعَمَهُمْ فَاطّبَخَ النّاسُ وَأَكَلُوا ، فَيُقَالُ مَا
سُمّيَتْ الْمَطَابِخُ الْمَطَابِخَ إلّا لِذَلِك . وَبَعْضُ أَهْلِ
الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنّهَا إنّمَا سُمّيَتْ الْمَطَابِخَ لَمّا كَانَ
تُبّعٌ نَحَرَ بِهَا وَأَطْعَمَ وَكَانَتْ مَنْزِلَهُ . فَكَانَ الّذِي
كَانَ بَيْنَ مُضَاضٍ وَالسّمَيْدَعِ أَوّلَ بَغْيٍ كَانَ بِمَكّةَ فِيمَا
يَزْعُمُونَ .
[ أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ وَجُرْهُمٍ بِمَكّةَ ]
ثُمّ
نَشَرَ اللّهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ بِمَكّةَ وَأَخْوَالُهُمْ مِن ْ
جُرْهُمٍ ، وُلَاةُ الْبَيْتِ وَالْحُكّامُ بِمَكّةَ لَا يُنَازِعُهُمْ
وَلَدُ إسْمَاعِيلَ فِي ذَلِكَ لِخُئُولَتِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ
وَإِعْظَامًا لِلْحُرْمَةِ أَنْ يَكُونَ بِهَا بَغْيٌ أَوْ قِتَالٌ .
فَلَمّا ضَاقَتْ مَكّةُ عَلَى وَلَدِ إسْمَاعِيلَ انْتَشَرُوا فِي
الْبِلَادِ فَلَا يُنَاوِئُونَ قَوْمًا إلّا أَظْهَرَهُمْ اللّهُ
عَلَيْهِمْ بِدِينِهِمْ فَوَطِئُوهُمْ .
اسْتِيلَاءُ قَوْمِ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ عَلَى الْبَيْتِ ونَفي جُرْهُمٍ
[ بَغْيُ جُرْهُمٍ بِمَكّةَ وَطَرْدُ بَنِي بَكْرٍ لَهُمْ ]
ثُمّ
إنّ جُرْهُمًا بَغَوْا بِمَكّةَ وَاسْتَحَلّوا خِلَالًا مِنْ الْحُرْمَةِ
فَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ، وَأَكَلُوا مَالَ
الْكَعْبَةِ الّذِي يُهْدَى لَهَا ، فَرَقّ أَمْرَهُمْ . فَلَمّا رَأَتْ
بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ، وَغُبْشَانُ مِنْ
خُزَاعَةَ ذَلِكَ أَجَمَعُوا [ ص 114 ] مَكّةَ . فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ
فَاقْتَتَلُوا ، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَغُبْشَانُ فَنَفَوْهُمْ
مِنْ مَكّةَ . وَكَانَتْ مَكّةُ فِي الْجَاهِلِيّةِ لَا تُقِرّ فِيهَا
ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا ، وَلَا يَبْغِي فِيهَا أَحَدٌ إلّا أَخَرَجَتْهُ
فَكَانَتْ تُسَمّى النّاسّةَ ، وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلّ
حُرْمَتَهَا إلّا هَلَكَ مَكَانَهُ فَيُقَالُ إنّهَا مَا سُمّيَتْ
بِبَكّةِ إلّا أَنّهَا كَانَتْ تَبُكّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذَا
أَحْدَثُوا فِيهَا شَيْئًا .
[ بَكّةُ لُغَةً ]
قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ بَكّةَ اسْمٌ لِبَطْنِ
مَكّةَ ، لِأَنّهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا ، أَيْ يَزْدَحِمُونَ .
وَأَنْشَدَنِي :
إذَا الشّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكّهُ ... فَخَلّهِ حَتّى يَبُكّ بَكّهُ
أَيْ
فَدَعْهُ حَتّى يَبُكّ إبِلَهُ أَيْ يُخَلّيهَا إلَى الْمَاءِ
فَتَزْدَحِمُ عَلَيْهِ . وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ .
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِعَامَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ
بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيّ بِغَزَالِيّ
الْكَعْبَةِ وَبِحَجَرِ الرّكْنِ فَدَفَنَهَا فِي زَمْزَمَ ، وَانْطَلَقَ
هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ إلَى الْيَمَنِ ، فَحَزِنُوا عَلَى مَا
فَارَقُوا مِنْ أَمْرِ مَكّةَ وَمُلْكِهَا حُزْنًا شَدِيدًا . فَقَالَ
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ( بْنِ عَمْرِو ) بْنِ مُضَاضٍ فِي ذَلِكَ
وَلَيْسَ بِمُضَاضٍ الْأَكْبَرِ [ ص 115 ]
وَقَائِلَةٍ وَالدّمْعُ سَكْبٌ مُبَادِرُ ... وَقَدْ شَرِقَتْ بِالدّمْعِ مِنْهَا الْمَحَاجِرُ
كَأَنّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلَى الصّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكّةَ سَامِرُ
فَقُلْتُ لَهَا وَالْقَلْبُ مِنّي كَأَنّمَا ... يُلَجْلِجُهُ بَيْنَ الْجَنَاحَيْنِ طَائِرُ
بَلَى نَحْنُ كُنّا أَهْلَهَا ، فَأَزَالَنَا ... صُرُوفُ اللّيَالِي وَالْجُدُودِ الْعَوَاثِرِ
وَكُنّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... نَطُوفُ بِذَاكَ الْبَيْتِ وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ
وَنَحْنُ وَلِينَا الْبَيْتَ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... بِعَزّ فَمَا يَحْظَى لَدَيْنَا الْمُكَاثِرُ
مَلَكْنَا فَعَزّزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا ... فَلَيْسَ لِحَيّ غَيْرِنَا ثَمّ فَاخِرُ
أَلَمْ تُنْكِحُوا مِنْ خَيْرِ شَخْصٍ عَلِمْته ... فَأَبْنَاؤُهُ مِنّا وَنَحْنُ الْأَصَاهِرُ
فَإِنْ تَنْثَنِ الدّنْيَا عَلَيْنَا بِحَالِهَا ... فَإِنّ لَهَا حَالًا وَفِيهَا التّشَاجُرُ
فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا الْمَلِيكُ بِقُدْرَةٍ ... كَذَلِكَ يَا لِلنّاسِ تَجْرِي الْمَقَادِرُ
أَقُولُ إذَا نَامَ الْخَلِيّ وَلَمْ أَنَمْ ... أَذَا الْعَرْشِ لَا يَبْعُدُ سُهَيْلٌ وَعَامِرٌ
وَبُدّلْت مِنْهَا أَوْجُهًا لَا أُحِبّهَا ... قَبَائِلُ مِنْهَا حِمْيَرُ وَيُحَابِرُ
وَصِرْنَا أَحَادِيثَا وَكُنّا بِغِبْطَةٍ ... بِذَلِكَ عَضّتْنَا السّنُونَ الْغَوَابِرُ
فَسَحّتَ دُمُوعُ الْعَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةٍ ... بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ وَفِيهَا الْمَشَاعِرُ
وَتَبْكِي لِبَيْتٍ لَيْسَ يُوذَى حَمَامُهُ ... يَظَلّ بِهِ أَمْنًا وَفِيهِ الْعَصَافِرُ
وَفِيهِ وُحُوشٌ لَا تُرَامُ أَنِيسَةٌ ... إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ فَلَيْسَتْ تُغَادِرُ
[
ص 116 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " فَأَبْنَاؤُهُ منا " ، عن
غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ أَيْضًا يَذْكُرُ بَكْرًا وَغُبْشَانُ وَسَاكِنِي مَكّةَ
الّذِينَ خَلَفُوا فِيهَا بَعْدَهُمْ
يَا أَيّهَا النّاسُ سِيرُوا إنّ قَصْرَكُمْ ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا
حُثّوا الْمَطِيّ وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَضّوا مَا تُقِضّونَا
كُنّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ فَغَيّرَنَا ... دَهْرٌ فَأَنْتُمْ كَمَا كُنّا تَكُونُونَا
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا مَا صَحّ لَهُ مِنْهَا . وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ
الْعِلْم بِالشّعْرِ أَنّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَوّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي
الْعَرَبِ ، وَأَنّهَا وُجِدَتْ مَكْتُوبَةً فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ
وَلَمْ يُسَمّ لِي قَائِلَهَا . [ ص 117 ]
[ اسْتِبْدَادُ قَوْمٍ مِنْ خُزَاعَةَ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ وَلِيَتْ الْبَيْتَ
دُونَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ ، وَكَانَ الّذِي يَلِيهِ
مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْغُبْشَانِيّ ، وَقُرَيْشٌ إذْ ذَاكَ
حُلُولٌ وَصِرَمٌ وَبُيُوتَاتٌ مُتَفَرّقُونَ فِي قَوْمِهِمْ مِنْ بَنِي
كِنَانَةَ فَوَلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا
عَنْ كَابِرٍ حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ حُلَيْلُ بْنُ حَبَشِيّةَ بْنِ
سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
يُقَالُ حُبْشِيّةُ بْنُ سَلُولَ . تَزَوّجُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ حُبّى
بِنْتَ حُلَيْلٍ
[ أَوْلَادُ قُصَيّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
ثُمّ إنّ قُصَيّ بْنَ كِلَابٍ خَطَبَ إلَى حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيّةَ
ابْنَتَهُ حُبّى ، فَرَغِبَ فِيهِ حُلَيْلٌ فَزَوّجَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ
عَبْدَ الدّارِ وَعَبْدَ مَنَافٍ وَعَبْدَ الْعُزّى ، وَعَبْدًا . فَلَمّا
انْتَشَرَ وَلَدُ قُصَيّ ، وَكَثُرَ مَالُهُ وَعَظُمَ شَرَفُهُ هَلَكَ
حُلَيْلٌ .
[ تَوَلّي قُصَيّ أَمْرَ الْبَيْتِ وَنُصْرَةَ رُزَاحٍ لَهُ ]
فَرَأَى
قُصَيّ أَنّهُ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَبِأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ
وَبَنِيّ بَكْرٍ ، وَأَنّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ
إبْرَاهِيمَ وَصَرِيحُ وَلَدِهِ . فَكَلّمَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ ،
وَبَنِيّ كِنَانَةَ ، [ ص 118 ] وَدَعَاهُمْ إلَى إخْرَاجِ خُزَاعَةَ
وَبَنِيّ بَكْرٍ مِنْ مَكّةَ ، فَأَجَابُوهُ . وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ
حَرَامٍ مِنْ عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ قَدْ قَدِمَ مَكّةَ بَعْدَ
هُلْكِ كِلَابٍ فَتَزَوّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ
وَزُهْرَةَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَقُصَيّ فَطِيمٌ فَاحْتَمَلَهَا إلَى
بِلَادِهِ فَحَمَلَتْ قُصَيّا مَعَهَا ، وَأَقَامَ زُهْرَةَ فَوَلَدَتْ
لِرَبِيعَةَ رِزَاحًا . فَلَمّا بَلَغَ قُصَيّ وَصَارَ رَجُلًا أَتَى
مَكّةَ ، فَأَقَامَ بِهَا ، فَلَمّا أَجَابَهُ قَوْمُهُ إلَى مَا
دَعَاهُمْ إلَيْهِ كَتَبَ إلَى أَخِيهِ مِنْ أُمّهِ رِزَاحِ بْنِ
رَبِيعَةَ ، يَدْعُوهُ إلَى نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ مَعَهُ . فَخَرَجَ
رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَعَهُ إخْوَتُهُ حُنّ بْنُ رَبِيعَةَ ،
وَمَحْمُودُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَجُلْهُمَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَهُمْ
لِغَيْرِ فَاطِمَةَ فِيمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ فِي حَاجّ
الْعَرَبِ ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ لِنُصْرَةِ قُصَيّ . وَخُزَاعَةُ تَزْعُمُ
أَنّ حُلَيْلَ بْنَ حُبْشِيّةَ أَوْصَى بِذَلِكَ قُصَيّا وَأَمَرَهُ بِهِ
حِينَ انْتَشَرَ لَهُ مِنْ ابْنَتِهِ مِنْ الْوَلَدِ مَا انْتَشَرَ .
وَقَالَ أَنْتِ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَبِالْقِيَامِ عَلَيْهَا ،
وَبِأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبَ قُصَيّ مَا
طَلَبَ . وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ
ذَلِكَ كَانَ . [ ص 119 ]
مَا كَانَ يَلِيهِ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ مِنْ الْإِجَازَةِ لِلنّاسِ بِالْحَجّ
وَكَانَ
الْغَوْثُ بْنُ مُرّ بْنِ أَدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ
يَلِي الْإِجَازَةَ لِلنّاسِ بِالْحَجّ مِنْ عَرَفَةَ ، وَوَلَدُهُ مِنْ
بَعْدِهِ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ و لِوَلَدِهِ صُوفَةُ . وَإِنّمَا وَلِيَ
ذَلِكَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ ، لِأَنّ أُمّهُ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ
جُرْهُمٍ ، وَكَانَتْ لَا تَلِدُ فَنَذَرَتْ لِلّهِ إنْ هِيَ وَلَدَتْ
رَجُلًا أَنْ تَصّدّقَ بِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ عَبْدًا لَهَا يَخْدُمُهَا
، وَيَقُومُ عَلَيْهَا . فَوَلَدَتْ الْغَوْثَ ، فَكَانَ يَقُومُ عَلَى
الْكَعْبَةِ فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ ،
فَوَلِيَ الْإِجَازَةَ بِالنّاسِ مِنْ عَرَفَةَ ، لِمَكَانِهِ الّذِي
كَانَ بِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ حَتّى
انْقَرَضُوا . فَقَالَ مُرّ بْنُ أَدّ لِوَفَاءِ نَذْرِ أُمّهِ
إنّي جَعَلْتُ رَبّ مَنْ بَييّه ... رَبِيطَةً بِمَكّةَ الْعَلِيّه
فَبَارِكْنَ لِي بِهَا أليّهْ ... وَاجْعَلْهُ لِي مِنْ صَالِحِ الْبَرِيّه
وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرّ - فِيمَا زَعَمُوا - إذَا دَفَعَ بِالنّاسِ قَالَ
لاهُمّ إنّي تَابِعٌ تَبَاعَهُ ... إنْ كَانَ إثْمٌ فَعَلَى قُضَاعَهُ
[ ص 120 ]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 12:00 pm

اقتباس :


[ صُوفَةُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الزّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ . قَالَ كَانَتْ صُوفَةُ تَدْفَعُ بِالنّاسِ مِنْ
عَرَفَةَ ، وَتُجِيزُ بِهِمْ إذَا نَفَرُوا مِنْ مِنًى ، فَإِذَا كَانَ
يَوْمُ النّفْرِ أَتَوْا لِرَمْيِ الْجِمَارِ وَرَجُلٌ مِنْ صُوفَةَ
يَرْمِي لِلنّاسِ لَا يَرْمُونَ حَتّى يَرْمِي . فَكَانَ ذَوُو
الْحَاجَاتِ الْمُتَعَجّلُونَ يَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ لَهُ قُمْ فَارْمِ
حَتّى نَرْمِيَ مَعَك ؛ فَيَقُولُ لَا وَاَللّهِ حَتّى تَمِيلَ الشّمْسُ .
