خواطر أدبيةفى حب مصر
الأمس
التتار الجدد ..
إنطلقت بداية قصة التتار على يد مؤسسها الأول الذي يعرف بقاهر العالم وهو جنكيز خان (1167-1227م ) .. الذي استطاع أن يوحد قبائل التتار المتفرقة تحت حكمه ويكوِن منها دولة أخذت في التوسع .. ففى عهده ظهر التتار عنصراً فعالاً في الساحة الدولية إلا بعد ظهور قائد المغول المشهور جنكيزخان .. الذي حقق وخلفاؤه انتصارات كبيرة وأقام امبراطورية شاسعة .. كانت عاصمتها كراكوروم في البدء ثم بكين لاحقاً.. وحاصر التتار مدينة بكين ..وكان الطاعون قد فتك بعدد كبير من جنود التتار .. فأمر قائد الجيش برمي جثث الجنود بمنجنيق داخل أسوار بكين .. وقام التتار بالأنتقام من أهل المدينة بعد فتحها بقتل منهم ما تعدى النصف مليون او اكثر عقاباً لصمود تلك المدينة ..
خريطة الامبراطورية التتارية لم تستمر طويلاً.. فانقسمت بين أولاده وأحفاده إلى إمارات أو ممالك صغيرة (خانيات) امتدت من الصين إلى نهر الدانوب .. ومن أبرزها خانية قازان في روسيا والدولة الإيلخانية في فارس .. وسلالة يوان في الصين .. ومن أبرز أحفاد جنكيزخان .. هولاكو الذي قضى على الخلافة العباسية في بغداد عام 1258م .. واجتاحت جيوشه بلاد الشام حتى ردت على أعقابها في معركة عين جالوت عام 1260م .. وكذلك تيمورلنك (1336-1405م ) الذي أنشأ امبراطورية كبيرة شملت آسيا الوسطى وغربي آسيا ولم تعمر طويلاً ..
وما يتميز به تاريخ التتار أنه دموى للغاية .. تنطبق عليهم صفات القوم: صغار الأعين .. عراض الوجوه .. كأن وجوههم الدروع .. أليس عجيباً أن يصف النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوه قوم ستقاتلهم الأمة بعد ستمائة سنة من موته؟ .. نعم .. سبحان من أوحى إلى نبيه بهذا الوصف الدقيق عن أقوام يبعدون عن المدينة ومكة آلاف الأميال .. في آسيا الوسطى .. ويبعد قتالهم للمسلمين عن زمانه نحو خمسة أو ستة قرون وإن في ذلك لآية للمتأملين ..
إنهم قوم نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نتحرش بهم .. بئسهم في الحروب شديد .. إنهم أول من سلب ملك العرب بعد قرون من الخلافة ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك .. قوما وجوههم كالمجان المطرقة (الدروع) .. يلبسون الشعر .. ويمشون في الشعر" (البخاري)
وعلى هذا يكون التتار الذين ظهروا في القرن السابع الهجري هم من الترك .. فإن الصفات التي جاءت في وصف الترك تنطبق على التتار (المغول) .. لهذا أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا نتحرش بهم فقال "اتركوا الترك ما تركوكم"..
والغريب فى تاريخ التتار يقولون عنهم انهم شعب يعيش حياته بشيء من الخجل والحياء الفطري فدائما ما يخفون الغضب والإرتباك والتوتر وراء بسمة لا تخلو من الطيبة .. وإلى جانب الخجل يكثر فيهم الصمت لا يثرثرون ويكرهون الضوضاء لكن من يطلع على تاريخهم عن كثب قد يرى أنهم شعب عاشق للدم ويستهين بحرمة الحياة بصورة تدعو للدهشة ويقولون أن هذا العشق لم يعرفه سوى المغوليين القدماء أما الأجيال الحالية فإنها تكتفي بمجرد الغضب الشديد والتعبير عنه بأي وسيلة ولأتفه الأسباب ..