فَيَظَلّ ذَوُو الْحَاجَاتِ الّذِينَ يُحِبّونَ التّعَجّلَ يَرْمُونَهُ
بِالْحِجَارَةِ ويستعجلونه بِذَلِكَ وَيَقُولُونَ لَهُ وَيْلَكَ قُمْ
فَارْمِ فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ . حَتّى إذَا مَالَتْ الشّمْسُ قَامَ
فَرَمَى وَرَمَى النّاسُ مَعَهُ .
[ تَوَلّي بَنِي سَعْدٍ أَمْرَ الْبَيْتِ بَعْدَ صُوفَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَأَرَادُوا
النّفْرَ مِنْ مِنًى ، أَخَذَتْ صُوفَةُ بِجَانِبَيْ الْعَقَبَةِ ،
فَحَبَسُوا النّاسَ وَقَالُوا : أَجِيزِى صُوفَةَ فَلَمْ يَجُزْ أَحَدٌ
مِنْ النّاسِ حَتّى يَمُرّوا ، فَإِذَا نَفَرَتْ صُوفَةُ وَمَضَتْ خُلّيَ
سَبِيلُ النّاسِ فَانْطَلَقُوا بَعْدَهُمْ فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتّى
انْقَرَضُوا ، فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِمْ بِالْقُعْدُدِ بَنُو
سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ وَكَانَتْ مِنْ بَنِي سَعْدٍ فِي
آلِ صَفْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ .
[ نَسَبُ صَفْوَانَ ]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : صَفْوَانُ بْنُ جُنَابِ بْنِ شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ
بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ .
[ ص 121 ]
[ صَفْوَانُ وَكَرِبٌ وَالْإِجَازَةُ فِي الْحَجّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ صَفْوَانُ هُوَ الّذِي يُجِيزُ لِلنّاسِ
بِالْحَجّ مِنْ عَرَفَةَ ، ثُمّ بَنَوْهُ مِنْ بَعْدِهِ حَتّى كَانَ
آخِرَهُمْ الّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ كَرِبُ بْنُ صَفْوَانَ
وَقَالَ أَوْسُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ مَغْرَاءَ السّعْدِيّ :
لَا يَبْرَحُ النّاسُ مَا حَجّوا مُعَرّفَهُمْ ... حَتّى يُقَالَ أَجِيزُوا آلَ صَفْوَانَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَوْسِ بْنِ مَغْرَاءَ .
مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَدْوَانُ مِنْ إفَاضَةِ الْمُزْدَلِفَةِ
[ شِعْرُ ذِي الْإِصْبَعِ فِي إفَاضَتِهِمْ بِالنّاسِ ]
وَأَمّا
قَوْلُ ذِي الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيّ وَاسْمُهُ حُرْثَانُ ( مِنْ
عَدْوَانَ ) بْنِ عَمْرٍو ؛ وَإِنّمَا سُمّيَ ذَا الْإِصْبَعِ لِأَنّهُ
كَانَ لَهُ إصْبَعٌ فَقَطَعَهَا :
عَذِيرَ الْحَيّ مِنْ عَدْوَانَ ... كَانُوا حَيّةَ الْأَرْضِ
بَغَى بَعْضُهُمْ ظُلْمًا ... فَلَمْ يُرْعِ عَلَى بَعْضِ
وَمِنْهُمْ كَانَتْ السّادَا ... تُ وَالْمُوفُونَ بِالْقَرْضِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ النّا ... سَ بِالسّنّةِ وَالْفَرْضِ
وَمِنْهُمْ حَكَمٌ يَقْضِي ... فَلَا يُنْقَضُ مَا يَقْضِي
[ ص 122 ]
[ أَبُو سَيّارَةَ وَإِفَاضَتُهُ بِالنّاسِ ]
-
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ - فَلِأَنّ الْإِفَاضَةَ مِنْ
الْمُزْدَلِفَةِ كَانَتْ فِي عَدْوَانَ - فِيمَا حَدّثَنِي زِيَادُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ - يَتَوَارَثُونَ
ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ . حَتّى كَانَ آخِرَهُمْ الّذِي قَامَ
عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أَبُو سَيّارَةَ عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ .
فَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ :
نَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ أَبِي سَيّارَهْ ... وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي فَزَارَهْ
حَتّى أَجَازَ سَالِمًا حِمَارَهْ ... مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهُ
قَالَ وَكَانَ أَبُو سَيّارَةَ يَدْفَعُ بِالنّاسِ عَلَى أَتَانٍ لَهُ فَلِذَلِك يَقُولُ " سَالِمًا حِمَارَهُ " .
أَمْرُ عَامِرِ بْنِ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَوْلُهُ " حَكَمٌ يَقْضِي " ، يَعْنِي عَامِرَ بْنَ
ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ
الْعَدْوَانِيّ . وَكَانَتْ الْعَرَبُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا نَائِرَةٌ
وَلَا عُضْلَةٌ فِي قَضَاءٍ إلّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ ثُمّ رَضُوا
بِمَا قَضَى فِيهِ . فَاخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي بَعْضِ مَا كَانُوا
يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِي رَجُلٍ خُنْثَى ، لَهُ مَا لِلرّجُلِ وَلَهُ مَا
لِلْمَرْأَةِ فَقَالُوا : أَتَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ؟ وَلَمْ
يَأْتُوهُ بِأَمْرِ كَانَ أَعْضَلَ مِنْهُ . فَقَالَ حَتّى أَنْظُرَ فِي
أَمْرِكُمْ فَوَاَللّهِ مَا نَزَلَ بِي مِثْلُ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا
مَعْشَرَ الْعَرَبِ فَاسْتَأْخَرُوا عَنْهُ . فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا
، يُقَلّبُ أَمْرَهُ وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ لَا يَتَوَجّهُ لَهُ مِنْهُ
وَجْهٌ . وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سُخَيْلَةُ تَرْعَى
عَلَيْهِ غَنَمَهُ وَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذَا سَرَحَتْ فَيَقُولُ [ ص 123
] صَبّحْتِ وَاَللّهِ يَا سُخَيْلُ وَإِذَا أَرَاحَتْ عَلَيْهِ قَالَ
مَسّيْتِ وَاَللّهِ يَا سُخَيْلُ وَذَلِك أَنّهَا كَانَتْ تُؤَخّرُ
السّرْحَ حَتّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النّاسِ وَتُؤَخّرُ الْإِرَاحَةَ حَتّى
يَسْبِقَهَا بَعْضٌ . فَلَمّا رَأَتْ سَهَرَهُ وَقِلّةَ قَرَارِهِ عَلَى
فِرَاشِهِ قَالَتْ مَا لَك لَا أَبَا لَك مَا عَرَاك فِي لَيْلَتِك هَذِهِ
؟ قَالَ وَيْلَك دَعِينِي ، أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِك ، ثُمّ عَادَتْ
لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا . فَقَالَ فِي نَفْسِهِ عَسَى أَنْ تَأْتِيَ
مِمّا أَنَا فِيهِ بِفَرَجٍ فَقَالَ وَيْحَك اُخْتُصِمَ إلَيّ فِي
مِيرَاثِ خُنْثَى ، أَأَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ؟ فَوَاَللّهِ
مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ وَمَا يَتَوَجّهُ لِي فِيهِ وَجْهٌ . قَالَ
فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللّهِ لَا أَبَا لَك أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ
أَقْعِدْهُ فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرّجُلُ فَهُوَ رَجُلٌ
وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ فَهِيَ امْرَأَةٌ . قَالَ
مَسّي سُخَيْلُ بَعْدَهَا أَوْ صَبّحِي ، فَرّجْتِهَا وَاَللّهِ . ثُمّ
خَرَجَ عَلَى النّاسِ حِينَ أَصْبَحَ فَقَضَى بِاَلّذِي أَشَارَتْ
عَلَيْهِ بِهِ .
غَلَبُ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ عَلَى أَمْرِ مَكّةَ وَجَمْعُهُ أَمْرَ قُرَيْشٍ وَمَعُونَةُ قُضَاعَةَ لَهُ
[ هَزِيمَةُ صُوفَةَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ فَعَلَتْ صُوفَةُ كَمَا
كَانَتْ تَفْعَلُ وَقَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهَا الْعَرَبُ ، وَهُوَ دِينٌ
فِي أَنْفُسِهِمْ فِي عَهْدِ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ وَوِلَايَتِهِمْ
فَأَتَاهُمْ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ
قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ ، فَقَالَ لَنَحْنُ
أَوْلَى بِهَذَا مِنْكُمْ فَقَاتِلُوهُ فَاقْتَتَلَ النّاسُ قِتَالًا
شَدِيدًا ، ثُمّ انْهَزَمَتْ صُوفَةُ وَغَلَبَهُمْ قُصَيّ عَلَى مَا كَانَ
بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ .
[ مُحَارَبَةُ قُصَيّ لِخُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ وَتَحْكِيمُ يَعْمُرَ بْنِ عَوْفٍ ]
وَانْحَازَتْ
عِنْدَ ذَلِكَ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ عَنْ قُصَيّ ، وَعَرَفُوا أَنّهُ
سَيَمْنَعُهُمْ كَمَا مَنَعَ صُوفَةَ وَأَنّهُ سَيَحُولُ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكّةَ . فَلَمّا انْحَازُوا عَنْهُ
بَادَاهُمْ وَأَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ وَثَبَتَ مَعَهُ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ
رَبِيعَةَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُضَاعَةَ . [ ص 124 ]
وَخَرَجَتْ لَهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ فَالْتَقَوْا ، فَاقْتَتَلُوا
قِتَالًا شَدِيدًا بِالْأَبْطَحِ حَتّى كَثُرَتْ الْقَتْلَى فِي
الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، ثُمّ إنّهُمْ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ وَإِلَى
أَنْ يُحَكّمُوا بَيْنَهُمْ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ ، فَحَكّمُوا يَعْمُرَ
بْنَ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ
عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِأَنّ قُصَيّا أَوْلَى
بِالْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكّةَ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَأَنّ كُلّ دَمٍ
أَصَابَهُ قُصَيّ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مَوْضُوعٌ يَشْدَخُهُ
تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَأَنّ مَا أَصَابَتْ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ
قُرَيْشٍ ، وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ فَفِيهِ الدّيَةُ مُؤَدّاةٌ وَأَنْ
يُخَلّى بَيْنَ قُصَيّ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَمَكّةَ .
[ سَبَبُ تَسْمِيَةِ يَعْمُرَ بِالشّدّاخِ ]
فَسُمّيَ
يَعْمُرُ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ الشّدّاخَ لِمَا شَدَخَ مِنْ الدّمَاءِ
وَوَضَعَ مِنْهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال : الشّدَاخُ .
[ قُصَيّ أَمِيرًا عَلَى مَكّةَ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ مُجَمّعًا ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلِيَ قُصَيّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكّةَ ، وَجَمَعَ
قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكّةَ ، وَتَمَلّكَ عَلَى قَوْمِهِ
وَأَهْلِ مَكّةَ فَمَلّكُوهُ . إلّا أَنّهُ قَدْ أَقَرّ لِلْعَرَبِ مَا
كَانُوا عَلَيْهِ وَذَلِك أَنّهُ كَانَ يَرَاهُ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا
يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ . فَأَقَرّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنّسْأَةَ
وَمُرّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ حَتّى جَاءَ
الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلّهُ . فَكَانَ قُصَيّ أَوّلَ
بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ
فَكَانَتْ [ ص 125 ] وَالرّفَادَةُ وَالنّدْوَةُ ، وَاللّوَاءُ فَحَازَ
شَرَفَ مَكّةَ كُلّهُ . وَقَطَعَ مَكّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ
فَأَنْزَلَ كُلّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكّةَ الّتِي
أَصْبَحُوا عَلَيْهَا ، وَيَزْعُمُ النّاسُ أَنّ قُرَيْشًا هَابُوا قَطْعَ
شَجَرِ الْحَرَمِ فِي مَنَازِلِهِمْ فَقَطَعَهَا قُصَيّ بِيَدِهِ
وَأَعْوَانِهِ فَسَمّتْهُ قُرَيْشٌ مُجَمّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا
، وَتَيَمّنَتْ بِأَمْرِهِ فَمَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ وَلَا يَتَزَوّجُ
رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَمَا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرٍ نَزَلَ بِهِمْ
وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِحَرْبِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِهِمْ إلّا فِي
دَارِهِ يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ وَمَا تَدّرِعُ جَارِيَةٌ إذَا
بَلَغَتْ أَنْ تَدّرِعَ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا فِي دَارِهِ يَشُقّ عَلَيْهَا
فِيهَا دِرْعَهَا ثُمّ تَدّرِعُهُ ثُمّ يَنْطَلِق بِهَا إلَى أَهْلِهَا .
فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ وَمِنْ بَعْدِ
مَوْتِهِ كَالدّينِ الْمُتّبِعِ لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ . وَاِتّخَذَ
لِنَفْسِهِ دَارَ النّدْوَةِ وَجَعَلَ بَابَهَا إلَى مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ
، فَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أُمُورَهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَقَالَ الشّاعِرُ [ ص 126 ]
قُصَيّ لَعَمْرِي كَانَ يُدَعّى مُجَمّعًا ... بِهِ جَمَعَ اللّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ سَمِعْت السّائِبَ بْنَ خَبّابٍ صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ يُحَدّثُ
أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدّثُ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ ، وَهُوَ
خَلِيفَةٌ حَدِيثَ قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ ، وَمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِ
قَوْمِهِ وَإِخْرَاجِهِ خُزَاعَةَ وَبَنِيّ بَكْرٍ مِنْ مَكّةَ ،
وَوِلَايَتِهِ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكّةَ ، فَلَمْ يَرُدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ
وَلَمْ يُنْكِرْهُ .
شِعْرُ رِزَاحٍ فِي نُصْرَتِهِ قُصَيّا وَرَدّ قُصَيّ عَلَيْهِ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ قُصَيّ مِنْ حَرْبِهِ انْصَرَفَ أَخُوهُ
رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ
وَقَالَ رِزَاحٌ فِي إجَابَتِهِ قُصَيّا [ ص 127 ]
لَمّا أَتَى مِنْ قُصَيّ رَسُول ُ ... فَقَالَ الرّسُولُ أَجِيبُوا الْخَلِيلَا
نَهَضْنَا إلَيْهِ نَقُودُ الْجِيَادَ ... وَنَطْرَحُ عَنّا الْمَلُولَ الثّقِيلَا
نَسِيرُ بِهَا اللّيْلَ حَتّى الصّبَاحِ ... وَنَكْمِي النّهَارَ لِئَلّا نَزُولَا
فَهُنّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ الْقَطَا ... يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيّ رَسُولَا
جَمَعْنَا مِنْ السّرّ مِنْ أَشْمَذَيْنِ ... وَمِنْ كُلّ حَيّ جَمَعْنَا قَبِيلَا
فَيَا لَك حُلْبَةَ مَا لَيْلَة ... تَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ سَيْبًا رَسِيلَا
فَلَمّا مَرَرْنَ عَلَى عَسْجَدٍ ... وَأَسْهَلْنَ مِنْ مُسْتَنَاخٍ سَبِيلَا
وَجَاوَزْنَ بِالرّكْنِ مِنْ وَرِقَانٍ ... وَجَاوَزْنَ بِالْعَرْجِ حَيّا حُلُولَا
مَرَرْنَ عَلَى الْحِلّ مَا ذُقْنَهُ ... وَعَالَجْنَ مِنْ مَرّ لَيْلًا طَوِيلَا
نُدْنِي مِنْ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا ... إرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ الصّهِيلَا
فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَى مَكّةَ ... أَبَحْنَا الرّجَالَ قَبِيلًا قَبِيلًا
نُعَاوِرُهُمْ ثُمّ حَدّ السّيُوفِ ... وَفِي كُلّ أَوْبٍ خَلَسْنَا الْعَقُولَا
نُخَبّزُهُمْ بِصَلَابِ النّسُو ... رِ خَبْزَ الْقَوِيّ الْعَزِيزَ الذّلِيلَا
قَتَلْنَا خُزَاعَةَ فِي دَارِهَا ... وَبَكْرًا قَتَلْنَا وَجِيلًا فَجِيلَا
نَفَيْنَاهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمَلِيكِ ... كَمَا لَا يَحِلّونَ أَرْضًا سُهُولَا
فَأَصْبَحَ سَبْيُهُمْ فِي الْحَدِيدِ ... وَمِنْ كُلّ حَيّ شَفَيْنَا الْغَلِيلَا
[
ص 128 ] وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ هُذَيْمٍ الْقُضَاعِيّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ
قُصَيّ حِينَ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مُضْمَرَةً تَغَالِي ... مِنْ الْأَعْرَافِ أَعْرَافَ الْجِنَابِ
إلَى غَوْرَى تِهَامَةَ فَالْتَقَيْنَا ... مِنْ الْفَيْفَاءِ فِي قَاعٍ يَبَابِ
فَأَمّا صُوفَةُ الْخُنْثَى فَخَلّوْا ... مَنَازِلَهُمْ مُحَاذَرَةَ الضّرَابِ
وَقَامَ بَنُو عَلِيّ إذْ رَأَوْنَا ... إلَى الْأَسْيَافِ كَالْإِبِلِ الطّرَابِ
وَقَالَ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ :
أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ بَنِي لُؤَيّ ... بِمَكّةَ مَنْزِلِي وَبِهَا رَبِيتُ
إلَى الْبَطْحَاءِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدّ ... وَمَرْوَتُهَا رَضِيت بِهَا رَضِيت
فَلَسْت لِغَالِبِ إنْ لَمْ تَأَثّلْ ... بِهَا أَوْلَادُ قَيْذَرَ وَالنّبِيتُ
رِزَاحٌ نَاضِرِي وَبِهِ أُسَامِي ... فَلَسْتُ أَخَافُ ضَيْمًا مَا حَيِيتُ
[ ص 129 ]
[مَا كَانَ بَيْنَ رِزَاحٍ وَبَيْنَ نَهْدٍ وَحَوْتَكَةَ وَشِعْرُ قُصَيّ فِي ذَلِكَ ]
فَلَمّا
اسْتَقَرّ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي بِلَادِهِ نَشَرَهُ اللّهُ وَنَشَرَ
حُنّا ، فَهُمَا قَبِيلَا عُذْرَةَ الْيَوْمِ . وَقَدْ كَانَ بَيْنَ
رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ ، حِينَ قَدِمَ بِلَادَهُ وَبَيْنَ نَهْدِ بْنِ
زَيْدِ وَحَوْتَكَةَ بْنِ أَسْلُمَ ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ قُضَاعَةَ ،
شَيْءٌ فَأَخَافَهُمْ حَتّى لَحِقُوا بِالْيَمَنِ وَأَجْلَوْا مِنْ
بِلَادِ قُضَاعَةَ ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِالْيَمَنِ . فَقَالَ قُصَيّ بْنُ
كِلَابٍ ، وَكَانَ يُحِبّ قُضَاعَةَ وَنَمَاءَهَا وَاجْتِمَاعَهَا
بِبِلَادِهَا ، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِزَاحٍ مِنْ الرّحِمِ
وَلِبَلَائِهِمْ عِنْدَهُ إذْ أَجَابُوهُ إذْ دَعَاهُمْ إلَى نُصْرَتِهِ
وَكَرِهَ مَا صَنَعَ بِهِمْ رِزَاحٌ
أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنّي رِزَاحَا ... فَإِنّي قَدْ لَحَيْتُك فِي اثْنَتَيْنِ
لَحَيْتُك فِي بَنِي نَهْدِ بْنِ زَيْدِ ... كَمَا فَرّقْتَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنِي
وَحَوْتَكَةُ بْنُ أَسْلُمَ إنّ قَوْمًا ... عَنَوْهُمْ بِالْمَسَاءَةِ قَدْ عَنَوْنِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ .
[ مَا آثَرَ بِهِ قُصَيّ عَبْدَ الدّارِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا كَبِرَ قُصَيّ وَرَقّ عَظْمُهُ وَكَانَ عَبْدُ
الدّارِ بِكْرَهُ وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ
وَذَهَبَ كُلّ مَذْهَبٍ وَعَبْدُ الْعُزّى وَعَبْدٌ . قَالَ قُصَيّ
لِعَبْدِ الدّارِ أَمَا وَاَللّهِ يَا بُنَيّ لِأُلْحِقَنّك بِالْقَوْمِ
وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْك : لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ
الْكَعْبَةَ حَتّى تَكُونَ أَنْت تَفْتَحُهَا لَهُ وَلَا يَعْقِدُ
لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلّا أَنْت بِيَدِك ، وَلَا يَشْرَبُ
أَحَدٌ بِمَكّةَ إلّا مِنْ سِقَايَتِك ، وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ
أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلّا مِنْ طَعَامِك ، وَلَا تَقْطَعُ
قُرَيْشٌ [ ص 130 ] دَارِك . فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النّدْوَةِ ،
الّتِي لَا تَقْضِي قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلّا فِيهَا ،
وَأَعْطَاهُ الْحِجَابَةَ وَاللّوَاءَ وَالسّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ .
الرّفَادَةُ
وَكَانَتْ
الرّفَادَةُ خَرْجًا تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي كُلّ مَوْسِمٍ مِنْ
أَمْوَالِهَا إلَى قُصَيّ بْنِ كِلَابٍ ، فَيَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا
لِلْحَاجّ فَيَأْكُلُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ وَلَا زَادٌ .
وَذَلِك أَنّ قُصَيّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ
أَمَرَهُمْ بِهِ " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ جِيرَانُ اللّهِ
وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ الْحَرَمِ ، وَإِنّ الْحَاجّ ضَيْفُ اللّهِ
وَزُوّارُ بَيْتِهِ وَهُمْ أَحَقّ الضّيْفِ بِالْكَرَامَةِ فَاجْعَلُوا
لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيّامَ الْحَجّ حَتّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ
فَفَعَلُوا . فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِك كُلّ عَامٍ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا فَيَدْفَعُونَهُ إلَيْهِ فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا
لِلنّاسِ أَيّامَ مِنًى . فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي
الْجَاهِلِيّةِ عَلَى قَوْمِهِ حَتّى قَامَ الْإِسْلَامُ ثُمّ جَرَى فِي
الْإِسْلَامِ إلَى يَوْمِك هَذَا . فَهُوَ الطّعَامُ الّذِي يَصْنَعُهُ
السّلْطَانُ كُلّ عَامٍ . بِمَنَى لِلنّاسِ حَتّى يَنْقَضِيَ الْحَجّ " .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي بِهَذَا مِنْ أَمْرِ قُصَيّ بْنِ
كِلَابٍ ، وَمَا قَالَ لِعَبْدِ الدّارِ فِيمَا دُفِعَ إلَيْهِ مِمّا
كَانَ بِيَدِهِ أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ
مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ قَالَ
سَمِعْته يَقُولُ ذَلِكَ لِرَجُلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُقَالُ لَهُ
نُبَيْهُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ . قَالَ
الْحَسَنُ فَجَعَلَ إلَيْهِ قُصَيّ كُلّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ أَمْرِ
قَوْمِهِ وَكَانَ قُصَيّ لَا يُخَالَفُ وَلَا يُرَدّ عَلَيْهِ شَيْءٌ
صَنَعَهُ .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 12:01 pm

اقتباس :


ذِكْرُ مَا جَرَى مِنْ اخْتِلَافِ قُرَيْشٍ بَعْدَ قُصَيّ وَحِلْفِ الْمُطَيّبِينَ
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ قُصَيّ بْنَ كِلَابٍ هَلَكَ فَأَقَامَ أَمْرَهُ
فِي قَوْمِهِ وَفِي غَيْرِهِمْ بَنُوهُ مِنْ بَعْدِهِ فَاخْتَطّوا مَكّةَ
رِبَاعًا - بَعْدَ الّذِي كَانَ قَطَعَ [ ص 131 ] فَكَانُوا
يَقْطَعُونَهَا فِي قَوْمِهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ
وَيَبِيعُونَهَا ؛ فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ مَعَهُمْ لَيْسَ
بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَازُعٌ ثُمّ إنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ
بْنِ قُصَيّ عَبْدَ شَمْسٍ وَهَاشِمًا وَالْمُطّلِبَ وَنَوْفَلًا
أَجَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا مَا بِأَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ
بْنِ قُصَيّ مِمّا كَانَ قُصَيّ جَعَلَ إلَى عَبْدِ الدّارِ مِنْ
الْحِجَابَةِ وَاللّوَاءِ وَالسّقَايَةِ وَالرّفَادَةِ وَرَأَوْا أَنّهُمْ
أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ لِشَرَفِهِمْ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِمْ فِي
قَوْمِهِمْ فَتَفَرّقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ
مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى رَأْيِهِمْ يَرَوْنَ أَنّهُمْ أَحَقّ
بِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ لِمَكَانِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ وَكَانَتْ
طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يَرَوْنَ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُمْ
مَا كَانَ قُصَيّ جَعَلَ إلَيْهِمْ .
[ مَنْ نَاصَرُوا بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَمَنْ نَاصَرُوا بَنِي أَعْمَامِهِمْ ]
فَكَانَ
صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ
وَذَلِك أَنّهُ كَانَ أَسَنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ
بَنِي عَبْدِ الدّارِ عَامِرُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ
عَبْدِ الدّارِ . فَكَانَ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ
، وَبَنُو زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ ، وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ
كَعْبٍ ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ ،
مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ . وَكَانَ بَنُو مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ
مُرّةَ ، وَبَنُو سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ ،
وَبَنُو جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ ، وَبَنُو عَدِيّ
بْنِ كَعْبٍ ، مَعَ بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَخَرَجَتْ عَامِرُ بْنُ لُؤَيّ
وَمُحَارِبُ بْنُ فِهْرٍ ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ وَاحِدٍ مِنْ
الْفَرِيقَيْنِ . فَعَقَدَ كُلّ قَوْمٍ عَلَى أَمْرِهِمْ حِلْفًا
مُؤَكّدًا عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا ، وَلَا يُسَلّمُ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا مَا بَلّ بَحْرَ صُوفَةَ . [ ص 132 ]
[ مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ الْمُطَيّبِينَ ]
فَأَخْرَجَ
بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيبًا . فَيَزْعُمُونَ أَنّ
بَعْضَ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَخْرَجَتْهَا لَهُمْ فَوَضَعُوهَا
لِأَحْلَافِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، ثُمّ غَمَسَ
الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا ، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا هُمْ
وَحَلْفَاؤُهُمْ ثُمّ مَسَحُوا الْكَعْبَةَ بِأَيْدِيهِمْ تَوْكِيدًا
عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَسُمّوا الْمُطَيّبِينَ .
مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ الْأَحْلَافِ
وَتَعَاقَدَ
بَنُو عَبْدِ الدّارِ وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحُلَفَاؤُهُمْ عِنْدَ
الْكَعْبَةِ حِلْفًا مُؤَكّدًا ، عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا وَلَا
يُسَلّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَسُمّوا الْأَحْلَافَ .
[ تَوْزِيعُ الْقَبَائِلِ فِي الْحَرْبِ ]
ثُمّ
سُونِدَ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَلُزّ بَعْضُهَا بِبَعْضِ فَعُبّيَتْ بَنُو
عَبْدِ مَنَافٍ لِبَنِي سَهْمٍ ، وَعُبّيَتْ بَنُو أَسَد ٍ لِبَنِي عَبْدِ
الدّارِ وَعُبّيَتْ زُهْرَةُ لِبَنِي جُمَحَ وَعُبّيَتْ بَنُو تَيْمٍ
لِبَنِي مَخْزُومٍ وَعُبّيَتْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ لِبَنِي عَدّي
بْنِ كَعْبٍ . ثُمّ قَالُوا : لِتُفْنَ كُلّ قَبِيلَةٍ مَنْ أُسْنِدَ
إلَيْهَا .
[ مَا تَصَالَحَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ ]
فَبَيْنَا النّاسُ
عَلَى ذَلِكَ قَدْ أَجَمَعُوا لِلْحَرْبِ إذْ تَدَاعَوْا إلَى الصّلْحِ
عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ
وَأَنْ تَكُونَ الْحِجَابَةُ وَاللّوَاءُ وَالنّدْوَةُ لِبَنِي عَبْدِ
الدّارِ كَمَا كَانَتْ . فَفَعَلُوا وَرَضِيَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْ
الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ وَتَحَاجَزَ النّاسُ عَنْ الْحَرْبِ وَثَبَتَ
كُلّ قَوْمٍ مَعَ مَنْ حَالَفُوا ، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتّى
جَاءَ اللّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ
فَإِنّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إلّا شِدّةً [ ص 133 ]
حِلْفُ الْفُضُولِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا حِلْفُ الْفُضُولِ فَحَدّثَنِي زِيَادُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ تَدَاعَتْ
قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ
بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ، لِشَرَفِهِ وَسِنّهِ فَكَانَ
حِلْفُهُمْ عِنْدَهُ بَنُو هَاشِمٍ ، وَبَنُو الْمُطّلِبِ ، وَأَسَدُ بْنُ
عَبْدِ الْعُزّى . وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ ، وَتَيْمُ بْنُ مُرّةَ
فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكّةَ مَظْلُومًا
ْ [ ص 134 ] دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النّاسِ إلّا قَامُوا مَعَهُ
وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتّى تُرَدّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ
فَسَمّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ .
[ حَدِيثُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ حِلْفِ الْفُضُولِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ
بْنِ قُنْفُذٍ التّيْمِيّ أَنّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَوْفِ الزّهْرِيّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا
مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي
الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت
[ نَازَعَ الْحُسَيْنُ الْوَلِيدَ فِي حَقّ وَهَدّدَ بِالدّعْوَةِ إلَى حِلْفِ الْفُضُولِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُسَامَةَ
بْنِ الْهَادِي اللّيْثِيّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ
الْحَارِثِ التّيْمِيّ حَدّثَهُ أَنّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ
عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، وَبَيْنَ الْوَلِيدِ
بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ . وَالْوَلِيدُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ
عَلَى الْمَدِينَةِ أَمّرَهُ عَلَيْهَا عَمّهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي
سُفْيَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ [ ص 135 ] مُنَازَعَةً فِي مَالٍ كَانَ
بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ . فَكَانَ الْوَلِيدُ تَحَامَلَ عَلَى
الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي حَقّهِ لِسُلْطَانِهِ فَقَالَ لَهُ
الْحُسَيْنُ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَتُنْصِفَنّي مِنْ حَقّي أَوْ لَآخُذَن
سَيْفِي ، ثُمّ لَأَقُومَن فِي مَسْجِد رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ لَأَدْعُوَن بِحِلْفِ الْفُضُولِ . قَالَ فَقَالَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ ، وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ
الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللّه عَنْهُ مَا قَالَ وَأَنَا أَحْلِفُ بِاَللّهِ
لَئِنْ دَعَا بِهِ لَآخُذَن سَيْفِي ، ثُمّ لَأَقُومَن مَعَهُ حَتّى
يُنْصَفَ مِنْ حَقّهِ أَوْ نَمُوتَ جَمِيعًا . قَالَ فَبَلّغْت
الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ الزّهْرِيّ ، فَقَالَ مِثْلَ
ذَلِكَ وَبَلّغْت عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ
التّيْمِيّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ . فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ
بْنَ عُتْبَةَ أَنْصَفَ الْحُسَيْنَ مِنْ حَقّهِ حَتّى رَضِيَ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُسَامَةَ
بْنِ الْهَادِي اللّيْثِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ
الْحَارِثِ التّيْمِيّ قَالَ قَدِمَ مُحَمّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ
بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ - وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ
جُبَيْرٍ أَعْلَمَ قُرَيْشٍ - عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ
الْحَكَمِ حِينَ قَتَلَ ابْنَ الزّبَيْرِ وَاجْتَمَعَ النّاسُ عَلَى
عَبْدِ الْمَلِكِ فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ
أَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ يَعْنِي بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ وَبَنِيّ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي حِلْفِ الْفُضُولِ ؟
قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِتُخْبِرَنّي يَا أَبَا
سَعِيدٍ بِالْحَقّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا وَاَللّهِ لَقَدْ خَرَجْنَا
نَحْنُ وَأَنْتُمْ مِنْهُ قَالَ صَدَقْت . تَمّ خَبَرُ حَلِفِ الْفُضُولِ .
[ وِلَايَةُ هَاشِمٍ الرّفَادَةَ وَالسّقَايَةَ وَمَا كَانَ يَصْنَعُ إذَا قَدِمَ الْحَاجّ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلِيَ الرّفَادَةَ وَالسّقَايَةَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ
مَنَافٍ وَذَلِك أَنّ عَبْدَ شَمْسٍ كَانَ رَجُلًا سِفَارًا قَلّمَا
يُقِيمُ بِمَكّةَ وَكَانَ مُقِلّا ذَا وَلَدٍ وَكَانَ هَاشِمٌ مُوسِرًا
فَكَانَ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - إذَا حَضَرَ الْحَاجّ قَامَ فِي قُرَيْشٍ
فَقَالَ يَا مَعْشَرَ [ ص 136 ] قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ جِيرَانُ اللّهِ
وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَإِنّهُ يَأْتِيكُمْ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ زُوّارُ
اللّهِ وَحُجّاجُ بَيْتِهِ . وَهُمْ ضَيْفُ اللّهِ وَأَحَقّ الضّيْفِ
بِالْكَرَامَةِ ضَيْفُهُ فَاجْمَعُوا لَهُمْ مَا تَصْنَعُونَ لَهُمْ بِهِ
طَعَامًا أَيّامَهُمْ هَذِهِ الّتِي لَا بُدّ لَهُمْ مِنْ الْإِقَامَةِ
بِهَا ، فَإِنّهُ وَاَللّهِ لَوْ كَانَ مَالِي يَسَعُ لِذَلِك مَا
كَلّفْتُكُمُوهُ فَيُخْرِجُونَ لِذَلِك خَرْجًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ كُلّ
امْرِئِ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ فَيَصْنَعُ بِهِ لِلْحُجّاحِ طَعَامًا
حَتّى يُصْدَرُوا مِنْهَا .
[ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ هَاشِمٍ ]
وَكَانَ
هَاشِمٌ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَوّلَ مَنْ سَنّ الرّحْلَتَيْنِ لِقُرَيْشِ
رِحْلَتَيْ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ وَأَوّلَ مَنْ أَطْعَمَ الثّرِيدَ
بِمَكّةَ وَإِنّمَا كَانَ اسْمُهُ عَمْرًا ، فَمَا سُمّيَ هَاشِمًا إلّا
بِهَشْمِهِ الْخُبْزَ بِمَكّةَ لِقَوْمِهِ . فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ
قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ :
عَمْرُو الّذِي هَشَمَ الثّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ
سُنّتْ إلَيْهِ الرّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا ... سَفَرُ الشّتَاءِ وَرِحْلَةُ الْأَصْيَافِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ مِنْ
أَهْلِ الْحِجَازِ : قَوْمٌ بِمَكّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ [ ص 137 ]
[وِلَايَةُ الْمُطّلِبِ لِلرّفَادَةِ وَالسّقَايَةِ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزّةَ مِنْ
أَرْضِ الشّامِ تَاجِرًا ، فَوَلِيَ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ مِنْ
بَعْدِهِ الْمُطّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ
شَمْسٍ وَهَاشِمٍ وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ وَفَضْلٍ وَكَانَتْ
قُرَيْشٌ إنّمَا تُسَمّيهِ الْفَيْضَ لِسَمَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ .
[زَوَاجُ هَاشِمٍ ]
وَكَانَ
هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَتَزَوّجَ سَلْمَى
بِنْتَ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ وَكَانَتْ قَبْلَهُ
عِنْدَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
وَيُقَالُ الْحَرِيسُ - ابْنُ جَحْجَبِي بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ . فَوَلَدَتْ لَهُ
عَمْرَو بْنَ أُحَيْحَةَ وَكَانَتْ لَا تَنْكِحُ الرّجَالَ لِشَرَفِهَا
فِي قَوْمِهَا حَتّى يَشْتَرِطُوا لَهَا أَنّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا ، إذَا
كَرِهَتْ رَجُلًا فَارَقَتْهُ .
[مِيلَادُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ كَذَلِكَ ]
فَوَلَدَتْ
لِهَاشِمِ عَبْدَ الْمُطّلِبِ ، فَسَمّتْهُ شَيْبَةَ . فَتَرَكَهُ هَاشِمٌ
عِنْدَهَا حَتّى كَانَ وَصِيفًا أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ ثُمّ خَرَجَ إلَيْهِ
عَمّهُ الْمُطّلِبُ لِيَقْبِضَهُ فَيُلْحِقَهُ بِبَلَدِهِ وَقَوْمِهِ
فَقَالَتْ لَهُ سَلْمَى : لَسْتُ بِمُرْسَلَتِهِ مَعَك ، فَقَالَ لَهَا
الْمُطّلِبُ إنّي غَيْرُ مُنْصَرَفٍ حَتّى [ ص 138 ] أَخِي قَدْ بَلَغَ
وَهُوَ غَرِيبٌ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ شَرَفٍ فِي
قَوْمِنَا ، نَلِي كَثِيرًا مِنْ أُمُورِهِمْ وَقَوْمُهُ وَبَلَدُهُ
وَعَشِيرَتُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهِمْ أَوْ كَمَا
قَالَ . وَقَالَ شَيْبَةُ لِعَمّهِ الْمُطّلِبِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - :
لَسْتُ بِمُفَارِقِهَا إلّا أَنْ تَأْذَنَ لِي ، فَأَذِنَتْ لَهُ
وَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ فَاحْتَمَلَهُ فَدَخَلَ بِهِ مَكّةَ مُرْدِفَهُ
مَعَهُ عَلَى بَعِيرِهِ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : عَبْدُ الْمُطّلِبِ
ابْتَاعَهُ فَبِهَا سُمّيَ شَيْبَةُ عَبْدَ الْمُطّلِبِ . فَقَالَ
الْمُطّلِبُ وَيْحَكُمْ إنّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ قَدِمْتُ بِهِ
مِنْ الْمَدِينَةِ .
[ مَوْتُ الْمُطّلِبِ وَمَا قِيلَ فِي رِثَائِهِ مِنْ الشّعْرِ ]
ثُمّ هَلَكَ الْمُطّلِبُ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ يَبْكِيهِ
قَدْ ظَمِئَ الْحَجِيجُ بَعْدَ الْمُطّلِبِ ... بَعْدَ الْجِفَانِ وَالشّرَابِ المُنْثَعِبْ
لَيْتَ قُرَيْشًا بَعْدَهُ عَلَى نَصَبْ
وَقَالَ
مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيّ ، يَبْكِي الْمُطّلِبَ وَبَنِيّ
عَبْدِ مَنَافٍ جَمِيعًا حِينَ أَتَاهُ نَعْيُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ وَكَانَ نَوْفَلٌ آخِرَهُمْ هُلْكًا :
يَا لَيْلَةً هَيّجَتْ لَيْلَاتِي ... إحْدَى لَيَالِيَ الْقَسِيّاتِ
وَمَا أُقَاسِي مِنْ هُمُومٍ وَمَا ... عَالَجْتُ مِنْ رُزْءِ الْمَنِيّاتِ
إذَا تَذَكّرْتُ أَخِي نَوْفَلًا ... ذَكّرَنِي بِالْأَوّلِيّاتِ
ذَكّرَنِي بِالْأُزُرِ الْحُمْرِ ... وَالْأَرْدِيَةِ الصّفْرِ الْقَشِيبَاتِ
أَرْبَعَةٌ كُلّهُمْ سَيّدُ ... أَبْنَاءِ سَادَاتٍ لِسَادَاتِ
مَيْتٌ بِرَدْمَانَ وَمَيْتٌ بِسَلْمَان ... وَمَيّتٌ عِنْدَ غَزّاتِ
وَمَيّتٌ أُسْكِنَ لَحْدًا لَدَى ... الْمَحْجُوبِ شَرْقِيّ الْبُنَيّاتِ
أَخْلَصُهُمْ عَبْدُ مَنَافٍ فَهُمْ ... مِنْ لَوْمِ مَنْ لَامَ بِمَنْجَاةِ
إنّ الْمُغِيرَاتِ وَأَبْنَاءَهَا ... مِنْ خَيْرِ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ
وَكَانَ
اسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُغِيرَةَ وَكَانَ أَوّلَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ
هُلْكًا هَاشِمٌ بِغَزّة َ مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، ثُمّ عَبْدَ شَمْسٍ
بِمَكّةَ ثُمّ الْمُطّلِبَ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ ثُمّ
نَوْفَلًا بِسَلْمَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ . فَقِيلَ لِمَطْرُودِ -
فِيمَا يَزْعُمُونَ - : لَقَدْ قُلْتَ فَأَحْسَنْت ، وَلَوْ كَانَ
أَفْحَلَ مِمّا قُلْتَ كَانَ أَحْسَنَ فَقَالَ أَنْظِرْنِي لَيَالِيَ
فَمَكَثَ أَيّامًا ، ثُمّ قَالَ [ ص 140 ] [ ص 141 ]
يَا عَيْنُ جُوى وَأَذْرِي الدّمْعَ وَانْهَمِرِي ... وَابْكِي عَلَى السّرّ مِنْ كَعْبِ الْمُغِيرَاتِ
يَا عَيْنُ وَاسْحَنْفِرِي بِالدّمْعِ وَاحْتَفِلِي ... وَابْكِي خَبِيئَةَ نَفْسِي فِي الْمُلِمّاتِ
وَابْكِي عَلَى كُلّ فَيّاضٍ أَخِي ثِقَةٍ ... ضَخْمِ الدّسِيعَةِ وَهّابِ الْجَزِيلَاتِ
مَحْضِ الضّرِيبَةِ عَالِي الْهَمّ مُخْتَلِقٌ ... جَلْدِ النّحِيزَةِ نَاءٍ بِالْعَظِيمَاتِ
صَعْبِ الْبَدِيهَةِ لَا نِكْسٍ وَلَا وَكِلٍ ... مَاضِي الْعَزِيمَةِ مِتْلَافِ الْكَرِيمَاتِ
صَقْرٍ تَوَسّطَ مِنْ كَعْبٍ إذَا نُسِبُوا ... بُحْبُوحَةَ الْمَجْدِ وَالشّمّ الرّفِيعَاتِ
ثُمّ اُنْدُبِي الْفَيْضَ وَالْفَيّاضَ مُطّلِبًا ... وَاسْتَخْرِطِي بَعْدَ فَيْضَاتٍ بِجُمّاتِ
أَمْسَى بِرَدْمَانَ عَنّا الْيَوْمَ مُغْتَرِبًا ... يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَيْهِ بَيْنَ أَمْوَاتِ
وَابْكِي ، لَك الْوَيْلُ إمّا كُنْت بَاكِيَةً ... لِعَبْدِ شَمْسٍ بِشَرْقِيّ الْبُنَيّاتِ
وَهَاشِمٍ فِي ضَرِيحٍ وَسْطَ بَلْقَعَةٍ ... تَسْفَى الرّيَاحُ عَلَيْهِ بَيْنَ غَزّاتِ
وَنَوْفَلٌ كَانَ دُونَ الْقَوْمِ خَالِصَتِي ... أَمْسَى بِسَلْمَانَ فِي رَمْسٍ بِمَوْمَاةِ
لَمْ أَلْقَ مِثْلَهُمْ عُجْمًا وَلَا عَرَبًا ... إذَا اسْتَقَلّتْ بِهِمْ أُدْمُ الْمَطِيّاتِ
أَمْسَتْ دِيَارُهُمْ مِنْهُمْ مُعَطّلَةً ... وَقَدْ يَكُونُونَ زَيْنًا فِي السّرِيّاتِ
أَفْنَاهُمْ الدّهْرُ أَمْ كَلّتْ سُيُوفُهُمْ ... أَمْ كُلّ مَنْ عَاشٍ أَزْوَادُ الْمَنِيّاتِ
أَصْبَحْتُ أَرْضَى مِنْ الْأَقْوَامِ بَعْدَهُمْ ... بَسْطَ الْوُجُوهِ وَإِلْقَاءَ التّحِيّاتِ
يَا عَيْنُ فَابْكِي أَبَا الشّعْثِ الشّجِيّاتِ ... يَبْكِينَهُ حُسّرًا مِثْلَ الْبَلِيّاتِ
يَبْكِينَ أَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمٍ ... يُعْوِلْنَهُ بِدُمُوعٍ بَعْدَ عَبَرَاتِ
يَبْكِينَ شَخْصًا طَوِيلَ الْبَاعِ ذَا فَجَرٍ ... آبِي الْهَضِيمَةِ فَرّاجِ الْجَلِيلَاتِ
يَبْكِينَ عَمْرَو الْعُلَا إذْ حَانَ مَصْرَعُهُ ... سَمْحَ السّجِيّةِ بَسّامَ الْعَشِيّاتِ
يَبْكِينَهُ مُسْتَكِينَاتٍ عَلَى حَزَنٍ ... يَا طُولَ ذَلِكَ مِنْ حُزْنٍ وَعَوْلَاتٍ
يَبْكِينَ لَمّا جَلّاهُنّ الزّمَانُ لَهُ ... خُضْرُ الْخُدُودِ كَأَمْثَالِ الْحَمِيّاتِ
مُحْتَزِمَاتٍ عَلَى أَوْسَاطِهِنّ لِمَا ... جَرّ الزّمَانُ مِنْ أَحْدَاثِ الْمُصِيبَاتِ
أَبِيتُ لَيْلِي أُرَاعِي النّجْمَ مِنْ أَلَمٍ ... أَبْكِي وَتَبْكِي مَعِي شَجْوِي بُنَيّاتِي
مَا فِي الْقُرُومِ لَهُمْ عِدْلٌ وَلَا خَطَرٌ ... وَلَا لِمَنْ تَرَكُوا شَرْوَى بَقِيّاتِ
أَبْنَاؤُهُمْ خَيْرُ أَبْنَاءٍ وَأَنْفُسُهُمْ ... خَيْرُ النّفُوسِ لَدَى جَهْدِ الْأَلِيّاتِ
كَمْ وَهَبُوا مِنْ طِمِرّ سَابِحٍ أَرِنٍ ... وَمِنْ طِمِرّةٍ نَهْبٍ فِي طِمِرّاتِ
وَمِنْ سُيُوفٍ مِنْ الْهِنْدِيّ مُخْلَصَةٍ ... وَمِنْ رِمَاحٍ كَأَشْطَانِ الرّكِيّاتِ
وَمِنْ تَوَابِعِ مِمّا يُفْضِلُونَ بِهَا ... عِنْدَ الْمَسَائِلِ مِنْ بَذْلِ الْعَطِيّاتِ
فَلَوْ حَسَبْت وَأَحْصَى الْحَاسِبُونَ مَعِي ... لَمْ أَقْضِ أَفَعَالَهُمْ تَلِك الْهَنِيّاتِ
هُمْ الْمُدِلّونَ إمّا مَعْشَرٌ فَخَرّوا ... عِنْدَ الْفَخّارِ بِأَنْسَابٍ نَقِيّاتٍ
زَيْنُ الْبُيُوتِ الّتِي خَلّوْا مَسَاكِنَهَا ... فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ وَحْشًا خَلِيّاتٍ
أَقُولُ وَالْعَيْنُ لَا تَرْقَا مَدَامِعُهَا ... لَا يُبْعِدُ اللّهُ أَصْحَابَ الرّزِيّاتِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفَجْرُ الْعَطَاءُ . قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ :
عَجّفَ أَضْيَافِي جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ ... بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي إلَيْهِ الْأَرَامِلُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَبُو الشّعْثِ الشّجِيّاتِ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 12:10 pm

اقتباس :


[وِلَايَةُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ ]
قَالَ
ثُمّ وَلِيَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمِ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ
بَعْدَ عَمّهِ الْمُطّلِبِ فَأَقَامَهَا لِلنّاسِ وَأَقَامَ لِقَوْمِهِ
مَا كَانَ آبَاؤُهُ يُقِيمُونَ قَبْلَهُ لِقَوْمِهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ
وَشَرُفَ فِي قَوْمِهِ شَرَفًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ
وَأَحَبّهُ قَوْمُهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ فِيهِمْ .
ذِكْرُ حَفْرِ زَمْزَمَ وَمَا جَرَى مِنْ الْخُلْفِ فِيهَا
[الرّؤْيَا الّتِي أُرِيهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ فِي حَفْرِ زَمْزَمَ ]
ثُمّ
إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ بَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أُتِيَ
فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلَ مَا
اُبْتُدِئَ بِهِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ مِنْ حَفْرِهَا ، كَمَا حَدّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيّ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
الْيَزَنِيّ عَنْ عَبْدِ اللّهِ [ ص 143 ] الْغَافِقِيّ : أَنّهُ سَمِعَ
عَلَيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحَدّثُ
حَدِيثَ زَمْزَمَ حِينَ أُمِرَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بِحَفْرِهَا ، قَالَ
قَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ : إنّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أَتَانِي
آتٍ فَقَالَ احْفِرْ طَيْبَةَ . قَالَ قُلْت : وَمَا طَيْبَةُ ؟ قَالَ
ثُمّ ذَهَبَ عَنّي . فَلَمّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي
فَنِمْت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرْ بَرّةَ . قَالَ وَمَا بَرّةُ ؟
قَالَ ثُمّ ذَهَبَ عَنّي ، فَلَمّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْت إلَى مَضْجَعِي
فَنِمْت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ . قَالَ فَقُلْت
: وَمَا الْمَضْنُونَةُ ؟ قَالَ ثُمّ ذَهَبَ عَنّي . فَلَمّا كَانَ
الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْت فِيهِ فَجَاءَنِي فَقَالَ
احْفِرْ زَمْزَمَ . قَالَ قُلْت : وَمَا زَمْزَمُ ؟ قَالَ لَا تَنْزِفُ
أَبَدًا وَلَا تُذَمّ ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ وَهِيَ بَيْنَ
الْفَرْثِ وَالدّمِ عِنْدَ نُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ عِنْدَ
قَرْيَةِ النّمْلِ .
[عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَابْنُهُ الْحَارِثُ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قُرَيْشٍ عِنْدَ حَفْرِهِمَا زَمْزَمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بُيّنَ لَهُ شَأْنُهَا ، وَدُلّ عَلَى
مَوْضِعِهَا ، وَعَرَفَ أَنّهُ صُدّقَ غَدَا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ
ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، لَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ
وَلَدٌ [ ص 144 ] بَدَا لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ الطّيّ كَبّرَ فَعَرَفَتْ
قُرَيْشٌ أَنّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ فَقَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا :
يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ ، إنّهَا بِئْرُ أَبِينَا إسْمَاعِيلَ وَإِنّ
لَنَا فِيهَا حَقّا فَأَشْرِكْنَا مَعَك فِيهَا ؛ قَالَ مَا أَنَا
بِفَاعِلِ إنّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ وَأُعْطِيته
مِنْ بَيْنِكُمْ فَقَالُوا لَهُ فَأَنْصِفْنَا فَإِنّا غَيْرُ تَارِكِيك
حَتّى نُخَاصِمَك فِيهَا ، قَالَ فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ
شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ قَالُوا : كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ
هُذَيْمٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشّامِ . فَرَكِبَ
عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي أَبِيهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ
مَنَافٍ وَرَكِبَ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ . قَالَ
وَالْأَرْضُ إذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ . قَالَ فَخَرَجُوا حَتّى إذَا كَانُوا
بِبَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشّامِ ، فَنِيَ مَاءُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَأَصْحَابِهِ فَظَمِئُوا حَتّى أَيْقَنُوا
بِالْهَلَكَةِ فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ ،
فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ . وَقَالُوا : إنّا بِمَفَازَةٍ وَنَحْنُ نَخْشَى
عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ فَلَمّا رَأَى عَبْدُ
الْمُطّلِبِ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ وَمَا يَتَخَوّفُ عَلَى نَفْسِهِ
وَأَصْحَابِهِ . قَالَ مَاذَا تَرَوْنَ ؟ قَالُوا : مَا رَأْيُنَا إلّا
تَبَعٌ لِرَأْيِك ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْت ؛ قَالَ فَإِنّي أَرَى أَنْ
يَحْفِرَ كُلّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمْ الْآنَ
مِنْ الْقُوّةِ فَكُلّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي
حُفْرَتِهِ ثُمّ وَارَوْهُ حَتّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا ،
فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا ،
قَالُوا : نِعْمَ مَا أَمَرْتَ بِهِ . . فَقَامَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ ثُمّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا ،
ثُمّ إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَاَللّهِ إنّ
إلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ
وَلَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا ، لَعَجْزٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ
يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ ارْتَحِلُوا ، فَارْتَحَلُوا .