ويأتى دور مصر للقضاء على همجية التتار .. كعادتها دائناً فى القضاء على أعدار الأنسانية ..فلقد إستطاع .. قطز قطع أطماع المماليك في الحكم عن طريق توحيدهم خلف هدف واحد .. وهو وقف زحف التتار ومواجهتهم .. فقام بجمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر .. وقال لهم في وضوح ..إني ما قصدت (أي ما قصدت من السيطرة على الحكم) إلا أن نجتمع على قتال التتار .. ولا يتأتى ذلك بغير ملك .. فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو .. فالأمر لكم .. أقيموا في السلطة من شئتم" .. وإقتنع الجميع بالوحدة مع القائد قطز ونبذ الخلافات من أجل الإنتصار على التتار وإنقاذ مصر والأمة العربية .. كما قام قطز بتعيين أمراء من المماليك البحرية .. رغم أنه نفسه من المماليك المعزية التي كانت على خلاف مع المماليك البحرية .. فقام بإقرار فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي مكانه كقائد للجيش .. حيث وجد فيه كفاءة عسكرية وقدرة قيادية عالية ..
واليوم ننشد هذا التوحد لا نجده .. ننشد هذا الوعى للإلتفاف حول قائد واحد واعى ومتفهم ونكون جميعاً معه يد واحدة .. ننشد اليوم إنكار الذات من إجل أمتنا لا نجد سوى فئة لا تفكر إلا فى المصالح الضيقة على حساب كل المبادىء .. فليذهب الوطن عندهم الى الجحيم ويستمر عشقهم للسلطة وفى سبيل ذلك لا مانع من فعل أى شىء ..
واليوم تظهر علينا الجماعات الإرهابية بوجهها القبيح .. فلا غرو ما نراه من وحشيتهم وهمجيتهم ودموينهم فيما فعلوه بالمصريين الأقباط فى ليبيا .. وما يفعلونه بالشعب السورى .. وما فعلت قبائل داعش برؤوس جنود سوريا وغير ذلك يوجد الكثير .. ونفس الحقارة والتحالف المقيت ما زال مستمراً مع الخوارج من قطر والأتراك اللذين هم من أصول التتار القديمة والأمريكان والإتحاد الأوربى والصهاينة .. وكل هؤلاء راهنوا على جماعة إرهابية خارجة عن القانون لتنفيذ خططهم الدنيئة.. وكأن قوى الشر فى العالم دائماً وأبداً على ميعاد للوحدة كل حقبة من الزمان للقضاء على أوطاننا وحضارتنا وإنسانيتنا ووحدتنا .. ومن وراء كل هذه الدموية تظهر لتلك الجماعات الإرهابية الإبتسامات والطيبة والإستكانة والحديث عن الدين وكراهية الصهاينة والوقوف ضد الأمريكان وغيرها الكثير من الأكاذيب التى لا نهاية لها ..
ولكن ظهر فى مصر القائد الذى إستطاع أن يوحدها ويوحد من خلفة الأمة العربية ويعمل على حل الكثير من مشاكلها .. للتصدى للتتار الجدد كما فعل الملك المظفر سيف الدين قطز .. وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد .. فمصر قديماً تصدت للتتار وحمت المة الإسلمية من دمويتهم وشرهم .. واليوم مصر تستمر فى مشوارها للتصدى الإرهاب ..
تحية للشعب المصر الواعى المتحضر القادر على التصدى للتتار الجدد كما تصدى قبل للتتار القدامى وإنهاء من نمر به من إرهاب .. تحية للقوات المسلحة الباسلة صاحبة الإنتصارات الدرع والملجأ والملاذ للشعب المصرى .. تحية للشرطة المصرية العظيمة الساهرة .. وتحيا مصر .. يا بختنا اننا مصريين ..
الروائية .. مديحة مجدى