حَتّى إذَا فَرَغُوا ، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ
يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ مَا هُمْ فَاعِلُونَ تَقَدّمَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ
إلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا . فَلَمّا انْبَعَثَتْ بِهِ انْفَجَرَتْ
مِنْ تَحْتِ خُفّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ فَكَبّرَ [ ص 145 ] عَبْدُ
الْمُطّلِبِ وَكَبّرَ أَصْحَابُهُ ثُمّ نَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ
أَصْحَابُهُ وَاسْتَقَوْا حَتّى مَلِئُوا أَسْقِيَتَهُمْ ثُمّ دَعَا
الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ هَلُمّ إلَى الْمَاءِ فَقَدْ
سَقَانَا اللّهُ فَاشْرَبُوا وَاسْتَقَوْا ، فَجَاءُوا فَشَرِبُوا
وَاسْتَقَوْا . ثُمّ قَالُوا : قَدْ وَاَللّهِ قُضِيَ لَك عَلَيْنَا يَا
عَبْدَ الْمُطّلِبِ ، وَاَللّهِ لَا نُخَاصِمُك فِي زَمْزَمَ أَبَدًا ،
إنّ الّذِي سَقَاك هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الّذِي
سَقَاك زَمْزَمَ ، فَارْجِعْ إلَى سِقَايَتِك رَاشِدًا . فَرَجَعَ
وَرَجَعُوا مَعَهُ وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْكَاهِنَةِ وَخَلّوْا بَيْنَهُ
وَبَيْنَهَا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَهَذَا الّذِي بَلَغَنِي
مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي
زَمْزَمَ ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يُحَدّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَنّهُ
قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ :
ثُمّ اُدْعُ بِالْمَاءِ الرّوَى غَيْرِ الْكَدِرْ ... يَسْقِي حَجِيجَ اللّهِ فِي كُلّ مَبَرّ
لَيْسَ
يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ ، حِينَ
قِيلَ لَهُ ذَلِكَ إلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ تَعَلّمُوا أَنّي قَدْ أُمِرْت
أَنْ أَحْفِرَ لَكُمْ زَمْزَمَ ، فَقَالُوا : فَهَلْ بُيّنَ لَك أَيْنَ
هِيَ ؟ قَالَ لَا ؛ قَالُوا : فَارْجِعْ إلَى مَضْجَعِك الّذِي رَأَيْتَ
فِيهِ مَا رَأَيْتَ فَإِنْ يَكُ حَقّا مِنْ اللّهِ يُبَيّنُ لَك ، وَإِنْ
يَكُ مِنْ الشّيْطَانِ فَلَنْ يَعُودَ إلَيْك . فَرَجَعَ عَبْدُ
الْمُطّلِبِ إلَى مَضْجَعِهِ فَنَامَ فِيهِ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ احْفِرْ
زَمْزَمَ ، إنّك إنْ حَفَرْتهَا لَمْ تَنْدَمْ وَهِيَ تُرَاثٌ مِنْ أَبِيك
الْأَعْظَمِ لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمّ ، تَسْقِي الْحَجِيجَ
الْأَعْظَمَ مِثْلَ نَعَامٍ حَافِلٍ لَمْ يُقْسَمْ يَنْذِرُ فِيهَا
نَاذِرٌ لِمُنْعِمٍ تَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمٍ لَيْسَتْ
كَبَعْضِ مَا قَدْ تَعْلَمُ وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدّمِ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا الْكَلَامُ وَالْكَلَامُ الّذِي قَبْلَهُ مِنْ
حَدِيثِ عَلِيّ ( رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ ) [ ص 146 ] زَمْزَمَ مِنْ
قَوْلِهِ " لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمّ " إلَى قَوْلِهِ " عِنْدَ
قَرْيَةِ النّمْلِ " عِنْدَنَا سَجْعٌ وَلَيْسَ شِعْرًا . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَزَعَمُوا أَنّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ وَأَيْنَ
هِيَ ؟ قِيلَ لَهُ . عِنْدَ قَرْيَةِ النّمْلِ ، حَيْثُ يُنْقَرُ
الْغُرَابُ غَدًا . وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَعَدَا
عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ
وَلَدٌ غَيْرَهُ فَوَجَدَ قَرْيَةَ النّمْلِ ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ
يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ إسَافٍ وَنَائِلَةٍ ، اللّذَيْنِ
كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهَا . فَجَاءَ
بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ فَقَامَتْ إلَيْهِ
قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جِدّهُ فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَا نَتْرُكُك
تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ،
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ ذُدْ عَنّي حَتّى
أَحْفِرَ ، فَوَاَللّهِ لَأَمْضِيَن لِمَا أُمِرْت بِهِ . فَلَمّا
عَرَفُوا أَنّهُ غَيْرُ نَازِعٍ خَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ ،
وَكَفّوا عَنْهُ فَلَمْ يَحْفِرْ إلّا يَسِيرًا ، حَتّى بَدَا لَهُ الطّيّ
، فَكَبّرَ وَعَرَفُوا أَنّهُ قَدْ صُدِقَ . فَلَمّا تَمَادَى بِهِ
الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَهُمَا الْغَزَالَانِ
اللّذَانِ دَفَنَتْ جُرْهُمٌ فِيهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ مَكّةَ ،
وَوَجَدَ فِيهَا أَسْيَافًا قَلْعِيّةً وَأَدْرَاعًا ، فَقَالَتْ لَهُ
قُرَيْشٌ يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ ، لَنَا مَعَك فِي هَذَا شِرْكٌ وَحَقّ ؛
قَالَ لَا ، وَلَكِنْ هَلُمّ إلَى أَمْرٍ نَصَفٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ قَالُوا : وَكَيْفَ تَصْنَعُ ؟ قَالَ [ ص
147 ] خَرَجَ لَهُ قِدْحَاهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لَهُ وَمَنْ تَخَلّفَ
قِدْحَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ؟ قَالُوا : أَنْصَفْتَ فَجَعَلَ قِدْحَيْنِ
أَصْفَرَيْنِ لِلْكَعْبَةِ وَقِدْحَيْنِ أَسْوَدَيْنِ لِعَبْدِ
الْمُطّلِبِ وَقِدْحَيْنِ أَبْيَضَيْنِ لِقُرَيْشِ ثُمّ أَعْطَوْا (
الْقِدَاحَ ) صَاحِبَ الْقِدَاحِ الّذِي يَضْرِبُ بِهَا عِنْدَ هُبَلَ (
وَهُبَلُ صَنَمٌ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَصْنَامِهِمْ
وَهُوَ الّذِي يَعْنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ
قَالَ أُعْلِ هُبَلُ أَيْ أَظْهِرْ دِينَك ) وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ
يَدْعُو اللّهَ عَزّ وَجَلّ فَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ فَخَرَجَ
الْأَصْفَرَانِ عَلَى الْغَزَالَيْنِ لِلْكَعْبَةِ وَخَرَجَ
الْأَسْوَدَانِ عَلَى الْأَسْيَافِ وَالْأَدْرَاعُ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ
وَتَخَلّفَ قِدْحَا قُرَيْشٍ . فَضَرَبَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ الْأَسْيَافَ
. بَابًا لِلْكَعْبَةِ وَضَرَبَ فِي الْبَابِ الْغَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ
. فَكَانَ أَوّلَ ذَهَبٍ حَلِيَتْهُ الْكَعْبَةُ ، فِيمَا يَزْعُمُونَ .
ثُمّ إنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحُجّاجِ .
[ذِكْرُ بِئَارِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بِمَكّةَ ]
[الطّوِيّ وَمَنْ حَفَرَهَا]
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ
احْتَفَرَتْ بِئَارًا بِمَكّةَ فِيمَا حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ [ ص 148 ] عَبْدُ
شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ الطّوِيّ ، وهي الْبِئْرُ الّتِي بِأَعْلَى
مَكّةَ عِنْدَ الْبَيْضَاءِ دَارُ مُحَمّدِ بْنِ يُوسُفَ ( الثّقَفِيّ ) .
[ بَذّرُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَ
هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بَذّرَ وَهِيَ الْبِئْرُ الّتِي عِنْدَ
الْمُسْتَنْذَرِ خَطْمُ الْخَنْدَمَةِ عَلَى فَمِ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ .
وَزَعَمُوا أَنّهُ قَالَ حِينَ حَفَرَهَا : لَأَجْعَلَنّهَا بَلَاغًا
لِلنّاسِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ الشّاعِرُ
سَقَى اللّهُ أَمْوَاهًا عَرَفْتُ مَكَانَهَا ... جُرَابًا وَمَلْكُومًا وَبَذّرَ وَالْغَمْرَا
[ سَجْلَةُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَفَرَ سَجْلَةَ ، وَهِيَ بِئْرُ الْمُطْعِمِ بْنِ
عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الّتِي يَسْقُونَ عَلَيْهَا
الْيَوْمَ . وَيَزْعُمُ بَنُو نَوْفَلٍ أَنّ الْمُطْعِمَ ابْتَاعَهَا مِنْ
أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ وَيَزْعُمُ بَنُو هَاشِمٍ أَنّهُ وَهَبَهَا لَهُ
حِينَ ظَهَرَتْ زَمْزَمُ ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا عَنْ تِلْكَ الْآبَارِ .
[ ص 149 ]
[ الْحَفْرُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَ أُمَيّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ الْحَفْرَ لِنَفْسِهِ .
[ سُقَيّةُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى سُقَيّةَ وَهِيَ بِئْرُ بَنِي أَسَدٍ .
[ أُمّ أَحْرَادٍ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ أُمّ أَحْرَادٍ .
[ السّنْبُلَةُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَتْ بَنُو جُمَحَ السّنْبُلَةَ وَهِيَ بِئْرُ خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ .
[ الْغِمْرُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَتْ بَنُو سَهْمٍ الْغِمْرَ ، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي سَهْمٍ
[ رُمّ وَخُمّ وَالْحَفْرُ وَأَصْحَابُهَا ]
وَكَانَتْ
آبَارُ حَفَائِرَ خَارِجًا مِنْ مَكّةَ قَدِيمَةً مِنْ عَهْدِ مُرّةَ بْنِ
كَعْبٍ ، وَكِلَابِ بْنِ مُرّةَ [ ص 150 ] قُرَيْشٍ الْأَوَائِلِ مِنْهَا
يَشْرَبُونَ وَهِيَ رُمّ وَرُمّ : بِئْرُ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ
: وَخُمّ ، وَخُمّ بِئْرُ بَنِي كِلَابِ بْنِ مُرّةَ ؛ وَالْحَفْرُ .
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ
لُؤَيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُوَ أَبُو أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ
وَقِدْمَا غنَينا قَبْلَ ذَلِكَ حِقْبَةً ... وَلَا نَسْتَقِي إلّا بِخُمّ أَوْ الْحَفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي مَوْضِعِهَا .
[ فَضْلُ زَمْزَمَ وَمَا قِيلَ فِيهَا مِنْ شِعْرٍ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَعَفّتْ زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ الّتِي كَانَتْ
قَبْلَهَا يَسْقِي عَلَيْهَا الْحَاجّ ، وَانْصَرَفَ النّاسُ إلَيْهَا
لِمَكَانِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا
سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ وَلِأَنّهَا بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ
مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلّهَا ، وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ ، فَقَالَ
مُسَافِرُ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافٍ وَهُوَ يَفْخَرُ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَا وُلّوا عَلَيْهِمْ
مِنْ السّقَايَةِ وَالرّفَادَةِ وَمَا أَقْدَمُوا لِلنّاسِ مِنْ ذَلِكَ
وَبِزَمْزَمَ حِينَ ظَهَرَتْ لَهُمْ وَإِنّمَا كَانَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ
أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ شَرَفُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ شَرَفٌ وَفَضْلُ
بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ فَضْلٌ [ ص 151 ]
وَرِثْنَا الْمَجْدَ مِنْ آبَا ... ئِنَا فَنَمَى بِنَا صُعُدَا
أَلَمْ نَسْقِ الْحَجِيجَ وَنَنْحَرُ ... الدّلّافَةَ الرّفُدَا
وَنُلْقَى عِنْدَ تَصْرِيفِ الْمَنَايَا ... شُدّدًا رُفُدَا
فَإِنْ نَهْلِكْ فَلَمْ نُمْلَكْ ... وَمَنْ ذَا خَالِدٌ أَبَدَا
وَزَمْزَمُ فِي أَرُومَتِنَا ... وَنَفْقَأُ عَيْنَ مَنْ حَسَدَا
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ
وَسَاقِي الْحَجِيجِ ثُمّ لِلْخَيْرِ هَاشِمُ ... وَعَبْدُ مَنَافٍ ذَلِكَ السّيّدُ الْفِهْرِي
طَوَى زَمْزَمَ عِنْدَ الْمَقَامِ فَأَصْبَحَتْ ... سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى كُلّ ذِي فَخْرِ
قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي عَبْدَ الْمُطّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ . وَهَذَانِ
الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ سَأَذْكُرُهَا فِي
مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى .
[ ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ذَبْحَ وَلَدِهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ - فِيمَا
يَزْعُمُونَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ - قَدْ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ
مَا لَقِيَ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ ، لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ
ثُمّ بَلَغُوا مَعَهُ حَتّى يَمْنَعُوهُ لَيَنْحَرَن أَحَدَهُمْ لِلّهِ
عِنْدَ الْكَعْبَةِ . فَلَمّا تَوَافَى بَنُوهُ عَشَرَةً وَعَرَفَ
أَنّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ جَمَعَهُمْ ثُمّ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ
وَدَعَاهُمْ إلَى الْوَفَاء لِلّهِ بِذَلِكَ فَأَطَاعُوهُ وَقَالُوا :
كَيْفَ نَصْنَعُ ؟ قَالَ لِيَأْخُذْ كُلّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا [ ص 152
] أَتَوْهُ فَدَخَلَ بِهِمْ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ ،
وَكَانَ هُبَلُ عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ ، وَكَانَتْ تِلْكَ
الْبِئْرُ هِيَ الّتِي يُجْمَعُ فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ .
[ الضّرْبُ بِالْقِدَاحِ عِنْدَ الْعَرَبِ ]
وَكَانَ
عِنْدَ هُبَلَ قِدَاحٌ سَبْعَةٌ كُلّ قِدْحٍ مِنْهَا فِيهِ ( كِتَابٌ .
قِدْحٌ فِيهِ ) ( الْعَقْلُ ) إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِ مَنْ
يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السّبْعَةِ فَإِنْ خَرَجَ
الْعَقْلُ فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْلُهُ وَقِدْحٌ فِيهِ " نَعَمْ "
لِلْأَمْرِ إذَا أَرَادُوهُ يُضْرَبُ بِهِ فِي الْقِدَاحِ فَإِنْ خَرَجَ
قِدْحُ " نَعَمْ " عَمِلُوا بِهِ وَقِدْحٌ فِيهِ " لَا " إذَا أَرَادُوا
أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاحِ فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ الْقِدْحُ
لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ وَقِدْحٌ فِيهِ " مِنْكُمْ " ؛ وَقِدْحٌ
فِيهِ " مُلْصَقٌ " ، وَقِدْحٌ فِيهِ " مِنْ غَيْرِكُمْ " ؛ وَقِدْحٌ
فِيهِ " الْمِيَاهُ " إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا
بِالْقِدَاحِ وَفِيهَا ذَلِكَ الْقِدْحُ فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ
. وَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا ، أَوْ يُنْكِحُوا
مُنْكَحًا ، أَوْ يَدْفِنُوا مَيْتًا ، أَوْ شَكَلُوا فِي نَسَبِ
أَحَدِهِمْ ذَهَبُوا بِهِ إلَى هُبَلَ وَبِمِئَةِ دِرْهَمٍ وَجَزُورٍ
فَأَعْطَوْهَا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الّذِي يَضْرِبُ بِهَا ، ثُمّ قَرّبُوا
صَاحِبَهُمْ الّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ ثُمّ قَالُوا : يَا
إلَهَنَا ، هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا
، فَأَخْرِجْ الْحَقّ فِيهِ . ثُمّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ
اضْرِبْ فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ " مِنْكُمْ " كَانَ مِنْهُمْ وَسِيطًا ،
وَإِنْ خَرَج عَلَيْهِ " مِنْ غَيْرِكُمْ " كَانَ حَلِيفًا ، وَإِنْ
خَرَجَ عَلَيْهِ " مُلْصَقٌ " كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ لَا
نَسَبَ لَهُ وَلَا حِلْفَ وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْءٌ مِمّا سِوَى هَذَا
مِمّا يَعْمَلُونَ بِهِ " نَعَمْ " عَمِلُوا بِهِ [ ص 153 ] خَرَجَ " لَا
" ، أَخّرُوهُ عَامَهُ ذَلِكَ حَتّى يَأْتُوهُ بِهِ مَرّةً أُخْرَى ،
يَنْتَهُونَ فِي أُمُورِهِمْ إلَى ذَلِكَ مِمّا خَرَجَتْ بِهِ الْقِدَاحُ .
[ عَبْدُ الْمُطّلِبِ وَأَوْلَادُهُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْقِدَاحِ ]
فَقَالَ
عَبْدُ الْمُطّلِبِ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ اضْرِبْ عَلَى بَنِيّ هَؤُلَاءِ
بِقِدَاحِهِمْ هَذِهِ وَأَخْبَرَهُ بِنَذْرِهِ الّذِي نَذَرَ فَأَعْطَاهُ
كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قِدْحَهُ الّذِي فِيهِ اسْمُهُ وَكَانَ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَصْغَرَ بَنِي أَبِيهِ كَانَ هُوَ
وَالزّبَيْرُ وَأَبُو طَالِبٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ
بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ
بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنُ مَخْزُومٍ .
[ خُرُوجُ الْقَدَحِ عَلَى عَبْدِ اللّهِ وَشُرُوعُ أَبِيهِ فِي ذَبْحِهِ وَمَنْعُ قُرَيْشٍ لَهُ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - أَحَبّ
وَلَدِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلَيْهِ فَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَرَى أَنّ
السّهْمَ إذَا أَخَطَأَهُ فَقَدْ أَشْوَى . وَهُوَ أَبُو رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا أَخَذَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ
الْقِدَاحَ لِيَضْرِبَ بِهَا ، قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ عِنْدَ هُبَلَ
يَدْعُو اللّهَ ثُمّ ضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى
عَبْدِ اللّهِ فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بِيَدِهِ وَأَخَذَ
الشّفْرَةَ ثُمّ أَقْبَلَ بِهِ إلَى إسَافٍ وَنَائِلَةٍ لِيَذْبَحَهُ
فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا ، فَقَالُوا : مَاذَا
تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ ؟ قَالَ أَذْبَحُهُ فَقَالَتْ لَهُ
قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ وَاَللّهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتّى تُعْذِرَ
فِيهِ . لَئِنْ فَعَلْتَ هَذَا لَا يَزَالُ الرّجُلُ يَأْتِي بِابْنِهِ
حَتّى يَذْبَحَهُ فَمَا بَقَاءُ النّاسِ عَلَى هَذَا وَقَالَ لَهُ
الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومِ بْنِ
يَقَظَةَ [ ص 154 ] قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ لَا تَفْعَلْ وَانْطَلِقْ بِهِ
إلَى الْحِجَازِ ، فَإِنّ بِهِ عَرّافَةً لَهَا تَابِعٌ فَسَلْهَا ، ثُمّ
أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِك ، إنْ أَمَرَتْكَ بِذَبْحِهِ ذَبَحْتَهُ و
إنْ أَمَرَتْك بِأَمْرٍ لَك وَلَهُ فِيهِ فَرَجٌ قَبِلْته .
[ عَرّافَةُ الْحِجَازِ وَمَا أَشَارَتْ بِهِ عَلَى عَبْدِ الْمُطّلِبِ ]
فَانْطَلَقُوا
حَتّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ، فَوَجَدُوهَا - فِيمَا يَزْعُمُونَ -
بِخَيْبَرِ . فَرَكِبُوا حَتّى جَاءُوهَا ، فَسَأَلُوهَا ، وَقَصّ
عَلَيْهَا عَبْدُ الْمُطّلِبِ خَبَرَهُ وَخَبَرَ ابْنِهِ وَمَا أَرَادَ
بِهِ وَنَذْرَهُ فِيهِ فَقَالَتْ لَهُمْ ارْجِعُوا عَنّي الْيَوْمَ حَتّى
يَأْتِيَنِي تَابِعِي فَأَسْأَلُهُ . فَرَجَعُوا مِنْ عِنْدِهَا ، فَلَمّا
خَرَجُوا عَنْهَا ، قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ ثُمّ غَدَوْا
عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ لَهُمْ قَدْ جَاءَنِي الْخَبَرُ كَمْ الدّيَةُ
فِيكُمْ ؟ قَالُوا : عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَكَانَتْ كَذَلِكَ . قَالَتْ
فَارْجِعُوا إلَى بِلَادِكُمْ ثُمّ قَرّبُوا صَاحِبَكُمْ وَقَرّبُوا
عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ثُمّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ بِالْقِدَاحِ
فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَزِيدُوا مِنْ الْإِبِلِ حَتّى
يَرْضَى رَبّكُمْ وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْإِبِلِ فَانْحَرُوهَا عَنْهُ
فَقَدْ رَضِيَ رَبّكُمْ وَنَجَا صَاحِبُكُمْ .
[ نَجَاةُ عَبْدِ اللّهِ مِنْ الذّبْحِ ]
فَخَرَجُوا
حَتّى قَدِمُوا مَكّةَ ، فَلَمّا أَجَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ
قَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ ثُمّ قَرّبُوا عَبْدَ اللّهِ
وَعَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ قَائِمٌ عِنْدَ هُبَلَ
يَدْعُو اللّهَ عَزّ وَجَلّ ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى
عَبْدِ اللّهِ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ
عِشْرِينَ وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ عَزّ وَجَلّ ثُمّ
ضَرَبُوا [ ص 155 ] فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ فَزَادُوا
عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَلَاثِينَ وَقَامَ عَبْدُ
الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ ثُمّ ضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى
عَبْدِ اللّهِ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ
أَرْبَعِينَ وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ ثُمّ ضَرَبُوا ،
فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ
فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ خَمْسِينَ وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو
اللّهَ ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ فَزَادُوا
عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سِتّينَ وَقَامَ عَبْدُ
الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى
عَبْدِ اللّهِ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ
سَبْعِينَ وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ ثُمّ ضَرَبُوا
فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ
فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَمَانِينَ وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو
اللّهَ ثُمّ ضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللّهِ فَزَادُوا
عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ تِسْعِينَ وَقَامَ عَبْدُ
الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ ثُمّ ضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى
عَبْدِ اللّهِ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ
مِئَةً وَقَامَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ ثُمّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ
الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ حَضَرَ قَدْ
انْتَهَى رِضَا رَبّك يَا عَبْدَ الْمُطّلِبِ فَزَعَمُوا أَنّ عَبْدَ
الْمُطّلِبِ قَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ
مَرّاتٍ فَضَرَبُوا عَلَى عَبْدِ اللّهِ وَعَلَى الْإِبِلِ وَقَامَ عَبْدُ
الْمُطّلِبِ يَدْعُو اللّهَ فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ ثُمّ
عَادُوا الثّانِيَةَ وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللّهَ
فَضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ ثُمّ عَادُوا
الثّالِثَةَ وَعَبْدُ الْمُطّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللّهَ فَضَرَبُوا ،
فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ فَنُحِرَتْ ثُمّ تُرِكَتْ لَا يُصَدّ
عَنْهَا إنْسَانٌ وَلَا يُمْنَعُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
إنْسَانٌ وَلَا سَبُعٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَيْنَ أَضْعَافِ هَذَا
الْحَدِيثِ رَجَزٌ لَمْ يَصِحّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ بِالشّعْرِ .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري   كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري I_icon_minitimeالسبت مارس 02, 2013 12:18 pm

اقتباس :


[ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ الْمُتَعَرّضَةِ لِنِكَاحِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ]
[ رَفْضُ عَبْدِ اللّهِ طَلَبَ الْمَرْأَةِ الّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ
اللّهِ فَمَرّ بِهِ - فِيمَا [ ص 156 ] بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى
بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْن مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ
غَالِبِ بْنِ فِهْرِ ، وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ
بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَهِيَ عِنْدَ الْكَعْبَة ؛ فَقَالَتْ لَهُ حِينَ
نَظَرَتْ إلَى وَجْهِهِ أَيْنَ تَذْهَبُ يَا عَبْدَ اللّهِ ؟ قَالَ مَعَ
أَبِي ، قَالَتْ لَك مِثْلُ الْإِبِلِ الّتِي نُحِرَتْ عَنْك ، وَقَعْ
عَلَيّ الْآنَ قَالَ أَنَا مَعَ أَبِي ، وَلَا أَسْتَطِيعُ خِلَافَهُ
وَلَا فِرَاقَهُ .
[ زَوَاجُ عَبْدِ اللّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ]
فَخَرَجَ
بِهِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ حَتّى أَتَى بِهِ وَهْبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافِ
بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ
غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ بَنِي زُهْرَةَ نَسَبًا
وَشَرَفًا ، فَزَوّجَهُ ابْنَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ وَهِيَ
يَوْمَئِذٍ أَفَضْلُ امْرَأَةٍ فِي قُرَيْشٍ نَسَبًا وَمَوْضِعًا .
[ أُمّهَاتُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ]
وَهِيَ
لِبَرّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ
قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ
بْنِ فِهْرٍ . وَبَرّةَ لِأُمّ حَبِيبِ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ
الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ
بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ . وَأُمّ حَبِيبٍ لِبَرّةَ بِنْتِ عَوْفِ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ
بْنِ فِهْرٍ .
[ مَا جَرَى بَيْنَ عَبْدِ اللّهِ وَالْمَرْأَةِ الْمُتَعَرّضَةِ لَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ بِآمِنَةَ ]
فَزَعَمُوا
أَنّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ أُمْلِكَهَا مَكَانَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا
، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ
خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا ، فَأَتَى الْمَرْأَةَ الّتِي عَرَضَتْ عَلَيْهِ
مَا عَرَضَتْ [ ص 157 ] فَقَالَ لَهَا : مَا لَك لَا تَعْرِضِينَ عَلَيّ
الْيَوْمَ مَا كُنْتِ عَرَضْتِ عَلَيّ بِالْأَمْسِ ؟ قَالَتْ لَهُ
فَارَقَك النّورُ الّذِي كَانَ مَعَك بِالْأَمْسِ فَلَيْسَ ( لِي ) بِك
الْيَوْمَ حَاجَةٌ . وَقَدْ كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ
نَوْفَلٍ - وَكَانَ قَدْ تَنَصّرَ وَاتّبَعَ الْكُتُبَ أَنّهُ سَيَكُونُ
فِي هَذِهِ الْأُمّةِ نَبِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي
إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ عَبْدَ اللّهِ إنّمَا دَخَلَ
عَلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ مَعَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ، وَقَدْ عَمِلَ
فِي طِينٍ لَهُ وَبَهْ آثَارٌ مِنْ الطّينِ فَدَعَاهَا إلَى نَفْسِهِ
فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ لِمَا رَأَتْ بِهِ مِنْ أَثَرِ الطّينِ فَخَرَجَ
مِنْ عِنْدِهَا فَتَوَضّأَ وَغَسَلَ مَا كَانَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الطّينِ
ثُمّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى آمِنَةَ فَمَرّ بِهَا ، فَدَعَتْهُ إلَى
نَفْسِهَا ، فَأَبَى عَلَيْهَا ، وَعَمَدَ إلَى آمِنَةَ فَدَخَلَ
عَلَيْهَا فَأَصَابَهَا ، فَحَمَلَتْ بِمُحَمّدِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . ثُمّ مَرّ بِامْرَأَتِهِ تِلْكَ فَقَالَ لَهَا : هَلْ لَك ؟
قَالَتْ لَا ، مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْك غُرّةٌ بَيْضَاءُ
فَدَعَوْتُك فَأَبَيْتَ عَلَيّ وَدَخَلْتَ عَلَى آمِنَةَ فَذَهَبَتْ بِهَا
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَزَعَمُوا أَنّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ
تُحَدّثُ أَنّهُ مَرّ بِهَا وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ غُرّةٌ مِثْلُ غُرّةِ
الْفَرَسِ ، قَالَتْ فَدَعَوْتُهُ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ بِي ،
فَأَبَى عَلَيّ وَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ فَأَصَابَهَا ، فَحَمَلَتْ
بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْسَطَ قَوْمِهِ نَسَبًا ،
وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ ذِكْرُ مَا قِيلَ لِآمِنَةَ عِنْدَ حَمْلِهَا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
وَيَزْعُمُونَ
- فِيمَا يَتَحَدّثُ النّاسُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ - أَنّ آمِنَةَ بِنْتَ
وَهْبٍ أُمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَتْ
تُحَدّثُ [ ص 158 ] أُتِيَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقِيلَ لَهَا : إنّك قَدْ حَمَلْتِ بِسَيّدِ
هَذِهِ الْأُمّةِ فَإِذَا وَقَعَ إلَى الْأَرْضِ فَقُولِي : أُعِيذُهُ
بِالْوَاحِدِ مِنْ شَرّ كُلّ حَاسِدٍ ثُمّ سَمّيهِ مُحَمّدًا . وَرَأَتْ
حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أَنّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ رَأَتْ بِهِ قُصُورَ
بُصْرَى ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ .
[ مَوْتُ عَبْدِ اللّهِ ]
ثُمّ
لَمْ يَلْبَثْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَبُو رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ هَلَكَ وَأُمّ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَامِلٌ بِهِ .
[ وِلَادَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَضَاعَتُهُ ]
[ رَأَى ابْنُ إسْحَاقَ في مَوْلِدَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وُلِدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ
رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَامَ الْفِيلِ [ ص 159 ]
[ رِوَايَةُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ مَوْلِدِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي الْمُطّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسِ
بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، قَالَ
وَلَدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامَ
الْفِيلِ فَنَحْنُ لِدَانِ .
[ رِوَايَةُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ مَوْلِدِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيّ . قَالَ حَدّثَنِي
مَنْ شِئْت مِنْ رِجَالِ قَوْمِي عَنْ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ
وَاَللّهِ إنّي لَغُلَامٌ يَفَعَةٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ
أَعْقِلُ كُلّ مَا سَمِعْت ، إذْ سَمِعْتُ يَهُودِيّا يَصْرُخُ بِأَعْلَى
صَوْتِهِ عَلَى أَطَمَةٍ بِيَثْرِبَ يَا مَعْشَرَ يَهُودِ حَتّى إذَا
اجْتَمَعُوا إلَيْهِ قَالُوا لَهُ وَيْلَكَ مَا لَك ؟ قَالَ طَلَعَ
اللّيْلَةَ نَجْمُ أَحْمَدِ الّذِي وُلِدَ بِهِ . قَالَ مُحَمّدُ بْنُ
إسْحَاقَ فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ بْنِ
ثَابِتٍ فَقُلْت . ابْنُ كَمْ كَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَقْدَمَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ؟ فَقَالَ
ابْنُ سِتّينَ ( سَنَةً ) ، وَقَدِمَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً فَسَمِعَ
حَسّانُ مَا سَمِعَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ .
[ إعْلَامُ أُمّهِ جَدّهُ بِوِلَادَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا وَضَعَتْهُ أُمّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَرْسَلَتْ إلَى جَدّهِ [ ص 160 ] عَبْدِ الْمُطّلِبِ : أَنّهُ
قَدْ وُلِدَ لَك غُلَامٌ فَأْتِهِ فَانْظُرْ إلَيْهِ فَأَتَاهُ فَنَظَرَ
إلَيْهِ وَحَدّثَتْهُ بِمَا رَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ وَمَا قِيلَ لَهَا
فِيهِ وَمَا أُمِرَتْ بِهِ أَنْ تُسَمّيَهُ .
[ فَرَحُ جَدّهِ بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْتِمَاسُهُ لَهُ الْمَرَاضِعَ ]
فَيَزْعُمُونَ
أَنّ عَبْدَ الْمُطّلِبِ أَخَذَهُ فَدَخَلَ بِهِ الْكَعْبَةَ ؛ فَقَامَ
يَدْعُو اللّهَ وَيَشْكُرُ لَهُ مَا أَعْطَاهُ ثُمّ خَرَجَ بِهِ إلَى
أُمّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهَا . وَالْتَمَسَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّضَعَاءَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمَرَاضِعُ .
وَفَى كِتَابِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قِصّةِ مُوسَى عَلَيْهِ
السّلَامُ : { وَحَرّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ }
[ نَسَبُ حَلِيمَةَ وَنَسَبُ أَبِيهَا ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَاسْتَرْضَعَ لَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ
بَكْرٍ ، يُقَالُ لَهَا : حَلِيمَةُ ابْنَةُ أَبِي ذُؤَيْبٍ . وَأَبُو
ذُؤَيْبٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ شِجْنَةَ بْنِ جَابِرِ بْنِ
رِزَامِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ فُصَيّةَ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ
بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَيَلَانَ [ ص 161 ]
[ نَسَبُ أَبِيهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الرّضَاعِ ]
وَاسْمُ
أَبِيهِ الّذِي أَرْضَعَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَارِثُ
بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ مَلّانَ بْنِ نَاصِرَةَ بْن
فُصَيّةَ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال : هِلَالُ بْنُ نَاصِرَةَ .
[ إخْوَتُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الرّضَاعِ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِخْوَتُهُ مِنْ الرّضَاعَةِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
الْحَارِثِ ، وَأُنَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَحُذَافَةُ بِنْتُ
الْحَارِثِ وَهِيَ الشّيْمَاءُ ، غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى اسْمِهَا فَلَا
تُعْرَفُ فِي قَوْمِهَا إلّا بِهِ . وَهُمْ لِحَلِيمَةِ بِنْتِ أَبِي
ذُؤَيْبٍ ، عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، أُمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَيَذْكُرُونَ أَنّ الشّيْمَاءَ كَانَتْ
تَحْضُنُهُ مَعَ أُمّهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ . [ ص 162 ]
[ حَدِيثُ حَلِيمَةَ عَمّا رَأَتْهُ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدَ تَسَلّمِهَا لَهُ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي جَهْمُ بْنُ أَبِي جَهْمٍ مَوْلَى
الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ الْجُمَحِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرِ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ . أَوْ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ
حَلِيمَةُ بِنْتُ أَبِي ذُؤَيْبٍ السّعْدِيّةُ أُمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي أَرْضَعَتْهُ تُحَدّثُ أَنّهَا خَرَجَتْ
مِنْ بَلَدِهَا مَعَ زَوْجِهَا ، وَابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ تُرْضِعُهُ فِي
نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ، تَلْتَمِسُ الرّضَعَاءَ قَالَتْ
وَذَلِك فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ لَمْ تُبْقِ لَنَا شَيْئًا . قَالَتْ
فَخَرَجَتْ عَلَى أَتَانٍ لِي قَمْرَاءَ مَعَنَا شَارِفٌ لَنَا ،
وَاَللّهِ مَا تَبِضّ بِقَطْرَةٍ وَمَا نَنَامُ لَيْلَنَا أَجْمَعَ مِنْ
صَبِيّنَا الّذِي مَعَنَا ، مِنْ بُكَائِهِ مِنْ الْجَوْعِ . مَا فِي
ثَدْيَيّ مَا يُغْنِيهِ وَمَا فِي شَارِفِنَا مَا يُغَدّيهِ - قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ يُغَذّيهِ - وَلَكِنّا كُنّا نَرْجُو الْغَيْثَ
وَالْفَرَجَ فَخَرَجْت عَلَى أَتَانِي تِلْكَ فَلَقَدْ أَدَمْتُ
بِالرّكْبِ حَتّى شَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ضَعْفًا وَعَجَفًا ، حَتّى
قَدِمْنَا مَكّةَ نَلْتَمِسُ الرّضَعَاءَ فَمَا مِنّا امْرَأَةٌ إلّا
وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [
ص 163 ] قِيلَ لَهَا إنّهُ يَتِيمٌ وَذَلِك أَنّا إنّمَا كُنّا نَرْجُو
الْمَعْرُوفَ مِنْ أَبِي الصّبِيّ فَكُنّا نَقُولُ يَتِيمٌ وَمَا عَسَى
أَنْ تَصْنَعَ أُمّهُ وَجَدّهُ فَكُنّا نَكْرَهُهُ لِذَلِك ، فَمَا
بَقِيَتْ امْرَأَةٌ قَدِمَتْ مَعِي إلّا أَخَذَتْ رَضِيعًا غَيْرِي ،
فَلَمّا أَجْمَعْنَا الِانْطِلَاقَ قُلْت لِصَاحِبِي : وَاَللّهِ إنّي
لَأَكْرَهُ أَنْ أَرْجِعَ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي وَلَمْ آخُذْ رَضِيعًا ،
وَاَللّهِ لَأَذْهَبَن إلَى ذَلِكَ الْيَتِيمِ فَلَآخُذَنّهُ قَالَ لَا
عَلَيْكِ أَنْ تَفْعَلِي ، عَسَى اللّهُ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا فِيهِ
بَرَكَةً . قَالَتْ فَذَهَبْتُ إلَيْهِ فَأَخَذْته ، وَمَا حَمَلَنِي
عَلَى أَخْذِهِ إلّا أَنّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ . قَالَتْ فَلَمّا
أَخَذْتُهُ رَجَعْت بِهِ إلَى رَحْلِي ، فَلَمّا وَضَعْته فِي حِجْرِي
أَقَبْلَ عَلَيْهِ ثَدْيَايَ بِمَا شَاءَ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ حَتّى
رَوِيَ وَشَرِبَ مَعَهُ أَخُوهُ حَتّى رَوِيَ ثُمّ نَامَا " وَمَا كُنّا
نَنَامُ مَعَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَامَ زَوْجِي إلَى شَارِفِنَا تِلْكَ .
فَإِذَا إنّهَا لَحَافِلٌ فَحَلَبَ مِنْهَا مَا شَرِبَ وَشَرِبْتُ مَعَهُ
حَتّى انْتَهَيْنَا رِيّا وَشِبَعًا ، فَبِتْنَا بِخَيْرِ لَيْلَةٍ .
قَالَتْ يَقُولُ صَاحِبِي حِينَ أَصْبَحْنَا : تَعَلّمِي وَاَللّهِ يَا
حَلِيمَةُ لَقَدْ أَخَذْت نَسَمَةً مُبَارَكَةً قَالَتْ فَقُلْت :
وَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو ذَلِكَ . قَالَتْ ثُمّ خَرَجْنَا وَرَكِبْت (
أَنَا ) أَتَانِي ، وَحَمَلْتُهُ عَلَيْهَا مَعِي ، فَوَاَللّهِ
لَقَطَعَتْ بِالرّكْبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا [ ص 164 ] أَبِي ذُؤَيْبٍ ،
وَيْحَك ارْبَعِي عَلَيْنَا ، أَلَيْسَتْ هَذِهِ أَتَانَك الّتِي كُنْت
خَرَجْت عَلَيْهَا ؟ فَأَقُولُ لَهُنّ بَلَى وَاَللّهِ إنّهَا لَهِيَ هِيَ
فَيَقُلْنَ وَاَللّهِ إنّ لَهَا لَشَأْنًا . قَالَتْ ثُمّ قَدِمْنَا
مَنَازِلَنَا مِنْ بِلَادِ بَنِي سَعْدٍ وَمَا أَعْلَمُ أَرْضًا مِنْ
أَرْضِ اللّهِ أَجْدَبَ مِنْهَا ، فَكَانَتْ غَنَمِي تَرُوحُ عَلَيّ حِينَ
قَدِمْنَا بِهِ مَعَنَا شِبَاعًا لُبّنًا ، فَنَحْلُبُ وَنَشْرَبُ وَمَا
يَحْلُبُ إنْسَانٌ قَطْرَةَ لَبَنٍ وَلَا يَجِدُهَا فِي ضَرْعٍ حَتّى
كَانَ الْحَاضِرُونَ مِنْ قَوْمِنَا يَقُولُونَ لِرُعْيَانِهِمْ
وَيْلَكُمْ اسْرَحُوا حَيْثُ يَسْرَحُ رَاعِي بِنْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ ،
فَتَرُوحُ أَغْنَامُهُمْ جِيَاعًا مَا تَبِضّ بِقَطْرَةِ لَبَنٍ وَتَرُوحُ
غَنَمِي شِبَاعًا لُبّنًا . فَلَمْ نَزَلْ نَتَعَرّفُ مِنْ اللّهِ
الزّيَادَةَ وَالْخَيْرَ حَتّى مَضَتْ سَنَتَاهُ وَفَصَلْتُهُ وَكَانَ
يَشِبّ شَبَابًا لَا يَشِبّهُ الْغِلْمَانُ فَلَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْهِ
حَتّى كَانَ غُلَامًا جَفْرًا . قَالَتْ فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى أُمّهِ
وَنَحْنُ أَحْرَصُ شَيْءٍ عَلَى مُكْثِهِ فِينَا ، لِمَا كُنّا نَرَى مِنْ
بَرَكَتِهِ . فَكَلّمْنَا أُمّهُ وَقُلْت لَهَا : لَوْ تَرَكْت بُنَيّ
عِنْدِي حَتّى يَغْلُظَ فَإِنّي أَخْشَى عَلَيْهِ وَبَأَ مَكّةَ ، قَالَتْ
فَلَمْ نَزَلْ بِهَا حَتّى رَدّتْهُ مَعَنَا .




أقسام الكتاب


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: المنتدى الاسلامى :: السيرة النبوية-
انتقل الى: