منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:28 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**

وَقْفٌ للهِ تَعَالَىٰ



تَأْلِيفُ
عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ
المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين


الجزء الأول

طُبِِعَ عَلَى نَفَقَةِ مَنْ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وجْهَ اللهِ وَالدَار الآخرةَ فجَزاهُ اللهُ عن الإسلام والمسلمينَ خيرًا وغَفَر له ولوالديه ولمن يُعيدُ طِبَاعَتَه أو يُعِيْنُ عليها أو يَتَسبَب لها أو يُشِيرُ على مَنْ يُؤمِلُ فيه الخيرَ أن يَطبَعَه وقفًا للهِ تعالى يُوزَّع على إخوانِهِ المسلمين ... اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم



حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

ومن أراد طباعته ابتغاء وجه الله تعالى لا يريد به عرضًا من الدنيا فقد أُذن له وجزى الله خيرًا من طبعه وقفًا أو أعان على طبعه أو تسبب لطبعه وتوزيعه على إخوانه المسلمين فقد ورد عن النبي  أنه قال: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومنبله» الحديث رواه أبو داود. وورد عنه  أنه قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» الحديث رواه مسلم.




بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
الحمد لله الذي تفرد بالجلال والعظمة والكبرياء والجمال، وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير عن شكر بعض ما أوليه من الإنعام والأفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد؛ فعندما كنت أدرس التلاميذ في المعهد العلمي في الفقه، طلب مني بعض التلاميذ أن أضع لهم على المقرر أسئلة وأجوبة للمراجعة، فأجبتهم إلى ذلك، ووضعت على المقرر من الفقه أسئلة قليلة جمعت لها من كتب الفقه أجوبة، وبعد مدة رأيت أني أزيد فيها وأنقص وأنقحها وأذكر معها ما تيسر من دليل أو تعليل، وحيث أن النظم يسهل حفظه غالبًا وإحضاره ويروق للسامع، فقد ذكرت ما تيسر من نظم ابن عبدالقوي، ومن مختصره لابن معمر، وإن شاء الله سأذكر المصادر التي نقلتها منها من كتب الحديث والفقه في آخر الكتاب، وسميتها «الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعية» والله المسئول أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به نفعًا عامًا، وأن يجعله مقربًا لنا ولمن انتفع به لديه في جنات النعيم، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا،،،

عبد العزيز المحمد السلمان



1- تعريف الفقه
س1: ما هو الفقه لغةً وشرعًا؟ وما موضوع علم الفقه؟
ج: الفقه لغةً: الفهم، وشرعًا: معرفة الأحكام الشرعية بالفعل أو بالقوة القريبة، وموضوعه: أفعال العباد من حيث تعلق الأحكام الشرعية بها ومسائله، وما يذكر في كل باب من أبوابه.
س2: ما هي الأحكام الشرعية؟ اذكرها بوضوح.
ج: هي الأول: الواجب، وهو ما أثيب فاعله وعوقب تاركه، والثاني: الحرام، وهو ما أثيب تاركه وعوقب فاعله، والثالث: المسنون، وهو ما أثيب فاعله ولم يعاقب تاركه، والرابع: المكروه، وهو ما أثيب تاركه ولم يعاقب فاعله، والخامس: المباح، وهو مستوي الطرفين أي ما خلا من مدح وذم.
س3: من هو الفقيه؟ وما الذي يجب على المكلف تعلمه؟
ج: هو من عرف جملة غالبة من الأحكام الشرعية بالفعل أو بالقوة القريبة، ويجب على المكلف أن يتعلم من العلوم الدينية ما يحتاج إليه في عباداته ومعاملاته، وما عدا ذلك من العلوم الشرعية أو ما هو وسيلة إليها فمستحب، قال الله تعالى: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ الآية.
وعن معاوية  قال: قال رسول الله : «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» متفق عليه، وعن أبي هريرة  أن رسول الله  قال: «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» رواه مسلم.

2- كتاب الطهارة
س4: ما هي الطهارة لغةً وشرعًا؟ ولما قدمت على غيرها؟
ج: هي لغةً: النظافة والنزاهة عن الأقذار، وحقيقتها استعمال المطهرين الماء والتراب أو أحدهما على الصفة المشروعة في إزالة النجس والخبث، وقدمت الطهارة على غيرها؛ لأنها شرط من شروط الصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، والشرط مقدم على المشروط.
س5: ما هو الدليل على ذلك؟
ج: ما ورد عن علي بن أبي طالب  عن النبي  قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» رواه الخمسة إلا النسائي.
س6: ما هو الماء الطهور؟ وما الدليل على طهارته؟
ج: هو الطاهر في ذاته المطهر لغيره. قال الله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ، وقال: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا.
وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله  في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» أخرجه الأربعة، وابن أبي شيبة واللفظ له، وابن خزيمة والترمذي، ورواه مالك والشافعي وأحمد.
س7: بين ما الذي ينجس به الماء الطهور؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: ينجس إذا تغير لونه، أو طعمه، أو ريحه بنجاسة، لما ورد عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله : «إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطـعمه ولـونه» أخرجـه ابـن مـاجه، وضـعفه أبو حاتم، وللبيهقي: «الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه»، وأجمع العلماء أن الماء الكثير والقليل إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له لونًا أو طعمًا أو ريحًا أنه نجس. والله أعلم، وصلى الله على محمد.
س8: بأي شيء يطهر الماء النجس؟
ج: بأحد ثلاثة أشياء: إما بزوال تغيره بنفسه، أو ينزح ويبقى بعده ماء غير متغير، وإما بإضافة ماء إليه ويزول معه التغير.
3- باب الآنية
س9: ما هي الآنية؟ ولما ذكرت تلي الطهارة وما حكمها؟
ج: هي الأوعية، ولما كان الماء لابد له من وعاء ذكر تابعًا له، وحكمها أن كل إناء ظاهر ولو ثمينًا يباح اتخاذه واستعماله إلا آنية ذهب وفضة وما فيه شيء منهما أو من أحدهما إلا ضبة يسيرة من فضة لحاجة.
ومن مختصر النظم:
وكل الأواني الطاهرات وإن غلب
وغير لجين والمضبب منهما
ومن فضة حوز كتشعيب قصعة
تباح لكل مطلقًا غير عسجد
فحرم على الصنفين لا تتقيد
وكره بلا حاج مباشرها زد

س10: ما الدليل على تحريم أواني الذهب والفضة، وإباحة السلسلة من الفضة؟
ج: ما ورد عن حذيفة مرفوعًا: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة»، وعن أم سلمة: «الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليهما، وعن أنس: «أن قدح النبي  انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة» رواه البخاري.
س11: ما حكم استعمال آنية الكفار وثيابهم؟ واذكر دليل ذلك.
ج: تباح آنية الكفار وثيابهم إن جهل حالها. قال الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ و«لأنه  وأصحابه توضؤوا من مزادة امرأة مشركة» متفق عليه، وعن جابر قال: «كنا نغزو مع رسول الله  فنصيب من آنية المشركين فنستمتع بها ولا يعيب ذلك عليهم» رواه أحمد وأبو داود.
من النظم:
وآنية الكفار طاهرة معا
وما جهل استعماله من متاعهم
وأثوابهم ما لم تيقن لمفسد
مباح بلا كره بغير تقيد

س12: بين حكم جلد الميتة التي تفيد فيها الذكاة بعد الدبغ، واذكر الدليل.
ج: يطهره الدباغ، لما وري عن ابن عباس: أن رسول الله  وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة، فقال رسول الله : «هلا انتفعتم بجلدها؟» قالوا: إنها ميتة، فقال: «إنما حرم أكلها»، ولما ورد عن سودة زوج النبي  قالت: «ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا» رواه أحمد والنسائي والبخاري، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله  يقول: «أيما إهاب دبغ فقد طهر» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي، وقال: قال إسحاق عن النضر بن شميل: إنما يقال إهاب: لجلد ما يُؤكل لحمه.
س13: ما حكم أجزاء الميتة؟ اذكرها بوضوح وبين أنواعها.
ج: الميتة نوعان: طاهرة، كالسمك والجراد وما لا نفس له سائلة متولدة من طاهر، فهذه أجزاؤها طاهرة إذا انفصلت عنها في الحياة والموت.
والثانية: كبهيمة الأنعام والطيور ونحوها مما تفيد فيه الذكاة، فهذه الصوف والشعر والوبر والريش منها طاهر والباقي نجس. قال الله تعالى: وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا والريش مقيس عليه.
ونقل الميموني عن أحمد «صوف الميتة لا أعلم أحدًا كرهه». والله أعلم، وصلى الله على محمد.
س14: ما حكم ما قطع من البهيمة، وما دليل الحكم؟
ج: ما فُصِلَ مِنْ البهيمة وهي حية فهو كميتته طهارة ونجاسة، لما ورد عن أبي واقد الليثي  قال: قال رسول الله : «ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» أخرجه أبو داود والترمذي؛ وأما ما لا تفيد فيه الذكاة، كالكلب والخنزير ونحوها، فهذه أجزاؤها كلها نجسة ذكيت أم لا، ولا يستثنى منها شيء. والله أعلم، وصلى الله على محمد.
س15: بين حكم تخمير الإناء وإيكاء السقاء وإطفاء النار عند النوم، واذكر الدليل.
ج: مستحبات لما ورد عن جابر  عن رسول الله  قال: «غطوا الإناء وأوكوا السقاء، وأغلقوا الأبواب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابًا، ولا يكشف إناءً؛ فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودًا ويذكر اسم الله فليفعل؛ فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم» رواه مسلم.
وأما الدليل على إطفاء النار عند النوم، فهو ما ورد عن ابن عمر
-رضي الله عنهما- ، عن النبي  قال: «لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون» متفق عليه، وعن أبي موسى الأشعري قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حدث رسول الله  بشأنهم، قال: «إن هذه النار عدو لكم، فإذا نمتم فاطفئوها» متفق عليه.
4- باب الاستنجاء وآداب التخلي
س16: ما هو الاستنجاء؟ وما حكمه؟ وما دليله؟
ج: هو إزالة ما خرج من سبيل بماء أو إزالة حكمه بحجر ونحوه، وحكمه واجب، لما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله  قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار؛ فإنها تجزئ عنه» رواه أحمد والنسائي وأبو داود، وعن أنس  قال: «كان النبي  يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي أداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء» متفق عليه.
س17: ما المراد بآداب التخلي، وما المسنون قوله عند دخول الخلاء؟
ج: المراد ما ينبغي فعله حال قضاء الحاجة وعند دخول الخلاء والخروج منه والمسنون قوله عند دخول الخلاء هو ما ورد في حديث أنس: أن النبي  «كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» متفق عليه، وروى أبو أمامة أن رسول الله  قال: «لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم» رواه ابن ماجه، وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله : «إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث» رواه ابن ماجه.
س18: ما المسنون قوله عند الخروج من الخلاء؟
ج: يسن قول ما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان رسول الله  إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك» رواه الخمسة إلا النسائي، وعن أنس قال: «كان النبي  إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني» رواه ابن ماجه.

وفي «مصنف عبدالرزاق»: أن نوحًا –عليه الصلاة والسلام- كان يقول إذا خرج: «الحمد له الذي أذاقني لذته وأبقى في منفعته وأذهب عني أذاه».
س19: بين صفة دخول الخلاء والخروج منه والجلوس لقضاء الحاجة؟
ج: يقدم رجله اليسرى عند الدخول، واليمنى عند الخروج عكس مسجد ونعل، وعند الجلوس يرفع ثوبه شيئًا فشيئًا ويعتمد على رجله اليسرى، ولا يلبث إلا بمقدار حاجته، أما كونه يقدم اليسرى في الدخول واليمنى للخروج، فلأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواها؛ لأنها أحق بالتقديم إلى الأماكن الطيبة وأحق بالتأخير عن الأذى ومحله؛ وأما كونه يرفع ثوبه شيئًا فشيئًا، فلما روى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: أن النبي  كان لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، وأما كونه يكون معتمدًا على رجله اليسرى، فلحديث سراقة بن مالك  قال: «أمرنا رسول الله  أن نتكئ على اليسرى وأن ننصب اليمنى» رواه الطبراني والبيهقي؛ ولأنه أسهل لخروج الخارج، وأما كونه لا يلبث فوق حاجته، فقيل: لأنه مضر عند الأطباء، وقيل: لأنه يدمي الكبد، وقيل: لأنه يورث الباسور. والله أعلم، وصلى الله على محمد.
س20: ما حكم الكلام في حال قضاء الحاجة، وما هو دليل الحكم؟
ج: مكروه كراهة شديدة لغير ضرورة أو حاجة، لما ورد عن ابن عمر «أن رجلاً مر ورسول الله  يبول فسلم عليه فلم يرد عليه» رواه الجماعة إلا البخاري، وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله  يقول: «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان؛ فإن الله يمقت على ذلك» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
س21: ما حكم دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله، وما دليل الحكم؟

ج: يكره إلا لحاجة، أما المصحف فيحرم إلا لضرورة أو حاجة؛ لما ورد عن أنس قال: «كان النبي  إذا دخل الخلاء نزع خاتمه» رواه الخمسة إلا أحمد، وصححه الترمذي، وقد صحح أن نقش خاتمه «محمد رسول الله».
ومن مختصر النظم:
وسم إذا رمت الخلا وتعوذن
وقدم يسارًا في الدخول وعكسه
وكن ناصب اليمنى ومعتمدًا على
ونح الذي اسم الله فيه بلا أذى
ولا تنكشف إلا مقارب مقعد
خروجًا وأنصت في جلوسك ترشد
يسار وإن تعطس ففي قلبك أحمد
ونقش الخواتيم أخب في باطن اليد

س22: بين حكم مباشرة الفرج باليمين، واذكر الدليل على ما تقول.
ج: مكروه لغير ضرورة أو حاجة، لما ورد عن أبي قتادة مرفوعًا: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» متفق عليه. ولمسلم عن سليمان: «نهانا رسول الله  أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم».
س23: بين حكم الاستتار والابتعاد في الفضاء لمريد قضاء الحاجة؟
ج: مستحب لما ورد عن جابر قال: «خرجنا مع النبي  في سفر فكان لا يأتي البراز حتى يغيب فلا يُرى» رواه ابن ماجه، وعن عبدالله بن جعفر قال: «كان أحب ما استتر به رسول الله  لحاجته هدف أو حائش نخل» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
س24:ما حكم البول والتغوط في طريق الناس أو ظلهم،وما دليل الحكم؟
ج: محرم لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «اتقوا اللاعنين الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم» رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الحميري، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل» رواه أبو داود وابن ماجه، وقال: هو مرسل ولا يحرم في مجمع الناس على حرام كغيبة، أو لهو، أو قمار، أو شرب مسكر، أو سماع الآلات المطربة، ويجب تفريقهم بما استطاع.
س25: بين حكم البول في الجحر والسرب، والشق والماء الراكد والمستحم، واذكر دليل الحكم.
ج: مكروه، لما ورد عن قتادة عن عبدالله بن سرجس قال: «نهى رسول الله  أن يبال في الحُجْرِ» قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر، قال: يقال: إنها مساكن الجن، رواه أحمد والنسائي وأبو داود.
وأما الدليل على كراهة البول في الماء الراكد والمستحم، فهو ما ورد عن جابر عن النبي  أنه «نهى أن يبال في الماء الراكد» رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه، وعن عبدالله بن مغفل قال: قال رسول الله : «لا يبولن أحدكم في مستحمه، ثم يغتسل فيه أو يتوضأ فيه؛ فإن عامة الوسواس منه» رواه أبو داود والترمذي والنسائي، إلا أنهما لم يذكرا: «ثم يغتسل فيه أو يتوضأ فيه».

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **


عدل سابقا من قبل حسن الذهبى في السبت يوليو 02, 2011 6:34 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:28 am


س26:بين حكم إعداد الأحجار للاستجمار وطلب المكان اللين للبول.
ج: مستحب، لما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله  قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار، فإنها تجزئ عنه» رواه أحمد والنسائي وأبو داود والدارقطني، وقال: إسناده حسن صحيح.

وعن أبي موسى قال: كنت مع النبي  ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثًا في أصل جدار فبال، ثم قال: «إذا بال أحدكم فليرتد لبوله» رواه أحمد وأبو داود.
وعن أبي هريرة، عن النبي  قال: «من أتى الغائط فليستتر؛ فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبًا من رمل فليستدبره؛ فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
5- استقبال القبلة واستدبارها
حال قضاء الحاجة
س27: بين حكم استقبال واستدبارها حال قضاء الحاجة، واذكر دليل الحكم وما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: يحرم في البنيان وغيره، لما ورد عن أبي هريرة عن النبي : «إذا جلس أحدكم لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» رواه أحمد ومسلم.
وعن أبي أيوب الأنصاري عن النبي  قال: «إذا أوتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها؛ ولكن شرقوا أو غربوا»، قال أبو أيوب: «فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله» متفق عليه، ولمسلم عن سلمان: «لقد نهانا رسول الله  أن نستقبل القبلة بغائط أو بول» الحديث.
والقول الثاني: التفريق بين العمران والفضاء، وأنه يحرم استقبالها واستدبارها في الفضاء ويجوز في العمران، لما ورد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «ارتقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت رسول الله  على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة» رواه الجماعة.
وعن جابر بن عبدالله  قال: «نهى رسول الله  أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها» رواه الخمسة إلا النسائي، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ذكر لرسول الله  أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم، فقال: «أو قد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة» رواه أحمد وابن ماجه، وعن مروان الأصفر قال: «رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقلت: أبا عبدالرحمن، أليس قد نهى عن ذلك؟ فقال: بلى، إنما نهى عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس» رواه أبو داود. والذي تميل إليه النفس العمل بحديث أبي أيوب؛ لأنه أحوط، فاستقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط في بنيان أو فضاء حرام.
قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية:
وعند أبي العباس ليس بجائز
فكم بين بيت الله من ركن شامخ
فالجهة التحريم يا صاح فاعلمن
وإن ذكروا يومًا حديثًا مجوزًا
فقد ذكر ابن القيم الحبر أنها
ولو من وراما حال فاحظر وشدد
وأسوار حيطان وبيت معمد
فخذ نص تصريح صحيح مؤيد
لذلك في البنيان غير مفند
قضية عين خصصت بمحمد

س28: اذكر ما تستحضره مما لا يجوز الاستجمار به مع ذكر الدليل.
ج: يحرم بعظم وروث وماله حرمة ومطعوم وحي، لما ورد عن جابر قال: «نهى رسول الله  أن يتمسح بعظم أو بعرة» رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وعن سلمان قال: «أمرنا النبي  أن لا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم» رواه أحمد وابن ماجه، وعن أبي هريرة: أن النبي  «نهى أن يستنجي بروث أو بعظم، وقال: إنهما لا يطهران» رواه الدارقطني، وقال: إسناد صحيح.
وأما الدليل على تحريم الاستجمار بما له حرمة أو ذلك ككتب الفقه والحديث، فلما فيه من هتك الشريعة والاستخفاف بحرمتها، فهو في الحرمة أعظم من الروث والرمة.
وأما الدليل على تحريمه بالمطعوم، فهو ما ورد في مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن» فيؤخذ من التعليل أن زادنا مع عظم حرمته أولى.
ومن مختصر النظم:
وابعد لدى الصحراء عن أعين الورى
وعن موضع تخشى تعد أذاك بل
ويحسن الاستجمار وترًا أقله
ويجزئ في الأولى بغير حجارة
ومسح بقرد ذي جوانب مجزئ
ويحرم ولا يجزي بعظم وروثة
ويكره في شق وفي مسرب بوله
وبولا بطرق الناس حرم وظلهم
لستر ورخو الأرض للبولة اقصد
برفق وتفريق لأليبك ترشد
ثلاث بمنق طاهر حل فاقصد
وإن لم تطهرك الثلاثة فازدد
وإتباعه بالماء أولى لمقتد
وحي ومطعوم ومحترم حد
ومسك فرجا باليمين فقيد
كذا تحت أشجار بها الثمر أعدد

س29:ما حكم الاقتصار على الماء أو الأحجار؟ وما حكم الجمع بينهما؟
ج: يجوز الاقتصار على أحدهما، لكن الماء أفضل والجمع بين الأحجار والماء أفضل من الماء وحده، لما ورد عن أبي هريرة عن النبي  قال: «نزلت هذه الآية في أهل قباء فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ» قال: «كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وأخرجه البزار في «مسنده» من حديث ابن عباس بلفظ: «نزلت هذه الآية في أهل قباء فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ» فسألهم رسول الله ، فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء.
قال العمريطي:
ويجب استنجاء كل محدث
بالماء أو ثلاثة أحجار
والجمع أولى وليقدم الحجر
من كل رجس خارج ملوث
ينقي بهن موضع الأقذار
والماء أولى وحده إن اقتصر

6- باب السواك
س30: ما حكم السواك؟ وهل وقته محدد؟ وما صفة الاستياك؟
ج: مسنون كل وقت، لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي  قال: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب» رواه أحمد والنسائي وهو للبخاري تعليق، وعن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله  ما لا أحصى يتسوك وهو صائم» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن، وصفة الاستياك أن يستاك بيده اليسرى عرضًا بالنسبة إلى أسنانه طولاً بالنسبة إلى فمه مبتدأ بجانب فمه الأيمن، لما روي أن النبي  قال: «استاكوا عرضًا، وادهنو غبًا، واكتحلوا وترًا».
س31: ما هي المواضع التي يتأكد فيها السواك؟ اذكرها بوضوح.
ج: عند الانتباه من نوم الليل، وعند الوضوء، وعند دخول المنزل، وعند الصلاة، وعند دخول المسجد، وعند تغير الفم.
وعند صلاة أو تغير نكبة
ويستاك عرضًا ثم عند تلاوة
وعند انتباه والوضوء فأكد
بعود منق طاهر غير مفسد

س32: ما هي الأدلة الدالة على تأكد السواك؟
ج: أما الدليل على تأكده عند القيام من نوم الليل، فلما ورد عن حذيفة قال: «كان رسول الله  إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك» رواه الجماعة إلا الترمذي.
وعن عائشة قالت:«كان رسول الله لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ» رواه أبو داود؛ وأما عند تغير الفم، فلأن السواك شرع لإزالة الرائحة؛ وأما عند الوضوء، فلحديث أبي هريرة  عن رسول الله  أنه قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء» أخرجه مالك وأحمد والنسائي، وصححه ابن خزيمة، وذكره البخاري تعليقًا؛ وأما عند الصلاة، فلحديث أبي هريرة عن النبي  قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» رواه الجماعة؛ وأما عند دخول المسجد والمنزل، فلما ورد عن المقداد بن شريح عن أبيه قال: «قلت لعائشة ـ رضي الله عنها ـ بأي شيء كان يبدأ النبي  إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي، والمسجد أولى من البيت.
7- سنن الفطرة
س33: ما هي سنن الفطرة؟ وما دليلها؟
ج: هي المذكورة في حديث أبي هريرة وحديث عائشة؛ أما حديث أبي هريرة، فقال: قال رسول الله : «خمس من الفطرة: الاستحداد، والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار» رواه الجماعة، وعن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن أبي شيبة عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله : «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية،والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء –يعني الاستنجاء-» قال زكريا: قال مصعب: «ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة» رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي.
س34: هل ورد شيء في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة؟

ج: يفعل ذلك كل أسبوع، لما روى البغوي في «مسنده» عن عبدالله بن عمرو بن العاص، أن النبي  -عليه الصلاة والسلام- كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة، ويكره تركه فوق أربعين يومًا، لما ورد عن أنس بن مالك قال: «وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة» رواه مسلم وابن ماجه، ورواه أحمد والترمذي وأبو داود، قالوا: وقت لنا رسول الله –عليه الصلاة والسلام.
س35: بين حكم حلق اللحية والأخذ من الشارب، واذكر ما تستحضره من الأدلة مستقصيًا لها؟
ج: يحرم حلقها وقصها ونتفها وتحريقها. قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ، وقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، وقال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا، وقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله  -عليه الصلاة والسلام-: «جزوا الشوارب ورخوا اللحى خالفوا المجوس» رواه أحمد ومسلم، وعن ابن عمر عن النبي –عليه الصلاة والسلام-: «خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب» متفق عليه.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «اعفوا اللحى وجزوا الشوارب، ولا تشبهوا باليهود والنصارى»، وللبزار عن ابن عباس مرفوعًا: «لا تشبهوا بالأعاجم، اعفوا اللحى»، وروى ابن عمر قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «من تشبه بقوم فهو منهم» وله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى»، وروى عن ابن عمر: «من تشبه بهم حتى يموت حشر معهم»، وعن زيد بن أرقم أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا» رواه أحمد والترمذي والنسائي.
عن ابن عباس قال: «كان رسول الله –عليه الصلاة والسلام- يقص أو يأخذ من شاربه وكان إبراهيم -خليل الرحمن صلوات الله عليه- يفعله» رواه الترمذي.
س36: ما هو القزع؟ وما حكمه؟ وما دليل الحكم؟
ج: هو حلق بعض الرأس وترك بعضه، وحكمه مكروه، لما ورد عن نافع عن ابن عمر قال: «نهى رسول الله –عليه الصلاة والسلام- عن القزع، فقيل لنافع: ما القزع؟ قال: أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضه» متفق عليه، وعن عمر: أن النبي –عليه الصلاة والسلام- رأى صبيًا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك، وقال: «احلقوا كله أو ذروا كله» رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
والحكمة في النهي عن الفزع، قيل: لأنه زي أهل الشرك، وقيل: لأنه زي اليهود، وقيل: لأنه يشوه الخلقة. والله أعلم.
س37: ما حكم نتف الشيب؟ وما حكم تغييره؟ وما دليل الحكم؟
ج: نتف الشيب مكروه، ويكره تغييره بسواد.
أما دليل الأول: فلما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم، ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة ورفعه بها درجة وحط عنه بها خطيئة» رواه أحمد وأبو داود، وعن كعب بن مرة أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة» رواه الترمذي والنسائي.
وأما الدليل على كراهة تغييره بالسواد، فلما ورد عن جابر بن عبدالله
-رضي الله عنهما- قال: جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وكأن رأسه ثغامة، فقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «اذهبوا به إلى بعض نسائه فلتغيره بشيء وجنبوه السواد» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي، وأخرج أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة» وأما تغييره بالحناء والكتم، فمسنون ولا بأس بورس وزعفران، لما ورد عن أبي ذر  قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم» رواه الخمسة، وصححه الترمذي، عن ابن عباس قال: «مر على النبي –عليه الصلاة والسلام- رجل قد خضب بالحناء، فقال: ما أحسن هذا!»، قال: فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم، فقال: «ما أحسن هذا!» ثم مر بآخر قد خضب بالصفرة، فقال: «هذا أحسن من هذا كله» رواه أبو داود.
س38: بين حكم اتخاذ الشعر للرجل، وحكم الختان، واذكر ما فيه من خلاف.
ج: مسنون، لما ورد عن عائشة قالت: «كان شعر النبي –عليه الصلاة والسلام- فوق الوفرة ودون الجمة» رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، وعن أنس بن مالك: «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان يضرب شعره منكبيه»، وفي لفظ: «كان شعره رجلاً ليس بالجعد ولا السبط بين أذنيه وعاتقه» أخرجاه، ولأحمد ومسلم: «كان شعره إلى أنصاف أذنيه».
والختان واجب على الرجال مكرمة في حق النساء وليس بواجب عليهن، وذلك قول كثير من أهل العلم. قال أبو عبدالله: وكان ابن عباس يشدد في أمره، وروي عنه: «لا حج له ولا صلاة» يعني إذا لم يختتن، والدليل على وجوبه ما روي أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال لرجل من أسلم: «ألق عنك شعر الكفر، واختتن» رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة : أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قـال: «اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتـت عليه ثمانون سنة، واختتن بالقدوم» متفق عليه، إلا أن مسلمًا لم يذكر السنين.
وقال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ولأنه من شعائر المسلمين؛ ولأنه لو لم يكن واجبًا لما كشفت له العورة؛ لأن كشف العورة محرم، فلما كشفت له العورة دل على وجوبه.
ويشرع في حق النساء أيضًا، قال أبو عبدالله: وحديث النبي –عليه الصلاة والسلام-: «إذا التقى الختانان وجب الغسل» فيه بيان أن النساء كن يختتن، وحديث عمر: أن ختانة ختنت، فقال: «أبقي منه شيئًا إذا خفضت»، وروى الخلال بإسناده عن شداد بن أوس قال: قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «الختان سُّنة للرجال، ومكرمة للنساء».
وعن جابر بن زيد مثل ذلك موقوفًا، وروي عن النبي –عليه الصلاة والسلام- أنه قال للخافضة: «أشمي ولا تنهكي؛ فإنه أحظى للزوج وأسرى للوجه» والخفض: ختان المرأة، ووقت وجوبه عند البلوغ، لقول ابن عباس: «وكانوا يختنون الرجل حتى يدرك» رواه البخاري، ويسقط الوجوب عمن خاف تلفًا، والختان زمن صغر أفضل إلى التمييز؛ لأنه أسرع برأ لينشأ على أكمل الأحوال. والله أعلم، وصلى الله على محمد.
س39:ما حكم الاكتحال والطيب والأدهان؟واذكر الدليل على ما تقول.
ج: مستحبات، لما ورد عن ابن عباس مرفوعًا: «كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وعن أنس قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «حُبب إليّ من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة» رواه النسائي، وعن أبي هريرة  أن رسول الله  قال: «من عرض عليه ريحان فلا يرده؛ فإنه خفيف المحمل طيب الريح» رواه مسلم؛ وأما الأدهان فروي الخلال بإسناد عن عبدالله بن مغفل قال: نهى رسول الله  عن الترجل إلا غبًا، قال أحمد: معناه يدهن يومًا ويومًا، والترجل: تسريح الشعر ودهنه، فاتخاذ الشعر مسنون، قال في «الفروع»: ويتوجه إلا أن يشق إكرامه؛ ولهذا قال أحمد: هو سُّنة ولو نقوي عليه اتخذناه؛ ولكن له كلفة ومؤنة.
قال الناظم:
وغبًّا تدهن واكتحل موترًا تصب
على كل عين في القوى بإثمد


8- باب النية
س40: ما هي النية؟ وما حكمها؟ ولأي شيء شرعت؟ وأين محلها؟
ج: هي لغةً: القصد، وشرعًا: عزم القلب على فعل العبادة تقربًا إلى الله.
وحكمها: أنها شرط لكل عبادة شرعية غير إزالة خبث وغسل كتابية ومسلمة ممتنعة حل وطء من حيض ونفاس.
وشرعت لتمييز العادة عن العبادة، ولتمييز بعض العبادات عن البعض ومحلها القلب والتلفظ بها بدعة.
س41: ما هي النية المعتبرة في الوضوء والغسل؟ وما حكم ما وقع من الأعمال بدون نية؟ وما دليل الحكم؟
ج: المعتبرة في الوضوء والغسل هي: قصد رفع الحدث أو استباحة ما تحب له الطهارة، وما وقع من الأعمال بدونها غير معتد به، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ .
ومن السُّنة ما ورد عن عمر بن الخطاب  قال: سمعت رسول الله  يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» رواه البخاري ومسلم.
س42: مادةـا معنى استصحاب حكم النية؟ وما استصحاب ذكرها؟ وما حكم كل واحد منهما؟ ومتى يجب الإتيان بها لمريد الطهارة؟ ومتى يسن الإتيان بها؟ اذكر ذلك بوضوح.
ج: استصحاب الحكم: أن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة، واستصحاب ذكرها: أن تكون على باله في جميع العبادة، وحكم استصحاب الحكم واجب وحكم استصحاب الذكر مستحب، ويجب الإتيان بها عند أول واجبات الطهارة، وهو التسمية، وتسن عند أول مسنوناتها إن وجد قبل واجب.
س43: ما هو الوضوء؟ وما الدليل على وجوبه؟ وما هو الحدث؟
ج: الوضوء: استعمال ماء طهور على وجه مخصوص في الأعضاء الأربعة التي هي الوجه واليدين والرأس والرجلين، وسبب وجوب الوضوء الحدث، وهو ما أوجب وضوءًا أو غسلاً.والدليل على وجوب الوضوء قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ الآية.
س44: ما هو الدليل على وجوب التسمية في الوضوء وسقوطها في السهو والجهل؟
ج: أما الدليل على وجوبها مع الذكر: فهو ما ورد عن أبي هريرة عن النبي  قال: «لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، ولأحمد وابن ماجه من حديث سعيد بن زيد مثله.
وأما الدليل على سقوطها بالسهو والجهل، فحديث «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، ومحلها اللسان، وصفتها بسم الله».
9- باب فروض الوضوء وشروطه وصفته وسننه
س45: اذكر ما تستحضره من شروط الوضوء.
ج: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية، واستصحاب حكمها، وانقطاع موجب، واستنجاء واستجمار قبله، وطهورية ماء، وإباحته وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة.
س46: كم فروض الوضوء وما هي؟
ج: فروضه ستة، وهي: غسل الوجه ومنه المضمضمة والاستنشاق، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح جميع الرأس ومنه الأذنان، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب، والموالاة - وتقدم أدلة فروضه.
س47: ما حد الوجه؟ وما حكم غسل ما فيه من شعر في الطهارة الصغرى؟
ج: حده: من منابت شعر الرأس المعتاد غالبًا إلى النازل من اللحيين والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، ويجب غسل ما فيه إن كان خفيفًا والبشرة التي تحته؛ لأنها ترى وإن كان كثيفًا فيجب غسل ظاهره ويسن تخليله؛ لأن كلا من ظاهر الكثيف وما تحت الخفيف تحصل به المواجهة، فوجب غسله.
قال الناظم –رحمه الله-:
ويغسل أيضًا فيه مسترسل اللحا
فما يصف الجسم اغسلنه مع الذي
كباقي شعور الوجه ياذا التأيد
يبين ويجزي غسل بادي الملبد

س48: ما هو الترتيب؟ وما الدليل على فرضيته من الكتاب والسُّنة؟
ج: المراد به كما في الآية الكريمة، أن يغسل وجهه، ثم يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه؛ وأما دليله في الآية قرينة تدل عليه، فإنه أدخل الممسوح بين مغسولين وقطع النظير عن نظيره، والعرب لا تفعل ذلك إلا لفائدة، وهي الترتيب.
ثانيًا: قوله : «ابدأ بما بدأ الله به».
ثالثًا: ما ورد عن عمرو بن عبسة قال: قلت: يا رسول الله، حدثني عن الوضوء، قال: «ما منكم من أحد يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح برأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء» أخرجه مسلم ورواه أحمد، وقال فيه: «ثم يمسح رأسه كما أمره الله، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمر الله»، وفي حديث عبدالله الصنابحي ما يدل على ذلك أيضًا. والله أعلم.
س49: ما هي الموالاة وما دليلها؟
ج: هي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله بزمن معتدل.
قال الناظم:
وسادسها فرض الموالاة وهي أن
تغسل عضوًا والذي قبله ندى

ودليلها ما ورد عن النبي : «أنه رأى رجلاً في قدمه قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره بالإعادة» رواه أحمد وأبو داود.
وعن عمر بن الخطاب أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي ، فقال: «ارجع فتوضأ ثم صلي» رواه أحمد ومسلم، ولم يذكر فتوضأ.
10- صفة الوضوء الكامل والمجزي وأدلتهما
س50: ما هي الصفة الكاملة في الوضوء؟ وما الذي يغسله الأقطع في الوضوء؟
ج: أن ينوي ثم يسمي ويغسل كفيه ثلاثًا، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثًا، ثم يغسل يديه مع المرفقين ثلاثًا، ثم يمسح رأسه مرة واحدة من مقدمه إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يدخل سبابتيه في صماخى أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاثًا ويغسل الأقطع بقية المفروض؛ فإن قطع من المفصل غسل رأس العضد منه، وكذا الأقطع من مفصل كعب يغسل طرف ساق.
قال في مختصر النظم:
ويغسل ما يبقى من الفرض أقطع
ومن مفصل رأسًا لسوق وأعضد
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:30 am


س51: ما هي أدلة الوضوء الكامل؟ اذكرها مستقصيًا لها.
ج: أما النية فتقدم دليلها وكذا التسمية.
وعن عبدالله بن زيد في صفة الوضوء: «ثم أدخل  يده فمضمض واستنشق من كف واحد يفعل ذلك ثلاثًا» متفق عليه.
وعن حمران «أن عثمان  دعا بوضوء فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم غسل يده إلى اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله  توضأ نحو وضوئي هذا» متفق عليه.
وعن عبدالله بن زيد بن عاصم ـ رضي الله عنهما ـ في صفة الوضوء، قال: «ومسح رسول الله  برأسه فأقبل بيديه وأدبر» متفق عليه. وفي لفظ لهما: «بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه».
وعن ابن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ في صفة الوضوء قال: «ثم مسح برأسه، وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه» أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة.
س52: بين صفة الوضوء والمجزي واذكر الدليل على ما تقول.
ج: أن ينوي ثم يسمي، ثم يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه مع الأذنين ويغسل رجليه مع الكعبين مرة مرة، لما ورد عن ابن عباس قال: «توضأ النبي  مرة مرة لم يزد على هذا» رواه البخاري.
س53: ما حكم التثنية في الوضوء؟ وما صفتها؟ وما الدليل على ذلك؟

ج: التثنية أن يغسل كل واحد من الأعضاء الأربعة على مرتين، وحكمها جائزة، لما ورد عن عبدالله بن زيد «أن النبي  توضأ مرتين مرتين» رواه البخاري.
س54: اذكر ما تستحضره من سنن الوضوء مع ذكر الأدلة عليها.
ج: من ذلك الإسباغ في الوضوء، وتخليل الأصابع، والمبالغة في الاستنشاق لغير صائم، والتيامن، والسواك، وغسل الكفين ثلاثًا، والغسلة الثانية والثالثة، وتخليل اللحية الكثيفة؛ أما دليل السواك فتقدم، وأما غسل الكفين قبل الوضوء، فهو ما روى أحمد والنسائي عن أوس بن أوس الثقفي  قال: «رأيت رسول الله  توضأ فاستوكف ثلاثًا» أي غسل كفيه ثلاثًا؛ أما الإسباغ والتخليل والمبالغة لغير الصائم، فمن الأدلة لذلك ما ورد عن لقيط بن صبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء! قال: «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
وعن عائشة قالت: «كان النبي  يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله» متفق عليه.
وأما تخليل اللحية، فهو ما ورد عن عثمان  «أن النبي  كان يخلل لحيته» رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، وصفة تخليل اللحية أن يأخذ كفًا من ماء فيضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة أو من جانبها ويعكرها. وروى أبو داود عن أنس: «أن النبي  كان إذا توضأ أخذ كفًا من ماء فأدخله تحت حنكه، وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل»
قال في «مختصر النظم»:
وبالأيمن ابدأ في الطهارة كلها
وتقديم الاستنشاق والفم سُّنة
وتخليل الشعر الكثيف بلحية
وعند انتعال أو دخول المسجد
وبالغ إذا لم تنو صومك ترشد
وتخليل الرجلين أيضًا مع اليد

11- مقدار الماء في الوضوء والغسل
س55: ما مقدار الماء في الوضوء والغسل؟ وما هو الدليل على ذلك.
ج: مقدار الماء في الوضوء مد، وللغسل صاع إلى خمسة أمداد، لما ورد عن أنس  قال: «كان رسول الله  يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد» متفق عليه، ويكره الإسراف، وهو ما زاد على الثلاث في الوضوء. وتأتي أدلة كراهيته في باب الغسل إن شاء الله.
س56: ما المسنون قوله بعد الفراغ من الوضوء؟
ج: المسنون أن يقول ما ورد عن عمر قال: قال رسول الله : «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» أخرجه مسلم والترمذي، وزاد: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين».
12- باب المسح على الخفين وما في معناهما من الحوائل
س57: ما حكم المسح على الخفين الطاهرين؟ وما دليل الحكم؟
ج: يجوز، لما ورد عن المغيرة بن شعبة قال: «كنت مع النبي  ذات ليلة في مسير فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» فمسح عليهما» متفق عليه.
ولحديث جرير: «أنه بال، ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: نعم، رأيتُ رسول الله  بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه» متفق عليه.
س58: ما حكم المسح على العمامة وخمر النساء؟ وما دليل الحكم؟
ج: يجوز المسح عليهما، لما ورد عن عمرو بن أمية الضمري قال: «رأيت رسول الله  يمسح على عمامته وخفيه» رواه أحمد والبخاري وابن ماجه.
وعن بلال قال: «مسح رسول الله  على الخفين والخمار» رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود.
وفي رواية لأحمد: أن النبي  قال: «امسحوا على الخفين والخمار» ولأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها.
ذكرها ابن المنذر.
س59: بين كم مدة المسح على الخفين والعمامة والخمار؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: أما للمقيم فيوم وليلة، وأما للمسافر فثلاثة أيام بلياليها، لما ورد عن علي بن أبي طالب  قال:
«جعل النبي  ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم – يعني في المسح على الخفين» أخرجه مسلم.
وعن صفوان بن عسال قال:
«كان النبي  يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم» أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له وابن خزيمة وصححاه.
س60: ما مقدار ما يسمح من الخف والعمامة ؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: يمسح أكثر ظاهر قدم خف من أصابعه إلى ساقه دون أسفله وعقبه، لما روى البيهقي في «سننه» «أن النبي صلى الله عليه وسلم مـسح على خفيه وضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاه مسحة واحدة».
وعن علي  قال: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى المسح من أعلاه، ولقد رأيت رسول الله  يمسح على ظاهر خفيه» رواه أبو داود والدارقطني ويمسح أكثر دوائر العمامة. قال في «المختصر»:
ويجزئ في مسح العمامة أكثر
ومسحة أعلى الخف من رأس أصبع
كذلك أعلى الخف لا تتشدد
إلى الساق لأسفل وعقب فأوجد

س61: متى ابتداء مدة المسح فيما تقدم؟ أذكرها بوضوح.
ج: من حدث بعد لبس على طاهر؛ لأن النبي  قال: «يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يومًا وليلة» وقوله: «يمسح المسافر» يعني يستبيح المسح – وإنما يستبيحه من حين الحدث؛ ولأنه عبادة مؤقتة، فاعتبر أول وقتها من جواز فعلها، كالصلاة، وقيل: من المسح بعد الحدث، يُروى ذلك عن عمر . وهو اختيار ابن المنذر لقوله : «يمسح المسافر... إلخ». فجعل اليوم والليلة للمقيم والثلاثة للمسافر كلها مسحًا، ولا يمكن ذلك إلا أن يجعل الابتداء من وقت المسح.
قال في «مختصر النظم»:
وإكمال طهر شرطه قبل لبسه
وقد سن يومًا للمقيم وليلة
ومن حدث من بعد لبس حسابه
لكل وشرط الطهر للجبر بعد
ومبعد أسفار ثلاثًا ليسرد
وقيل المسح الذي بعده ابتدى

س62: إذا لبس خفًا على خف فما الحكم؟
ج: إذا كان قبل الحدث، فالحكم للفوقاني، وإن كان بعد الحدث، فالحكم للتحتاني، وإن لبس خفًا فلم يحدث حتى لبس آخر، مسح على أيهما شاء مسح الفوقاني وإن شاء مسح التحتاني، وإن أحدث ثم لبس الفوقني قبل مسح التحتاني أو بعده، لم يمسح الفوقاني بل ما تحته.
س63: إذا مسح في سفر ثم أقام أو عكس أوشك في ابتدائه، فما الحكم؟
ج: يمسح مسح مقيم؛ لأنه اليقين، وما زاد لم يتحقق شرطه، والأصل عدمه، وإن أحدث ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر:
إن أنت لم تمسح وسافرت محدثًا
وتمم مقيمًا حين تقدم ماسحًا
من الحدث أمسح كالمسافر تهتد
كعكس وشك في ابتداء بأوكد

س64: ما حكم المسح على الجبيرة والجرح؟ وما دليل الحكم؟
ج: يصح المسح عليها في الحدثين إلى حلها، لما روى جابر  قال: خرجنا مع رسول الله  في سفر فأصاب رجل منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله  أخبر بذلك، فقال: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد أو يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود والدارقطني.
س65: اذكر ما تستحضره من الفروق بين الجبيرة والخف؟
ج: أولاً: إن الخفين لا يمسح عليهما إلا في الحدث الأصغر فقط؛ وأما الجبيرة ففي الأكبر والأصغر.
ثانيًا: أن الجبيرة لا توقيت لها.
ثالثًا: أن الجبيرة لا يشترط لها ستر محل الغرض بالاتفاق.
رابعًا: أن الجبيرة تستوعب بالمسح.
خامسًا: أن الجبيرة تختص بالضرورة.
سادسًا: أن المسح عليها عزيمة ودواء وعصابة شد بها رأسه أو غيره ولصوق على جرح أو وجع ونحوه وتضرر بقلعه أو تألمت أصبعه فألقمها مرارة كجبيرة في جواز المسح عليها، ولأنها في معناها. قال الناظم:
ومن يلقم الجرح الدواء ونزعه
مشق فمجهز مسحه في المؤكد

س66: ما الذي يبطل به المسح على الخفين؟ وماذا يعمل إذا وجد ذلك؟
ج: ذكر الناظم منها اثنين وهما المذكوران في بيت:
وإن ظهر المفروض من بعد محدث
أو انقضت الأيام للطهر جدد

والثالث: ما يوجب الغسل؛ فإذا حصل واحد منها استأنف الطهارة.
وقال العمريطي ناظمًا لمبطلات المسح:
ومبطلات المسح بعد صحته
كذلك خلع خفه من رجله
ثلاثة وهي انقضاء مدته
وكل شيء موجب غسله

13- نواقض الوضوء
س67: ما معنى نواقض الوضوء؟
ج: نواقضه: مفسداته، وذلك كالخارج من السبيلين، وكأكل لحم الجزور، وكالنوم الكثير، ومس الفرج باليد، وبما يوجب الغسل، وبالجنون، والسكر، والإغماء، والأدوية المزيلة للعقل، ومسه امرأة بشهوة أو تمسه بها، والردة عن الإسلام –أعاذنا الله منها-.
س68: ما الدليل على أن الخارج من السبيلين ينقض الوضوء؟
ج: ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، فقال رجل من أهل حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ظراط. متفق عليه.
وفي حديث صفوان بن عسال: «لكن من غائط وبول ونوم».
من «مختصر النظم»:
وكل الذي يبدي السبيلان ناقض
ولو طاهرًا مع نادر أو معود

س69: ما الدليل على أن لحم الجزور ينقض الوضوء؟
ج: ما ورد عن جابر بن سمرة، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت» قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم»، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم»، قال: أصلي في مرابض الإبل؟ قال: «لا» رواه أحمد ومسلم.
وعن البراء بن عازب قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: «توضؤوا منها»، وسُئل عن لحوم الغنم، فقال: «لا تتوضؤوا منها» الحديث رواه أحمد وأبو داود، ولا نقض في بقية أجزائها ككبد وقلب وطحال وكرش وشحم وكلية ولسان ورأس وسنام وكوارع ومصران ومرق لحم؛ لأنه ليس بلحم، وقيل: ينقض؛ لأن اللحم يعبر به عن جملة الحيوان، فإن تحريم الخنزير يتناول جملته كذلك هنا، وهذا القول أرجح وأحوط. والله أعلم.
س70: ما هو الدليل على أن النوم اليسير غير ناقض للوضوء، وأن الكثير ناقض؟
ج: ما ورد عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله : «العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وفي حديث صفوان بن عسال: «لكن من غائط وبول ونوم»؛ وأما الدليل على أن النوم اليسير غير ناقض، فهو ما ورجد عن أنس بن مالك قال: «كان أصحاب رسول الله  على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون» أخرجه أبو داود وصححه الدارقطني، وأصله في مسلم.
ولما ورد عن ابن عباس قال: «بت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله  فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة» رواه مسلم.
س71: ما الدليل على أن زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر والأدوية المزيلة للعقل من نواقض الوضوء؟
ج: زوال العقل نوعان: أحدهما: النوم، وتقدم دليله، والنوع الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر أو نحوه، ووجه النقض بهذه؛ لأن المتصف بهذه الصفة أبعد من حس النائم، بدليل أنه لا ينتبه بالانتباه، ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه، فقد ذكر العلماء أن يسيره وكثيره ينقض الوضوء إجماعًا.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه.
س72: ما الدليل على أن مس الفرج الأصلي باليد من دون حائل ينقض الوضوء؟
ج: ما ورد عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله  يقول: «من مس فرجه فليتوضأ» رواه ابن ماجه والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة.
وعن بسرة بنت صفوان أن النبي  قال: «من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ» رواه الخمسة، وصححه الترمذي، قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب.
وعن أبي هريرة أن النبي  قال: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء» رواه الشافعي وأحمد.
وفي رواية له: ليس دونه ستر.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي  قال: «أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ» رواه أحمد، وسواء كان المس بظهر الكف أو بباطنها.
قال الناظم:
وينقض مس الفرج من غير حائل
سواء بظهر الكف أو بطنها قد

س73: ما الدليل على أن مس الرجل المرأة بشهوة من دون حائل وبالعكس ينقض الوضوء؟ اذكر ذلك بوضوح.
ج: استدل القائلون بذلك بقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ؛ وقرئ
(او لمستم النساء). قال ابن مسعود: «القبلة من اللمس وفيها الوضوء» رواه أبو داود، وقيل: لا ينقضي الوضوء لمس المرأة، لما ورد عن إبراهيم التيمي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «أن النبي  كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ» رواه أبو داود والنسائي. قال أبو داود: هو مرسل إبراهيم التيمي، وإبراهيم التيمي لم يسمع عن عائشة، وقال النسائي: ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلاً.
وروي عن عائشة قالت: «فقدت رسول الله  ليلة من الفراش فالتمسته فوضعت يدي على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان» رواه مسلم والترمذي وصححه.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «إن كان رسول الله  ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله» رواه النسائي. وقيل: ينقض مسها مطلقًا، واستدلوا بما استدل به من يرى أنه ينقض مع الشهوة. قال بعض العلماء: وأوسط مذهب يجمع بين هذه الأحاديث مذهب من لا يرى المس ينقض إلا بشهوة.
س74: ما هي الردة؟ وما الدليل على أنها تنقض الوضوء؟
ج: الردة هي الإتيان بما يخرج عن الإسلام نطقًا أو اعتقادًا أو شكًا، فمتى عاود الإسلام لم يصل حتى يتوضأ.
والدليل قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ، وقوله: وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ؛ ولقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: الحدث حدثان: حدث اللسان، وحدث الفرج، وحدث اللسان أشد وفيهما الوضوء. فيدخل في عموم قوله –عليه السلام-: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه.
س75: بما استدل من قال إن تغسيل الميت ينقض الوضوء؟
ج: الدليل: ما روي عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة، فروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميـت بالوضوء، وعن أبي هريرة أقل ما فيه الوضوء، ولا نعلم لهم مخالفًا من الصحابة؛ ولأن الغالب فيه أنه لا يسلم أن تقع يداه على فرج الميت، فكان مظنة ذلك قائمًا مقام حقيقته، كما أقيم النوم مقام الحدث.
وقال أبو الحسن التميمي: لا وضوء فيه، وهذا قول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله؛ لأن الوجوب من الشرع، ولم يرد في هذا نص ولا هو في معنى المنصوص عليه فيبقى على الأصل؛ ولأنه غسل ميت فأشبه غسل الحي، وما روى عن أحمد في هذا يحمل على الاستحباب دون الإيجاب، فإن كلامه يقتضي في نفي الوجوب، فإنه ترك العمل بالحديث المروي عن النبي  «من غسل ميتًا فليغتسل»، وعلل ذلك بأن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة، وإذا لم يوجب الغسل بقول أبي هريرة مع احتمال أن يكون من قول النبي ، فلأن لا يوجب الوضوء بقوله مع عدم ذلك الاحتمال أولى وأحرى. انتهى من «المغني». والله أعلم.
س76: إذا تيقن متطهر الطهارة وشك في الحدث أو تيقن أنه محدث وشك في الطهارة فما الحكم؟ وما الدليل عليه؟
ج: ينبني على يقنيه وهو الطهارة في المسألة الأولى، والحدث في الثانية، لحديث عبدالله بن زيد قال: شكى إلى النبي  الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» متفق عليه.
وعن أبي هريرة  عن النبي  قال: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» رواه مسلم والترمذي.
وإن تيقن الحدث والطهارة وجهل أسبقهما؛ فإن جهل حاله قبلهما تطهر، وإن علم حاله قبلهما فهو عـلى ضـدها؛ فـإن كـان متطهرًا فمحدث وإن كان محدثًا فمتطهر؛ لأنه قد تيقن زوال تـلك الحال إلى ضدها، والأصـل بقاؤه، لأن ما يـغير مشكـوك فلا يلتفت إليه. ومن هذا الحديث أخذت قاعدة: اليقين لا يزول بالشك.
قال الناظم:
فموقن طهر ثم شك وعكسه
فإن شك في سبق فطورًا كعكس ما
لإيقان فعل قد أزال طهارة
على الأصل يبقى نابذًا للتردد
يرى قبل أو مثلاً له الآن مهد
وبالعكس أو حاليهما في الذي ابتد

14- موجبات الغسل
س77: ما هو الغسل؟ وما الأصل في مشروعيته؟ وما موجباته؟
ج: أصله: تعميم البدن بالغسل، وفي الشرع: استعمال ماء طهورًا في جميع بدنه على وجه مخصوص، والأصل في مشروعيته قوله تعالى: وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وموجباته: أحدها: خروج المني دفقًا بلذة من غير نائم، لما ورد عن علي : كنتُ رجلاً مزاء، فسألتُ رسول الله ، فقال: «في المذي الوضوء، وفي المني الغسل» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، ولأحمد فقال: «إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة؛ فإن لم تكن حاذفًا فلا تغتسل».
وعن أم سلمة أن أم سليم قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتملت؟
قال: «نعم إذا رأت الماء»، فقالت أم سلمة: وتحتلم المرأة؟ فقال: «تربت يداك فبما يشبهها ولدها» متفق عليه.
ومن موجباته: التقاء الختانين، لما ورد عن أبي هريرة عن النبي  قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل» متفق عليه ولمسلم وأحمد «وإن لم ينزل»، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله : «إذا قعد بين شعبها الأربع، ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل»، وعن عائشة: أن رجلاً سأل النبي  عن الرجل يجامع ثم يكسل، وعائشة جالسة، فقال: رسول الله : «إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل» رواه مسلم.
قال الناظم يتعلق بالتقاء الختانين ستة عشر حكمًا، فقال:
وتقضي ملاقاة الختان بعده
وتقرير مهر واستباحة أول
وفيئة مول مع زوال لعنة
وإفسادها كفارة في ظهارة
وتحريم أصهار وقطع تتابع الصيام
وحد وغسل مع ثيوبة نهد
وإلحاق أنساب وإحصان معتد
وتقرير تكفير الظهار فعدد
وكون الإما صارت فراشًا لسيد
وحنث الحالف المتشدد

ومن موجباته: إسلام الكافر، لما ورد عن قيس بن عاصم أنه أسلم، فأمره النبي  أن يغتسل بماء وسدر – رواه الخمسة إلا ابن ماجه. وعن أبي هريرة  أن ثمامة بن أُثال أسلم، فقال النبي : «اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل» رواه أحمد.
ومن موجباته: خروج دم الحيض لقوله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ الآية، ولما ورد عن عائشة: أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، فسألت النبي ، فقال: «ذلك عرق وليست بالحيضة؛ فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي» رواه البخاري، وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت: يا رسول الله، إني أشد شعر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ وفي رواية: والحيضة، قال: «لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات» رواه مسلم.
ومن موجبات الغسل: خروج دم النفاس لما ورد عن أبي هريرة وأبي الدرداء قالا: قال رسول الله : «وتنتظر النفساء أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك؛ فإن بلغت أربعين يومًا ولم تر الطهر فلتغسل» رواه ابن عدي.
وقال الترمذي في «سننه»:
وقـد أجمـع أصحـاب رسـول الله  والتابعون ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى لطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي.
ومن موجباته: موت غير شهيد معركة، لما ورد في حديث أم عطية، قالت: دخل علينا رسول الله  ونحن نغسل ابنته، فقال: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر»، وحديث ابن عباس في الذي سقط عن راحلته فمات: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين» متفق عليه.
س78: هل على من احتلم ولم يجد بللاً غسل؟ اذكر الحكم والدليل.
ج: ليس عليه غسل، لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سُئل رسول الله  عن الرجل يجد البلل ولم يذكر احتلامًا، فقال: «يغتسل»، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجدُ البَلَلَ، فقال: «لا غسل عليه»، فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك عليها الغسل؟ قال: «نعم، إنما النساء شقائق الرجال» رواه الخمسة إلا النسائي، ولحديث خولة بنت حكيم أنها سألت النبي  عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال: «ليس عليها حتى تنزل كما أن الرجل ليس عليه حتى ينزل» رواه أحمد والنسائي مختصرًا ولفظة: أنها سألت النبي  عن المرأة تحتلم في منامها، فقال: «إذا رأت الماء فلتغتسل».
15- صفة الغسل الكامل وصفة المجزي
س79: ما صفة الغسل الكامل؟ وما صفة الغسل المجزي؟
ج: صفته أن ينوي، ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثًا وما لوثه، ويتوضأ وضوءًا كاملاً، ويروي رأسه ثلاثًا، ثم يغسل بقية جسده ويتيامن ويدلكه، ويغسل قدميه مكانًا آخر، فهذا الغسل الكامل المشتمل على الواجبات والسنن وصفة الغسل المجزي: أن ينوي، ثم يسمي ويعم بدنه بالغسل مرة.
س80: اذكر دليل كل من الغسل الكامل والمجزي.
ج: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان رسول الله  إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثًا وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده» متفق عليه.
وعن ميمونة بنت الحارث زوج النبي  أنها قالت: «وضعت لرسول الله  وضوء الجنابة فأكفأ بيمينه على يساره مرتين أو ثلاثًا، ثم غسل فرجه، ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه الماء، ثم غسل جسده، ثم تنحى فغسل رجليه، فأتيته بخرقة فلم يردها، فجعل ينفض الماء بيده» متفق عليه؛ وأما دليل الغسل المجزي، فقوله تعالى: وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا، وقوله تعالى: حَتَّى تَغْتَسِلُوا.
16- شروط الغسل وفرضه
س81: اذكر ما تستحضره من شروط الغسل وفرضه؟
ج: يشترط أولاً: النية لحديث «إنما الأعمال بالنيات» الحديث، وتقدم. ثانيًا: الإسلام. ثالثًا: العقل. رابعًا: التمييز. خامسًا: الماء الطهور المباح. سادسًا: إزالة ما يمنع وصوله البشرة، وواجبه: التسمية، وتسقط سهوًا وجهلاً، وتقدم نحوه في الوضوء، وفرضه: تعميم البدن.
س82: ما حكم إيصال الماء في الغسل إلى باطن الشعور؟
ج: يجب في الغسل من الحدث الأكبر لما ورد عن علي  قال: سمعتُ رسول الله  يقول: «من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا»
قال علي: فمن ثم عاديت شعري، رواه أحمد وأبو داود.
وعـن أبي هريـرة رضـي الله عنـه قـال: قـال رسول الله صلى الله عليـه وسـلم : «إن تحت كل شعره جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشرة» رواه أبو داود والترمذي وضعفاه.
وفي «الصحيحين» عن عائشة: «ثم يخلل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده» متفق عليه.
س83: إذا نوى من عليه حدثان أكبر وأصغر رفع الحدث أو أطلق أو نوى رفع الحدثين أو أمر لا يباح إلا بوضوء أو غسل فاغتسل ناويًا ذلك، فما الحكم؟
ج: يجزؤه لقوله تعالى: وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا، وقال: وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا فجعل الغسل في الآية الأولى غاية للمنع من الصلاة، فإذا اغتسل وجب أن لا يمنع منها؛ ولأنهما عبادتان من جنس، فدخلت الصغرى في الكبرى كالعمرة في الحج إذا كان قارنًا، قال ابن عبدالبر: «المغسل إذا عم بدنه ولم يتوضأ فقد أدى ما عليه؛ لأن الله تعالى افترض عليه الغسل، وهذا إجماع لا خلاف فيه، إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبله تأسيًا به ».
قال «مختصر النظم»:
وفي طهرك الأحداث تقديم نية
وإحضارها بالذكر في الكل سُّنة
ويكفيه الاستصحاب حكمًا وقصده
أو الطهر ينوي فعل ما الطهر شرطهُ
ومن ينوي طهرًا مستحبًا وقد نسى
وإن تنوي من أحداثك الفرد أجزأت
وإن تنوي مع غسل وضوءًا تحصلا
ولا بأس بالإسعاد حالة طهره
وعند الفراغ اسم بطرفك شاهدًا
على أول المفروض أوجب وأكد
وندب على المندوب تقديمها اشهد
بقلب لرفع الحادث المتجدد
وما قطعها والشك بعد بمفسد
إذًا حدثًا أجزاه عن حدث زد
لرفعك أحدثًا ذوات تعدد
وما ترك ترتيب بذلك مفسد
ولا يكره التنشيف في المذهب امهد
تلاقي غدًا باب الرضا غير موصد

س84: تكلم عن حكم الوضوء في حق من عليه جنابة إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب، وحكم الوضوء في حق من أراد معاودة الوطء؟
ج: يسن الوضوء لمن أراد ذلك؛ أما الدليل على استحبابه في حق مريد النوم إذا كان جنبًا، فهو ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله  إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة»، وعن ابن عمر قال: يا رسول الله، أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: «نعم إذا توضأ» رواهما الجماعة؛ وأما الدليل على استحبابه في حق الجنب إذا أراد الأكل أو الشرب، فهو ما ورد لأحمد ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان النبي  إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ»، وعن عمار بن ياسر: «أن النبي  رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة» رواه أحمد والترمذي وصححه؛ وأما الدليل على استحبابه في حق من أراد معاودة الوطء، فهو ما ورد عن أبي سعيد عن النبي  قال: «إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ» رواه الجماعة إلا البخاري.
17- الإسراف في الغسل والوضوء
س85: بين حكم الإسراف والغسل والوضوء مقرونًا بالدليل.
ج: مكروه، لما ورد عن عبدالله بن عمر: أن البني  مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف؟» فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جار» رواه ابن ماجه. وعن أبي ابن كعب: أن النبي  قال: «للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء» رواه الترمذي في «جامعه». وفي «سنن الأثرم» من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبدالله قال: «يجزي من الوضوء المد، ومن الغسل من الجنابة الصاع» قال رجل: ما يكفيني، فغضب جابر حتى تربد وجهه، ثم قال: قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرًا.

قال القحطاني:
واحذر وضوءك مُفِرطًا ومفَرطًا
فقليل مالك في وضوئك خدعة
وكثير مائك في وضوئك بدعة
لا تكثرن ولا تقلل واقتصد
فكلاهما في العلم محذوران
التعُودَ صحته إلى البطلان
يدعو إلى الوسواس والهملان
فالقصد والتوفيق مصطحبان


س86: ما حكم لبث الحائض والنفساء بعد انقطاع دمهما في المسجد؟ وما حكم لبث الجنب في المسجد؟ واذكر ما تستحضره من خلاف ودليل أو تعليل.
ج: قيل: إنه يحرم مطلقًا توضؤوا أو لم يتوضؤوا؛ لقوله تعالى: وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ الآية.
وعن عائشة قالت: جاءنا رسول الله  ووجوه بيوت الله أصحابه شارعة في المسجد، فقال: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد»، ثم دخل رسول الله  ولم يصنع القوم شيئًا رجاء أن ينزل فيهم رخصة، فخرج، فقال: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» رواه أبو داود، وعن أم سلمة قالت: دخل رسول الله  صرحة هذا المسجد، فنادى بأعلى صوته: «إن المسجد لا يحل لحائض ولا جنب» رواه ابن ماجه.
والقول الثاني: وهو أرجح، أنه يجوز لهم المكث بعد الوضوء، لما ورد عن عطاء بن يسار، قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله  يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة. ثانيًا: ما ورد عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله  يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبًا فيتوضأ ثم يدخل المسجد فيتحدث، وهذا إشـارة إلى جميعـهم فيكـون جماعًا فيختص به العموم؛ ولأنه إذا توضأ خف حكم الحدث فأشبه التيمم عند عدم الماء، ودليل خفته أمر النبي  الجنب به إذا أراد النوم، واستحبابه لمن أراد الأكل أو الشرب أو معاودة الوطء.
وللجنب الأولى تجنب مسجد
سوى خائف أو ملجأ عن ظهره
ويشرع غسل الفرج ثم وضوءه
وقبل وضوء حرم اللبث واصدد
وكالجنب أنثى بعد قطع الدم اعدد
لعودة وطء أو لأكل ومرقد

18- باب التيمم
س87: ما معنى التيمم لغةً وشرعًا؟ وبأي شيء ثبت؟
ج: هو في اللغة: القصد، قال امرؤ القيس:
تيممت من أذرعات وأهلها
تيممت العين التي عند ضارج
بيثرب أدنى دارها نظر عالي
يفيء عليها الظل عرمضها طامي

وفي الشرع: القصد إلى صعيد طيب لمسح الوجه واليدين منه، وهو بدل طهارة الماء، وهو ثابت بالكتاب والسُّنة والإجماع، وهو من خصائص هذه الأمة.
س88: ما هو الدليل على ذلك من الكتاب والسُّنة؟
ج: قال تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ وعن عمار بن ياسر، قال: بعثني النبي  في حاجة فأجنبت فتمرغت بالصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي  فذكرت ذلك له، فقال: «إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيده الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه» متفق عليه، واللفظ لمسلم. وعن عمران بن حصين قال: كنا مع رسول الله  فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل، فقال: «ما منعك أن تصلي؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: «عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك» متفق عليه.
وأجمعـت الأمة على جوازه في الجمـلة، وأمـا كونه مـن خصائص هذه الأمة، فلما ورد عن حذيفـة قـال: قـال رسـول الله صلى الله عـليه وسلم: «فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء» رواه مسلم.
س89: ماذا يعمل من أدركته الصلاة وعدم الماء؟ أو عجز عن استعماله؟ أو خاف الضرر باستعماله؟
ج: يتيمم، أما من عدم الماء فلقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ وحديث عمار بن ياسر، وحديث عمران بن حصين وتقدما قبل هذا السؤال والجواب.
وأما الدليل عليه عند العجز من مرض أو منع أو لخوف الضرر باستعماله، فحديث جابر المتقدم في باب المسح على الخفين، ومنها حديث عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله  ذكروا ذلك له، فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فقلت: ذكرت قول الله عز وجل: وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فتيممت ثم صليت، فضحك النبي  ولم يقل شيئًا، رواه أحمد وأبو داود والدارقطني، وأخرجه البخاري تعليقًا.
س90: ما الذي يستباح بالتيمم؟
ج: كل ما يستباح بالوضوء والغسل عند عدم الماء أو خوف الضرر باستعماله أو بالعجز عن استعماله للأدلة المتقدمة، ولما ورد عن أبي ذر قال: اجتويت المدينة فأمر لي رسول الله  بإبل، فكنت فيها فأتيت النبي ، فقلت: هلك أبو ذر، قال: «مالك؟» قال: كنت أتعرض للجنابة وليس قربي ماء، فقال: «إن الصعيـد طهور لمن لم يجـد الـمـاء عشر سنين» رواه أحمد وأبو داود والأثرم وهذا لفظه وتقدم قوله: «فـلم تجدوا ماء». وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «الصعيـد وضوء المسلم وإن لم يجد ماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته» رواه البزار وصححه ابن القطان، ولكن صوب الدارقطني إرساله.
س91:بين حكم الصلاة عند عدم الماء والتراب وعند عدم التمكن من استعمالها.
ج: حكم الصلاة صحيحة، لما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فبعث رسول الله  رجالاً في طلبها فوجدوها، فأدركتهم الصلاة وليس معه ماء فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا رسول الله  شكوا ذلك إليه، فأنزل الله عز وجل آية التيمم، رواه الجماعة إلا الترمذي، ولم ينكر النبي  ذلك ولا أمرهم بالإعادة، فدل على أنها غير واجبة؛ ولأن الطهارة شرط فلم تؤخر الصلاة بعدمه كالسترة؛ ولقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وقوله : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
قال في «مختصر النظم»:
وصل لفقد الترب والماء ولا تعد
على المذهب المختار في الكل فاهتد

19- صفةُ التيمم
س92: ما صفة التيمم؟
ج: صفته: أن ينوي ثم يسمي ويضرب الصعيد بيديه، ثم يمسح بها وجهه وكفيه، لما ورد عن عمار بن ياسر أن النبي  قال: «في التيمم ضربة للوجه واليدين» رواه أحمد وأبو داود. وفي لفظ: «أن النبي  أمره بالتيمم للوجه والكفين» روا الترمذي وصححه وتقدم أدلة النية والتسمية في الوضوء والتيمم بدل عنه.
س93: ماذا يعمل من وجد ماء يكفي بعض طهره؟ وما حكم صلاة من صلى بالتيمم في أول الوقت، ثم وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والوقت باق لم يخرج؟
ج: أما الأول فيستعمـل المـاء ويتيمم، قـال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»؛ وأما الثاني فصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه، لما ورد عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا طيبًا، ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما للوضوء والصلاة ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله  فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: «أصبت السنة وأجزأتك صلاتك»، وقال للذي توضأ وأعاد: «لك الأجر مرتين» رواه أبو داود والنسائي وقد روياه أيضًا عن عطاء بن يسار عن النبي .
س94: بين ما الذي يبطل به التيمم؟ واذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: يبطل بمبطل ما تيمم له من الطهارتين، فيبطل عن وضوء بما يبطل الوضوء، وع نغسل بما ينقضه من موجبات الغسل، ويبطل بوجود الماء لعادمه قبل الصلاة؛ وأما في الصلاة، فقيل: يبطل تيممه، وتبطل صلاته لبطلان طهارته، فيتوضأ إن كان محدثًا ويغتسل إن كان جنبًا، ويستقبل الصلاة، لما ورد عن أبي ذر أن رسول الله  قال: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» رواه أحمد والترمذي وصححه، فدل بمفهومه على أنه لا يكون طهورًا عند وجود الماء، ودل بمنطوقه على وجوب إمسامسه جلده عند وجوده؛ ولأنه قدر على استعمال الماء فبطل تيممه كالخارج من الصلاة، وقيل: لا تبطل الصلاة، واحتج القائلون بذلك بأنه وجد المبدل بعد تلبسه بمقصود على استعمال الماء؛ لأن قدرته تتوقف على إبطال الصلاة وهو منهي عن إبطالها بقوله تعالى: وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ، وقال أهل القول الأول: ولا يصح قياسهم؛ فإن الصيام هو البول نفسه، فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه، ولا خلاف في بطلانه، ثم الفرق بينهما أن مدة الصيام تطول فيشق الخروج منه، لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين بخلاف مسألتنا وقولهم: إنه غير قادر غير صحيح؛ فإن الماء قريب وآلتـه صحيحة والموانع منتفية، وقـولهم: إنه منهي عن إبطال الصلاة قلنا: لا يحتاج إلى إبطال الصلاة، بل هي تبطل بزوال الطهارة كما في نظائرها انتهى. وبما يبطل التيمم بزوال عذر مبيح للتيمم كما لو تيمم لمرض فعوفي، أو لبرد فزال، أو جرح تيمم له؛ لأنه ضرورة، فيزول بزوالها.
تنبيه: وفي مسح يد يجب نزع خاتم ليصل التراب إلى محله من اليد ولا يكفي تحريكه بخلاف الماء لقوة سريانه. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
وقال الناظم:
ويبطله ما يبطل الماء مطلقًا
ولا تعد إن صليت ثم وجدته
ورؤية ماء ممكن الأخذ باليد
وإن كنت فيها الغيت في المجود

20- باب إزالة النجاسة
س95: ما هي النجاسة؟ وما أقسامها؟ اذكرها بوضوح.
ج: النجاسة تنقسم إلى قسمين: بالنسبة إلى عينية وحكمية: أما العينية فهي: ما يستقذره ذو الطبع السليم، وعرفًا: كل عين حرم تناولها لذاتها مع إمكانه لا لحرمتها ولا استقذارها ولا لضرر بها في بدن أو عقل ولا تطهر بحال، والقسم الثاني: النجاسة الحكمية: وهي الطارئة على محل طاهر وأقسامها ثلاثة: ثقيلة، ومتوسطة، وخفيفة.
س96: ما مثال النجاسة الثقيلة؟ وما صفة تطهيرها؟ وما دليلها؟
ج: نجاسة الكلب والخنزير، وما تولد منهما أو من أحدهما، وصفة تطهيرها أن يغسل سبع غسلات منقبة إحداها بتراب:
فغسل أذى الخنزير والكلب واجب
وكالترب أشنان وقيل لفقده
إلى السبع في الأول وترب بمفرد
وقيل لما أن حلة الترب يفسد

وأما الدليل: فهو ما ورد عن أبي هريرة مرفوعًا: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا» متفق عليه، ولمسلم: «فليرقه ثم ليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» وإذا ثبت هذا في الكلب، فالخنزير شر منه لنص الشارع على تحريمه وجرمة اقتنائه، فثبت الحكم فيه بطريق التنبيه،
وإنما لم ينص الشارع عليه؛ لأنهم لم يكونوا يعتادونه.
س97: ما مثال النجاسة المتوسطة؟ وما صفة تطهيرها؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: مثالها: البول من غير الغلام الذي لم يأكل الطعام بشهوة، وكدم الحيض، وكل ما عدا الثقيلة والخفيفة، فهو من المتوسطة، وصفة تطهيرها، أن يغسل ما تنجس حتى يجزم بزوالها ولا يضر بقاء لون أو ريح أو هما عجزا، عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ أن النبي  قال: «في دم الحيض يصيب الثوب تحته ثم تقرضه بالماء، ثم تنضحه بالماء ثم تصلي فيه» متفق عليه.
وعن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله، ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، قال: «فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم، ثم صلي فيه»، قالت: يا رسول الله، إن لم يخرج أثره؟ قال: «يكفيك الماء ولا يضرك أثره» رواه أحمد وأبو داود.
س98: إذا خفى موضع نجاسة فما الحكم؟
ج: يغسل الثوب أو البدن حتى يتيقن غسلها، ليخرج من العهدة بيقين، وإن خفيت في صحراء واسعة ونحوها يصلي فيها بلا غسل ولا تحر.
قال الناظم:
وإن يخف تنجيس المعين فاعتمد
من الغسل ما يأتي عليه بأزيد

س99: ما صفة تطهير مثل الفرش الكبار؟ وهل العصر في الغسل للنجاسة معتبر بعد إزالة غير النجاسة؟
ج: أما العصر، فهو معتبر مع الإمكان، ليحصل انفصال الماء عن المحل المتنجس، وإن لم يكن كالزل والبسط الكبار ونحوها مما لا يمكن عصره فبدقها أو دوسها أو تقليبها أو تثقيلها.

قال الناظم:
ونح عن الأجسام عين نجاسة
مع العصران وأتى وإلا بدقة
على حسب الإمكان في كل غسلة
وإن شق قلع اللون أو صرف ريحها
ومن بعد هذا ابتع الماء ترشد
أو العرك أو تجفيف أو قلب اغتدى
ويكفي مرور الماء على الأرض فافتدى
بغسل ليعفى عنهما لا تشدد

س100:ما مثال النجاسة الخفيفة؟ وما صفة تطهيرها؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: مثالها: بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام بشهوة، وصفة تطهيرها غمرها بالماء؛ لحديث أم قيس بنت محصن: «أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله  فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله» رواه الجماعة.
وفي حديث أبي السمح أنه  قال: «يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
وفي حديث أم الفضل أنه  قال: «ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وفي حديث علي أنه  قال: «بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل» قال قتادة: وهذا ما لم يطعما، فإذا طعما غسلاً جميعًا. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن. قال الناظم –رحمه الله-:
وبول الغلام انضحه ما لم يغذه
طعام وبول الطفلة اغسله واعدد
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:33 am


س101: بأي شيء تطهر الأرض ونحوها إذا تنجست بمائع أو بما له جرم وأزيل؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: يجزى في تطهير أرض وصخر وأجرنة وأحواض تنجست بمائع ولو من كلب أو خنزير وما تولد منهما مكاثرتها بالماء حتى يذهب لونها أو ريحها إن لم يعجز، لما ورد عن أنس بن مالك قال: «بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي فقام يبول، فقال أصحاب رسول الله : مه مه، فقال رسول الله : «لا تزرموه» فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله  دعاه، ثم قال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر الله –عز وجل-، والصلاة، وقراءة القرآن»، أو كما قال رسول الله ، قال: فأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء فشنه عليه» متفق عليه؛ لكن ليس للبخاري فيه أن هذه المساجد إلى تمام الأمر بتنزيهما.
س102: بأي شيء يطهر الخف والنعل إذا وطئ بهما الأذى؟ واذكر دليل الحكم.
ج: يطهر بدلكه، لحديث أبي هريرة أن رسول الله  قال: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه، فطهورهما التراب»، وفي لفظ: «فإن التراب له طهور» رواهما أبو داود، وعن أبي سعيد  قال: قال رسول الله : «إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه أذى أو قذرًا فليمسحه وليصل فيهما» أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة. قال بعضهم:
إذا وطئ الإنسان في نعله الأذى
أو الخف يدلك بالتراب ويطهر

س103: إلى كم تنقسم الميتة بالنسبة إلى الطهارة والنجاسة؟
ج: إلى قسمين: طاهرة، وهي ميتة الآدمي والسمك والجراد وما لا نفس له سائلة متولد من طاهر.
والقسم الثاني:
نجسة، وهي ما عدا الطاهرة.
س104: ما الدليل على طهارة ميتة الآدمي من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً عن حذيفة بن اليمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فحاد عنه فاغتسل، ثم جاء فقال: كنت جنبًا، فقال: «إن المسلم لا ينجس» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
وروى الجماعة كلهم نحوه من حديث أبي هريرة، قال البخاري، وقال ابن عباس: «المسلم لا ينجس حيًا ولا ميتًا».
قال صاحب «النظم»:
وتطهير ميت الناس أولى وعضوه
عن أحمد التطهير يختص من هدى

س105: ما الدليل على طهارة ميتة السمك والجراد؟ وضح ذلك.
ج: قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ، وقوله  في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة، واللفظ له وابن خزيمة. ورواه مالك والشافعي وأحمد، ولحديث ابن عمر قال: قال رسول الله : «أحل لنا ميتتان ودمان؛ فأما الميتتان: فالجراد والحوت، وأما الدمان: فالطحال والكبد» أخرجه أحمد وابن ماجه، وعن عبدالله بن أبي أوفى قال: «غزونا مع رسول الله  سبع غزوات نأكل معه الجراد» متفق عليه.
وعن جابر قال: غزونا جيش الخبط، وأميرنا أبو عبيدة، فجُعنا جوعًا شديدًا، فألقى البحر حوتًا ميتًا لم نر مثله يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه، فمر الراكب تحته، فلما قدمنا ذكرنا للنبي ، فقال: «كلوا رزقًا أخرجه الله إليكم وأطعمونا إن كان معكم»، قال: فأرسلنا إلى رسول الله  منه فأكله. متفق عليه.
س106: ما الدليل على طهارة ما لا نفس له سائلة؟
ج: ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «إذا وقع الذباب في شرب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر شفاء» أخرجه البخاري وأبو داود، وزاد: «وإنه يتقى بجناحه
الذي فيه الداء» فهذا نص في الذباب، ثم عدى هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة، كالزنبور والنحلة والعنكبوت ونحوها مما لا دم له سائل، إذ الحكم يعم بعموم علته وينتفي بانتفاء سببه.
س107: ما حكم سؤر الهرة وما دونها؟ وما كان مثلها في الخلقة؟ واذكر دليل الحكم.
ج: حكم سؤر هذه طاهر، لما ورد عن أبي قتادة أن رسول الله  قال في الهرة: «إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم» أخرجه الأربعة وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وعن عائشة عن النبي  «أنه كان يصغي إلى الهرة الإناء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها» رواه الدارقطني، وأما ما كان مثلها أو دونها فيؤخذ حكمه من التعليل للحكم.,
قال في «مختصر النظم»:
وما لا دم فيه يسيل فطاهر
وللبلغم احكم مع رطوبة فرجها
وسؤر لسنور وما دون خلقها
ولا ريب في تنجيس مائع مسكر
وما العفو في الأطفال عما يلامسوا
وكمبهم طين في الشوارع طاهر
وما قيل يعفني عنه فالعفو يا فتى
ولو مات إن طهرته حيًا اهتد
وأبوال مأكول بطهر مؤبد
كعرس وفأر للأراضي مخدد
وما من نجاسات تولد فاشهد
بأيديهم مع قيئهم بمبعد
وإلا فنزر منه عفو بأجود
يخص بتصحيح الصلاة فقيد

س108: ما حكم اللبن، والعرق، واللعاب، والبول، والروث، والمني، والودي، والبيض، والسور، والمخـاط، والدمـع، والمذي من مأكول اللحم؟
ج: ما أكل لحمه ولم يكن أكثر علفه النجاسة فبوله، وروثه، وقيئه، ومذيه، ومنيه، ولبنه وعرقه، ولعابه، ووديه، ومخاطه، ودمعه، وبيضه طاهر.

لما ورد عن أنس «أن رهطًا من عكل أو عرينة قدموا المدينة، فأمر لهم النبي  بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها» الحديث متفق عليه. وقال  لما سُئل عن الصلاة في مرابض الغنم: «صلوا فيها فإنها بركة» رواه أحمد وأبو داود، وعن عمرو بن خارجة قال: «خطبنا رسول الله  بمنى وهو على راحلته ولعابها يسيل على كتفي» رواه أحمد والترمذي وصححه؛ ولأنه  طاف على بعيره، أما الحكم بالمذكورات فبالنص، وأما في غيرها من مأكول اللحم فبالقياس.
وأما الدليل على طهارة عرق الآدمي، ولبنه، ومنيه، والمخلط، والنخامة، والدمع، واللعا، والشعر، والسؤر، فمنها ما تقدم في جواب سؤال سابق، ومنذ لك ما ورد عن عائشة قالت: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله  ثم يصلي فيه» رواه الجماعة إلا البخاري، ولأحمد: «كان رسول الله  يسلت المني من ثوبه بعرق الأذخر، ثم يصلي فيه ويحته من ثوبه يابسًا، ثم يصلي فيه».
وأما الدليل على عرق الآدمي وشعره، فهو ما ورد عن أنس بن مالك «أن أم سليم كانت تبسط للنبي  نطعًا فيقبل عندها على ذلك النطع، فإذا قام أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جعلته في سلك، قال: فلما حضرت أنس بن مـالك الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه» أخرجه البخاري.
وعن عثمان بن عبدالله بن وهب قال: «أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول الله  فكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها بإناء فخضخضت له فشرب منه، فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمراء» رواه البخاري.
وأما الدليل على طهارة النخامة، والبصاق، والريق، والمخلط، والسؤر، ففي حديث صلح الحديبية من رواية مسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم «أن عروة بن مسعود قام عند رسول الله ، وقد رأى ما يصنع به أصحابه ولا يبصق بصاقًا إلا ابتدروه» رواه أحمد.
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله  رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل على الناس، فقال: «ما بال أحدكم مستقبل ربه فيتنخع أمامه، أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه؛ فإن لم يجد فليقل هكذا» ووصف القاسم، فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه ببعض، رواه مسلم، ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة ولا تحت قدمه؛ ولأنه لو كان نجسًا لنجس الفم ونقض الوضوء، ولم ينقل عن أحد من الصحابة  فيما علمنا شيء من ذلك مع عموم البلوى به، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ «أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه رسول الله  فيضع فاه على موضع فيها فيشرب وتتعرق العرق فيأخذه فيضع فاه على موضع فيها» رواه مسلم.
وأما الدلالة على أبن الآدمية فقد تقدم ما يدل على طهارته، ومن ذلك ما ورد عن عائشة قالت: جاءت بنت سهيل، فقالت: يا رسول الله، إنسالمًا مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال، فقال: «أرضعيه تحرمي عليه» رواه مسلم.
س109: ما الذي يعفى عنه من النجاسة؟ أذكره بوضوح.
ج: يعفى في غير مائع ومطعوم عن يسير دم نجس من حيوان طاهر في قول أكثر أهل العلم، وروي عن ابن عباس، وأبي هريرة وغيرهما ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة لوقول عائشة «يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض، ثم ترى فيه قطرة من الدم فتقصعه بريقها –وفي رواية: تبله بريقها- ثم تقصعه بظفرها» رواه أبو داود.
وهذا يدل على العفو؛ لأن الريق لا يطهره ويتنجس به ظفرها وهو إخبار عن دوام الفعل، ومثل هذا لا يخفى عليه ، قد قال العلماء: أن ما بقي في اللحم من الدم معفو عنه؛ لأنه إنما حرم الدم المسفوح ولمشقة
التحرز منه ويعفى عن أثر استجمار بمحمله. والله أعلم.
س110: ما حكم سباع البهائم، والطير، والحمار الأهلي، والبغل منه؟
ج: هذه أجزاؤها وما خرج منها نجس ولا يستثنى منها شيء على المشهور من المذهب، لما ورد عن عبدالله بن عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله  وهو يسأل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» رواه الخمسة، وفي لفظ ابن ماجه ورواية لأحمد: «لم ينجسه شيء ولو كانت طاهرة لم يحده بالقلتين».
وعن سلمة بن الأكوع قال: «لما أمسى اليوم الذي فتحت عليهم فيه خيبرًا أوقدوا نيرانًا، فقال رسول الله : «ما هذه النار، على أي شيء توقدون؟» قالوا: على لحم، قال: «على أي لحم؟» قالوا: على لحم الحمر الإنسية، فقال: «أهريقوها واكسروها»، فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها؟ فقال أو ذاك –وفي لفظ فقال: «اغسلوا»».
وعن أنس قال: «أصبنا من لحم الحمر يعني يوم خيبر، فنادى منادي رسول الله  إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس أو نجس» متفق عليهما.
فهذا نص في الحمر الأنسية وقياس في غيرها مما لا يؤكل بجامع عدم الأكل، والصحيح: أن الحمار والبغل ريقه وعرقه وما خرج من أنفه طاهر، بخلاف بوله وروثه وأجزائه؛ فإنها خبيثة نجسة، قال في «المغني»: والصحيح عندي طهارة البغل والحمار؛ لأن النبي  كان يركبهما ويركبان في زمنه وفي عصر الصحابة، فلو كان نجسًا لبين لهم النبي  ذلك. انتهى. وأيضًا هي أولى من طهارة سؤر الهر الذي ثبت طهارته وعلله  بأنهن من الطوافين عليكم والطوافات ومشقة ملامسة الحمير والبغل أشق من الهر بكثير. والله أعلم.
س111: ما مثال سباع البهائم والطير مما فوق الهر خلقة؟ وما مثال ما لا يؤكل من البهائم؟
ج: مثل الفيل، والبغل، والحمار، والأسد، والنمر، والذئب، والفهد، والكلب، والخنزير، وابن آوى، والدب، والقرد، والسمع والعسبار، وجوارح الطير: كالعقاب، والصقر، والحدأة، والبومة، والنسر، والرخم، وغراب البين والأبقع.
21- باب الحيض
س112: ما هو الحيض؟ وما الأصل في مشروعيته؟ ومن هي المبتدأة؟ وماذا تعمل؟
ج: هو دم وطبيعة وجبلة يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في أوقات معلومة لحكمه تربية الولد، فإذا حملت انصرف ذلك بإذن الله إلى تغذية الولد، ولذلك لا تحيض الحامل إلا نادرًا، فإذا وضعت الولد قلبه الله بحكمته لبنًا يتغذى به الطفل، ولذلك قُلما تحيض المرضع، فإذا خلت المرأة من الحمل والرضاع بقي لا مصرف له فيستقر في مكان، ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة، وقد يزيد وقد ينقص على ما ركبه الله في الطباع؛ ولهذا أمر النبي  ببر الأم ثلاث مرات، وببر الأب واحدة، والأصل فيه قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ.
والمبتدأة هي: التي رأت الدم ولم تكن حاضت، قال في «الاختيارات الفقهية»: ولا يتقدر أقل الحيض ولا أكثره، بل كل ما استقر عادة للمرأة فهو حيض وإن نقص عن يوم أو زاد على الخمسة أو السبعة عشر، ولا حد لأقل سن تحيض فيه المرأة ولا لأكثره ولا لأقل الطهر بين الحيضتين، والمبتدأة تجلس ما تراه من الدم ما لم تصر مستحضاه، وكذلك المنتقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال، فذلك حيض حتى تعلم أنها مستحاضة باستمرار الدم.
قال الناظم:
وعند إمام الوقت تجلس مطلقًا
لظاهر ما يروى بغير تقيد

س113: ما حكم وطء الحائض ومباشرتها؟
ج: محرم، لقوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ الآية. وأما مباشرتها، فتجوز في غير الفرج، وفي الفرج تحرم، لما ورد عن أنس بن مالك أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي  اصنعوا [كذا بالأصل]، فأنزل الله وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ الآية، فقال رسول الله : «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، وفي لفظ: «إلا الجماع» رواه الجماعة إلا البخاري.
س114: ما حكم فعل الصلاة والصوم في حق الحائض؟ وما دليل الحكم؟
ج: يحرم عليها فعل صلاة وصوم؛ لحديث أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله : «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» متفق عليه، وقوله  لفاطمة بنت أبي حبيش: «إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة» رواه البخاري والنسائي وأبو داود، وفي رواية للجماعة إلا ابن ماجه: «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة».
س115: ما الدليل على سقوط وجوب الصلاة دون الصوم عن الحائض؟
ج: ما ورد عن معاذة قالت: سألتُ عائشة، فقلتُ: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: «كان يصيبنا ذلك مع رسول الله  فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» رواه الجماعة.
س116: ما حكم الطواف في حق الحائض وما دليل الحكم؟
ج: يحرم عليها فعل الطواف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة إذا حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري» متفق عليه.
س117: ما حكم الاعتداد بالأشهر في حق من تحيض؟
ج: ممنوع الاعتداد بالأشهر في حق من تحيض؛ لقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ  فأوجب سبحانه العدة بالقروء، وقوله: وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ  شرط في العدة بالأشهر عدم الحيض.
س118: ما حكم الطلاق في وقت الحيض؟ وما دليل الحكم؟
ج: طلاق بدعة محرمة، لما في الطلاق من تطويل العدة، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي ، فسأل عمر رسول الله  عن ذلك، فقال: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء».
من «مختصر النظم» الأشياء التي يمنعها الحيض وما يوجبه الحيض:
ويمنع حيض الخود فعل صلاتها
ودرسًا لقرآن ومسًا لمصحف
وسنة تطليق وعدة أشهر
بلوغًا وغسلاً واعتدادًا به وإن
وإيجابها والصوم ولنقضه قد
وتطواف بيت والدوام بمسجد
ووطئًا بفرج ثم يوجب فاعدد
لوطئكها افهم في الخطأ والتعمد

س119: من المستحاضة؟
ج: هي من يخرج دمها في غير أوانه، وهي تارة يكون لها عادة وتارة يكون لها تمييز، وتارة تكون لا عادة لها ولا تمييز.

س120: بين ماذا تعمل المستحاضة المعتادة؟ بين الحكم مع ذكر الدليل.
ج: تجلس عادتها، لما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله : إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله : «إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي اللاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي» رواه البخاري والنسائي وأبو داود.
وعن عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبدالرحمن ابن عوف شكت إلى رسول الله  الدم، فقال: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي»، فكانت تغتسل عند كل صلاة. رواه أحمد والنسائي، ولقظهما. قال: «فلتنتظر قدر قروئها التي كانت تحيض فلتترك الصلاة، ثم لننظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة».
وعن القاسم عن زينب بنت جحش أنها قالت للنبي  إنها مستحاضة، فقال: «تجلس أيام أقرائها ثم تغتسل وتؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل وتصلي وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتصليهما جميعًا وتغتسل للفجر» رواه النسائي.
وعن أم سلمة أنها استفتت رسول الله  في امرأة تهراق الدم، فقال: رواه الخمسة إلا الترمذي
س121: ماذا تعمل المستحاضة التي لا عادة لها؟ بين الحكم واذكر الدليل.
ج: من لا عادة لها ولها تمييز ترجع إليه، لما ورد عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فقال النبي : «إذا كان دم الحيض فإنه أسود ويعرف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي؛ فإنما هو عرق» رواه أبو داود والنسائي.

س122: ماذا تعمل المستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز؟
ج: ترجع إلى غالب عادات النساء، لحديث حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي  أستفتيه، فقال: «إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي فإذا استنقأت فصلي أربعة وعشرين وصومي وصلي؛ فإن ذلك يجزئك وكذلك فاعلي كل شهر كما تحيض النساء؛ فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلي حين تطهرين وتصلي الظهر والعصر جميعًا، ثم تؤخرين المغرب وتعجين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، قال: وهو أحب الأمرين إليّ» رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وحسنه البخاري.
س123: ما حكم الصفرة والكدرة؟ وكم مدة النفاس؟ وضح ذلك مع الدليل.
ج: الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض، لحديث أم عطية قالت: «كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئًا» رواه البخاري وأبو داود واللفظ له، وأكثر مدة النفاس أربعون يومًا ولا حد لأقله، لحديث أم سلمة قالت: «كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله  أربعين يومًا» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني والحاكم، وله طرق يقوي بعضها بعضًا.
قال الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي  ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي، قال أبو عبيدة: وعلى هذا جماعة الناس، وقال في «الاختيارات الفقهية»: ولا حد لأقل النفاس ولا لأكثره، ولو زاد على الأربعين أو الستين أو السبعين وانقطع فهو نفاس؛ ولكن إن اتصل فهو دم فساد، وحينئذ فالأربعون منتهى الغالب. والله أعلم.
س124: متى يثبت حكم النفاس؟ وإذا تخلل الأربعين نقاء فما الحكم؟
ج: يثبت حكمه بوضع ما تبين فيه خلق إنسان وإن تخلل الأربعين نقاء فهو طهر تغتسل فيه وتصوم وتصلي وتفعل ما يفعل الطاهرات.
س125: ما الفرق بين الحيض والنفاس؟
ج: الفرق الأول: أن النفاس لا تعتد به المفارقة في الحياة، والثاني: أن البلوغ يحصل بالحيض، وأما النفاس فلا يثبت به بل بالإنزال المتقدم عليه وقت الجماع.
قال في «المختصر للنظم»:
وكالحيض فيما قيل حكم نفاسها
سوى في بلوغ سابق وتعدد

22- الأذان والإقامة
س126: ما هو الأذان؟ وما هي الإقامة؟
ج: هو لغة: الإعلام. قال تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، وفي الشرع: إعلام بدخول وقت الصلاة أو قربه لفجر، والإقامة: إعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص فيها.
س127: ما الأصل في مشروعيتهما من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الآية، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ وأما الأدلة من السُّنة، فمنها ما يأتي قريبًا في مواضعه –إن شاء الله-.
س128: في أي وقت كان ابتداء شرعية الأذان؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: قيل: إن أصح ما ورد في تعيين ابتداءه هو أنه عندما قدم المسلمون المدينة، لما ثبت عند البخاري ومسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح، والنسائي من حديث عبدالله بن عمر قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم لبعض: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: اتخذوا قرنًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: ألا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله : «قم يا بلال فناد بالصلاة».
س129: ما حكم الأذان والإقامة؟ وما دليل الحكم؟
ج: فرض كفاية على الرجال المقيمين لللوات الخمس المفروضة والجمعة، لما ورد عن مالك بن الحويرث، أن البني  قال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» متفق عليه، ولما ورد عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله  يقول: «ما من ثلاثة لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان» رواه أحمد.
س130: ماذا يعمل مع أهل بلد تركوهما؟ بين الحكم مقرونًا بالدليل.
ج: يقاتل أحد بلد تركوهما؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، وقد كان الغزاة في أيام النبرة وما بعدها إذا جهلوا حال أهل بلد أو قرية تركوا حربهم حتى يحضر وقت الصلاة؛ فإن سمعوا أذانًا كفوا عنهم، وإن لم يسمعوا قاتلوهم مقاتلة المشركين، ولما ورد عن أنس أن النبي  كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر إلينا؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم، قال: فخرجنا إلى خيبر، فلما انتهينا إليهم ليلاً فلما أصبح ولم يسمع أذانًا ركب وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم نبي الله ، قال: فخرجوا إلينا بملكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا النبي  قالوا: محمد والله محمد، والخميس فلجأوا إلى الحصن، فلما رآهم رسول الله  قال: «الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» متفق عليه.
وعن عصام المزني قال: بعثنا رسول الله  في سرية، فقال: «وإذا رأيتم مسجدًا وسمعتم مؤذنًا فلا تقتلوا أحدًا» رواه الترمذي وأبو داود.

س131: ما صفة الأذان؟ وكم هو من جملة؟ بين ذلك مع ذكر الدليل.
ج: الأذان خمس عشرة جملة في غير الفجر، يكبر أربع تكبيرات، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن محمدًا رسول الله مرتين، وحي على الصلاة مرتين، وحي على الفلاح مرتين، ويقول: الله أكبر مرتين ولا إله إلا الله مرة، ويزيد في الفجر بعد قوله حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم مرتين، فيكون أذان الفجر سبع عشرة جملة.
عن عبدالله بن زيد قال: «لما أجمع رسول الله  أن يضرب بالناقوس وهو كاره له لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم، رجل عليه ثوبان أخضران، وفي يده ناقوس يحمله، قال: فقلت: يا عبدالله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: تدعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله»، قال: ثم استأخر غير بعيد، قال: ثم تقول: إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله  فأخبرته بما رأيت، فقال رسول الله : «إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله» ثم أمر بالتأذين فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله  إلى الصلاة، قال: فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله  نائم، فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر» رواه أحمد.
وعن أنس قال: «أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة» رواه الجماعة، وعن أبي محذورة قال: قلت: يا رسول الله، علمني سُّنة الأذان فعلمه، وقال: «فإن كان صلاة الصبح، قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله» رواه أبو داود وأحمد.
س132: بين معاني ما يلي من الكلمات: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الشفع، الوتر، الترسل، الحدر.
ج: أشهد أن لا إله إلا الله: معناها أعلم أن لا إله إلا الله، وأبين أن لا إله إلا الله؛ ولهذا سميت الشهادة بينة، وقلو الله عز وجل: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ معناه: بين الله ذلك، وأعلم أن لا إله إلا هو، وشهد الشاهد بالحق عند الحاكم معناه بين للحاكم وأعلمه ما عنده من الخير، أشهد أن محمدًا رسول الله معناها أيضًا: أبين وأعلم، والرسول معناه في اللغة: الذي يتابع الأخبار من الذي بعثه، أخذًا من قولهم: جاءت الإبل رسلاً، أي متتابعة. قال الأعشى:
يسقي رياضًا لها قد أصبحت عرضًا
زورًا تجانف عنها القود والرسل

والقود: الخيل، والرسل: الإبل المتتابع. قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، اسم فعل معناه: هلموا إليها وأقبلوا عليها، وعلى هاهنا بمعنى: إلى، أي هلم إلى الصلاة، والحيعلة حكاية. قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، قال الشاعر:
ألا رب طيف منك بات معانقي إلى أن دعا داعي الصباح فحيعلا
ونظيرها في الكلام، البسملة والحوقلة إذا قال بسم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال الشاعر:
لقد بسملت ليلي غداة لقيتها
فياحبذا ذاك الحديث المبسمل

وزاد بعضهم: السبحلة والحمدلة حكاية قول سبحان الله والحمد لله وزاد بعض المتأخرين الطيلقلة والدمعزة حكاية قول القائل أطال اله بقاءك، وأدام عزك، وزاد بعضهم: الجعفلة حكاية قول القائل: جعلت فداك،
الفلاح الفوز والبقاء، أي هلموا إلى العمل الذي يوجب البقاء والخلود في الجنة، وقول الصلاة خير من النوم، يسمى التثويب من ثاب إذا رجع وثوب الداعي إذا كرر ذلك؛ لأن المؤذن دعا إلى الصلاة ثم عاد إليها، ويقال: تاب إليه عقله، أي رجع إليه، وأنشدوا في ذلك:
وكل حي وإن طالت سلامته
يومًا له من دواعي الموت تثويب

الشفع: الزوج، يقال: شفعت الشيء إذا ضممت إليه مثله، والمراد أن يأتي بألفاظه شفعًا وهو مفسر بقوله: مثنى مثنى، قال الحافظ: لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة، فيحمل قوله مثنى على ما سواها. انتهى. فتكون أحاديث تشفيع الأذان وتثنيته مخصصة بالأحاديث التي ذكرت فيها كلمة التوحيد مرة، كحديث عبدالله بن زيد ونحوه؛ الوتر: الفرد وأوترته إذا أفردته؛ الترسل: التمهل، والثاني من قولهم: جاء فلان على رسله؛ والحدر: الإسراع؛ الله أكبر: أي من كل شيء أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو هو بمعنى كبير. والله أعلم.
س133: ما الدليل على أفضلية الأذان من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا الآية. وعن معاوية أن النبي  قال: «إن المؤذنين أطول الناس أعناقًا يوم القيامة» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله : «من أذن محتسبًا سبع سنين كتب له براءة من النار» رواه ابن ماجه، وفي حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري ومسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا».
س134: بين حكم الأذان في حق المسافر، واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: إنه واجب في السفر للجماعة، كما يجب في الحضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بلالاً في السفر، وقال لمالك بن الحويرث ولابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليـؤمكما أكبركما» متفق عليه. وهذا ظاهر في وجوبه؛ ولأنه  وأصحابه لم يكونوا يتركون الأذان في أسفارهم، وقيل: إنه مسنون للمسافر، لما ورد عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله  يقول: «يعجب ربك عز وجل من راعي غنم في شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني فقد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
س135: بين حكم الأذان قبل دخول الوقت، وجلوس المؤذن بعد الأذان. واذكر الخلاف.
ج: لا يجوز قبل الوقت إلا الفجر بعد نصف الليل، لما ورد عن ابن مسعود، أن النبي  قال: «لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره؛ فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم» رواه الجماعة إلا الترمذي، وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله : «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل، هكذا حتى يستطير، هكذا يعني معترضًا» رواه مسلم وأحمد والترمذي، ولفظهما: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال والفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق»، وروى زياد بن الحارث الصدائي قال: «لما كان أول أذن الصبح أمرني النبي  فأذنت فجعلت أقول أقيم يا رسول الله؟ فجعل ينظر إليّ ناحية الشرق، ويقول: «لا حتى إذا طلع الفجر»، نزل فبرز، ثم انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه فتوضأ، فأراد بلال أن يقيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخا صداء قد أذن فهو يقيم» قال فأقمت» رواه أبو داو والترمذي، ويستحب أن لا يؤذن قبل الفجر إلا أن يكون معه مؤذن آخر يؤذن إذا أصبح كفعل بلال وابن أم مكتوم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه إذا لم يكن كذلك لم يحصل الإعلام بالوقت المقصود بالأذان، فإذا كانا مؤذنين حصل الإعلام بالوقت، وقيل: لا يجوز الأذان قبل طلوع الفجر، لمـا روى ابن عمر أن بلالاً أذن قبل الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام، وعن بلال أن رسول الله  قال له: «لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر» هكذا، ومد يديه عرضًا. رواهما أبو داود. ومن حديث أنس عند البخاري وغيره قال: «إن النبي  كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر؛ فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم، فجعل شعار ديار الإسلام الأذان على طلوع الفجر»، وقالت طائفة من أهل الحديث: إذا كان له مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس؛ لأن الأذان قبل الفجر يفوت المقصود من الإعلام بالوقت، لم يجز كبقية الصلوات إلا أن يكون له مؤذنان يحصل إعلام الوقت بأحدهما، ويستحب أن يجلس مؤذن بعد أن أذان صلاة يسن تعجيلها، كمغرب جلسة خفيفة، ثم يقيم الصلاة، لحديث أبي بن كعب مرفوعًا «اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا يفرغ الآكل من طعامه في مهل، ويقضي حاجته في مهل» رواه عبدالله بن أحمد.
وعن جابر أن النبي  قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمقتضى إذا دخل لقضاء حاجته» رواه أبو داود والترمذي.
وكل أذان ليس في الوقت باطل
وبعد أذان المغرب أقعد هنيهة
فأذن لأولاهن ثم أقم لها
وفي موضع التأذين إن يسهلن أقم
بلى بعد نصف الليل للفجر غرد
وإن تشأ جميعًا أو فوائت باعد
وفي باقيات للإقامة أفرد
وفي مغرب بعد الأذان ليقعد

يسيرًا فلا تكره إذًا ركعتين للمصلي بلا خلف على نص أحمد.
س136: ما حكم رفع الصوت بالأذان؟ وما دليل الحكم؟
ج: مسنون، لما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس» رواه الخمسة إلا الترمذي، وعن عبدالله بن عبدالرحمن بن صعصعة عن أبيه أن أبا سعيد الخدري  قال له: «أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة»، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله ، رواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه.
س137: بين حكم ما يلي: التثويب في أذان الفجر بعد الحيعلة، الإسراع في الإقامة، جعل المؤذن أصبعيه في أذنيه، التفاته في الحيعلة يمينًا وشمالاً غير مستدير وكونه على علو، وكونه متطهرًا قائمًا مترسلاً، وكونه أول الوقت, وكون المؤذن عالمًا بالوقت، بصيرًا حسن الصوت.
ج: هذه من المسنونات، لما ورد عن أبي جحيفة  قال: «رأيت بلالاً يؤذن وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنيه» رواه أحمد والترمذي، وصححه. ولابن ماجه «وجعل أصبعيه في أذنيه»، ولأبي داود: «ولوى عنقه لما بلغ حي على الصلاة يمينًا وشمالاً ولم يستدر» وأصله في «الصحيحين»؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤذن إلا متوضئ» رواه الترمذي والبيهقي مرفوعًا من حديث أبي هريرة وموقوفًا عليه، وقال: وهو أصح، وأما كونه على علو، فلأنه أبلغ في الإعلام، وروي عن امرأة من بني النجار قالت: «كان بيتي من أطول البيوت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أستعينك وأستعديك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن» رواه أبو داود؛ وأما كونه مستقبل القبلة، فتقدم حديث أبي جحيفة وما يفهم منه، قال في الشرح: ولا نعلم خلافًا في استحبابه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السُّنة أن يستقبل القبلة بالأذان، وذلك لأن مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة؛ وأما كونه قائمًا، فلما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «قم فأذن» وكان مؤذنوه صلى الله عليه وسلم يؤذنون قيامًا. قال ابن المنذر:
أجمع كل من نحفظ عنه أنه من السُّنة؛ لأنه أبلغ في الأسماع؛ وأما كونه مترسلاً، فلما روى جابر أن النبي  قال لبلال: «إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر» رواه الترمذي وضعفه؛ وأما الدليل على كونه في أول الوقت، لما ورد عن جابر بن سمرة قال: «كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم، ثم لا يقيم حتى يخرج إليه النبي ، فإذا خرج أقام حين يراه» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وأما كونه عالمًا بالوقت فلأمن الخطأ، وليتمكن من الأذان في أوله، وأما كونه بصيرًا، فلأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط، وكره ابن مسعود وبان الزبير أذانه، وكره ابن عباس إقامته؛ وأما كونه صيتًا، فلقوله  لعبدالله بن زيد «ألقه على بلال؛ فإنه أندى صوتًا منك» ولأنه أبلغ في الإعلام؛ وأما التثويب، وهو قول الصلاة خير من النوم مرتين، فلقول بلال «أمرني رسول الله  أن ثوب في الفجر، ونهاي أن أثوب في العشاء» رواه ابن ماجه؛ وأما حدر الإقامة، فلقوله  لبلال: «إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر» رواه أبو داود.
قال في «مختصر النظم»:
على نَشَزِ مُستقبلاً قائمًا فكنْ
وحيعل يمينًا بالتفاتٍ ويسرة
وخذ عن بلالٍ خمس عشرة كلمة
وإن يترسل بالأذان ويحدر
ومن أذن احرصْ أن يقيم مكانهُ
وفي الأذنين الأصبعين فأورد؟
ولا تدر الرجلين والطهر جود
ومن يقم إحدى عشرة ليعدد
الإقامة يظفر بالأحب ويقتدى
وللفجر بالتثويب ثنتين أفرد

س138:من الأولى أن يتولى الأذان والإقامة؟واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يستحب أن يتولاهما واحد، لحديث زياد بن الحارث الصدائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أخا صداء أذن» قال: فأذنت وذلك حين أضاء الفجر، قال: فلما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة فأراد بلال أن يقيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقيم أخو صداء فإن من أذن فهو يقيم» رواه الخمسة إلا النسائي، ولفظه لأحمد.
س139: ما حكم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة؟ وما دليل الحكم؟
ج: يحرم أخذ الأجرة، ويجوز أن يجعل له رزق من بيت المال لعدم متطوع، لما روى عثمان بن أبي العاص قال: قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال: «أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
س140: بين من المقدم عند تشاح المؤذنين؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يقدم أولاً أفضلهما فيه، ثم أفضلهما في دينه وعقله، ثم من يختاره الجيران، ثم قرعة؛ أما دليل الأفضل فيه، فقوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله ابن زيد: «ألقه على بلال فإنه أندى صوتًا» الحديث، وتقدم قريبًا. وقدم أبا محذورة لصوته؛ وأما الدليل على تقديم الأفضل في دينه وعقله عند الاستواء في ذلك، فلما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم» رواه أبو داود وغيره؛ ولأنه إذا قدم بالأفضلية في الصوت فبالأفضلية في ذلك أولى؛ لأن مراعاتهما أولى من مراعاة الصوت؛ لأن الضرر بفقدهما أشد، وأما تقديم من يختاره الجيران على غيره؛ فلأن الأذان لإعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم؛ ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن أعف عن النظر وعن الشبهات؛ وأما كونه يقرع عند التساوي، فلقوله : «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» متفق عليه ولما تشاح الناس في الأذان يوم القادسية أقرع بينهم سعد. قال الناظم:
ومتقن ذا قدمه عند تنازع
ومن يحتسبه فهو أو من الذي
فإن يستووا أقرع كسعد وجوزن
فدين فعقل فانتقا جار مسجد
له رزق بيت المال أو أجر ممدد
أذانًا لأعمى متقن أو مقلد

س141: إذا جمع أو قضى فوائت، فما الحكم؟ وكم يؤذن؟ وكم يقيم؟ وضح ذلك.
ج: حكم الأذان والإقامة مسنون فيؤذن للأولى ويقيم لكل فريضة، لحديث عمرو بن أمية الضمري قال: كنا مع رسول الله  في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس، فاستيقظ ، فقال: «تنحوا عن هذا المكان»، قال: ثم أمر بلال فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح، رواه أبو داود.
ولما ورد عن أبي عبيدة بن عبدالله ابن مسعود عن أبيه «أن المشركين شغلوا النبي  يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء» رواه أحمد والنسائي والترمذي.
ولما روى مسلم عن جابر: «أن النبي  أتى المزدلفة فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين» إلى غير ذلك من الأدلة.
س142: ما المسنون قوله عند سماع الأذان؟ وضحه مع ذكر الدليل.
ج: يسن متابعته سرًا بأن يقول مثل ما يقول المؤذن إلا في قوله حي على الصلاة وحي على الفلاح، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإلا في التثويب فيحوقل أو يقول: صدقت وبررت، لما ورد عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله :
«إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة» رواه مسلم وأبو داود.
وعن أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
وعن جابر بن عبدالله أن رسول الله  قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
ومثل المؤذن قبل إذا ما سمعتهُ
وعند فراغ منه فاسأل وسيلة
وفضل أذان المرء يعلو إمامة
وحوقل إذا حيعل تثابن وترشد
لخير الورى تؤت الشفاعة في غد
وقد قيل بل بالعكس فاختر وجود

23- كتاب الصلاة
س143: ما معنى الصلاة لغةً وشرعًا؟ ولما سميت صلاة؟
ج: هي في اللغة: الدعاء. قال تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، وفي الحديث: «وإن كان صائمًا فليصل». وفي الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وسميت صلاة لاشتمالها على الدعاء، وقيل: لأنها ثانية الشهادتين، كالمصلي من خيل الحلبة، وقيل: لما تتضمن من الخشوع والخشية لله، وقيل: لأن المصلي يتبع من تقدمه.
س144: ما حكم الصلاة؟ وما دليل الحكم من الكتاب والسُّنة؟
ج: تجب وجونب عين على كل مسلم بالغ عاقل إلا حائضًا ونفساء، ودليل الحكم قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ، وقال: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ.

وقال: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا.
ومن السُّنة: ما ورد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي  أنه قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة» الحديث متفق عليه.
وعن طلحة بن عبيدالله أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله  ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ما فرض الله علي من الصلاة، قال: «الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا» الحديث متفق عليه. وأجمع المسلمون على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة.
س145: متى فرضت الصلاة؟ وماذا يلزم من نام عنها أو غفل عنها أو نسيها؟
ج: فرضت ليلة الإسراء، وقيل: بعد البعثة، أي بعثته  بنحو خمس سنين، وقيل: قبل الهجرة بسنة، ويجب على من نسى صلاة أو غفل عنها أن يصلها إذا ذكرها؛ لحديث أنس بن مالك أن النبي  قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» متفق عليه. ولمسلم: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها؛ فإن الله عز وجل يقول: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»، وعن أبي هريرة عن النبي  قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
س146: بين حكم تأخير الصلاة عن وقتها؟ واذكر دليل الحكم.
ج: يحرم تأخير الصلاة عن وقته على القادر على فعلها الذاكر لها إلا لناوي الجمع، لنحو سفر أو مرض؛ لأنه يجب عليه إيقاعها في الوقت، فإذا خرج ولم يأت بها كان تاركًا للواجب، مخالفًا للآمر، ولئلا تفوت فائدة التأقيت؛ وأما الدليل على جوازه للعذر وتحريمه لغير عذر، فحديث أبي قتادة مرفوعًا «ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى»، وقد ورد في تفسير قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ  عن بعض الصحابة أنه تأخيرها عن وقتها. وفي حديث أبي ذر قال: قال رسول الله : «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة» أو قال: «يؤخرونها عن وقتها»، وقال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ قال ابن مسعود إبراهيم: أخروها عن وقتها. وقال سعيد بن المسيب: هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا العصر حتى تغرب الشمس، وقال الأوزاعي عن موسى بن سليمان عن القاسم ابن مخيمرة في هذا الآية: إنما أضاعوا المواقيت ولو كان تركًا كان كفرًا. وقال الأوزاعي عن إبراهيم بن يزيد أن عمر بن عبدالعزيز قرأ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًا قال: لم تكن إضاعتها تركها ولكن أضاعوا الوقت.
س147: ما حكم جحد الصلاة أو تركها تهاونًا وكسلاً؟
ج: ما يخل الجاحد لوجوبها إما أن يكون ممن لا يجهله كمن نشأ بدار الإسلام، فهذا يكفر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله وإجماع الأمة ويصير مرتدًا بغير خلاف نعلمه قاله في المبدع، وإما أن يكون ممن يجهله كمن نشأ ببادية، وكحديث عهد بإسلام عرف وجوبها؛ فإن أصر على الجحد كفر، وإن تركها تهاونًا وكسلاً دعاه إمام أو نائبه إلى فعلها؛ فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله.
س148: كم مدة الاستتابة لجاحد وجوبها وتاركها تهاونًا وكسلاً؟
ج: ثلاثة أيام بلياليها كسائر المرتدين ويضيق عليهما ويدعيان كل وقت صلاة إليها؛ فأن تابا بفعلها مع إقرار الجاحد لوجوبها خلى سبيلهما وإلا ضربت عنقهما، وحيث كفر فإنه يقتل بعد الاستتابة ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرق ولا يسبي له أهل ولا ولد كسائر المرتدين.

قال الشيخ: وتنبغي الإشاعة عنه بتركها حتى يصلي ولا ينبغي السلام عليه ولا إجابة دعوته.
س149: ما هو الدليل على كفر تارك الصلاة من الكتاب والسُّنة؟
ج: قوله تعالى: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ، وقال: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ  وعن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله : «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي، وعن بريدة قال: سمعت رسول الله  يقول: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» رواه الخمسة. وفي الحديث الآخر: «من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله» رواه أحمد بإسناد عن مكحول وهو مرسل جيد. وعن عبدالله بن شقيق قال: «كان أصحاب رسول الله  لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة» رواه الترمذي، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه ذكر الصلاة يومًا، فقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف» رواه أحمد. وقال عمر: «لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة»، وقال علي: «من لم يصل فهو كافر».
على الصلوات الخمس حافظ فإنها
فلا رخصة في تركها ل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:36 am


س151: ما هي المواقيت؟ ومن أين يؤخذ تحديدها وما هو دليلها؟
ج: المواقيت: جمع ميقات، وهو القدر المحدد للفعل من الزمان والمكان ويؤخذ تحديدها من حديث جابر بن عبدالله «أن النبي  جاءه جبريل ظهرًا، فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر، فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاء المغرب، فقال: قم فصله، فصلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء، فقال: قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاء الفجر، فقال: قم فصله، فصلى الفجر حين برق الفجر، ثم جاءه من الغد للظهر، فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاء العصر، فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه المغرب وقتًا واحدًا لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل، أو قال: ثلث الليل، فصلى العشاء، ثم جاء حين أسفر جدًا، فقال: قم فصله، فصلى الفجر، ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت» رواه أحمد والنسائي والترمذي بنحوه، وقال البخاري: هو أصح شيء في المواقيت.
قال العمريطي –رحمه الله- ناظمًا لأوقات الصلوات:
مفروضها خمس فوقت الظهر
إذ صار ظل كل شيء مثله
والعصر يأتي مع مصير ظله
وإن بصر مثليه ظل طارى
وبعده الجواز ما لم تغرب
وفي القديم يلزم امتداده
ثم العشا من بعد حمرة الشفق
والصبح بالفجر الأخير يشرع
من الزوال ينتهي بالعصر
بعد الزوال غير ظل قبله
بعد الزوال زائدًا عن مثله
بعد الزوال فهو الاختياري
وبالغروب جاء وقت المغرب
إلى العشاء والراجح اعتماده
وينتهي إذا بدا فجر صدق
وينتهي بالشمس حين تطلع

25- صلاة الظهر
س152: بين حكم تقديم صلاة الظهر وحكم تأخيرها مقرونًا بالدليل.
ج: يستحب تقديمها إلا في شدة الحر فالتأخير أولى، أما التقديم فدليله: ما ورد عن جابر بن سمرة قال: «كان النبي  يصلي الظهر إذا دحضت الشمس» رواه أحمد ومسلم وابن ماجه وأبو داود، وعن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر في أيام الشتاء وما ندري ما ذهب من النهار أكثر أو ما بقي منه» رواه أحمد، وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها» رواه الترمذي والحاكم وصححاه، وأصله في «الصحيحين»، وأما التأخير في شدة الحر، فلما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم» رواه الجماعة، وعن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل» رواه النسائي وللبخاري نحوه.
وعن أبي ذر قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبرد»، ثم أراد أن يؤذن، فقال له: «أبرد» حتى رأينا فيء التلول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة» متفق عليه.
26- صلاة العصر
س153: ما حكم تعجيل صلاة العصر؟ وما دليل الحكم؟
ج: يستحب تعجيل صلاة العصر، لما في حديث جابر المتقدم قريبًا، ولما ورد عن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة» رواه الجماعة إلا الترمذي، وللبخاري «وبعض العوالي من المدينة على ثلاثة أميال أو نحوه» ولأحمد وأبي داود معنى ذلك، وعن أنس قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، إنما نريد أن ننحر جزورًا لنا وإنا نحب أن تحضرها، قال: «نعم»، فانطلق وانطلقنا معه فوجدونا الجزور لم تنحر، فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس، رواه مسلم. وعن رافع بن خديج قال: «كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ننحر الجزور فتقسم عشر قسم، ثم نطبخ فنأكل لحمه نضيجًا قبل مغيب الشمس» متفق عليه.
س154: ما الدليل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر؟
ج: ما ورد عن علي–عليه السلام-أن النبي  قال يوم الأحزاب: «ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس» متفق عليه، ولمسلم وأبي داود: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر»، وعن علي قال: كنا نراها الفجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي صلاة العصر -يعني الوسطى» رواه عبدالله بن أحمد في مسند أبيه، وعن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر» رواه أحمد والترمذي وصححه، وفي رواية لأحمد أن النبي  قال: «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا أنها العصر»،
وعن البراء عن عازب قال: نزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات وصلة العصر فقرأناها ما شاء الله ونسخاه الله فنزلت: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى، فقال رجل: هي إذًا صلاة العصر، فقال: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله، والله أعلم. رواه مسلم.

27- صلاة المغرب
س155: بين حكم تقديم صلاة المغرب مع الدليل على ما تقول.
ج: يستحب تقديمها إلا ليلة جمع لمن قصدها محرمًا وإلا في الغيم لمن يصلي جماعة، وإلا في الأوفق، فالتأخير في ثلاث هذه الصور أولى فمن أدلة استحباب تقديمها، ما ورد عن سلمة بن الأكوع «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب» رواه الجماعة إلا النسائي، وعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم» رواه أحمد وأبو داود، وعن جابر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها إذا وجبت»، وقال رافع ابن خديج: «كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا، وإنه ليبصر مواقع نبله» متفق عليه.
وعن أنس مثله رواه أبو داود.

28- صلاة العشاء الآخرة
س156: هل الأولى تقديم صلاة العشاء الآخرة أم تأخيرها؟ وضح ذلك.
ج: الأولى التأخير إلى ثلث الليل أو نصفه إلا إذا كان يشق على المأمومين أو بعضهم أو في حال تأخير المغرب حيث جاز التأخير لنحو جمع وتقدم، فمن أدلة استحباب تأخيرها ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه، وعن جابر ابن سمرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء الآخرة» رواه أحمد ومسلم والنسائي، وعن عائشة قالت: «اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة فنادى عمر: نام النساء والصبيان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما ينتظرها غيركم ولم تصلى يومئذ إلا بالمدينة»، ثم قال: «صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل» رواه النسائي.
وعن بريدة الأسلمي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر لعشاء وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها» رواه الجماعة، وعن أنس قال: «أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل، ثم صلى، ثم قال: «قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها» قال أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلة إذ» متفق عليه.
وعن أبي سعيد قال: «انتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بصلاة العشاء حتى ذهب نحو من شطر الليل، قال: فجاء فصلى بنا ثم قال: «خذوا مقاعدكم؛ فإن الناس قد أخذوا مضاجعهم وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذا الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل»» رواه أحمد وأبو داود.
29- صلاة الفجر
س157: بين حكم تعجيل صلاة الفجر، ودليل الحكم.
ج: يستحب تعجليها، لما ورد عن عائشة قالت: «كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينفتلن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس» رواه الجماعة، والبخاري «لا يعرف بعضهم بعضًا»، وعن أنس عن زيد بن ثابت قال: «تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان مقدار ما بينهما؟ قال: قدر خمسين آية» متفق عليه.
وعن أبي مسعود الأنصاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد يسفر، رواه أبو داود، وعن ابن مسعود قال: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها»، ولمسلم: «قبل وقتها بغلس»، ولأحمد والبخاري عن عبدالرحمن بن زيد قال: «خرجت مع عبدالله فقدمنا جميعًا نصلي الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة وتعشى بينهما ثم صلى حين طلع الفجر، قائل يقول قد طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع.
ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هاتين الصلاتين حولنا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء ولا يقدم الناس جميعًا حتى يعتموا وصلاة الفجر هذه الساعة»، وفي حديث جابر: «والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس».
س158: بين وقت الاختيار ووقت الكراهة أو الضرورة.
ج: المغرب وقت الاختيار ما قبل ظهور النجوم وما بعده وقت كراهة، والعصر لها وقت اختيار من خروج وقت الظهر إلى مصير الفي مثليه سوى ظل الزوال وهو آخر وقتها المختار، وقيل: إلى إصفرار الشمس، لما روى ابن عمر أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «وقت العصر ما لم تصفر الشمس» رواه مسلم، وللعشاء الآخرة وقتان: وقت اختيار من مغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل أو نصفه؛ لأن جبريل صلاها بالنبي –عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول، حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين كان ثلث الليل الأول، ثم قال: الوقت فيما بين هذين، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه.
س159: متى يؤمر الصبي بالصلاة؟ ومتى يضرب على تركه؟ وهل الثواب له؟
ج: يؤمر بها لسبع، ويضرب المميز على تركها لعشر، وثواب صلاته له؛ لأنه العامل فهو داخل في عموم «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها»، وكذا أعمال البر كلها.
وأما الدليل: فحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» رواه أحمد وأبو داود.
س160: هل أمر الصبي بالصلاة أمر وجوب وإلزام؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: أمره أمر تمرين واعتياد، لما في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» رواه أحمد، ومثله من رواية علي له ولأبي داود والترمذي، وقال: حديث حسن.
س161: بين ما الذي تدرك به المكتوبة؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: إنها تدرك بتكبيرة الإحرام في الوقت، وقيل: وهو أرجح من القول الأول: بأنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة، لما ورد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» رواه الجماعة، والبخاري: «إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته»، وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها» رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه، والسجدة هنا: الركعة.
قال الناظم:
ومن يأت في وقت بركعة فرضه
وعنه أو التكبير يدركه فاقتد

س162: متى يصل من جهل الوقت ولا يمكنه مشاهدة ما يعرف به الوقت ولا مخبر بيقين، وما الذي يكتفي به في الإخبار عن دخول الوقت؟
ج: يصلي من جهل الوقت إذا غلب على ظنه دخول الوقت بدليل من اجتهاد أو تقدير الزمن بالصنعة أو بالقراءة أو بآلة أو نحو ذلك، مما يدل على دخول الوقت، والذي يكتفى به واحد في الأذان والإخبار عن دخول الوقت، بشرك أن يكون ثقة عارفًا بدخول الوقت؛ لأنه خبر ديني فقبل فيه قول الواحد؛ ولأن الأذان شرع للإعلام بدخول وقت الصلاة، فلو لم يجز تقليد المؤذن لم تحصل الحكمة التي شرع لها الأذان.
س163: إذا أدرك مكلف من أول وقت مكتوبة قدر ما تدك به، ثم طرأ مانع من جنون أو حيض أو نفاس، ثم زال المانع وجد المقتضى للوجوب فما الحكم وما دليله؟
ج: يلزمه قضاء تلك الصلاة؛ لأن الصلاة تجب بدخول الوقت على المكلف وجوبًا مستقرًا ما لم يقم به مانع، فإذا قام به مانع بعد ذلك لم يسقطها فيجب عليه قضاؤها عند زوال المانع، لما في حديث أبي هريرة المتقدم قريبًا وحديث عائشة.
س164: إذا لم يبق من وقت مكتوبة إلا القدر الذي تدرك به، ثم زال ما به من مانع من حيض، ونفاس، وصغر، وجنون، وكفر، ووجد المقتضى للوجوب من بلوغ صبي وطهر حائض ونفساء وإسلام كافر فما الحكم؟
ج: قيل: يجب قضاء تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها؛ فإن كان زوال المانع أو طرو التكليف قبل طلوع الشمس لزمه قضاء الصبح فقط؛ لأن
التي قبلها لا تجمع إليها، وإن كان قبل غروبها لزمه قضاء الظهر والعصر، وإن كان قبل طلوع الفجر لزمه قضاء المغرب والعشاء، لما روى الأثرم وابن المنذر وغيرهما عن عبدالرحمن بن عوف وابن عباس أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة «تصلي المغرب والعشاء، فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر جميعًا» لأن وقت الثانية وقت للأولى في حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه قضاء فرضها، كما يلزمه فرض الثانية، والقول الثاني: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها؛ لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها، فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئًا. وهذا قول الحسن، وعندي أنه أرجح من الأول. والله أعلم.
وإلى الأول أشار الناظم بقوله:
وإن يصح مجنون ويبلغ ذو صبى
قبيل غروب الشمس أو قبل فجرهم
وتطهر من حاضت ويسلم معتد
فإن عليهم فرضى الجمع أكد

س165: إذا اجتهد من اشتبه عليه الوقت وصلى، فما الحكم؟
ج: إن بان أنه وافق الوقت أو ما بعد أجزاء ذلك ولا إعادة عليه؛ لأنه أدى ما خوطب به وفرض عليه وإن وافق ما قبل الوقت لم يجزه عن فرضه؛ لأن المكلف إنما يخاطب بالصلاة عند دخول وقتها، ولم يوجد بعد ذلك ما يزيله ولا ما يبرئ الذمة فيبقى بحاله.
ويجتهد صلى فوافق وقته
وبعد كفى لا قبل بل نفلا اعدد

س166: ما حكم قضاء الفوائت؟ وهل يسقط؟ وهل يجوز التأخير؟
ج: من فاتته صلاة مفروضة لزمه قضاؤها مرتبًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: «هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟» قالوا: يا رسول الله، ما صليتها، فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر، ثم أعاد المغرب. رواه أحمد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقد رأوه قضى الصلاة مرتبًا، كما رأوه يقرأ قبل أن
يركع ويركع قبل أن يسجد، ولوجوب الترتيب بين المجموعتين؛ ولأن القضاء يحكي الأداء ويسقط الترتيب بنسيانه وبخشية خروج وقت اختيار الحاضرة، وقيل: ويسقط بخوف فوت الجماعة اختاره جمع، وقيل: ويسقط الترتيب أيضًا بجهل وجوبه. والله أعلم. ويجب قضاء الفائتة فأكثر على الفور، لحديث «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» متفق عليه. ويسقط الفور عمن عليه فائتة إذا حضر لصلاة عيد فيؤخر الفائتة حتى ينصرف من مصلاه، لئلا يقتدى به، ويسقط عنه الفور إذا تضرر في بدنه أو ماله أو معيشة يحتاجها ويقضيها بحيث لا يتضرر، لقوله تعالى: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ولحديث «لا ضرر ولا ضرار»، ويجوز له تأخير قضاء الفائتة، لغرض صحيح «لفعله صلى الله عليه وسلم بأصحابه لما فاتتهم صلاة الصبح وتحولوا من مكانهم، ثم صلى بهم الصبح» متفق عليه من حديث أبي هريرة، والظاهر أن منهم من فرغ من الوضوء قبل غيره:
والزم قضا ما فات فورًا مرتبًا
ويسقط بالنسيان في كل حالة
وإن يذكرن في الفرض أخرى أتم ذي
إذا لم يفوت وقته أو يجهد
وخشية تفويت الأداء في المؤكد
إذا ضاق وقت واجتزئ في المسدد

30- اجتناب النجاسة
س167: ما الذي يحتوي عليه الشرط السادس؟ وما الذي يُراد به؟
ج: يحتوي على بيان المواضع التي لا تصح الصلاة فيها مطلقًا، وما تصح فيه الصلاة في بعض الأحوال، وما يتعلق بذلك، ومنه يعلم ما تصح فيه الصلاة مطلقًا ويُراد باجتناب النجاسة التي هي شرط من شروط الصلاة طهارة بدن المصلي وثيابه وبقعته.
قال تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وقال: رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا
وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ، وفي «الصحيحين» عن ابن عباس قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: «إنهما ليعذبان وما يُعذَّبان في كبير»، ثم قال: «بلى، إنه كبير؛ أما أحدهما فلا يستبرئ من البول؛ وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»»، وفي حديث أنس: «تنزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه»، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دم الحيض: «يصيب الثوب تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه» متفق عليه، وتقدم حديث الأعرابي في باب إزالة النجاسة وحديث النعلين.
س168: تكلم عن أحكام ما يلي: مصلى حمل نجاسة لا يعفى عنها عالمًا بها، مصلى لاقي النجاسة بثوبه أو بدنه، من صلى بالنجاسة ناسيًا أو جاهلاً، من طين أرضًا نجسة أو فرشها طاهرًا وصلى فيها، من صلى على بساط أو حصر أو نحوه طرفه نجس.
ج: أما من حمل نجاسة لا يعفى عنها أو لاقاها بثوبه أو بدنه فتبطل صلاته لفوات شرطها، وكذا من لاقاها بثوبه أو بدنه لعدم اجتنابه النجاسة، وأما من صلى بالنجاسة ناسيًا أو جاهلاً، فقال في «الاختيارات الفقهية»: ومن صلى بالنجاسة ناسيًا أو جاهلاً فلا إعادة عليه، قاله طائفة من العلماء؛ لأن ما كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد مخطئًا أو ناسيًا، ولا تبطل العبادة به.
وأما من طين أرضًا نجسة أو فرشها طاهرًا فصلاته صحيحة، وأما من صلى على بساط أو حصيرة طرفه نجس، فإن كان ما يصلي عليه طاهرًا فصلاته صحيحة؛ لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة.
س169: تكلم عن أحكام ما يلي: من جبر عظمه، أو خاط جرحه بنجس، من سقط عضو منه أو سن فأعاده، من سقط منه سن فجعل موضعه سن شاة مذكاة، وصل شعر رأس المرأة.
ج: من خاط جرحه أو جبر ساقه أو ذراعه ينجس من خيط أو عظم فجبر وصح لم تلزم إزالته إن خاف الضرر من مرض أو غيره، كما لو خاف التلف؛ لأن حراسة النفس وأطرافها من الضرر واجب وهو أهم من رعاية شرط الصلاة؛ ولهذا لا يلزمه شراء سترة ولا ماء للوضوء بزيادة كثيرة على ثمن المثل، فإذا جاز ترك شرط مجمع عليه لحفظ ماله، فترك شرط مختلف فيه لأجل بدنه بطريق الأولى، وإن لم يخف ضررًا بإزالته لزمته إزالته؛ لأنه قادر على إزالته من غير ضرر، وما سقط من عضو أو سن فأعاده أو لم يعده فهو طاهر؛ لأن ما أبين من حي فهو كميتته وميتة الآدمي طاهرة، وإن جعل موضع سنه سن شاة مذكاة فصلاته معه صحيحة ثبت أو لم يثبت، ووصل المرأة شعرها بشعر حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواصلة والموصولة» متفق عليه.
وجابر عظم والمخيط جرحه
وساقط سن الآدمي وعضوه
ينجس يخاف الضر بالقلع خلد
كميتته طهر وعنه لمن هدى

س170: بين حكم الصلاة فيما يلي: الحش، المقبرة، الحمام، أعطان الإبل، الأماكن النجسة، الفريضة في الكعبة، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: لا تصح الصلاة فيها، لما ورد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» رواه الخمسة إلا النسائي، وقال صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تصلوا إلى القبور»؛ وأما معاطن الإبل، فلما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في مرابض الإبل» رواه أحمد والترمذي؛ وأما الحش فبطريق التثنية عليه بالنهي عن المقبرة والحمام؛ لأن احتمال النجاسة فيه أكثر وأغلب؛ ولأنه
لما ورد النهي عن الكلام حال قضاء الحاجة كان المنع من الصلاة في المواضع المعدة لقضاء الحاجة أولى؛ وأما الأماكن النجسة، فلأن طهارة البقعة شرط من شروط الصلاة، ويستثنى مما تقدم جواز الصلاة على الجنازة في المقبرة، وأما الفريضة في الكعبة فلا تصح؛ لأنه يكون مستدبرًا لبعضها، قال في «الاختيارات الفقهية»: ولا تصح الفريضة في الكعبة، بل الناقلة، وهو ظاهر مذهب أحمد؛ وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في البيت الحرام، فإنها كانت تطوعًا فلا يلحق به الفرض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى داخل البيت ركعتين، ثم قال: «هذه القبلة»، فيشبه -والله أعلم- أن يكون ذكره لهذا الكلام في عقيب الصلاة خارج البيت بيانًا؛ لأن القبلة المأمور باستقبالها هي البنية كلها، لئلا يتوهم متوهم أن استقبال بعضها كاف في الغرض؛ لأجل أنه صلى التطوع في البيت، وإلا فقد علم الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة، فلابد لهذا الكلام من فائدة، وعلم شيء قد يخفى ويقع في محل الشبهة، وابن عباس راوي الحديث فهم منه هذا المعنى، وهو أعلم بمعنى ما سمع. انتهى.
س171: ما حكم صلاة من حمل محدثًا، وحكم الصلاة على مركوب نجس.
ج: الصلاة صحيحة، أما دليل المسألة الأولى، فهو ما ورد عن أبي قتادة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينت إذا ركع وضعها وإذا قام حملها» متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال: «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما أخذًا رفيقًا ثم أقعدهما على فخذيه، قال: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، ردهما، فبرقت برقه، فقال لهما: «إلحقا بأمكما» فمكث ضوءهما حتى دخلا» رواه أحمد. وأما الدليل على جواز الصلاة على مركوب نجس أو قد أصابته نجاسة، فلما ورد عن
ابن عمر قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر» رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وعن أنس «أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو راكب إلى خيبر والقبلة خلفه» رواه النسائي.
س172: بين حكم الصلاة على ما يلي: الفراء، البسط، الحصر، ونحو ذلك.
ج: الصلاة صحيحة، لما ورد عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على بساط» رواه أحمد وابن ماجه، وعن أنس بن مالك  «أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه، ثم قال: «قوموا فلأصلي لكم»، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثم انصرف» متفق عليه، وعن المغيرة بن شعبة، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصيرة والفروة المدبوغة» رواه أحمد وأبو داود، وعن أبي الدرداء قال: «ما أبالي لو صليت على خمس طنافس» رواه البخاري في «تاريخه».
س173: ما حكم الصلاة في التعليق؟ وما دليل الحكم؟
ج: مستحبة لما ورد عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم» رواه أبو داود، وعن أبي مسلمة سعيد بن زيد قال: «سألنا أنسًا أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم» متفق عليه. وقد أخرج أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر؛ فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما»، ولحديث أبي سعيد الخدري «فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلع الناس نعالهم، فلما قضى صلاته قال: «ما حملكم على إلقاء نعالكم؟» قالوا: رأيناك ألقيت نعلك فألقينا نعالنا، قال: «إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا»» رواه أبو داود.
قال بعضهم:
ويندب للمرء الصلاة بنعله
فكن تابعًا خير الورى ومخالفًا
لما جاء في نص الحديث المسدد
يهود لتظفر بالفلاح المؤبد

31- باب ستر العورة وأحكام اللباس
س174: ما هي العورة؟ وما الدليل على أن سترها شرط من شروط الصلاة؟
ج: العورة لغةً: النقصان والشيء المستقبح، وشرعًا: القبل والدبر وكل ما يستحيا منه، والدليل على ذلك قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه ابن خزيمة.
وعن سلمة بن الأكوع قال: «قلت: يا رسول الله، إني أكون في الصيد وأصلي في القميص الواحد، قال: «نعم»، وأزرره ولو بشوكة» صححه الترمذي، وحكى ابن عبدالبر الإجماع على فساد صلاة من صلى عريانًا وهو قادر على الاستتار، وعن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم» رواه أحمد وأبو داود.
س175: ما حد عورة الرجل، والأمة، وأم الولد، والمعتق بعضها؟
ج: حدها من السرة إلى الركبة، لما ورد عن علي  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت» رواه أبو داود وابن ماجه، وعن محمد بن جحش قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر وفخذاه مكشوفتان، فقال: «يا معمر، غط فخذك فإن الفخذ عورة»» رواه أحمد والبخاري في «تاريخه».
وعن جرهد الأسلمي قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليّ بردة وقد انكشف فخذي، فقال: «غط فخذك؛ فإن الفخذ عورة» رواه مالك
في «الموطأ»، وأحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حسن، عن أبي موسى: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدًا في مكان فيه ماء فكشف عن ركبته أو ركبتيه، فلما دخل عثمان غطاها» رواه البخاري.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا قال: «إذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته؛ فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة» رواه أحمد وأبو داود.
س176: بين حد عورة الحرة البالغة مع ذكر الدليل.
ج: كلها الحرة البالغة عورة في الصلاة إلا وجهها، لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» رواه الخمسة إلا النسائي.
وعن أم سلمة: «أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال: «إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها»» رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: المرأة عورة رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
س177: بين حكم الصلاة في ثوب واحد وفي ثوبين، واذكر الدليل.
ج: أما الصلاة في ثوب واحد فصحيحة، وليس في ثوبين، لما ورد عن أبي هريرة  أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد، فقال: «أو لكلكم ثوبان» رواه الجماعة إلا الترمذي، وعن جابر «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- صلى في ثوب واحد متوشحًا به» متفق عليه؛ وأما الدليل على استحباب الصلاة في ثوبين، فلما روي ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: قال عمر : «إذا كان لأحدكم ثوبين فليصل فيهما؛ فإن لم يكن له إلا ثوب واحد فليتزر به» رواه أبو داود، وعن عمر أنه قال: «إذا وسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل ورداء في سراويل وقميص».
س178: بين معاني ما يلي من الكلمات وحكمهن واذكر الدليل على ذلك: اشتمال الصماء، السدل، التلثم في الصلاة.
ج: اشتمال الصماء هي: أن يضطبع بالثوب عليه غيره، والسدل لغةً: إرخاء الثوب، واصطلاحًا: أن يطرح ثوبًا على كتفيه ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى، واللثام: ما كان على الفم من النقاب، والتلثم: شد اللثام أو الثوب على أنفه أو فمه وكلهاتكره في حق المصلي، لما ورد عن أبي هريرة  قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء» متفق عليه.
وفي لفظ لأحمد: «نهى عن لبستين: أن يحتبي أحدكم في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء، وأن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بطرفيه على عاتقيه»، وعن أبي سعيد: «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء» رواه الجماعة إلا الترمذي؛ فإنه رواه في حديث أبي هريرة.
وللبخاري «نهى عن لبستين، واللبستان اشتمال الصماء، والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب واللبسة الأخرى احتباؤه بثوب وهو جالس ليس على فرجه منه شيء».
وعن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه» رواه أبو داود، ولأحمد والترمذي «نهى عن السدل»، ولابن ماجه «النهي عن تغطية الفم».
س179: بين حكم استعمال الحرير، والمنسوج بالذهب أو الفضة في حق الذكور.
ج: يحرم على ذكر استعمال ما كله حرير، وكذا ما غالبه ظهورًا حرير إلا لضرورة أو حكة أو مرض أو حرب أو كان حشوًا أو علمًا أربع أصابع مضمومة فما دون، أو كان رقاعًا أو لبنة جيب وسجف فراء.
ويحرم استعمال منسوج بذهب أو فضة أو مموه بذهب أو فضة قبل استحالته غير ما يأتي في الزكاة؛ وأما الدليل: فهو ما ورد عن أبي موسى أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
وعن عمر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تلبسوا الحرير؛ فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة» متفق عليهما، ومن أدلة جوازه للنساء دون الرجال ما ورد عن علي –عليه السلام- قال: «أهديت إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- حلة سيراء فبعث بها إليّ فلبستها فعرفت الغضب في وجهه، فقال: «إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشقها خمرًا بين النساء»» متفق عليه.
وأما الدليل مع ما تقدم على تحريم الجلوس عليه، فهو ما ورد عن حذيفة قال: «نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه» رواه البخاري.
س180: ما الدليل على تحريم افتراش الحرير وإباحة اليسير منه؟
ج: ما ورد عن علي قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على المياثر، والمياثر: قسى كانت تصنعه النساء لبعولتهن على الرجل كالقطائف من الأرجوان» رواه مسلم والنسائي، وتقدم حديث حذيفة.
وأما الدليل على إباحة اليسير منه، فهو ما ورد عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعيه الوسطى والسبابة وضمهما» متفق عليه.
وفي لفظ: «نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربعة» رواه الجماعة إلا البخاري، وزاد فيه أحمد وأبو داود: «وأشار بكفه شبر من ديباج كسرواني وفرجيها مكفوفين به، فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسها كانت عند عائشة، فلما قبضت عائشة قبضتها إلي فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها» رواه أحمد ومسلم، ولم يذكر لفظ الشبر.
وعن ابن عباس: «إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من قز». وقال ابن عباس: «أما السدى واللحم فلا نرى به بأسًا» رواه أحمد وأبو داود.
س181: ما الدليل على جواز لبس الحرير للضورة، والحكة، والمرض والحرب؟
ج: ما ورد عن أنس «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- رخص لعبدالرحمن ابن عوف والزبير في لبس الحرير في غزاة لحكة كانت بينهما» رواه الجماعة، إلا أن لفظ الترمذي: «أن عبدالرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى رسول الله –عليه الصلاة والسلام القمل، فرخص لهما في قميص الحرير في غزاة لهما» وما ثبت في حق صحابي يثبت في حق غيره، إذ لا دليل على اختصاصه، وقيس على القمل غيره مما يحتاج فيه إلى لبس الحرير.
وأما الدليل على جوازه في حال الحرب إذا تراءى الجمعان، فلأن المنع من لبسه لما فيه من الخيلاء وهو غير مذموم في الحرب، لما ورد عن جابر بن عتيك، أن النبي –عليه الصلاة والسلام قال: «إن من الغيرة ما يحب الله، ومن الغير ما يبغض الله، وإن من الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله؛ فأما الغيرة التي يحبها الله: فالغيرة في الريبة؛ وأما الغيرة التي يبغض الله: فالغيرة في غير الريبة، والخيلاء التي يحبها الله: فاختيال الرجل بنفسه عند القتال، واختياله عند الصدقة، والخيلاء التي يبغض الله: فاختيال الرجل في الفخر والبغي» رواه أحمد وأبو داود.
س182: بين حكم لبس ما يلي من الثياب مقرونًا بالدليل: المعصفر، المزعفر، الأبيض، الأخضر، الأسود.
ج: المعصفر والمزعفر مكروهان، لما ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: «رأى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين، فقال: «هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها»» رواه أحمد ومسلم والنسائي، وعن علي قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب، وعن لباس القسي، وعن القراءة في الركوع والسجود، وعن لباس المعصفر» رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه؛ وأما الدليل على كراهة المزعفر، ففي حديث أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل» متفق عليه؛ وأما الأبيض من الثياب فمستحب لبسه، لما ورد عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحسن ما زرتم الله عز وجل في قبوركم ومساجدكم البياض» رواه ابن ماجه.
وأما الأخضر والأسود فيباح لبسهما، لما ورد عن أبي رمثة قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وليس مرط مرحل من شعر أسود» رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه. وفي «صحيح البخاري» عن أم خالد «أن البني صلى الله عليه وسلم ألبسها خميصة سوداء».
س183: بين حكم استعمال ما فيه صورة من الثياب وغيرها ودليل الحكم.
ج: يحرم لبس ما فيه صورة من ذوات الأرواح ويحرم تعليقه وستر جدر به، لما ورد عن عائشة «أنها نصبت سترًا وفيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعه، قالت: فقطعته وسادتين فكان يرتفق عليهما» متفق عليه، وعن طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة أو كلب» متفق عليه، وعن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك في بيته تصاليب إلا نقضه» رواه البخاري.
32- حكم التصوير
س184: ما حكم تصوير ذوات الأرواح، وما دليل الحكم؟
ج: محرم، وهو كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأنه مضاهاة بخلق الله. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا قال عكرمة: هم الذين يصنعون الصور، وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلقُ كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة » أخرجاه ولهما عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذي يضاهون بخلق الله» ولهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم» ولهما عنه مرفوعًا: «من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ»، ولمسلم عن أبي الهياج قال: قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته، وعن عبدالله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون».
س185: بين حكم تشبه الرجل بالمرأة وبالعكس واذكر دليل الحكم.
ج: محرم، لما ورد عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبس المرأة، والمرأة تلبس لبس الرجل» رواه أحمد وأبو داود، ولما أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء» وأخرج أبو داود عن عائشة أنها قالت: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء».
س186: ما الأشياء التي يحرم الإسبال فيها؟ بينها مع ذكر الدليل.
ج: يحرم الإسبال في الثوب والإزار والقميص والعمامة خيلاء، إلا في الحرب فيباح؛ أما دليل التحريم، فلما ورد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقال أبو بكر: إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال: «إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء» رواه الجماعة، إلا أن مسلمًا وابن ماجه والترمذي لم يذكروا قصة أبي بكر، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئًا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» رواه أبو داود والنسائي، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر اله إلى من جر إزاره بطرًا» متفق عليه، ولأحمد والبخاري: «ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار»؛ وأما الدليل على جوازه في الحرب، فحديث جابر المتقدم في جواب سؤال سابق، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة لما رآه يختال عند القتال: «إن هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن».
س187: ما حكم لبس ثوب الشهرة والثوب الجميل؟ واذكر الدليل لما تقول.
ج: أما ثوب الشهرة فيحرم؛ لما ورد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه؛ وأما الجميل فجائز لبسه، لما ورد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر»، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يرى ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس» رواه أحمد ومسلم.
س188: ما حكم التواضع في اللباس؟ وماذا يقول من استجد ثوبًا؟
ج: التواضع في اللباس مستحب، لما ورد عن سهل بن معاذ الجهني
عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من ترك أن يلبس صالح الثياب وهو يقدر عليه تواضعًا لله عز وجل دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حلل الإيمان أيتهن شاء» رواه أحمد والترمذي، وعن أبي أمامة إياس ابن ثعلبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تسمعون؟ ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان إن البذاذة من الإيمان» رواه أبو داود، ويقول: «من استجد ثوبًا»، ما ورد عن أبي سعيد قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبًا سماه باسمه عمامة أو قميصًا أو رداءً، ثم يقول: «اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له»» رواه الترمذي.
تنبيه
قال في «شرح المنتهى»: يسن أن يأتزر الرجل فوق سرته ويشد سراويله فوقها، وسعة كم قميص المرأة يسيرًا وقصره وطول كم قميص الرجل من أصابعه قليلاً دون سعته كثيرًا فلا تتأذى اليد بحر ولا برد ولا تمنعها خفة الحركة والبطش، ويباح ثوب من صوف ووبر وشعر من حيوان ظاهر، ويكره رقيق يصف البشرة وخلاف زي أهل بلده بلا عذر ومزرية وكثرة الارفاه، وزي أهل الشرك وثوب شهرة ما يشتهر به عند الناس ويشار إليه بالأصابع، لئلا يحملهم على غيبته فليشاركهم في الإثم، ويباح لبس السواد والقباء حتى للنساء. انتهى باختصار. وصلى الله على محمد وآله وسلم.
ومما يتعلق بهذا الشرط أي ستر العورة:
وسترة عورات بما ليس واصفًا
وما بين سرات الذكور وركبة
وعنه سوى الفرجين ليس بعورة
ومن أمة ما ليس يظهر غالبًا
وهذا لتصحيح الصلاة وإن تخف
وكل سوى وجه الحرائر عورة
وكالأمة اجعل من تراهق حرة
وحظر تعاطي الكشف حتى لنزرها
ويكفي احتمال لا حقيقة رؤية
ويكره ستر الوجه فيه وأنفه
وما يشبه الزنار يكره مطلقًا
ويحرم جر اللبس للخيلاء من
وما بين نصف الساق والكعب سنة
ويحرم تصوير لحى ولبسه
ويكره ما فيه صليب مصور
وابريسما صوفًا أو لغالب احضرن
سوى علم كالكف غير مزيد
وما غالب منه المباح محلل
ولكن أبح لبس الحرير لحكة
وجيب وسجف والرقاع مباحة
ويكره قاني حمرة ومعصفر
ولا بأس في لبس السواد وأحمر
لجلدك لا للحجم شرط التعبد
ومشكل خنثى عورة لهما احدد
وهذا المقوى في الحديث المسدد
وقبل كعورات الذكور كما ابتدى
بها فتنة تستر على نص أحمد
وعنه وكفيها ككعب بأبعد
كذا من حوت تبعيض عتق مؤبد
لغير طبيب أو ختان مؤكد
ورأى المصلى فرجه مثل أبعد
وستر فم أو لف كم على اليد
ولا بأس في شد الإزار لِسُجد
فتى مطلقًا بل في الصلاة فأكد
ويكره منها هابط مع مصعد
وتعليقه لا فرشه مع توسد
وهذا جميع للرجال ونهد
للبس ذكور أو فراش ومسند
وقال أبو بكر ولو رقم عسجد
ولا تعتبر غير الظهور المجرد
برد وسقم ثم في حرب جحد
وحشو به أو في الضرورة عدد
وما زعفروا أو شبه لبس النهد
وصوف وكتان وبالأبيض ارتد

33- استقبال القبلة
س189: ما الدليل على أن استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح بدونه لعاجز ومعذور ومتنفل راكب سائر في سفر أو في صلاة خوف إذا اشتد الخوف؟
ج: الدليل قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وفي حديث المسيء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة»، وعن عمر قال: «بينما الناس بقباء إذ جاءهم آت، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة» متفق عليه.
س190: بين دليل كل صورة من الصور التي تصح فيها الصلاة إلى غير القبلة.
ج: أما دليل صحة صلاة المعذور والعاجز، فقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ وأما الدليل على صحة صلاة الخوف إلى غير القبلة، فهو ما ورد عن ابن عمر «أنه كان إذا سُئل عن صلاة الخوف وصفها، ثم قال: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قيامًا على أقدامهم وركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها» قال نافع: ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري.
وأما الدليل على صحة صلاة النافلة إلى غير القبلة، فلما ورد عن ابن عمر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يسبح على راحلته قبل أي وجهة توجهه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة»، وفي رواية: «كان يصلي على راحلته وهو مقيل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به وفيه نزلت فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه، وعن جابر قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو على راحلته النوافل في كل جهة ولكن يخفض السجود من الركوع ويومئ إيماء» رواه أحمد، وفي لفظ: «بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع» رواه أبو داود والترمذي وصححه، وأخرجه البخاري عن جابر بلفظ: «كان يصلي التطوع وهو راكب»، وفي لفظ: «كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة»، وعن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعًا استقبل القبلة فكبر للصلاة ثم خلى عن راحلته فصلى حيث ما توجهت به» رواه أحمد وأبو داود.
س191:ما فرض القريب من القبلة وما فرض البعيد؟واذكر دليل كل منهما.
ج: فرض القريب من القبلة إصابة عين الكعبة، وفرض البعيد إصابة الجهة، وتقدم أدلة استقبال القبلة، وأما أدلة إصابة الجهة فمن ذلك ما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، ومن الأدلة على ذلك انعقاد الإجماع على صحة صلاة الاثنين المتباعدين قبلة واحدة وعلى صحة صلاة الصف الطويل على خط مستو.
س192: بين ما الذي يستدل به على القبلة عند الاشتباه؟
ج: أما بالحضر فمحاريب المسلمين أو بخبر ثقة عن يقين، وأما في السفر فإن كان عالمًا بأدلتها ففرضه الاجتهاد حتى يغلب على ظنه الجهة فيصلي إليها لتعينها قبلة له إقامة للظن مقام اليقين لتعذره، ومما يستدل به على القبلة في السفر النجوم وهي أصح أدلتها. قال تعالى: وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، وقال: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ، وقال عمر: «تعلموا من النجوم ما تعرفون به الوقت والطريق» وأثبتها القطب الشمالي ثم الجدي نجم نير، فالقطب نجم خفي حوله أنجم دائرة كفراشة الرحى أو كسمكة في أحد طرفيها أحد الفرقدين، وفي الآخر الجدي والقطب وسط الفراشة لا يبرح مكانه دائمًا، وقيل: إلا قليلاً، ينظره حديد البصر في غير ليالي قمر، فإذا قوي نور القمر خفي، وما يستدل به عليها الشمس والقمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:40 am

والرياح والجبال والأنهار وغيرها.
س193: بين حكم ما يلي: إذا اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة، إذا صلى المجتهد بالاجتهاد أو الجاهل بالتقليد، ثم علم خطأ القبلة.
ج: أما في المسألة الأولى، فالحكم أنه يصلي كل واحد منهما باجتهاد نفسه ولا يصح اقتداء أحدهما بالآخر؛ لأن كل واحد منهما يعتقد خطأ صاحبه والمقلد يتبع أوثقهما عنده علمًا بأدلة القبلة، وأما في المسألة الثانية فلا إعادة عليه، لما ورد عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس، فنزلت: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة فنادى: ألا إن القبلة قد تحولت، فمالوا كما هم نحو القبلة» رواه أحمد ومسلم وأبو داود، فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، ومثل هذا لا يخفى عليه صلى الله عليه وسلم ولا يترك إنكاره إلا وهو جائز، وروى عامر بن ربيعة عن أبيه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر لي ليلة مظلمة، فلم ندري أين القبلة وصلى كل رجل حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن إلا أنه من حديث أشعث السمان، وفيه ضعف؛ ولأن خفاء القبلة في الأسفار يقع كثيرًا لوجود الغيوم وغيرها من الموانع، فإيجاب الإعادة مع ذلك فيه حرج ومشقة وهو منتف شرعًا؛ ولأنه شرط عجز عنه فأشبه سائر الشروط.
س194: هل العارف بأدلة القبلة يجتهد لكل صلاة؟ أم يكتفي باجتهاد واحد؟
ج: يجتهد لكل صلاة؛ لأنها واقعة متجددة فتستدعي طلبًا جديدًا، ويصلي بالاجتهاد، والثاني لأنه ترجح في ظنه ولو كان في صلاة ويبني ولا يقضي ما صلى بالاجتهاد الأول؛ لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد.
قال في «مختصر النظم»:
ولا تتبع فيها دلالة فاسق
ففرض على الكل اتباع اجتهاده
وكل صلاة شئتها فاجتهد لها
وقل لمصل باجتهاد تبين
وإن يختلف أهل الذكا والترشد
وللأوثق اتبع يا فتى إن تقلد
ولو أثر فرض باجتهاد بأجود
الخطا بعد ما صلى فلا نقض ترشد

س195: ما الدليل على أن النية شرط من شروط الصلاة؟ وهل يخرج الإنسان من الصلاة لشكه فيها؟ وما شرطها؟ ومتى زمنها وما كيفيتها؟ وما هي أنواعها؟ اذكرها بوضوح مع تقسيم ما يحتاج إلى تقسيم.
ج: أما تعريفها ودليلها والسبب في شرعيتها، فتقدم في جواب سؤال سابق، ولا يخرج لشكه في النية لعلمه أنه ما دخل إلا بها، ولا تسقط بحال، وشرطها الإسلام والعقل والتمييز وعلم بمنوى كسائر العبادات، وزمنها أول العبادة أو قبله بيسير، والأفضل قرنها بالتكبير، وكيفيتها اعتقاد القلب، والنية التي يتكلم عليها العلماء نوعان: نية المعمول له، ونية نفس العمل؛ أما الأول: فهو الإخلاص الذي يقبل الله عملاً خلا منه بأن يقصد العبد بعمله رضوان الله وثوابه، وضده العمل لغير الله أو الإشراك به في العمل بالرياء، وهذا النوع لا يتوسع فيه الفقهاء بالكلام عليه، وإنما يتوسع به أهل الحقائق وأعمال القلوب، وإنما يتكلم الفقهاء على النوع الثاني وهو نية العمل، فهذا له مرتبتان: إحداهما: تمييز العادة عن العبادة؛ لأنه مثلاً غسل الأعضاء والإمساك عن الأكل ونحوهما تارة يقع عادة وتارة عبادة، فلابد من نية العبادة، لأجل أن تتميز عن العادة، ثم المرتبة الثنية إذا نوى العبادة فلا يخلو إما أن تكون مطلقة كالصلاة المطلقة والصوم المطلق، فهذا يكفي فيه نية مطلق تلك العبادة؛ وإما أن تكون مقيدة كصلاة الفرض والرابة والوتر، فلابد مع ذلك من نية ذلك المعين، لأجل تمييز العبادات بعضها عن بعض.
س196: إذا أحرم مأموم مع الإمام ثم نوى الانفراد؛ فهل يسوغ له ذلك؟
ج: إن كان لعذر يبيح ترك الجماعة كتطويل إمام وكمرض وكغلبة نعاس أو غلبة شيء يفسد صلاته كمدافعة أحد الأخبثين، أو خوف على أهل أو مال، أو خوف فوت رفقة، أو خرج من الصف مغلوبًا لشدة زحام ولم يجد من يقف معه صح انفراده فيتم صلاته منفردًا لحديث جابر قال: «صلى معاذ بقومه فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده، فقيل له: نافقت، قال: ما نافقت، ولكن لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال: «أفتان أنت يا معاذ» مرتين» متفق عليه. وكذا لو نوى الإمام الانفراد لعذر ومحل إباحة المفارقة لعذر إن استفاد تعجيل لحوقه لحاجته قبل فراغ إمامه من صلاته ليحصل محصوله من المفارقة، فإن كان الإمام يعجل ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل لم يجز له الانفراد لعدم الفائدة فيه، وأما من عذره الخروج من الصف فله المفارقة مطلقًا.
وإن ينو مأموم لعذر تفردًا
أجز ولغير العذر أبطل بأوكد

س197: بين حكم ما إذا أحرم إمام الحي بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتمًا وحكم ما إذا سبق اثنان فأكثر في بعض الصلاة، فأتم أحدهما بصاحبه؟
ج: يجوز ذلك والصلاة صحيحة، لما روى سهل بن سعد «أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فصلى أبو بكر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فنخلص حتى وقف في الصف، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف» متفق عليه. وحكم ما إذا سبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة ثم سلم الإمام فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما أن ذلك صحيح أو كذا إذا ائتم مقيم بمثله فيما بقي من صلاتهما إذا سلم إمام مسافر فيصح؛ لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة أخرى لعذر فجاز كاستخلاف.
س198: اذكر ما حكم ما لو نوى أحد المأمومين الإمامة لاستخلاف الإمام له إذا سبقه الحدث، واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: يصح ذلك منه للعذر، لما ورد عن عمرو بن ميمون قال: «إني لقائم ما بيني وبين عمر غداة أصيب إلا عبدالله بن عباس، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه، وتناول عم رعبدالرحمن ابن عوف فقدمه فصلى بهم صلاة خفيفة» مختصر من البخاري، وعن أبي رزين قال: «صلى علي  ذات يوم فراعف، فأخذ بيد رجل فقدمه ثم انصرف» رواه سعيد في «سننه»، وقال أحمد بن حنبل: إن استخلف الإمام فقد استخلف عمر وعلي، وإن صلوا وحدانا فقد طعن معاوية وصلى الناس وحدانا من حيث طعن أتموا صلاتهم، وحكى عن أحمد: أن صلاة المأمومين تبطل، وقال أبو بكر: تبطل رواية واحدة؛ لأنه فقد شرط صحة الصلاة في حق الإمام فبطلت صلاة المأمومين كما لو تعمد الحدث، وعندي أن القول الأول أصح لقوة الدليل. والله أعلم.
س199: اذكر بعض آداب الخروج إلى الصلاة مقرونًا بالدليل؟
ج: يستحب التطهر والخروج إليها بسكينة ووقار، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث، تقول: اللهم صل عليه اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة» متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» متفق عليه، واللفظ للبخاري.
س200: ما المسنون قوله في حق من خرج إلى الصلاة؟ وما الدليل عليه؟
ج: يستحب أن يقول ما ورد عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة وهو يقول: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل لي في سمعي نورًا، واجعل لي في بصري نورًا، واجعل لي من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل لي من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وأعطني نورًا»» أخرجه مسلم.
س201: ما المسنون قوله إذا دخل المسجد وإذا خرج منه؟
ج: ما ورد عن أبي حميد وأبي أسيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليقل: اللهم افتح لنا أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك»، وعن فاطمة قالت: «كان رسول الله –عليه الصلاة والسلام- إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: رب اغفر ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد، وقال: رب اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك» رواه الترمذي.
س202: ما المكروه فعله في حق من خرج إلى الصلاة أو جلس ينتظر الصلاة؟
ج: يكره التشبيك، لما ورد في حديث أبي سعيد أنه –عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن بين أصابعه، فإن التشبيك من الشيطان، فإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه» رواه أحمد. وعن كعب بن عجرة  قال: سمعت رسول الله –عليه الصلاة والسلام- يقول: «إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فلا يشبكن ين يديه، فإنه في صلاة» رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد والترمذي، واللفظ له.
س203: بين حكم الكلام في أمر الدنيا في المسجد، واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: مكروه كراهة شديدة، لما ورد عن عبدالله –يعني ابن مسعود  قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهخم ليس لله فيهم حاجة» رواه ابن حبان في «صحيحه». وعن الحسن مرسلاً قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر دنياهم فلا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة» رواه البيهقي في «شعب الإيمان».
س204: ما الذي ينبغي أن يشتغل فيه من أقام في المسجد؟
ج: ينبغي له أن يشتغل بتلاوة كتاب الله وتفسيره، وذكر الله وسُّنة رسوله أو ما هو وسيلة إلى ذلك.
قال الناظم:
وخير مقام قمت فيه وخصلة
تحليتها ذكر الإله بمسجد

وقلت:
إذا ما أقمت الدهر يومًا بمسجد
سوى في كتاب الله أو سُّنة الذي
فحاول لصون الوقت عن كل شاغل
أتى بالهدى الحاول جميع الفضائل

س205: بين حكم تحية المسجد لمن دخله، واذكر دليل الحكم؟
ج: مستحبة، لما ورد عن أبي قتادة أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» متفق عليه. وعن جابر  قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال: «صل ركعتين» متفق عليه.
34- باب صفة الصلاة
س206: اذكر صفة الصلاة بوضوح تام.
ج: يسن القيام إليها عند قول مقيم قد قامت الصلاة وتسوية الصف، ويقول: الله أكبر رافعًا يديه مضمومتي الأصابع ممددة حذو منكبيه كالسجود، ويسمع الإمام من خلفه كقراءته في أولتي غير الظهرين وغيره نفسه، ثم يقبض كوع يسراه على صدره أو تحت سرته وينظر مسجده، ويقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك»، ثم يستعيذ، ثم يبسمل سرًا وليست من الفاتحة، ثم يقرأ الفاتحة، فإن قطعها بذكر أو سكوت غير مشروعين وطال أو ترك منها تشديده أو حرفًا لزم غير مأموم إعادتها، ويجهر الكل بآمين في الجهرية، ثم يقرأ بعدها سورة في الركعتين الأوليين من كل صلاة، ويجهر بها فيما يجهر فيه بالفاتحة، ويسر فيما يسر بها فيه، والأصل في هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم –رحمه الله- في «زاد المعاد في هدي خير العباد» في فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة في (ج1) في (ص108) فإذا فرغ من الفاتحة أخذ في سورة غيرها وكان يطيلها تارة ويخففها لعارض من سفر أو غيره، ويتوسط فيها غالبًا، وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية وصلاها بسورة (ق)، وصلاها بـ (الروم) وصلاها بـ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وصلاها بـ إِذَا زُلْزِلَتِ في الركعتين كليهما، وصلاها بالمعوذتين وكان في السفر.
وصلاة فافتتحها بسورة (المؤمنون) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى أخذته سعلة فركع وكان يصليها يوم الجمعة، بـ الـم * تَنزِيلُ السجدة، وسورة: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ كاملتين.
وأما الظهر فكان يطيل قراءتها أحيانًا حتى قال أبو سعيد: «كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها» رواه مسلم. وكان يقرأ فيها تارة بقدر الـم * تَنزِيلُ وتارة بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وتارة بـ السَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ؛ وأما العصر فعلى النصف من قراءة صلاة الظهر إذا طالت وبقدرها إذا قصرت.
وأما المغرب، فكان هديه فيها خلاف عمل الناس اليوم، فإنه صلاها مرة بـ (الأعراف) وفرقها، ومرة بـ (الطور)، ومرة بـ (المرسلات).
قال أبو عمر ابن عبدالبر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قرأ في المغرب بـ (المص)، وأنه قرأ فيها بـ (الصافات)، وأنه قرأ فيها بـ (حم الدخان)، وأنه قرأ فيها بـ (سبح اسم ربك الأعلى)، وأنه قرأ فيها بـ (التين والزيتون)، وأنه قرأ بالمعوذتين، وأنه قرأ بـ (المرسلات)، وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل، قال: وهي كلها آثار صحاح مشهورة» انتهى.
وأما المداومة فيها على قراءة قصار المفصل دائمًا، فهو فعل مروان بن الحكم، ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت، وقال: مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولي الطوليين قال: قلت: وما طولى الطوليين، قال: قلت: وما طولى الطوليين؟ قال: (الأعراف).
وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن، وذكر النسائي عن عائشة
-رضي الله عنها- «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة (الأعراف) فرقها في الركعتين»، فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورة من قصار المفصل خلاف السُّنة، وهو فعل مروان بن الحكم؛ وأما العشاء الآخرة، فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بالتين والزيتون، ووقت لمعاذ فيها بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، ونحوها، وأنكر عليه قراءته فيها بالبقرة بعد ما صلى معه، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف فأعاد لهم بعد ما مضى من الليل ما شاء الله وقرأ بهم بالبقرة، ولهذا قال: «أفتان أنت يا معاذ؟» فتعلق النقارون بهذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها، وأما قراءته في الأعياد، فتارة كان يقرأ سورتي (ق) (واقتربت) كاملتين، وتارة سورتي (سبح) و(الغاشية)، وهذا هو الهدي الذي استمر صلى الله عليه وسلم عليه إلى أن لقي الله عز وجل لم ينسخه شيء، ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده، فقرأ أبو بكر  في الفجر بسورة (البقرة) حتى سلم منها قريبًا من طلوع الشمس، فقالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كادت الشمس تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين، وكان عمر  يقرأ فيها بيوسف، والنحل، وبهود،وببني إسرائيل، ونحوها من السور، ولو كان تطويله صلى الله عليه وسلم منسوخًا لم يخف على خلفائه الراشديه، ويطلع عليه النقادرون. انتهى باختصار.
ولا تصح بقراءة خارجة عن مصحف عثمان، ثم يركع مكبرًا رافعًا يديه ويضعهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع مستويًا ظهره ويقول: سبحان ربي العظيم، ثم يرفع رأسه ويديه قائلاً إمام ومنفرد: سمع الله لمن حمده، وبعد قيام ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ومأموم في رفعه ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ثم يخر مكبرًا ساجدًا على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه ولو مع حائل ليس من أعضاء سجوده، ويجافي عضديه
عن جنبيه وبطنه عن فخذيه، ويفرق ركبتيه، ويقول: سبحان ربي الأعلى ثم يرفع رأسه مكبرًا ويجلس مفترشًا يسراه ناصبًا يمناه، ويقول: رب اغفر لي ويسجد الثانية كالأولى، ثم يرفع مكبرًا ناهضًا على صدره قدميه معتمدًا على ركبتيه إن سهل ويصلي الثانية كذلك ما عدا التحريمة والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية، ثم يجلس مفترشًا ويداه على فخذيه ويقبض خنصر اليمنى وبنصرها ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها في تشهده ويبسط اليسرى ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، هذا التشهد الأول، ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آله محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، ويستعيذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال، ويدعو بما ورد، ثم يسلم عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك، وإن كان في ثلاثية أو رباعية نهض مكبرًا رافعًا يديه بعد التشهد الأول، وصلى ما بقي كالثانية بالحمد فقط، ثم يجلس في التشهد الأخير متوركًا والمرأة مثله لكن تضم نفسها وتسدل رجليها في جانب يمينها.
وقد نظم العمريطي ما تخالف فيه الأنثى الذكر، فقال:
في خمسة تخالف الأنثى الذكر
فمر فقيه سن أن يباعدا
وأن يقل بطنه عن الفخذ
وجهره يسن بالغروب
وتخفض الأنثى بكل حال
والسنة التسبيح للذكور
وتصفق الأنثى ببطن كفها
وعورة الرجال حيث تشترط
وعورة الحرة دون مين
وإن تكن رقيقة فكالذكر
في الحكم ندبًا أو وجوبًا معتبر
عن جانبيه راكعًا وساجدًا
عن السجود وهي ضمت حينئذ
إلى طلوع الشمس في المكتوب
صوتًا لها بحضرة الرجال
إن نابهم شيء من الأمور
ظهر اليد الشمال بعد كشفها
من سرة لركبة هنا فقط
ما كان غير الوجه والكفين
وسوف يأتي حكم عورة النظر

35- أركان الصلاة
س207: ما هي أركان الصلاة؟
ج: أركان الصلاة أربعة عشر: القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والرفع منه، والسجود على الأعضاء السبعة، والاعتدال منه، والجلسة بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأركان، والترتيب، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليمتان.
قال في «المختصر»:
وأركانها خذها القيام لقادر
ومنها ركوع واعتدلك بعده
وجلسته بين السجود تشهد
صلاة على الهادي به وسلامها
وتكبيرة الإحرام والحمد فاسرد
سجود على آرابك السبعة اسجد
أخير وأن تجلس لهذا التشهد
وأن تطمئن افهم وترتيب أشهد

س208: ما الدليل على أن القيام في صلاة الفرض ركن من أركان الصلاة؟
ج: قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ، ومن السُّنة قوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: «صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا؛ فإن لم تستطع فعلى جنب» رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه أحمد والبخاري.
س209: ما الدليل على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة؟
ج: ما ورد عن علي بن أبي طالب ، عن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» رواه الخمسة إلا النسائي، وقال الترمذي: هذا أصح شيء في هذا الباب وأحسن. وفي حديث المسيء أنه –عليه الصلاة والسلام- قال: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر»، وفي حديث أبي سعيد مرفوعًا: «إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وسدوا الفرج، وإذا قال إمامكم: الله أكبر، فقولوا: الله أكبر» رواه أحمد. وفي حديث رفاعة أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة، فيقول: الله أكبر» رواه أبو داود ولم ينقل عنه –عليه الصلاة والسلام- افتتح الصلاة بغيرها.
س210: ما الدليل على أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في كل ركعة؟ وماذا يعمل من لا يحسنها ولا شيئًا منها ولا من غيرها؟
ج: ما ورد عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: «لا صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح. وعن عائشة قالت: سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج» رواه أحمد وابن ماجه، وعن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج فينادي لا صلاة إلا بقراءة الفاتحة ولا شيئًا منها ولا شيئًا من غيرها؟» فيلزمه أولاً تعلمها، فإن ضاق الوقت لزمه قراءة قدرها من أي سورة شاء من القرآن، فإن لم يعرف إلا آية من القرآن كررها بقدر الفاتحة. قال الله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ؛ فإن لم يحسن قرآنًا لزمه قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لحديث عبدالله بن أبي أوفى قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن فعلمني ما يجزئني، قال: «قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله
أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله»» رواه أحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني. وعن رفاعة بن رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم رجلاً الصلاة، فقال: «إن كان معك قرآنًا فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع» رواه الترمذي وأبو داود.
س211: ما الدليل على أن الركوع ركن إلا الركوع بعد ركوع أول في صلاة كسوف فسُّنة؟
ج: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء: «ثم اركع حتى تطمئن راكعًا»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه وأجمعت الأمة على وجوبه في الصلاة.
س212: ما الدليل على أن الرفع من الركوع ركن من أركان الصلاة؟ وكذلك الاعتدال قائمًا، واذكر أدلتهما بوضوح.
ج: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء «ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا»؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليه، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه أحمد والبخاري، ولما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده» رواه أحمد وعن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود» رواه الخمسة وصححه الترمذي.
س213: ما الدليل على أن السجود على الأعضاء السبعة ركن من أركان الصلاة؟ وأن الرفع منه ركن؟ وأن الجلسة بين السجدتين ركن؟
ج: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا، ومن السُّنة ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة- وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين» متفق عليه. وفي حديث المسيء: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا» الحديث، وعن العباس بن عبدالمطلب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه» رواه الجماعة إلا البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود» رواه الخمسة وصححه الترمذي، وعن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم» رواه مسلم. وفي رواية متفق عليها أن أنسًا قال: «إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فكان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول الناس قد نسى، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول الناس قد نسى».
س214: ما هي الطمأنينة؟ وما الدليل على أنها ركن من أركان الصلاة؟
ج: هي السكون، وإن قل، وقيل: بقدر الذكر الواجب ليتمكن من الإتيان به. قال الناظم –رحمه الله-:
وأدنى سكونة بين رفع وخفضه
وفي كل ركن فاطمئن فإنها
طمأنينة قدر بها لا تشدد
لركن أتت عن خير هاد ومرشد

وأما الدليل: فعن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل» ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن
راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في الصلاة كلها»» متفق عليه. وعن حذيفة «أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه، فقال له حذيفة: ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدًا» رواه أحمد والبخاري.
وعن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشر الناس سرقة الذي يسرق في صلاته»، فقالوا: يا رسول الله، وكيف يسرف من صلاته؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها»، أو قال: «لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» رواه أحمد، وقال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
س215: ما الدليل على أن التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة؟
ج: ما ورد عن ابن مسعود قال: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله السلام على جبريل وميكائيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا هكذا؛ ولكن قولوا التحيات لله وذكره»» رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح. وعن عمر بن الخطاب قال: «لا تجزئ صلاة إلا بتشهد» رواه سعيد في «سننه»، والبخاري في «تاريخه»، وعن ابن مسود قال: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» رواه الجماعة. وعن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول: «التحيات المباركات، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله»» رواه مسلم وأبو داود بهذا اللفظ، ورواه ابن ماجه كمسلم لكنه قال: «وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله».
س216: ما الدليل على أن الجلوس للتشهد الأخير ركن من أركان الصلاة؟ وما الدليل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ركن من أركانها؟
ج: أما دليل الجلوس للتشهد، فالأحاديث المتقدمة الدالة على فرضية التشهد الأخير، ومداومته صلى الله عليه وسلم وقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه أحمد والبخاري، وأما الصلاة على النبي، فكذلك تقدم ما يدل عليها، وروى كعب بن عجرة قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»» رواه الجماعة، إلا أن الترمذي قال فيه على إبراهيم في الموضعين لم يذكر آله، وعن أبي مسعود قال: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم»» رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه.
س217: ما الدليل على أن الترتيب بين أركان الصلاة ركن من أركانها؟
ج: حديث المسيء وتقدم قريبًا، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي كذلك مرتبًا، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
س218: ما الدليل على أن التسليمتين ركن من أركان الصلاة؟
ج: تقدم حديث علي بن أبي طالب عند تكبيرة الإحرام، وعن ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده» رواه الخمسة وصححه الترمذي، وعن عامر بن سعد عن أبيه قال: «كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده» رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه.
36- واجبات الصلاة
س219: كم واجبات الصلاة؟ وما هي؟ وما الفرق بينها وبين الأركان؟
ج: واجباتها ثمانية: جميع التكبيرات غير تكبيرات الإحرام، وقوله: سبحان ربي العظيم في الركوع، وقول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد، وقول: ربنا ولك الحمد للكل، وقو: سبحان ربي الأعلى في السجود، وقول: رب اغفر لي بين السجدتين، والتشهد الأول والجلوس له؛ فأما الواجبات فما سقط منها عمدًا بطلت الصلاة بتركه وسهوًا جبره بسجود السهو، وأما الأركان فلا تسقط عمدًا ولا سهوًا ولا جهلاً.
قال «المختصر للنظم»:
وواجبها التكبير غير الذي مضى
بكل ركوع أو سجود ومرة
وسن ثلاثًا والتشهد أولاً
وتسميع التحميد تسبيحة قد
سؤالك غفرانًا هديت بمقعد
وجلسته هذي الثمانية اعدد

س220: ما الدليل على أن التكبير غير تكبيرة الإحرام واجب من واجبات الصلاة؟
ج: ما ورد في حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا: «فإذا كبر الإمام وركع فكبروا واركعوا، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا» رواه أحمد وغيره، ولما في حديث أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجدًا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها ويكبر حين يقوم من اثنتين بعد الجلوس» متفق عليه.
وعن ابن مسعود قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
س221: ما الدليل على أن قول سبحان ربي العظيم في الركوع، وقول سبحان ربي الأعلى في السجود واجب من واجبات الصلاة؟
ج: ما ورد عن حذيفة قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى» رواه الجماعة إلا البخاري. وعن عقبة بن عامر قال لما نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا في ركوعكم»، فلما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، قال: «اجعلوها في سجودكم» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» متفق عليه.
س222: ما الدليل على أن قول سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد واجب من واجبات الصلاة؟ وأن قول ربنا ولك الحمد للإمام والمنفرد والمأموم واجب من واجبات الصلاة؟ وهل لهم أن يزيدوا على ذلك؟
ج: ما ورد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد» متفق عليه.
وتقديم حديث أبي هريرة في جوانب سؤال سابق: «وإن شاءوا زادوا» لما ورد عن أبي سعيـد الخـدري  قال: كان رسـول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد» رواه مسلم.
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» رواه مسلم، وتقدم حديث عائشة قبل هذا الجواب.
س223: ما الدليل على أن قول رب اغفر لي بين السجدتين واجب من واجبات الصلاة؟ وهل له أن يزيد على ذلك؟ وضح ذلك.
ج: ما ورد عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «رب اغفر لي» رواه النسائي وابن ماجه. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني» رواه الأربعة، إلا النسائي واللفظ لأبي داود.
س224: ما الدليل على أن التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة؟ وأن الجلوس له واجب أيضًا من واجباتها؟
ج: ما ورد عن ابن مسعود قال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عز وجل» رواه أحمد والنسائي.
وعن رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قمت في صلاتك فكبر، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن، فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد» رواه أبو داود.
37- سنن الصلاة ـ سنن الأقوال
س225: اذكر ما تستحضره من سنن الأقوال مقرونًا بالأدلة.
ج: الاستفتاح وتقدم، وهو قوله بعد تكبيرة الإحرام: «سبحانك اللهم وبحمدك... إلخ» وإن شاء استفتح بما ورد عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر سكت هنيهة قبل القراءة، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: «أقول: اللهم باعد بيني وبين خطايا كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطايا بالماء والثلج والبرد»» رواه الجماعة إلا الترمذي، ومنها التعوذ لقوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا قام إلى الصلاة يستفتح ثم يقول: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه»» رواه أحمد والترمذي، ومنها البسملة، لما روت أم سلمة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية؛ ولأن الصحابة أثبوتها في المصاحف»، وعن نعيم المجمر أنه قال: «صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله » رواه النسائي. ومنها التأمين لحديث: «إذا أمن الإمام فأمنوا» متفق عليه.
وعن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول» رواه أبو داود وابن ماجه، ومنها قراءة السورة بعد الفاتحة في الأوليين من رباعية أو مغرب، وفي صلاة الفجر والجمعة والعيدين والتطوع كله، ومنها الجهر بالقراءة للإمام في الصبح والجمعة والعيدين والأوليين من مغرب وعشاء،
لما ورد عن قتادة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية أحيانًا ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية وهكذا في الصبح» متفق عليه.
وعن جبير بن مطعم قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور» رواه الجماعة إلا الترمذي، وعن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ  ونحوها وكانت صلاته بعد إلى تخفيف، وفي رواية كان يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى، وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك.
وعن عائشة -رضي الله عنها- «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة الأعراف فرقها في الركعتين» رواه النسائي، وعن ابن عمر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» رواه ابن ماجه وعن عروة قال: «إن أبا بكر الصديق  صلى الصبح فقرأ فيهما بسورة البقرة في الركعتين» رواه مالك في «الموطأ»، وعن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال: «صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ فيهما بسورة (يوسف) وسورة (الحج) قراءة بطيئة، قيل له: إذًا لقد كان يقوم فيهن حين يطلع الفجر؟ قال: أجل» رواه مالك.
وعن الفرافصة بن عمير الحنفي قال: «ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان إياها في الصبح من كثرة ما كان يرددها» رواه مالك. وعن أبي سعيد الخدري قال: «لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى بما يطولها» رواه مسلم.
وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معاذ، أفتان أنت؟»، أو قال: «أفاتن أنت؟ فلو صليت بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى» متفق عليه.
وتأتي إن شاء الله أدلة الجمعة، والعيدين، والتطوع في مواضعهما، ومن سنن الصلاة الجهر بآمين، وتقدم الدليل لها، ومنها قول: «ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد». وتقدم في جواب سؤال سابق.
ومنها: ما زاد على المرة في تسبيح الركوع والسجود ورب اغفر لي، لحديث سعيد بن جبير عن أنس قال: «ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة به من هذا الفتى –يعني عمر بن عبدالعزيز- قال: فحرزنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، ولحديث عون عن ابن مسعود مرفوعًا: «إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، سبحان ربي العظيم وذلك أدنى، وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثًا، وذلك أدنى» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، لكنه مرسل كما قال البخاري في «تاريخه»، لأن عونًا لم يسمع من ابن مسعود لكن عضده قول الصحابي وفتوى أكثر أهل العلم.
ومنها الصلاة على آله –عليه السلام- والبركة عليه وعليهم، لحديث كعب ابن عجرة «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»» متفق عليه. والدعاء بعده، لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:41 am


38- سنن الأفعال
س226: اذكر ما تستحضره من سنن الأفعال مقرونًا بالدليل.
ج: من ذلك رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه وحطما عقب ذلك؛ لأن مالك بن الحويرث كان إذا صلى كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه رفع يديه، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع هكذا، متفق عليه.
ومنها: وضع اليمين على الشمال وجعلهما على صدره أو تحت سرته، لحديث وائل بن حجر، وفيه: «ثم وضع اليمنى على اليسرى» رواه أحمد ومسلم، وقال علي: من السُّنة في الصلاة، وضع الأكف على الأكف تحت السرة، ولما أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» من حديث وائل بن حجر قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره».
ومنها: نظر المصلي إلى موضع سجوده إلا في صلاة الخوف، لما روى ابن سيرين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلب بصره في السماء فنزلت هذه الآية الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ  فطأطأ رأسه» رواه أحمد في «الناسخ والمنسوخ»، وسعيد بن منصور في «سننه» بنحوه، وزاد: «وكانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه» وهو مرسل.
ومنها: التفرقة بين القدمين وأن يراوح بينهما إذا طال قيامه ولا يكثر ذلك، لما روى الأثرم عن أبي عبيدة قال: «رأى عبدالله رجلاً يصلي صافًا بين قدميه، فقال: لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل» رواه النسائي، ولفظ قال: «أخطأ السنة لو راوح بينهما كان أعجب إلى» قال الأثرم: «رأيت أبا عبدالله يفرج بين قدميه ورأيته يراوح بينهما» وروى نحو هذا عن ميمون والحسن.

ومنها: قبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه، ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله، لحديث ابن مسعود «أنه ركع فجافى يديه ووضع يديه على ركبتيه وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي» رواه أحمد وأبو داود والنسائي لحديث أبي حميد ويأتي إن شاء الله، ومنها البداءة في سجوده بوضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، لحديث وائل بن حجر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» رواه الخمسة إلا أحمد.
ومنها: مجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعه على الأرض مفرقة، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة مضمومة الأصابع، لحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيه: «وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه»، وفي حديث ابن بحينة: «كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد يجنح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه» متفق عليه، وفي حديث أبي حميد: «ووضع كفيه حذو منكبيه» رواه أبو داود والترمذي وصححه، وفي لفظ: «سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة».
ومنها: رفع يديه أولاً في قيامه إلى الركعة، لحديث وائل بن حجر وتقدم.
ومنها: قيامه على صدور قدميه واعتماده على ركبتيه بيديه، لحديث أبي هريرة: «كان ينهض على صدور قدميه»، وفي حديث وائل بن حجر: «وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه» رواه أبو داود.
ومنها: الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، لقول أبي حميد: «ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها»، وقال: «إذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى ونصب الأخرى»، وفي لفظ: «وأقبل بصدر اليمنى على قبلته».
ومنها: التورك في التشهد الأخير، لقول أبي حميد: «فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى وجلس متوركًا على شقه الأيسر وقعد على مقعدته» رواه البخاري.
ومنها: وضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين وكذا في التشهد إلا أنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر ويحلق إبهامها مع الوسطى ويشير بسبابتها عند ذكر الله، لحديث ابن عمر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها» رواه أحمد ومسلم، وفي حديث وائل بن حجر «ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلق حلقة ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها» وأبو داود والنسائي.
ومنها: التفاته يمينًا وشمالاً في تسليمه ونيته به الخروج من الصلاة، وتفضيل اليمين على الشمال في الالتفات، لحديث عامر بن سعد عن أبيه قال: «كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده» رواه أحمد ومسلم؛ فإن لم ينوبه الخروج من الصلاة لم تبطل نص عليه، فإن نوى به الرد على الملكين أو على من معه فلا بأس نص عليه، لحديث جابر: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن يسلم بعضنا على بعض» رواه أبو داود.

نظم سنن الصلاة
ورفع يديه سنة في افتتاحها
ورفعهما قد صح عند قيامه
ومد وضمن الأصابع رافعًا
ويعلن تكبير الجميع وغير من
ووضع اليدين اختره من تحت سرة
وينظر ندبًا غير من كان خالفًا
ويشرع الاستفتاح تلو ابتدائها
ومن بعده فليستعذ من عدونا
وبالكل في آمين للكل فاجز من
وسورة أو بعضًا تلي الحمد فاتل في
ويجهر في الفجر الإمام وجمعة
وبالركبتين اقبض بكفيك راكعًا
وملء السماء والأرض ندبًا وملء ما
وعضديك عن جنبيك نح مجانبًا
وفخذيك عن ساقيك وافرق لركبة
وللركبتين اقبض بكفيك ناهضًا
وسُنَّ افتراش في التشهد أولاً
وهذا بما كررت فيه تشهدًا
وضع فوق فخذيك اليدين وحلق
ويشرع في حق النساء تربع
وللقبلة استقبل من الرجل ساجدًا
وللكتفين اجعل يديك محاذيًا
ورمق الفتى فيه مكان سجوده
ومن أربع من قبل تسليمك استعذ
فهذا جميع لا سجود لسهوه
وعند ركوع ثم عنه لمصعد
من الركعتين اتبعه هدى مقلد
إلى منكب والبيت واجه بأجود
يؤم فلا يسمع سوى نفسه قد
مع الوضع لليمنى على الكوع فاقتد
لحاجته في الخوف موضع مسجد
بسبحانك اللهم أولى لنقد
مسرًا كبسم الله في قول مقتد
بما فيه من جهر بالقرآن الممجد
مقدمتي ما زاد والفجر تقتد
وفي أولى فرضي عشاءيه قيد
وراع استواء الظهر بالرأس وامدد
تشأ بعد من شيء فقل تلو ما ابتدى
وعن فخذيك البطن جاف وبعد
عن الركبة الأخرى كفعل المرشد
على صدر أقدام إذا لم يجهد
وفي آخر سن التورك فاقعد
فإن تك مثنى فافرشن وتشهد
اليمين وللسبابة ارفع وأحد
أو الجعل الرجلين عن يمنة اليد
هديت بأطراف الأصابع تقتدي
ولا تبسط الزندين حالة مسجد
أبر له من غفلة وتبدد
ومن يدع بالمأثور يحظ ويسعد
في الأولى ولا تبطل بترك التعمد



39- ما يكره في الصلاة
س227: ما الذي يكره في الصلاة؟ وما دليله؟ اذكرهما بوضوح.
ج: يكره للمصلي رفع بصره إلى السماء، والتفاته بلا حاجة، وأن يكون تائقًا لطعام ونحوه ما لم يضق الوقت فنجب، ويحرم اشتغاله بغيرها، وافتراش ذراعيه ساجدًا، وعبثه، وتخصره وتروحه، والتمطي، واستقبال صورة وكف شعره وعقصه، وحمل مشغل له، واستقبال ما يلهيه، ومس الحصى وتسوية التراب بلا عذر، وفرقعة أصابعه وتشبيكها، ومس لحيته، وكف ثوبه، وأن يخص جبهته بما يسجد عليه، واعتماده على يده في جلوسه، وأن يكتب أو يعلق في قبلته شيئًا مما يشغل المصلي، وإقعاؤه ونقر الصلاة، وأن يكون حاقنًا، أو حاقبًا، أو حازقًا، واستقبال نار سواء كان نار حطب أو سراج أو قنديل أو شمعة».
س228: ما الدليل على كراهة رفع البصر إلى السماء في الصلاة؟ وكراهة الالتفات فيها؟
ج: ما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم» رواه أحمد ومسلم والنسائي.
وأما الالتفات، فلما ورد عن عائشة قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة، فقال: «هو الاختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد»» رواه البخاري، وللترمذي وصححه: «إياك والالتفات في الصلاة؛ فإنه هلكة؛ فإن كان لابد ففي التطوع».
س229: ما الدليل على كراهة ابتداء الصلاة وهو تائق إلى طعام ونحوه؟

ج: ما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان» رواه مسلم وألحق بذلك ما في معناه، كالشرب والجماع ونحو ذلك مما يزعج أو يمنع حضور القلب أو خشوعه. والله أعلم.
س230: ما الدليل على كراهة افتراش الذراعين حال السجود وكراهة التخصر؟
ج: ما ورد في حديث أنس مرفوعًا: «اعتلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» متفق عليه.
وأما الدليل على كراهة التخصر، فهو ما ورد عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل متخصرًا» رواه البخاري ومسلم، وعن عائشة: «أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته وتقول إن اليهود تفعله» رواه البخاري.
س231: اذكر الدليل على كراهة العبث، والتروح، والتمطي، واستقبال الصورة وما يلهي، ولماذا خصت الجبهة بالكراهة دون غيرها؟
ج: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته، فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي» متفق عليه، ولما فيه من التشبه بعباد الأوثان؛ وأما العبث والتروح والتمطي، فلما روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث في صلاته، فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» وخصت الجبهة لأنه من شعار الرافضة».
س232: ما الدليل على كراهة مس الحصى، أو مسحه، أو تسوية التراب؟ والإنسان في الصلاة أو مسح أثر السجود وهو يصلي؟

ج: ما ورد عن معقيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: «إن كنت فاعلاً فواحدة» رواه الجماعة، وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة؛ فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى» رواه الخمسة، وفي رواية لأحمد: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصى، فقال: «واحدة أودع»».
س233: ما الدليل على كراهة فرقعة الأصابع، وتشبيكها، ومس اللحية، وكف ثوبه، والاستناد بلا حاجة، وعقص الشعر وكفه وفرقعة الأصابع؟
ج: ما ورد عن علي مرفوعًا: «لا تقعقع أصابعك في الصلاة» رواه ابن ماجه، وعن كعب بن عجرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه» رواه الترمذي وابن ماجه. وقال ابن عمر في الذي يصلي وهو مشبك: «تلك صلاة المغضوب عليهم» رواه ابن ماجه.
وأما الدليل على كراهة مس اللحية، فلأنه من العبث وتقدم دليله، وأما كف الثوب والشعر، فلما ورد عن ابن عباس قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا الجبهة واليدين والركبتين والرجلين» أخرجاه.
وأما الدليل على عقص الشعر، فهو ما ورد عن ابن عباس «أنه رأى عبدالله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص إلى ورائه، فجعل يحل وأقر له الآخر، ثم أقبل على ابن عباس، فقال: مالك ورأسي؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما مثل هذا كمثل الذي يصلي وهو مكتوف»» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعن رافع قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل ورأسه معقوص» رواه أحمد وابن ماجه، وأما الاستناد، فلأنه يزيل مشقة القيام، وأما عند الحاجة فلا بأس به «لأنه صلى الله عليه وسلم لما أسن وأخذه اللحم، اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه» رواه أبو داود، وأما حمل المشغل، فلأنه يشغل القلب ويمنع الخشوع:
ويكره للمرء المصلى التفاته
ويكره تغميض العيون ورفعها
وكف الفتى ثوبًا وشعرًا وعقصه
وفرقعة والشبك بين أصابع
وللعبث اكره والتحضر بعده
وتكره من شخص يدافع أخبثًا
ويكره إقعاء وحمل لمشغل
بلا حاجة والجسم إن دار تفسد
وفرش ذراعي ساجد مع تميد
ومسح جباه والحصى المتبدد
ونظرة مله للخشوع مبعد
التروح أيضًا واعتمادًا على اليد
ومن تائق نحو الطعام الممهد
وتكراره للحمد في الركعة اعدد

س234: ما هو الإقعاء؟ وما الدليل على كراهته؟ وما الدليل على كراهة نقر الصلاة واستقبال نار؟
ج: الإقعاء: أن يلصق إليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويصنع يديه بالأرض، كإقعاء الكلب، والدليل على كراهته، ما ورد عن أبي هريرة قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب» رواه أحمد، وروى الحارث عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقعي بين السجدتين»، وعن أنس مرفوعًا: «إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقعي كما يقعى الكلب» رواهما ابن ماجه؛ وأما استقبال النار، فلأنه تشبه بالمجوس الذين يعبدون النار.
40- من ما يبطل الصلاة
س235: اذكر ما تستحضره من ما يبطل الصلاة؟ وما الأدلة الدالة على ما تذكر؟
ج: يبطلها ما أبطل الطهارة؛ لأنها شرط، وكشف العورة لا إن كشفها نحو ريح فسترها في الحال، واستدبار الكعبة حيث شرط استقبالها، واتصال النجاسة؛ فإن أزالها سريعًا صحت، لحديث أبي سعيد وتقدم في جواب سؤال سابق، ويبطلها العمل الكثير المتوالي عرفًا من غير جنس الصلاة لغير ضرورة وتعمد زيادة ركن فعلي؛ لأنه يخل بهيئتها، وتعمد تقديم بعض الأركان على بعض؛ لأن ترتيبها ركن كما تقدم، وتعمد السلام قبل إتمامها؛ لأنه تكلم فيها وبفسخ النية، وتبطل الصلاة بالكلام عمدًا من عالم أنه يبطل، لحديث زيد ابن أرقم قال: «كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وتبطل بسلامه عمدًا قبل إمامه، لأنه ترك متابعته لغير عذر، وبالأكل والشرب عمدًا، لا بأكل وشرب يسيرين عرفًا سهوًا أو جهلاً، لحديث: «عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان».
س236: بين أحكام ما يلي: جمع سورتين في ركعة، تكرار سورة في ركعتين، ملازمة سورة بعينها، واذكر دليل كل حكم.
ج: يجوز ذلك بلا كراهة، لما في «الصحيح»: «أن رجلاً من الأنصار كان يؤمهم فكان يقرأ قبل كل سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثم يقرأ سورة أخرى معها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على لزوم هذه السورة؟» فقال: إني أحبها، فقال: «حبك إياها أدخلك الجنة»» رواه مالك في الموطأ. وعن عبدالله ابن مسعود أنه قال: «لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة» متفق عليه، وعن معاذ بن عبدالله الجهني قال: «إن رجلاً من جهينة أخبر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح إِذَا زُلْزِلَتِ في الركعتين كلتيهما فلا أدري أنسي أم قرأ ذلك عمدًا؟» رواه أبو داود.
س237: بين حكم قراءة أواخر السور وأوساطها، واذكر الدليل على ما تقول.
ج: يجوز لقوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ.
ولما روى أحمد ومسلم عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر قوله تعالى: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الآية، وفي الثانية الآية في آل عمران: قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ الآية».
وليس بمكروه قراءة زائد
كذلك أن تقرأ أواخر سورة
على سورة في الفرض كالنفل فاشهد
وأوساطها أيضًا فلا تتردد

سترة المصلي
س238: بين أحكام ما يلي: اتخاذ سترة للمصلي، مقدارها، قربه منها، رد المار بين يدي المصلي، واذكر الدليل على ما تذكر موضحًا.
ج: تسن الصلاة إلى سترة قائمة كمؤخر الرحل، لحديث طلحة بن عبدالله مرفوعًا: «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك» رواه مسلم؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى حربة وإلى بعير، رواه البخاري، ويستحب قربه منها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «صلى إلى الكعبة وبين يديه الجدار نحو من ثلاثة أذرع» رواه أحمد والبخاري؛ ولحديث سهل بن بحينة مرفوعًا: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته» رواه أبو داود.
وعن سهل بن سعد: «كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين السترة ممر الشاة» رواه البـخـاري. ويـسـن لـه رد المار بـين يديه بدفعه بلا عنـف آدميًا كـان أو غيره، فرضًـا كانـت الصلاة أو نفلاً، لحديث أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه؛ فإن أبى، فليقاتله فإن معه القرين» رواه مسلم، ولأبي داود: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه وليدرأ ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان، ولا يكرر الدفع إن خاف فسادها».
ويجزئ عن ستر ثلاثة أذرع
وإن يمرر الإنسان في غير مكة
تجاه المصلي من ورا ذاك فاغتد
ورا سترة عن ذاك فادفعه واصدد

س239: إذا لم يجد شاخصًا وتعذر عليه غرر عصا ونحوها، فما الحكم؟
ج: يخط خطًا، لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا؛ فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا، فليخط خطًا ولا يضر ما مر بين يديه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
س240: ما الذي يقطع الصلاة ومتى يقطعها؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: يقطعها المرأة، والحمار، والكلب الأسود إذا مر بين المصلي وبين سترته، وإذا لم تكن له سترة فمر بين يديه قريبًا منه كقربه من السترة، أي ثلاثة أذرع فأقل من قدميه قطعها، لما ورد عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقطع صلاة الرجل المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود» الحديث، وفيه: «الكلب الأسود شيطان» أخرجه مسلم، وعن عبدالله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار» رواه أحمد وابن ماجه.
وعن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود»، قلت: يا أبا ذر، ما بال الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: «الكلب الأسود شيطان» رواه الجماعة إلا البخاري.
س241: هل سترة الإمام سترة لمن خلفه؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل والتعليل.
ج: نعم سترة الإمام سترة لمن خلفه، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «هبطنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من ثنية إلى أخرى، فحضرت الصلاة فعمد إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت بهيمة تمر بين يديه، فما زال يداريها حتى لصق بطنه بالجدار، فمرت من ورائه» رواه أبو داود، فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق.
س242: بين أحكام ما يلي: اتخاذ السترة للمأموم، إذا مر بين يدي المأمومين شيء مما يقطع الصلاة، أو بين يدي الإمام، المرور بين يدي المصلي؟
ج: أولاً: يستحب للمأموم اتخاذ سترة ولا تبطل صلاة المأمومين بمرور شيء بين أيديهم، وإن مر ما يقطع الصلاة بين الإمام وسترته قطع صلاته وصلاتهم، ويحرم المرور بين المصلي وسترته أو قدرها إن لم يكن سترة، لما ورد عن أبي الجهم عبدالله بن الحارث بن الصمة الأنصاري ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه»، قال أبو النضر: لا أدري، قال أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة؟ رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم أحدكم ما له في أن يمشي بين يدي أخيه معترضًا وهو يناجي ربه، لكان أن يقف في ذلك المقام مائة عام أحب إليه من الخطوة التي خطاها»
رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»، واللفظ لابن حبان.
س243: اذكر الصور التي لا يرد فيها المصلي من مر بين يديه، وحكم صلاة من صلى في موضع يحتاج فيه إلى المرور، وهل تنقص بذلك صلاته؟
ج: إذا غلبه المار ومر لم يرده من حيث جاء ثانيًا إذا كان محتاجًا إلى المرور بأن كل الطريق ضيقًا أو يتعين طريقًا ثالثًا في مكة المشرفة، فلا يرد المار بين يديه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «صلى بمكة والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة» رواه أحمد وغيره، وتكره صلاة بموضع يحتاج فيه إلى المرور وتنقص صلاته إن لم يرده نص عليه. روي عن ابن مسعود: أن ممر الرجل ليضع نصف الصلاة، قال القاضي: ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعل، أما إذا لم يمكنه الرد فصلاته تامة؛ لأنه لا يوجد منه ما ينقص الصلاة ولا يؤثر فيها ذنب غيره.
س244: بين حكم ما يلي: إمام ارتج عليه أو غلط، من رأى بقربه حية أو عقربًا وهو يصلي، من انحل كور عمامته أو إزاره، وهو يصلي، وسق ما تستحضره من الأدلة على ما تذكر.
ج: للمصلي أن يفتح على إمامه إذا ارتج عليه أو غلط في قراءة السورة فرضًا كانت الصلاة أو نفلاً، روي ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر، لما روى ابن عمر «أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فلبس عليه، فلما انصرف، قال لأبي بن كعب: «أصليت معنا؟» قال: نعم، قال: «فما منعك؟»» رواه أبو داود، وقال الخطابي: إسناده جيد؛ ولأن ذلك تنبيه في الصلاة بما هو مشروع فيها أشبه التسبيح ويجب عليه الفتح على إمامه إذا ارتج عليه أو غلط في الفاتحة لتوقف صحة صلاته على ذلك، ولا يفتح المصلي على غير إمامه لعدم الحاجة إليه ولم تبطل الصلاة به؛ لأنه قول مشروع فيها، وله قتل حية وعقرب، لما ورد عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة العقرب والحية» رواه الخمسة وصححه الترمذي.
ولبس الثوب، ولف العمامة، وحمل شيء ووضعه، وإشارة بوجه، وعين ويد، ونحو ذلك من الأعمال اليسيرة لحاجة وإلا كره، لما روى وائل بن حجر «أن النبي صلى الله عليه وسلم التحف بإزاره وهو في الصلاة» وتقدم حمله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب في جواب سؤال سابق، ولما روى أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة» رواه الدارقطني بإسناد صحيح، وأبو داود ورواه الترمذي من حديث ابن عمر، وقال: حسن صحيح.
وعن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت والباب عليه مغلق فجئت فمشى حتى فتح لي، ثم رجع مقامه ووصفت أن الباب في القبلة» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، ولا تبطل بعمل القلب، لما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى؟ فإذا لم يدري أحدكم ثلاثًا صلى أو أربعًا، فليسجد سجدتين وهو جالس» متفق عليه. وقال البخاري: قال عمر: «إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة».
س245: ما حكم رد المعصوم عن بئر ونحوه وإنقاذ الغريق والحريق، ونحوهما في حق المصلي؟ وماذا يعمل من نابه شيء مثل سهو إمامه أو نحوه؟
ج: يجب عليه قطع الصلاة لذلك فرضًا كانت أو نفلاً؛ لأنه يمكن تدارك الصلاة بالقضاء بخلاف الغريق ونحوه، وإذا نابه شيء في الصلاة مثل سهو إمامه أو استئذان إنسان عليه سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى، لما ورد عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء» متفق عليه. زاد مسلم: «في الصلاة».
س246:هل للمصلي أن يدعو إذا مر بآية رحمة،ويتعوذ إذا مر بآية وعيد؟
ج: وللمصلي التعوذ عند آية وعيد والسؤال عند آية رحمة، ولو في فرض، لما ورد عن حذيفة قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى، وما مرت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل، ولا آية عذاب إلا تعوذ منها»» رواه الخمسة وصححه الترمذي.
وعن عبدالرحمن بن أبي ليلة عن أبيه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة ليس بفريضة، فمر بذكر الجنة والنار، فقال: «أعوذ بالله من النار ويل لأهل النار»» رواه أحمد وابن ماجه بمعناه.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» رواه مسلم.
وعن عوف بن مالك قال: «قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ فاستاك وتوضأ ثم قام فصلى فبدأ فاستفتح البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف يسأل، قال: ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ثم ركع» الحديث، رواه النسائي وأبو داود، ولم يذكر الوضوء ولا السواك.
س247: ماذا يعمل من غلبه تثاؤب، أو بدره بصاق أو مخاط أو نخامة؟
ج: إذا غلبه تثاؤب كظم ندبًا وإلا وضع يده على فيه، لحديث: «إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطع، فإن الشيطان يدخل فاه» رواه مسلم. وللترمذي «فليضع يده على فيه» قال بعضهم: اليسري بظهرها ليشبه الدفع له، وإن در المصلي بصاق أو مخاط، أو نخامة أزاله في ثوبه، وعطف أحمد بوجهه وهو في المسجد فبصق خارجه، ويباح أن يبصق ونحوه بغير مسجد عن يساره وتحت قدمه، لحديث: «إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره» وبصقه في ثوبه أولى، ويكره يمنة وأمامًا لظاهر الخبر واحترامًا لحفظ اليمين، ولزم غير باصق إزالته من مسجد لخبر أبي ذر «وجدت
في مساوئ أعمالنا النخامة تكون في المسجد فلا تدفن» رواه مسلم، وسن تخليق محله لفعله صلى الله عليه وسلم:
وإن يمرر الإنسان في غير مكة
ورد على التالي ونبه مسبحًا
وتبصق إن صليت في البر يسرة
ولا بأس أن يقرأ القرآن بمصحف
ويكره قطع النفل من غير حاجة
ورا سترة فادفعه عن ذاك واصدد
والأنثى ببطن الكف في ظاهر اليد
وفي المسجد ابصق في ثيابك وامسد
ويدعو بما في وعده والتهدد
وعن أحمد حرمه لا تتردد


41- باب سجود السهو
س248: ما حكم سجود السهو؟ وما أسبابه؟ وما الأصل في مشروعيته؟
ج: تارة يجب، وتارة يسن، وتارة يباح، وأسبابه ثلاثة: زيادة، ونقص، وشك، والأصل في مشروعيته قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: «فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين» رواه مسلم.
س249: بين متى يسن؟ ومتى يباح؟ ومتى يجب؟ واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: يسن إذا أتى بقول مشروع في غير محله، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» رواه مسلم. ويباح إذا ترك مسنونًا سهوًا كان من عزمه أن يأتي به ولا يسن؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، ويجب إذا زاد ركوعًا أو سجودًا أو قيامًا أو قعودًا، لحديث ابن مسعود: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا فلما انفتل من الصلاة ترشوش القوم بينهم، فقال: «ما شأنكم؟»، فقالوا: يا رسول الله، هل زيد في الصلاة شيء؟ قال: «لا»،قالوا:فإنك صليت خمسًا، فانفتل فصلى سجدتين، ثم سلم، ثم قال: «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين»»، وفي لفظ: «فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين»، وإن سلم مصل قبل إتمامها عمدًا بطلت، ويجب السجود على من سهى وسلم قبل إتمامها، لحديث عمران بن حصين قال: «سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج فصلى الركعة التي ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم» رواه مسلم.
س250: بين حكم صلاة مصل زاد ركعة ثم ذكر، وهل يحتسب المسبوق بالركعة الزائدة؟ وهل يدخل مع الإمام القائم لركعة زائدة؟
ج: إذا زاد ركعة قطع متى ذكر وبنى على ما فعله قبل الزيادة لعدم ما يلغيه، ولا يتشهد إن كان قد تشهد ثم سجد للسهو وسلم، وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد للسهو ثم سلم، ولا يحتسب بالركعة الزائدة مسبوق دخل مع الإمام فيها أو قبلها؛ لأنها زيادة لا يعتد بها الإمام، ولا يجب على من علم الحال متابعته فيها، ولا يصح أن يدخل مع الإمام القائم لزائدة من علم أنها زائدة.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:43 am

س251: ماذا يلزم المأمومين إذا سهى على إمامهم؟ وماذا يلزمه؟ وما هو الدليل على ما تذكر؟ وضح ذلك وعلل لما يحتاج إلى تعليل.
ج: يلزم المأمومين تنبيه الإمام إذا سهى عليه وإذا نبهه ثقتان فأكثر لزمه الرجوع إلى تنبيههم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قبل قول القوم في قصة ذي اليدين؛ فإن نبهه واحد لم يرجع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع لقول ذي اليدين وحده. عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشى فصلى ركعتين، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل يقال له ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: «لم أنس ولم تقصر»، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه، ثم سلم، فيقول: أنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم» متفق عليه، وليس لمسلم فيه وضع اليد على اليد ولا التشبيك.
س252: إذا ذكر قريبًا عرفًا من سلم قبل إتمامها سهوًا أنه لم يتمها، فما الحكم؟
ج: يتمها ويسجد وجوبًا، لحديث عمران بن حصين قال: «سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات في العصر، ثم قام ودخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم» رواه مسلم.
س253: إذا انحرف عن القبلة من سلم قبل إتمامها، أو خرج من المسجد أو لم يذكر حتى قام من مصلاه، فما الحكم؟ وما دليل الحكم؟ اذكرهما بوضوح.
ج: يبني ولو انحرف عن القبلة أو خرج من المسجد، لقصة ذي اليدين، وإذا لم يذكر من سلم قبل إتمام صلاته حتى قام من مصلاه فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي من صلاته عن جلوس مع النية؛ لأن القيام واجب للصلاة ولم يأت به لها؛ فإن طال الفصل عرفًا أو حدث أو تكلم لغير مصلحتها بطلت، لما روى معاوية بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين» رواه مسلم وأبو داود، وإن تكلم يسيرًا لمصلحتها لم تبطل إمامًا كان أو غيره، وقيل: إن الكلام بعد سلامه سهوًا لمصلحتها أو لغير
مصلحتها لا يبطل الصلاة، وكذلك الكلام سهوًا أو جهلاً في صلبها، لحديث ذي اليدين، وأنه تكلم هو والنبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وكثير من المصلين، ولم يأمر أحدًا منهم بالإعادة، وكذلك لما تكلم معاوية ابن الحكم السلمي في الصلاة وشمت العاطس، لم يأمره صلى الله عليه وسلم بالإعادة، ولأن الناسي والجاهل غير آثم فلا تبطل.
س254: ما حكم سجود السهو في حق من ترك واجبًا، أو شك في زيادة وقت فعلها؟
ج: يجب إذا ترك واجبًا، لحديث ابن بحينة: «أنه صلى الله عليه وسلم قام في الظهر من ركعتين فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى الصلاة انتظر الناس تسليمه، كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم» متفق عليه. فثبت هذا بالخبر وقيس عليه سائر الواجبات، وكذا يجب سجود السهو إذا شك في زيادة وقت فعلها؛ لأنه أدى جزءًا من صلاته مترددًا في كونه منها أو زائدًا عليها، فضعفت النية واحتاجت للجبر بالسجود، لعموم حديث: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين» متفق عليه.
س255: هل تبطل الصلاة بتعمد ترك سجود السهو؟ وما الدليل على ما تقول؟
ج: تبطل بتعمد ترك سجود سهو واجب أفضليته قبل السلام ولا تبطل بتعمد ترك سجود مسنون، ولا واجب على أفضليته بعد السلام، وهو ما إذا سلم قبل إتمامها؛ لأنه خارج عنها، فلم يؤثر في إبطالها، وإن شاء سجد سجدتي السهو قبل السلام أو بعده؛ لأن الأحاديث وردت بكل من الأمرين. وقال الزهري: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام، ذكر في «المغني»: لكن إن سجد بعده تشهد وجوبًا وسلم، لحديث عمران بن حصين: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسما، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم» رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
ولأن سجود السهو بعد السلام في حكم المُستقبل بنفسه من وجه، فاحتاج إلى التشهد كما احتاج إلى السلام، وإن نسي السجود حتى طال الفصل عرفًا أو حدث سقط لفوات محله.
س256: هل على مأموم سها دون إمامه سجود سهو؟ وإذا سها إمامه فهل يتابعه؟
ج: ليس على مأموم دخل أول الصلاة سجود سهو، إلا أن يسهو إمامه فيتابعه في سجود السهو، حكاه ابن المنذر إجماعًا، لما تقدم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: «أنه لم يسجد لترك التشهد الأول والسلام من نقصان سجد الناس معه» ولعموم قوله: «وإذا سجد فاسجدوا» ولحديث ابن عمر مرفوعًا: «ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه» رواه الدارقطني.
س257: تكلم عن حكم من نسي ركنًا من أركان الصلاة؟
ج: من نسي ركنًا غير التحريمة فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها، وقامت الركعة التي تليها مقامها ويجزيه الاستفتاح الأول؛ فإن رجع إلى الأولى عمدًا بطلت صلاته، وقيل: يرجع، ولو كان قد شرع في قراءة الركعة التي تليها، فيأتي بالمتروك وبما بعده إن لم يصل إلى محله، فلا حاجة إلى الرجوع وعليه السجود لذلك، وإن ذكر المتروك بعد السلام فكترك ركعة كاملة، فيأتي بركعة مع قرب فصل عرفًا ولو انحرف عن القبلة، أو خرج من المسجد، ويسجد له قبل السلام، وإن طال الفصل أو أحدث بطلت لفوات الموالاة، فإن كان المتروك تشهدًا أخيرًا أتى به وسجد وسلم، أو كان المتروك سلامًا أتى به وسجد السهو وأسلم.
س258: تكلم عمن نسي التشهد الأول وحده أن نسيه مع جلوس له؟ واذكر الدليل على ما تذكر.

ج: إذا نسي التشهد الأول وحده أو نسيه مع جلوس له ونهض، لزمه الرجوع والإتيان به ما لم يستتم قائمًا، لما روى المغيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائمًا فليجلس وإن استتم قائمًا فلا يجلس وسجد سجدتي السهو» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
عن عبد الله بن بحينة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم فقام في الركعتين فسبحوا به فمضى ، فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين ثم سلم» رواه النسائي. وعن زياد بن علاقة قال: «صلى المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم، ثم سجد سجدتين وسلم، ثم قال: هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد والترمذي وصححه.
س259: تكلم عما يلي: مصل شك في عدد الركعات، مأموم شك هل أدرك الركوع مع الإمام أم لا؟ مأموم شك هل دخل مع الإمام في الأولى أم الثانية؟ آخر شك هل دخل معه في الركعة الثانية أو الثالثة؟
ج: من شك في عدد الركعات بأن تردد أصلي اثنتين أم ثلاثًا؟ أخذ بالأقل؛ لأنه المتيقن ولا فرق بين الإمام والمتفرد، ولا يرجع مأموم واحد إلى فعل إمامه، فإذا سلم أتى بما شك فيه وسجد وسلم، وإن شك هل دخل مع الإمام في الأولى أو الثانية جعله في الثانية؛ لأنه المتيقن، ويسجد للسهو، لحديث أبي سعيد مرفوعًا: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدري أصلى ثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كن صلى أربعًا كانتا ترغيمًا للشيطان» رواه أحمد ومسلم. وحديث ابن مسعود مرفوعًا: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين» رواه الجماعة إلا الترمذي.
س260: ما معنى تحري الصواب فيه؟ وإذا شك في ترك ركن أو ترك واجب فما الحكم؟ وإذا تكرر السهو في الصلاة فكم يسجد؟ وجاوب عن الإيرادات على ما تقول.
ج: تحري الصواب فيه: هو استعمال اليقين؛ لأنه الأحوط، وإن شك في ترك ركن فكتركه، ولا يسجد لشكه في ترك واجب أو زيادة إلا إذا شك في الزيادة وقت فعلها، ويكفي لجميع السهو سجدتان ولو اختلف محلهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سها فسلم وتكلم بعد سلامه وسجد لهما سجودًا واحدًا؛ ولأنه شرع للجبر فكفى فيه سجود واحد، كما لو كان من جنس، ولأنه إنما أخر ليجمع السهو كله.
وأما حديث ثوبان «لكل سهو سجدتان بعد السلام»، فالسهو اسم جنس، ومعناه لكل صلاة فيها سهو سجدتان يدل عليه قوله بعد السلام، ولا يلزمه بعد السلام سجودان.
س261: إذا اجتمع سهوان: أحدهما قبل السلام والآخر بعده، فأيهما يغلب؟ وما الذي يقال في سجود السهو بين السجدتين؟ وضح ذلك.
ج: يغلب ما قبل السلام على ما بعده، فيسجد للسهو سجدتين قبل السلام؛ لأنه أسبق وآكد وقد وجد سببهُ ولم يوجد قبله ما يقوم مقامه، فإذا سجد له سقط الثاني وسجود السهو، وما يقال فيه من تكبير وتسبيح، وعند هوى ورفع كصلب الصلاة، لما تقدم من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر. متفق عليه، واللفظ للبخاري.
س262: ما محل سجود السهو؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.

ج: محله قبله إلا في السلام قبل إتمام صلاته إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر لحديث عمران بن حصين، وذي اليدين؛ ولأنه من تمام الصلاة، فكان قبل السلام كسجود صلبها، وإلا فيما إذا بنى الإمام على غالب عنه، فإنه يسجد بعده ندبًا، لحديث علي وابن مسعود مرفوعًا: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم ما عليه، ثم ليسجد سجدتين» متفق عليه. وفي البخاري بعد السلام وكونه بعد السلام أو قبله ندب؛ لأن الأحاديث وردت في كل من الأمرين، فلو سجد الكل قبل السلام أو بعده جاز، وإن شك في محل فيجعله قبله.
ويبني على المستيقن النزر من طرا
وشك الفتى في ترك ركن كتركه
وما الشك من بعد الفراغ مؤثر
وليس على المأموم شك ويتبع الإمام
وما بطلت بالعمد منه صلاته
واجمعه قبل السلام سوى الذي
كذلك في سهو الإمام إذا بنى
وتأخير ما قبل السلام لبعده
ويبطلها في العمد إهماله لما
وشرط سجود السهو كالأصل يا فتى
ويكفي سجود واحد كل سهوه
له الشك في الركعات من متعدد
وفي واجب ما من سجود بأجود
يقاس على هذا جميع التعبد
ولو في واجب مع تعمد
فأوجب سجود السهو فيه وآكد
يسلم عن نقص فخذ أخذ أيد
على غالب الظن أن نقل ذاك فاهتد
وبالعكس جوز لكن الندب ما بدى
ندبت له قبل السلام بأوطد
ولا تسجدن للسهو في السهو تقتدي
وعن كل وسواس لسهوك فاصدد

42- باب صلاة التطوع
س263: ما هو التطوع لغة واصطلاحًا؟ وما أفضل ما يتطوع به؟
ج: لغة: فعل الطاعة، وشرعًا: طاعة غير واجبة، وأفضل ما يتطوع به الجهاد، ثم النفقة فيه، ثم العلم تعلمه وتعليمه من حديث، وفقه، وتفسير،
ثم الصلاة، وهي أفضل تطوع البدن، لما روى سالم بن أبي الجعد عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» رواه ابن ماجه، وإسناده ثقات إلى سالم؛ ولأن فرضها آكد الفروض فتطوعها آكد التطوع؛ ولأنها تجمع أنواعًا من العبادة: الإخلاص، والقراءة، والركوع، والسجود، ومناجاة الرب، والتوجه إلى القبلة، والتسبيح، والتكبير.
س264: ما أفضل صلاة تطوع؟ وما آكدها؟ وما أقل الوتر؟ وما أكثر؟
ج: أفضلها ما سن له الجماعة؛ لأنه أشبه بالفرائض، وآكدها كسوف، ثم استسقا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستسقي تارة ويتركها أخرى، ثم التراويح، لأنها تسن لها الجماعة، ثم وتر، لحديث بريدة «من لم يوتر فليس منا» رواه أحمد.
وأقله ركعة، لحديث ابن عمر وابن عباس مرفوعًا: «الوتر ركعة من آخر الليل»، وزاد مسلم: «وأكثره إحدى عشرة ركعة»، لقول عائشة «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الليل إحدى عشر ركعة يوتر منها بواحدة» متفق عليه، ويجوز سردها، لحديث عائشة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يفصل فيهن» رواه أحمد والنسائي.
س265: متى وقت الوتر؟ وما حكم القنوت فيه؟ وما دعاء القنوت فيه؟ وما هو الدليل؟
ج: وقته: ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، لحديث أبي سعيد مرفوعًا: «أوتروا قبل أن تصبحوا» رواه مسلم. ولما روي عن خارجة بن حذافة قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة، فقال: «لقد أكرمكم الله بصلاة هي خير لكم من حمر النعم»، قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الوتر فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر»» رواه الخمسة إلا النسائي، ويستحب أن يقنت في الركعة الأخيرة بعد الركوع؛ لأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وأنس وابن عباس وعن عمر وعلي «أنهما كانا يقنتان بعد الركوع» رواه أحمد والأثر، ولو كبر ورفع يديه ثم قنت قبل الركوع جاز، لحديث أبي بن كعب «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت قبل الركوع» رواه أبو داود، ولا بأس أن يدعو في قنوته بما شاء.
ومما ورد: «اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك» رواه أحمد ولفظه له، والترمذي وحسنه من حديث الحسن بن علي قال: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: «اللهم اهدني – إلى وتعاليت وليس فيه ولا يعز من عاديت»» ورواه البيهقي وأثبتها فيه، قال في «الاختيارات الفقهية»: ويُخير في الوتر بين فصله ووصله، وفي دعائه بين فعله وتركه.
قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام:
ولا تفتتن في كل وترك يا فتى
وكن قانتًا حينًا وحينًا فتاركًا
ففعل وترك سنة وكلاهما
فتجعله كالواجب المتأكد
لذلك تسعد بالدليل وتهتدي
أتت عن رسول الله إن كُنت مقتد

س266: ماذا يعمل بعد ما يخلُص من دعاء القنوت؟ واذكر الدليل لما تقول.
ج: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث الحسن بن علي السابق، وفي آخره: «وصلى الله على محمد» رواه النسائي.
وعن عمر «الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك» رواه الترمذي.
ويؤمن مأموم إن سمعه ثم يمسح وجهه بيديه هنا وخارج الصلاة إذا دعا، لعموم حديث عمر «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لا يحطهما حتى يمسح بهما وجهه» رواه الترمذي، ولقوله في حديث ابن عباس: «فإذا فرغت فامسح بهما وجهك» رواه أبو داود وابن ماجه.
س267: ما حكم القنوت لغير الوتر؟
ج: يكره قنوته في غير الوتر، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي الدرداء، لما روى مسلم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على أحياء من العرب ثم تركه» وروى أبو هريرة وابن مسعود نحوه مرفوعًا، وعن أبي مالك الأشجعي قال: «قلت لأبي إنك قد صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وخلف علي هاهنا بالكوفة نحو خمس سنين، أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني محدث» رواه أحمد بإسناد صحيح، والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم وليس فيه في الفجر؛ فإن نزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون سن الإمام الوقت خاصة القنوت بما يناسب تلك النازلة في كل مكتوبة، وقيل: ويقنت نائبه اختاره جماعة لقيامه مقامه، وقيل: وكل مصل. اختاره الشيخ تقي الدين.
س268: كم عدد الرواتب؟ وما هو الدليل على عددها؟
ج: قيل: إنها عشر، لما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الصبح» متفق عليه، وقيل: للظهر أربع قبلها، لما ورد عن علي «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعًا، وبعدها ركعتين»، وعن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعًا قبل الظهر صلاهن بعدها» رواهما الترمذي.

س269: ما آكد الرواتب؟ وما الدليل على آكديتها؟ وما الذي ينبغي أن يقرأ فيها؟
ج: آكد الرواتب سُنة الفجر، لحديث عائشة مرفوعًا: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر» متفق عليه، ويستحب تخفيفهما فإن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيها بأم الكتاب؟» متفق عليه. ويستحب أن يقرأ فيهما في الركعة الأولى بقوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ الآية التي في سورة البقرة، وفي الركعة الثانية بقوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا الآية. وأحيانًا بسورتي الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، لما ورد عن ابن عمر قال: «رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» رواه الخمسة إلا النسائي.
س270: بين حكم قضاء الرواتب مقرونًا بالدليل، وحكم قضاء الوتر كذلك؟
ج: يسن قضاء الرواتب والوتر، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس» رواه الترمذي. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضاهما مع الفريضة لما نام عن الفجر في السفر، وعن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعًا قبل الظهر صلاهن بعدها» رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، وعن أبي سعيد مرفوعًا: «من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكره» رواه أبو داود والترمذي.
س271: ما حكم الفصل بين الفرض والنفل؟ وحدد وقت الراتبة وأيهما أفضل؟ فعل النافلة في البيت أو في المسجد؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: يسن الفصل بين الفرض والنفل بقيام أو كلام، لقول معاوية: «إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج» رواه مسلم، ووقت كل راتب من الرواتب التي قبل الفرض من دخول وقت الفرض إلى تمام فعله، ووقت التي بعد الفرض من فعله إلى آخر وقته، ويستحب فعل التطوع في البيت وفعلها فيه أفضل من فعلها في المساجد، لما ورد عن زيد بن ثابت، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، لكن له معناه من رواية عبدالله ابن سعد.
س272: ما الدليل على سنية صلاة الليل؟ ولما كانت صلاة الليل أفضل من صلاة النهار فأيهما أفضل: الصلاة في أول الليل أو آخره؟ وضح ذلك.
ج: الدليل: حديث أبي هريرة مرفوعًا: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» رواه مسلم، والنصف الأخير أفضل من الأول لقوله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا إذا مضى شطر الليل» الحديث رواه مسلم، وحديث: «أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه».
س273: متى يكون التهجد؟ وما الذي يسن للمتهجد أن يفتتح تهجده به؟ وما حكم النية في حق مريد التهجد؟ وضح ذلك مقرونًا بالدليل.
ج: التهجد ما كان بعد النوم، لقول عائشة -رضي الله عنها-: «الناشئة القيام بعد النوم»، وقال الإمام أحمد: الناشئة لا تكون إلا بعد رقدة، ومن لم يرقد فلا ناشئة له، وقال: هي أشد وطئًا أي تثبتًا تفهم ما تقرأ، وتعي أذنك، ويسن افتتاحه بركعتين خفيفتين، لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين» رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وأما النية، فيسن أن ينوي عند النوم قيام الليل، لحديث أبي الدرداء مرفوعًا: «من نام ونيته أن يقوم كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه» حديث حسن رواه أبو داود والنسائي.
مما يتعلق بصلاة الليل من «مختصر النظم»:
وأفضل نفل المرء ليلاً ببيته
ولا تخلين الليل من ورد طائع
وإن شئت فاجهر فيه ما لم تخف أذى
وخذ قدر طوق النفس لا تسأمنه
فإن لم تصل فاذكر الله جاهدًا
فلا خير في عبد نؤم إلى الضحى
يناديه هل من سائل يعط سؤله
فقم تلو نصف مثل داود فاسجد
لحزبك تتلو فيه سرًا تجود
لإبعاد شيطان وإيقاظ رقد
وقل تستعن بالنوم عند التهجد
وتب واستقل مما جنيت تسدد
أما يستحي مولاً رقيبًا بمرصد
ومستغفر يغفر له ويؤيد

س274: ما حكم صلاة الضحى؟ وما أقلها وما أكثرها؟ ومتى وقتها؟ واذكر دليل كل مما تقدم.
ج: تسن صلاة الضحى، لما ورد عن أبي هريرة قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» متفق عليه.
وفي لفظ لأحمد ومسلم: وركعتي الضحى كل يوم، وأكثرها ثمان، لما ورد عن أم هانئ: «أنه لما كان عام الفتح، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحف به ثم صلى ثماني ركعات سبحة الضحى» متفق عليه.

ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال، لحديث: «قال تعالى: يا ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره» رواه الخمسة إلا ابن ماجه.
وأفضله إذا اشتد الحر، لحديث: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» رواه مسلم.
س275: تكلم عن أحكام ما يلي: صلاة الاستخارة، صلاة الحاجة، الصلاة عقب الوضوء، واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: تسن صلاة الاستخارة ولو في خير، ويبادر به بعدها، لما ورد عن جابر بن عبدالله، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، ويقول: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري –أو قال: عاجل أمري وآجله-، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به، قال: ويسمي حاجته»» رواه الجماعة إلا مسلمًا.
وتسن صلاة الحاجة إلى الله تعالى أو إلى آدمي، لحديث عبدالله بن أبي أوفى مرفوعًا: «من كانت له حاجة إلى الله عز وجل أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله تعالى، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل
إثم، لا تدع له ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته، ولا حاجة هي لك
رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين» رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: غريب.
وتسن صلاة عقب الوضوء لحديث أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة»، فقال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي» متفق عليه.

43- سجود التلاوة
س276: ما حكم سجود التلاوة؟ ولمن يسن؟ وهل يتابع المأموم الإمام فيه؟
ج: يسن سجود التلاوة مع قصر فصل للقارئ والمستمع، لحديث ابن عمر «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعًا لجبهته» متفق عليه. وعن عمر: «أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل، حتى جاء السجدة فنزل فسجد، وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة، قال: «يا أيها الناس، إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه»» رواه البخاري.
وفي لفظ: «إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء»، وعن زيد بن ثابت قال: «قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم (النجم) فلم يسجد فيها» متفق عليه؛ وأما إذا سجد الإمام في الصلاة الجهرية، فيلزم المأموم متابعته؛ وأما في الصلاة السرية، فقيل: يكره؛ لأن فيه إيهام على المأمومين، وقيل: يلزم المأموم اتباعه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا
سجد فاسجد»؛ ولأنه لو كان بعيدًا أو أصمًا لسجد في صلاة الجهر بسجود إمامه، فكذا هنا وعندي أن هذا القول أرجح لما أراه من قوة الدليل. والله أعلم.
س277: ما الذي يقال في سجود التلاوة؟ بينه مع ذكر الدليل.
ج: يقول في سجوده ما يقول في سجود صلب الصلاة، أي يقول: «سبحان ربي الأعلى وإن زاد غيره فحسن، ومنه: «اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود»، ومما ورد «سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه الترمذي.
وعن ابن عباس قال: «كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل، فقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم، كأني أصلي إلى أصل شجرة فقرأت السجدة، فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها تقول: اللهم احطط عني بها وزرًا، واكتب لي بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، قال ابن عباس: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة، فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة» رواه ابن ماجه والترمذي، وزاد فيه: «وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود –عليه السلام-».
س278: ما حكم سجود الشكر؟ وضح وقته ودليله، ومثل لما يحتاج إلى تمثيل.
ج: يسن سجود الشكر عند تجدد النعم العامة والخاصة، وعند اندفاع نقم عامة له وللناس أو خاصة به ظاهرة، كتجدد ولد أو مال أو جاه أو نصرة على عدو، لحديث أبي بكرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدًا لله» رواه الخمسة إلا النسائي.
وعن عبدالرحمن بن عون رضـي الله عنه قال: «سجد النبي صلى الله عليه وسلم فأطال السجود، ثم رفع رأسه، فقال: «إن جبريل أتاني فبشرني فسجدت لله شكرًا»» رواه أحمد وصححه الحاكم. وعن البراء بن عازب: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليًا إلى اليمن، فذكر الحديث، قال: فكتب إلى بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدًا شكرًا لله تعالى على ذلك» رواه البيهقي، وأصله في البخاري: «وسجد حين شفع في أمته فأجيب» رواه أبو داود، «وسجد الصديق حين جاءه قتل مسيلمة» رواه سعيد، «وسجد علي حين رأى ذا الندبة من الخوارج» رواه أحمد. «وسجد كعب حين بشر بتوبة الله عليه» وقصته متفق عليها.
ويقول إذا رأى مبتلى في دينه أو بدنه: «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً».
44- أوقات النهي
س279: ما هي أوقات النهي؟ وما أدلتها؟
ج: الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، هي: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، ومن الطلوع إلى ارتفاع الشمس قيد رمح، وعند قيامها حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تدنو من الغروب، وبعد ذلك حتى تغرب، وسندها ما ورد عن عبدالله الصنابحي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت من الغروب قارنها، فإذا غربت فارقها» ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات، رواه مالك وأحمد والنسائي.
أما دليل الوقت الأول، فلما ورد عن يسار مولى ابن عمر قال: «رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد ما طلع الفجر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الساعة، فقال: «ليبلغ شاهدكم غائبكم، أن لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتين»» رواه أحمد وأبو داود، وقيل: من صلاة الفجر وقت النهي، لما ورد عن أبي سعيد الخدري  قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» متفق عليه. ولفظ مسلم: «لا صلاة بعد صلاة الفجر».
وأما دليل باقي الأوقات فلحديث عقبة بن عامر «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» رواه مسلم، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها».
وفي رواية قال: «إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز، فإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان» متفق عليه.
قال العمريطي ناظمًا لأوقات النهي:
كل صلاة لم يكن لها سبب
من بعد فرض الصبح من وقت
وبعد ذلك الطلوع المعتبر
وعند الاستواء إلى الجمعة
وبعد فرض العصر لا اصفرارها
في الخمسة الأوقات حتمًا تجتنب
الأدا إلى طلوع الشمس عند الابتدا
إلى ارتفاع الشمس رمحًا في النظر
فالنفل فيها جائز إن أوقعه
عند الغروب ثم لاستتارها

س280: ما الذي يجوز فعله في أوقات النهي؟ وما هي أدلته؟
ج: قضاء الفرائض في أوقات النهي، لعموم: «من نام عن صلاة
أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» متفق عليه، ويجوز فعل المنذورات؛ لأنها واجبة أشبهت الفرائض، وتفعل سُّنة فجر بعده، وقيل: صلاة الصبح، لقوله: «لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر»، وتفعل سُّنة ظهر بعد العصر في الجمع تقديمًا كان أو تأخيرًا، لما روت أم سلمة قالت: «دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله، صليت صلاة لم أكن أراك تصليها؟ فقال: «إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر، وأنه قدم وفد بني تميم فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان»» متفق عليه.
ويجوز فعل ركعتي طواف، لحديث جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار» رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن حبان.
ويجوز إعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد، لحديث يزيد بن الأسود  «أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو برجلين لما يصليا فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: «ما منعكما أن تصليا معنا؟» قالا: قد صلينا في رحالنا. قال: «فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه، فإنهما لكما نافلة»» رواه أحمد واللفظ له والثلاثة، وصححه ابن حبان والترمذي.
وعن أبي ذر مرفوعًا: «صل الصلاة لوقتها؛ فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل ولا تقل إني صليت فلا أُصلي» رواه أحمد ومسلم.
وتجوز الصلاة على الجنازة في الوقتين الطويلين، وهما بعد الفجر وبعد صلاة العصر لطول مدتهما، ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة؛ لحديث عقبة بن عامر وتقدم قريبًا، وذكره في الحديث للصلاة مقرونًا بالدفن يدل على إرادة صلاة الجنازة، ولأنها صلاة من غير الخمس أشبهت النوافل؛ وأما إن خيف عليها في الأوقات القصيرة، فتجوز الصلاة عليها للعذر، وتفعل تحية مسجد إذا دخل الإمام يخطب بمسجد ويركعهما ولو كان وقت قيام الشمس قبل الزوال، ولما روى أبو سعيد: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة» رواه أبو داود.
قال الشيخ سليمان بن سحمان –رحمه الله الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام:
وعند أبي العباس لا حظر للذي
وذا لعموم النص إذ لا مخصص
أليس بها تقضي الفروض وكالذي
كذلك صح النهي حالة خطبة!!
فأما الذي يأتي ابتداء فإنه
فهذا دليل واضح متقرر
يصليهما أعني تحية مسجد
فخذ قول من بالنص يهدي ويهتدى
سمعت به في نظمه ذا التعدد
إمام لمن يأتي بنفل التعبد
يصلي ولا يجلس تحية المسجد
وقد كان في وقت من النهي فاقتد

والتطوع نوعان: نوع له سبب، ونوع لا سبب له، أما الذي لا سبب له وهو التطوع المطلق، فلا يجوز فعله في شيء منها، وأما ما له سبب، كسجود التلاوة، والشكر، وصلاة الكسوف، وقضاء سُّنة راتبة، وتحية مسجد، وسُّنة وضوء، فقيل: لا يجوز فعلها في هذه الأوقات، لعموم أحاديث النهي المتقدمة، وقيل: بتجويز ذوات الأسباب، لما ورد عن أبي قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» متفق عليه.
وقال في الكسوف: «فإذا رأيتموهما فادعوا الله تعالى وصلوا»، وفي لفظ: «فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة» والركعتين عقب التطهر، لعموم قوله في حديث أبي هريرة «في ساعة من ليل أو نهار» متفق عليه. وفي حديث
جابر في صلاة الاستخارة: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة» الحديث رواه الجماعة إلا مسلمًا.

45- باب صلاة الجماعة وأحكامها
س281: ما حكم صلاة الجماعة؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: واجبة وجوب عين للصلوات الخمس المؤداة حضرًا وسفرًا حتى في الخوف، لقوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ فأمر الجماعة حال الخوف، ففي غيره أولى يؤكده قوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» متفق عليه.
وعن أبي هريرة: «أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولي دعاه، فقال: «هل تسمع النداء؟» قال: نعم، قال: «فأجب»» رواه مسلم والنسائي.
س282: ما هي الحكمة في مشروعية صلاة الجماعة؟
ج: شرع لهذه الأمة الاجتماع للعبادة في أوقات معلومة، فمنها ما هو في اليوم والليلة للمكتوبات، ومنها: ما هو في الأسبوع وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السنة متكرر وهو صلاة العيدين لجماعة كل بلد، ومنها: ما هو
عام في السنة وهو الوقوف بعرفة، لأجل التواصل، والتوادد، والتعارف، والتآخي، وتعليم الجاهل بأحكامها من شروط وأركان، وواجبات وسنن.
س283: بين ما أقل الجماعة؟ واذكر الدليل على ما تذكر، وماذا يعمل مع تاركها؟
ج: أقل الجماعة اثنان في غير جمعة وعيد، لما روى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الاثنان فما فوقهما جماعة» رواه ابن ماجه، وعن مالك بن الحويرث، قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي، فقال: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما»» رواه البخاري، ويقاتل تاركها، أي الجماعة، لحديث أبي هريرة المتفق عليه كالأذان، لكن الأذان إنما قاتل على تركه إذا تركه أهل البلد كلهم بخلاف الجماعة، فإنه يقاتل تاركها وإن أقامها غيره؛ لأن وجوبها على الأعيان بخلافه.
س284: أين تفعل صلاة الجماعة؟ وكم تفضل الصلاة في جماعة على صلاة المنفرد؟ وما هو الدليل على ما تذكر؟
ج: تفعل في المسجد، لحديث زيد بن ثابت مرفوعًا: «صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» متفق عليه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لجار المسجد إلا بالمسجد»، وقال ابن مسعود: «من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن» الحديث رواه مسلم. وتفضل الصلاة في الجماعة على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، لما ورد عن عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» متفق عليه. ولهما عن أبي هريرة  بخمس وعشرين جزءًا، وكذا للبخاري عن أبي سعيد، وقال: درجة.

س285: بين هل ينقص أجر من ترك الجماعة لعذر؟ واذكر الدليل على ذلك.
ج: ولا ينقص أجر المصلي منفردًا مع العذر، لما روى أحمد والبخاري وأبو داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا»، وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحس الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» رواه أحمد وأبو داود، والنسائي.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:45 am

س286: ما هو الثغر؟ وما هو المستحب لأهله؟ التعدد أم الاجتماع في مسجد واحد؟
ج: الثغر: هو المكان المخوف من فروج البلدان، والأفضل لأهله الاجتماع بمسجد واحد؛ لأنه أعلى للكلمة وأوقع للهيبة، فإذا جاءهم خبر من عدوهم سمعه جميعهم وتشاوروا في أمرهم، وإن جاء عين للكفار رأى كثرتهم فأخبر بها، قال الأوزاعي: لو كان الأمر إلى لسمرت أبواب المسجد التي للثغور ليجتمع الناس في مسجد واحد.
س287: ما الأفضل لغير أهل الثغر؟ اذكر ذلك مرتبًا مع ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: الأفضل لغيرهم في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره؛ لأنه يعمره بإقامة الجماعة فيه، ويحصلها لمن يصلي فيه، وذلك معدوم في غيره، أو تقام فيه الجماعة بدون حضوره لكن في قصده غيره كسر قلب إمامه أو جماعته فجبر قلوبهم أولى قاله جمع، منهم الموفق والشارح، ثم ما كان أكثر جماعة، ثم المسجد العتيق وأبعد أولى من أقرب؛ أما ما كان أكثر جماعة، فلما ورد عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر جماعة فهو أحب إلى الله تعالى» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي؛ وأما المسجد العتيق، فلأن الطاعة فيه أسبق، والعبادة فيه أكثر، وأما الأبعد، فلما ورد عن أبي موسى قال: قال موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الناس في الصلاة أجرًا أبعدهم إليها مَمْشَى» رواه مسلم، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا» رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.
ولما أخرجه مسلم عن جابر قال: «خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: «إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب السجد؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: «يا بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم»».
وأهل الثغور المستحب اجتماعهم
وغيرهم الأولى له ما تعذرت
من بعد ذا ما كان أوفى جماعة
إذا لم يَضُرُ في مسجد متفرد
إقامتها إلا بحضرته قد
فأقدم بنيانًا فأبعد مقصد

س288: بين حكم الإمامة في مسجد له إمام راتب، وإذا تأخر فماذا يعمل؟
ج: يحرم أن يؤم في مسجد له إمام راتب، فلا تصح إمامة غيره قبله إلا مع إذنه أو مع تأخره وضيق الوقت، ويراسل راتب إن تأخر عن وقته المعتاد مع قرب محله وعدم المشقة ليحضر أو يأذن أو يعلم عذره، ولا يجوز أن يتقدم غيره قبل ذلك، فإن بعد محله أو قرب وفيه مشقة أو لم يظن حضوره أو ظن حضوره ولا يكره ذلك صلوا جماعة؛ لأنهم معذورون وقد أسقط حقه بالتأخر، ولأن تأخره عن وقته المعتاد يغلب على الظن وجود عذر له.

س289: بين ما تستحضره من دليل على ما تقدم؟
ج: ما ورد عن ابن مسعود عن عقبة بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم، أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كانوا في القراءة سوءا، فأعلمهم بالسُّنة؛ فإن كانوا في السُّنة سواء، فأقدمهم هجرة؛ فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سنًا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه»، وفي لفظ: «لا يؤمن الرجل الرجل في أهله ولا سلطانه».
وفي لفظ: «سلما بدل سنا» روى الجميع أحمد ومسلم. والراتب بمنزله صاحب البيت، وهو أحق بالإمامة ممن سواه، وأما إن تأخر وضاق الوقت أو كان لا يكره ذلك فيصلون، لما ورد عن سهل ابن سعد: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم، قال: فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حق وقف في الصف، فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثر الناس التصفيق التفت، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف، فقال: «يا أبا بكر، ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟» فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء»» متفق عليه.
س290:ما حكم الشروع في النفل بعد إقامة الصلاة؟ وماذا يعمل من شرع
في نافلة ثم أقيمت الصلاة؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: إذا أقيمت الصلاة لم يجز الشروع في نفل، لما ورد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» رواه مسلم؛ فإن شرع في نافلة بعد الشروع في الإقامة لم تنعقد، لما روى عن أبي هريرة «وكان عمر يضرب على كل صلاة بعد الإقامة، وإن أقيمت وهو فيها أتمها خفيفة، لقوله تعالى: وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ».
س291: ما الذي تدرك به الجماعة؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: تدرك بإدراك ركعة مع الإمام، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة» رواه أبو داود، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة» أخرجاه. وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته» رواه النسائي، وابن ماجه، والدارقطني، واللفظ له وإسناده صحيح لكن قوي أبو حاتم إرساله.
س292: ما الذي تدرك به الركعة؟ وهل تجزى تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع؟
ج: تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، لحديث أبي هريرة وتقدم قبل هذا السؤال، وعن أبي بكرة  «أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «زادك الله حرصًا ولا تعد»» رواه البخاري، وتجزئ تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع، لفعل زيد بن ثابت، وابن عمر، ولا يعرف
لهما مخالف من الصحابة؛ ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد، فأجزأ الركن عن الواجب، وإتيانه بهما أفضل خروجًا من خلاف من أوجبه. والله أعلم.
س293: ما الأولى لمن أدرك الإمام بعد الركوع؟ وماذا يلزم من قام قبل التسليمة الثانية؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: إذا أدركه بعد الركوع لم يكن مدركًا للركعة، وعليه متابعته قولاً وفعلاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا» الحديث وتقدم، وإن قام مسبوق قبل أن يسلم الإمام التسليمة الثانية بلا عذر يبيح المفارقة للإمام لزمه العود ليقوم بعدها؛ لأنها من جملة الركن، ولا تجوز المفارقة بلا عذر.
س294: إذا أدرك في سجود السهو بعد السلام، فهل يدخل معه؟ وإذا فاتته الجماعة ، فما المسنون في حقه؟ وضح ذلك.
ج: إذا أدركه في سجود سهو بعد السلام لم يدخل معه؛ لأنه خرج من الصلاة ولم يعد إليها به، وإن فاتته الجماعة استحب له أن يصلي في جماعة أخرى؛ فإن لم يجد استحب لبعضهم أن يصلي معه، لحديث أبي سعيد: «أن رجلاً دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يتصدق على ذا فيصلي معه؟» فقام رجل من القوم فصلى معه» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي بمعناه.
س295: هل تجب القراءة على المأموم إذا سمع قراءة الإمام؟ اذكر الدليل على ما تقول.
ج: لا تجب القراءة على المأموم، لقوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ  قال أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية نزلت في الصلاة، ولما ورد عن أبي هريرة مرفوعًا: «إنما جعل
الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فانصتوا» رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه أحمد في رواية الأثرم، ومسلم بن الحجاج، وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءته له قراءة» رواه أحمد في مسائل ابنه عبدالله، ورواه سعيد، والدراقطني مرسلاً، وعن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: «هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟» فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: «فإني أقول ما لي أنازع القرآن؟» قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن، وحديث عبادة الصحيح محمول على غير المأموم، وكذلك حديث أبي هريرة، وقد جاء مصرحًا به عن جابر مرفوعًا: «كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج إلا وراء الإمام» رواه الخلال.
س296: متى تسن القراءة للمأموم؟ وما محل سكتات الإمام؟ وما دليلها؟
ج: يستحب أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه، وإذا لم يسمعه، ودليل السكتات حديث الحسن عن سمرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت سكتين: إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلها»، وفي رواية: «سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ» رواه أبو داود، ويقرأ فيما لا يجهز فيه متى شاء لقول جابر: «كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب» رواه ابن ماجه. قال في «المغني»: والاستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه. هذا قول أكثر أهل العلم.
س297: هل يستفتح المأموم فيما يجهر فيه الإمام؟
ج: أما في حال قراءة إمامه فلا يستفتح ولا يستعيذ؛ لأنه إذا سقطت القراءة عنه كيلا يشتغل عن استماع قراءة الإمام، فالاستفتاح أولى؛ ولأن قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا يتناول كل ما يشغل عن الإنصات من الاستفتاح وغيره؛ ولأن الاستعاذة إنما شرعت من أجل القراءة، فإذا سقطت القراءة سقطت التبع.
س298: متى يشرع المأموم في أفعال الصلاة؟ وما حكم موافقة الإمام؟ وما حكم مسابقته؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: يشرع في فعلها من غير تخلف بعد فراغ الإمام؛ فإن وافقه كره وتحرم مسابقته، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا رفع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع» الحديث، إذ الفاء للتعقيب، فلو سبق الإمام المأموم بالقراءة وركع تبعه الإمام ويقطع القراءة التي شرع بها ويركع عقبه؛ وأما الموافقة في أقوال الصلاة، كأن كبر للإحرام معه أو قبل إتمامه الإحرام، لم تنعقد صلاته، عمدًا كان أو سهوًا؛ لأن شرطها أن يأتي بها بعد إمامه وقد فاته؛ وأما الدليل على تحريم المسابقة، فهو ما ورد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالقعود، ولا بالانصراف» رواه أحمد ومسلم. وحديث أبي هريرة: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» الحديث متفق عليه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن حول الله رأسه رأس حمار أو يحول الله صورته حمار» رواه الجماعة.
س299: بين حكم ما يلي: مأموم ركع أو سجد قبل إمامه، مأموم ركع ورفع قبل إمامه، مأموم ركع ورفع قبل ركوع ثم سجد قبل رفعه، وضح ذلك توضيحًا شافيًا.
ج: أما الأول: وهو من ركع أو سجد قبل إمامه، فهذا عليه أن يرجع ليأتي بما سبق به الإمام بعده لتحصل المتابعة الواجبة؛ فإن لم يفعل عمدًا حتى لحقه الإمام فيه بطلت صلاته، وإن كان سهوًا أو جهلاً فصلاته صحيحة ويعتد به، وأما من ركع ورفع قبل إمامه؛ فإن كان عالمًا عمدًا بطلت صلاته، لأنه سبقه بمعظم الركعة وإن كان جاهلاً أو ناسيًا وجوب التابعة بطلت الركعة التي وقع السبق فيها فقط، وأما من ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل رفعه، فهذا تبطل صلاته؛ لأنه لم يعتد بإمامه في أكثر الركعة إلا الجاهل والناسي، فتصبح صلاتهما لللعذر، وتبطل تلك الركعة، ويصليها الجاهل والناسي قضاء.
وإياك عن سبق الإمام فإنه
سعى في التواني ثم لما عصيته
فاركن إن سابقته ثم لم تعد
فإن أنت يومًا لم تعد مع تعمد
وسبق بركن ثم يدرك في الذي
وصحح لذي جهل وناس صلاته
وسبقك بالركنين في العمد مبطل
وسبق بركن واحد ليس مبطلاً
وإن تأممن خفف وتمم مراعيًا
ولا تنتظره إن شق من كان داخلاً
مخالسة الشيطان عند التعبد
تدارك سعيًا في فنون التفسد
لجهد فإن أدركت فيه فأطل
وعلم بحكم بطلت في المجود
يليه في الأولى مبطل مع تعمد
وفي الأظهر أبطل ركعة السبق واردد
وفي غيره صحح وللركعة افسد
سوى بالركوع افهم على المذهب اهتد
لحالة مأموم وأولاك زيد
وإلا فلاستحبابه انصر وأيد

س300: بين حكم تخلف المأموم عن الإمام بركن أو بركنين؟
ج: إذا تخلف مأموم عن إمامه بركن بلا عذر فكسبق به بلا عذر؛ فإن كان ركوعًا بطلت، وإلا فلا، وإن تخلف عنه بركن لعذر من نوم أو زحام ونحوه، فإن فعل الذي تخلف به ولحقه صحت ركعته ويلزمه ذلك حيث أمكنه استداركه من غير محذور، وإن لم يفعله ويلحقه بأن لم يتمكن منه لغت الركعة التي تخلف عنه بركنا فيقضي بدلها، وإن تخلف عنه بلا عذر بركنين بطلت صلاته؛ لأنه ترك الائتمام لغير عذر، وإن كان تخلفه بركنين لعذر كنوم وسهو وزحام لم نبطل للعذر، ويلزمه أن يأتي به ويلحق إمامه مع أمن فوت الآتية فإن لم يأت بما تركه بتخلفه مع أمن فوت الركعة الآتية باشتغاله بما تخلف به بطلت صلاته وإلا بأن خاف فوت الآتية بأن أتى بما تخلف به لغت الركعة التي وقع فيها التخلف لفوات بعض أركانها والتي تليها عوضها فيبنى عليها ويتم إذا سلم إمامه.
س301: اذكر شيئًا مما يسن في حق الإمام مقرونًا بالدليل؟
ج: يسن لإمام التخفيف مع الإتمام، وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية إلا في صلاة خوف في الوجه الثاني أو بيسير كبـ (سبح والغاشية)؛ أما دليل التخفيف مع الإتمام، فهو ما ورد عن أبو هريرة «إذا صلى أحدكم فليطول ما شاء» رواه الجماعة. وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معاذ، أفتان أنت؟ - أو قال: أفاتن أنت؟- فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى» متفق عليه. وأما دليل تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية، فتقدم في سنن الصلاة ي جواب سؤال سابق، ومما يسن للإمام أنه إذا عرض لبعض المأمومين عارض يقتضي خروجه من الصلاة أن يخفف كما إذا سمع بكاء الصبي ونحو ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه» رواه أبو داود، ونكره للإمام سرعة تمنع المأموم ممن فعل ما يسن، وقال الشيخ تقي الدين: يلزمه مراعاة المأموم إن تضرر بالصلاة أول الوقت أو آخره ونحوه، وقال: ليس له أن يزيد على القدر المشروع وأنه ينبغي أن يفعل غالبًا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبًا ويزيد وينقص للمصلحة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص أحيانًا، ويستحب للإمام انتظار داخل ما لم يشق
على مأموم، لحديث ابن أبي أوفى: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم» رواه أحمد وأبو داود وثبت عنه صلى الله عليه وسلم الانتظار في صلاة الخوف لإدراك الجماعة.
46- من الأحكام التي تتعلق بالمرأة
في خروجها إلى المسجد
س302 [كذا في الأصل]: إذا استأذنت امرأة إلى المسجد ليلاً أو نهارًا أكره لزوج وسيد منعها إذا خرجت تفلة غير مزينة ولا مطيبة، لما ورد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات» رواه أحمد وأبو داود، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استأذنتكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وفي لفظ: «لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن» رواه أحمد وأبو داود. وله منعها من الخروج إلى المسجد إن خشي بخروجها إليه فتنة أو ضررًا، وكذا الأب مع ابنته إذا استأذنت في الخروج إلى المسجد كره له منعها إلا أن يخشى فتنة أو ضررًا، وله منعها من الانفراد عنه؛ لأنه لا يؤمن من دخول من يفسدها ويلحق العار بها وبأهلها. قال أحمد: والزوج أملك من الأب؛ فإن لم يكن أب فأولياؤها المحارم لقيامهم مقامه.
س303: ما الدليل على أن الخروج للنساء إلى المساجد إنما يجوز إذا لم يصحب ذلك ما فيه فتنة؟
ج: ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة» رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وعن زينب امرأة عبدالله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا» رواه مسلم وتقدم حديث أبي هريرة في جواب السؤال الذي قبل هذا.
س304: بين أيهما أفضل للمرأة: الصلاة في المسجد أم في بيتها؟ واذكر الدلل على ما تقول والحكمة في ذلك.
ج: في بيتها أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وبيوتهن خير لهن وليخرجن تفلات» رواه أحمد وأبو داود ظاهره حتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» رواه أحمد ووجه ذلك والله أعلم: لأمن الفتنة والرياء.
ويكره منع الخود ما لم يخف أذى
وإن خرجت في زينة أو تطيبت
وفي بيتها أولى لها فلتقعد
لتمنع وإن خفت الأذى امنع واشدد

47- فصل في الإمامة
س305: بين من الأولى بالإمامة مع الدليل؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنة، فإن كانوا في السُّنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا، ثم الأسن، لما ورد عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنة؛ فإن كانوا في السُّنة سواء فأقدمهم هجرة؛ فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا -وفي رواية: «سنًا»-، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» رواه مسلم، وعن مالك بن الحويرث قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا وصاحب لي فلما أردنا الإقفال من عنده قال لنا: «إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما» رواه الجماعة، ثم الأشرف إلحاقًا للإمام الصغرى بالكبرى، ولحديث: «قدموا قريشًا ولا تقدموها»، وحديث: «الأئمة
من قريش» ثم الأتقى؛ لأنه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الإجابة، وقد جاء: «إذا أمَّ الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال» ذكره الإمام أحمد في «رسالته»، وقيل: إن الأتقى والأورع مقدم على الأشرف؛ لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا، وقد قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، وهذا القول عندي أنه أقوى دليلاً؛ لأن الإمامة كما لها في العلم والتقى، وفي حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» رواه الدارقطني وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن سركم أن تقبل صلاتكم، فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» وصاحب البيت وإمام المسجد أحق إلا من ذي سلطان، لحديث: «لا يؤمن الرجل الرجل في بيته» رواه مسلم؛ وأما أن إمام المسجد أحق بالإمامة فيه، فلأن ابن عمر أتى أرضًا له وعندها مسجد يصلي فيه مولى له، فصلى معهم ابن عمر، فسألوه أن يؤمهم فأبى وقال: «صاحب المسجد أحق» رواه البيهقي بسند جيد، ولأن في تقديم غيره افتياتًا وكسرًا لقلبه، وقال أبو سعيد مولى أبي أسيد: «تزوجت وأنا مملوك فدعوت ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر، فقالوا: وراءك، فالتفت إلى أصحابه، فقال: أكذلك؟ قالوا: نعم، فقدموني» رواه صالح بإسناده في مسألة.
س306: بين حكم إمامة الفاسق ودليل الحكم، واذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: قيل: إنها لا تصح إمامته إلا في جمعة وعيد تعذرًا خلف غيره، لقوله تعالى: أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ وروى ابن ماجه مرفوعًا: «لا تؤمن امرأة رجلاً، ولا أعرابي مهاجرًا، ولا فاجر مؤمنًا إلا أن يقهر بسلطان يخاف سوطه أو سيفه»، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا أئمتكم خياركم؛ فإنهم وفدوا فيما بينكم
وبين ربكم» رواه الدارقطني؛ ولأن الفاسق لا يقبل خبره المعنى في دينه، ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة، وأما صلاة الجمعة والعيد خلف الفاسق بلا إعادة إن تعذرت مع غيره، فلأنهما يختصمان بإمام واحد، فالمنع خلفه يؤدي إلى تقويتهما دون سائر الصلوات نعم لو أقيمتا في موضعين في أحدهما إمام عدل فعلهما وراءه. وفي «الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية»: ولا تصح خلف أهل الأهواء والبدع والفسقة، مع القدرة على الصلاة خلف غيرهم. انتهى.
وقيل: تجوز الصلاة خلف الفاسق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا خلف من قال لا إله إلا الله، وعلى من قال لا إله إلا الله»، وقال صلى الله عليه وسلم: «الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم برًا كان أو فاجرًا، وإن عمل الكبائر» رواه أبو داود، وقال البخاري في «صحيحه» (باب إمامة المفتون والمبتدع) وقال الحسن: صل وعليه بدعته، ثم روى عن عبيدالله ابن عدي ابن خيار: «أنه دخل على عثمان بن عفان وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة ونزل بك ما ترى ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج، فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم»، وعن عبدالكريم البكاء قال: «أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يصلون خلف أئمة الجور» رواه البخاري في «تاريخه»، وفي البخاري عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم» انتهى.
وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاج مع فسقه، وقد قيل: إنه قد أحصى الذين قتلهم من الصحابة والتابعين، فبلغوا مائة ألف وعشرين ألفًا، والحسن والحسين وغيرهما من الصحابة كانوا يصلون مع مروان، والذين كانوا في ولاية يزيد وابنه كانوا يصلون معهما، وصلوا وراء الوليد بن عقبة وقد شرب الخمر وصلى الصبح أربعًا. وروي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟» قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: «صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» رواه مسلم، وفي لفظ: «فإن صليت لوقتها كانت نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك»، وفي لفظ: «فإن أدركت الصلاة معهم فصل ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي»، وفي لفظ: «فإنها زيادة خير».
وهذا فعل يقتضي فسقهم وقد أمره بالصلاة معهم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة» عام فيتناول محل النزاع؛ ولأنه رجل تصح صلاته لنفسه فصح الائتمام به، وعندي أن هذا القول أرجح دليلاً والله أعلم.
س307: ما حكم إمامة الخنثى والمرأة؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: أما للرجال فغير صحيحة، أما الخنثى فلاحتمال أن يكون امرأة، وأما المرأة، فللحديث المتقدم: «ولا تؤمن امرأة رجلاً» وأما للنساء فصحيحة، لما ورد عن أم ورقة ـ رضي الله عنها ـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها» رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة.
س308: ما حكم إمامة الصبي؟ وضح مع ذكر الدليل.
ج: إمامته بمثله وللبالغ في نفل فصحيحة، وأما إمامته للبالغ في فرض، فقيل: إنها غير صحيحة. قال ابن مسعود: «لا يؤمن الغلام حتى تجب عليه الحدود»، وقال ابن عباس: «لا يؤمن الغلام حتى يحتلم» رواهما الأثرم، ولم ينقل عن غيرهما من الصحابة خلافة، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا صبيانكم» ولأنها حال كمال والصبي ليس من أهلها أشبه المرأة بل آكد، لأنه نقص يمنع التكليف، وصحة الإقرار والإمام ضامن وليس هو من أهل الضمان؛ ولأنه لا يؤمن منه الإخلال بالقراءة حال السر، وقيل: إنها صحيحة إمامته للبالغ في فرض، لما ورد عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه
قال: قال أبي جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًا، فقال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنًا، قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآنًا فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين» رواه البخاري وأبو داود، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كان في القراءة سواء، فأعلهم بالسُّنة» الحديث وتقدم، فهو يتناول الصغير؛ ولأنه يؤذن للرجال فجاز أن يؤمهم كالبالغ، وهذا عنيد أنه أرجح لقوة الدليل. والله أعلم.
س309: بين حكم ما إذا صلى الإمام وهو محدث، أو عليه نجاسة، واذكر الدليل.
ج: إذا صلى الإمام وهو محدث أو عليه نجاسة ولم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة لم يعد من خلفه ويعيد الإمام، لما روى البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم» رواه محمد بن الحسين الحراني، ولما روى «أن عمر صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى الجرف فأهراق الماء، فوجد في ثوبه احتلامًا فأعاد الصلاة ولم يعد الناس»، وروى مثل ذلك عن عثمان وابن عمر، وعن علي قال: «إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد، ولا أمرهم أن يعيدوا» رواهما الأثرم، وهذا في محل الشهرة ولم ينكر فكان إجماعه؛ ولأن الحدث مما يخفي ولا سبيل إلى المعرفة من الإمام للمأموم فكان معذورًا في الاقتداء به.
س310: ما صفة صلاة المأمومين خلف إمام الحي المرجو زوال علته؟
ج: إمام الحي هو إمام كل مسجد راتب ويصلون وراءه جلوسًا ندبًا، وإن ابتدأ بهم قائمًا ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قيامًا، لما ورد عن عائشة قالت: «لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: «مروا أبا بكر أن يصلي بالناس»، فصلى أبو بكر تلك الأيام ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه في الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر، وكان أبو بكر يصلي قائمًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدًا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر» متفق عليه.
وفي رواية لهما يسمع أبو بكر الناس التكبير فأتموا قيامًا لابتدائهم قيامًا؛ وأما الدليل على استحباب صلاتهم خلفه جلوسًا، فهو ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون» متفق عليه.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسًا وصلى وراءه قوم قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف، قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون»» وروى أنس نحوه أخرجهما البخاري ومسلم.
س311: بين حكم ائتمام المفترض بالمتنفل واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: قيل: إنه لا يصح ائتمام المفترض بالمتنفل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» وكون صلاة المأموم غير صلاة الإمام اختلاف عليه، والقول الثاني: وهو الأرجع عندي، لما أراه من قوة الدليل أنه يصح لما ورد عن جابر «أن معاذًا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة» متفق عليه، ورواه الشافعي والدارقطني، وزاد هي له تطوع وهم
مكتوبة، «وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بطائفة من أصحابه في صلاة الخوف ركعتين، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم» رواه أبو داود والأثرم، والثانية منهما تقع نافلة وقد أم بها مفترضين، وروي عن أبي خلدة قال: «أتينا أبا رجاء لنصلي معه الأولى فوجدناه قد صلى، فقلنا: جئناك لنصلي معك، فقال: قد صلينا؛ ولكن لا أخيبكم، فقام فصلى وصلينا معه» رواه الأثرم. ومنها ما رواه الإسماعيلي عن عائشة «أنه صلى الله عليه وسلم كان يعود المسجد فيؤم بأهله»، وعن عمرو بن سلمة  قال: «قال أبي: جئتكم من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًا، فقال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنًا»، قال: فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآنًا فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين» رواه البخاري والنسائي.
قال في «الاختيارات الفقهية»: ويصح ائتمام مفترض بمتنفل وهو إحدى الروايتين عن أحمد وهو مذهب الشافعي. اهـ.
قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام:
وقال أبو العباس ذلك جائز
يصلي بهم فرض وهم ذو فريضة
كذا من يصلي الظهر يأثم بالذي
لفعل معاذ مع صحابة أحمد
وقد كان صلى الفرض خلف محمد
يصلي صلاة الغير غير مفند

س312: ما حكم ائتمام المتنفل بالمفترض؟ والمتوضئ بالمتيمم؟
ج: يصح، لما ورد عن يزيد بن الأسود «أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: «ما منعكما أن تصليا معنا؟» قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: «فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما، ثم أدركتما الإمام ولم يصل فصليا معه فإنها لكما نافلة»» رواه أحمد، واللفظ له والثلاثة، وصححه ابن حبان والترمذي؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث محجن بن الأدرع «فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة» رواه أحمد وأبو داود.
وفي حديث أبي سعيد: «من يتصدق على ذا فيصلي معه» رواه أحمد وأبو داود، ومنها: «أمره صلى الله عليه وسلم لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن يصلوها في بيوتهم في الوقت ثم يجعلوها معهم نافلة».
وأما ائتمام المتوضئ بالمُتيمم فيصح، لما ورد من أن عمرو بن العاص  صلى بأصحابه في غزوات ذات السلاسل بالتيمم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكر عليه، وتقدم هذا الحديث في جواب سؤال سابق. وأمَّ ابن عباس أصحابه متيمًا وفيهم عمار بن ياسر في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكروه؛ ولأنه متطهر طهارة صحية فأبه المتوضئ.
س313: بين حكم إمامة من يلي: الأقلف، ولد الزنا، الجندي، الخصي، المنفي بلعان، اللقيط. واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: تصح إمامتهم إذا سلم دينهم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» الحديث. وتقدم في جواب سؤال سابق، وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ في ولد الزنا: «ليس عليه من وزر أبويه شيء» قال الله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وقال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ولأن كلا منهم حر مرضي في دينه ويصلح لها كغيره. وصلى التابعون خلف ابن زياد وهو ممن في نسبته نظر.
قال الناظم –رحمه الله-:
ولا بأس في نجل الزنا ومجند
إذا أحرز اشترط الإمام المجود



س314: ما صفة ائتمام من يقضي الصلاة بمؤديها؟ وما صفة عكسها؟ وما حكم إمامة الرجل لقوم فيهم من يكرهه؟ وضح ذلك.
ج: الأولى: صفتها كأن يصلي شخص الظهر قضاء خلف إمام يصليها أداء والعكس ائتمام مؤدى الصلاة بقاضيها كأن يصلي الظهر أداء خلف إمام يصليها قضاء، والحكمة ي الصورتين صحيحة؛ لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت، ويكره أن يؤمَّ قومًا أكثرهم له كارهون، لما روى أبو أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تقبل منهم صلاة: من تقدم قومًا وهم له كارهون» الحديث رواه أبو داود، وقال علي لرجل أو قومًا وهم له كارهون: إنك لخروط.
قال أحمد –رحمه الله-: إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهه أكثر القوم، وإن كان ذا دين وسنة فكرهه القوم لذلك لم يكره إمامتهم.
قال منصور: أما إنا سألنا أمر الإمامة، فقيل لنا: إنما عني بهذا الظلمة، فأما من أقام السُّنة، فإنما الإثم على من كرهه.
قال القاضي: والمستحب، أن لا يؤمهم صيانة لنفسه وإن استوى الفريقان، فالأولى أن لا يؤمهم أراد بذلك الاختلاف.
س315: ما حكم إمامة الرجل للنساء؟
ج: يكره أن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن، لما ورد عن ابن عباس
-رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم» أخرجه البخاري، ولما فيه من مخالطة الوسواس، ولا بأس بأن يؤم بذوات محارمه أو أجنبيات معهن رجل فأكثر؛ لأن النساء كن يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة.
س316: ما حكم الصلاة خلف من يصلي بأجرة؟

ج: من صلى بأجرة لم يصلي خلفه، قال أبو داود: سُئل أحمد عن إمام يقول: لا أصلي بكم رمضان إلا بكذا وكذا، فقال: أسأل الله العافية، ومن يصلي خلف هذا؟ فإن دفع إليه شيء بغير شرط، فلا بأس، وكذا لو يُعطى من بيت المال أو من وقف.
48- فصل
في موقف الإمام والمأمومين على اختلاف أنواعهم
س317: ما الموقف المستحب للإمام والمأمومين؟
ج: يسن وقوف إمام متقدمًا ووقوف المأمومين إذا كانوا اثنين فأكثر خلف الإمام، ووقوف المرأة الواحدة خلف الرجل، وامرأة أمت نساء فوسطًا؛ أما دليل الأول «فلأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة تقدم وقام أصحابه خلفه»، وعن جابر بن عبدالله قال: «قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب، فجئت فقمت عن يساره، فنهاني فجعلني عن يمينه، ثم جاء صاحب لي فصفنا خلفه، فصلى بنا في ثوب واحد مخالفًا بين طرفيه» رواه أحمد. وفي رواية: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه» رواه مسلم وأبو داود.
وعن سمرة قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا» رواه الترمذي، وعن ابن عباس قال: «صليت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة معنا تصلي خلفنا وأنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم أصلي معه» رواه أحمد والنسائي، وعن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته، قال: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا» رواه مسلم وأبو داود.
وأما الدليل على أن المرأة إذا أمت النساء أنها تقف وسطًا بينهن:
روي عن عائشة ورواه سعيد عن أم سلمة، ولأنه يستحب لها الستر وهذا أستر لها. والله أعلم.
س318: بين الموقف فيما إذا أم رجلاً وصبيًّا أو رجلاً وامرأة؟
ج: يسن وقوف رجل يمينًا لكماله وصبي شمالاً، ولو أم رجلاً وامرأة فرجل يقف يمينًا وتقف امرأة خلفًا، لحديث مسلم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفه».
س319: ما هو الموقف الجائز؟ وما الدليل عليه؟
ج: الجائز وقوف المأمومين جانبي الإمام أو عن يمينه، ووقوف المرأة عن يمين الرجل، لما ورد عن الأسود، قال: «دخلت أنا وعمي علقمة على ابن مسعود بالهاجرة، قال: فأقام الظهر ليصلي، فقمنا خلفه، فأخذ بيدي ويد عمي ثم جعل أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره، فصفنا صفًا واحدًا قال: ثم قال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة» رواه أحمد، ولأبي داود والنسائي معناه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وسطوا الإمام وسدوا الخلل» رواه أبو داود.
س320: بين ما هو الموقف الواجب وما دليله؟ واذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: وقوف الرجل الواحد عن يمينه، لما روى ابن عباس قال: «بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي من وراء ظهره، فعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن» متفق عليه، وعن جابر قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، فجئتُ حتى قمتُ عن يساره، فأخذ بيدي فأدراني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر، فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأيدينا جميعًا
فدفعنا حتى أقامنا خلفه» رواه مسلم، فمن وقف عن يساره مع خلو يمينه وصلى ركعة كاملة بطلت صلاته، وقيل: تصح، اختاره أبو محمد التميمي، وللوفق. وقال في الفروع وهو أظهر، وفي الشرح وهي القياس، كما لو كان عن يمينه، وكون النبي صلى الله عليه وسلم رد جابرًا وابن عباس لا يدل على عدم الصحة بدليل رد جابر وجبار إلى ورائه مع صحة صلاتهما عن جانبيه. وهذا القول فيما يظهر أنه أرجح فيكون الوقوف عن يمينه سُّنة مؤكدة لا واجب تبطل بتركه الصلاة.
س321: ما هو الموقف الممنوع؟ وما هو الدليل عليه؟
ج: وقوف الرجل الواحد خلف الإمام، أو خلف الصف أو قدام الإمام عن علي بن شيبان «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل، فقال: «استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الصف»» رواه أحمد وابن ماجه، وعن وابصة بن معيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد صلاته» رواه الخمسة إلا النسائي. وفي رواية، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل خلف الصفوف وحده، فقال: «يعيد الصلاة» رواه أحمد. والقول الثاني: صحة صلاة الرجل الواحد خلف الصف لعذر، قال الشيخ تقي الدين: وتصح صلاة الفذ لعذر. اهـ.
وعندي أن هذا القول أرجح؛ لأن جميع واجبات الصلاة تسقط بالعجز فالمصافة إذا قلنا إنها واجبة فليست بأوجب من كثير من أركان الصلاة وشروطها ومع ذلك فكل من عجز عن شرط غير النية أو عن ركن؛ فإن صلاته صحيحة إذا أتى بما يقدر عليه؛ لأنه اتقى الله ما استطاع. والله أعلم.
س322: بين حكم تقدم المأموم على إمامه مع ذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: إذا تقدم عليه فصلاته غير صحيحة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» ولأنه لم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا هو في معنى المنقول، فلا يصح، ولأنه يحتاج في اقتدائه به الالتفات في صلاته فيستدبر القبلة عمدًا وإلا لأدى إلى مخالفته في أفعاله وكلاهما يبطل الصلاة، وقيل: تصح في الجمعة والعيد والجنازة لعذر، واختاره الشيخ تقي الدين، وتصح الصلاة فيما إذا تقابلا أي الإمام والمأموم داخل الكعبة، وكذا تصح إذا تدابروا داخل الكعبة، فيصح الاقتداء، لأنه لا يتحقق تقدمه عليه، ولا تصح إن جعل ظهره إلى وجه إمامه لتحقق التقدم، وكذا تصح إذا استدار الصف حول الكعبة والإمام عن الكعبة أبعد من المأموم الذي هو في غير جهته بأن كانوا في الجهة التي عن يمينه أو شماله أو مقابله، وأما الذين في جهته التي يصلي إليها فمتى تقدموا عليه لم تصح لهم لتحقق التقدم عليه، وكذا في شدة الخوف فلا يضر تقدم المأموم للعذر، ويصح الاقتداء إن أمكنت متابعته لإمامه.
س323: ما الذي يعلم به تقدم المأموم على إمامه؟ وإذا وجد المأموم الصف تامًا فماذا يعمل؟ وإذا بطلت صلاة أحد اثنين صفًا بأن لم يكن معهما غيرهما فماذا يعمل الآخر أي الذي لم تبطل صلاته؟
ج: الاعتبار في التقدم والتأخر في حال القيام بمؤخر قدم وهو العقب، ولا يضر تقدم أصابع لطول قدمه، ولا تقدم رأسه في السجود لطوله؛ فإن صلى قاعدًا فالاعتبار بالإلية، لأنها محل القعود، وإذا وجد المأموم الصف تامًا؛ فإن وجد خللاً في الصف دخل فيه، أو وجه غير مرصوص كذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون في الصف»؛ فإن لم يجد في الصف موضعًا يقف فيه وقف عن يمين الإمام إن أمكنه؛ فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه بنحنحة أو إشارة، وإن بطلت صلاة أحد اثنين صفًا تقدم الذي لم تبطل صلاته إلى يمين الإمام أو إلى الصف أو جاء معه آخر فوقف يصلي معه صحت صلاتهما؛ وإن لم يتقدم ولم يأت من يقف معه نوى المفارقة للعذر، وتقدم الكلام على وقوف الرجل الواحد خلف الإمام أو خلف الصف في جواب سؤال سابق.
وفي الصف فادخل إن تأتي بلا أذى
فإن لم يؤاتي نبهن مصاففا
وإلا فقم من عن يمين المقلد
بلا جذبه واكره به في الموطد

س324: من المقدم من المأمومين إذا كانوا أنواعًا؟
ج: إذا اجتمع أنواع يقدم الرجال، ثم الصبيان، ثم الخناثى، ثم النساء، وكذلك يفعل في تقديمهم إلى الإمام إذا اجتمعت جنائزهم.
وخلف الإمام اصفف رجالاً فصبية
كذلك فاحكم في الصلاة عليها
تليهم خناثى فالنسا مع تعدد
وفي دفنهم للقبلة ابدأ بمبتدى

وأما الدليل على تقديم الرجال، فقوله صلى الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى» رواه مسلم. ويقدم الأفضل فالأفضل؛ وأمَّا الصبيان، فلأنه صلى الله عليه وسلم «صلى فصف الرجال، ثم صف خلفهم الغلمان» رواه أبو داود.
وأما الخناثى فلأنه يحتمل أن يكونوا رجالاً، وأما النساء، فلما ورد عن عبدالرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه كان يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام، ويجعل الركعة الأولى هي أطولهن لكي يتوب الناس، ويجعل الرجال قدام الغلمان، والغلمان خلفهم، والنساء خلف الغلمان» رواه أحمد، ولقوله: «أخروهن من حيث أخرهن الله».
وعن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالفه قال: فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا» رواه مسلم.

س325: بين حكم وقوف المرأة في صف الرجال، وحكم صلاة من يليها أو خلفها، وحكم صلاتها، وإذا أم رجل رجلاً وصبيًا فأين موقف الرجل والصبي؟
ج: يكره لها الوقوف في صف الرجال، لما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم بتأخيرهن؛ فإن وقفت في صف الرجال لم تبطل صلاة من يليها ولا من خلفها ولا صلاة من أمامها ولا صلاتها، كما لو وقفت في غير صلاة، والأمر بتأخيرهن لا يقتضي الفساد مع عدمه، وإن أم رجل رجلاً وصبيًا استحب أن يقف الرجل عن يمينه لكمال الرجل، والصبي عن يساره أو أم رجلاً وامرأة وقف الرجل عن يمينه والمرأة خلفه، لحديث أنس المتقدم قريبًا في الجواب الذي قبل هذا السؤال.

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:48 am

س326: بين حكم صلاة من وقف معه من يعلم عدم صحة صلاته، أو يعلم أنه محدث أو نجس لا يعلم منه ذلك.
ج: إذا وقف معه من يعلم عدم صحة صلاته فهو منفرد، وإن وقف معه محدث أو نجس لا يعلم منه ذلك، فالاصطفاف صحيح، وإن وقف معه صبي في فرض وهو رجل لم يصح على المذهب، وعلى القول الثاني أنه يصح. قال في «المغني»: فإن كان أحد المأمومين صبيًا وكانت الصلاة تطوعًا جعلهما خلفه لخبر أنس وإن كانت فرضًا جعل الرجل عن يمينه والغلام عن يساره، كما جاء في حديث ابن مسعود: «وإن جعلهما جميعًا عن يمينه جاز وإن وقفا خلفه»، فقال بعض أصحابنا: لا تصح، لأنه لا يؤمه فلم يصافه كالمرأة ويحتمل أن تصح؛ لأنه بمنزلة المتنفل، والمتنفل يصح أن يصاف المفترض كذا هنا. والله أعلم.
49- فصل في أحكام الاقتداء
س327: ما الذي يشترط لاقتداء المأموم الإمام؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: يصح اقتداء المأموم بالإمام في المسجد وإن لم يره ولا من وراءه إذا سمع التكبير، وكذا خارجه إن رأى الإمام أو المأمومين؛ فإن كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع رؤية الإمام أو من وراءه، فقال ابن حامد: فيه روايتان: أحدهما: لا يصح الإتمام به اختاره القاضي؛ لأن عائشة قالت لنساء كُنَّ يُصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب، ولأنه لا يمكن الاقتداء في الغالب.
والرواية الثانية: يصح، قال أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبواب المسجد مغلقة: أرجو أن لا يكون به بأس، وسُئل عن رجل يصلي يوم الجمعة وبينه وبين الإمام سترة قال: إذا لم يقدر على غير ذلك، وقال في المنبر: إذا قطع الصف لا يضر، ولأنه أمكنه الاقتداء بالإمام فيصح اقتداؤه به من غير مشاهدة كالأعمى؛ ولأن المشاهدة تراد للعلم بحال الإمام، والعلم استماع التكبير، فجرى مجرى الرؤية، ولا فرق بين أن يكون المأموم في المسجد أو في غيره. والله أعلم.
س328: ما حكم إتمام الصفوف ورصها وسد خللها؟ وما دليل الحكم؟
ج: مستحب، لما ورد عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنهما ـ قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟» فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف»» رواه مسلم.
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة»، وعن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر، فيقول: «تراصوا واعتدلوا»» متفق عليهما، وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتموا الصف الأول ثم الذي يليه؛ فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
س329: ما الذي تحصل به تسوية الصفوف؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: تحصل بالمناكب، والصدور، والأعناق، والأكعب، لما ورد عن البراء بن عازب  قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: «لا تختلفوا تختلف قلوبكم»، وكان يقول: «إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول»» رواه أبو داود بإسناد حسن.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقيموا الصفوف، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصف صفًا وصله الله، ومن قطع صفًا قطعه الله» رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رصوا صفوفكم وقاربوا بينهما وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف» حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم.
س330: ما حكم تسوية الصفوف؟ وما الدليل على ذلك؟ وما الدليل على استحباب الميامن؟
ج: تسوية الصفوف مستحبة، لما ورد عن أنس  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: «فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة».
وأما الدليل على أفضلية ميامن الصفوف، فهو ما ورد عن عائشة
-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف»رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم.
وفيه رجل مختلف في توثيقه، وعن البراء بن عازب  قال: «كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه، فسمعته يقول: «رب قني عذابك يوم تبعث عبادك»» رواه مسلم.
وروى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ميسرة المسجدة قد تعطلت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمر ميسرة المسجد كُتب له كفلان من الأجر»» رواه ابن خزيمة وغيره.
س331: بين حكم علو الإمام عن المأموم، وعلو المأموم عن الإمام، واذكر دليل كل منهما، وما حكم اتخاذ المحراب؟ وما حكم الصلاة فيه؟
ج: يكره علو إمام عن مأموم؛ لأن عمار بن ياسر كان بالمدائن فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار فقام على دكان والناس أسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ بيده فأتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم؟» فقال عمار: فلذلك ابتعتك حين أخذت على يدي. رواه أبو داود. ولا بأس باليسر؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر ونزل القهقري فسجد في أصل المنبر ثم عاد» الحديث متفق عليه.
وأما علو المأموم عن الإمام فلا بأس ولو كان علوه كثيرًا. روى الشافعي عن أبي هريرة «أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الإمام» رواه سعيد عن أنس؛ ولأنه يمكنه الاقتداء أشبه المتساويين، ويباح اتخاذ المحراب نصًا، وقيل: يستحب أومأ إليه أحمد، ويكره للإمام الصلاة فيه إذا كان يمنع المأموم مشاهدته، روي عن ابن مسعود وغيره؛ لأنه يستر عن بعض المأمومين أشبه ما لو كان بينه وبينهم حجاب إلا من حاجة كضيق مسجد، وكثرة الجمع، فلا يكره لدعاء الحاجة.

س332: اذكر شيئًا مما يكره في حق الإمام والمأموم مقرونًا بالدليل.
ج: يكره تطوع الإمام بعد صلاة مكتوبة موضعها، لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا: «لا يصلين الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه» رواه أبو داود؛ ولأن في تحوله إعلامًا بأنه صلى فلا ينتظر، ويكره مكث الإمام كثيرًا بعد المكتوبة مستقبل القبلة، وليس ثم نساء، لحديث عائشة -رضي الله عنها-: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» رواه مسلم.
ويستحب للمأموم أن لا ينصرف قبله للخبر إن لم يطل لبثه؛ فإن كان ثم نساء لبث هو والرجال قليلاً لينصرفن «لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يفعلون ذلك، قال الزهري: فنرى -والله أعلم- لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال» رواه البخاري من حديث أم سلمة؛ ولأن الإخلال بذلك يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء.
ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم عرفًا. رواه البيهقي عن ابن مسعود، وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: «كنا ننهي أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردًا» رواه ابن ماجه وفيه لين. وقال أنس: «كنا نتقي هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد وأبو داود، وإسناده ثقات؛ فإن كان ثم حاجة كضيق المسجد وكثرة الجماعة لم يكره.
س333: ما حكم حضور المسجد لآكل بصل أو فجل أو نحوه؟ وما دليل الحكم؟
ج: يكره حضور المسجد لمن أكل ثومًا، أو بصلاً، أو فجلاً ونحوه حتى يذهب ريحه ولو خلا المسجد من آدمي لتأذي الملائكة؛ لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل الثوم، والبصل، والكرات، فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» متفق عليه، قال العلماء: وكذا جزار له رائحة منتنة، ومن له صنان، وكذا من به برص أو جذام يتأذى به قياسًا على أكل الثوم ونحوه بجامع الأذى.
قال الناظم –رحمه الله تعالى-:
ومن أكل المستخبث العرف فاكرهن
له أن يصلي في جماعة مسجد

50- فصل
في الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة
س334: ما هي الأعذار المسوغة لترك الجمعة والجماعة؟
ج: يعذر بترك جمعة وجماعة مريض، وخائف حدوث مرض ليسا بالمسجد، ومن يدافع أحد الأخبثين، أو بحضرة طعام هو محتاج إليه وله الشبع، ويعذر بترك الجمعة والجماعة من له ضائع يرجوه، أو يخاف ضياع ماله، أو يخاف فواته، أو يخاف ضررًا فيه أو يخاف ضررًا في معيشته يحتاجها، أو يخاف ضررًا في مال استؤجر لحفظن أو يخاف بحضور جمعة أو جماعة فوت قريبه، أو موت رفيقه، أو كان يتولى تمريضهما وليس من يقوم مقامه أو يخاف على نفسه من ضرر نحو لص، أو سلطان، أو من ملازمة غريم له ولا شيء معه، أو يخاف فوت رفقة بسفر أو غلبة نعاس يخاف به فوتها في الوقت إذا انتظر الجماعة، أو يخاف به فوتها مع الإمام، أو يخاف أذى بمطر ووحل، وثلج، وجليد، وريح باردة بليلة مظلمة، أو يخاف أذى بتطويل إمام، أو كان عليه قود يرجو العفو منه ولو على مال، وكذا عريان لم يجد سترة أو لم يجد غير ما يستر عورته في غير حاجة عراة ومن هو ممنوع من فعلها كالمحبوس والزلزلة.

س335: ما هي الأدلة الدالة على أن هذه الأعذار مسقطة للجمعة والجماعة؟
ج: أما المرض فلأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن المسجد وقال: «مُروا أبا بكر فليصل بالناس» متفق عليه . وأما الخائف حدوث مرض فلأنه في معنى المريض.
وأما من بحضرة طعام محتاج إليه, ومن يدافع أحد الأخبثين؛ فلما ورد عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة» رواه البخاري.
وعن عائشة قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين» رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
وعن أبي الدرداء قال: «من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ» ذكره البخاري في «صحيحه».
وأما من له ضائع يرجوه أو يخاف ضياع ماله , أو فواته , أو ضرر فيه أو يخاف على مال استؤجر لحفظه , فلحديث ابن عباس مرفوعًا: «من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر. قالوا: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض لم يقبل الله منه الصلاة التي صلى» رواه أبو داود.
والخوف ثلاث أنواع: على المال من سلطان أو لص أو نحوه, وعلى نفسه من عدو, أو سيل, أو سبع, وعلى أهله وعياله, فيعذر في ذلك كله؛ لعموم الحديث, وكذا إن خاف موت قريبه نص عليه؛ لأن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد وهو يتجمر للجمعة, فأتاه بالعقيق وترك الجمعة.
وأما الأذاء بمطر, ووحل, وجليد , وريح باردة بليلة مظلمة , فلحديث ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر المنادي فينادى بالصلاة صلوا في رحالكم في الليلة الباردة والليلة المطيرة في السفر " متفق عليه
وروي في الصحيحين عن ابن عباس "في يوم مطير".
وفي رواية لمسلم "وكان يوم جمعة " وأما تطويل الإمام ,
فلأن رجل صلى مع معاذ ثم انفرد فصلى وحده لمَّا طول
معاذ، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره؛ وأما الممنوع من فعلهما كالمحبوس، فلقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
ومن «مختصر النظم» ما يلي:
وعشرة أسباب لترك جماعة
مريض ومن يخشى ضياع مريضه
ومحتاج طعم حاضر قبل أكله
ومن قد غدا للأخبثين مدافعًا
وراج وجود الماء يخشى فواته
وعذران عما التاركين اعتبرهما
وعذر عموم للجماعة مطلقًا
وإن وجد الزمني ومن خف سقمه
وليس العمى عذر لترك جماعة
وجمعة اختصت بعذر مجرد
وخوف ولاة أو غريم مشدد
وذو نعسة أن يرقب الجمع يرقد
ومن إن توانى عن قوافل تبعد
ومن إن يغب عن مصلح المال يفسد
بوحل ووبل العارض المتزيد
رياح شداد في دجى متصرد
إلى جمعة طولا ولم يؤذ أطد
ولا جمعة مع طول هاد ومرشد


51- باب صلاة أهل الأعذار
س336: ما الحالات التي تلزم المريض لأداء المكتوبات؟ اذكرها على الترتيب؟
ج: تلزم المريض الصلاة قائمًا فإن لم يستطع فقاعدًا، وإن عجز فعلى جنبه، والأيمن أفضل؛ فإن عجز أومأ بطرفه؛ فإن عجز فبقلبه مستحضرًا القول والفعل، ولا تسقط ما دام العقل ثابتًا.
س337: ما الدليل على هذه الحالات الثلاثة التي تلزم المريض؟
ج: قوله صلى الله عليه وسلم لعمران ابن حصين: «صلي قائمًا؛ فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» رواه الجماعة إلا مسلمًا، وزاد النسائي:
«فإن لم تستطع فمستلقيًا لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها».
س338: ما الدليل على أن الأيمن أفضل؟ وأنه يومئ إيماء ويجعل سجوده أخفض؟
ج: عن علي بن أبي طالب  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يصلي المريض قائمًا إن استطاع؛ فإن لم يستطع صلى قاعدًا؛ فإن لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه وجعل سجوده أخفض من ركوعه؛ فإن لم يستطع أن يصلي قاعدًا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة؛ فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيًا رجلاه مما يلي القبلة» رواه الدارقطني.
س339: إذا تعذر الإيماء من المستلقي فهل يجب عليه شيء بعد ذلك؟
ج: قيل: يومئ بطرفه ناويًا مستحضرًا للفعل والقول إن عجز عنه بقلبه كأسير خائف، ويدل على ذلك قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وقال في «الاختيارات الفقهية»: متى عجز المريض عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة ولا يلزمه الإيماء بطرفه، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد. والله أعلم.
س340: إذا قدر على القيام في أثنائها من عجز عنه في أولها أو غير القيام؟
ج: إذا قدر على القيام في أثناء الصلاة انتقل إليه لقوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ أو قدر على القعود ونحوه مما عجز عنه من كل ركن أو واجب في أثناء الصلاة انتقل إليه وأتمها؛ لأن المبيح العجز وقد زال؛ وأما الصلاة قبل أن كان العذر موجودًا وما بقي يجب أن يأتي بالواجب فيه.
س341: بين حكم صلاة المريض مستقليًا مع قدرته على القيام بقول طبيب؟
ج:له أن يصلي مستلقيًا مع القدرة على القيام لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة وهو العدل الضابط، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم صلى جالسًا حين جحش شقه، والظاهر أنه لم يكن لعجزه عن القيام بل فعله إما للمشقة أو إن لم يجد الماء إلا بزيادة على ثمن المثل صونًا لجزء من ماله وترك الصوم لأجل المرض، ودلت الأخبار على جواز ترك القيام في صلاة الفرض على الراحلة خوفًا من ضرر الطين على ثيابه وبدنه، وأم سلمة تركت السجود لرمد بها. والله أعلم.
س342: بين حكم الصلاة في السفينة، مع ذكر ما تستحضره من الأدلة؟
ج: ولا تصح صلاة الفرض في السفينة من قاعد مع القدرة على القيام، لما ورد عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصلي في السفينة؟ قال: «صل قائمًا إلا أن تخاف الغرق»» رواه الدارقطني وأبو عبدالله الحاكم على شرط الصحيحين، وعن عبدالله بن أبي عتبة قال: «صحبت جابر بن عبدالله وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة في سفينة فصلوا قيامًا في جماعة أمهم بعضهم وهم يقدرون على الجد» رواه سعيد في «سننه».
س343: بين متى تصح الصلاة الفريضة على الراحلة؟ مع ذكر الدليل.
ج: وتصح الصلاة المكتوبة على راحلته واقفة أو سائرة، لتأذي بوحل ومطر ونحوه، لما روى يعلى بن أمية «أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته، والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع» رواه أحمد والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم وفعله أنس، ذكره أحمد ولم ينقل عن غيره خلافه.

س344: هل تصح المكتوبة على الراحلة لغير الوحل والمطر ونحوه؟
ج: نعم تصح أيضًا عليهم، لخوف انقطاع عن رفقة، أو خوف على نفسه إن نزل: من سبع أو سيل، أو عدو، أو عجز عن ركوبه إن نزل للصلاة فإن قدر ولو بأجرة يقدر عليها نزل، والمرأة إن خافت تبرز وهي خفرة صلت على الراحلة، وكذا من خاف حصول ضرر بالمشي، ذكرهما في «الاختيارات» (ص74)، ولا تصح مكتوبة على راحلة لمرض؛ لأنه لا أثر للصلاة عليها.
س345: ماذا يلزم من صلى على الراحلة المكتوبة لعذر؟ وماذا يعمل من بماء وطين أو مربوط أو نحوه؟
ج: يلزم من صلى على الراحلة الاستقبال وما يقدر عليه من ركوع أو سجود أو بإيماء بهما وطمأنينة، لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ومن أتى بكل فرض وشرط لمكتوبة أو نافلة وصلى على الراحلة أو صلى بسفينة ونحوها سائرة أو واقفة ولو بلا عذر من نحو مطر أو مرض صحت صلاتهُ لاستيفائها ما يعتبر لها، ومن بماء وطين لا يمكنه الخروج منه يومئ بركوع وسجود كمصلوب، ومربوط، ويسجد غريق على متن الماء، ولا إعادة في الكل لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».

52- فصل في القصر
س346: بين حكم قصر الصلاة في السفر مقرونًا بالدليل؟
ج: يسن قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، لما ورد عن عمر قال: «صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك» متفق عليه.
وعن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ
أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فقد أمن الناس، قال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» رواه الجماعة إلا البخاري، وقد تواترت الأخبار أن البني صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره حاجًا، ومعتمرًا، وغازيًا، قال أنس: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فصلى ركعتين حتى رجع، وأقمنا بمكة عشرًا نقصر الصلاة» وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعًا: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته».
س347: اذكر ما تستحضره من رخص السفر؟
ج: أولاً: قصر الصلاة، فتقصر الرباعية من أربع إلى ركعتين. ثانيًا: الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت إحداهما. ثالثًا: الفطر في رمضان. رابعًا: الصلاة النافلة على الراحلة إلى جهة سيره. خامسًا: المسح على الخفين، والعمامة والخمر ثلاثة أيام بلياليها. سادسًا: أنه موسع للإنسان في ترك الرواتب في سفره ولا يكره له ذلك مع أنه يكره تركها في الحضر. سابعًا: ما ثبت في «الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا». ثامنًا: أن الجمعة لا تجب على مسافر سفر قصر. والله أعلم، وصلى الله على محمد.
س348: بين هل مسافة القصر محددة؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: قيل: إنه لابد أن يكون السفر طويلاً أربعة يرد، وهي ستة عشر فرسخًا، كل فرسخ ثلاثة أميال، لما روى ابن عباس أنه قال: يا أهل مكة، لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد ما بين عسفان إلى مكة، وكان ابن عباس وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد، ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحل والشد، فجاز فيها القصر كمسيرة ثلاثة أيام، واختار الشيخ تقي الدين –رحمه الله تعالى-:تقصر الصلاة في كل ما يسمى سفرًا سواء قل أو كثر ولا يتقدر بمدة، وهو مذهب الظاهرية، ونصره صاحب «المغني» فيه سواء كان مباحًا أو حرامًا، ونصره ابن عقيل في موضع. وقاله بعض المتأخرين من أصحاب أحمد والشافعي، وسواء نوي الإقامة أكثر من أربعة أيام أو لا هذا عن جماعة من الصحابة، وقرر أبو العباس قاعدة نافعة، وهي: أن ما أطلقه الشارع يعمل بمقتضى مسماه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده بعده. وقال الناظم مشيرًا إلى اختيار شيخ الإسلام:
وقال إمام العصر لا حجة لهم
على ذا ولكن باسمه فليحدد

وقال الشيخ سلميان بن سحمان مشيرًا إلى ذلك:
وقد قصروا، أعني الصحابة، دون ما
فما حدد المعصوم قدر مسافة
يقدره من فرسخ بالتعدد
لفطر ولا قصر فهل أنت مقتد

وما اختاره الشيخ تقي الدين هو الأرجح عندي، لظاهر القرآن؛ فإن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض؛ ولأن الحكمة وهي المشقة التي علق الشارع عليها التخفيفات موجودة في قصير السفر وطويله. والله أعلم.
س349: بين البريد والفرسخ والميل؟
ج: البريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال هاشمية، وبأميال بني أمية ميلان ونصف، والهاشمي اثنا عشر ألف قدم ستة آلاف ذراع، والذراع أربع وعشرون أصبعًا معترضة عرض كل أصبع منها ست حبات شعير بطون بعضها إلى بعض، عرض كل شعيرة ست شعرات برذون، وقال ابن حجر في «شرح البخاري»: الذراع الذي ذكر قد حرر بذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع، ومائتان وخمسون ذراعًا، قال: وهذه فائدة نفيسة قل من ينتبه لها. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

س350: بين أحكام ما يلي: من ائتم بمن يلزمه الإتمام، من قصر ثم رجع قبل استكمال المسافة، من ذكر صلاة حضر في سفر، أو سفر في حضر.
ج: أما الأولى، فيلزمه الإتمام؛ لأن ابن عباس سُئل: «ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد وأربعًا إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السُّنة» رواه أحمد؛ وأما من قصر ثم رجع قبل استكمال المسافة، فلا إعادة عليه؛ وأما من ذكر صلاة حضر في سفر فيتمها؛ لأن القضاء معتبر بالأداء وهو أربع، وكذا من ذكر صلاة سفر في حضر فيتم؛ لأن القصر من رخص السفر فبطل بزواله.
س351: بين حكم ما إذا ذكر صلاة سفر في آخر، وحكم ما إذا أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة، وحكم ما إذا حبس ولم ينو الإقامة؟
ج: في الأولى يقصر؛ لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر كما لو قضاها في نفسه، وفي المسألة الثانية: يقصر أبدًا؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة» رواه البخاري، «ولما فتح مكة أقام بها سبعة عشر يومًا يصلي ركعتين» رواه البخاري.
وقال أنس: «أقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم برام هرمز سبعة أشهر يقصرون الصلاة»، وقال نافع: «أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين حبسه الثلج»، وعن الحسن عن عبدالرحمن بن سمرة قال: «أقمت معه سنتين بكابل يقصر الصلاة ولا يجمع»؛ وأما من حبس ولم ينو إقامة فإنه يقصر أبدًا.

53- فصل في الجمع بين الصلاتين
س352: ما حكم الجمع بين الصلاتين؟
ج: يجوز في ثمان حالات: أولاً: في سفر قصر، ولمريض يلحق بتركه مشقة، ولمرضع، ومستحاضة ونحوها، ولعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة ولعاجز عن معرفة الوقت، ولعذر يبيح ترك الجمعة والجماعة، ولشغل كذلك.
س353: ما الدليل على إباحة الجمع بسفر القصر بين الظهر والعصر، وبين العشاءين؟
ج: ما ورد عن معاذ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر جميعًا ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء» رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن غريب.
وعن أنس  قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل في سفر قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما؛ فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب» متفق عليه.
س354: أيهما أفضل: الجمع أو تركه؟ والقصر أم تركه؟
ج: ترك الجمع أولى للاختلاف فيه غير جمعي عرفة ومزدلفة؛ وأما القصر فهو أفضل من الإتمام. قال في «الشرح»: القصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلماء، ولا نعلم أحدًا خالف فيه إلا الشافعي في أحد قوليه، قال: الإتمام أفضل؛ لأنه أكثر عملاً وعددًا، وهو الأصل، فكان أفضل كغسل الرجلين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم على القصر.

قال ابن عمر: «صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله» متفق عليه، ولما بلغ ابن مسعود أن عثمان صلى أربعًا استرجع، وقال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق ولوددت أن حظي من أربع ركعتان متقبلتان.
س355: ما الدليل على إباحة الجمع للمريض الذي يلحقه بتركه مشقة؟
ج: «لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف، ولا مطر، وفي رواية من غير خوف ولا سفر» رواهما مسلم من حديث ابن عباس، ولا عذر بعد ذلك إلا المرض، وقد ثبت جوازًا الجمع للمستحاضة، وهي نوع مرض واحتج أحمد بأن المرض أشد من السفر، وقد روي عن أبي عبدالله –رحمه الله تعالى- أنه قال في هذا الحديث رخصة للمريض والمرضع.
س356: ما الدليل على إباحته للمرضع والمستحاضة ونحوها؟ والعاجز عن الطهارة بماء أو تيمم لكل صلاة؟ والعاجز عن معرفة الوقت كالأعمى؟
ج: أما المرضع، فلمشقة كثرة النجاسة، وأما المستحاضة ونحوها، كذي سلس وجرح لا يرقأ دمه، فلقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة حين استفته في الاستحاضة: «وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلي الظهر والعصر جميعًا، ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، ويقاس عليه صاحب السلس ونحوه، والعاجز عن الطهارة بماء أو تيمم لكل صلاة؛ لأنه في معنى المريض، والمسافر؛ وأما العاجز عن معرفة الوقت فأومأ إليه أحمد؛ ولكن محله كما قال بعض العلماء: إذا تمكن من معرفة الوقت في أحد الوقتين؛ وأما إذا استمر معه الجهل فلا فائدة في ذلك.

س357: ما مثال العذر الذي يبيح ترك جمعة وجماعة؟ وما مثال الشغل الذي يبيح ترك الجمعة والجماعة ويبيح وجودهما أو أحدهما الجمع بين الصلاتين؟
ج: مثال الأول: خوفه على نفسه، أو ماله أو حرمته، ومثال الثاني: من له شغل يخاف بتركه ضررًا في معيشته يحتاجها.
س358: ما الذي يختص به الجمع بين العشاءين؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: يختص بالعشاءين ثلج، وبرد، وجليد، ووحل وريح شديدة باردة ومطر يبل الثياب ويوجد معه مشقة؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة» رواه النجاد بإسناد، وفعله أبو بكر وعمر وعثمان. وروى الأثرم عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنه قال: «إن من السُّنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء»، ولمالك في «الموطأ» عن نافع «أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم»، وقال أحمد في الجمع في المطر: «يجمع بينهما إذا اختلط الظلام قبل أن يغيب الشفق كذا صنع ابن عمر» ولا يجمع بين الظهر والعصر للمطر. قيل لأبي عبدالله: الجمع بين الظهر والعصر في المطر؟ قال: لا ما سمعته. وهذا اختيار أبي بكر وابن حامد، وقول مالك، وقال أبو الحسن التميمي فيه قولان: أحدهما: يجوز اختاره القاضي وأبو الخطاب وهو مذهب للشافعي، لما روى يحيى بن واضح عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر»؛ ولأنه معنى أباح الجمع فأباحه بين الظهر والعصر كالسفر، واستدل أهل القول الأول أن مستند الجمع ما ذكر من قول أبي سلمة والإجماع، ولم يرد إلا المغرب والعشاء وحديثهم لا يصح؛ فإنه غير مذكور في الصحاح والسنن، وقول أحمد: ما سمعت يدل على أنه ليس بشيء، ولا يصح القياس على المغرب والعشاء لما بينهما من المشقة لأجل الظلمة
ولا القياس على السفر؛ لأن مشقته لأجل السير وفوات الرفقة وهو غير موجود هاهنا.
س359: هل يجوز الجمع لمنفرد؟ ولمن طريقه تحت ساباط يمنع وصول المطر إليه؟ أو من كان مقامه في المسجد أو لمن يصلي في بيت؟
ج: يجوز، لأن الرخصة العامة يستوي فيها وجود المشقة وعدمها، كالسفر وكإباحة المسجد في حق من لي له إليه حاجة، وقد روي «أنه –عليه السلام- جمع في مطر وليس بين حجرته ومسجده شيء».
س360: ما الأفضل لمن أبيح له الجمع؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: الأفضل فعل الأرفق به من تقديم وتأخير سوى جمعي عرفة ومزدلفة إن عدم الأرفق، فالأفضل بعرفة التقديم، ومزدلفة التأخير، وإن استويا فتأخير أفضل؛ أما الدليل على أن فعل الأرفق هو الأفضل، فهو ما ورد عن مالك في «الموطأ» عن أبي الزبير عن أبي الطفيل «أن معاذًا أخبرهم أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال: وأخر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا».
قال ابن عبدالبر: هذا حديث صحيح ثابت الإسناد.
س361: ما الذي يشترط للجمع في الأولى؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: يشترط أربعة شروط: أولاً: نيته عند إحرامها. ثانيًا: أن لا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة ووضوء خفيف. قال في «الشرح»: ويعتبر أن لا يفرق بينهما إلا تفريقًا يسيرًا والمرجع في اليسير إلى العرف والعادة، وقدره بعض أصحابنا بقدر الوضوء والإقامة؛ والصحيح أنه لا حد له؛ لأن التقدير بابه التوقيف، فما لم يرد فيه توقيف فيرجع فيه إلى العادة كالقبض
والحرز، فإن فرق بينهما تفريقًا كثيرًا بطل الجمع، واختار الشيخ تقي الدين –رحمه الله تعالى-: لا موالاة في الجمع في الأولى، قال: وهو مأخوذ من نص أحمد في جمع المطر إذا صلى إحدى الصلاتين في بيته، والأخرى في المسجد، فلا بأس، ومن نصه في رواية أبي طالب والمروذي: للمسافر أن يصلي العشاء قبل مغيب الشفق، وعلله أحمد بأنه يجوز الجمع، وقال: لا يشترط للقصر والجمع نية، واختاره أبو بكر عبدالعزيز بن جعفر وغيره. انتهى من «الاختيارات الفقهية» (صحيفة 74)، وهذا القول عندي أنه أقوى دليلاً؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل التكبير نويت الجمع ولا القصر ولا الأمر، بذلك ولو كان شرطًا لنقل نقلاً مشتهرًا. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم. ووجه اشتراط الموالاة؛ لأن معنى الجمع: المقارنة والمتابعة، ولا يحصل مع تفريق بأكثر من ذلك. والشرط الثالث: وجود العذر المبيح للجمع عند افتتاحهما، وعند سلام الأولى. والشرط الرابع: استمرار العذر في غير جمع مطر ونحوه إلى فراغ الثانية.
س362: إذا أحرم بالأولى ناويًا الجمع لمطر ثم انقطع أو انقطع سفر بإحدى المجموعتين، فما الحكم؟ وضح ذلك توضيحًا شافيًا، ووضح ما إذا انقطع بعد أحدهما؟
ج: إذا أحرم الأولى منهما ناويًا الجمع، ثم انقطع ولم يعد؛ فإن حصل وحل لم يبطل الجمع؛ لأن الوحل ناشئ عن المطر وهو من الأعذار المبيحة أشبه ما لو لم ينقطع المطر، وإن لم يحصل وحل بطل الجمع، وإن انقطع سفر بأولى المجموعتين بأن نوى الإقامة أو رست به السفينة على وطنه بطل الجمع والقصر لانقطاع السفر فيتمها، وتصح فرضًا لأنها في وقتها وإن انقطع سفر بثانية المجموعتين بطل الجمع والقصر ويتمها نفلاً، وإن انقطع بعدهما فلا إعادة، ومرض في جمع كسفر؛ فإن عوفي بالأولى أتمها وصحت في الثانية صحت نفلاً، وبعدهما أجزأتا.
س363:ما الذي يشترط الجمع في ثانية المجموعتين؟ووضح ما لو صلاهما خلف إمامين أو خلف من لم يجمع أو أحدهما منفردًا والأخرى جماعة، أو صلى إمامًا بمأموم الأولى، وصلى بمأموم آخر الثانية؟ واذكر فائدة الجمع بين الصلاتين؟
ج: يشترط لجمع بوقت ثانية وهو جمع التأخير شرطان: أحدهما: نيته أي الجمع بوقت أولى المجموعتين ما لم يضق عن فعلها لفوات فائدة الجمع، وهو التخفيف بالمقارنة بين الصلاتين؛ ولأن تأخيرها إلى ضيق الوقت عن فعلها حرام فينافي الرخصة، وهي الجمع، والشرط الثاني: بقاء العذر إلى دخول وقت ثانية؛ لأن المبيح للجمع العذر؛ فإن لم يستمر إلى وقت الثانية إلى المقتضى للجمع، فامتنع كمريض بره ومسافر قدم، ولا يشترط غير ما مر، فلو صلاهما خلف إمامين أو صلاهما خلف من لم يجمع صح، أو صلى إحداهما منفردًا أو صلى الأخرى جماعة أو صلى إمامًا بمأموم الأولى وصلى بمأموم آخر الثانية، أو صلاهما إمامًا بمن لم يجمع صح لعدم المانع.

54- فصل في صلاة الخوف
س364: ما حكم صلاة الخوف؟ وما سندها من الكتاب والسُّنة؟
ج: تصح صلاة الخوف إن كان القتال مباحًا حضر أو سفر؛ أما دليلها من الكتاب، فقوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ الآية، وقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا الآية؛ وأما السُّنة: فثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الخوف، وحكمها باق في قول جمهور أهل العلم، وأجمع الصحابة  على فعلها، وصلاها علي وأبو موسى وحذيفة.
س365: إذا كان العدو في جهة القبلة، فما صفة صلاة الخوف؟
ج: صفتها كما روى جابر قال: «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفنا خلفه صفين، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم فكبرنا جميعًا، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه
من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجد ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعًا» رواه مسلم.
س366: اذكر صفة ثانية من صفات صلاة الخوف، وما الذي قاله الإمام أحمد نحوها؟
ج: الوجه الثاني: إذا كان العدو في غير القبلة، فصفتها كما ورد عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف «أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائمًا فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاء العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته فأتموا لأنفسهم فسلم بهم» رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وفي رواية للجماعة عن صالح ابن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الصفة، قال الإمام أبو عبدالله –رحمه الله تعالى: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستة، كل ذلك جائز لمن فعله.
قال الأثرم: قلت لأبي عبدالله –رحمه الله تعالى-: تقول بالأحاديث كلها أو تختار واحدًا منها؟ قال: أنا أقول من ذهب إليها كلها فحسن؛ فأما حديث سهل فأنا أختاره.
س367: ما هي الصفة الثالثة لصلاة الخوف؟
ج:صفتها كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «صلى النبي صلى الله
عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة» متفق عليه.
س368: إذا شد الخوف وتواصل الطعن والضرب، والكر والفر، ولم يمكن تفريق القوم وصلاتهم على ما سبق، فماذا تكون صفة تأديتها واذكر الدليل؟
ج: إذا حصل مثل هذا صلوا رجالاً وركبانًا للقبلة وغيرها، لقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا  قال ابن عمر: «فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قيامًا على أقدامهم مستقبلين القبلة وغير مستقبليها» متفق عليه. زاد البخاري: قال نافع: «لا أرى ابن عمر قال ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم» ورواه ابن ماجه مرفوعًا.
س369: ما حكم حمل السلاح في صلاتها؟ وإذا خاف على نفسه فكيف تكون تأديته لصلاته؟ وكيف يأتي بالركوع والسجود واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: يسن حمل ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله، كسيف وسكين، لقوله تعالى: وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ولمفهوم قوله: وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ؛ ولأنهم لا يأمنون أن يفاجئهم العدو، كما قال تعالى: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ الآية، وإذا خاف على نفسه يصلي على حسب حاله، ويفعل كل ما يحتاج إليه من هرب أو غيره لقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا الآية، ويؤمنون بركوع وسجود طاقتهم والسجود أخفض من الركوع؛ لأنهم لو تمموا الركوع والسجود لكانوا هدفًا لأسلحة العدو ومعرضين أنفسهم للهلاك.
55- باب صلاة الجمعة
س370: ما حكم صلاة الجمعة؟ وما الأصل في فرضها؟ ولم سميت جمعة؟
ج: أولاً: الجمعة سميت جمعة، قيل: لجمعها الخلق الكثير، وقيل: إنما سميت جمعة لجمعها الجماعات، وهو قريب من الأول، وقيل: لجمع طين آده فيها، وقيل: لأن آدم جمع فيها خلقه، قال الزركشي: واشتقاقها من اجتماع الناس للصلاة قاله ابن دريد. وقيل: بل لاجتماع الخليفة فيه وكمالها. ويروى عنه –عليه أفضل الصلاة والسلام- «أنها سميت بذلك لاجتماع آدم فيه مع حواء في الأرض» انتهى من «الإنصاف»؛ وأما الأصل في مشروعيتها فهو الكتاب والسُّنة والإجماع؛ وأما الكتاب: فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ  فأمر بالسعي ويقتضي الأمر الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى الواجب، ونهى عن البيع لئلا يشتغل به عنها، فلو لم تكن واجبة لما نهى عن البيع من أجلها؛ وأما السُّنة فعن ابن مسعود  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: «لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم» رواه أحمد ومسلم، وعن أبي هريرة وابن عمر أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» رواه مسلم، ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن عمر وابن عباس، وعن أبي الجعد الضمري، وله صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه» رواه الخمسة، ولأحمد وابن ماجه من حديث جابر ونحوه.
وإياك والتفريط في جمعة بها
ففي يومها يعطي المزيد لفائز
وفي تركها من غير عذر ثلاثة
قد اختص رب الخلق أمة أحمد
فينظر من غير كيف فقيد
يران على قلب الغفول البعد

س371: على من تجب صلاة الجمعة؟ وهل تجب على العبد؟
ج: تجب على كل ذكر مسلم مكلف مستوطن ببناء يشمله اسم واحد؛ أما كونه مسلمًا مكلفًا، فلأن الإسلام والعقل شرطان للتكليف والعبادة، فلا تجب على مجنون إجماعًا، ولا على صبي في الصحيح من المذهب، لما روى طارق بن شهاب مرفوعًا: «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض» رواه أبو داود؛ وأما كونه ذكر فلأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال؛ وأما كونها لا تجب على المسافر، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير.
وأما العبد، فقيل: لا تجب عليه الجمعة، لحديث طارق ابن شهاب وتقدم، ولما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريضًا أو مسافرًا أو امرأة أو صبيًا أو مملوكًا» رواه الدارقطني، والقول الثاني: أنها تجب عليه لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وعن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رواح الجمعة واجب على كل محتلم» رواه النسائي، وعن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجمعة على من سمع النداء» رواه أبو داود والدارقطني، وقال فيه: «إنما الجمعة على من سمع النداء»، وهذا القول عندي أنه أقوى دليلاً؛ لأن النصوص الصحيحة عامة في دخولهم. والله أعلم.
س372: هل الجمعة مستقلة أم بدل من الظهر؟ وما معنى كونها فرض الوقت؟
ج: هي مستقلة وليست بدلاً عن الظهر، ومعنى كونها فرض الوقت أي يتعين لها، فلو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت الجمعة لم تصح ظهرهم؛ لأنهم صلوا ما لم يخاطبوا به وتركوا ما خوطبوا به كما لو صلوا العصر مكان الظهر.
س373: هل تؤخر الفائتة لخوف فوات الجمعة؟ وهل تقتضي الجمعة إذا فاتت؟
ج: نعم تؤخر فائتة لخوف فوتها؛ لأنه لا يمكن تداركها بخلاف غيرها من الصلوات، ولا تقضي إذا فاتت لكن الظهر بدل عنها.
س374: إذا حضر الجمعة مسافر أو امرأة أو خنثى، فما الحكم؟
ج: تجزئه عن الظهر لأن إسقاط الجمعة عنهم تخفيف فإذا صلاها فكالمريض إذا تكلف المشقة.
س375: إذا حضر الجمعة مريض ونحوه فهل تجب عليه؟ وهل تنعقد به؟
ج: إذا حضرها مريض أو خائف على نفسه، أو ماله، أو أهله أو نحوه ممن له شغل أو عذر يبيح ترك الجمعة، وجبت عليه وانعقدت به وجاز أن يؤم فيها؛ لأن الساقط عنه الحضور للمشقة فإذا تكلفها وحضر تعينت عليه كمريض المسجد.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:50 am

س376: إذا صلى الظهر من عليه حضور الجمعة، فما الحكم؟
ج: لا تصح صلاة الظهر يوم الجمعة ممن يلزمه حضورها بنفسه أو غيره قبل تجميع الإمام، ولا مع شكه في تجميع الإمام؛ لأنها فرض الوقت، فقد صلى ما لم يخاطب به وترك ما خوطب به أشبه ما لو صلى العصر مكان الظهر.
س377: إذا صلى المعذور قبل تجميع الإمام ثم زال عذره قبل تجميع الإمام، فما الحكم؟
ج: تصح من معذور قبل تجميع الإمام بشرط أنه قد دخل وقت الظهر؛ لأنه فرضه وقد أداه ولو زال عذره قبله كمعضوب حج عنه ثم عوفي إلا الصبي إذا بلغ، والأفضل لمن لا تجب عليه أن يؤخر الصلاة حتى يصلي الإمام الجمعة فيصلي بعده.
س378: بين حكم السفر في يوم الجمعة؟ واذكر الدليل أو التعليل على ما تقول؟
ج: يحرم سفر من تلزمه في يومها بعد الزوال حتى يصلي الجمعة لاستقرارها في ذمته بدخول وقتها، فلم يجز له تفويتها بالسفر بخلاف غيرها من الصلوات لإمكان فعلها حال السفر إن لم يخف فوت رفقته؛ فإن خافه سقط عنه وجوبها وجاز له السفر؛ وأما قيل الزوال فيكره لمن هو من أهل وجوبها خروجًا من الخلاف ولم يحرم، لقول عمر : «لا تحبس الجمعة عن سفر» رواه الشافعي في «مسنده» وكما لو سافر من الليل، ولأنها لا تجب إلا بالزوال وما قبله وقت رخصة ومحل الكراهة إن لم يأت مسافر بها في طريقه؛ فإن أتى بها في طريقه لم يحرم.
س379: ما هي شروط صحة صلاة الجمعة؟
ج: شروط صحتها أربعة: أحدها: الوقت. ثانيًا: حضور العدد المعتبر. ثالثًا: أن يكونوا بقرية مستوطنين. رابعًا: تقدم خطبتين.
س380: ما أول وقت الجمعة وما آخره؟ ومتى تلزم؟ ودلل على ما تقول.
ج: يدخل وقتها من أول وقت صلاة العيد، أي من ارتفاع الشمس قيد رمح، وآخره آخر وقت الظهر، وتلزم بالزوال؛ لأن ما قبله وقت جواز؛ أما الدليل على أول وقتها، فلحديث عبدالله بن أسيد السلمي قال: «شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار، ثم شهدته مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول زال النهار، فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره» رواه الدارقطني وأحمد واحتج به، قال: وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال ولم ينكر فكان إجماعًا. وعن جابر «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريح حين تزول الشمس» رواه أحمد ومسلم، وعن سهل ابن سعد قال: «ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة» رواه الجماعة.
وقيل: إن أول وقتها كوقت الظهر بعد الزوال، لما ورد عن سلمة
ابن الأكوع  قال: «كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء» أخرجاه، وعن أنس  قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس» رواه أحمد والبخاري، وأبو داود والترمذي.
وفعلها بعد الزوال أفضل خروجًا من الخلاف، ولأنه الوقت الذي كان صلى الله عليه وسلم يصليها فيه في أكثر أوقاته. والله أعلم.
س381: بين الحكم إذا شك في خروج الوقت؟ وإذا لم يتم العدد المعتبر إلا بالإمام.
ج: لا تسقط الجمعة بشك في خروج الوقت؛ لأن الأصل عدمه والوجوب محقق، وإذا كان الإمام من أهل وجوبها فيتم به العدد ويصلون جمعة، لقول كعب بن مالك: «أول من جمع بنا سعد بن زرارة في هزم النبيت في نقيع يقال له: نقيع الخضمات. قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً» رواه أبو داود.
قال ابن جريج: قلت لعطاء: أكان يأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وقال أحمد: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة. وقال جابر: «مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة وأضحى وفطر» رواه الدارقطني. وقيل: تنعقد باثنين، واستدلوا بأن العدد واجب بالحديث والإجماع، ورأوا أنه لم يثبت دليل شرعي على اشتراط عدد مخصوص، وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين ولا فرق بينها وبين الجماعة، ولم يأت نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا، وقيل: بثلاثة اختاره الأوزاعي، والشيخ تقي الدين، لقوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ  وهذا جمع وأقله ثلاثة، وقيل: بخمسين،
لما روى أبو هريرة  قال: «لما بلغ أصحا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين جمع بهم» رواه النجاد. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س382: ما الذي تدرك به الجمعة؟ وما الذي تدرك به صلاتها؟
ج: تدرك بإدراك ركعة قبل خروج وقتها، لما تقدم في حديث أبي هريرة وعائشة في جواب سؤال سابق، وكذا صلاتها لا تدرك إلا بإدراك ركعة، لما ورد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته» رواه النسائي، وابن ماجه، والدارقطني، واللفظ له وإسناده صحيح، لكن قوى أبو حاتم إرساله.
ولما روى البيهقي عن أبي مسعود، وابن عمرو عن أبي هريرة مرفوعًا: «من أدرك ركعة من الجمعة، فقد أدرك الصلاة» رواه الأثرم، وتقدم بعض الأدلة في جواب سؤال سابق.
س383: ماذا يلزم من أحرم مع الإمام ثم زحم عن السجود بالأرض؟
ج: يلزمه السجود مع إمامه ولو على ظهر أخيه، أو رجله، لقول عمر «إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه» رواه أبو داود الطيالسي، وسعيد، وكالمريض يأتي بما يمكنه ويصح؛ فإن لم يمكنه السجود على ظهر إنسان أو رجله، فإذا زال الزحام سجد بالأرض ولحق إمامه إلا أن يخاف فوت الركعة الثانية مع الإمام؛ فإن خافه فإنه يتابعه فيها وتصير ثانية الإمام أولاه ويتمها جمعة.
س384: إذا لم يتابع المأموم المزحوم في الثانية مع خوف فوتها، فما الحكم؟
ج: إن لم يتابعه المأموم المزحوم في الثانية مع خوف فوتها عالمًا بتحريمه بطلت صلاته، لتركه واجب المتابعة بلا عذر، وإن جهل تحريم عدم متابعته
فسجد سجدتي الركعة الأولى ثم أدرك الإمام في التشهد أتى بركعة ثانية بعد سلامه وصحت جمعته؛ لأن أدرك مع الإمام منها ما تدرك به الجمعة وهو ركعة.
س385: ما حكم صلاتهما فيما قارب البنيان من الصحراء؟
ج: تصح إقامتها فيه؛ «لأن أسعد بن زرارة أول من جمع في حرة بني بياضة» أخرجه أبو داود والدارقطني، قال البيهقي: حسن الإسناد صحيح، قال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من المدينة.
س386: إذا نقص العدد المعتبر قبل إتمام الجمعة، فما الحكم؟ وإذا أدرك مع الإمام منها أقل من ركعة، فما الحكم؟
ج: إن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهرًا إن لم يمكن فعل الجمعة مرة أخرى، ومن أدرك مع الإمام منها أقل من ركعة يتمها ظهرًا إذا كن نوى صلاة الظهر ودخل وقتها وإلا انقلبت نفلاً؛ أما في الأولى فكمن أحرم بفرض فبان قبل وقته.
وأما في الثانية فلحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ولأن الظهر لا تتأدى بنية الجمعة ابتداء فكذا استدامة.
س387: بين ما تستحضره من شروط لصحة الخطبتين مع ذكر ما تستحضره من خلاف؟
ج: أولاً: تذكر دليلاً للخطبتين، قال تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ  والذكر هو الخطبة، فأمر بالسعي إليها فيكون واجبًا، لمواظبته –عليه الصلاة والسلام- عليها مع قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وعن عمر وعائشة -رضي الله عنهما - «قصرت الصلاة من أجل الخطبة»، وعن جابر بن سمرة قال: «كانت للنبي خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا» رواه مسلم. وعن ابن عمر قال:
«كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائمًا ثم يجلس ثم يقوم كما يفعلون اليوم» رواه الجماعة، ومما يشترط حمد الله، وذلك لما روى أبو هريرة  مرفوعًا: «كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجزم –أي مقطوع- البركة» رواه أبو داود، ورواه الجماعة مرسلاً.
وروى أبو داود عن ابن مسعود  قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشهد قال: «الحمد له»».
ويتعين هذا اللفظ في قول الجمهور، وقال جابر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بحمد الله ويثني عليه بما هو أهله» الحديث.
ثانيًا: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختار لشيخ تقي الدين أن الصلاة عليه –أفضل الصلاة والسلام- واجبة لا شرط، قاله في «الإنصاف».
وقال في «الشرح الكبير»: ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك في خطبته. اهـ.
والدليل على ذلك: أن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر نبيه كالأذان؛ ولأنه قد روي في تفسير قوله تعالى: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ قال: لا أذكر إلا ذكرت معي. ويتعين لفظ الصلاة أو يشهد أنه عبدالله ورسوله.
ثالثًا: قراءة آية من كتاب الله عز وجل، لما روى جابر بن سمرة  قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات ويذكر الناس» رواه مسلم، ولما روى الشعبي قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس، وقال: «السلام عليكم» ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب ثم ينزل وكان أبو بكر وعمر يفعلانه»
رواه الأثرم، وقيل: لا يشترط قراءة آية، فلو قرأ ما تضمن الحمد والموعظة ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه.
رابعًا: الوصية بتقوى الله عز وجل؛ لأنها المقصود بالخطبة، فلم يجز الإخلال بها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظم. وعن جابر بن سمرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا ويجلس بين الخطبتين ويقرأ آيات ويذكر الناس» روه الجماعة إلا البخاري والترمذي، وعنه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات» رواه أبو داود.
خامسًا: موالاتهما مع الصلاة؛ لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم خلافه، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ولما ورد لأحمد والنسائي «كان بلال يؤذن إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ويقيم إذا نزل» وهذا يدل على الموالاة.
سادسًا: النية، لحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».
سابعًا: حضور العدد المعتبر، قال في «الشرح الكبير» : فصل ويشترط حضور العدد المشترط في القدر الواجب من الخطبتين، وقال أبو حنيفة في رواية أبي داود عنه: لا يشترط؛ لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلم يشترط له العدد؛ كالأذان ولنا أنه ذكر من شرائط الجمعة فكان من شرطه العدد، وكتكبيرة الإحرام ويفارق الأذان؛ فإنه ليس بشرط، وإنما مقصوده الإعلام والإعلام للغائبين، والخطبة مقصودها الموعظة فهي للحاضرين. اهـ. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س388: اذكر ما تستحضره من سنن الخطبتين، والأدلة الدالة على ذلك؟

ج: أولاً: الطهارة من الحدث والجنابة، فتصح خطبة جنب كأذانه، وعنه أنها من شرائطها؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- لم يكن يفصل بين الخطبة والصلاة بطهارة، فدل على أنه كان متطهرًا.
ثانيًا: ستر العورة.
ثالثًا: إزالة النجاسة قياسًا؛ لأن الخطبتين بدل ركعتين؛ لقول عمر وعائشة: «قصرت الصلاة لأجل الخطبة».
رابعًا: الدعاء للمسلمين «لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يوم الجمعة دعا وأشار بأصبعه وأمن الناس» رواه حرب في مسائله؛ ولأن الدعاء لهم مسنون من غير الخطبة ففيها أولى.
خامسًا: أن يتولاهما من يتولى الصلاة.
قال أحمد في الإمام يخطب يوم الجمعة ويصلي الأمير بالناس: لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة؛ لأنه لا يشترط اتصالها بها، فلم يشترط أن يتولاهما واحد كصلاتين.
سادسًا: رفع الصوت بهما حسب الطاقة، لما ورد عن جابر بن سمرة  قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته» الحديث رواه مسلم.
سابعًا: أن يخطب قائمًا على مرتفع معتمدًا على قوس أو عصا؛ أما الدليل على كونه قائمًا، فلقوله تعالى: وَتَرَكُوكَ قَائِمًا  قال جابر بن سمرة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائمًا» فمن نبأك أنه يخطب جالسًا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة، رواه أحمد ومسلم وأبو داود؛ وأما الدليل على كونه معتمدًا على قوس أو عصا، فلما ورد عن الحكم بن حزن الكلفي قال: «قدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة فلبثنا عنده أيامًا شهدنا فيها الجمعة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على قوس أو قال على عصا،
فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: «أيها الناس إنكم لن تفعلوا أو لن تطيقوا كل ما آمركم ولكن سددوا وابشروا»» رواه أحمد وأبو داود.
قال ابن القيم –رحمه الله في «زاد المعاد» (1/242): ولم يكن يأخذ بيده سيفًا ولا غيره، وإنما يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر، وكان في الحرب يعتمد على قوس، وفي الجمعة على عصا، ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف ولم يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائمًا وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف فمن فرط جهله. اهـ.
قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمهما الله-:
وما كان من هدي النبي اعتماده
ولكن يكون الاعتماد على العصى
وما ظنه الجهال أن اعتماده
إشارة إظهار لدين أتى به
على السيف إذ لا نص فيه لمهتد
أو القوس ذا هدى النبي محمد
على السيف فيما يزعمون لمقصد
فزعم بعيد الرشد غير مسدد

ثامنًا: أن يجلس بينهما قليلاً، لقول ابن عمر «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس» متفق عليه؛ فإن أبى أو خطب وهو جالس فصل بينهما بسكتة ليحصل التمييز بينهما، وليست واجبة؛ لأن جماعة من الصحابة سردوا الخطبتين من غير جلوس منهم: المغيرة، وأبي بن كعب، قال أحمد: ولا بأس أن يخطب من صحيفة كقراءة في الصلاة من مصحف.
تاسعًا: قصر الخطبتين، لما روي عن عمار بن ياسر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة» رواه أحمد ومسلم، وعن
جابر بن سمرة قال: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدًا وخطبته قصدًا» رواه الجماعة إلا البخاري، وأبا داود.
وعن عبدالله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة» رواه النسائي.
عاشرًا:
أن يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم، لما روى ابن ماجه عن جابر  قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم» رواه الأثرم عن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وابن الزبير ، ورد هذا السلام وكل سلام فرض كفاية على المسلم عليهم، وقيل: سُّنة كابتدائه.
الحادي عشر: جلوسه حتى يؤذن، وذلك لما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب» رواه أبو داود مختصرًا.
الثاني عشر: أن يقصد الخطيب تلقاء وجهه فلا يلتفت يمينًا وشمالاً لفعله صلى الله عليه وسلم؛ ولأنه أقرب إلى أسماعهم كلهم، ولا بأس أن يشير بأصبعه في الدعاء، لما ورد عن حصين بن عبدالرحمن قال: «كنت إلى جنب عمارة بن رويبة وبشر بن مروان يخطبنا، فلما دعا رفع يديه، فقال عمار: قبح الله هاتين اليدين، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب إذا دعا يقول هكذا فرفع السبابة وحدها» رواه أحمد والترمذي بمعناه وصححه.
س389: ما صفة صلاة الجمعة؟ وما دليلها؟
ج: صلاة الجمعة ركعتان، وذلك بالإجماع حكاه ابن المنذر، وقال عمر : «صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى» رواه أحمد، وابن ماجه يسن أن يجهر فيهما بالقراءة. قال الأئمة: لفعله –عليه الصلاة والسلام- ونقله الخلف عن السلف. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «صلاة النهار عجماء إلا الجمعة والعيدين».
س390: ما المسنون قراءته في صلاتها؟ وما هو الدليل عليه؟
ج: يسن أن يقرأ جهرًا في الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين بعد الفاتحة، وإن قرأ بالأولى بسبح، وفي الثانية بالغاشية فحسن، لما ورد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين» رواه مسلم، ولعن عن النعمان ن بشير قال: «كان يقرأ في العيدين والجمعة بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ» رواه أبو داود والنسائي.
س391: ما المسنون أن يقرأه في فجرها؟ وما الدليل عليه؟ وما الحكمة في ذلك؟
ج: يُسن أن يقرأ في فجرها (الم السجدة)، وفي الركعة الثانية هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ، لما ورد عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح (الم تنزيل السجدة)، وهَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ» الحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وعن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة (الم تنزيل)، وهَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ» رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود؛ ولكنه لهما من حديث ابن عباس، والحكمة قيل: لتضمنها ابتداء خلق السموات والأرض وخلق الإنسان.
س392: ما حكم إقامة الجمعة والعيدين في أكثر من موضع من البلد؟ وضح ذلك.

ج: تحرم إقامتها وعيد في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة؛ لأنهما لم يكونا يفعلا في عهده وعهد خلفائه إلا كذلك، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وإما لحاجة كضيق مسجد البلد، وكتباعد أقطار البلد فيشق على من منزله بعيد عن محل الجمعة، وكخوف فتنة ونحوه.
س393: إذا وقع عيد في يوم الجمعة فما الحكم؟وما دليل الحكم؟وضح ذلك
ج: إذا وقع عيد في يوم الجمعة سقطت الجمعة عمن حضر العيد مع الإمام سقوط حضور لا سقوط وجوب؛ وأما الإمام فلا يسقط عنه حضور الجمعة لما ورد عن أبي هريرة  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون» رواه أبو داود وابن ماجه، وعن زيد بن أرقم  وسأله معاوية: «هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا؟ قال: نعم، صلى العيد أول النهار ثم رخص في الجمعة، فقال: «من شاء أن يجمع فليجمع»» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
س394: كم أقل السنة بعد الجمعة؟ وكم أكثرها؟ واذكر الأدلة على ما تذكر.
ج: أقل السُّنة الراتبة بعد الجمعة ركعتان، لحديث ابن عمر مرفوعًا: «كان يصلي بعد الجمعة ركعتين» متفق عليه، وأكثرها ست ركعات، لقول ابن عمر: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله» رواه أبو داود، ولا راتبة لها قبلها ويستحب أربع ركعات، لما روى ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يركع من قبل الجمعة أربعًا، وروى سعيد عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات وبعدها أربع ركعات، وقال عبدالله: رأيت أبي يصلي في المسجد إذا أذن المؤذن ركعات، ويُسن أن يفصل بين السُّنة وبين الجمعة بكلام أو انتقال.
س395: بين إلى كم تنقسم خصائص الجمعة؟ ومثل لكل قسم.
ج: إلى ثلاثة أقسام: قسم قبل الصلاة.
القسم الثاني: في كل يومها.
القسم الثالث: بينهما بحسب ما ورد.
ومثال الأول: كالاغتسال والطيب.
ومثال الثاني: كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والذكر والدعاء.
ومثال الثالث: كقراءة سورة الكهف في يومها ومنه ساعة الإجابة.
س396: اذكر ما تستحضره مما يُسن قبل صلاة الجمعة وبعدها؟
ج: يُسن قراءة سورة الكهف في يومها، وكثرة دعاء وأفضله بعد العصر، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وغسل لها فيه وأفضله عند مضيه وتنظف وتطيب، ولبسُ أحسن ثيابه، وهو البياض، وتبكير غير إمام بعد طلوع الفجر ماشيًا إن لم يكن عذر، ولا بأس بركوبه لعذر وعود، وأن يخرج إليها على أحسن هيئة بسكينة ووقار مع خشوع، ويدنو من الإمام، وأن يستقبل القبلة وأن يشتغل بذكر الله تعالى، وأفضله قراءة القرآن.
س397: اذكر ما تستحضره من أدلة ما تقدم مما يُسن قبل صلاة الجمعة وبعدها؟
ج: أما دليل الغسل، فهو ما ورد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه وإن كان له طيب مس منه» رواه أحمد؛ وأما الطيب والإنصات، فهو ما ورد عن سلمان الفارسي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من ظهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يروج إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب الله له، ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر الله له ما بينه وبين الجمعة إلى الجمعة الأخرى» رواه أحمد والبخاري؛ وأما التبكير: فهو ما ورد عن أبي هريرة: أن رسول الله  قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح
في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح من الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» رواه الجماعة إلا ابن ماجه؛ وأما الدنو من الإمام، فلما ورد عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «احضروا الذكر وادنوا من الإمام؛ فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها» رواه أحمد وأبو داود.
وأما دليل الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فيها فهو ما ورد عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة وفيه الصعفة، فأكثروا علي من الصلاة فيه» الحديث رواه الخمسة إلا الترمذي.
وأما الدليل على كثرة الدعاء، فهو ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل خيرًا إلا أعطاه إياه، وقال: بيده قلنا يقللها يعني يزدهدها» رواه الجماعة إلا أن الترمذي وأبا داود لم يذكر القيام ولا تقليلها؛ وأما الدليل على استحباب قراءة سورة الكهف، فهو ما روى البيهقي بإسناد حسن عن أبي سعيد مرفوعًا: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين»؛ وأما المشي إليها بسكينة ووقار، فلما ورد عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار» الحديث متفق عليه؛ وأما استقبال القبلة، فلما أخرجه الطبراني بإسناد حسن عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء سيدًا وإن سيد المجالس قبالة القبلة» وأخرج نحوه في «الأوسط» من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يدعو في الاستسقاء
استقبل القبلة كما في البخاري وغيره، وقد استقبل القبلة صلى الله عليه وسلم في غير موطن كما في يوم بدر.
س398: متى يجب السعي إلى الجمعة؟ واذكر الدليل.
ج: يجب السعي إليها بالنداء الثاني الذي بين يدي الخطيب، لقوله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ  الآية؛ لأنه الذي كان على عهده صلى الله عليه وسلم، ولا يجب بالأول؛ لأنه مستحب، ولأن عثمان سنه وعملت به الأمة.
س399: ما حكم تخطي رقاب الناس؟ وما دليل الحكم؟
ج: يكره أن يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إمامًا فلا يكره أو إلى فرجة لا يصل إليها إلا به، والدليل على الكراهة قوله –عليه الصلاة والسلام- وهو على المنبر لرجل رآه يتخطى رقاب الناس: «اجلس فقد آذيت» رواه أحمد؛ وأما من رأى فرجة فيباح إلى أن يصل غليها لإسقاطهم حقهم بتأخرهم عنها.
س400: ما حكم إيثار الإنسان غيره بمكانه الفاضل؟ وما حكم وضع مصلى في المسجد؟
ج: يكره إيثار غيره بمكان أفضل ويجلس فيما دونه؛ لأنه رغبة عن الخير، ولا يكره للمؤثر قبوله ولا رده، وقام رجل لأحمد من موضعه فأبى أن يجلس فيه، وقال: ارجع إلى موضعك، فرجع إليه، نقله سندي.
وأما فرش المصلى، فقال في «الاختيارات الفقهية» في (ص81): وإذا فرش مصلى ولم يجلس عليه ليس له ذلك ولغيره رفعه في أظهر قولي العلماء.
قلت: ومثله وضع النعل والعصا، وتقديم الخادم والولد ثم إذا حضر قام عنه وجلس فيه، فهذا لا يجوز فيما أرى. والله أعلم.
قال الشيخ سليمان بن سحمان الناظم لبعض اختيارات شيخ الإسلام:
ووضع المصلى في المساجد بدعة
وتقديمه في الصف حجر لروضة
ويشبهه وضع العصا وحكمها
بلى مستحب أن يمطا ويرفعا
لئن لم يكن هذا بنص مقرر
فخير الأمور السالفات على الهدى
وليس من الهادي القويم محمد
وغضب لها عن داخل متعبد
كحكم المصلى في ابتداع التعبد
عن الداخلين الراكعين بمسجد
ولا فعل أصحاب النبي محمد
وشر الأمور المحدثات فبعد
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:52 am


س401: إذا قام إنسان في موضعه وزاحمه عليه آخر فأيهما أحق؟
ج: من قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه قريبًا فهو أحق به، لحديث مسلم عن أبي أيوب مرفوعًا: «من قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به، ومن لم يصل إليه إلا بالتخطي فكمن رأى فرجه».
س402: ما حكم إقامة الغير من مكانه والجلوس فيه؟
ج: يحرم أن يقيم غيره فيجلس مكانه ولو عبده الكبير أو ولده الكبير أو كانت عادته الصلاة فيه حتى المعلم، لحديث ابن عمر : «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه» متفق عليه.
ولا يتخطى الناس إلا إمامهم
ويحرم رفع الغير عن بقعة له
وراء مكانًا خاليًا في المؤكد
ويكره إيثار المساوي بمقعد

س403: ما حكم تحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب؟
ج: تسن تحية المسجد ركعتان لكل من دخله قصد الجلوس أو لا غير خطيب دخل للخطبة، وغير داخله والإمام في مكتوبة، وبعد شروع في إقامة، وغير داخل المسجد الحرام؛ لأن تحيته الطواف وينتظر من دخل حال الأذان فراغ مؤذن لتحية مسجد ليجيب المؤذن ثم يصليها ليجمع بين الفضيلتين، وإن جلس قبل التحية قام فأتى بها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «قم فاركع ركعتين» متفق عليه من حديث جابر؛ فإن طال الفصل فات محلها، وتقدم حديث أبي قتادة في باب أوقات النهي.
س404: ما حكم الكلام والإمام يخطب؟
ج: يحرم الكلام والإمام يخطب إن كان المتكلم من الإمام بحيث يسمعه إلا له أو لمن كلمه لمصلحة ويجب الكلام والإمام يخطب لتحذير ضرير عن هلكة، وتحذير غافل عن هلكة وبئر ونحوه كقطع الصلاة لذلك وأولى ويباح إذا سكت الخطيب بين الخطبتين وإذا شرع في الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر.
س405: اذكر ما تستحضره من الأدلة لما تقدم؟
ج: أما دليل التحريم في حق من هو منه بحيث يسمعه، فقوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا قال أكثر المفسرين: إنما نزلت في الخطبة، وسميت قرآنًا لاشتمالها عليه، ولخبر الصحيحين عن أبي هريرة  مرفوعًا: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت، واللغو الإثم»، ولقوله: «من قال صه فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له» رواه أحمد وأبو داود، ولقوله صلى الله عليه وسلم في خبر ابن عباس: «والذي يقول أنصت ليس له جمعة» رواه أحمد، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء: «إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ» رواه أحمد؛ وأما الدليل على جوازه للخطيب أو لمن كلمه لمصلحة، فمن ذلك حديث أنس قال: «جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يوم الجمعة، فقال: متى الساعة؟ فأشار الناس إليه أن اسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الثالثة: «ما أعددت لها؟» قال: حب الله ورسوله، قال: «إنك مع من أحببت»» رواه البيهقي بإسناد صحيح؛ ولأنه كلم سليكًا وكلمه هو رواه ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة، وسأل عمر، وعثمان فأجابه، وسأل العباس ابن مرداس الاستسقاء؛ ولأنه حال كلام الإمام وكلام الإمام إياه لا يشغل عن سماع الخطبة.

56- باب صلاة العيدين
س406: ما حكم صلاة العيدين؟ وما الأصل في مشروعيتها؟
ج: صلاة العيدين فرض كفاية، والأصل في ذلك الكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب فقوله عز وجل: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ المشهور في التفسير أن المراد بها صلاة العيد؛ وأما السُّنة: فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيدين. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: «شهدت صلاة الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر كلهم يصليها قبل الخطبة» متفق عليه. وأجمع المسلمون على صلاة العيدين؛ ولأنها من أعلام الدين الظاهرة، فكانت واجبة كالجهاد، ولا تجب على الأعيان، لحديث الأعرابي حين ذكر له خمس صلوات، قال: هل علي غيرها؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» الحديث متفق عليه، وروي أن أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وواظب على صلاة العيدين.
س407: بين ماذا يعمل مع من تركها وحدد وقتها وإذا خرج وقتها فهل تقضى؟
ج: إن تركها أهل بلد قاتلهم الإمام كالأذان؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، وفي تركها تهاون بالدين، ووقتها كوقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال؛ فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد خروج الوقت صلوا من الغد قضاء؛ أما دليل وقتها، لأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يصلونها بعد ارتفاع الشمس؛ وأما الدليل على قضائها من الغد، فلحديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، قالوا: «غم علينا هلال شوال فأصبحنا صيامًا، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد» رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه إسحاق والخطابي؛ ولأن العيد شرع له
الاجتماع العام وله وظائف دينية ودنيوية وآخر النهار مظنة الضيق عن ذلك غالبًا.
وإن صلاة العيد فرض كفاية
ومن قيد رمح مبتدأ وقت فعلها
وإن لم يحط العيد علمًا بيومه
يقاتل آب فعلها بالمهند
إلى أن تزول الشمس بعد التكبد
إلى أن تزول الشمس صلوا من الغد

س408: هل تُصلى صلاة العيد في البلد أم في الصحراء؟ وهل الأولى تقديم الصلاة أم التأخير أم فيه تفضيل؟ وضح ذلك مع ذكر الأدلة.
ج: تسن في صحراء قريبة عرفًا من بنيان، لحديث أبي سعيد «كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى» متفق عليه.
وكذا الخلفاء بعده؛ ولأنه أوقع هيبة وأظهر شعارًا، ولا مشقة لعدم تكررها، ويُسن تقدم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر، لما روى الشافعي مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم «أن عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس» ولأنه يتسع بذلك وقت الأضحية ووقت صلاة الفطر.
وتأخير فرض الفطر والأكل قبله
وتكره في البنيان من غير حاجة
وعكسهما في النحر سُّنة مرشد
وليس بمكروه لعذر بمسجد

س409: اذكر ما تستحضره مما يسن غير ما تقدم؟
ج: يُسن أكل في عيد فطر قبل الخروج، ويُسن الإمساك عن الأكل في الأضحى حتى يصلي ليأكل من أضحيته إن ضحى، والأولى من كيدها، وإن لم يضح خير بين أكل قبل خروج وتركه.
ثالثًا:
يُسن غسل لصلاة العيد في يومه.
رابعًا:
يُسن تبكير مأموم بعد صلاة الصبح ما يشاء إن لم يكن عذر،
ودنو من الإمام، وتأخير إمام إلى وقت الصلاة على أحسن هيئة من لبس وتطيب ونحوه، ويُسن أن يرجع من طريق غير الذي جاء منه إليها، ويستحب للإمام أن يستخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد، ويخطب بهم إن شاءوا وهو المستحب، والأولى ألا يصلوا قبل الإمام وإن صلوا قبله فلا بأس، رأيهما سبق سقط الفرض به وجازت التضحية.
ومغتسلاً بكر إليها وماشيًا
ومن أم أخر مخرجًا لاجتماعهم
ومن شرط عيد عدة وتوطن
بأحسن زي في سوى أول عد
ومعتكف يبقى ثياب التعبد
وليس بشرط فيه إذن المقلد

س410: اذكر ما تستحضره من الأدلة مشيرًا إلى ما تقدم مما يُسن؟
ج: أما الأكل في الفطر والإمساك في الأضحى عن الأكل حتى يضحي، فلما ورد عن ابن بريدة ـ رضي الله عنهما ـ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي» رواه أحمد والترمذي، وصححه ابن حبان؛ وأما الغسل لصلاة العيد، فلما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في يوم جمعة من الجمع: «إن هذا يوم جعله الله عيدًا للمسلمين فاغتسلوا»، ولما روي أن عليًّا وابن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ كانا يغتسلان، ولأنه يوم يجمع فيه الكافة للصلاة، فسن الغسل فيه لحضورها كالجمعة؛ وأما التبكير فلأجل أن يحصل له الدنو من الإمام من غير تخط وانتظار الصلاة فيكثر ثوابه وأما كونه على أحسن هيئة، فلما روى جابر  «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتم ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة» رواه ابن عبدالبر، وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه» رواه البيهقي، ويكون مظهرًا للتكبير؛ وأما مخالفة الطريق، فلما روى جابر  «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق» رواه البخاري، وعن أبي هريرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه» رواه أحمد ومسلم والترمذي، وعن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق» رواه أبو داود، وابن ماجه؛ وأما الاستخلاف بضعفة الناس، فلفعل علي حيث استخلف أبا مسعود البدري. رواه سعيد.
س411: ما الذي يشترط لها؟ وما حكم حضور صلاة العيد للنساء؟
ج: ومن شرطها استطيان، وعدد الجمعة، والوقت، ولا يشترط إذن الإمام؛ أما الاستيطان، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها في سفره ولا خلفاؤه، وكذلك العدد المشترط؛ لأنها صلاة عيد، فأشبهت الجمعة؛ وأما دخول الوقت فكسائر المؤقتات؛ وأما النساء فلا بأس بحضورها لهن غير مطيبات ولا لابسات ثياب زينة أو شهرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وليخرجن تفلات ويعتزلن الرجال»، ويعتزل الحيض المصلى بحيث يسمعن لحديث أم عطية -رضي الله عنها- قالت: «أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى» متفق عليه.
س412: بأي شيء يبدأ الإمام إذا أتى؟ وما هو الدليل؟
ج: يبدأ بالصلاة فيصلي ركعتين، لما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعثمان رضي الله عنهم يلون العيدين قبل الخطبة» متفق عليه. وفي «الصحيحين» عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما»، ولقول عمر: «صلاة الفطر والأضحى ركعتان ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقد خاب من افترى» رواه أحمد.
س413: ما صفة صلاة العيدين؟ وهل لها أذان وإقامة؟

ج: صلاة العيدين ركعتين يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام، وقيل: التعوذ ستًا، وفي الثانية قبل القراءة خمسًا، يرفع يديه مع كل تكبيرة، ويقول: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا، وإن أحب قال غير ذلك، ولا يأتي بذكر بعد التكبيرة الأخيرة فيهما، ثم يقرأ جهرًا الفاتحة ثم سبح في الأولى، ثم الغاشية في الثانية، ولا نداء ولا إقامة للعيد، لما روي عن ابن عباس وجابر، ولم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء. متفق عليه.
وللعيد فافهم لا تؤذن ولا تقم

وكبر لإحرام وستًا عقيب ما

وخمسًا فكبر بعد تكبير نهضة

وخذ كلما كبر في الحمد والثنا

ويقرأ في الأولى بسبح وبعدها

وبالفرض قبل الخطبتين لتبتد

به استفتحوا ثم استعذ بعد ترشد

لثانية مع كلها رافع اليد

وصل على خير الهداة محمد

بغاشية جهرًا بغير تبلد

س414: ما الدليل على تكبيرات صلاة العيد؟ والذكر الذي بينهما؟
ج: دليل التكبيرات الزوائد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة سبعًا في الأولى وخمسًا في الأخرى» إسناده حسن رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه ابن المديني، وعن عائشة مرفوعًا: «التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى
تكبيرتي الركوع» رواه أبو داود، واعتددنا بتكبيرة الإحرام؛
لأنها في حال القيام ولم تعتد بتكبيرة القيام لأنها قبله، قاله في الكافي؛ وأما الذكر الذي بينهما، فدليله ما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «سألت ابن مسعود  عما يقوله بعد تكبيرات العيد، قال: «يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم»» رواه الأثرم وحرب، واحتج به أحمد –رحمه الله-، وإذا شك في عدد الركعات بنى على الأقل، وإذا نسي التكبير حتى ركع سقط ولم يأت به؛ لأنه سنة فات محلها؛ وأما الدليل على رفع اليدين مع كل تكبيرة فلحديث وائل بن حجر «أنه –عليه السلام- كان يرفع يديه مع التكبير» قال أحمد: فأرى أن يدخل فيه هذا كله؛ ولأن ابن عمر كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة والعيد، وعن زيد كذلك رواهما الأثرم؛ وأما الدليل على قراءة سبح والغاشية فيها، فهو ما روى سمرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» رواه أحمد، وعن النعمان بن بشير  قال: «كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية» رواه مسلم.
س415: ماذا يفعل بعد صلاة العيد؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: إذا سلم خطب خطبتين وأحكامهما كخطبتي جمعة حتى في الكلام إلا في التكبير مع الخاطب، وسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع نسقًا قائمًا، لما روى سعيد عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: يكبر الإمام يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، وفي الثانية سبع تكبيرات «ويكثر التكبير بين أضعاف الخطبة، لقول سعد المؤذن «كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير في خطبة العيدين»» رواه ابن ماجه.
قال الناظم:
وبعد الصلاة اخطب هنا مثل جمعة
ويستفتح الأولى بتسع مكبرا
فإن كنت في فطر فبين زكاته
وما زاد في التكبير والذكر بينه
وبينهما لا قبل في وجه اقعد
وثانية في السبع فاحسب وعدد
وإن كنت في أضحى فلنحر أرشد
مع الخطبتين احفظ تسد ندب مرشد

س416: إذا فاتت صلاة العيد فهل تقضى؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: يُسن لمن فاتته قضاؤها في يومها قبل الزوال وبعده على صفتها، لما روي عن أنس إذا لم يشهدها مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه، ثم قام عبدالله بن عتبة مولاه، فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما وكسائر الصلوات كمدرك إمام في التشهد، لعموم «ما أدركتم صلوا، وما فاتكم فاقضوا» وإن أدركه بعد التكبير الزوائد أو بعد بعضه لم يأت به.
س417: ما هو التكبير المطلق؟ وما صفته؟ وما حكمه؟ وضح ذلك.
ج: المطلق: هو الذي لم يقيد بكونه عقب المكتوبات، وصفته: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ويجزئ مرة واحدة إن زاد فلا بأس وإن كرره فحسن.
وحكمه: أنه مسنون، وإظهاره وجهر غير أنثى به في المساجد، والمنازل، والطرق حضرًا وسفرًا في كل موضع يجوز فيه ذكر الله في ليلتي العيدين في حق كل من كان من أهل الصلاة من مميز، وبالغ حرًا أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى من أهل القرى والأمصار، لعموم قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ.
س418: متى ابتداء التكبير المطلق؟ ومتى انتهاؤه؟ ومتى يبتدئ المقيد؟
ج: يبتدئ التكبير المطلق من ابتداء عشر ذي الحجة، ويتأكد من ابتداء ليلتي العيدين، ومن الخروج إليهما إلى فراغ الخطبة فيهما، ثم إذا فرغت الخطبة يقطع التكبير المطلق لانتهاء وقته، والمقيد وهو ما كان عقب
الفرائض يبدأ به المحل من فجر يوم عرفة والمحرم من ظهر النحر، وينتهي التكبير إلى عصر آخر أيام التشريق.
س419: ما هو دليل التكبير المطلق في العيدين وفي عشر ذي الحجة؟
ج: قوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ  وعن علي  أنه كان يكبر حتى يسمع أهل الطريق، وقال الإمام أحمد: كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعًا، وأوجبه داود في الفطر لظاهر الآية، وليس فيها أمر وإنما أخبر عن إرادته تعالى، قال في «المغني»: وروى الدارقطني أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام، وفي كل عشر ذي الحجة ولو لم يرى بهيمة الأنعام. قال البخاري: كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
س420: ما هو دليل التكبير المقيد؟
ج: ما روى جابر  قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه، فيقول: «مكانكم»، ويقول: «الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد فيكبر» فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق» رواه الدارقطني، قيل لأحمد: تذهب إلى فعل ابن عمر لا يكبر إذا صلى وحده؟, قال: نعم، وقال ابن مسعود: «إنما التكبير على من صلى في جماعة» رواه ابن المنذر، ولا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا ومنك نصًا، قال: لا بأس يرويه أهل الشام عن واثلة ابن الأسقع.
س421: ما هي الأيام المعلومات؟ وما هي الأيام المعدودات؟
ج: أيام العشر هي الأيام المعلومات، وأيام التشريق هي الأيام المعدودات. ذكره البخاري عن ابن عباس.
قال في «مختصر النظم»:
وليلتي العيدين كبر وإنه
وفي قصد فرض العيد أعلنه ماشيًا
وفي يوم تعريف فكبر معظمًا
وفي النحر بعد الظهر إن كنت محرمًا
إمامًا ومأمومًا وعنه ومفردا
بليلة عيد الفطر أولى فوكد
وفي كل عشر النحر غير مقيد
عقيب صلاة الفجر شفعًا تؤيد
وعصر انتها التشريق كل ليحدد
عقيب صلاة الفرض لا النفل قيد

س422: اذكر ما تستحضره من الفروق بين العيدين والجمعة؟
ج: أولاً: إن الجمعة إذا فاتت لا تقضى، بل يصلون ظهرًا؛ وأما العيد فتقضى بنظير وقتها.
ثانيًا: أنه يشرع في صلاة العيد تكبيرات زوائد في كل ركعة في الأولى ستًا بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمسًا بعد تكبيرة الانتقال لما تقدم في جواب سؤال سابق.
ثالثًا: إن صلاة الجمعة المشروع أن تكون في قصبة؛ وأما العيد فالمشروع أن تكون في الصحراء إلا لعذر، لقول أبي سعيد: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى» متفق عليه، وكذا الخلفاء بعده؛ ولأنه أوقع لهيبة الإسلام وأظهر لشعائر الدين.
رابعًا: وجوب فطر يوم العيد دون الجمعة، لما ورد عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن صوم يومين، يوم الفطر ويوم النحر» متفق عليه.
خامسًا: المخالفة في الطريق في العيد، لحديث جابر وأبي هريرة وتقدما في جواب سؤال سابق.

سادسًا: إن الجمعة فرض عين بالإجماع، وأما العيدان ففيهما خلاف.
سابعًا: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله عز وجل خيرًا إلا أعطاه إياه، وتقدم حديث أبي هريرة في جواب سؤال سابق.
ثامنًا: إن صلاة الجمعة يندب لتاركها بلا عذر أن يتصدق بدينار أو نصف على التخيير، لما أخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وابن ماجه عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار؛ فإن لم يجد فبنصف دينار».
تاسعًا: إن صلاة الجمعة من تركها تهاونًا وكسلاً طبع الله على قلبه، لما تقدم في جواب سؤال سابق.
عاشرًا: مشروعية خروج النساء في العيدين إلى المصلى من غير فرق بين البكر، والثيب، والعجوز، والشابة، والحائض ما لم تكن الأنثى معتدة أو كان في خروجها فتنة أو كان لها عذر، لحديث أم عطية وتقدم في جواب سؤال سابق.
الحادي عشر:
إن صلاة الجمعة بعد الخطبة، وأما العيد فصلاتها تتقدم على خطبتها، لما تقدم في جواب سؤال سابق.
وأما الدليل على تقدم الخطبة على الصلاة في الجمعة، فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ.
وعن ثعلبة بن أبي مالك قال: «كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر، فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين كلتيهما فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا» رواه الشافعي في «مسنده»، وفي «الموطأ»
أن عثمان بن عفان كان يقول في خطبته، قلما يدع ذلك إذا خطب «إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا؛ فإن للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للمنصت السامع فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف» الحديث.
وفي حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم: «ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه» الحديث.
الثاني عشر: إن الجمعة ينادي لها ويقام؛ وأما العيد فبغير أذان ولا إقامة، لما ورد عن ابن عباس وجابر «لم يكن يؤذن يوم الفطر حين خروج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيء» متفق عليه.
الثالث عشر: استحباب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة، وتقدم الدليل في جواب سؤال سابق.
الرابع عشر: استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، وتقدم الدليل في
جواب سؤال سابق.
الخامس عشر: استحباب الغسل في يوم الجمعة، وتقدم الدليل في جواب سؤال سابق.
السادس عشر: إن وقت صلاة الجمعة أوله من الزوال إلى وقت العصر عند أكثر العلماء، وعند الإمام أحمد من أول وقت صلاة العيد إلى وقت العصر وتقدم أدلة كل من القولين في جواب سؤال سابق.
السابع عشر: كراهة السفر في يوم الجمعة قبل الزوال، لما روى الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سار من دار إقامة يوم جمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفر وأن لا يُعان على حاجته».
الثامن عشر:يستحب في مغرب ليلة الجمعة قراءة قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ولما ورد عن جابر بن سمرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» رواه في «شرح السُّنة».
التاسع عشر: قراءة الجمعة والمنافقين فيها، لما أخرجه مسلم عن أبي هريرة قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون»، وأخرج الطبراني في «الأوسط» بلفظ بالجمعة يحرض بها المؤمنين، وفي الثانية بسورة المنافقين يفزع المنافقين.
العشرون: استحباب قراءة سورة الـم * تَنزِيلُ السجدة، وهَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ في صبحها، لما أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة الـم * تَنزِيلُ السجدة، وهَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ».
الحادي والعشرون: اختصاص الجمعة بإرادة التحريق لمن تخلف عنها أخرج الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين عن ابن مسعود  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: «لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة بيوتهم».
الثاني والعشرون: ما يتعلق بالعيدين من زكاة الفطر والتكبير المطلق والمقيد ومن الهدي والأضاحي.
الثالث والعشرون: إن الخطبتين في العيدين سُّنة وفي الجمعة شرط.
الرابع والعشرون: إنه يكره التنفل قبل الصلاة وبعدها في موضعها بخلاف الجمعة، لما ورد عن ابن عباس قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما» رواه الجماعة.
وعن ابن عمر: «أنه خرج يوم عيد فلم يصل قبلها ولا بعدها، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله» رواه أحمد والترمذي وصححه، وللبخاري
عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد، وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم «إنه كان لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين» رواه ابن ماجه، وأحمد بمعناه.
الخامس والعشرون: استحباب قص الشارب، وتقليم الأظفار يوم الجمعة لما روى البغوي في «مسنده» عن عبدالله بن عمرو بن العاص: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة»، وأخرج البزار والطبراني في «الأوسط»، والبيهقي في «الشعب»: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة».
السادس والعشرون: ما ورد في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل، ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام» رواه مسلم.
السابع والعشرون: إنه يُسن أكله قبل الخروج لصلاة الفطر والأفضل على تمرات وترًا، لما ورد عن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترًا» رواه البخاري، ويقول بريرة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر، ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي» رواه أحمد.
الثامن والعشرون: الإنصات، لما روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» اهـ. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

57- باب صلاة الكسوف
س423: ما هو الكسوف؟ وما حكم صلاته؟ وما الأصل في مشروعيتها؟
ج: قوله لغة: الاحتجاب، وفي عرف الفقهاء: ذهاب ضوء أحد النيرين أو ذهاب بعضه، وحكم صلاته: سُّنة مؤكدة، لحديث المغيرة بن شعبة: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته؛ فإذا رأيتموها فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي»» متفق عليه.
س424: حدد وقتها، وهل تقضى إذا فاتت؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: وقتها من ابتداء الكسوف إلى التجلي، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلوا حتى ينجلي» رواه مسلم، ولا تقضى إن فاتت بالتجلي لما تقدم، ولم ينقل الأمر بها بعد التجلي ولا قضاؤها؛ ولأنها غير راتبة ولا تابعة لفرض فلم تقضى، كاستسقاء، وتحية مسجد، وسجود تلاوة، وشكر.
س425: هل يؤذن لها؟ وضح ذلك واذكر الدليل.
ج: نعم ينادي لها الصلاة جامعة، عن عبدالله بن عمرو  قال: «لما كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة فركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة، ثم قام فركع ركعتين ثم جلي عن الشمس» الحديث متفق عليه، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديًا الصلاة جامعة» الحديث متفق عليه.

س426: هل يشترط لها إذن الإمام؟ وهل الأولى فعلها جماعة؟ وهل لها خطبة؟ وضح ذلك.
ج: لا يشترط لها ولا الاستسقاء إذن الإمام، وفعلها جماعة أفضل لقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس وراءه» متفق عليه، ويجوز للصبيان حضورها، وليس لها خطبة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة دون الخطبة. وقال الشافعي: يخطب لها لحديث عائشة. والله أعلم.
س427: ما صفة صلاة الكسوف؟ اذكرها بوضوح.
ج: وهي ركعتان يقرأ في الأولى جهرًا ولو في كسوف الشمس الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع طويلاً، ثم يرفع فيسمع ويحمد، ثم يقرأ الفاتحة وسورة ويطيل وهو دون الأول، ثم يركع فيصل وهو دون الأول، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في كل ما يفعل ثم يتشهد ويسلم.
س428: ما الدليل على صفتها؟
ج: ما روى جابر قال: «كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر فصلى بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحو ذلك فكانت أربع ركعات وأربع سجدات» رواه أحمد ومسلم وابو داود.
وعن أسماء ـ رضي الله عنها ـ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف فأقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فسجد فأطال السجود، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم انصرف» رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه.
س429: اذكر شيئًا مما يُسن في الكسوف. وإذا تجلى فيها أو قبلها فما الحكم؟
ج: يُسن ذكر الله، والدعاء والاستغفار، والتبكير، والصدقة والعتق، والتقرب إلى الله بما استطاع، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا» الحديث متفق عليه، وعن أسماء «إن كنا لنؤمر بالعتق في الكسوف، وإن تجلى فيها أتمها خفية، وإن تجلى الكسوف قبلها لم يصل؛ لأنها لا تقضى».
وليس كسوف النيرين بموجب
فلا تسمع التهويل من كل مفتر
وصل إذن ثنتين تجهر فيهما
بأم الكتاب اقرأ وبعد بسورة
ومن بعد فارفع واقرأ الحمد واقرأن
ومن بعدها فاركع ركوعًا مطولاً
وفي السجدتين امكث طويلاً مسبحًا
وتفعل كالأولى بها وهي دونها
ولا تبتدي إن زال سلطان كاسف
لأمر سوى تخويفنا والتهدد
وكذب بأحكام المنجم وأوردد
نهارًا أو ليلاً من جميع ومفرد
مطولة واركع طويلاً تعبد
مطولة دون التي مرت اقتد
دوين الذي من قبل فاعلم به يد
وتنهض للأخرى نهوض تجلد
وبكل وسلم صاح بعد التشهد
كبعد الجلا واقصر متى زال ترشد

58- باب صلاة الاستسقاء
س430: ما هو الاستسقاء؟ وما حكم صلاته؟ وما سببها؟ وما هو الدليل على حكمها؟

ج: هو الدعاء بطلب السقيا على صفة مخصوصة، وهي سُّنة مؤكدة حضر وسفرًا، لقول عبدالله بن زيد «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوج إلى القبلة يدعو وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة» متفق عليه، وتفعل جماعة وفرادى، والأفضل جماعة، وسببها: إجداب الأرض ومثله غور ماء الآبار والعيون.
س431: متى وقت صلاة الاستسقاء؟ وما صفتها؟ وما أحكامها؟ وما سببها؟ وما الدليل الذي تستحضره لهذه المذكورات؟
ج: وقتها، وصفتها، وأحكامها كصلاة العيد؛ لقول ابن عباس: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي في العيدين» صححه الترمذي، وعز جعفر بن محمد عن أبيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعًا وخمسًا» رواه الشافعي. وعن ابن عباس نحوه، وزاد فيه: «وقرأ في الأولى بسبح، وفي الثانية بالغاشية»، وقالت عائشة: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس» رواه أبو داود، وذكر ابن عبدالبر أن الخروج لها عند زوال الشمس عند جماعة من العلماء، وفي «المغني»: لا تفعل وقت نهي بلا خلاف.
س432: تكلم عما ينبغي فعله للإمام ولغيره عند إرادة الخروج للاستسقاء؟
ج: إذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم بردها إلى مستحقيها، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وأمره بترك التشاحن لكون المعاصي سبب الجدب والتقوى سبب البركات.
وقال مجاهد في قوله تعالى: وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ البهائم تلعن عصاة بني آدم وبعدهم يومًا يخرجون فيه، ويتنظف لها بالغسل، والسواك، وإزالة الرائحة الكريهة قياسًا على صلاة العيد ولا يتطيب؛ لأن يوم استكانة وخشوع ويخرج متواضعًا متخشعًا متذللاً متضرعًا، لما ورد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعًا مبتذلاً، متخشعًا مترسلاً، متضرعًا، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه» رواه الخمسة، وصححه الترمذي وأبو عوانة وابن حبان.
س433: تكلم عن خطبة الاستسقاء، واذكر الدليل عليها.
ج: يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد، ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، ويرفع في دعائه؛ لقول أنس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وكان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه» متفق عليه. فيدعو بدعءا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يحول رداءه، فيجعل الأيمن على الأيسر ويجعل الأيسر على الأيمن. وعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم» ثم قال: «الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغًا إلى حين» ثم رفع يده فلم يزل حتى رُئي بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة، فرعدت، وبرقت، ثم أمطرت» رواه أبو داود، وقال: غريب، وإسناده جيد.
س434: بين حكم ما يلي: الرداء هل ينزع قبل الثياب، إن لم يسقوا لأول مرة؟ إن سقوا قبل خروجهم؟ الوقوف في أول المطر؟ إخراج الرحل والثياب؟
ج: يتركون الرداء محولاً حتى ينزعونه مع ثيابهم؛ لأنه لم ينقل عنه –عليه السلام- ولا عن أحد من أصحابه أنهم غيروا الأردية حتى عادوا؛ فإن سقوا وإلا عادوا ثانيًا وثالثًا؛ لحديث: «إن الله يحب الملحين في الدعاء»، وقال أصبغ استسقى للنيل بمصر خمسة وعشرين مرة متوالية، وحضره ابن وهب، وابن القاسم، وجمع إن سقوا قبل خروجهم؛ فإن كانوا قد تأهبوا للخروج خرجوا وصلوها وسألوه المزيد من فضله؛ لأن الصلاة لطلب رفع الجدب ولا يحصل غالبًا بمجرد نزول المطر، وإن لم يتأهبوا للخروج لم يخرجوا وشكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله لحصول المقصود، وسن وقوف في أول المطر وتوضؤا، واغتسال منه وإخراج رحله، وإخراج ثيابه ليصيبها المطر؛ لحديث أنس  «أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا له: لِمَ صنعت هذا؟ فقال: «إنه حديث عهد بربه»» رواه مسلم. وروى أنه جرى الوادي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا بنا إلى هذا الذي سماه الله طهورًا حتى نتوضأ منه ونحمد الله عليه».
س435: ما المسنون قوله عند سماع أو حصول ما يلي: إذا كثر المطر حتى خيف منه؟ إذا رأى المطر؟ إذا رأى سحابًا أو هبت ريح؟ إذا سمع صوت الرعد والصواعق؟ إذا سمع نهيق حمار أو نباح كلاب؟ إذا سمع صوت الديك؟
ج: إذا كثر المطر وخيف منه سن قول: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر» لما في «الصحيحين» من حديث أنس أن النبي  قال ذلك، وإذا رأى المطر، قال: «اللهم صيبًا نافعًا» لما ورد عن عائشة قالت: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر، قال: «اللهم صيبًا نافعًا»» رواه البخاري، وإذا رأى سحابًا أو هبت ريح سأل الله من خيره واستعاذ من شره، ولا يجوز سب الريح،
بل يقول ما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به»، وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر؛ فإذا مطرت سُري عنه فعرفت ذلك عائشة، فسألته، فقال: «لعله يا عائشة كما قال قوم عاد، فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا»»، وفي رواية: ويقول إذا رأى المطر: «رحمة» متفق عليه.
وإذا سمع الرعد والصواعق قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته»، لما ورد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق، قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» رواه أحمد، والترمذي، وقال: حديث غريب.
عن عامر بن عبدالله بن الزبير «أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: «سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته»» رواه مالك، وإذا سمع نهيق حمار أو نباح كلاب استعاذ من الشيطان الرجيم، وإذا سمع صياح الديكة سأل الله من فضله، لما ورد في حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمار فاستعيذوا بالله من الشيطان الرحيم؛ فإنه رأى شيطانًا».
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير من الليل فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم؛ فإنها ترى ما لا ترون».
يا أمة الهادي أما تنتهون عن
فذلك عقبى الجود من كل ظالم
نعم بما يجني العقوبة غيرنا
كفى زاجرًا للمرء موت محتم
ونار تلظى أوعد الله من عصى
فقد عند حبس القطر في الناس واعظًا
إذا خفت فوت الزرع والجدب في الربى
ويشرع تنظيف وترك تطيب
ويخرج بعض من مظالم بعضهم
وبادر إلى الصحرا بهم متضرعًا
وأكثر على الهادي الصلاة بها تصب
ويستغفر الله العظيم لنفسه
ويخضع نحو الأرض بالطرف خاشعًا
ويدعو دعاء المخبتين بقلبه
ولكنما صدق اللجاء مفاتح الخزائن
ولا تقنطن من رحمة الله إنما
وقل بانكسار قارعًا باب راحم
إلهي آتى العاصون بابك ما لهم
إليك فررنا من عذابك رهبة
دعوناك للأمر الذي أنت ضامن
إليك مددنا بالرجاء أكفنا
ويدعو بغيث مغدق متدفق
ويستقبل البيت الحرام محولاً
ذنوب بها حبس الحيا المتعود
وعقبى الزنى ثم الربا والتزيد
هنا وغدا يشقى بها كل معتد
وقبر وأهوال تشاهد في غد
فمن خارج بعد الشقا ومخلد
وخوف ومرهم بالمتاب وهدد
تهيأ وميقات الخروج لهم عد
وإصلاح مخفى السرائر أكد
ويستغفرون الله من كل مبعد
بإخبات ذي تقوى وذل ملهد
وفيما به يرجو الغياث ليجهد
ويأمر باستغفارهم والتفقد
ويرفع كف المستغيث المجهد
دعاء غريق في دجا الليل مفرد
فادع واسع الفضل واجتهد
قنوط الفتى خسرانه فادع تهتد
قريب مجيب بالفواضل مبتد
سواك يزيل الأزل في الماحل الصد
فلا تطردنا عن جنابك واسعد
إجابته يا غير مخلف موعد
فحاشاك من رد الفتى فارغ اليد
يرد ظماء الهضب والمتوهد
يمين رداء نحو يسرة مرتد

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:55 am


59- كتاب الجنائز
س436: ما المسنون للإنسان؟ وما الواجب؟
ج: يسن الاستعداد للموت، وتجب التوبة فورًا من المعاصي، ويجب الخروج من المظالم إما بردها أو الاستحلال من أربابها، ويشرع أن يزداد من الأعمال الصالحة؛ لقوله تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا.
ويستحب أن يكثر من ذكر الموت؛ فإنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا من ذكر هادم اللذات، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره» رواه البخاري أوله.
وروى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «استحيوا من الله حق الحياء»، قالوا: إنا نستحي يا نبي الله والحمد لله، قال: «ليس كذلك؛ ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى، وليحفظ البطن وما وعى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» رواه أحمد والترمذي، وقال: هذا حديث غريب.
س437: بين أحكام ما يلي: التداوي، الحمية، التداوي بمحرم، التميمة، الأنين، الصبر على المرض، تمني الموت، واذكر الأدلة على ما تقول.
ج: يجوز التداوي ولا ينافي التوكل، لما روى أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بالحرام» وتستحب الحمية.

قال ابن القيم –رحمه الله-: والأصل في الحمية قوله تعالى: وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فحمى المريض من استعمال الماء؛ لأنه يضره.
وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي، وعلى ناقه من مرض ولنا دوال معلقة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها وقام علي يأكل منها، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: «إنك ناقه حتى كف»، قالت: وصنعت شعيرًا وسلقًا فجئت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: «من هذا أصب؛ فإنه أنفع لك»»، وفي لفظ: «من هذا أصب؛ فإنه أوفق لك» اهـ.
ويحرم التداوي بمحرم أكلاً وشربًا وبصوت ملهاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتداووا بالحرام» الحديث وتقدم، وتحرم التميمة وهي العوذة أو الخرزة تعلق لنهي الشارع ودعائه على فاعله، وقال: «لا يزيدك إلا وهنًا، انبذها عنك، ولو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا».
روي ذلك عن أحمد وغيره والإسناد حسن ويكره الأنين؛ لأنه يترجم عن الشكوى، ولما روي عن عطاء أنه كرهه، ويستحب للمريض أن يصبر وكذا كل مبتلى للأمر به في قوله تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ، وقوله: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «والصبر ضياء، والصبر الجميل صبر بلا شكوى، والشكوى إلى الخالق لا تنافيه، بل هي مطلوبة ومن الشكوى إلى الله قول أيوب: (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)، وقول يعقوب: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)».
قال سفيان بن عيينة: وكذلك من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعًا، ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل في مرضه «أجدني مغمومًا وأجدني مكروبًا»، وقوله لعائشة: «بل أنا وارأساه» ذكره ابن الجوزي؛ وأما تمني الموت، فيكره لضر نزل به، لما ورد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به؛ فإن كان لابد متمنيًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي» متفق عليه، ولا يكره تمني الموت لضر بدينه، وخوف فتنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون»، وتمني الشهادة ليس من تمني الموت المنهي عنه، بل هو مستحب لاسيما عند حضور أسبابها، لما في «الصحيح»: «من تمنى الشهادة خالصًا من قلبه أعطاه الله منازل الشهداء».
س438: تكلم عن أحكام ما يلي: عيادة المريض، تذكيره التوبة، والوصية، وحسن الظن بالله عز وجل، واذكر الدليل لما تقول؟
ج: تسن عيادة مريض غير مبتدع وغير متجاهر بمعصية، وقال ابن حمدان: فرض كفاية.
وقال الشيخ تقي الدين: الذي يقتضيه النص وجوب ذلك، واختاره جمع والمراد مرة، لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنازة» متفق عليه؛ وأما تذكيره التوبة، فلحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ولأنه أحوج غليها من غيره، وهي واجبة على كل أحد من كل ذنب في كل وقت؛ وأما تذكيره الوصية، فلحديث ابن عمر: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» متفق عليه؛ وما حسن الظن بالله فهو واجب، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل»، ولخبر «الصحيحين» عن أبي هريرة مرفوعًا: «أنا عند ظن عبدي بي –زاد أحمد- إن ظن
خيرًا فله وإن ظن شرًا فله»، وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»، فقالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: «ليس ذلك؛ ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه؛ وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه» متفق عليه.
س439: اذكر شيئًا مما ينبغي ويُسن في حق المريض أو يجب.
ج: ينبغي للمريض أن يشتغل بنفسه بأن يستحضر في نفسه أنه حقير من مخلوقات الله، وأن الله غني عن عباداته وطاعاته، ولا يطلب العفو والإحسان إلا منه، وأن يكثر ما دام حاضر الذهن من القراءة والذكر، وأن يبادر إلى أداء الحقوق برد المظالم، والودائع، والعواري، واستحلال نحو زوجة، وولد، ووالد وقريب، وجار وصديق، ومن بينه وبينه معاملة، ويحافظ على الصلوات، واجتناب النجاسات، ويصير على مشقة ذلك، ويجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال، ويتعاهد نفسه بنحو تقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف إبط، وأخذ شاربه، وإزالة الأوساخ، وأن يعتمد على الله فيمن يحب من بنيه وغيرهم، ويوصي للأرجح في نظره بقضاء ديونه، وتفرقة وصيته، ونحو غسله، والصلاة عليه، وعلى غير بالغ من أولاده، ويجب المسارعة في قضاء الدين وما فيه إبراء ذمته من إخراج كفارة، وحج ونذر وغير ذلك، ويُسن الإسراع في تفريق وصيته، كل ذلك قبل الصلاة عليه؛ فإن تعذر إيفاء دينه في الحال استحب لوارثه أو غيره أن يتكفل به عنه؛ لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن.

س440: إذا نزل بالإنسان لقبض روحه، فماذا يسن؟ وضح ذلك.
ج: وإذا نزل به سن أن يليه أرفق أهله به، وأعرفهم بمداراته، وأتقاهم لله، وأن يتعاهد بل حلقه بماء أو شراب، ويندي شفتيه بقطنة، وأن يلقنه قول لا إله إلا الله مرة، لما ورد عن أبي هريرة، وأبي سعيد ـ رضي الله عنهما ـ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» رواه مسلم والأربعة، ولم يزد على ثلاث إلا أن يتكلم فيعد تلقينه برفق لتكون آخر كلامه لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» رواه أحمد والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
س441: بين حكم قراءة (يس) عند المحتضر، وحكم توجيه المحتضر.
ج: مسنونان، لما ورد عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا على موتاكم يس» رواه أبو داود، والنسائي وصححه ابن حبان.
وأما الدليل على سنية توجيهه إلى القبلة قبل النزول به وتيقن موته وبعده، لقوله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام: «قبلتكم أحياءً وأمواتًا» رواه أبو داود، ولما روت سلمى أم ولد رافع قالت: قالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضعي فراشي هاهنا واستقبلي بي القبلة، ثم قامت واغتسلت كأحسن ما يغتسل ولبست ثيابًا جددًا، ثم قالت: تعلمين أني مقبوضة الآن، ثم استقبلت القبلة وتوسدت يمينها»؛ ولقول حذيفة: وجهوني، وعلى جنبه الأيمن أفضل إن كان المكان واسعًا وإلا على ظهره وأخمصاه إلى القبلة.
س442: إذا مات الإنسان، فما الذي يسن في حق من حضره؟
ج: يُسن تغميض عينيه وعند تغميضه قول باسم الله وعلى وفاة رسول الله، ولا يتكلم من حضر إلا بخير، ويشد لحييه، ويلين مفاصله عقب موته
بإلصاق ذراعيه بعضديه، ثم يعيدهما، وإلصاق ساقيه بفخذيه، وفخذيه ببطنه، ثم يعيدها؛ فإن شق ذلك عليه تركه وينزع ثيابه ويسجي بثوب، ويجعل على بطنه حديدة أو نحوها ووضعه على سرير غسله متوجهًا منحدرًا نحو رجليه، وإسراع تجهيزه إن مات غير فجأة، ولا بأس أن ينتظر به من يحضر من ولي وكثرة جمع إن كان قريبًا ما لم يخش عليه أو يشق على الحاضرين.
س443: اذكر ما تستحضره لما تقدم من دليل أو تعليل؟
ج: أما الإغماض وأن لا يتكلم إلا بخير والدعاء للميت، فللحديث الوارد عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: «إن الروح إذا قبض أتبعه البصر»، فضج ناس من أهله، فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون»، ثم قال: «اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه»» رواه مسلم.
وأما تليين مفاصله قبل قسوتها لتبقى أعضاؤه سهلة على الغاسل لينة.
وأما خلع ثيابه، فلئلا يحمي جسده فيسرع إليه الفساد ويتغير، وأما ستره بثوب، فلما روت عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى سجى ببرد حبرة» متفق عليه.
أما جعل حديدة أو نحوها على بطنه، فلما روى البيهقي أنه مات مولى لأنس عند مغيب الشمس، فقال أنس: ضعوا على بطنه حديدة، ولئلا ينتفخ بطنه.
وأما وضعه على سرير غسله فليبعد عن الهوام، ويرفع عن نداوة الأرض، وأما كونه متوجهًا إلى القبلة، فلما تقدم من حديث: «قبلتكم أحياء وأمواتًا»؛ وأما كونه منحدرًا نحو رجليه فلينحدر عنه الماء؛ وأما إسراع تجهيزه إن مات غير فجأة، فلحديث: «لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله» رواه أبو داود، وفي موت فجأة بصاعقة، أو هدم، أو خوف من حرب، أو سبع أو ترد من جبل، أو غير ذلك وفيما إذا شك في موته حتى يعلم.
ويشرع للمرضى العيادة فأتهم
فسبعون ألفًا من ملائكة الرضى
وإن عاد في أول اليوم واصلت
وذكر لمن تأتي وهو فؤاده
ولا تضجرن بل إن تكلم بعده
ويس إن تتلى يخفف موته
ووجهه عند الموت تلقاء قبلة
وملبوسه فاخلع ولين مفاصلا
ومستترًا للغسل ضعه موجهًا
ووف ديون المرء مسرعًا وفرقن
تخض رحمة تغمر مجالس عود
تصلي على من عاد يمشي إلى الغد
عليه إلى الليل الصلاة فاسند
ولقنه عند الموت قول الموحد
فعاود بلطف واسأل اللطف واجهد
ويرفع عنه الإصرار عند التلحد
فإن مات غمضه ولحييه فاشدد
وضع فوق بطن الميت مانع مصعد
ومنحدرًا تلقاء رجليه فاعمد
وصية عدل ثم تجهيزه اقصد

س444: ما هي العلامات الدالة على موت من شك في موته أو مات فجأة؟
ج: يعلم موته بانخساف صدغيه، وميل أنفه، وانفصال كفيه، وارتخاء رجليه، وغيوبة سواد عينيه في البالغين وهو أقواها؛ لأن هذه العلامات دالة على الموت يقينًا، وقد يفيق بعد ثلاثة أيام ولياليها، وقد يعرف موت غيرهما بهذه العلامات وبغيرها كتقلص خصيتيه إلى فوق مع تدلي الجلد، وحكم النعي يكره وهو النداء بموته؛ لحديث: «إياكم والنعي؛ فإن النعي من عمل الجاهلية» رواه الترمذي عن ابن مسعود مرفوعًا، ولا بأس أن يعلم به أقاربه وإخوانه من غير نداء؛ لإعلامه صلى الله عليه وسلم أصحابه بالنجاشي في اليوم الذي مات فيه، متفق عليه من حديث أبي هريرة، وفيه كثرة المصلين فيحصل ثواب ونفع للميت. والله أعلم، وصلى الله على محمد.
60- فصل في غسل الميت وما يتعلق به
س445: بين أحكام ما يلي: غسل الميت، تكفينه، الصلاة عليه، دفنه، واذكر الدليل على ما تقول.
ج: غسل مرة أو ييمم لعذر من عدم الماء، أو عجز عن استعماله لخوف نحو تقطع أو تهر فرض كفاية اجتماعًا على من أمكنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه» متفق عليه من حديث ابن عباس، وكذا تكفينه فرض كفاية؛ لقوله: «وكفنوه في ثوبيه»، وكذا الصلاة عليه فرض كفاية لقوله: «صلوا على من قال لا إله إلا الله» رواه الدارقطني والخلال، وضعفه ابن الجوزي، ولما ورد عن أبي هريرة  «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه قضاء؛ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا قال: «صلوا على صاحبكم»» الحديث متفق عليه، وحمله ودفنه كفاية، لقوله تعالى: ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ قال ابن عباس: معناه: أكرمه بدفنه، ولا شك أن دفنه متوقف على حمله إلى محل الدفن.
س446: من هو شهيد المعركة؟ وهل يغسل؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: شهيد المعركة هو: من مات بسبب قتال كفار وقت قيام القتال لا يغسل ولا يصلى عليه، لما ورد عن جابر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد في الثوب الواحد، ثم يقول: «أيهم أكثر أخذًا للقرآن» فإذا أشير إلى أحد قدمه في اللحد وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم» رواه البخاري والنسائي وابن ماجه والترمذي، وصححه عن أنس: «إن شهداء أُحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وإن سقط من دابته أو وجد ميتًا ولا أثر به أو حمل فأكل أو شرب أو طال بقاؤه عرفًا غسل وصلى عليه؛ أما من مات بغير فعل العدو فلعدم مباشرتهم قتله وتسببهم فيه فأشبه من مات بمرض؛ وأما من وجد ميتًا ولا أثر به، فلأن الأصل وجوب الغسل فلا يسقط يقين ذلك بالشك في مسقطه؛ فإن كان به أثر لم يغسل ولم يصل عليه؛ وأما من حمل بعد جرحه فأكل ونحوه، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ وصلى عليه، وكان شهيدًا رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم فقطع أكحله، فحمل إلى المسجد فلبث فيه أيامًا ثم مات.
س447: ما هي الشروط المشترطة في الماء المغسل فيه والغاسل؟
ج: أما في الماء فيشترط الطهورية والإباحة كباقي الأغسال؛ وأما في الغاسل فيشترط الإسلام، والعقل، والتمييز؛ لأنها شروط في كل عبادة، والأفضل ثقة عارف بأحكام الغسل ليحتاط، ولقول ابن عمر: لا يغسل موتاكم إلا المأمونون.
س448: من الأولى بغسل الميت الذكر؟ اذكره موضحًا.
ج: الأولى به وصية العدل؛ لأن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء، وأنس أوصى أن يغسله محمد بن سيرين؛ ولأنه حق للميت فقدم وصيه على غيره، ثم أبوه إن لم يكن وصي لاختصاصه بالحنو والشفقة، ثم الجد وإن علا لمشاركته للأب في المعنى، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته نسبًا، ثم الأقرب فالأقرب نعمة، ثم ذوو أرحامه كميراث الأحرار في الجميع –أي جميع ما تقدم- فلا تقديم لرقيق؛ لأنه لا يرث ثم الأجانب من الرجال.
س449: من الأولى بغسل المرأة؟ وهل لزوجها أن يغسلها وبالعكس؟
ج: الأولى بغسل أنثى وصيتها لما تقدم في الرجل فأمها، وإن علت فبنتها وإن نزلت، ثم القربى فالقربى كميراث، فتقدم أخت شقيقة ثم لأب، ثم لأم وهكذا، وعمة وخالة سواء وحكم تقديمهن كرجال يقدم منهن من يقدم من رجال لو كن رجالاً، ولكل من الزوجين غسل صاحبه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «رجع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنازة
بالبقيع وأنا أجد صداعًا في رأسي وأقول وارأساه، فقال: «بل أنا وأرأساه، ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك، ثم صليت عليك ودفنتك»» رواه أحمد وابن ماجه، وعن عائشة أنها كانت تقول: «لو استقبلت من الأمر ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه» رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.
وتقدم أن أبا بكر أوصى أن تغسله زوجته أسماء فغسلته.
س450: بين أحكام ما يلي: إذا مات رجل بين نسوة ليس فيهن زوجة ولا أمة مباحة له؟ إذا ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوج، ولا سيد لها؟ إذا مات خنثى مشكل؟ إذا مات من له دون سبع سنين؟ إذا مات الكافر فهل يغسله المسلم؟ اذكر ذلك بوضوح.
ج: إذا مات رجل بين نسوة لا رجل معهن ممن لا يباح لهن غسله بأن لم يكن زوجاته ولا إماؤه يمم بحائل، وإذا ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوجها ولا سيدها يممت بحائل، وكذا الخنثى المشكل ييمم بحائل، وإن كانت له أمة غسلته؛ لأنه إن كان أنثى فلا كلام، وإن كان ذكرًا فلأمته أن تغسله، ولرجل وامرأة غسل من له دون سبع سنين من ذكر وأنثى؛ لأنه لا حكم لعورته بدليل أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسله النساء، ويحرم أن يغسل مسلم كافرًا أو أن يحمله أو يكفنه أو يتبع جنازته كالصلاة، لقوله تعالى: لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بل يوارى لعدم من يواريه من الكفار كما فعل بكفار بدر واراهم في القليب، ولما روي عن علي  قال: «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: «اذهب فواره»» رواه أبو داود، والنسائي، وكذا كل صاحب بدعة مكفرة يوارى لعدم من يواريه، ولا يغسل ولا يصلى عليه، ولا تتبع جنازته.
س451: ما حكم ستر الميت حال الغسل؟ وما حكم الحضور عند الميت المغسل؟
ج: أخذ في غسله ستر عورته وجوبًا؛ لحديث علي: «لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت» رواه أبو داود، وهذا فيمن له سبع سنين فأكثر كما تقدم، وسن ستره كله عن العيون في خيمة أو بيت؛ لأنه أستر، ويكره لغير معين في غسله حضوره؛ لأنه ربما كان في الميت ما لا يحب أن يطلع أحد عليه والحاجة غير داعية إلى حضوره بخلاف المعين.
س452: ماذا يعمل الغاسل بعد ذلك؟ وما حكم مس عورة من له سبع سنين؟
ج: يرفع رأسه إلى قرب جلوسه، ويعصر بطنه برفق ليخرج ما هو مستعد للخروج، ويكثر صب الماء حينئذ ثم يلف على يده خرقة فينجيه، ولا يحل مس عورة من له سبع سنين بغير حائل كحال الحياة، ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقة.
س453: ما حكم النية والتسمية في حق المغسل للميت؟
ج: يجبان كما يجبان في غسل الحي فينوي ثم يسمي وجوبًا، وتسقط التسمية سهوًا أو جهلاً.
س454: ما حكم توصية الميت؟ وما صفتها؟ واذكر الدليل.
ج: حكمها مسنونة؛ لحديث أم عطية مرفوعًا في غسل ابنته: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» رواه الجماعة، وصفته كوضوئه للصلاة ما خلا المضمضمة والاستنشاق فلا يدخل الماء في فيه ولا في أنفه ويدخل أصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما ولا يدخلهما الماء.
س455: ماذا يعمل الغاسل بعد ذلك من صفة تغسيله؟
ج: ثم يضرب سدرًا ونحوه فيغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، لحديث: «ابدأن بميامنها» وكغسل الحي يبدأ بصفحة عنقه، ثم يده اليمنى
إلى الكتف، ثم كتفه وشق صدره وفخذه وساقه إلى الرجل، ثم الأيسر كذلك ويقلبه الغاسل على جنبه مع غسل شقيه، فيرفع جانبه الأيمن ويغسل ظهره ووركه وفخذه ويفعل بجانبه الأيسر كذلك ولا يكبه على وجهه، ثم يفيض الماء القراح على جميع بدنه فيكون ذلك غسلة واحدة يجمع فيها بين السدر والماء القراح.
س456: ما الواجب في غسل الميت؟ وما المسنون من الغسلات، وما المكروه وما المحرم؟
ج: الواجب: مرة إن لم يخرج شيء مع الكراهة، قال أحمد: لا يعجبني واحدة؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته: «اغسلها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر إن رأيتن ذلك بماء وسدر» الحديث متفق عليه، والمسنون: القطع على وتر ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، والمحرم: الاقتصار على ما دون السبع ما دام يخرج.
س457: بين أحكام ما يلي: جعل كافر في غسل الميت، جعل سدر، خضاب شعره، قص شارب، تقليم أظفار، أخذ شعر إبط، واذكر الحكمة في ذلك.
ج: يُسن جعل كافور في الغسلة الأخيرة؛ لأن الكافور يصلب البدن ويبرده ويطرد عنه الهوام برائحته، وإن كان الميت محرمًا جنب الكافور؛ لأنه من الطيب، وسن خضاب شعر رأس المرأة ولحية الرجل بحناء، وقص شارب غير محرم وتقليم أظفار إن طالا، وأخذ شعر إبطيه؛ لأنه تنظيف ولا يتعلق بقطع عضو أشبه إزالة الوسخ والدرن ويعضده عمومات سنن الفطرة، وجعله معه كعضو ساقط، لما روى أحمد في مسائل صالح عن أم عطية قالت: «يغسل رأس الميتة فما سقط من شعرها في أيديهم غسلوه ثم ردوه في رأسها» ولأنه يستحب دفن ذلك من الحي فالميت أولى.
س458: ما حكم حلق رأس الميت، وضفر شعر الأنثى؟ وإذا خرج من الميت شيء بعد المسح، فما الحكم؟ وما حكم التنشيف في حق الميت بعد الغسل؟
ج: يحرم حلق رأس الميت، ويحرم أخذ شعر عانته، ويسن أن يضفر شعر أنثى ثلاثة قرون وسدله وراءها، لقول أم عطية: «فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها» رواه البخاري. وإذا خرج شيء بعد سبع حشي بقطن؛ إن لم يستمسك فبطين حر، ثم يغسل المحل ويوضأ وجوبًا وإن خرج بعد تكفينه لم يعد الغسل، ويُسن التنشيف بثوب كما فعل به صلى الله عليه وسلم ولئلا يبتل كفنه.
س459: بين حكم استعمال ما يلي: الماء الحار في غسل الميت، الأشنان، الخلال، تسريح شعره.
ج: يكره الماء الحار إن لم يحتج إليه لشدة برد؛ لأنه يرخي البدن فيسرع إليه الفساد، والبارد يصلبه ويبعده عن الفساد، ويكره الخلال إن لم يحتج إليه لشيء بين أسنانه؛ لأنه عبث وكره أشنان إن لم يحتج إليه لوسخ، ويكره تسريح شعره رأسًا كان أو لحية؛ لأنه يقطعه من غير حاجة، وعن عائشة أنها مرت بقوم يسرحون شعر ميت فنهتهم عن ذلك، وقالت: علام تنصون ميتكم؟
س460: ما صفة تغسيل المحرم الميت، وهل يغسل السقط ويصلى عليه؟
ج: محرم ميت كحي يغسل بماء وسدر، ولا يقرب طيبًا، ولا يلبس ذكر مخيطًا، ولا يغطي رأسه ولا وجه أنثى ولا يؤخذ شيء من شعره ولا ظفره، لحديث ابن عباس مرفوعًا في محرم مات «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا» متفق عليه، ولا تمنع معتدة من طيب لسقوط الإحداد بموتها، والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه، لحديث المغيرة مرفوعًا: «والسقط يصلى عليه» رواه أبو داود والترمذي، وفي رواية الترمذي: «والطفل يصلى عليه»، وقال: حسن صحيح، وذكره أحمد واحتج به.
س461: بين أحكام ما يأتي: إبقاء دم الشهيد عليه، إذا مات وبيده خاتم ونحوه، سوء الظن بمسلم، ما رآه طبيب أو غاسل من الميت؟
ج: يجب بقاء دم الشهيد عليه، لأمره صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء أحد بدمائهم إلا أن تخالطه نجاسة فيغسلها؛ لأن دفع المفسدة وهو غسل النجاسة أولى من جلب المصلحة وهو بقاء أثر العيادة، ويزال خاتم ونحوه كسوار وحلقة ولو ببرد؛ لأن تركه معه إضاعة مال بلا مصلحة ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهر العدالة لقوله تعالى: اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ الآية. ويستحب ظن الخير بمسلم، ولا ينبغي تحقيق ظنه في ريبةٍ، ويجب على طبيب ونحوه كجراحي أن لا يحدث بعيب ببدن من بطبه؛ لأنه يؤذيه ويجب على غاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا. وفي الخبر مرفوعًا: «ليغسل موتاكم المأمونون» رواه ابن ماجه.
س462: بين ما الواجب في الكفن؟ وما المسنون؟ واذكر الدليل موضحًا.
ج: يجب تكفينه في ثوب لا يصف البشرة من ملبوس مثله يستر جميعه سوى رأس المحرم ووجه المحرمة؛ أما كونه في ثوب، فلقول أم عطية: «فلما فرغنا ألقي علينا حقوه، فقال: أشعرنها إياها ولم يزد على ذلك» رواه البخاري؛ وأما رأس المحرم ووجه المحرمة، فلقوله: «ولا تخمروا رأسه»؛ وأما المسنون في حق الرجل فثلاث لفائف بيض من قطن، لحديث عائشة قالت: «كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجًا» متفق عليه، وزاد مسلم في رواية: «وأما الحلة فاشتبه على الناس فيها أنها اشتريت ليكفن فيها فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية»، قال أحمد: أصح الأحاديث في كفن النبي صلى الله عليه وسلم حديث عائشة؛ لأنها
أعلم من غيرها. وقال الترمذي: قد روي في كفن النبي صلى الله عليه وسلم روايات مختلفة، وحديث عائشة أصح الروايات التي رويت في كفنه، قال: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم، والمسنون في حق المرأة في خمسة أثواب: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين، لحديث ليلى بنت قائف الثقفية قالت: «كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقا، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر» رواه أبو داود.
والصبي في ثوب واحد ويباح في ثلاثة ما لم يرثه غير مكلف، ولصغيرة قميص ولفافتان، والخنثى كالأنثى في الكفن خمسة أثواب.
س463: ما صفة تهيئة اللفائف؟ وما صفة وضع الميت عليها؟
ج: تبسط اللفائف على بعضها واحدة فوق أخرى، وتجعل اللفافة الظاهرة وهي السفلى من الثلاث أحسنها، وذلك بعد تبخيرها بعود ونحوه بعد رشها بماء ورد لتعلق رائحة البخور بها لم يكن محرمًا، ويجعل الحنوط وهو أخلاط طيب فيما بينها، أي يذر بين اللفائف، ثم يوضع الميت على اللفائف مستلقيًا ويجعل من قطن مخيط بين إليتيه ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالبنان تجمع إليتيه ومثانته ويجعل الباقي من قطن محنط على منافذ وجهه ومواضع سجوده جبهته، ويديه، وركبتيه، وأطراف قدمه تشريفًا لها، وكذا مغابنة كطي ركبتيه، وتحت إبطيه وسرته؛ لأن ابن عمر كان يتتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك، وإن طيب كله فحسن؛ لأن أنسًا طلى بالمسك، وطلى ابن عمر ميتًا بالمسك، ثم يرد طرف اللفافة العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم يرد طرفها الأيمن على الأيسر، ثم الثانية كذلك، ثم الثالثة كذلك، ويجعل أكثر الفاضل عند رأسه، ثم يعقدها وتحل في القبر، لقول ابن مسعود: «إذا أدخلتم الميت القبر فحلوا العقد» رواه الأثرم.

61- شروط الصلاة على الميت وأركانها

س464: ما الذي تسقط به الصلاة على المكلف؟ وما شروطها؟
ج: تسقط الصلاة عليه بمكلف، وشروطها ثمانية: النية، والتكليف، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة، وإسلام المصلي والمصلى عليه، وطهارتهما ولو بتراب للعذر.

س465: ما هي أركان الصلاة على الميت؟
ج: أركانها سبعة: القيام في فرضها؛ لأنها صلاة وجب القيام فيها كالظهر والتكبيرات الأربع؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعًا» متفق عليه، وقراءة الفاتحة لعموم حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ أم القرآن»، وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن، وقال: «لتعلموا أنها من السُّنة، أو قال: من تمام السُّنة» رواه البخاري، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للميت، والترتيب، والسلام لعموم حديث: «وتحْليْلُهَا التسليم».
س466: ما صفة الصلاة على الميت؟
ج: صفتها أن ينوي، ثم يكبر أربعًا يرفع يديه مع كل تكبيرة يحرم بالتكبيرة الأولى ويتعوذ، ويسمي ويقرأ الفاتحة، ولا يستفتح. وفي الثانية يصلي على النبي  كما يصلي عليه في التشهد، ويدعو في الثالثة بأحسن ما يحضره، وسن بما ورد ومنه: اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وشاهدنا، وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا، ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسُّنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما، اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم
نزله، وأوسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، وافسح له في قبره ونور له فيه؛ وإن كان صغيرًا أو بلغ مجنونًا واستمر، قال: اللهم اجعله ذخرًا لوالديه، وفرطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقل به موازينهما، واعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم؛ وإن لم يعلم إسلام والديه دعا لمواليه، ويؤنث الضمير على أنثى ويشير بما يصلح لهما على خنثى، ويقف بعد تكبيرة رابعة قليلاً، ولا يدعو ويسلم واحدة عن يمينه، ويجوز أن يسلمها تلقاء وجهه، ويجوز أن يسلم ثانية.
س467: ما هو الدليل على ذلك؟
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من السُّنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ويقرأ في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرتين، ولا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرًا في نفسه» رواه الشافعي في «مسنده»، والأثرم وزاد: السُّنة أن يفعل من وراء الإمام مثل ما يفعل إمامهم.
وروى الجوزجاني عن زيد بن أرقم «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر على الجنازة أربعًا، ثم يقول ما شاء الله، ثم ينصرف» قال الجوزجاني: كنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف.
س468: ما حكم فعلها جماعة؟ وهل يستفتح فيها؟ وهل يكتفي فيها بتسليمة؟
ج: تُسن جماعة، كفعله –عليه السلام- وأصحابه واستمر الناس عليه، وسن أن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة، لحديث مالك بن هبيرة: «كان إذا صلى على ميت جزأ الناس ثلاثة صفوف، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليه ثلاثة صفوف من الناس فقد أوجب»» رواه الترمذي وحسنه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولا يستفتح فيها؛ لأن مبناها على التخفيف، ولذلك لم تشرع فيها السورة بعد الفاتحة، ويجزئ تسليمة واحدة عن يمينه.
قال الإمام أحمد عن ستة من الصحابة وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم.
س469: من الأولى بالصلاة على الميت؟ واذكر الدليل على ما تقول.
ج: الأولى بها: وصيه العدل، فسيد برقيقه، فالسلطان، فنائبه الأمير، فالحاكم، فالأولى بغسل رجل فروج بعد ذوي الأرحام، ثم مع تساوي يقرع ومن قدمه ولي لا وصي بمنزلته.
والدليل على تقديم الوصي على غيره أن أبا بكر  أوصى أن يصلي عليه عمر، وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابنه حاضر، وأوسى ابن مسعود أن يصلي عليه الزبير، وأوصى أبو بكرة أن يصلي عليه أبو برزة، وأوصت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن يصلي عليها أبو هريرة، ولم يعرف لهم مخالف مع كثرته وشهرته، فكان إجماعًا، ويسن أن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة، كحديث مالك بن هبيرة «كان إذا صلى على ميت جزأ الناس ثلاثة صفوف، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليه ثلاثة صفوف من الناس فقد أوجب»» رواه الترمذي والحاكم. وقال: صحيح على شرط مسلم. والله أعلم، وصلى الله على محمد.
س470: ما حكم الصلاة على الميت في المسجد؟ وما دليل الحكم؟
ج: تباح الصلاة عليه في المسجد إن أمن تلويثه، لما ورد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد» رواه مسلم، «وصلى على أبي بكر فيه» رواه سعيد.

س471: أين موقف الإمام والمنفرد من الجنازة؟ وضحه مع ذكر الدليل.
ج: السُّنة أن يقف الإمام والمنفرد عند رأس رجل ووسط المرأة، وذلك لما روى أحمد والترمذي، وحسنه وإسناده ثقات عن أنس : «أنه صلى على رجل فقام عند رأسه، ثم صلى على امرأة فقام وسطها، فقال العلاء بن زياد: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقوم؟ قال: نعم».
وعن سمرة بن جندب  قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة فقام وسطها» متفق عليه.
س472: إذا اجتمع جنائز، فما صفة تقديمهم للصلاة عليهم؟ وما هو الدليل.
ج: يُسن أن يلي الإمام من كل نوع أفضلهم، فأسن، فأسبق، ثم يقرع؛ فإن كان رجلاً، وصبيًا، وامرأة وخنثى قدم إلى الإمام الرجل، ثم الصبي، ثم الخنثى المشكل، ثم المرأة، لما روي عن ابن عمر  «أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة».
وروى عمار بن أبي عمار أن زيد بن عمر بن الخطاب، وأمه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ ماتا فصلى عليهما سعيد بن العاص فجعل زيدًا مما يليه، وأمه مما يلي القبلة، وفي القوم الحسن، والحسين، وأبو هريرة، وابن عمر، ونحو ثمانين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين.
س473: ما الدليل على أنه يلي الإمام الأفضل؛ فإن تساووا فأكبر فأسبق فقرعة؟
ج: أولاً: قوله صلى الله عليه وسلم: «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى».
ثانيًا: أنه المستحق للتقديم في الإمامة يؤيده: أنه صلى الله عليه وسلم يقدم في القبر من كان أكثر قرآنًا؛ وأما عند الاستواء في الفضل فأكبر، فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «كبر كبر»؛ وأما تقديم الاسبق عند الاستواء فيما تقدم فواضح لسبقه؛ وأما استعمال القرعة عند الاستواء في ذلك فكالإمامة ويقدم الأفضل من الموتى أمام المفضولين في المسير؛ لأن حق الأفضل أن يكون متبوعًا لا تابعًا.
س474: ما الذي ينبغي أن يدعو به في التكبيرة الثالثة في صلاة الجنازة؟
ج: يدعو بأحسن ما يحضره، وسن الدعاء بما ورد، ومن الوارد: «اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا، ومثوانا وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام والسُّنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من القبر وعذاب النار» رواه مسلم من حديث عوف بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على جنازة حتى تمنى أن يكون ذلك الميت، وفيه: «وأبدله أهلاً خيرًا من أهله، وأدخله الجنة، وافسح له في قبره ونور له فيه»؛ وإن كان صغيرًا، قال: «اللهم اجعله ذخرًا لوالديه وفرطًا وأجرًا وشفيعًا مجابًا، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم» لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا: «السقط يُصلى عليه، ويدعي لوالديه بالمغفرة والرحمة»، وفي لفظ: «بالعافية والرحمة» رواهما أحمد، وإنما لم يسن الاستغفار له؛ لأنه شافع غير مشفوع فيه ولا جرى عليه قلم، فالعدول إلى الدعاء لوالديه أولى من الدعاء له، وما ذكر من الدعاء لائق بالمحل مناسب لما هو فيه، ويؤنث الضمير على أنثى، ويشير ما يصلح لها على خنثى، ويقف بعد رابعة قليلاً، لما روى الجوزجاني عم زيد بن أرقم  «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعًا ثم
يقف ما شاء الله، فكنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه ويرفع يديه مع كل تكبيرة» رواه الشافعي عن ابن عمر، وسعيد عن ابن عباس، والأثرم عن عمرو وزيد بن ثابت، وسن وقوفه مكانه حتى ترفع.
س475: ما هي شروط الصلاة على الجنازة؟ اذكرها بوضوح.
ج: يشترط لها ما لمكتوبة إلا الوقت، حضور الميت بين يديه إلا على غائب عن البلد ولو دون المسافة أو غير قبلته، لحديث جابر: «في صلاته عليه السلام على النجاشي وأمره أصحابه بالصلاة عليه» متفق عليه، وإلا إذا صلى على غريق ونحوه كأسير، فيسقط شرط الحضور للحاجة وكذا غسلهما لتعذره، فيصلي عليه بالنية إلى شهر وزيادة يسيرة، والشرط الثاني: إسلام الميت، والشرط الثالث: تطهيره ولو بتراب لعذر؛ فإن تعذر التيمم صلى عليه.
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 4:58 am

س476: المسبوق في صلاة الجنازة هل يقضي؟ وإذا خشي رفعهما فماذا يعمل؟ وإذا سلم ولم يقض فما حكم صلاته؟ وهل يجوز دخوله بعد الرابعة من فاتته الصلاة عليه قبل الدفن، فهل يصلي عليه بعد؟
ج: يقضي مسبوق إذا سلم إمامه ما فاته على صفتها؛ فإن خشي رفع الجنازة تابع التكبير رفعت أو لم ترفع، وإذا سلم مسبوق ولم يقض شيئًا صحت، ويجوز دخوله بعد التكبيرة الرابعة، ويقضي الثلاث التكبيرات استحبابًا لينال أجرها، ويصلي على من قبر من فاتته الصلاة عليه قبل الدفن إلى شهر من دفنه، ولا تضر زيادة يسيرة، قال القاضي: كاليوم واليومين، قال أحمد: ومن يشك في الصلاة على القبر يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه كلها حسان، وقال أكثر ما سمعت: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على أم سعد بن عبادة بعد شهر، ولحديث أبي هريرة: «أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابًا، ففقدها النبي  فسأل عنها أو عنه، فقالوا: ماتت أو مات، فقال: «أفلا كنتم آذنتموني؟» قال: فكأنهم صغروا أمرها
أو أمره، فقال: «دلوني على قبرها أو قبره، فدلوه فصلى عليها أو عليه»»، وعن ابن عباس قال: «انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعًا» متفق عليه.
س477: إن وجد بعض ميت فهل يصلي عليه؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: إن وجد بعض ميت تحقيقًا لم يصل عليه وهو غير شعر، وسن وظفر، فحكمه ككله، فيغسل ويكفن ويصلى عليه وجوبًا، وينوي بالصلاة على ما وجد ذلك البعض الموجود. والدليل على الصلاة عليه أن أبا أيوب صلى على رجل إنسان، قاله أحمد، وصلى عمر على عظام بالشام، وصلى أبو عبيدة على رؤوس. رواهما عبدالله بن أحمد بإسناده، قال الشافعي: ألقى طائر بمكة بدأ من وقعة الجمعة عرفت بالخاتم، وكانت يد عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد وصلى عليها أهل مكة؛ ولأنها بعض ميت فيثبت لها حكم الجملة؛ فإن كان الميت صلى عليه غسل ما وجد وكفن وجوبًا وصلى عليه استحبابًا وكذا إن وجد الباقي من الميت، فيغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن بجنبه ولا يصلى على ما بان من حي، كيد سارق، وقاطع طريق.
س478: بين حكم الصلاة على الغال وقاتل نفسه؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: لا يسن للإمام الأعظم ولا إمام كل قرية وهو واليها في القضاء الصلاة على الغال ولا قاتل نفسه عمدًا، أما الغال، وهو من كنتم من الغنيمة شيئًا ليختص به، فلأنه –عليه السلام- امتنع عن الصلاة على رجل من جهينة غل يوم خيبر، وقال: «صلوا على صاحبكم» رواه الخمسة إلا الترمذي احتج به أحمد؛ وأما قاتل نفسه عمدًا، فلحديث جابر بن سمرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءوه برجل قد قتل نفسه بمشاقص ولم يصل عليه» مسلم وغيره.

س479: إذا اشتبه من يصلي عليه بغيره كمسلم بكافر، فما الحكم؟ وهل يدفنوا جميعًا؟ واذكر ما للمصلي على الجنازة من الأجر مقرونًا بالدليل؟
ج: إن اختلط من يصلي عليه بغيره أو اشتبه من يصلي عليه بغيره، وذلك كاختلاط موتى مسلمين بكفار ولم يتميزوا صلى على الجميع ينوي بالصلاة من يصلي عليه منهم وهم المسلمون، لوجوب الصلاة، ولا طريق له غير ذلك، وغسلوا وكفنوا كلهم؛ لأن الصلاة عليهم لا تمكن إلا بذلك، إذ الصلاة على الميت لا تصح حتى يغسل ويكفن مع القدرة، وإن أمكن عزلهم عن مقابر المسلمين والكفار دفنوا منفردين، وإلا دفنوا معنا؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى، وللمصلي على جنازة قيراط من الأجر وهو أمر معلوم عند الله تعالى، وله بتمام دفنها قيراط آخر، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفه فله قيراطان»، قيل: وما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» متفق عليه، ولمسلم: حتى توضع في اللحد. وللبخاري من حديث أبي هريرة «من تبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها؛ فإنه يرجع بقيراطين مثل جبل أُحد».
62- فصل في حمل الجنازة
س480: تكلم عن أحكام ما يلي: حمل الجنازة، الإسراع فيها، التربيع في الحمل، واذكر صفته بوضوح، الحمل بين العمودين؟
ج: حملها إلى محل دفنها فرض كفاية، ويُسن التربيع، لما ورد عن ابن مسعود قال: «من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها؛ فإنه من السُّنة ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع» رواه ابن ماجه. وصفته أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى، ثم ينتقل إلى المؤخرة، ثم اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى، ثم ينتقل إلى المؤخرة ولا يكره حمل بين العمودين

كل عمود واحد على عاتق نصًا، لما روي أنه –عليه الصلاة والسلام- حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين، ويبدأ من عند رأسه والجمع بين التربيع والحمل بين العمودين أولى؛ وأما الإسراع في الجنازة فمسنون، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا بالجنازة؛ فإن كانت صالحة قربتموها إلى خير، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم» رواه الجماعة، ولا يكره الحمل على دابة لغرض صحيح كبعد القبر.
س481: هل الأولى التقدم أمام الجنازة؟ أم التأخر؟ أم فيه تفضيل؟
ج: يستحب كون المشاة أمامها. قال ابن المنذر: «ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة» رواه أحمد عن ابن عمر؛ ولأنهم شفعاء، والشفيع يتقدم المشفوع له، وسن كون راكب خلفها، لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا: «الراكب فخلف الجنازة» رواه الترمذي، وقال حسن: صحيح؛ ولأن سيره أمامها يؤذي تابعها.
س482: تكلم عن أحكام ما يلي: جلوس تابعها قبل الوضع، رفع الصوت معها، إتباع المرأة لها، إتباعها إذا كان معها منكر، واذكر ما تستحضره من دليل؟
ج: يكره جلوس تابعها حتى توضع بالأرض للدفن، لحديث مسلم عن أبي سعيد مرفوعًا: «إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع» قال أبو داود: روى هذا الحديث الثوري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال فيه: «حتى توضع بالأرض» ورفع الصوت معها مكروه ولو بالذكر والقرآن، لحديث: «لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار» رواه أبو داود.
وقول القائل مع الجنازة: استغفروا له ونحوه بدعة، وروى سعيد أن ابن عمر وسعيد بن جبير قا لقائل ذلك: لا غفر الله لك وكره أن يتبعها امرأة، لحديث أم عطية: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» وحرم
أن يتبعها مع منكر عاجز عن إزالته، ويلزم القادر على إزالته أن يزيله ولا يترك اتباعها.
س483: من المقدم بالتكفين والدفن، وما حكم القيادة للجنازة إذا جاءت، واذكر الدليل، وما تستحضره من خلاف.
ج: المقدم بالتكفين من يقدم بغسل ونائبه كهو، والأولى توليه بنفسه، ويقدم بدفن رجل من يقوم بغسله؛ «لأنه –عليه الصلاة والسلام- ألحده العباس وعلي وأسامة» رواه أبو داود وكانوا هم الذين تولوا غسله، ولأنه أقرب إلى ستر أحواله وقلة الاطلاع عليه، ثم يقدم الأجانب محارمه من النساء، فالأجنبيات للحاجة، ويقدم بدفن امرأة محارمها الرجال، الأقرب فالأقرب؛ لأن امرأة عمر  لما توفيت قال لأهلها: أنت أحق بها، ولأنهم أولى بها حال الحياة فكذا بعد الموت، ثم الزوج؛ لأنه أشبه بمحرمها من الأجانب فأجانب بعد الزوج، ثم محارمها النساء القربى فالقربى، وكره دفن عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وأما القيام للجنازة، فقيل: إنه مكروه وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب، لحديث علي  قال: «رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا تبعًا له، وقعد فقعدنا تبعًا له –يعني في الجنازة» رواه مسلم وغيره، وعن ابن عباس مرفوعًا: «قام ثم قعد» رواه النسائي، وقيل: يستحب، اختاره الشيخ تقي الدين وابن عقيل، لما ورد عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع» رواه الجماعة، ولأحمد: وكان ابن عمر إذا رأى جنازة قام حتى تجاوزه، وله أيضًا عنه: أنه ربما تقدم الجنازة فقعد حتى إذا رآها قد أشرفت قام حتى توضع، وعن جابر قال: «مرت بنا جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها»»، وعن سهيل بن حنيف، وقيس بن سعد «أنهما كانا قاعدين بالقادسية، فمروا
عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنهما من أهل الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: «أليست نفسًا»» متفق عليهما، والذي يترجح أنه يُسن القيام لها ولو كانت كافرة. والله أعلم.
س484: تكلم عن أحكام ما يلي مع تبيين المعاني: اللحد، الشق، التوسع، التعمير، أيهما أفضل: اللحد أم الشق، واذكر دليلاً لما يحتاج إلى دليل.
ج: اللحد: أن يحفر في أسفل حائط القبر حفرة تسع الميت وأصله الميل، وكونه مما يلي القبلة أفضل، والشق أن يحفر وسط القبر كالحوض ثم يوضع الميت فيه ويسقف عليه ببلاط أو غيره أو يبنى جانباه بلبن أو غيره، واللحد أفضل من الشق، قال أحمد: لا أحب الشق، لحديث: «اللحد لنا والشق لغيرنا» رواه أبو داود؛ فإن تعذر اللحد لكون التراب ينهال ولا يمكن دفعه بنصب ابن أو حجارة ونحوه لم يكره، وسن أن يعمق القبر ويوسع بلا حد؛ لقوله –عليه السلام- في قتلى أُحد: «احفروا ووسعوا وعمقوا» قال الترمذي: حسن صحيح، وعن رجل من الأنصار قال: «خرجنا في جنازة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفيرة القبر فجعل يوصي الحافر، ويقول: «أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين رب عذق له في الجنة»» رواه أحمد، وأبو داود؛ ولأن التعميق أبعد لظهور الرائحة وأمنع للوحش، والتعميق: الزيادة في النزول، والتوسيع: الزيادة في الطول والعرض، ويكفي ما يمنع السباع والرائحة.
س485: ما صفة إدخال الميت القبر؟ وما هو الدليل عليها؟
ج: يُسن أن يسجي قبر لأنثى ولخنثى، وكره لرجل إلا لعذر، وسن أن يدخل قبره من عند رجله إن كان أسهل عليهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا، وعبدالله بن زيد أدخل الحارث من قبل رجلي
القبر وقال: هذا من السُّنة. رواه أحمد، وإلا من حيث سهل دفعًا للضرر والمشقة.
قال العمريطي:
ويستحب سله من رأسه
وكونه على اليمين يضجع
إذا أراد وضعه في رمسه
وأوجبوا استقباله إذ يوضع

وإن استوت الكيفيات فهي سواء، لعدم المرجح ومن في سفينة يلقى في البحر سلا كإدخاله القبر بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه وتثقيله بشيء وقد ألغز بها الشيخ عبدالرحمن الزواوي، فقال:
وهل ناب ماء عن تراب كفيت ما
يسوؤك عقباه ولا نالك البلى

فقال في حلها:
من مات في بحر وقد عز دفنه
ففي البحر يلقى وهو بالترب بدلا

س486: ما المسنون قوله لمن يدخل الميت في القبر؟ وما صفة تلحيده؟
ج: يُسن أن يقول ملحده: بسم الله وعلى ملة رسول الله، لحديث ابن عمر أن النبي  قال: «إذا وضعتم موتاكم في القبول، فقولوا: بسم الله وعلى ملة رسول الله» رواه الخمسة إلا النسائي، وسن أن يلحده على شقه الأيمن، ويجب أن يستقبل به القبلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «في الكعبة قبلتكم أحياء وأمواتًا» ولأنه طريقة المسلمين بنقل الخلف عن السلف.
س487: بين أحكام ما يلي: حثو التراب على الميت، رفع القبر عن الأرض، الدعاء للميت، رش القبر بعد الدفن. واذكر الدليل.
ج: يُسن حثو التراب على الميت ثلاثًا، ثم يهال عليه التراب، وسن رفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنما، ويكره فوقه، ويستحب الدعاء للميت، أما دليل حثي التراب على الميت، فهو ما ورد عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثًا» رواه ابن ماجه، وللدارقطني معناه من حديث عامر بن ربيعة، وزاد وهو قائم، ولما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم حثا على الميت ثلاث حثيات بيده جميعًا»، ثم يهال عليه التراب، لقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ «ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي» رواه أحمد؛ وأما الدليل على استحباب الدعاء للميت بعد الدفن، فهو ما ورد عن عثمان  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل» رواه أبو داود، وصححه الحاكم؛ وأما الدليل على سنية رفعه قدر شبر فلقول جابر «إن النبي صلى الله عليه وسلم رقع قبره عن الأرض قدر شبر» رواه الشافعي، ويكره رفعه أكثر، لقوله –عليه السلام- لعلي: «لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته» رواه مسلم؛ وأما الدليل على سنية رش القبر، فهو ما روى جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ماء ووضع عليه الحصباء» رواه الشافعي.
س488: اذكر ما تستحضره مما يحرم فعله في القبر، وعند القبر، وعلى القبر.
ج: يحرم إسراجه، واتخاذ المسجد عليه، وتجصيصه، والبناء عليه، والاستسقاء بترابه، وتخليفه، وتبخيره، وتقبيله، والجلوس عليه، والوطء عليه، والكتابة عليه، والتخلي عليه، والطواف به، والتمسح بالقبر، والتخلي بين القبور، والصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء، والإتكاء إليه.
س489: اذكر ما تستحضره من الأدلة الدالة على تحريم المذكورات.
ج: أما الدليل على تحريم اتخاذ القبور مساجد، وتحريم اتخاذ السرج عليها، فهو ما ورد عن ابن عباس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» متفق عليه؛ وأما الدليل على تحريم تجصيص القبر، وتحريم القعود عليه، وتحريم البناء عليه، وتحريم الكتابة على القبور، وتحريم الوطء عليه، والإتكاء إليه، فهو ما ورد عن جابر قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، والترمذي وصححه ولفظه «نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ»، وفي لفظ النسائي: «ونهى أن يبنى على القبر، أو يزاد عليه، أو يجصص، أو يكتب عليه»، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر» رواه الجماعة إلا البخاري، والترمذي، وعن عمرو بن حزم قال: «رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا على قبر، فقال: «لا تؤذ صاحب هذا القبر أو لا تؤذه»» رواه أحمد، ولا يمشي في النعل بالمقبرة، لما ورد عن بشير بن الخصاصية «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يمشي في نعلين بين القبور، فقال: «يا صاحب السبتين ألقهما»» رواه الخمسة إلا الترمذي.
وعن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» رواه مسلم، ومن البدع المحرمة: تخليق القبر، وتقبيله والطواف به، والاستشفاء بترابه، والتمسح به، والصلاة عنده، وقصد القبر لأجل الدعاء.
وأما الدليل على تحريم التخلي عليها وبينها: فلحديث عقبة بن عامر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أطأ على قبر مسلم ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق» رواه الخلال، وابن ماجه.
س490: بين أحكام ما يلي: دفن اثنين فأكثر في قبر، دفن بصحراء، المقدم في المسبلة عند الاستواء، إهداء القرب.
ج: يحرم دفن اثنين فأكثر إلا لضرورة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبر؛ وأما للضرورة، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثر القتلى يوم أُحد، كان يجمع الرجلين في القبر الواحد، ويسأل أيهم أكثر أخذًا للقرآن فيقدمه، واللحد حديث صحيح؛ وأما التقديم فيقدم من يقدم إلى الإمام وتقدم، والدفن بالصحراء أفضل من الدفن بالعمران؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- كان يدفن أصحابه بالبقيع ولم تزل الصحابة والتابعون –رضوان الله عليهم أجمعين- ومن بعدهم يقبرون في الصحارى؛ ولأنها أشبه بمساكن الآخرة، ويقدم في مسبلة عند ضيق بسبق، ثم مع التساوي في سبق يقدم من قرع وأي قرية فعلها وجعل ثوابها لحي مسلم أو ميت نفعه ذلك.
س491: اذكر ما تستحضره من الأدلة الدالة على أن من فعل قربة وجعل ثوابها لحي مسلم أو ميت أنه ينفعه ذلك؟
ج: قال الله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، وقال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ، وقال: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.
وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه في فضل صلاة الجماعة: «فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه»، ودعا صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة، فقال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وأفسح له في قبره ونور له فيه»، وقال: «إذا صليتم على الميت فاخلصوا له الدعاء» وفي حديث عوف بن مالك قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله» الحديث رواه مسلم.
وعن ابن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: «نعم»، وذلك في حجة الوداع. متفق عليه.
وعن عبدالله بن عمرو أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين، وأن عمرو سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك» رواه أحمد.
وعن أبي هريرة «أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص أفينفعه إن تصدقت عنه؟ قال: «نعم»» رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وعن عائشة «أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم»» متفق عليه، وعن ابن عباس: «أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإن لي مخرفًا فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها» رواه البخاري، والترمذي، وأبو داود.
وعن الحسن عن سعد بن عبادة: «أن أمه ماتت، فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفاتصدق عنها؟ قال: «نعم»، قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال –عليه الصلاة والسلام-: «سقي الماء»، قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة» رواه أحمد، والنسائي.
وعن عثمان  قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل»» رواه أبو داود، وصححه الحاكم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» متفق عليه.
عن أسيد بن مالك بن ربيعة الساعدي قال: «بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وافتقاد عهدهما بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما»» رواه أبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه.
ومن الأدلة المستحسنة قوله صلى الله عليه وسلم في الأضحية لما ضحى بكبشين، فلما ذبح أحدهما قال: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن محمد وآل محمد»، ولما ذبح الثاني قال: «اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي»، وفي رواية ابن ماجه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موسومين فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد، وذبح الآخر عن أمته وعمن شهد له بالبلاغ، ففيه دليل على أن النفع قد نال الأحياء والأموات من أمته بأضحيته صلى الله عليه وسلم، وإلا لم يكن في ذلك فائدة، فإنه قوله صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى».
وقال للذي قضى الدين عن الميت: «الآن بردت جلدته». والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س492: ما المسنون قوله لمن أصيب بمصيبة؟
ج: يُسن أن يسترجع فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، لما ورد عن أم سلمة قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به
إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها»، فلما مات أبو سلمة قالت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم.
س493: بين أحكام ما يلي: الصبر على المصيبة، الرضى بمرض أو فقر أو عاهة.
ج: يُسن الصبر على المصيبة ويجب منه ما يمنعه عن محرم، وفي الصبر على موت الولد أجر كبير، عن أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» رواه البخاري، ولا يلزم الرضى بمرض وفقر وعاهة، ويحرم الرضى بفعل المعصية، قال الشيخ تقي الدين: إذا نظر إلى إحداث الرب لذلك للحكمة التي يحبها ويرضاها رضى لله بما رضي لنفسه فيرضاه ويحبه مفعولاً مخلوقًا لله ويبغضه ويكرهه فعلاً للمذنب المخالف لأمر الله، انتهى. وكره لمصاب تغير حاله من خلع رداء ونحوه، وتعطيل معاشه لما فيه من إظهار الجزع. قال إبراهيم الحربي: اتفق العقلاء من كل أمة أن من لم يتمش مع القدر لم يتهن بعيش.
س494: بين معاني الكلمات الآتية: الندب، النياحة، تعزية.
ج: الندب هو: تعداد محاسن الميت بلفظ النداء مع زيادة ألف وهاء في آخره نحوه: واسيداه واجبلاه، وانقطاع ظهراه، وأصل الندب أثر الجرح شبه ما كان يجده من الوجد والحزن بألم الجرح ووجعه، والنياحة: رفع الصوت بالندب، والتعزية: التسلية لصاحب الميت، وحثه على الصبر، ووعده بالأجر، ووعظه بما يزيل عنه الحزن والألم والهم.

س495: ما حكم الندب، والنياحة، ولطم الخد، والصراخ، ونتف الشعر ونحوه؟
ج: كلها هذه من المحرمات، لما ورد عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية»، وعن أبي بردة قال: «وجع أبو موسى وجعًا فغشى عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا، فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة». وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه من نيح عليه يعذب بما ينح عليه».
وفي صحيح مسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة» الأحاديث الثلاثة التي قبل هذا متفق عليها. وعن النعمان بن بشير قال: «أغمى على عبدالله بن رواحة فجعلت أخته عمرة بفكي واجبلاه، واكذا، واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إلا قيل لي أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه» رواه البخاري.
وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة واعضداه، واناصراه، واكاسباه، جبذ الميت، وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسبها» رواه أحمد.
س496: ما حكم التعزية؟ وما الذي يقال للمصاب؟ وما الذي يرد به المعزى؟
ج: التعزية سُّنة، لما ورد عن الأسود عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عزى مصابًا فله مثل أجره» رواه ابن ماجه، والترمذي، ولحديث عمرو بن حزم مرفوعًا: «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الجنة» رواه ابن ماجه، ويقال للمصاب بمسلم أعظم
الله أجرك، وأحسن عزاك، أو يقول غير ذلك. قال الموفق: لا أعلم في التعزية شيئًا محدودًا إلا أنه يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلاً، فقال: «رحمك الله وآجرك» رواه أحمد، وفي تعزية المسلم بكافر: «أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك» وتحرم تعزية الكافر، ويقول المعزى: استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك، ولا بأس بأخذه بيد من عزاه، قال أحمد: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وإن شئت فلا.
س497: ما حكم البكاء على الميت؟ وما هو الدليل على الحكم؟
ج: يجوز البكاء على الميت، لما ورد عن أنس  قال: «شهدت بنتًا للنبي صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند القبر فرأيت عينيه تدمعان» رواه البخاري. وعن ابن عمر قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: «قد قضي؟» فقالوا: لا يا رسول الله، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال: «ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب؛ ولكن يعذب بهذا أو يرحم»، وعن أسامة بن زيد قال: «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيًا لها في الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب»، فعاد الرسول، فقال: «إنها أقسمت لتأتينها»، قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ ابن جبل قال: فانطلقت معهم فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» متفق عليهما.

س498: ما حكم تصليح الطعام لأهل الميت؟ وما دليل الحكم.
ج: يُسن أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم، لما ورد عن عبدالله بن جعفر قال: لما جاء نعى أبي حين قتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم» رواه الخمسة إلا النسائي. قال الزبير: فعمدت سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى شعير فطحنته وأدمته بزيت جعل عليه وبعثت به إليهم، ويروى عن عبدالله بن أبي بكر أنه قال: فما زالت السُّنة فينا حتى تركها من تركها، وسواء كان الميت حاضرًا أو غائبًا وأتاهم نعيه، وينوي فعل ذلك لأهل الميت لا لمن يجتمع عندهم فيكره؛ لأنه معونة على مكروه وهو اجتماع الناس عند أهل الميت. نقل المروذي عن أحمد: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره إنكارًا شديدًا، ولأحمد وغيره عن جرير وإسناده ثقات، قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة، ويكره لأهل الميت فعل الطعام للناس يجتمعون عندهم.
س499: ما حكم زيارة القبور للرجال؟ وما الذي يقوله الزائر؟ وأين موقفه من الميت؟
ج: تسن زيارة قبر مسلم وأن يقف زائر أمامه قريبًا منه؛ أما الدليل على أنها مستحبة للرجال، فلما ورد عن بريدة بن الخصيب الأسلمي  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» رواه مسلم، زاد الترمذي: «فإنها تذكر الآخرة» زاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود: «وتزهد في الدنيا، ويقول الزائر للقبور والمار بها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء بكم للاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم»، لما ورد عن سليمان بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: «السلام عليكم أهل
الديار من المؤمنين المسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية»» رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر» رواه الترمذي.
ويعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس قاله أحمد، وفي الغنية يعرفه كل وقت وهذا الوقت آكد.
وقال ابن القيم: الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور، وسمع كلامه وأنس به، وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم وأنه لا توقيت في ذلك. انتهى.
س500: بين حكم زيارة القبور للنساء، وما حكم زيارتها بشد رحل؟
ج: قيل: إنه مكروه، لما ورد عن أم عطية قالت: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» متفق عليه، وقيل: يحرم، لما ورد عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور» رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وصححه.
ولا يجوز شد الرحل لزيارة القبور، لما ورد عن أبي سعيد  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» متفق عليه.
قال في «مختصر النظم»:
ويشرع للذكران زور مقابر
وما قد روى عند المرور بقوله
وتعزية المرء المصاب فضيلة
وكل بكاء ليس معه نياحة
ويحرم شق الجيب واللطم بعده
ويسأل في القبر الفتى عن نبيه
فمن ثبت الله استجاب موحدًا
وتلك لعمرى آخر الفتن التي
فنسأله التثبيت دنيًا وآخرًا
ويكره في أولى المقال لنهد
فكم مرسل قد جاء فيه ومسند
وتغيير زي الساخط أكره وشدد
ولا ندب الآبى به غير معتدي
النياحة مع ندب وأشباهها اعدد
وعن ربه والدين فعل مهدد
ومن لم يثبت فهو غير موحد
متى تنج منها فزت فوز مخلد
وخاتمة تقضي بفوز مؤبد

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:01 am

س476: المسبوق في صلاة الجنازة هل يقضي؟ وإذا خشي رفعهما فماذا يعمل؟ وإذا سلم ولم يقض فما حكم صلاته؟ وهل يجوز دخوله بعد الرابعة من فاتته الصلاة عليه قبل الدفن، فهل يصلي عليه بعد؟
ج: يقضي مسبوق إذا سلم إمامه ما فاته على صفتها؛ فإن خشي رفع الجنازة تابع التكبير رفعت أو لم ترفع، وإذا سلم مسبوق ولم يقض شيئًا صحت، ويجوز دخوله بعد التكبيرة الرابعة، ويقضي الثلاث التكبيرات استحبابًا لينال أجرها، ويصلي على من قبر من فاتته الصلاة عليه قبل الدفن إلى شهر من دفنه، ولا تضر زيادة يسيرة، قال القاضي: كاليوم واليومين، قال أحمد: ومن يشك في الصلاة على القبر يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه كلها حسان، وقال أكثر ما سمعت: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على أم سعد بن عبادة بعد شهر، ولحديث أبي هريرة: «أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابًا، ففقدها النبي  فسأل عنها أو عنه، فقالوا: ماتت أو مات، فقال: «أفلا كنتم آذنتموني؟» قال: فكأنهم صغروا أمرها
أو أمره، فقال: «دلوني على قبرها أو قبره، فدلوه فصلى عليها أو عليه»»، وعن ابن عباس قال: «انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعًا» متفق عليه.
س477: إن وجد بعض ميت فهل يصلي عليه؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: إن وجد بعض ميت تحقيقًا لم يصل عليه وهو غير شعر، وسن وظفر، فحكمه ككله، فيغسل ويكفن ويصلى عليه وجوبًا، وينوي بالصلاة على ما وجد ذلك البعض الموجود. والدليل على الصلاة عليه أن أبا أيوب صلى على رجل إنسان، قاله أحمد، وصلى عمر على عظام بالشام، وصلى أبو عبيدة على رؤوس. رواهما عبدالله بن أحمد بإسناده، قال الشافعي: ألقى طائر بمكة بدأ من وقعة الجمعة عرفت بالخاتم، وكانت يد عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد وصلى عليها أهل مكة؛ ولأنها بعض ميت فيثبت لها حكم الجملة؛ فإن كان الميت صلى عليه غسل ما وجد وكفن وجوبًا وصلى عليه استحبابًا وكذا إن وجد الباقي من الميت، فيغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن بجنبه ولا يصلى على ما بان من حي، كيد سارق، وقاطع طريق.
س478: بين حكم الصلاة على الغال وقاتل نفسه؟ واذكر الدليل على ما تقول؟
ج: لا يسن للإمام الأعظم ولا إمام كل قرية وهو واليها في القضاء الصلاة على الغال ولا قاتل نفسه عمدًا، أما الغال، وهو من كنتم من الغنيمة شيئًا ليختص به، فلأنه –عليه السلام- امتنع عن الصلاة على رجل من جهينة غل يوم خيبر، وقال: «صلوا على صاحبكم» رواه الخمسة إلا الترمذي احتج به أحمد؛ وأما قاتل نفسه عمدًا، فلحديث جابر بن سمرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءوه برجل قد قتل نفسه بمشاقص ولم يصل عليه» مسلم وغيره.

س479: إذا اشتبه من يصلي عليه بغيره كمسلم بكافر، فما الحكم؟ وهل يدفنوا جميعًا؟ واذكر ما للمصلي على الجنازة من الأجر مقرونًا بالدليل؟
ج: إن اختلط من يصلي عليه بغيره أو اشتبه من يصلي عليه بغيره، وذلك كاختلاط موتى مسلمين بكفار ولم يتميزوا صلى على الجميع ينوي بالصلاة من يصلي عليه منهم وهم المسلمون، لوجوب الصلاة، ولا طريق له غير ذلك، وغسلوا وكفنوا كلهم؛ لأن الصلاة عليهم لا تمكن إلا بذلك، إذ الصلاة على الميت لا تصح حتى يغسل ويكفن مع القدرة، وإن أمكن عزلهم عن مقابر المسلمين والكفار دفنوا منفردين، وإلا دفنوا معنا؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى، وللمصلي على جنازة قيراط من الأجر وهو أمر معلوم عند الله تعالى، وله بتمام دفنها قيراط آخر، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفه فله قيراطان»، قيل: وما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» متفق عليه، ولمسلم: حتى توضع في اللحد. وللبخاري من حديث أبي هريرة «من تبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها؛ فإنه يرجع بقيراطين مثل جبل أُحد».
62- فصل في حمل الجنازة
س480: تكلم عن أحكام ما يلي: حمل الجنازة، الإسراع فيها، التربيع في الحمل، واذكر صفته بوضوح، الحمل بين العمودين؟
ج: حملها إلى محل دفنها فرض كفاية، ويُسن التربيع، لما ورد عن ابن مسعود قال: «من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها؛ فإنه من السُّنة ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع» رواه ابن ماجه. وصفته أن يضع قائمة السرير اليسرى المقدمة على كتفه اليمنى، ثم ينتقل إلى المؤخرة، ثم اليمنى المقدمة على كتفه اليسرى، ثم ينتقل إلى المؤخرة ولا يكره حمل بين العمودين

كل عمود واحد على عاتق نصًا، لما روي أنه –عليه الصلاة والسلام- حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين، ويبدأ من عند رأسه والجمع بين التربيع والحمل بين العمودين أولى؛ وأما الإسراع في الجنازة فمسنون، لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا بالجنازة؛ فإن كانت صالحة قربتموها إلى خير، وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم» رواه الجماعة، ولا يكره الحمل على دابة لغرض صحيح كبعد القبر.
س481: هل الأولى التقدم أمام الجنازة؟ أم التأخر؟ أم فيه تفضيل؟
ج: يستحب كون المشاة أمامها. قال ابن المنذر: «ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة» رواه أحمد عن ابن عمر؛ ولأنهم شفعاء، والشفيع يتقدم المشفوع له، وسن كون راكب خلفها، لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعًا: «الراكب فخلف الجنازة» رواه الترمذي، وقال حسن: صحيح؛ ولأن سيره أمامها يؤذي تابعها.
س482: تكلم عن أحكام ما يلي: جلوس تابعها قبل الوضع، رفع الصوت معها، إتباع المرأة لها، إتباعها إذا كان معها منكر، واذكر ما تستحضره من دليل؟
ج: يكره جلوس تابعها حتى توضع بالأرض للدفن، لحديث مسلم عن أبي سعيد مرفوعًا: «إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع» قال أبو داود: روى هذا الحديث الثوري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال فيه: «حتى توضع بالأرض» ورفع الصوت معها مكروه ولو بالذكر والقرآن، لحديث: «لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار» رواه أبو داود.
وقول القائل مع الجنازة: استغفروا له ونحوه بدعة، وروى سعيد أن ابن عمر وسعيد بن جبير قا لقائل ذلك: لا غفر الله لك وكره أن يتبعها امرأة، لحديث أم عطية: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» وحرم
أن يتبعها مع منكر عاجز عن إزالته، ويلزم القادر على إزالته أن يزيله ولا يترك اتباعها.
س483: من المقدم بالتكفين والدفن، وما حكم القيادة للجنازة إذا جاءت، واذكر الدليل، وما تستحضره من خلاف.
ج: المقدم بالتكفين من يقدم بغسل ونائبه كهو، والأولى توليه بنفسه، ويقدم بدفن رجل من يقوم بغسله؛ «لأنه –عليه الصلاة والسلام- ألحده العباس وعلي وأسامة» رواه أبو داود وكانوا هم الذين تولوا غسله، ولأنه أقرب إلى ستر أحواله وقلة الاطلاع عليه، ثم يقدم الأجانب محارمه من النساء، فالأجنبيات للحاجة، ويقدم بدفن امرأة محارمها الرجال، الأقرب فالأقرب؛ لأن امرأة عمر  لما توفيت قال لأهلها: أنت أحق بها، ولأنهم أولى بها حال الحياة فكذا بعد الموت، ثم الزوج؛ لأنه أشبه بمحرمها من الأجانب فأجانب بعد الزوج، ثم محارمها النساء القربى فالقربى، وكره دفن عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وأما القيام للجنازة، فقيل: إنه مكروه وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب، لحديث علي  قال: «رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا تبعًا له، وقعد فقعدنا تبعًا له –يعني في الجنازة» رواه مسلم وغيره، وعن ابن عباس مرفوعًا: «قام ثم قعد» رواه النسائي، وقيل: يستحب، اختاره الشيخ تقي الدين وابن عقيل، لما ورد عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع» رواه الجماعة، ولأحمد: وكان ابن عمر إذا رأى جنازة قام حتى تجاوزه، وله أيضًا عنه: أنه ربما تقدم الجنازة فقعد حتى إذا رآها قد أشرفت قام حتى توضع، وعن جابر قال: «مرت بنا جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها»»، وعن سهيل بن حنيف، وقيس بن سعد «أنهما كانا قاعدين بالقادسية، فمروا
عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنهما من أهل الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: «أليست نفسًا»» متفق عليهما، والذي يترجح أنه يُسن القيام لها ولو كانت كافرة. والله أعلم.
س484: تكلم عن أحكام ما يلي مع تبيين المعاني: اللحد، الشق، التوسع، التعمير، أيهما أفضل: اللحد أم الشق، واذكر دليلاً لما يحتاج إلى دليل.
ج: اللحد: أن يحفر في أسفل حائط القبر حفرة تسع الميت وأصله الميل، وكونه مما يلي القبلة أفضل، والشق أن يحفر وسط القبر كالحوض ثم يوضع الميت فيه ويسقف عليه ببلاط أو غيره أو يبنى جانباه بلبن أو غيره، واللحد أفضل من الشق، قال أحمد: لا أحب الشق، لحديث: «اللحد لنا والشق لغيرنا» رواه أبو داود؛ فإن تعذر اللحد لكون التراب ينهال ولا يمكن دفعه بنصب ابن أو حجارة ونحوه لم يكره، وسن أن يعمق القبر ويوسع بلا حد؛ لقوله –عليه السلام- في قتلى أُحد: «احفروا ووسعوا وعمقوا» قال الترمذي: حسن صحيح، وعن رجل من الأنصار قال: «خرجنا في جنازة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفيرة القبر فجعل يوصي الحافر، ويقول: «أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين رب عذق له في الجنة»» رواه أحمد، وأبو داود؛ ولأن التعميق أبعد لظهور الرائحة وأمنع للوحش، والتعميق: الزيادة في النزول، والتوسيع: الزيادة في الطول والعرض، ويكفي ما يمنع السباع والرائحة.
س485: ما صفة إدخال الميت القبر؟ وما هو الدليل عليها؟
ج: يُسن أن يسجي قبر لأنثى ولخنثى، وكره لرجل إلا لعذر، وسن أن يدخل قبره من عند رجله إن كان أسهل عليهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا، وعبدالله بن زيد أدخل الحارث من قبل رجلي
القبر وقال: هذا من السُّنة. رواه أحمد، وإلا من حيث سهل دفعًا للضرر والمشقة.
قال العمريطي:
ويستحب سله من رأسه
وكونه على اليمين يضجع
إذا أراد وضعه في رمسه
وأوجبوا استقباله إذ يوضع

وإن استوت الكيفيات فهي سواء، لعدم المرجح ومن في سفينة يلقى في البحر سلا كإدخاله القبر بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه وتثقيله بشيء وقد ألغز بها الشيخ عبدالرحمن الزواوي، فقال:
وهل ناب ماء عن تراب كفيت ما
يسوؤك عقباه ولا نالك البلى

فقال في حلها:
من مات في بحر وقد عز دفنه
ففي البحر يلقى وهو بالترب بدلا

س486: ما المسنون قوله لمن يدخل الميت في القبر؟ وما صفة تلحيده؟
ج: يُسن أن يقول ملحده: بسم الله وعلى ملة رسول الله، لحديث ابن عمر أن النبي  قال: «إذا وضعتم موتاكم في القبول، فقولوا: بسم الله وعلى ملة رسول الله» رواه الخمسة إلا النسائي، وسن أن يلحده على شقه الأيمن، ويجب أن يستقبل به القبلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «في الكعبة قبلتكم أحياء وأمواتًا» ولأنه طريقة المسلمين بنقل الخلف عن السلف.
س487: بين أحكام ما يلي: حثو التراب على الميت، رفع القبر عن الأرض، الدعاء للميت، رش القبر بعد الدفن. واذكر الدليل.
ج: يُسن حثو التراب على الميت ثلاثًا، ثم يهال عليه التراب، وسن رفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنما، ويكره فوقه، ويستحب الدعاء للميت، أما دليل حثي التراب على الميت، فهو ما ورد عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثًا» رواه ابن ماجه، وللدارقطني معناه من حديث عامر بن ربيعة، وزاد وهو قائم، ولما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم حثا على الميت ثلاث حثيات بيده جميعًا»، ثم يهال عليه التراب، لقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ «ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي» رواه أحمد؛ وأما الدليل على استحباب الدعاء للميت بعد الدفن، فهو ما ورد عن عثمان  قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل» رواه أبو داود، وصححه الحاكم؛ وأما الدليل على سنية رفعه قدر شبر فلقول جابر «إن النبي صلى الله عليه وسلم رقع قبره عن الأرض قدر شبر» رواه الشافعي، ويكره رفعه أكثر، لقوله –عليه السلام- لعلي: «لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته» رواه مسلم؛ وأما الدليل على سنية رش القبر، فهو ما روى جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ماء ووضع عليه الحصباء» رواه الشافعي.
س488: اذكر ما تستحضره مما يحرم فعله في القبر، وعند القبر، وعلى القبر.
ج: يحرم إسراجه، واتخاذ المسجد عليه، وتجصيصه، والبناء عليه، والاستسقاء بترابه، وتخليفه، وتبخيره، وتقبيله، والجلوس عليه، والوطء عليه، والكتابة عليه، والتخلي عليه، والطواف به، والتمسح بالقبر، والتخلي بين القبور، والصلاة عنده، وقصده لأجل الدعاء، والإتكاء إليه.
س489: اذكر ما تستحضره من الأدلة الدالة على تحريم المذكورات.
ج: أما الدليل على تحريم اتخاذ القبور مساجد، وتحريم اتخاذ السرج عليها، فهو ما ورد عن ابن عباس قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» متفق عليه؛ وأما الدليل على تحريم تجصيص القبر، وتحريم القعود عليه، وتحريم البناء عليه، وتحريم الكتابة على القبور، وتحريم الوطء عليه، والإتكاء إليه، فهو ما ورد عن جابر قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، والترمذي وصححه ولفظه «نهى أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن يبنى عليها، وأن توطأ»، وفي لفظ النسائي: «ونهى أن يبنى على القبر، أو يزاد عليه، أو يجصص، أو يكتب عليه»، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر» رواه الجماعة إلا البخاري، والترمذي، وعن عمرو بن حزم قال: «رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئًا على قبر، فقال: «لا تؤذ صاحب هذا القبر أو لا تؤذه»» رواه أحمد، ولا يمشي في النعل بالمقبرة، لما ورد عن بشير بن الخصاصية «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يمشي في نعلين بين القبور، فقال: «يا صاحب السبتين ألقهما»» رواه الخمسة إلا الترمذي.
وعن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» رواه مسلم، ومن البدع المحرمة: تخليق القبر، وتقبيله والطواف به، والاستشفاء بترابه، والتمسح به، والصلاة عنده، وقصد القبر لأجل الدعاء.
وأما الدليل على تحريم التخلي عليها وبينها: فلحديث عقبة بن عامر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أطأ على قبر مسلم ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق» رواه الخلال، وابن ماجه.
س490: بين أحكام ما يلي: دفن اثنين فأكثر في قبر، دفن بصحراء، المقدم في المسبلة عند الاستواء، إهداء القرب.
ج: يحرم دفن اثنين فأكثر إلا لضرورة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبر؛ وأما للضرورة، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثر القتلى يوم أُحد، كان يجمع الرجلين في القبر الواحد، ويسأل أيهم أكثر أخذًا للقرآن فيقدمه، واللحد حديث صحيح؛ وأما التقديم فيقدم من يقدم إلى الإمام وتقدم، والدفن بالصحراء أفضل من الدفن بالعمران؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- كان يدفن أصحابه بالبقيع ولم تزل الصحابة والتابعون –رضوان الله عليهم أجمعين- ومن بعدهم يقبرون في الصحارى؛ ولأنها أشبه بمساكن الآخرة، ويقدم في مسبلة عند ضيق بسبق، ثم مع التساوي في سبق يقدم من قرع وأي قرية فعلها وجعل ثوابها لحي مسلم أو ميت نفعه ذلك.
س491: اذكر ما تستحضره من الأدلة الدالة على أن من فعل قربة وجعل ثوابها لحي مسلم أو ميت أنه ينفعه ذلك؟
ج: قال الله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، وقال: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ، وقال: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.
وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه في فضل صلاة الجماعة: «فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه»، ودعا صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة، فقال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وأفسح له في قبره ونور له فيه»، وقال: «إذا صليتم على الميت فاخلصوا له الدعاء» وفي حديث عوف بن مالك قال: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله» الحديث رواه مسلم.
وعن ابن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: «نعم»، وذلك في حجة الوداع. متفق عليه.
وعن عبدالله بن عمرو أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين، وأن عمرو سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك» رواه أحمد.
وعن أبي هريرة «أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص أفينفعه إن تصدقت عنه؟ قال: «نعم»» رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وعن عائشة «أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم»» متفق عليه، وعن ابن عباس: «أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم»، قال: فإن لي مخرفًا فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها» رواه البخاري، والترمذي، وأبو داود.
وعن الحسن عن سعد بن عبادة: «أن أمه ماتت، فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفاتصدق عنها؟ قال: «نعم»، قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال –عليه الصلاة والسلام-: «سقي الماء»، قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة» رواه أحمد، والنسائي.
وعن عثمان  قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل»» رواه أبو داود، وصححه الحاكم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» متفق عليه.
عن أسيد بن مالك بن ربيعة الساعدي قال: «بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وافتقاد عهدهما بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما»» رواه أبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه.
ومن الأدلة المستحسنة قوله صلى الله عليه وسلم في الأضحية لما ضحى بكبشين، فلما ذبح أحدهما قال: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن محمد وآل محمد»، ولما ذبح الثاني قال: «اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي»، وفي رواية ابن ماجه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موسومين فذبح أحدهما عن محمد وآل محمد، وذبح الآخر عن أمته وعمن شهد له بالبلاغ، ففيه دليل على أن النفع قد نال الأحياء والأموات من أمته بأضحيته صلى الله عليه وسلم، وإلا لم يكن في ذلك فائدة، فإنه قوله صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى».
وقال للذي قضى الدين عن الميت: «الآن بردت جلدته». والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س492: ما المسنون قوله لمن أصيب بمصيبة؟
ج: يُسن أن يسترجع فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، لما ورد عن أم سلمة قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به
إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها»، فلما مات أبو سلمة قالت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم.
س493: بين أحكام ما يلي: الصبر على المصيبة، الرضى بمرض أو فقر أو عاهة.
ج: يُسن الصبر على المصيبة ويجب منه ما يمنعه عن محرم، وفي الصبر على موت الولد أجر كبير، عن أبي هريرة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» رواه البخاري، ولا يلزم الرضى بمرض وفقر وعاهة، ويحرم الرضى بفعل المعصية، قال الشيخ تقي الدين: إذا نظر إلى إحداث الرب لذلك للحكمة التي يحبها ويرضاها رضى لله بما رضي لنفسه فيرضاه ويحبه مفعولاً مخلوقًا لله ويبغضه ويكرهه فعلاً للمذنب المخالف لأمر الله، انتهى. وكره لمصاب تغير حاله من خلع رداء ونحوه، وتعطيل معاشه لما فيه من إظهار الجزع. قال إبراهيم الحربي: اتفق العقلاء من كل أمة أن من لم يتمش مع القدر لم يتهن بعيش.
س494: بين معاني الكلمات الآتية: الندب، النياحة، تعزية.
ج: الندب هو: تعداد محاسن الميت بلفظ النداء مع زيادة ألف وهاء في آخره نحوه: واسيداه واجبلاه، وانقطاع ظهراه، وأصل الندب أثر الجرح شبه ما كان يجده من الوجد والحزن بألم الجرح ووجعه، والنياحة: رفع الصوت بالندب، والتعزية: التسلية لصاحب الميت، وحثه على الصبر، ووعده بالأجر، ووعظه بما يزيل عنه الحزن والألم والهم.

س495: ما حكم الندب، والنياحة، ولطم الخد، والصراخ، ونتف الشعر ونحوه؟
ج: كلها هذه من المحرمات، لما ورد عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية»، وعن أبي بردة قال: «وجع أبو موسى وجعًا فغشى عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا، فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة، والحالقة، والشاقة». وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه من نيح عليه يعذب بما ينح عليه».
وفي صحيح مسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة» الأحاديث الثلاثة التي قبل هذا متفق عليها. وعن النعمان بن بشير قال: «أغمى على عبدالله بن رواحة فجعلت أخته عمرة بفكي واجبلاه، واكذا، واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئًا إلا قيل لي أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه» رواه البخاري.
وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة واعضداه، واناصراه، واكاسباه، جبذ الميت، وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسبها» رواه أحمد.
س496: ما حكم التعزية؟ وما الذي يقال للمصاب؟ وما الذي يرد به المعزى؟
ج: التعزية سُّنة، لما ورد عن الأسود عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عزى مصابًا فله مثل أجره» رواه ابن ماجه، والترمذي، ولحديث عمرو بن حزم مرفوعًا: «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الجنة» رواه ابن ماجه، ويقال للمصاب بمسلم أعظم
الله أجرك، وأحسن عزاك، أو يقول غير ذلك. قال الموفق: لا أعلم في التعزية شيئًا محدودًا إلا أنه يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم عزى رجلاً، فقال: «رحمك الله وآجرك» رواه أحمد، وفي تعزية المسلم بكافر: «أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك» وتحرم تعزية الكافر، ويقول المعزى: استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك، ولا بأس بأخذه بيد من عزاه، قال أحمد: إن شئت أخذت بيد الرجل في التعزية وإن شئت فلا.
س497: ما حكم البكاء على الميت؟ وما هو الدليل على الحكم؟
ج: يجوز البكاء على الميت، لما ورد عن أنس  قال: «شهدت بنتًا للنبي صلى الله عليه وسلم تدفن ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند القبر فرأيت عينيه تدمعان» رواه البخاري. وعن ابن عمر قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: «قد قضي؟» فقالوا: لا يا رسول الله، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال: «ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب؛ ولكن يعذب بهذا أو يرحم»، وعن أسامة بن زيد قال: «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيًا لها في الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب»، فعاد الرسول، فقال: «إنها أقسمت لتأتينها»، قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ ابن جبل قال: فانطلقت معهم فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» متفق عليهما.

س498: ما حكم تصليح الطعام لأهل الميت؟ وما دليل الحكم.
ج: يُسن أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث به إليهم، لما ورد عن عبدالله بن جعفر قال: لما جاء نعى أبي حين قتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم» رواه الخمسة إلا النسائي. قال الزبير: فعمدت سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى شعير فطحنته وأدمته بزيت جعل عليه وبعثت به إليهم، ويروى عن عبدالله بن أبي بكر أنه قال: فما زالت السُّنة فينا حتى تركها من تركها، وسواء كان الميت حاضرًا أو غائبًا وأتاهم نعيه، وينوي فعل ذلك لأهل الميت لا لمن يجتمع عندهم فيكره؛ لأنه معونة على مكروه وهو اجتماع الناس عند أهل الميت. نقل المروذي عن أحمد: هو من أفعال الجاهلية، وأنكره إنكارًا شديدًا، ولأحمد وغيره عن جرير وإسناده ثقات، قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة، ويكره لأهل الميت فعل الطعام للناس يجتمعون عندهم.
س499: ما حكم زيارة القبور للرجال؟ وما الذي يقوله الزائر؟ وأين موقفه من الميت؟
ج: تسن زيارة قبر مسلم وأن يقف زائر أمامه قريبًا منه؛ أما الدليل على أنها مستحبة للرجال، فلما ورد عن بريدة بن الخصيب الأسلمي  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» رواه مسلم، زاد الترمذي: «فإنها تذكر الآخرة» زاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود: «وتزهد في الدنيا، ويقول الزائر للقبور والمار بها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء بكم للاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم»، لما ورد عن سليمان بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: «السلام عليكم أهل
الديار من المؤمنين المسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية»» رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه، فقال: «السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر» رواه الترمذي.
ويعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس قاله أحمد، وفي الغنية يعرفه كل وقت وهذا الوقت آكد.
وقال ابن القيم: الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور، وسمع كلامه وأنس به، وهذا عام في حق الشهداء وغيرهم وأنه لا توقيت في ذلك. انتهى.
س500: بين حكم زيارة القبور للنساء، وما حكم زيارتها بشد رحل؟
ج: قيل: إنه مكروه، لما ورد عن أم عطية قالت: «نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا» متفق عليه، وقيل: يحرم، لما ورد عن أبي هريرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور» رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وصححه.
ولا يجوز شد الرحل لزيارة القبور، لما ورد عن أبي سعيد  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» متفق عليه.
قال في «مختصر النظم»:
ويشرع للذكران زور مقابر
وما قد روى عند المرور بقوله
وتعزية المرء المصاب فضيلة
وكل بكاء ليس معه نياحة
ويحرم شق الجيب واللطم بعده
ويسأل في القبر الفتى عن نبيه
فمن ثبت الله استجاب موحدًا
وتلك لعمرى آخر الفتن التي
فنسأله التثبيت دنيًا وآخرًا
ويكره في أولى المقال لنهد
فكم مرسل قد جاء فيه ومسند
وتغيير زي الساخط أكره وشدد
ولا ندب الآبى به غير معتدي
النياحة مع ندب وأشباهها اعدد
وعن ربه والدين فعل مهدد
ومن لم يثبت فهو غير موحد
متى تنج منها فزت فوز مخلد
وخاتمة تقضي بفوز مؤبد

63- فصل فيما يتعلق بالسلام


وَقْفٌ للهِ تَعَالَىٰ
تَأْلِيفُ
عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ
المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
الجزء الثاني
طُبِِعَ عَلَى نَفَقَةِ مَنْ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وجْهَ اللهِ وَالدَار الآخرةَ فجَزاهُ اللهُ عن الإسلام والمسلمينَ خيرًا وغَفَر له ولوالديه ولمن يُعيدُ طِبَاعَتَه أو يُعِيْنُ عليها أو يَتَسبَب لها أو يُشِيرُ على مَنْ يُؤمِلُ فيه الخيرَ أن يَطبَعَه وقفًا للهِ تعالى يُوزَّع على إخوانِهِ المسلمين ... اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:04 am

بسم الله الرحمن الرحيم
1- كتاب الزكاة
س1: ما هي الزكاة لغةً وشرعًا؟
ج: هي لغةً: النماء والزيادة، يقال: زكَى الزرع إذا نمى وزاد، وتطلق على المدح، قال الله تعالى: فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، وعلى التطهير، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وعلى الصلاح، يقال: رجل زكى، أي: زائد الخير صح من قوم أزكياء، وزكى القاضي الشهود إذا بين زيادتهم في الخير، وسمى المُخْرجُ زكاة؛ لأنه يزيد في المخرج منه ويقيه الآفات، وأصل التسمية قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا، وقيل: لأنها تطهر مؤديها من الإثم وتنمي أجره.
وقال الأزهري: إنها تنمي الفقراء. وشرعًا: حقٌ واجبٌ في مال خاص لطائفة مخصُوصَةٍ في وقت مخصوص.
س2: ما الذي يخرج بقيد الفقر المذكورة في التعريف الشرعي؟
ج: يخرج بقوله: «واجب الحق» المسنون كابتداء السلام، وبقوله: «مال» رد السلام ونحوه، وبقوله: «خاص» ما يجب في كل الأموال كالديون والنفقات، وبقوله: «لطائفة مخصوصة» نحو الدية؛ لأنها لورثة المقتول، وبقوله: «بوقت مخصوص» نحو النذر والكفارة.
س3: ما حكم الزكاة؟
ج: هي الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه العظام من جحد وجوبها جهلاً به ومثله يجهله كقريب عهد بإسلام أو نشوئه ببادية بعيدة بحيث يُخفى عليه وجوب الزكاة عرف ذلك ونهى عن المعاودة لجحد وجوبها؛ فإن أضرَّ على جحد الوجوب بعد أن عُرفَ أو كان عالمًا بوجوبها كفر إجماعًا؛ لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع الأمة، ولو أخرجها وهذا جحد وجوب الزكاة على الإطلاق؛ وأما إن جَحَده في مال خاص ونحوه؛ فإن كان مجمعًا عليه فكذلك وإلا فلا كـ «مال» الصغير والمجنون وزكاة العسل؛ لأنه مختلف فيه وأخذت الزكاة منه إن كانت وجبَت عليه قبل كفره لكونها لا تسقط به كالدين.
س4: كم مدة استتابة جاحد الزكاة، وإذا لم يتب جاحدها فهل يقتل حدًا أم كفرًا، وما صفة توبته، وما حكم منعها بخلاً؟
ج: يستتاب ثلاثة أيام وجوبًا كغيره من المرتدين وصفة توبته: أن يقر بوجوبها مع الإتيان بالشهادتين وإذا لم يتب قتل كفرًا وجوبًا؛ لقوله : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة»، وقال أبو بكر الصديق: «لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة» متفق عليهما. ومن منعها بخلاً أو تهاونًا أخذت منه قهرًا كدين الآدمي، وكما يؤخذ العشر منه؛ ولأن للإمام طلبه به فهو كالخراج بخلاف الاستتابة في الحج والتكفير بالمال، ويأتي إن شاء الله تكملة لهذا البحث في باب إخراج الزكاة.
س5: ما الأصل في مشروعية الزكاة، ومتى فرضت؟
ج: الأصل في ذلك الكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب: فقوله تعالى: وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وقال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ؛ وأما السُّنة: فإن النبي  بعث معاذًا إلى اليمن، فقال: «أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» متفق عليه. وأجمع المسلمون في جميع الأعصار على وجوبها، واتفق الصحابة  على قتال مانعي الزكاة، فروى البخاري بإسناده عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله  وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب، فقال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني
ماله ونفسي إلا بحقه وحسابه على الله»، فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال والله، لو منعوني عناقًا كان يؤدونها إلى رسول الله  لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إلا أني رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر فعرفت أنه الحق. ورواه أبو داود، وقال: لو منعوني عقالاً، قال أبو عبيد: العقال: صدقة.
قال الشاعر:
سَعَى عقالاً فلم يَتركْ لنا سَيَدًا
فكيفَ لو قد سعَى عمرو عِقالينِ
وقيل: كانوا إذا أخذوا الفريضة أخذوا معها عِقالها ومن رَوَى عناقًا ففيه دليل على خذ الصغيرة من الصغار، وفرضت بالسنة الثانية ذكره صاحب «المغني» والمحرر والشيخ تقي الدين، قال في الفروع: ولعل المراد طلبها وبعث السعاة لقبضها، فهذا بالمدينة؛ ولهذا قال صاحب «المحرر»: إن الظواهر في إسقاط زكاة التجارة معارضة بظواهر تقتضي وجوب الزكاة في كل مال كقوله: فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، وقال شرف الدين الدمياطي: إنها فرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر بدليل قول قيس بن سعد بن عبادة أمرنا النبي  بزكاة الفطر قبل نزول آية الزكوات، وفي «تاريخ ابن جرير الطبري»: أنها فرضت في السنة الرابعة من الهجرة، وقيل: فرضت قبل الهجرة وبُينتْ بعدها. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س6: ما الذي تجب فيه الزكاة والذي تجب فيه؟
ج: تجب في خمسة أشياء: أحدها: بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، سميت بذلك؛ لأنها لا تتكلم. والثاني: الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من أوراق وفلوس نقدية. والثالث: عروض التجارة. والرابع والخامس: الخارج من الأرض، ولا تجب الزكاة في باقي الأموال إذا لم تكن للتجارة حيوانًا كان المال كالرقيق والطيور والخيل والبغال والحمير والضباء سائمة كانت أو لا أو غير حيوان كاللآلئ والجواهر والثياب والسلاح وأدوات الصناع وأثاث البيوت والأشجار والنبات والأواني والعقار من الدور والأرضين للسكنى وللكراء؛ لقوله : «ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة» متفق عليه. ولأبي داود: ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر، وقيس على ذلك باقي المذكورات؛ ولأن الأصل عدم الوجوب إلا لدليل ولا دليل فيها، وفي «شرح أصول الأحكام» على شرح حديث: «ليس على المسلم في عبده وفرسه صدقة»، وقال النووي: وغير هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها وهو قول العلماء من السلف والخلف إلا أبا حنيفة في الخيل والحديث حجة عليه، وقال الوزير: وغيره أجمعوا على أنه ليس في دور السكنى وثياب البذلة وأثاث المنزل ودواب الخدمة وعبيد الخدمة وسلاح الاستعمال زكاة. اهـ. فالعبيد ورباط الخيل وآلات السلاح والحرب وسائر أموال القنية كل ما كان منها ما عساه أن يكون لم يكن فيه زكاة؛ فإن سائر أموال القنية مشغولة بالحاجة الأصلية وليست بنامية أيضًا، وكل منهما مانع من وجوب الزكاة ولو لم ينص على كل فرد منه؛ فإن الشارع إنما اعتنى ببيان ما تجب فيه الزكاة؛ لأنه خارج عن الأصل فيحتاج إلى بيان لا بيان ما لا تجب فيه اكتفاء بأصل عدم الوجوب. اهـ.
س7: ما هي شروط وجوب الزكاة، وكم عددها، وضحها مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو مُحترز، ومثل لما لا يتضح إلا بالتمثيل؟
ج: شروط وجوبها خمسة: أولاً: الحرية. ثانيًا: إسلام. ثالثًا: ملك نصاب. رابعًا: استقراره. خامسًا: مضي الحول في غير معشر ونتاج سائمة وربح تجارة؛ أما المعشر فلقوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ؛ وأما نتاجُ السائمة وربح التجارة ولو لم يبلغ النتاج أو الربح نصابًا؛ فإن حولهما حول أصلهما إن كانا نصابًا وإلا فمن كماله نصابًا فلو ملك خمسًا وثلاثين شاة فنتجت شيئًا فشيئًا فحولها من حين تبلغ نصابًا وهو الأربعين، وكذا لو ملك ثمانية عشر مثقالاً وربحت شيئًا فشيئًا فحولها منذ بلغت عشرين ولا بيني وارث على حول الموروث ويضم المستفاد إلى نصاب بيده من جنسه أو في حكمه في وجوب الزكاة ويزكي كل مال إذا تم حوله وإن كان من غير جنس النصاب ولا في حكمه فله حكم نفسه؛ فإن بلغ نصابًا زكاه إذا تم حوله وإلا فلا.
س8: ما الذي يخرج بقيد كل شرط من شروط وجو الزكاة، وهل تجب على من بعضه حُر وبعضهُ رقيق؟
ج: يخرج بقيد الحرية الرقيق فلا تجبُ عليه؛ لأنه لا مال له ولا على مكاتب؛ لأنه عبد وملكه غير تام وتجب على مبعّض فيما ملكهُ يجزئه الحر بشروطه ويخرج بقيد الإسلام الكافر فلا تجب على كافر أصلي أو مرتد فلا يقضيها إذا أسلم، ويخرج بقوله ملك نصاب ما دون النصاب فلا زكاة فيه إلا الركاز ويخرج بقيد الاستقرار ديْنُ الكتابة لعدم الاستقرار؛ لأنه يملك تعجيز نفسه، ويخرج بقوله ومُضيُّ حول في غير معشر وربح تجارة ونتاج ما لم يتم عليه الحول؛ لقول عائشة عن النبي : «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» رواه ابن ماجه، وعن علي بن أبي طالب عن النبي  قال: «إذا كانت لك مائتا درهم وحالَ عليهما الحولُ ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارًا؛ فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار» رواه أبو داود.
س9: ما نصاب الزكاة، وإذا نقص النصاب في بعض الحول فما الحكم؟ وما الحكمة في إسقاطها عن القليل الذي لا يتحملها؟ اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل، أو خلاف، ومن أين تخرج الزكاة؟
ج: النصاب هو القدر الذي تجب فيه الزكاة ومتى نقص النصاب في بعض الحول أو باه أو أبدله بغير جنسه أو ارتدَّ مالكه انقطع الحول إلا في إبدال ذهب بفضة أو إبدال فضة بذهب وإلا في عروض التجارة وإلا في أموال الصيارف فلا ينقطع ويخرج مما معه عند وجوب الزكاة ولا ينقطع الحول فيما أبدله بجنسه، والقول الثاني: أن إبدال النصاب الزكوي بنصاب آخر زكوي لا يمنع الزكاة ولا يقطعها سواء كان من جنسه أو من جنس آخر، قالوا: والتفريق بين ما كان من الجنس أو من غير الجنس لا دليل عليه؛ ولأن القول بقطعه إذا أبدل من غير جنسه قد يكون سدًا لفتح أبواب الحيل لمنع الزكاة، والحكمة في إسقاطها عن القليل الذي لا يتحملها لئلا يجحف بأرباب الأموال ولا يبخس الفقراء حقوقهم وإذا بلغ النصاب وجب الحق ولا يجب فيما دونه. والله أعلم.
س10: تكلم بوضوح عما يلي: ما مثال ما تجب الزكاة في عينه إذا فرَّ من الزكاة فتحيل على إسقاطها، إذا قال لم أقصد الفرار من الزكاة فهل يقبل قوله، إذا أتلف جزاء من النصاب لينقُصَ فهل تسقط، اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: مما تجب الزكاة في عينه: الغنم والبقر وخمس وعشرون من الإبل وإن فر من الزكاة فتحيل على إسقاطها فتقص النصاب أو باعه أو أبدله لم تسقط بإخراج النصاب أو بعضه عن ملكه ويزكي من جني النصاب المبيع ونحوه لذلك الحول، وإن قال لم أقصد الفرار من الزكاة؛ فإن دلت قرينة على الفرار عمل بها ورد قوله، وإلا قبل قوله ولا يستخلف، وكذلك لو أتلف جزءًا من النصاب لينقص فتسقط الزكاة فلا تسقط وتؤخذ منه في آخر الحول، قال الله تعالى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ الآية فعاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة؛ ولأنه قصد به إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم تسقط كالمطلق في مرض الموت؛ ولأنه لما قصد قصدًا فاسدًا اقتضت الحكمة عقوبته بنقيض قصده كمن قتل مورثه، واشترط بعضهم أن يكون ذلك عند قرب وجوبها؛ لأنه مظنة قصد الفرار ما لو كان في أول الحول وأوسطه؛ لأنها بعيدة أو منفية، وقال أبو حنيفة والشافعي: تسقط لأنه نقص قبل تمام الحول، والقول الأول ندي أنه أرجح. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س11: تكلم بوضوح عن زكاة الدين الذي على ملئ والذي على غير ملئ والمجحود والمغصوب والضال، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف أو تقسيم مع الترجيح لما ترى أنه الأرجح؟
ج: الدين ينقسم إلى قسمين: أحدهما: دين على معترف به باذل فعلى صاحبه زكاته إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيزكيه لما مضى يُروى ذلك عن علي ، وبهذا قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي، وقال عثمان ابن عفان وابن عمر وجابر وطاووس والنخعي وجابر بن زيد والحسن والزهري وقتادة والشافعي وإسحاق وأبو عبيد: عليه إخراج زكاته في الحال وإن لم يقبضه؛ لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه أشبه الوديعة، وروي عن عائشة وابن عمر: ليس في الدين زكاة، وهو قول عكرمة؛ لأنه غير تام فلم تجب زكاته كعرض القنية، وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء وأبي الزناد يزكيه إذا قبضه لسنة واحد. القسم الثاني: الدين على المماطل والمُعسِر والمجحود الذي لا بينة به والمغصوب والضال حكمه حكم الدين على المعسر وفي ذلك كله روايتان: إحداهما: لا تجب فيه الزكاة وهو قول قتادة وإسحاق وأبي ثور وأهل العراق؛ لأنه ممنوع منه غير قادر على الانتفاع به أشبه الدين على المكاتب. قال في «الاختيارات الفقهية» (ص98): لا تجب في دين مؤجل أو على معسر أو مماطل أو جاحد ومغصوب ومسروق وضال وما دفنه ونسبه أو جهل عند من هو ولو حصل في يده، وهو رواية عن أحمد اختارها وصححها طائفة من أصحابه، وهو قول أبي حنيفة. انتهى. والقول الثاني: يزكيه إذا قبضه لما مضى وهو قول الثوري وأبي عبيد لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في الدين المضنون إن كان صادقًا فليزكه إذا قبضه لما مضى، وعن ابن عباس نحوه رواهما أبو عبيد؛ ولأنه مال يجوز التصرف فيه أشبه الدين على الملئ ولأن ملكه فيه تام أشبه ما لو نسى عند من أودعه، وللشافعي فيه قولان كالروايتين، وعن عمر بن عبدالعزيز والحسن والليث والأوزاعي ومالك يزكيه إذا قبضه لعام واحد؛ لأنه كان في ابتداء الحول في يده ثم حصل بعد ذلك فوجب أن لا نسقط الزكاة عن حول واحد، وعندي أن القول الأول أقوى دليلاً من الثاني؛ لأن الله شرع الزكاة في الأموال النامية المقدور عليها وهذه الأموال لا يقدر عليها أصحابها وأيضًا في إيجابها على الغريم في هذه الحال ما يوجب التضييق على المعسر المأمور بأنظاره وأيضًا هذه ليست من الأموال النامية. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س12: هل تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون؟
ج: نعم تجب الزكاة في مالهما لعموم حديث معاذ لما بعثه  إلى اليمن؛ ولقوله : «ابتغوا في أموال اليتامى كيلا تأكله الصدقة» رواه الترمذي والدارقطني وإسناده ضعيف، وله شاهد مرسل عند الشافعي.
س13: هل تجب الزكاة في المرهون والموقوف والموصى به؟
ج: تجب في المرهون كغيره ويخرجها راهن منه بلا إذن مرتهن إن تعذر غيره ويأخذ مرتهن من راهن عوض زكاة أن أيسر وتجب الزكاة في السائمة وغلة أرض وشجر موقوفة على معين ويخرج من غير السائمة؛ فإن كانوا جماعة وبلغ نصيب كل واحد من غلته نصابًا وجبت وإلا فلا، ولا زكاة في موقوف على غير معين، كعلى الفقراء أو موقوف على مسجد أو مدرسة أو رباط ونحوه لعدم تعيين المالك، ولا تجب في مال معين نذر أن يتصدق به ولم يقل إذا حال الحول فلا زكاة على ربه لزوال ملكه عنه أو نقصه ولا زكاة في نقد موصى به في وجوه بر أو موصى في أن يشتري به وقف والربح كالأصل؛ لأنه نماؤه.
س14: هل تجب الزكاة في حصة المضارب، وتكلم عن المبيع المتعين أو الموصوف؟
ج: قيل: إن حصة المضارب لا تجب فيها لعدم استقرارها؛ لأنه وقاية لرأس المال فملكه ناقص. والثاني: الوجوب وينعقد حوله بظهور الربح؛ لأنه ملكه فيجب كسائر أملاكه وهذا إذا بلغت نصابًا لدخوله في عمومات النصوص وأيضًا فالزكاة شرعت في الأموال النامية وحصة المضاربة نامية، وهذا القول أرجح عندي. والله أعلم. ويزكي مشتر مبيعًا متعينًا كنصاب سائمة معين أو موصوف من قطيع معين أو مبيعًا متميزًا كهذه الأربعين شاة ولو لم يقبضه حتى انفسخ البيع بعد الحول وما عداهما بائع.
س15: هل الدين مانع من وجوب الزكاة؟
ج: أما ما كان بعد وجوب الزكاة فهذا لا يمنعها؛ لأن الزكة وجبت وصار أهل الزكاة كالشركاء لصاحب المال وإن كان موجودًا قبل وجوب الزكاة منع في الأموال الباطنة وهي الأثمان وعروض التجارة؛ وأما الأموال الظاهرة وهي الحبوب والثمار والمواشي فلا يمنع فيها؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- كان يبعث سعَاته فيأخذون الزكاة فما وجدوا من المال الظاهر من غير سؤال عن دين صاحبه بخلاف الباطنة وكذلك الخلفاء بعده –رضوان الله عليهم أجمعين-، ولم يأت عنهم أنهم طالبوا أحدًا بصدقة الصامت ولا استكرهوه عليها إلا أن يأتي بها طوعًا؛ ولأن السعاة يأخذون زكاة ما يجدون ولا يسألون عما على صاحبها من الدين فدل على أنه لا يمنع زكاتها؛ ولأن تعلق أطماع الفقراء بها أكثر والحاجة إلى حفظها أوفر فتكون الزكاة فيها آكد. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س16: بين أحكام ما يلي: المال المودع، القادر المودِعُ على أخذه هل تجب فيه الزكاة، وما زاد على النصاب هل تجب فيه الزكاة؟ من له مال غائب مع عبده أو وكيله، وما هو الوقص؟
ج: تجب في المال المودع بشرطه كغيره وليس للمودَع إخراجها بغير إذن مالكها؛ لأنه افتيات عليه وتجب في مال غائب مع عبده أو وكيله
ولو أسر ربُ المال أو حُبس ومنع من التصرف في ماله لم تسقط زكاته لعدم زوال ملكه وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب لعموم ما يأتي في مواضعه إلا في السائمة فلا زكاة في وقصها لما روى أبو عبيدة في «غريبه» مرفوعًا ليس في الأوقاص صدقة، وقال الوقص: ما بين الفرضين، وفي حديث معاذ أنه قيل له: «أُمِرتَ في الأوقاص بشيء» قال: لا، وسأل سائل النبي  فسأله، فال: «لا» رواه الدارقطني.
س17: تكلم عن أرش جناية العبد هل يمع الزكاة، وعن من له عرض قنية يباع لو أفلس وعليه دين وعنده مال؟
ج: يمنع أرش جناية عبد التجارة زكاة قيمته؛ لأنه وجب جبرًا لا مواساة بخلاف الزكاة ومن له عرض قنية يباع لو أفلس بأن كان قيمته فاضلاً عن حاجته الأصلية يفي العرض بدينه الذي عيه ومعه مال زكوي جعل الدين في مقابلة ما معه من مال زكوي ولا يزكيه لئلا تختل المواساة، وكذا من بيده ألف وله على ملئ دين ألف وعليه ألف دين فيجعل الدين في مقابلة ما بيده فلا يزكيه ويزكي الدين إذا قبضه.
س18: متى يبدأ الحول في الصداق وعوض الخلع والأجرة؟
ج: يبتدئ الحول بصداق وأجرة وعوض خلع معينين ولو قبل قبضها من عقد لثبوت الملك في ذلك بمجرد عقد فينفذ فيه تصرف من وجب له ويستقبل بمبهم من ذلك من حين تعيين لا عقد لأنه لا يصح تصرفه فيه قبل قبضه ولا يدخل في الضمان إلا به فلو أصدقها أو خالعته على أحد هذين النصابين أو على نصاب من ذهب أو فضة أو ماشية في رجب مثلاً ولم يعين إلا في المحرم فهو ابتداء حوله، وقال الشيخ تقي الدين
لما سُئل عن صداق المرأة على زوجها تمر عليه السنون المتوالية لا يمكنها مطالبته به لئلا يقع بينهما فرقة: قيل: تجب تزكية السنين الماضية سواء كان الزوج موسرًا أو معسرًا، وقيل: يجب مع يسار، وتمكنها
من قبضه، وقيل: تجب لسنة واحدة، وقيل: لا تجب بحال، وأضعف الأقوال من يوجبها للسنين الماضية حتى مع العجز عن قبضه؛ فإن هذا القول باطل وأقرب الأقوال من لا يوجب فيه شيئًا بحال حتى يحول عليه الحول أو يوجب فيه زكاة واحدة عند القبض فهذا القول له وجه، وهذا وجه. والله أعلم. (25/47، 48) من «مجموع الفتاوى» ملخصًا.
س19: إذا زكت المرأة صداقها كله بعد الحول، وهو في ملكها ثم تنصف الصداق بطلاق الزوج لها أو خلعه ونحوه قبل الدخول فما الحكم؟ وبين متى تجب الزكاة؟
ج: يرجع الزوج فيما بقي من الصداق بكل حقه؛ لقوله تعالى: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فلو أصدقها ثمانين فحال الحول وزكتها أو لا رَجَع بأربعين وتستقر الزكاة عليها ولا تجزئها زكاتها من الصداق بعد طلاقها قبل الدخول ولو حال الحول؛ لأنه مال مشترك فلا يجوز لأحدهما التصرف فيه قبل القسمة، وتقدم حكم الدين على الملئ وغيره، وإذا تم الحول وجبت الزكاة إلا ما لا يشترط له تمام الحول وتقدم حديث عائشة لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.
س20: هل الزكاة تجبُ بعين المال أم في الذمة وضح ذلك، وتعرض للخلاف والدليل والتعليل والترجيح لما تراه؟
ج: قيل: تجب الزكاة بعين المال الذي تجزئ زكاته منه؛ لقوله : «في أربعين شاة شاة»، وقوله : «فيما سقت السماء العشر» وغير ذلك من الألفاظ الواردة بحرف «في» المقتضية للظرفية، ففي نصاب فقط لم يزكي لحولين أو أكثر زكاة واحدة للحول الأول إلا ما زكاته الغنم من الإبل فعليه لكل حول زكاة لتعلق الزكاة بذمته لا بالمال؛ لأنه لا يخرج منه وما زاد على النصاب مما زكاته في عينه ينقص من زكاته كل حول مضى بقدر نقصه بها؛ لأنها تتعلق بعين المال فينقص بقدرها. والقول الثاني: أنها تجب في الذمة؛ لأن إخراجها
من غير النصاب جائز فلم تكن واجبة فيه كزكاة الفطر؛ ولأنها لو وجَبَت فيه لامتنع المالك من التصرف فيه ولتمكن المستحق من إلزامه أداه الزكاة من عينه أو ظهر شيء من أحكام ثبوته فيه وأسقطت الزكاة بتلف النصاب من غير تفريط كسقوط الجناية بتلف الجاني وفائدة الخلاف فيما إذا كان له نصاب فحال عليه حولان لم يؤد زكاتها وجب عليه أداؤه لما مضى ولا تنقص عنه الزكاة في الحول الثاني، وكذلك إن كان أكثر من نصاب لم تنقص الزكاة وإن مضى عليه أحوال، فلو كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها وَجَب عليه ثلاث شياه وإن كانت مائة دينار فعليه سبعة دنانير ونصف؛ لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم يؤثر في تنقيص النصاب؛ لكن إن لم يكن له مال آخر يؤدي الزكاة منه احتمل أن تسقط في قدرها؛ لأن الدين يمنع وجوب الزكاة، وقيل: تجب بالذمة وتتعلق بالنصاب اختاره الشيخ تقي الدين، والقول الأول عندي أنه أرجح لما أراه من قوة الدليل. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س21: تكلم بوضوح عن تعلق الزكاة بما تجب فيه، ولمن النماء بعد وجوب الزكاة، وهل للمالك إخراجها من غير النصاب؟
ج: تعلق الزكاة بما تجب فيه لتعلق أرش جناية برقبة جان لا كمتعلق دين برهن أو تعلق دين بمال محجور عليه لفلس ولا كتعلق شركة بمال مشترك فللمالك إخراجها من غير النصاب كما أن لسيد الجاني فداءه بغير ثمنه والنماء بعد وجوبها للمالك كولد الجاني لا يتعلق به أرش الجنابة فكذا نماء النصاب ونتاجهُ لا تتعلق به الزكاة فلا تكون فيه للفقراء شركاء.
س22: إذا أتلف النصاب مالكه فما الحكم؟ وهل للمالك التصرف فيما وجبت فيه الزكاة؟ وهل يرجع البائع بعد لزوم بيع في قدرها؟
ج: إذا أتلف النصاب مالكه لزمه ما وَجبَ فيه من الزكاة لا قيمته كما لو قتل الجاني مالكه لم يلزمه سوى ما وجب بالجناية بخلاف الراهن وللمالك التصرف فيما وجبت فيه الزكاة ببيع أو غير كهبة وإصداق كما أن له ذلك في الجاني بخلاف راهن ومحجور عليه وشريك ولا يرجع بائع بما تعلقت الزكاة بعينه بعد لزوم بيعه في قدرها ويخرج الزكاة البائع؛ فإن تعذر على البائع إخراج زكاة من غير المبيع فسخ في قدر الزكاة لسبق وجوبها ومحل ذلك إن صدقة مشتر على وجوب الزكاة قبل البيع وعجز عن إخراجها من غيره أو ثبت ذلك ببينة وإلا لم يقبل قول البائع عليه ولمشتر الخيار إذا رجع البائع في قدر الزكاة بشرطه لتفريق الصفقة في حقهِ.
س23: هل إمكان الأداء معتبر في وجوب الزكاة؟ وهل تسقط بتلف المال؟ وضح ذلك وتعرض لذكر الخلاف والدليل والتعليل والترجيح؟
ج: تجب الزكاة بحلول الحول سواء تمكن من الأداء أو لم يتمكن: لقول النبي : «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» فمفهومه وجوبها عليه إذا حال الحول؛ ولأنه لو لم يتمكن من الأداء حتى حال عليه حولان وجبت عليه زكاة الحولين ولا يجوز وجوب فرضين في نصاب واحد في حال واحدة؛ ولأنها عبادة فلا يشترط لوجوبها إمكان الأداء كسائر العبادات؛ فإن الصوم يجب على المريض والحائض والعاجز عن أدائه؛ لكن لو كان المال غائبًا عن البلد أو مغصوبًا أو ضالاً ونحوه لا يقدر على الإخراج منه لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن من الأداء منه فإمكان الأداء شرط لوجوب الإخراج لا لوجوب الزكاة؛ وأما إذا تلف المال، فقيل: لا تسقط بتلفه؛ لأنها عين تلزمه مؤنة تسليمها إلى مستحقها فضمنها بتلفها بيد كعارية وغصب وكدين الآدمي فلا يعتبر بقاء المال إلا الزرع والثمر إذا تلف بجائحة قبل حصاد وجذاذ أو بعدهما قبل وضع في جرين ونحوه؛ لعدم استقرارها قبل ذلك. والقول الثاني: تسقط الزكاة بتلف النِّصاب على كل حال إلا أن يكون الإمام قد طالبه بها فمنعه؛ لأنه تلف قبل محل الاستحقاق فسقطت الزكاة كما لو تلف قبل الجذاذ؛ ولأنه تعلق بالعين فسقط بتلفها كأرش الجناية في العبد الجاني والأول هو المشهور عن
أحمد –رحمه الله-، والثاني قول أبي حنيفة –رحمه الله- واختار الشيخ تقي الدين أنها تسقط إذا لم يفرط، انتهى. قال العلماء –رحمهم الله-: لأنها تجب على سبيل المواساة فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه؛ ولأنها حق يتعلق العين فيسقط بتلفها من غير تفريط كالوديعة، وما اختاره الشيخ تقي الدين هو الراجح عندي. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س24: بين الحكم فيمن مات وعليه دين وزكاة، وإذا كان أضحية ودين فهل يجوز بيعها فيه، وإذا كان نذر بمعين وزكاة فما الحكم؟
ج: ديون الله تعالى من الزكاة، والكفارة، والنذر غير المعين، ودين، وحج سواء؛ لعموم قوله : «دين الله أحق بالقضاء» فإذا مات من عليه منها زكاة بعد وجوبها لم تسقط؛ لأنها حق واجب تصح الوصية به فلم تسقط بالموت كدين الآدمي وأخذت من تركته؛ لقوله : «دين الله أحق بالقضاء» ويخرجها وارث لقيامه مقام مورثه؛ فإن كان الوارث صغيرًا فوليه يخرجها لقيامه مقامه، ثم الحاكم وسواء وصى به أولاً كالعشر؛ فإن كان معها دين آدمي بلا رهن وضاق ماله اقتسموا التركة الحصص كديون الآدميين إذا ضاق عنها المال إلا إذا كان بدين الآدمي رهن فيقدم الآدمي بدينه من الرهن؛ فإن فضل شيء صرف في الزكاة ونحوها، وتقدم أضحية معينة على الدين فلا يجوز بيعها فيه سواء كان له وفاء أو لم يكن؛ لأنه تعين ذبحها ويقدم نذر بمعين على الزكاة وعلى الدين، وكذا لو أفلس حي وله أضحية معينة، أو نذر معين فيخرج، ثم دين رهن، ثم يتحاصان بقية ديونه. والله أعلم.
من النظم مما يتعلق بباب الزكاة
وَخُذْ عِلْمَ أحْكَامِ الزَّكَاة نظِيرةِالصّـ
ـَلاةِ بآياتِ الكتابِ المُمَجَّدِ
وَحَسبُكَ في تفْضِيلهِ نفعُ غيرهِ
بقَهر هَوَى وسْواسِهِ لم يُرَدّدِ
وفِرْقةُ ما يَهوَى امتثالاً بِبَذلِهَا
يَفُك الفتَى سَبْعينَ لَحيٍ مفَنَّدِ
لِسِتَةِ أصنافِ مِنَ المال فرضها
مسامَةِ أنعامٍ وأثمانِ نُقَّدِ
ومَا أخرَجت أرضٌ مَكيلٌ وَمَعْدِنُ
وَعرضٌ وشَهْدٌ من جنى النحل مُوجَدِ
على كلَّ حرٍ مُسْلم تَمّ ملْكهُ
نِصابًا كَمِيلاً حَولا أكمِله وافصُدِ
وقولان في المُرثَدّ في حَالَ رِدَّةٍ
وعن مَالِ قِنِّ والمدَبَّر أبعِدِ
وإن قيلَ لم يمْلِكْ بتَمْليكهِ فخذْ
زكاةَ الذِي يَحْويهِ من مَال سيِّدِ
ومَن بعضهُ حُرٌّ يُزكى نصِيَبهُ
وَمُسْلِمُ دارِ الحرْبِ يَقضي مَتى هدِ
ونقصٌ يَسيرٌ مِن نِصَابِ كمُهْدِر
وفي غير ما سِيمَ اقبضنْ عَن مزَيِّدِ
وَلا شيءَ في مال المكاتَبْ ومَن يَصِرْ
لِعَجْزٍ وعِتْقٍ مُلْكَهُ الحَوْلُ يَبْتَدِي
وَوَجْهان في مال المُضَارَبِ شَائِعًا
وسَائمةٍ مَوقُوفَةٍ لِمُعَدَّدِ
وشرْطُ مُضِيِّ الحول في النقد كُلِّهِ
وَعَرْضُ تِجَارَاتِ ومَاشِيَةٍ قَدِ
وعَن أحمد أوجب زكاةً بأجرة
العقار بنفس العقد لا تتعددِ
ويتبع في الحول النصَابَ نتاجُه
وكَسْبٌ وما بالجنس يُشْرى بأوطدِ
وعرض بنقد أو بعكس وفضة
بعين فحول المشتري حول ما ابتدى
وحول نصاب إليهم من حين ملكه
وعنه متى جذاذ زكاتك فابتدِي
ومن حين تكميل النصاب ابتدى
الحول لا ملك الأصول بأوكد
وبالحول أفرد ما استفدت بغير ما
ذكرتُ ولو من جنس مالك تهتدي
ونقصان دونَ اليوم غير مؤثر
ويقطعه نقص النصاب بأزيدِ
وبَيْعٌ بغير الجنس غير الذي مضى
بلا حيلة الإسقاط قُربَ التأطدَ
ويقطع موتُ المالك الحول بَتةً
ولا يَبْنِ وُرَّاثٌ على حول مُلْحَدِ
وما شرطُ إمكان الأدا لِوجُوبها
على أشهر القولين من نصِ أحمدِ
وبعدَ كمالِ الحول لا تسقطنَّها
بهُلكِ نِصابِ مطلقًا في المؤكد
وعنه بلى إن لم يفرط كآفةِ السَّماء
أتْلَفَتْ ذا العُشر من قبل محْصَد
وفي عين مال أو جبن لا بذمةٍ
فترك نصاب مرة لا تزيَّد
إذا مرَّ أحْوَالٌ ولم يُعط فرضه
وفي الذمةِ إن عَلَّقْتَ كَرِّرْ بأوطد
وفوقَ نصاب كَرِّرَنْ فرض كلِّه
وبالعَين نقِّصْ قدرَ فرض مُعَدَّد
ويملك ربُّ المالِ بَيْعَ جمِيعهِ
وإخراجهَا من غيره لم يصَدَّدِ
وخذها إذا ما مات من أصل ماله
وحاصِصْ بها باقي الديون بأوطد
وقيلَ إذا عَلَّفْت بالعين قُدِّمَت
على كلَّ دين كان في ذمَّة قد
وإن عُدِمَ المال الذي فيه علقت
فحاصِص بها لا غير لا تتزيَّد
2- باب زكاة بهيمة الأنعام
س25: ما هي أنواع بهيمة الأنعام، وما الذي يشترط لوجوب الزكاة فيها، ولِم بَدَأ ببهيمة الأنعام قبل غيرها؟
ج: أما البداءة بها فاقتداء بكتاب الصديق الذي كتبه لأنس - رضي الله عنهما - أخرجه البخاري بطوله مفرقًا ويشترط لوجوبها في بهيمة الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم ثلاثة شروط: الأول: أن تتخذ للدر والنسل والتسمين، والثاني: أن تسوم أي ترعى المباح أكثر الحول، يُقال: سَامت تسوم سَوْمًا إذا رعت وأسمْتُها إذا رعيتها، ومنه قوله تعالى: فِيهِ تُسِيمُونَ؛ لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله  يقول: «في كل سائمة في كل أربعين ابنة ليون» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وفي حديث الصديق مرفوعًا: «وفي الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة واحدة»، فليس فيها شيء إلا أن يشاربها فقيد بالسوم فلا تجب في معلوفة ولا إذا اشترى لها ما تأكله أو جمع لها من المباح ما تأكله ولا تشترط نية السوم فتجب في سائمة بنفسها كما يجب العشر في زرع حَملَ السيل بذره إلى أرض فنبت فيها أو سائمة بفعل غاصبها فتجب فيها الزكاة غصب حبه فزرعه فنبت ففيه العُشر على مالكه ولا تجب في العوامل أكثر السُّنة ولو لإجارةِ ولو كانت سائمة نصًا كالإبل التي تكري وكذا البقر التي تتخذ للحرث والطحن ونحوه؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، عن النبي : «ليس في العوامل صدقة» رواه أبو داود، وجاء عن جماعة من الصحابة ولا مخالف لهم وهو قول أهل الحديث وفقهاء الأمصار؛ فإن المراد بها إذًا الانتفاع بظهرها لا الدر والنسل والنماء أشبهت البغال والحمير. والله أعلم.
س26: كم أقل نصاب الإبل، وما الواجب فيه؟
ج: أقل نصاب الإبل خمس وفيها شاة ثم في كل خمس شاة إلى خمس وعشرين فتجب بنت مخاض، وهي ما تم له سنة إجماعًا في ذلك كله، وفي ست وثلاثين بنت ليون لها سنتان، وفي ست وأربعين حقة لها ثلاث سنين، وفي إحدى وستين جذعة لها أربع سنين، وفي ست وسبعين بنتًا ليون، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين هذا كله مجمع عليه قاله في الشرح، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات ليون إلى مائة وثلاثين ثم تستقر الفريضة في كل أربعين بنت ليون وفي كل خمسين حقة.
س27: ما الدليل على ذلك؟
ج: حديث أنس أن أبا بكر الصديق  كتب له حين وجهه إلى البحرين: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله  على المسلمين التي أمر بها رسوله، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سُئل فوق فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل فما دونها، ومن الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى؛ فإذا بلغت ستًا وأربعين ففيها حقه طروقة الفحل؛ فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة؛ فإذا بلغت سِتًا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون؛ فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل؛ فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة» رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبخاري وقطعه في مواضع.
س28: تكلم بوضوح عن صفة الشاة زكاة ما دون الخمس والعشرين من الإبل، وهل يجزي عن خمس من الإبل إخراج بعير أو بقرة أو نصفا شاتين. ومثل لما لا يتضح إلا بالتمثيل، وعلل لما يحتاجُ إلى تعليل؟
ج: يجب إخراج شاة غير معيبة بصفة الإبل جودةً ورداءةً، ففي إبل كرام سمان شاة كريمةً سمينةً، وفي الإبل المعيبة شاة صحيحة تنقص قيمتها بقدر نقص الإبل كشاة الغنم، فمثلاً لو كانت الإبل مراضًا وقومت لو كانت صحاحًا بمائة وكانت الشاة فيها قيمتها خمسة ثم قومت مراضًا بثمانين كان نقصها بسبب المرض عشرين وذلك خمس قيمتها لو كانت صحاحًا فتجب فيها شاة قيمتها أربعًا بقدر نقص الإبل وهو الخمس من قيمة الشاة ولا يجزي عن خمس من الإبل بعير ذكر أو أنثى ولا يجزي إخراج بقرة ولو أكثر قيمة من الشاة؛ لأنها غَير المنصوص عليه من غير جنسه ولا يجزي إخراج نِصفا شاتين؛ لأنه تشقيص على الفقراء يلزم منه سوء الشركة.
س29: تكلم عن أحكام ما يلي موضحًا من وجبت عليه بنتُ مخاض وكانت عنده وهي أعلى من الواجب عليه، إذا كانت بنت المخاض معيبة أو ليست في ماله.
ج: إذا كانت عنده وهي أعلى من الواجب عليه فيخير مالكها بين إخراجها عنه وشراء بنت مخاض بصفة الواجب، وإذا كانت بنت المخاض معيبة أو ليْسَت في ماله أجزأه ذكر أو خنثى ولد لبون لعموم قوله في حديث أنس: «فإن لم يكن فيها بنت مخاض ففيها ابن لبون ذكر» رواه أبو داود، ويجزي أيضًا مكانها حق وهو ما تم له ثلاث سنين أو جذع وهو ما نم له أربع سنين أو ثِنيُّ وهو ما تم له خمس سنين وأولى بلا جبران في الكل لظاهر الخبر ولا يجبر نَقْص الذكورية بزيادة في غير هذا الموضع فلا يجزي حق عن بنت لبُوْن ولا جذع عن حقة ولا ثني عن جذعة مطلقًا لظاهر الحديث؛ ولأنه لا نص فيه ولا يصح قياسه على ابن اللبون مكان بنت المخاض؛ لأن زيادة سنة عليها ممتنع بها عن صغار السباع ويرعى الشجر بنفسه ويرد الماء بنفسه ولا يوجد هذا في الحق مع بنت الليون؛ لأنهما يشتركان فيه.
س30: إذا بلغت الإبل عَدَدًا يتفق ليه الفرضان كمائتين أو أربع مائة فما حكم ذلك؟ وما هو الجبران؟
ج: إذا بلغت ذلك خُيِّرَ مُخرجٌ بين حقاق وبين بنات لبون، ففي المائتين إن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء أخرج خمس بنات لبون لوجود المقتضي لأحد الفرضين إلا أن يكون النصاب بنات لبون أو حقاق فيخرج منه ولا يكلف غيره أو يكون مال يتيم أو مجنون فيتعين إخراج أدون مجزئ، وكذا الحكم في أربعمائة فيخير بين إخراج ثمان حقاق أو عشر بنات لبون، ويصح كون الشطر من أحد النوعين والشطر الآخر من النوع الآخر في إخراج عن نحو أربعمائة بأن يخرج عنها أربع حقاق وخمس بنات لبون ولا يجزي عن مائتين حقتان وبنتا لبون ونصف للتشقيص وإن كان أحد الفرضين كاملاً والفرض الآخر ناقصًا لابد له من جبران مثل أن يجد في المائتين خمس بنات لبون وثلاث حقاق فيَستعينُ الفرض الكامل، وهو بنات اللبون؛ لأن الجيران بدل فلا يجوز مع المبدل كالمتيمم مع القدرة على استعمال الماء، والجبران: شاتان أو عشرون درهمًا.
س31: ماذا يعمل من وجبت عليه الزكاة وعدم النوعين أو أحدهما أو عيبهما أو عدم كل سن وجب أو عيب كل سن وجب، وهل للجبران دخل في غير الإبل، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: مع عدم النوعين أو عيبهما أو عدم كل سن وَجَبَ أو عيب كل ذات سن مقدر وجب في إبل له العدول إلى ما يليه من أسفل ويخرج جبرانًا أو إلى ما يليه من فوق ويأخذ جبرانًا لحديث الصديق في الصدقات، قال: ومن بلغت عنده الإبل صدقة الجذعة وليس عنده وعنده حقة فإنه تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أن استيسرنا وعشرين درهمًا، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده الجذعة؛ فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين إلى آخره؛ فإن عدم ما يليه انتقل إلى ما بعده؛ فإن عدمه
أيضًا انتقل إلى ثالث من فوق أو أسفل ولا يزاد على ذلك ويعتبر كون ما عدل إليه المالك في ملكه؛ لأن جواز العدول إلى الجبران تسهيل على المالك؛ فإن عدمهما تعين الأصل الواجب فيحصله ويخرجُه ولا مَدْخَلَ لجُبْرانٍ في غير إبل؛ لأن النص إنما ورد فيها وغيرها ليس في معناها فامتنع القياس.
من النظم مما يتعلق بزكاة النَّعَم
وسَومُكَ للأنعامِ شرطُ وجُوبها
ففي الخمسِ والعشرينَ بنتُ مخاضِها
وما دونهَا فالشَاة في كل خمسِها
وبَذْلُ بَعِير موضعَ الشاة لا تجزْ
وفي الستِ نِيْطتْ بالثلاثين بَعدها
عن الست ثم الأربعين وجذعة
ولا تكُ من سِتٍ وَسبعينَ باخِلاً
وخُذْ حِقَّتَى إحدَى وتِسْعينَ مخْرِجًا
وفي مَائةٍ مَع خُمْسِها ثُمَّ وَاحِدٌ
فإنْ زَادَا عَن هذا عِدَادُ أباعِر
وعن أربَعينها جُدْ ببنْت لبونها
وبنتُ لبون خُذْ لفُقْدان حِقَةِ
كذلك فابذلْ عندَ أخذكَ حقةً
ووجهَان في شاةِ وعَشُر دَرَاهِمِ
ولا ترْضَ عَنْ بنت المخاضِ بدُونها
وضاعِف جُبرانًا لفَقدِ التي تَلِيْ
وبنتُ مخاضٍ سنُّهَا سَنَةً وَزِدْ
وفي كلِّ سِنِّ حولاً ازْدَدْ بمبْعَدٍ
برعْيكهَها في أكثَرَ الحوْل قيِّدِ
فإنْ فُقِدَتْ بابن اللبُون لهَا جُدِ
وبالنُّصْبِ عَلِّقْ فَرْضَها لا المُزيَّد
وقيلَ بَلَى للنفْعِ مِثْلَ المَجَرَّدِ
ببنتِ لبَونٍ جُدْ وبالحقَّةِ ارْفِدِ
من النوق عن إحدى وستين زَوِّدِ
بِبِنْتَيْ لَبُونٍ فاحذُ قَولِى وقلِدِ
طَروقَتَي الفَحْلِ الأبيِ المُزَغَّد
ثلاثُ بُنَيَّات اللبُونِ بأوْكَدِ
فَخُذْ حقَّةً عَنْ كل خْمسِينَ ترشدِ
وفي مأتيهَا جَوِّزنْ ذا وَجَوِّدِ
وشاتين أو عشرين درهمًا ازْدِد
مَتَى تلتَمِسْ بنتَ اللبُون فَتَفْقِدِ
ويختار رب المال في ذلكم قد
ولا من جِذاعٍ فوقَهَا بتزيُّد
في الأقوى والنُوقِ اخْصُصْ الجَبْر وافْرِد
مَتَى تَنْتَقلْ حَوْلاً إلى أربَعٍ قَدِ
حكى ابنَ أبي موسَى إلى الخمس فاصْعَدِ
3- فصل في زكاة البقر
س32: ما الأصل في وجوب زكاة البقر وما دليله؟
ج: الأصل في وجوبها الإجماع في البقر الأهلية ودليلهَ حديثُ أبي ذر مرفوعًا: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها، كلما قعدت أخراها عادت إليه أولاها حتى يقضي بين الناس» متفق عليه، وحديث معاذ، قال: بعثني رسول الله  أصدق أهل اليمن... الحديث، ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
س33: ما أول نصاب البقر وما فرضه؟ وما دليله؟ ووضح ما يحتاج إلى توضيح.
ج: أقل نصاب البقرة ثلاثون، وفيها تبيع أو تبيعة لكل منهما سنة قد حاذى قرنه أذنه غالبًا وهو جذع البقر ويجزي مسن عنه، وفي أربعين مسنة وهي ثنية البقر ألقت سِنًّا غالبًا لها سنتان ويجزي إخراج أنثى أعلى منها بَدَلها ولا يجزي إخراج مُسِن عنها، وفي الستين تبيعان ثم في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة لحديث معاذ بن جبل، قال: «بعثني رسول الله  إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة» رواه الخمسة وحسنه الترمذي.
وقال ابن عبدالبر: هو حديث متصل ثابت وروى يَحْيى بن الحكم أن معاذًا قال: «بعثني النبي  أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا ومن أربعين مسنة»، فعرضوا علي أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين، وما بين الستين والسبعين، وما بين الثمانين والتسعين،
فأبيت ذلك، وقلت لهم: حتى أسأل رسول الله  عن ذلك، فقدمت فأخبرته، فأخبرني: «أن آخذ من كل ثلاثين تبيعًا، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعًا، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين، ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعًا، ومن العشرين ومائة ثلاث مُسِنَّات أو أربعة أتباع»، قال: «وأمرني رسول الله  أن لا أخذ فيما بين ذلك سنًا إلا أن يبلغ مسنة أو جذعًا، وزعم أن الأوقاص لا فريضة لهم» رواه أحمد في مسنده.
س34: إذا بلغت البقر ما يتفق فيه الفرضان فما الحكم؟ وما المواضع التي يجزي فيها إخراج الذكر؟
ج: إذا بلغت ما يتفق فيه الفرضان كمائة وعشرين فكإبل؛ فإن شاء أخرج أربعة أتبعة أو ثلاث مسنات للخبر المتقدم ولا يجزئ ذَكَرٌ في زكاة إلا هنا وهو التبيع لورود النصّ فيه ويجزي المسن عنه؛ لأنه خير منه وإلا ابنُ لبُون وحق وجذع عندَ عدم بنت مخاض، وإلا إذا كان النصاب من إبل أو بقر أو غنم كله ذكورًا؛ لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله.
4- فصل في زكاة الغنم
س35: ما أول نصاب الغنم؟ وما فرضه؟ وما دليله؟ ومتى تستقر الفريضة؟
ج: أقل نصاب الغنم أربعون وفيها شاة، وفي إحدى وعشرين ومائة شاتان، وفي واحدة ومائتين ثلاث شياه إلى أربعمائة شاة، ثم تستقر الفريضة واحدة عن كل مائة؛ لحديث ابن عمر في كتابه عليه السلام في الصدقات الذي عمل به أبو بكر بعده حتى توفى، وعمر حتى توفى: «وفي الغنم أربعين شاة إلى عشرين ومائة؛ فإذا زادت شاة ففيها شاتان إلى مائتين؛ فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياة إلى ثلاثمائة؛ فإذا زادت بعد فليس فيها شيء بعد حتى تبلغ أربعمائة؛ فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة» رواه الخمسة إلا النسائي، ففي خمسمائة خمس شياة، وفي ستمائة ست شياة، وهكذا وتستقر الفريضة في الغنم إذا بلغت أربعمائة.
س36: تكلم بوضوح عن ما يلي: أخذ الثني هنا، الجذعِ من الضأن؟
ج: يؤخذ من معز ثني هنا وفيما دون خمس وعشرين من إبل وفي جبران وهو ما تم له سنة، ويؤخذ من ضأن كذلك جذع وهو ما تم له ستة أشهر؛ لحديث سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله  وقال: «أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن والثنية من المعز» ولأنهما يُجْزَيانِ في الأضحية، فكذا هنا ولا يعتبر كونهما من جن سغنمه ولا من جنس غنم البلد؛ فإن وجد الفرض في المال أخذه الساعي وإن كان أعلى خُيِّرَ المالكِ بين دَفعِه وبين تحصيل واجب فيخرجه.
س37: بيّن ما يؤخذ في الزكاة وما لا يؤخذ في هذا الموضع الآتي، وهل يجزي إخراج الفصلان والعجاجيل، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو محترز، ومثل لما لا يتضح إلا بالتمثيل.
ج: لا يؤخذ تيس حيث يجزي ذكر إلا تيس ضراب لخيره برضا ربه ولا يؤخَذ في زكاة هرمةٌ كبيرةٌ طاعنةٌ في السن ولا معيبة ولا يضحي بها؛ لقوله تعالى: وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ إلا أن يكو الكل كذلك هو مات أو معيبات فتجزيه منه؛ لأن الزكاة مواساة فلا يكلف إخراجها من غير ماله ولا تؤخذ الربى وهي التي تربي ولدها، قاله أحمد، وقيل: هي التي تربى في البيت لأجل اللبن ولا تؤخذ حامل لقول عمر لا تُؤخذ الربى ولا الماخض ولا تؤخذ طروقة الفحل؛ لأنها تحمل غالبًا ولا تؤخذ كريمة وهي النفيسة لشرفها؛ لما روى بن عباس  أن النبي  بعث معاذًا إلى اليمن، فقال له: «إياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم»، ولا تؤخذ الأكولة؛ لقول عمر، ولا الأكولة ومراده السمينة إلا أن يشاء ربها أي الرُّبَى، والحامل وطروقة الفحل أو الكريمة أو الأكولة، ويؤخذ مريضة من نصاب كله مراض وتكون وسطًا في القيمة؛ لأن الزكاة وجبت مُواساة وتكليفه الصحيحة عن المراض إخلال بها وتؤخذ صغيرة من صغار غنم لقول الصديق: «لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله  لقاتلتهم عليها» فدل على أنهم كانوا يؤدون العناق وبتَصوَّرُ كون النصاب صغارًا بإبدال كبار بها في أثناء الحول أو تلد الأمهات ثم تموت ويحول الحَوْل على الصِّغَار ولا تؤخذ صغيرة من صغار إبل وبقر، فلا يجزي فصلان ولا عجاجيل لفرق الشارع بين فرض خمس وعشرين وست وثلاثين من الإبل بزيادة السن، وكذلك بين ثلاثين وأربعين من البقر فيقوم النصاب من الكبار ويقوم فرضه ثم يقوم الصغار وتؤخذُ عن الصغار كبيرة بالقسط محافظة على الفرض المنصوص عليه بلا إجحاف المالك.
س38: إذا اجتمع صغار وكبار وصحاح ومعيبات وذكور وإناث فكيف العمل؟ هل يجوز أن يخرج عن النصاب من غير نوعه مما ليس في ماله؟
ج: إذا اجتمع في نصاب صغار وكبار إلخ لم يؤخذ إلا أنثى صحيحة كبيرة على قدر المالين الكبار والصغار والمعيبات والذكور والإناث للنهي عن أخذ الصغير والمعيب والكريمة؛ لما روي عن معاوية الغاضري من غاضرة قيس قال: قال رسول الله : «ثلاث من فعلهن طُعِمَ طَعم الإيمان: من عَبَدَ الله وحده وعلم أنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدةً عليه كل عام ولا يعطي الهَرِمَة ولا الدَّرنة ولا المريضة ولا الشَّرِّطَ اللئيمة؛ ولكن من وسط أموالكم؛ فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره» رواه أبو داود ولتحصيل المواساة فلو كانت قيمة المخرج لو كان النصاب كله كبارًا صحاحًا عشرين وقيمته لو كان صغارًا مراضًا عشرة وكان النصاب نصفين أخرج صحيحة كبيرة قيمتُها خمسة عشر، إلا شاة كبيرة مع مائة وعشرين سَخَلة فيخرجها أي الصحيحة ويخرج معيبة لئلا تختل المواساة؛ فإن كان النصاب نوعين والجنس واحد كبخاتي وعراب وكبقر وجواميس وكضأن ومَعز أخذت الفريضة من أحدهما على قدر المالين، وتجب في نصاب كِرَامِ ولئام ونصاب سمان ومهازيل الوَسَط بقدر المالين ومَن أخرَجَ عن النصاب من غير نوعه ما ليس في ماله جاز إن لم تنقص قيمته عن الواجب في النوع الذي في ملكه؛ فإن نقصت لم يجز.
س39: إذا أخرج سنًا أعلى من الفرض فما الحكم؟ وما الدليل؟
ج: إن أخرج سنًا أعلى من الفرض من جنسه أجزأه؛ لحديث أبي بن كعب أن رجلاً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا نبيَّ الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي فزعم أن ما عليّ منه بنت مخاض فعرضت عليه ناقة فتية سمينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذاك الذي وجب عليك؛ فإن تطوعت بخير آ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:07 am

فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه، وقبلناه منك»، فقال: هاهي ذه،
فأمر بقبضها، ودعا له بالبركة» رواه أحمد وأبو داود؛ ولأنه زاد على الواجب من جنسه فأجزأه، كما لو زاد العدد فيجزي بنت لبون عن
بنت مخاض وحقة عن بنت لبون وجذعة عن حقة وثنية عن جذَعة ولو كانت عنده المخرج الواجب؛ لحديث أبي بن كعب وتقدم.
من النظم ما يتعلق بصدقة الغنم
وفي الشاة فاجعل أربعين نصابها
إلى مائةِ نِيطتْ بعشرينَ بَعْدهَا
إلى مائتي شاةٍ فإن زدنْ زكِّهَا
إلى أن توافي أربعًا مِنْ مئَاتِهَا
وعنه إذا زادت بواحدة على
ومن بَعْدِ هذا كل مَا مَلكَ الفتى
وأخْرِج ثنِيَّ المعزِ مُكمْل عَامِهِ
ولا تأخذِ الرُّبى وخَلِّ أكولة
وذَاتَ عَوار دعْ وللتَيسِ فاجتنب
وسَخْلتَهُ أعْدُدْ مَعْ كبار وَرُدها
وإن تَعْدِ مَنْ شاة الجمال أطلبَنَّها
وفيهن شاةٌ حظ جَوْعانَ مُرْمِدِ
فإنْ زِدْنْ لِلعَافي بشاتينِ زود
ثلاثَ شيَاهٍ ثم لا تتزيَّدِ
فأوْجِبْ عَليها أربعًا في المؤكد
ثلاث مِئيهَا أربعًا منة أمْدُدِ
على المائةِ اقبضْ منه شاةً وعَدِّدِ
وكالنصْفِ منه جَذْعُ ضانٍ ليُوْرِدِ
وَزِدْ مَاخِضًا تظفُرْ بترِك التزَيُّدِ
وهرمًا وخُذْ ما بينَ أزْدَى وأجْوَد
وإن تعطِ فَوقَ الفَرْضِ في السِّنِ تحْمَد
وقال أبو بكر بِقِيْمَتِهَا جد
س40: تكلم بوضوح عن إخراج القيمة عن ما وجب في السائمة أو غيرها، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف مع الترجيح.
ج: لا يجزي إخراج قيمة ما وجب في السائمة أو غيرها؛ لما ورد عن معاذ ابن جبل أن رسول الله  بعثه إلى اليمن، فقال: «خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر» رواه أبو داود وابن ماجه، ومقتضاه عدم الأخذ من غيره؛ لأن المراد بالشيء نهي ضده، ولا فرق بين الماشية وغيرها، قيل لأحمد: أعطى دراهم في صدقة الفطر، فقال: لا تجزي خلاف لسُّنة رسول الله ، وقال في «المنتقى» بعد سياق حديث معاذ بن جبل والجبرانات المقدرة في حديث أبي بكر تدل على أن القيمة لا تشرع وإلا كانت تلك الجبرانات عبثًا. قال شارح «المنتقى» لأنها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فتقدير الجبرانات بمقدار معلوم لا يناسب تعلق الوجوب بالقيمة. انتهى.
والقول الثاني: يجوز لقول معاذ: «ائتوني بخميس أو لبيْس آخذه منكم من الصدقة مكان للذرة والشعير؛ فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة»، وروى سعيد بإسناده، قال: لما قدم معاذ اليمن: «قال ائتوني بعرض ثياب آخذ منكم مكان الذرة والشعير؛ فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة».
والقول الثالث: تجزي للحاجة من تعذر الفرض ونحوه واختاره الشيخ تقي الدين، وقيل ولمصلحة أيضًا، واختاره الشيخ تقي الدين أيضًا، قال في «الاختيارات الفقهية» (ص103): ويجوز إخراج القيمة في الزكاة لعدم العدول عن الحاجة والمصلحة مثل أن يبيع ثمرة بستانه أو زرعه فهذا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري ثمرًا أو حنطة؛ فإنه قد سَاوى الفقير، وقد نص أحمد على جواز ذلك، ومثل أن يجب عليه شاة من الإبل وليس عنده شاة؛ فإخراج القيمة كاف ولا يكلف السفر لشراء شاة أو أن يكون المستحقون
طلبوا القيمة لكونها أنفع لهم فهذا جائز، وقال في «مجموع الفتاوى» فإن كان آخذ الزكاة يريد أن يشتري بها كسوة فاشترى رب المال له بها كسوة وأعطاه فقد أحسن إليه. انتهى (ص79، 80)، وهذا القول عندي أنه أرجح؛ لأن المقصود دفع حاجة الفقير ولا يختلف باختلاف صور الأموال بعد اتحاد قدر المالية.
5- فصل في الخلطة
س41: ما هي الخلطة؟ وما الأصل فيها؟ أو ما هي خلطة الأعيان؟ وما هي خلطة الأوصاف؟ وما الحكم؟ وما الدليل على شروط الخلطة؟
ج: الخلطة: بضم الخاء الشركة، والأصل فيها روى البخاري في حديث أنس لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإذا اختلط اثنان فأكثر من أهل الزكاة في نصاب من الماشية حولاً لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعضها فحكمها في الزكاة حكم الواحد وسواء كانت خلطة أعيان بأن تكون مثلها فحكمها في الزكاة حكم واحد وسواء كانت خلطة أعيان بأن تكون مشاعًا بينهما، أو خلطة أوصاف: بأن يكون مال كل واحد متميزًا فخلطاه واشتركا في شروط الخلطة؛ لما روى سعد بن أبي وقاص ، قال: سمعت رسول الله  يقول: «الخليطان ما اجتمعا على الحوض والفحل والراعي» رواه الخلال.
س42: هل الخلطة تفيد تخفيفًا أو تغليظًا وضح ذلك مع ذكر التمثيل؟
ج: الخلطة تارة تفيد تغليظًا كاثنين اختلطا بأربعين شاة لكل واحد عشرون فيلزمهما شاة أنصافًا ومع عدم الخلطة لا يلزمهما شيء وتارة تفيد الخلطة تخفيفًا كثلاثة اختلطوا بمائة وعشرون شاة لكل واحد أربعون فيلزمهم شاة واحدة أو ثلاثًا ومع عدم الخلطة يلزمهم ثلاث شياه كل واحد شاه ولا أثر لخلطة من لا زكاة عليه كذمي ومكاتب ومدين يستغرق دينه ماله.
س43: إذا بطلت الخلطة بفوات أهلية خليط فما الحكم؟ وتكلم مبينًا ما يلي: إذا لم يثبت لخليطين تحكم الانفراد في بعض الحول؟ إذا ثبت حكم الانفراد في بعض الحول لهما؟ وما المثال الذي يوضح المذكور؟
ج: إذا بطلت الخلطة بفوات أهلية خليط ككونه كافرًا بضم من كان أهل الزكاة ماله الخاص به بعضه إلى بعض وزكاه إن بلغ نصابًا وإلا فلا؛ لأن وجود هذه الخلطة كعدمها ومتى لم يثبت لخليطين حكم الانفراد بعضَ الحول بأن ملكا نصابًا معًا بإرث أو شري ونحوه، وتم الحول بلا قسمة زكياه زكاة خلطة، وإن ثبت حكم الانفراد في بعض الحول للخليطين بأن خلطا في أثناء الحول ثمانين شاة لكل منهما أربعون زكيا للحول الأول كمنفردين كل واحد شاة لوجود خلطة وانفراد في الحول فقدم الانفراد؛ لأنه الأصل والجمع بينهما متعذر وفيما بعد الحول الأول زكاة خلطة إن استمرت؛ فإن اتفق حولاهما فعليهما شاة بالسوية لاستوائهما في المال عند تمام حولها وإن اختلف حولاهما فعلى كل منهما نصف شاة عند تمام حوله إلا أن يخرجها الأول من المال فيلزم الثاني ثمانون جزأ من مائة وتسعة وخمسين جزءًا من شاة، ثم كلما تم حول أحدهما لزمه من زكاة الجميع بقدر ماله.
س44: ما مثال ثبوت الحكم لأحد الخليطين؟ وإذا ثبت فما الذي يلزم؟
ج: إن ثبت حكم الانفراد لأحدهما وحده بأن ملكا نصابين فخلطاهما ثم باع أحدهما نصيبه أجنبيًا؛ فإذا تم حول من لم يبع لزمه زكاة انفراد شاة وإذ تم حول المشتري لزمه زكاة خلطة نصف شاة إلا أن يخرج الخليط الأول الشاة من المال فيلزم الثاني أربعون جزءًا من تسعة وسبعين جزءًا من شاة ثم كلما تمَّ حولُ أحدهما لزمه من زكاة الجميع بقدر ملكه فيه ويثبت أيضًا حكم الانفراد لأحدهما بخلط من له دون نصاب بنصاب لآخر بعض الحول كثلاثين شاة بأربعين فمالك النصاب عليه للحِولِ الأول ورب الثلاثين عليه ثلاثة أسباع شاة إذا تم حول الخلطة؛ لأنه لم يثبت له حكم الانفراد إذ لا ينعقد له حول قبل الخلطة لنقص النصاب.
س45: بين حكم ما إذا ملك إنسان نصابًا شهرًا ثم ملك آخر لا يتغير به الفرض؟ ومثل لذلك؟ ولما إذا كان الثاني يتغير به الفرض؟
ج: مثال الأول وهو ما لا يتغير به الفرض كمن ملك أربعين شاة في المحرم ثم ملك أربعين في صفر فعليه زكاة النصاب الأول فقط إذا تم حوله؛ لأن الجميع ملك واحد فلم يزد الواجب على شاة كما لو اتفقت الحولان وإن تغير الفرض بما ملكه ثانيًا إذا تم حوله كما لو اتفق حولاهما وقدرها بأن ينظر إلى زكاة الجميع وهو مائة وأربعون في المثال فيسقط منها ما وجب في النصاب الأول وهو شاة ويجب الباقي من زكاة الجميع في النصاب الثاني وهو شاة وإن لم يتغير به الفرض ولم يبلغ نصابًا كخمس بقرات ملكها بعد الثلاثين بقرة فلا شيء في الخمس، ومن له ستون كل عشرين منها مختلطة مع عشرين لآخر ببلد واحد أو بلاد متقاربة فعلى الجميع شاة؛ لأن الخلطة صيرته كمال واحد نصف الشاة على صاحب الستين ونصفها على خلطاته على كل خليط سدس بنسبة ماله، وإن كانت الستون كل عشر منها مختلطة مع عشر لآخر فعلى صاحب الستين شاة لملكه نصابًا ولا شيء على خلطاته لعدم ملك واحد منهم نصابًا ولا أثر لخلطة فيما دون النصاب.
س46: بين الحكم فيما إذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة؟
ج: إذا كانت ماشية الرجل متفرقة في بلدين فأكثر لا تقصر بينهما الصلاة
فهي كالمجتمعة يضم بعضها إلى بعض فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما: أن لكل مال حكم نفسه يعتبر على حدته إن كان نصابًا ففيه الزكاة وإلا فلا ولا يضم إلى المال الذي في البلد الآخر، نص عليه. قال ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد واحتج بظاهر قوله –عليه السلام-: «لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة»، وهذا مفرق فلا يجمع ولأنه لا أثر اجتماع مالين لرجل في كونهما كمال الواحد يجب أن يؤثر افتراق مال الرجل الواحد حتى يحمله كالمالين. الرواية الثانية: قال فيمن له مائة شاة في بلدان متفرقة لا يأخذ المصدق منها شيئًا؛ لأنه لا يجمع بين متفرقة وصاحبها إذا ضبط ذلك وعرفه أخرج هو بنفسه يضعها في الفقراء، وروي هذا عن الميموني وحنبل، وهذا يدل على أن زكاتها تجب مع اختلاف البلدان إلا أن الساعي لا يأخذها لكونه لا يجد نصابًا كاملاً مجتمعًا ولا يعلم حقيقة الحال فيها؛ فأما المالك العالم بملكه نصابًا كاملاً فعليه أداء الزكاة، وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب سائر الفقهاء. قال مالك: أحسن ما سمعت فيمن كانت له غنم على راعيين متفرقين ببلدان شتى أن ذلك يجمع على صاحبه فيؤدي صدقته، وهذا هو الصحيح إن شاء الله؛ لقوله –عليه السلام-: «في أربعين شاة شاة»؛ ولأنه ملك واحد أشبه ما لو كان في بلدان متقاربة أو غير سائمة ونحمل كلام أحمد على أن المصدق لا يأخذها؛ وأما رب المال فيخرج فعلى هذا يخرج الفرض في أحد البلدين؛ لأنه موضع حاجة. انتهى من «المغني».
س47: هل تؤثر الخلطة في غير السائمة؟ وما الذي تختص به من غير هذا؟
ج: لا تؤثر الخلطة في غير السائمة؛ لقوله : «والخليطان ما اشتركا في الحوض والفحل والراعي» فدل على أن ما لم يوجد فيه ذلك لا يكون خلطة مؤثرة، وقول النبي : «لا يجمع بين متفرق خشية الصدقة» إنما يكون في الماشية؛ لأن الزكاة يقل جمعها تارة ويكثر أخرى وسائر الأموال يجب فيما زاد على النصاب بحسابه فلا أثر لجمعها؛ ولأن الماشية تؤثر في النفع تارة وفي الضرر أخرى وفي غير الماشية تؤثر ضررًا محضًا برب المال فلا يصح القياس وعلم مما تقدم أن زكاة السائمة تختص بأمور: أحدها: الخلطة. الثاني: الجبران في زكاة الإبل. الثالث: تأثير التفرق في مسافة القصر. الرابع: أنها لا زكاة في وقصها.
س48: من أين يأخذ الساعي ما وجب في مال الخلطة؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل والتعليل؟ ومثل لما لا يتضح إلا بالتمثيل؟
ج: يجوز لساع يجبي الزكاة أخذ ما وجب في مال الخلطة من مال أي الخليطين شاء مع الحاجة وعدمها؛ لقول النبي : «وما كان من خليطين؛ فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» أي أخذ الساعي الزكاة من مال أحدهما؛ ولأن المالين قد صارا كالمال الواحد في وجوب الزكاة فكذا في إخراجها فيرجع مأخوذ منه زكاة جميع مالِ خلطة على خليطه بقيمة القسط الذي قابل ماله من المخرج زكاة للخبر وتعتبر قيمته يوم أخذ ساع له لزوال ملكه إذن عنه فيرجع رب خمسة عشر بعيرًا من أصل خمسة وثلاثين بعيرًا خلطة على رب عشرين بقيمةِ أربعة أسباع بنت مخاض من مال رب العشرين رجع على رب الخمسة عشر بثلاثة أسباعها؛ لأن الخمسة عشر ثلاثة أسباع المال وعلى نحو هذا حسابهما.
س49: هل يقبل قول مرجوع عليه في قيمة مخرج من خليط؟ وإذا أخذ الساعي أكثر من الواجب فما الحكم؟ وهل يجزي إخراج خليط بدون إذن خليطه؟
ج: يقبل قول مرجوع عليه في قيمته مخرج بيمينه إن عدمت البينة واحتمل صدقه ويرجع مأخوذ منه على خليطه بقسط زائد عن واجب بقول بعض العلماء كأخذ صحيحة عن مراض أو كبيرة عن صغار وكذا لو أخذ قيمة الواجب؛ لأن الساعي نائب الإمام فعله كفعله، قال المجد: فلا ينقض كما في الحكم، قال الموفق والشارح: ما أداه اجتهاده إليه وصار دفعه بمنزلة الواجب؛ ولأن فعل الساعي في محل الاجتهاد سائغ نافذ فترتب عليه الرجوع لسوغانه، قال في الفروع: وإطلاق الأصحاب يقتضي الإجزاء أي في أخذ القيمة ولو اعتقد المأخوذ منه عدمه. انتهى. ويجزي إخراج خليط بدون إذن خليطه في غيبته وحضوره والاحتياط بإذنه ولا يرجع مأخوذ منه بقسط زائد أخذه ساع ظلمًا بلا تأويل كأخذه عن أربعين شاة مختلطة شاتين، وعن ثلاثين بعيرًا جذعة من مال أحدهما فلا يرجع في الأولى إلا بقيمة نصف شاة، وفي الثانية إلا بقيمة نصف بنت مخاض؛ لأن الزيادة ظلم فلا يرجع به على غير ظالم أو متسبب في ظلمه. انتهى من «المنتهى وشرحه» باختصار. قال في «الاختيارات الفقهية»؛ وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب ظلمًا بلا تأويل من أحد الشريكين ففي رجوعه على شريكه قولان أظهرهُما الرجوع وكذلك في المظالم المشتركة التي يطلبها الولاة من الشركاء أو الظلمة من البلدان أو التجار أو الحجيج أو غيرهم والكلف السلطانيّة على الأنفس والدواب والأموال يلزمهم التزام العدل في ذلك كما يلزم فيما يؤخذ بحق فمن تعيب أو امتنع فأخذ من غيره حصته يرجع المأخوذ منه على من أدى عنه في الأظهر إن لم يتبرع (ص99) من «الاختيارات».
6- باب زكاة الخارج من الأرض
س50: ما المراد بالخارج من الأرض وما الأصل في زكاته؟
ج: المراد الزرع والثمار والمعدن والركاز وما هو في حكم ذلك كعسل النحل، والأصل في وجوب الزكاة في ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ، والزكاة تسمى نفقة بدليل قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، وقال تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال ابن عباس: حقه الزكاة، ومن السُّنة قوله : «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» متفق عليه، وعن ابن عمر عن النبي  قال: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عتريًّا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر» أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي، وعن جابر عن النبي  قال: «فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقى بالسانية نصف العشر» أخرجه مسلم وأبو داود، وأجمع أهل العلم عن أن الصدقة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، قاله ابن عبدالبر وابن المنذر.
س51: ما الذي تجب فيه من الحبوب والثمار، اذكره موضحًا مع التمثيل؟
ج: تجب الزكاة في كل مكيل مدخر من قوت وغيره، ويدل لاعتبار الكيل حديث: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» متفق عليه. ولأنه لو لم يدل على اعتبار الكيل لكان ذكر الأوسق لغوًا ويدُلُّ لاعتبار الإدخار أن غير المدخر لا تكمل فيه النعمة لعدم النفع به مآلاً؛ أما الحبوب فالقمح والشعير والذرة والحمص والعدس، والباقلاء من الثمر والزبيب؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وعن عتاب بن أسيد «أن النبي  كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم» رواه الترمذي، وعنه أيضًا قال: «أمرنا رسول الله  أن نخرص العنب كما نخرص النخل فيؤخذ زكاته زبيبًا كما تؤخذ صدقة النحل تمرًا» رواه الترمذي. وحديث: «لا زكاة في حب ولا تمر حتى يبلغ خمسة أوسق» رواه مسلم دل على وجوب الزكاة في الحب والتمر وانتفائها من غيرهما وتقدم بعض الأدلة قريبًا.
س52: ما الذي لا تجب فيه الزكاة من الثمار؟ وهل تجب في الخضروات؟
ج: لا تجب في عُناب وزيتون ومشمش ولا في بقية الفواكه كتفاح وإجاص وكمثرى ورمان وسفرجل ونبق وموز وخوخ وأترج وتوت وتين وبقية الفواكه وطلع فحال وقصب وخضروات وبقول؛ لما روى الدارقطني عن علي مرفوعًا: «ليس في الخضروات الصدقة»، وله عن عائشة معناه، وللأثرم بإسناد عن سفيان بن عبدالله الثقفي أنه كتب إلى عمر وكان عاملاً على الطائف أن قبلة حيطانها فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافًا فكتب يستأمره في العشر فكتب إليه عمر أنه ليس عليها عشر والفرسك الخوخ، واختار الشيخ تقي الدين وجوبها في التين، وقال في الفروع: الأظهر الوجوب في العناب، قال: فالتين والمشمش والتوت مثله. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س53: ما الذي يشترط لوجوبها في الحبوب والثمار؟
ج: يشترط لما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار شرطان: أحدهما: أن يبلغ نصابًا بعد التصفية في الحبوب وبعد الجفاف في الثمار، وجفاف ورق وقدر النصاب خمسة أوسق؛ لقول النبي : «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» رواه الجماعة وهو خاص يقضي على كل عام ومطلق؛ ولأنها زكاة مال فاعتبر لها النصاب كسائر الزكوات. الشرط الثاني: أن يكون النصاب مملوكًا له وقت وجوب الزكاة؛ لقوله سبحانه وتعالى: فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ فلا تجب فيما يكتسبه اللقاط أو يأخذه بحصاره ولا فيما يجتنيه من المباح كالبطم والزعبل ونحوه؛ لأنه لا يملك شيئًا من ذلك وقت الوجوب ولا يشترط لوجوب زكاة فعل زرع فيزكي نصابًا حصل من حب له سقط بنحو سيل أو غيره بأرض ملكه أو بأرض مباحة؛ لأنه يملكه وقت وجوب الزكاة.
س54: ما مِقدار نصاب الحب والثمر في الآصُع والأرطال، وإذا شك في بلوغه نصابًا فما حكم ذلك؟
ج: مقداره (300) ثلاثمائة صاع؛ لأن الوسق ستون صاعًا إجماعًا وبالأرادب سنة وربع وبالرطل العراقي ألف وستمائة، وبالمصري ألف وأربعمائة وثمانية وعشرون رطلاً وأربعة أسباع، وبالدمشقي ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلاً وسنة أسباع، وبالحلبي مائتان وخمسة وثمانون رطلاً وخمسة أسباع رطل حلبي، وبالرطل القدسي مائتان وسبعة وخمسون رطلاً وسبع رطل والوسق والصاع والمد مكاييل نقلت إلى الوزن لتحفظ وتنفل والمكيل منه ثقيل كأرز وتمر ومنه متوسط كبر وخفيف كشعير والاعتبار بمتوسط فيجب في خفيف قارب هذا الوزن، وإن لم يبلغه فمن اتخذ ما يسع صاعًا من جيد البر عرف به ما يبلغ حد الوجوب من غيره، ومتى شك في بلوغه للنصاب احتاط وأخرج الزكاة ليخرج من عهدتها ولا يجب عليه الإخراج إذن؛ لأنه الأصل أي عدم بلوغ النصاب فلا يثبت بالشك.
وزكِّ حُبُوبًا والثمارَ وشَرْطُهُ إدْ
وسيان زرع والنبات وقوتنا
كبر وسلت والشعير ودخنهم
وقدر نصاب الكل خمسة أوسق
بخمسة أرطال وثلث عراقيًا
إذا ما صفى حبُّ وحفَّت ثماره
وعنه اعتبر رطب النخيل وكرمهم
وملكُ النصاب اشرطه وقت وجوبها
ولا في مباح نحو بطم وزعْبَل
دِخَارٌ وَكيلٌ أو بوَزن مُحَدّدِ
وغير الذي يقتات من كل مُرصَدِ
كذا ذرة تمر زبيب فعَدِّدِ
ووسقهم ستون صاعًا وذا اعْدُدِ
وألف وست من مآت لها احْدُدِ
فحينئذ وقت اعتبارك فاجهدِ
وخُذْ عُشْره مِن يَابِس مُتجَمِّدٍ
فلا شَيءَ في لَقَطٍ وَأجْرَةِ حُصَّدِ
وإن تجن من مُلك فقد قيل أورد
س55: هل تضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب؟ وإذا كان الإنسان نخل يحمل السنة حملين فهل يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب، وهل يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب؟
ج: تضم ثمرة العام الواحد إذا اتخذ الجنس ولو اختلف النوع ويضم زرع العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب إذا اتخذ الجنس، ولو اختلف وقت اطلاعه ووقت إدراكه بالفصول كما اتحد؛ لأنه عام واحد وسواء تعدد البلد أو لا؛ فإن كان له نخل تحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر؛ لأنها ثمرة عام واحد فضم بعضها إلى بعض كزرع العام الواحد وكالذرة التي تنبت في السنة مرتين؛ لأن الحمل الثاني يضم إلى الحمل المنفرد كما لو لم يكن حمل أول فكذلك إذا كان؛ لأن وجود الحمل الأول لا يصلح أن يكون مانعًا بدليل حمل الذرة وليس المراد بالعام هنا بإثني عشر شهرًا، بل وقت استغلال المغل من العام عرفًا وأكثره ستة أشهر بقدر فصلين، وقل: إن كان له نخل يحمل في السنة حملين فلا يضم إلى الآخر؛ لأنه حمل ينفصل عن الأول فكان حكمه حكم عام آخر كحمل عام آخر كحمل عامين بخلاف الزرع، فعليه لو كان له نخل يحمل بعضه في السنة حملاً وبعضه حملين، ضم ما يحمل حملاً إلى أيهما بلغ معه، وإن كان بينهما فإلى أقربهما إليه ولا تضم ثمرة عام واحد ولا زرعه إلى ثمرة عام آخر، ولا يضم جنس من ثمر أو زرع إلى جنس آخر في تكميل النصاب كأنواع الماشية والنقدين ولا تضم حنطة إلى شعير ولا تمر إلى زبيب ونحوه؛ لأنها أجناس يجوز التفاضل فيها بخلاف الأنواع فانقطع القياس.
س56: ما زكاة نصاب الحبوب والثمار، وما هو الدليل عليها؟
ج: يجب عشر فيما سبق بلا مؤنة كالذي يَشرَبُ بعروقه ويسمى بعلاً، وكالذي يشرب بغيب وهو الذي يزرع على المطر، وكالذي يشرب بسيح ولو كان السقي بإجراء ماء حفيرة ولا تؤثر مؤنة حفر نهر وقناة لقلتها؛ ولأنه من جملة إحياء الأرض ولا يتكرر كل عام ولا تؤثر مؤنة تحويل ماء ويجب نصف العشر فيما سقى بكلفة كالدوالي جمع دالية، وهو الدولاب تديره البقر والناعورة يديرها الماء والسانية وهي النواضح، وأحدها ناضح وناضحة وهما البعير يستقي عليه؛ لحديث جابر عن النبي  قال: «فيما سقت الأنهار والغيْم العشور، وفيما سقى بالسانية نصف العشور» رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود، وقال: الأنهار والعيون. وحديث ابن عمر: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر» رواه الجماعة إلا مسلمًا؛ لكن في لفظ النسائي وأبي داود وابن ماجه بعلاً بدل عثريًّا ويجب فيما يشرب بكلفة نصف مدته وبغير كلفة نصفها ثلاثة أرباع العشر نصفه لنصف العام وربعه للآخر؛ فإن تفاوت السقي بالمؤنة والسقي بغيرها بأن يُسقى بأحدهما أكثر من الآخر، فالحكم لأكثر السقين نفعًا ونموًّا؛ فإن جهل مقدار السقي فلم يدر أيهما أكثر أو جهل الأكثر نفعًا ونموًا فيجب العشر احتياطًا؛ لأن تمام العشر تعارض فيه موجب ومسقط، فغلب الموجب ليخرج من العهدة بيقين فمن له حائطان ضما في النصاب، ولكل حكم نفسه في السقي بكلفة وغيرها ويصدق مالك فيما سقى به؛ لأنه أمين عليه بغير يمين؛ لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم.
س57: متى وقت وجوب الزكاة في الحبوب والثمار، وما هو الدليل عليه وإذا تصرف في الثمرة قبل الوجوب أو بعده فما الحكم في ذلك؟ وإذا باع الحب أو الثمرة بعد بدو الصلاح وشرط على المشتري إخراج الزكاة فما الحكم؟
ج: إذا اشتدَّ الحبُّ وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة؛ لأنه حينئذ يُقصدُ للأكل والافتيات فأشبه اليابس، وعن عائشة أن النبي  كان يبعثُ عبدالله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه. رواه أبو داود، وقال ابن أبي موسى: تجب زكاة الحب يوم حصاده؛ لقوله عز وجل: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وفائدة الخلاف أنه لو تصرف في الثمرة أو الحب قبل الوجوب لا شيء عليه كما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول وإن تصرف فيها بعد الوجوب لم تسقط الزكاة كما لو فعل ذلك في السائمة؛ فإن قطعها قبل ذلك سقطت إلا أن يقطعها فرارًا من الزكاة فنلزمه؛ لأنه الواجب بعد انعقاد سببه أشبه ما لو طلق امرأته في مرض موته، ولو باع الحب أو الثمر بعد بدو صلاحه وشرط البائع الزكاة على المشتري صح البيع والشرط للعلم بالزكاة فكأنه استثنى قدرها ووكله في إخراجها؛ فإن لم يخرجه المشتري وتعذر الرجوع عليه ألزم بها البائع لوجوبها عليه.
س58: متى يستقر وجوب الزكاة، وإذا تلفت الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة قبل الوضع بالجرين، فما حكم ذلك؟ وإذا تلف البعض عن الزرع أو الثمر، فما الحكم؟
ج: لا يستقر وجوبها بها إلا بجعلها في جرين أو بيدر أو مسطاح أو نحوه؛ فإن تلفت الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة قبل الوضع بالجرين أو نحوه بغير تعد منه سقطت خرصت أو لم تخرص؛ لأنه في حكم ما لا تثبت اليد عليه بدليل أنه لو اشترى ثمرة فتلفت بجائحة رجع بها على البائع والخرص لا يوجب؛ وإنما يفعله الساعي ليتمكن المالك من التَّصرف فوجب سقوط الزكاة مع وجوده كعدمه، وإن تلف البعض من الزرع أو الثمر قبل الاستقرار زكى الباقي إن كان نصابًا وإلا فلا زكاة فيه قدمه في الفروع، وقال في «شرح المنتهى» في الأصح؛ لقوله : «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» وهذا يعم
حالة الوجوب ولزوم الأداء.
قال الناظم:
وإيجابها عند اشتداد حبوبها
وقطعها من قبل لا بعد مسقط
ويثبت منها في الجرين وجوبها
سواءُ قبيلَ الخرص أو بَعْد خرصها
وبدوَّ صلاح الثمر إيجاب مقتدى
وإن تقطعن منها فرارًا فأرفد
وبالهلك أسقط قبل عن غير معتد
وفي التلف اقبل منه من غير شهد
س59: متى يجب إخراج زكاة الحب والثمر، وإذا احتيج إلى قطع ما بدا صلاحه قبل كماله لضعف أصل أو خوف عطش ونحوه، فما الحكم؟
ج: يجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابسًا؛ لحديث الدارقطني عن عتاب بن أسيد أن النبي  أمر أن يُخرَص العنب زبيبًا كما يخرس الثمر ولا يُسمَّى زبيبًا وتمرًا حقيقة إلا اليابس وقيس الباقي عليهما؛ ولأنه حال تصفية لحب وجفاف التمر حال كمال ونهاية صفات ادخاره ووقت لزوم الإخراج منه؛ فإن احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها وبعد بدرِّ الصلاح للخوف من العطش أو لضعف الأصل جاز قطعها؛ لأن حق الفقراء إنما يجب على طريق المواساة فلا يكلف الإنسان ما يهلك أصل ماله؛ ولأن حفظ الأصل أحفظ للفقراء من حفظ الثمرة دون قطع جميعها خففها وإن لم يكف إلا قطع الجميع جاز وكذلك إن قطع بعض الثمرة لتحسين الباقي، وكذلك إن كان عنبًا لا يجيء منه زبيب كالخمري أو رُطبًا لا يجيء منه تمر كالبرني والهلبات؛ فإنه يخرج منه عنبًا ورطبًا للحاجة؛ ولأن الزكاة مواساة فلم تجب عليه من غير ما عنده كرديء الجنس، وقال القاضي: يخير الساعي إذا أراد ذلك رب المال بين أن يُقاسِمَ رب المال الجذاذ بالخرص ويأخذ نصيبهم نخلات منفردة يأخذ ثمرتها وبين أن يجذها ويقاسمه إياها بالكيل ويقسم الثمرة في الفقراء وبين بيعها من
رب المال أو من غيره قبل الجذاذ وبعده ويقسم ثمنها والمنصوص أنه لا يخرج إلا يابسًا. انتهى من «الشرح الكبير».
س60: هل للإنسان أن يشتري زكاته وضَّح ذلك مع ذكر الدليل والتعليل؟
ج: يحرمُ على مُزَكِّ ومتصدِّقٍ شراءُ زكاته وصدقته، ولا يصح؛ لما روى عمر، قال: «حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده وأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي ، فقال: «لا تشتره ولا تعد في صدقتك وأن أعطاكه بدرهم؛ فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه»» متفق عليه. وحسمًا لمادة استرجاع شيء منها حياءَ وطعمًا في مثلها أو خوفًا أن لا يعطيه بعد؛ فإن عادت إليه بإرث أو وصية أو هبة أو أخذها من دينه طابت بلا كراهة؛ لقوله : «وجب أجرك وردها عليك الميراث» رواه الجماعة إلا البخاري من حديث أبي هريرة:
وإن مصفى الحب والتمر يابسًا
وتَقديرُ ذا رطبًا وقيل مُيبَّسًا
وإن يشا الساعي يَبِعْهُ لمن يشا
وفي النص لا يجزيك إلا مُيبَّسًا
وقيمتهُ عشر الرطب أخرجهُ عادِمًا
ورطبًا لا إصلاحٌ أو أنْ جفَّ يفسدِ
بتقدير جَيد التمرُ يقدَرُ ذا الردِى
ويقسم مجذوذًا وغير مجدَّدِ
ويحرْمُ أن تبْتاعَ فرضَك فاقتدِ
وعنه متى تقدر على الثمر ارْفدِ
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:10 am


س61: تكلم عن أحكام ما يلي: حكم بعث خارص، متى وقت بعثهِ؟ وما الذي يُعتَبر لذلك؟ على من أجرةُ الخارص؟
وما حكم قطع الثمرة مع حضور السَّاعِي بلا إذنه، وضح ذلك مع الدليل؟
ج: يُسَنُّ أن يبعث الإمام خارصًا؛ لحديث عائشة قالت: «كان –عليه الصلاة والسلام- يبعث عبدالله بن رواحة إلى اليهود يخرصُ عليهم النخيل قبل أن
يؤكل» متفق عليه. وفي حديث عتّاب بن أسيد «أن النبي  كان يبعث على الناس مَن يخرص عليهم كرومهم وثمارهم» رواه الترمذي وابن ماجه، وصح عنه  أنه خرَصَ على امرأة بِوادي القُرى حديقةً لها وحديثها في مسند أحمد، ووقت بعثه إذا بدا الصلاح؛ أنه وقت دعاء الحاجة الخرص، ويعتبر أن يكون الخارص مسلمًا أمينًا خبيرًا غير متهم، وممن يرى الخرص عمر وسهل بن أبي حثمة والقاسم بن محمد ومالك والشافعي وأكثر أهل العلم قاله في «الشرح». وأجرة الخارص، قيل: إنها على رب النخل والكرم.
والقول الثاني: أنها على بيت المال، وقال الشيخ منصور: ويتوجه من نصيب عامل الزكاة. انتهى. ويحرم القطع للثمر مع حضور ساع بلا إذنه لحق أهل الزكاة فيها وكون الساعي كالوكيل عنهم، وتؤخذ زكاته بحسب الغالب. وفي «حاشية الإقناع»: ويحرم قطعه مع حضور ساعٍ إلا بإذن قطع به في «المبدع» و«الإنصاف» وغيرهما، ولم يذكروا فيه خلافًا مع أنه تقدم أن تعلق الزكاة بالنصاب كتعلق أرش الجناية فلا يمتنع على ربه التصرف فيه قبل إخراجها وليس كتعلق شركه أو رهن أو دين بماله مفلس على الصحيح. انتهى.
س62: تكلم بوضوح عن صفة خرص الثمر إذا كان نوعًا واحدًا وإذا النخل والكرم، وما هو الخرص؟ وما الحكمة فيه، وهل يخرص غير النخل والكرم؟ وهل لمالك أن يتصرف بالثمرة بعد الخرص؟
ج: للخارص ورب المال إن لم يُبعث خارص الخرص كيف شاء إن اتحد النوع؛ فإن شاء خرص كل نخلة أو كرمة على حدة أو خرص الجميع دفعة ويخرص ثمر متنوع كل نوع على حدة وتزكية كل نوع على حدة فيخرج عن الجيد جيدًا منه، أو من غيره ولا يجزئ عنه رديء ولا يلزم بإخراج جيد عن رديء والخرص حزر مقدار الثمرة في رؤوس النخل والكرم وزنًا بعد أن يطوف به، ثم يُقدَّره تمرًا أو زبيبًا ثم يُعرف الخارص المالكَ قدر الزكاة فيه ويخيره بين أن يتصرف فيه بما شاء من بيع أو غيره ويضمن قدر الزكاة
وبينَ حفظِ الثمار إلى وقت الجفاف ليؤدي ما وجب فيها وإن حفظها إلى وقت الجفاف زكى الموجود فقط وافق قول الخارص أولاً؛ وأما الحكمة في الخرص فالذي يظهر أنه لدفع الحرج عن أهل الزراعة؛ فإنهم يريدون أن يأكلوا بسرًا ورطبًا ونيئًا، ونضيجًا وعن المصدقين؛ لأنهم لا يطيقون الحفظ عن أهلها إلا بشق الأنفس ولا يخرص غير كرم ونخل؛ لأن النص إنما ورد بخرصهما مع أن تمرهما مجتمع في العذوق والعناقيد فيمكن أن يأتي الخرص عليه غالبًا والحاجة إلى أكلهما رطبة أشد من غيرهما فامتنع القياس. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س63: ما الذي يتركه الخارص، وما حكم ترك الخارص شيئًا لرب المال، وإذا أتلف المالك الثمرة أو تلفت بتفريطه فما الحكم؟ وإذا ادعى رب المال غلط الخارص فما الحكم؟ إذا أبى الخارص أن يترك لرب المال شيئًا فما حكم ذلك؟ واذكر ما تستحضره من دليل.
ج: يجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع فيجتهد الساعي بحسب المصلحة؛ لحديث سهل بن أبي حثمة قال: قال رسول الله : «إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث؛ فإن لم تدعو الثلث فدعوا الربع» رواه الخمسة إلا ابن ماجه ورواه ابن حبان والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وروي أنه  قال: «خففُوا على الناس؛ فإن في المال الواطئة والآكلة والعرية» رواه سعيد. وأمر عمر عماله أن يتركوا لهم ما يأكلونه، وقال ابن عقيل والآمدي وغيرهما: يترك قدر أكلهم وهديتهم بالمعروف بلا تحديد للأخبار الخاصة وللحاجة للأكل والإطعام وغير ذلك، وهو قول أكثر أهل العلم. وفي «الاختيارات الفقهية» (ص100، 101): وتسقط الزكاة فيما خرج من مؤنة الزرع والثمر منه وهو قول عطاء بن أبي رباح؛ لأن الشارع أسقط في الخرص زكاة الثلث أو الربع لأجل ما يخرج من الثمرة بالإعراء والضيافة وإطعام ابن السبيل وهو تبرع فيما يخرج عنه لمصلحته التي لا تحصل إلا بها أو لإسقاط الزكاة عنه وإن
أتلف الثمرة المالك أو تلف بتفريطه ضمن زكاته بخرصها تمرًا أو زبيبًا. قال في «الشرح»: وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمة ما أتلف، وفي «شرح الإقناع» قواعد المذهب أن عليه مثله؛ لأنه مثلي فيضمن بمثله وإن ادعى رب المال غلط الخارص غلطًا محتملاً كالسدس قبل قوله غير يمين، كما لو قال: لم يحصل في يدي غير كذا؛ فإنه يقبل قوله لأنه قد يتلف بعضه بآفة لا يعلمها، وإن فحش ما ادعاه من الغلط كالنصف أو الثلث لم يقبل؛ لأنه لا يحتمل فيعلم كذبه، وإن لم يترك شيئًا فلرب المال أكل قدر الثلث أو الربع من ثمر ومن حب ولا يحتسب به عليه. قال أحمد في رواية عبدالله: لا بأس أن يأكله الرجل من غلته بقدر ما يأكل هو وعياله ولا يحتسب وإن لم يأكله كمل به النصاب وتؤخذ زكاة ما سواه بالقسط فلو كان الثمر كله خمسة أوسق ولم يأكل منه شيئًا حسب الربع الذي كان له أكله من النصاب فيكمل ويؤخذ منه زكاة ما سواه وهو ثلاثة أوسق وثلاثة أرباع وسق. والله أعلم.
س64: اذكر ما تفهمه عن حكمة ترك الثلث أو الربع لرب المال من حب ومن ثمر، وما معنى قولهم: فيجتهد بحسب المصلحة في أن يترك الثلث أو الربع؟ وهل لرب الحبوب والثمار أن يهدي منها قبل إخراج زكاتها، وإذا كان الزرع والثمر مشتركًا فهل له أن يأكل من دون إذن شريكه؟ وهل يلزم رب المال أن يزكي ما تركه خارص من الواجب؟
ج: الحكمة والله أعلم أنه لأجل التوسعة على رب المال؛ لأنه يحتاج إلى الأكل هو وأضيافه وجيرانه وأهلهُ ويأكل منها المارة وفيها الساقطة، فلو استوفى الكل أضرَّبهم، ومعنى الاجتهاد بحسب المصلحة أن ينظر إن كان كثير العيال والأضياف ترك له الثلث وإلا ترك له الربع ولا يُهدى رَبُ المال من الزرع قبل إخراج زكاته. قال أحمد: وقد سأله المروزي عن فريك السنبل قبل أن يقسم، قال: لا بأس أن يأكل منه صاحبه بما يحتاج إليه، قال: فيهدى للقوم منه، قال: لا حتى يقسم؛ وأما الثمر فما تركه خارص له صنع به ما شاء ويزكي رب ما تركه خارصٌ من الواجب؛ لأنه لا يسقط بترك الخارص ويزكي رب مال ما زاد على قول خارص أنه يجيء منه تمرٌ وزبيب كذا عند جفاف لما سبق ولا يزكي ما نقص عن قول خارص؛ لأنه لا زكاة فيما ليس في ملكه ولا يأكل من زرع وثمر مشترك شيئًا إلا بإذن شريكه كسائر الأموال المشتركة. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
من النظم مما يتعلق ببعثة الخارص
وبعثةُ عَدْلٍ خارصٍ ذي إصابة
فيخرص نوعًا دفْعةً أو مُفرَقًا
ويلزمْ تركُ الثُّلثِ أو ربع مأكلٍ
وليسَ له من قبل خَرْصٍ تَصرُّفٌ
ويأكله الملاكُ إنْ لم يُمَكَّنُوا
وَمن كل صنف يؤخذ العشر مفردًا
ببدوِ صَلاحِ الثمر شَرْعٌ لمقتَدى
ويخرصُ بالأنواع خَرْصَ تَعدُّدِ
وقيل بمعروفٍ بغير تحَدُّدٍ
وبَعْدُ اضمننْ فرضًا وكُنْ مُطْلقَ اليدِ
وتقْبَلٌ دَعْوَى حَيفٍ خَرصٍ مُعَوَّدِ
ومن وَسطٍ إنْ شقَّ أخذُ التَّعددِ
س65: على مَن تجب الزكاة في الأرض المستعارة أو المستأجرة للزرع وإذا غصبَ إنسان أرضًا فزرعها فهل الزكاة على الغاصب أو على رب الأرض وما هي الأرض الخراجية؟ وهل يجتمع فيها العشر والخراج؟ وما هي الأرض العشرية؟
ج: الزكاة في خارج من أرض مستعارة على مستعير، والزكاة في خارج من أرض مؤجرة على مستأجر الأرض دون مالكها؛ لأنها زكاة مال فكانت على مالكه كالسائمة وكما لو استأجر حانوتًا يتّجر فيه؛ ولأن الزكاة من حقوق الزرع، ولذلك لو لم تزرع لم تجب وتتقدر بقدر الزرع بخلاف الخراج فإنه من
حقوق الأرض على من هي بيده ومتى حصد غاصب أرض زرعه من أرض مغصوبة زكاة لاستقرار ملكه عليه ويزكيه رب الأرض إن تملكه قبل حصده ولو بعد اشتداد حبه؛ لأنه يتملكه بمثل بذره وعوض لواحقه فقد استند ملكه إلى أول زرعه فكأنه أخذه إذن، وقيل: يزكيه الغاصب؛ لأنه ملكه وقت الوجوب والأرض الخراجية ثلاثة أضرب: القسم الأول: ما فتح عنوة ووقف على المسلمين وضرب عليه خراج معلوم؛ فإنه يؤدي الخراج عن رقبة الأرض وعليه العشر عن غلتها إذا كانت لمسلم، وكذا الحكم في كل أرض خراجية، وبه قال عمر بن عبدالعزيز والزهري والأوزاعي ويحيى والأنصاري وربيعة ومالك والثوري والشافعي وابن المبارك وإسحاق وأبو عبيد. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ، وقال : «فيما سقت السماء العشر» ولأنهما حقان يجبان لمستحقين يجوز وجوب كل واحد منهما على المسلم فجاز اجتماعهما كالكفارة والقيمة في الصيد الحرمي المملوك. والثانية: ما جلا عنها أهلها خوفًا منا. والثالثة: ما صُولحوا على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج، والأرض العشرية خمسة أضرب: الأولى: ما أسلم أهلها عليها كالمدينة ونحوها. والثانية: ما أحياه المسلمون واختطوه كالبصرة ونحوها. والثالثة: ما صولح أهلها على أنها لهم بخراج يضرب عليهم كاليمن. والرابعة: ما فتح عنوة وقسم بين غانميه كنصف خيبر. والخامسة: ما أقطعه الخلفاء الراشدون من السواد إقطاع تمليك كالذي أقطعه عثمان  لسعد وابن مسعود وخباب قال في «شرح المنتهى» وحمله القاضي على أنهم لم يملكوا الأرض، بل أقطعوا المنفعة وأسقط الخراج عنهم للمصلحة أي لأنها وقف كما يأتي، مما يتعلق بالأرض الخراجية من النظم:
ويُؤخذُ مِن مُستأجِر دُونَ مالكِ
وعنه على المستأجرينَ خراجُها
وما أخرجتْه أرضُ صُلح فزكِّه
وإن كانَ يَبقى بَعِدهُ قدرُ منصِبٍ
ومن مُستعيرٍ خُذْ ودَعْ ذا التجوُّدِ
ولا فرضَ بعدَ العُشر بالمكث فاهتدِ
وفي عنوةِ بَعدَ الخراج تفَقَّدِ
فيا مُسلمًا أهل الزكاة بها جُدِ
7- فصل في زكاة العسل
س66: ما الواجب في العَسَل وما نصابه وضح ذلك مع ذكر الخلاف؟ وهل تجب الزكاة فيما ينزل من السماء كالمن ونحوه؟ وهل تتكرر زكاة المعشرات أم لا؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل والتعليل؟
ج: يجب في العسل العشر سواء أخذه من موات أو مملوكة ونصابه 160 مائة وستون رطلاً عراقية؛ لما ورد عن أبي سيارة قال: قلت: يا رسول الله، إن لي نحلاً، قال: «فأد العشور»، قال: قلت: يا رسول الله، احم لي جبلها، قال: «فحمَى لي جَبَلهَا» رواه أحمد وابن ماجه. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي  أنه أخذ من العسل العشر. رواه ابن ماجه، وفي رواية: جاء هلال أحد بني مُنْعَان إلى رسول الله  بعشور نحل له وكان يسأله أن يَحمِيَ له مواديًا يقالُ لهُ: سلبة، فحمى له ذلك الوادي؛ فلما ولي عمر بن الخطاب كتب سفيان ابن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك، فكتب عمر: «إن أُدي إليك ما كان يؤدى إلى رسول الله  من عشور نحله فاحم له سَلَبُه وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله مَنْ يَشاءُ» رواه أبو داود والنسائي، ولأبي داود في رواية بنحوه، وقال: من كل عشر قرب قربة.
وروى الجوزجاني عن عمر أن ناسًا سألوه، فقالوا: إن رسول  أقطع لنا واديًا باليمن فيه خلايا من نحل، وإنا نجد ناسًا يسرقونها، فقال عمر: إن أديتم صدقاتها من كل عشرة أفراق فرقًا حميناها لكم وهذا تقدير من عمر .
والقول الثاني: لا زكاة فيه؛ لأنه مائع خارج من حيوان أشبه اللبن وهو قول مالك والشافعي وابن أبي ليلى وابن المنذر، وقال: ليس في وجوب الصدقة في العسل حديث يثبت ولا إجماع. انتهى. قال في «نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار» آخر (ص146).
واعلم أن حديث ابن سيارة وحديث هلال إن كان غير أبي سيارة لا يدلان على وجوب الزكاة في العسل؛ لأنهما تطوعا بها وحمى لهما بدل ما أخذ وعقلَ عُمر العلة فأمر بمثل ذلك، ولو كان سبيله سبيل الصدقات لم يخير في ذلك، وبقية أحاديث الباب لا تنهض للاحتجاج بها، ويؤيّدُ عدم الوجوب ما تقدم من الأحاديث القاضية بأن الصدقة إنما تجب في أربعة أجناس. ويؤيده أيضًا ما رواه الحميدي بإسناده إلى معاذ بن جبل أنه أتى برقص البقر والعسل، فقال معاذ: كلاهما لم يأمرني فيه رسول الله  بشيء. انتهى. ولا زكاة فيما ينزل من السماء على الشجر كالمن والنرنجبيل والشير خُشك ونحوه ولا تتكرر زكاة المعشرات ولو بقيت أحوالاً ما لم تكن للتجارة فتقوم عند كل حول بشرطه كسائر عروض التجارة؛ لأنها حينئذ مرصدة للنماء كالأثمان. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
8- فصل في المعدن
س67: عرِّف المعدن؟ وما مثاله؟ وما الواجب فيه؟ ومتى تجب زكاته؟ وهل الواجب من عينه أو قيمته؟ ولمن يُصْرفُ الواجب فيه؟ وما هو الدليل؟
ج: المعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه سمي بذلك لعدن ما أنبته الله فيه أي لإقامته يقال عدن بالمقام، عدونا أقام به ومنه «جنات عدن»، ثم أطلق على الجوهر ونحوه من تسمية الحال باسم المحل وإلا فحقيقة المعدن يوصف به المستقر فيه.
وعرفًا هو كل متولد في الأرض لا من جنسها ولا نبات كذهب وفضة وجوهر وبلور وعقيق وصفر ورصاص وحديد وكحل وزرنيخ ومغرة وكبريت وزفت وملح وزئبق وقار ونفط ونحو ذلك.
والواجب فيه ربع العشر؛ لعموم قوله تعالى: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم
مِّنَ الأَرْضِ ولأنه مال لو غنمه أخرج خمسة؛ فإذا أخرجه من معدن وجبت زكاته كالذهب والفضة، وعن ابن عمر قال: أتى النبي  بقطعة من ذهب كانت أول صدقة جاءته من معدن لنا، فقال: إنها ستكون معادن وسيكون فيها شر خلق الله عز وجل. رواه الطبراني في «المعجم الصغير»، وتجب زكاة المعدن في الحال؛ لأنه مال مستفاد من الأرض فلم يعتبر له حول كالزرع وتؤخذ زكاته من عين أثمان وقيمة غيره ويصرف لأهل الزكاة؛ لما روى ربيعة بن عبدالرحمن عن غير واحد أن النبي  أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية، قال: فتلك لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم. رواه أبو داود، وقال أبو عبيد: بلاد معروفة بالحجاز.
س68: هل يحتسب بمؤنة السبك والتصفية والاستخراج؟ ما الذي يشترط لذلك؟ وما حكم إخراج زكاة معدن قبل سبك وتصفية؟ ومتى يستقر وجوب زكاة المعدن؟ وهل تسقط زكاة المعدن بتلفه؟ بين حكم الجامد والجاري؟ وإذا سبق اثنان إلى معدن في موات فما الحكم؟
ج: لا يحتسب بمؤنة سبك وتصفية ولا يحتسب بمؤنة استخراج معدن إن لم تكن دينًا؛ فإن كانت دينًا زكى ما سواها كالخراج لسبقها الوجوب ويشترط كون مخرج معدن من أهل وجوب الزكاة؛ فإن كان كافرًا أو مكاتبًا أو مدينًا يَنقُصَ به النصاب لم تلزمه كسائر الزكوات وحديث المعدن جبار، وفي الركاز الخمس، قال القاضي وغيره: أراد بقوله جبار إذا وقع على الأجير شيء وهو يعمل في المعدن فقتله لم يلزم المستأجر شيء ويشترط بلوغ النقد أو قيمة غيره نصابًا بعد سبك وتصفية كحب وثمر ولا يجوز إخراجها إذا كانت أثمانًا إلا بعد سَبْك وتصفية؛ وذلك لأن وقت الإخراج منها بعد السبك والتصفية ويستقر الوجوب في زكاة المعدن بإحرازه فلا تسقط بتلفه بعد مطلقًا وقبله بلا فعله ولا تفريطه تسقط والمعدن الجامد المخرج من مملوكة لربها؛ لكن لا تلزمه زكاته
حتى يصل إلى يده الجاري الذي مادة لا تنقطع لمستخرجه وإن سبق اثنان إلى معدن في موات فالسابق أولى به ما دام يعمل؛ لحديث: «من سَبقَ إلى مباح فهو أحق به؛ فإن ترك العمل جاز لغيره العمل فيه».
س69: هل تتكرر زكاة المعدن؟ وهل يضم جنس من معادن إلى جنس آخر في تكميل النصاب؟ وضِّح ذلك وتعرض لذكر الخلاف؟, وهل في المسك والزباد والمخرج من البحر زكاة، واذكر الدليل والتعليل؟
ج: لا تنكر زكاة معدن؛ لأنه عرض مستفاد من الأرض أشبه المعشرات غير نقد فتكرر زكاته؛ لأنه معد للنماء كالمواشي، ولا يضم جنس من معادن إلى جنس آخر في تكميل النصاب كبقية الأموال غير نقد فيضم ذهب إلى فضة من معدن وغيره، قال في «الإنصاف»: لا يضم جنس من المعدن إلى جنس آخر على الصحيح من المذهب، اختاره القاضي وغيره وقدمه في الفروع، وقيل: يضم اختاره بعض الأصحاب، قال ابن تميم وهو أحسن، وقيل: يضم إذا كانت متقاربة كقار ونفط وحديد ونحاس، وجزم به في الإفادات، وقال المصنف: والصواب إن شاء الله إن كان في المعدن أجناس من غير الذهب والفضة ضم بعضها إلى بعض؛ لأن الواجب في قيمتها فأشبهت العروض انتهى.
ويضم ما تعددت معادنه واتحد جنسه، ولا زكاة في مسك وزباد ولا مخرج من بحر كسمك ولؤلؤ ومرجان وعنبر ونحوه، ولو بلغ نصابًا؛ لأن الأصل عدم الوجوب وكان العنبر وغيره يوجد في عهده –عليه الصلاة والسلام- وعهد خلفائه ولم ينقل عنه ولا عنهم فيه شيء فوجب البقاء على الأصل؛ ولأن الغالب فيه وجوده من غير مشقة فهو كالمباحات الموجودة في البر. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
مما يتعلق بالمعدن من النظم
ويُفرضُ أيضًا مِنْ مَعَادن جَوهر
وملحٍ وكبريتٍ ونفْطٍ ومَغْرَةً
إذا كان من أثمانه قدر منصب
ووقتُ وجوب الفرض حين حِيَازه
إذا كان من أهْل التزكي مخرجٌ
وفي الكل ربعُ العُشْرِ ممّا شَرَطتُهُ
إذا لمْ يُفَرِّق بَيْنَهَا ترك مُهْمِلٍ
وَلا شيءَ فيما يُخْرِجُ البَحْرُ مُطْلَقًا
وِقارٍ وصُفْرٍ والرّصَاصِ وإثْمِدِ
وسَائِر ما يُسَمَّى بمَعْدِنِ اعدد
ومقداره من غير قيمته قد
ووَقْتُ الادَاءِ مَع سَبْكِهِ والتَّمَهدِ
ومصرفه مثل الزكاة فقَيِّدِ
ولو حِيْزَ في مرّاتِ فِعْلِ مُرَدَّدِ
وفِي خُلْطَةِ الجمعِ أرْو قَوليْن وأسْمِدِ
وَمِعنك وعنه منه كالمعدنِ أرْفِدِ
9- فصل في الركاز
س70: ما هو الركاز؟ وما الواجب فيه؟ وبيَّن مصرفه؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: الرِّكاز الكنز من دفن الجاهلية أو مَن تقدم عن كفار في الجملة عليه أو على بعضه علامة كفر فقط، وما خلا من علامة أو كان على شيء منه علامة المسلمين فلقطة لا يملكه إلا بعد التعريف؛ لأنه مال مسلم لم يعلم زوال ملكه عنه وتغليبًا لحكم دار الإسلام، ويجب في الركاز الخمس؛ لما في حديث أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «العجماء جرحها جبَار والبئر جبار والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس» متفق عليه، ويصرف الخمس مصرف الفيء للمصالح كلها؛ لما روى أبو عبيد بإسناده عن الشعبي أن رجلاً وجد ألف دينار مدفونة خارج المدينة، فأتى بها عمر بن الخطاب، فأخذ منها مائتي دينار ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل يقسم المائتين بين من حضر من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة، فقال: أين صاحب الدنانير، فقام إليه، فقال عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك، فلو كان الخمس زكاة لخصَّ بها أهل الزكاة، وقيل: إن مصرفه مصرف الصدقات؛ لما روى الإمام أحمد بإسناده عن عبدالله ابن بشر الخثعمي عن رجل من قومه، يقال له: ابن حَمَمَة، قال: سقطتُ على حِرة من دَيْر قَديم بالكوفة عند حبانة بشْر فيها أربعة آلاف درهم فذهبت بها إلى علي –عليه السلام-، فقال: اقسمها خمسة أخماس، فقَسمتُها، فأخذ منها عَليُّ خمسًا وأعطاني أربعة أخماس، فلما أدبرت دعاني، فقال: في جيرانك فقراء ومساكين، فقلت: نعم، قال: فخذها واقسمها بينهم، والمساكين مصرف الصدقات؛ ولأنه حق يجب في الخارج من الأرض فأشبه صدقة المعدن. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س71: متى يجب خمس الركاز؟ وهل يجوز إخراج الخمس من غير ركاز؟ وهل يمنع الدين خمس الركاز؟ وهل لواجده أن يفرق الخمس بنفسه؟ وإذا كان واجدُه أجيرًا أو مكاتبًا أو صغيرًا أو مجنونًا أو ذميًا أو مستأمنًا فما الحكم؟
ج: يجب في الركاز الخمس في الحال في أي نوع من المال، ولو غير نقد ويجوز إخراج الخمس من غيره كزكاة الحبوب وغيرها، ولا يمنع الدين خمس الركاز، ويجوز لواجده أن يفرق الخمس بنفسه وباقيه لواجده ولو ذميًا أو مستأمنًا بدارنا أو مكاتبًا أو صغيرًا أو مجنونًا، ويخرج عنهما ولبهما كزكاة مالهما ونفقة تجب عليهما إلا أن يكون واجده أجيرًا فيه لطلبه، فالباقي إذن لمستأجره؛ لأن الواَجِد نائب عنه، ولو استؤجر لحفر بئر أو هدم شيء فوَجدَه فهو له لا لمستأجره لا من كسب الواجِدِ وإن وَجدَهُ عبد فهو من كسبه فيكون لسيده كسائر كسبه.
س72: إذا وجَدَ الركازَ واجدٌ في موات أو شارع أو أرض لا يُعلم مالكها أو في خَرِبة أو في ملكه الذي أحياه فلِمَنْ يكون الركاز؟
ج: إن وَجدَه واجِدٌ في موات أو شارع أو أرض لا يعلم مالكها أو وجده في طريق غير مملوك أو في خربة أو في ملكه الذي أحياه فهو لواجده وإن علم مالك الأرض التي وجد بها الركاز أو كانت الأرض منتقلة إلى واجد الركاز فهو له أيضًا إن لم يَدَّعِهِ المالكُ للأرض؛ لأن الركاز لا يملك بملك الأرض؛ لأن مودع فيها للنقل عنها فلو ادعاه مالك الأرض التي وجد بها بلا بينة تشهد له به ولا وصف بصفة به فالركاز لمالك الأرض مع يمينه؛ لأن يد مالك الأرض على الركاز فرجح بها وكذا لو ادعاه مَنْ انتقلت عنه الأرض؛ لأن يده كانت عليها، وإن اختلفت ورثة المالك فادعى بعضهم أنه لمورثهم وأنكر البعض الآخر فحكم من أنكر حكم المالك الذي لم يعترف به وحكم المدعين حكم المالك المعترف فيحلفون ويأخذون نصيبهم وكذا ورثة من انتقلت عنه.
ومن يتعلق بالركاز من النظم
وفرض الركاز الخمس من كل ما لنا
فيؤخذ خمس إن يجده معاهد
وعنه إلى أهل الزكاة ادْفَعنَّه
وسيان في أي الرباع أوجدتَه
وإن رده مَن عنه حزتَ مكانَهُ
وقولان هل يعطي لمن عنه نقلت
وذلك دفن الكافرين بزيهم
وممتَنع في أرض حرب غنيمةٌ
وأن يتأتى الأخذ من غير منعة
وجُوِّزَ صَرفَ الخمس منه لواجد
ولو قل مثل الفيء في الحال أورد
وفي الثاني لا والكل خذه بمبعد
وأربعة الأخماس منه لوَاجدِ
وعن أحمد للمالك إن عَلِم أرْدِدِ
فجاوز إلى مَن قبله وتصَعَّد
مقربه من غير وصف وشهد
وَمعَ شك أو زيّ الهدى اللقطة أنشُدِ
كجمع أتوا في منعة وتعَدُّدِ
فذاك ركاز في الأصح المجوّدِ
في الأقرى إذا ما كان أهل التزود
10- باب زكاة الذهب والفضة
س73: تكلم عما تجب فيه الزكاة من الأثمان مع ذكر الدليل؟
ج: مما تجب فيه الزكاة الأثمان وهي النقود من الذهب والفضة وما يقوم مقامها من أوراق وفلوس نقدية ووجوب الزكاة فيهما بالكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب: فقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ  الآية والسُّنة مستفيضة بذلك، ومنه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار يُحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنُبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد» رواه مسلم.
وروى البخاري وغيره في كتاب أنس: «وفي الرقة ربع العشر؛ فإن لم يكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها والرقة هي الدراهم المضروبة».
وقال النبي : «ليس فيما دون خمس أواقي صدقة» متفق عليه، وأجمع أهل العلم على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً وقيمته مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه إلا ما اختلف فيه عن الحسن، قاله في «المغني» و«الشرح الكبير».
س74: ما أقل نصاب ذهب وفضة؟ وما مقدار كل منهما في الريال الحالي والجنيه؟ وتكلم بوضوح عن الأوراق الموجودة حاليًا.
ج: أقل نصاب ذهب عشرون مثقالاً زنة المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، ولم تتغير في جاهلية ولا إسلام، وزنة العشرين مثقالاً بالدراهم ثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم إسلامي وخمسة وعشرون وسبعًا دينار وتسعة بالذي زنته درهم وهو على التحديد، والمثقال ثنتان وسبعون حبَّة شعير متوسطة. والنصاب بالذهب بالجنيه السعودي، وكذلك بالجنيه الفرنجي أحد عشر جنيهًا ونصف جنيه، وأقل نصاب فضة مائتا درهم وبالريال العربي ستة وخمسون ريالاً تقريبًا، وبالريال الفرنسي ثلاثة وعشرون ريالاً تقريبًا؛ لما في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد أن النبي  قال: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة»، والأوقية: أربعون درهمًا وهي بالمثاقيل مائة وأربعون مثقالاً؛ وأما الأوراق الموجودة؛ فإذا ملك منها ما يقايل نصابًا من الفضة وحال عليها الحول؛ فإنه يخرج منها ربع العشر ويجب في الذهب والفضة ربع العشر مضروبين أو غير مضروبين؛ لعموم قوله : «إذا كانتا مائتا درهم فيهما خمسة دراهم»؛ ولعموم ما تقدم وعن ابن عمر وعائشة أن النبي  كان يأخذ من كل عشرين مثقالاً نصف مثقال. رواه ابن ماجه.
س75: تكلم عن حكم معشوش الذهب؟ وهل يجزي إخراج الزكاة من المغشوش؟ وماذا يعمل إذا شك في بلوغ مغشوش نصابًا؟ وإذا أخرج رديء عن أعلى فما الحكم؟ وهل يجزي إخراج مغشوش عن خالص وقليل القيمة عن كثيرها؟
ج: يزكي مغشوش ذهب وفضة بلغ خالصه نصابًا وإلا فلا؛ فإن شك في بلوغ مغشوش نصابًا سَبَكه واحتاط فأخرج ما يجزيه بيقين لتبرأ ذمته والأفضل إخراجه عنه ما لا غش فيه، ويزكي غش من نقد بلغ بضم نصابًا فأربع مائة ذهب فيها مائة فضة وعنده مائة فضة يزكي المائة الغش؛ لأنا بلغت نصابًا بضمها إلى المائة الأخرى، وكذا لو بلغ نصابًا بدون الضم كخمسمائة درهم فيها ذهب ثلاثمائة وفضة مائتان فيزكي المائتين الغش؛ لأنها نصاب بنفسها، وإن شك من أيهما الثلاثمائة درهم احتاط فجعلها ذهبًا فيخرج زكاة ثلاثمائة درهم ذهبًا ومائتي درهم فضة احتياطًا، ويعرف غش الذهب المغشوش بوضع ذهب خالص وزنَ المغشوش بماء في إناء أسِفله كأعلاه، ثم يرفع الذهب، ثم يوضع فضة خالصة وزن
المغشوش والفضة أضخم من الذهب ثم ترفع، ثم توضع مغشوش، ثم يرفع ويعلم عند وضع كل من ذهب وفضة ومغشوش علو الماء في الإناء والأولى كونه ضيقًا ليظهر ذلك؛ فإن تنصف بينهما علامة مغشوش فنصفه ذهب ونصفه فضة ومع زيادة أو نقص عن ذلك بحسابه ويخرج عن جيد صحيح من ذهب أو فضة من نوعه كالماشية لوجوب الزكاة في عينه ويخرج عن رديء من ذهب وفضة من نوعه؛ لأن الزكاة مواساة فلا يلزمه إخراج أعلى مما وجبت فيه، وإن اختلفت أنواع مزكي أخرج من كل نوع بحصته؛ لأنه الواجب شق أو لم يشق والأفضل الإخراج من الأعلى؛ لأنه زيادة خير للفقراء ويجزي إخراج رديء عن أعلى مع الفضل كدينار ونصف من الرديء عن دينار جيد مع تساوي القيمة؛ لأن الرِّبَا لا يجري بين العبد وربه كما لا يجزي بين العبد وسيده، ويجزي إخراج مغشوش عن خالص جيد مع الفضل وتجزي دراهم سود عن دراهم بيض مع الفضل نصًا؛ لأنه أدى الواجب قيمة وقدرًا كما لو أخرج من عينه ويجزي قليل القيمة عن كثيرها مع إنفاق الوزن لتعلق الوجوب بالنوع وقد أخرج منه ولا يجزي أعلى عن واجب بالقيمة دون الوزن، فلو وجب نصف دينار رديء فأخرج عنه ثلث جيد يساويه قيمة لم يجزه لمخالفة النص فيخرج أيضًا سدسًا.
س76: هل يضم أحد النقدين إلى الآخر في تكميل النصاب؟ وما حكم ضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة؟ وما حكم ضم جيد كل جنس ومضروبه إلى دريئه وتبره؟
ج: يضم أحد النقدين إلى الآخر بالأجزاء في تكميل النصاب؛ لأن زكاتهما ومقاصدهما متفقة؛ ولأن أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر فضم إلى الآخر كأنواع الجنس ويخرج أحد النقدين عن الآخر فيخرج ذهب عن فضة وعكسه بالقيمة لاشتراكهما في المقصود من الثمنية والتوسل إلى المقاصد فهو كإخراج مكسرة عن صحاح بخلاف سائر الأجناس لاختلاف مقاصدهما؛ ولأنه أرفق بالمعطي والآخذ ولئلا يحتاج إلى التشقيص والمشاركة أو بيع أحدهما نصيبه من الآخر في زكاة ما دون أو بعين دينارًا وإن اختار الدفع من الجنس وأباه فقير لضرر يلحقه في أخذه لم يلزم مالكًا إجابته؛ لأنه أدى فرضه فلم يكلف سواه ويضم جيد كل جنس ومضروبه إلى رديته وتبره وتضم قيمة عروض تجارة إلى الذهب أو الفضة وتضم إلى جميعه، فلو كان ذهب وفضة وعروض ضم الجميع في تكميل النصاب؛ لأن العروض مضموم إلى كل منهما فوجب ضمهما إليه. والله أعلم.
11- فصل في زكاة الحلي
س77: تكلم بوضوح عن حكم زكاة الحلي، وأذكر ما فيه من خلاف ودليل أو تعليل بإستقصاء؟
ج: تجب الزكاة في حلي الذهب والفضة، إذا بلغ نصابًا بنفسه أو بما يضم إليه من جنسه أو في حكمه، ولم يكن معدًا للاستعمال ولا للإعارة؛ فإن كان معدلهما أو لأحدهما فلا زكاة فيه؛ لما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يحلي بناته وجَواريه الذهب ولا يخرج من حليهن الزكاة، ورواه عبدالرزاق، أنبأنا عبدالله، عن نافع: أن ابن عمر قال: «لا زكاة في الحلي»، وروى مالك أيضًا عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها فلا تخرج من حليهن الزكاة كلاهما في «الموطأ» (أثر أخرجه) الدارقطني عن شريك عن علي بن سليمان قال: سألت أنس بن مالك عن الحلي، فقال: ليس فيه زكاة أثر آخر، رواه الشافعي، ثم البيهقي من جهة أبي سفيان عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن خالد يسأل جابر بن عبدالله عن الحلي: أفيه الزكاة؟ قال جابر: لا، فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار، فقال جابر: كثير. (أثر آخر) أخرجه الدارقطني عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن
أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه نحوًا من خمسين ألفًا، قال صاحب «التنقيح»: قال الأثرم: سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل، يقول: «خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: أنس بن مالك، وجابرًا، وابن عمر، وعائشة، وأسماء» انتهى كلامه. قال في «شرح الإقناع» وما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي  قال لامرأة في يدها سواران من ذهب: «هل تعطين زكاة هذا»، قالت: لا، قال: «أيسرك أن يسورك الله بسوارين من نار» رواه أبو داود، فهو ضعيف. قال أبو عبيد والترمذي: وما صح من قوله : «في الرقة ربع العشر»، فجوابه: إنها الدراهم المضروبة، قال أبو عبيد: لا يعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب إلا على الدراهم المضروبة ذات السكة السائرة بين المسلمين وعلى تقدير الشمول يكون مخصصًا بما ذكرنا؛ ولأنه مرصد للاستعمال المباح فلم يجب فيه الزكاة كالعوامل وثياب القنية، قال المعلق على «شرح الإقناع» في (ص211) على حديث المسكتين: الحديث عند أبي داود وغيره أتت امرأة من أهل اليمن النبي  ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: «أتعطين زكاة هذا» الحديث. قال أبو عبيد في «الأموال» (ص454): هذا الحديث لا نعلمه يروى إلا من وجه واحد بإسناد، وقد تكلم به قديمًا وحديثًا؛ فإن يكن الأمر على ما روى وكان عن النبي  محفوظًا فقد يحتمل معناه أن يكون أراد بالزكاة العارية كما فسرته العلماء سعيد بن المسيب والشعبي والحسن وقتادة في قولهم: زكاته عاريته، ولو كانت الزكاة في الحلي فرضًا كفرض الرقة ما اقتصرَ النبي  من ذلك على أن يقوله لامرأة يخصها به عند رؤيته الحلي عليها دون الناس، ولكان هذا كسائر الصدقات الشائعة المنتشرة عنه في العالم من كتبه وسننه ولفعلته الأئمة بعد، وبهذا القول قال القاسم والشعبي وقتادة ومحمد بن علي وعمرة ومالك والشافعي وأبو عبيد وإسحاق وأبو ثور. قال في «الاختيارات الفقهية» ونقل عن غير واحد من الصحابة أنه قال: زكاة الحلي عاريته؛ ولهذا تنازع أهل هذا القول هل يلزمها أن تعيره لمن يستعيره إذا لم يكن في ذلك ضرر عليها على وجهين في مذهب أحمد وغيره والذي ينبغي إذا لم تخرج الزكاة عنه أن تعيره؛ وأما إن كانت تكريه ففيه الزكاة عند جمهور العلماء، وفي «شرح أصول الأحكام» قال ابن القيم: وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين وهو الراجح وإنه لا يخلو من زكاة أو عاريَّة.
والقول الثاني: أن فيه الزكاة وإن كان معدًا للاستعمال أو للإعارة لظاهر الآيات وللأحاديث العامة والخاصة فمن الأحاديث العامة حديث أبي سعيد الخدري: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» أخرجاه في «الصحيحين»، ولمسلم عن جابر نحوه، ومنها ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن امرأة أتت النبي  ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: «أتعطين زكاة هذا» قالت: لا، قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار»، قال: فحذفتهما فألقتهما إلى النبي ، فقالت: هما لله ولرسوله» رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني. وما ورد عن عائشة زوج النبي  قالت: «دخل رسول الله  فرأى في يدي فتَحات من ورق، فقال: «ما هذا يا عائشة؟» فقالت: صنعتهن أتزين لك، قال: «حسبك من النار»» رواه أبو داود والدارقطني، وفي إسناده محمد بن يحيى الغافقي، وقد احتج به الشيخان وغيرهما.
وعن أم سلمة قالت: «كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله، أكنز هو، فقال: «ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز»» رواه مالك وأبو داود الآثار. روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» حدثنا وكيع عن مساور الورّاق قال: «كتب عمر بن الخطاب  إلى أبي موسى الأشعري  أن مُرْ من قبلك من نساء المسلمين أنْ يُزَكِّينَ حُليهُنَّ ولا يحملن الزيادة والهدية بينهم تقارضًا» قال البخاري في «تاريخه»: هو مرسل أثر آخر أخرجه عبدالرزاق في «مصنفه» عن ابن مسعود قال: «في الحلي الزكاة» انتهى من طريق عبدالرزاق، رواه الطبراني في «معجمه»،
أثر آخر أخرجه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يكتب إلى خازنه سالمًا أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة، وكما روي هذا عن عمر وابن مسعود، فقد روي أيضًا عن ابن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وعبدالله بن شداد وجابر ابن زيد وابن سيرين وميمون بن مهران والزهري والثوري وأصحاب الرأي لعموم ما تقدم. والذي يترجح عندي القول الأول لما تقدم؛ ولأنه مرصد للاستعمال المباح ولم يرصد للنماء، والزكاة إنما شرعت في الأموال النامية. والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س78: تكلم عما يلي واذكر أمثلة توضح ما يحتاج إلى توضيح: الحلي، المحرم ما أعد للكراء، وما أعد للنفقة، هل العبرة بالوزن؟ وبأي شيء يقوم مباح الصناعة: تحلية المسجد والمحراب، تحلية السقف والحائط؟
ج: تجب الزكاة في محرم كآنية ذهب وفضة؛ لأن الصناعة المحرمة كالعدم، وتجب الزكاة في حلي مباح معد للكري أو نفقة ونحوه إذا بلغ نصابًا وزنًا؛ لأن سقوط الزكاة فيما أعد لاستعمال أو إعارة لصرفه عن جهة النماء فيبقى ما عداه على الأصل إلا المباح من الحلي المعد للتجارة ولو نقد فيعتبر نصابه قيمة كسائر أموال التجارة ويقوِّم مباح صناعة لتجارة ولو نقدًا بنقد آخر؛ فإن كان من ذهب قوِّم بفضة وإن كان من فضة قومِّم بذهب إن كان تقويمه بنقد آخر أحظ للفقراء أو نقص عن نصابه كخواتم فضة لتجارة زنتها مائة وتسعون درهمًا وقيمتها عشرون مثقالاً ذهبًا فيزكيها بربع عشر قيمتها؛ فإن كانت مائتي درهم، وقيمتها تسعة عشر مثقالاً وجب أن لا تقوم وأخرج ربع عشرها، ويعتبر مباح صناعة من حلي تجب زكاته الغير تجارة بلغ نصابًا أو وزنًا في إخراج زكاته بقيمته اعتبارًا للصنعة ويحرم أن يحلى مسجد أو محراب بنقد أو أن يموه سقف أو حائط بنقد، وكذا سرج ولجام دواة ومقلمة ونحوها؛ لأنه سرف ويقضي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، فهو كالآنية. وقد نهى النبي  عن
التختم بخاتم الذهب للرجل فتمويه نحو السقف أولى وتجب إزالته كسائر المنكرات وتجب زكاته إذا بلغ نصابًا بنفسه أو ضم إلى غيره إلا إذا استهلك فلم يجتمع منه شيئًا فيهما.
س79: ما الذي يباح من الذهب والفضة وما الذي يباح للنساء؟ وهل يجب في الجواهر واللؤلؤ زكاة؟
ج: يباح لذكر من فضة خاتم؛ لأنه  اتخذ خاتمًا من ورق متفق عليه ولبسه بخنصر يساره أفضل. قال الدارقطني وغيره المحفوظ أن النبي  كان يتختم في يساره، وضعّف أحمد في رواية الأثرم وغيره حديث التختم، باليمنى ويجعل فصه مما يلي كفه؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- كان يفعل ذلك قاله في الفروع، وكان ابن عباس وغيره يجعله مما يلي ظهر كفه ولا بأس بجعله مثقالاً فأكثر؛ لأنه لم يرد فيه تحديد ما لم يخرج عن العادة؛ لأن الأصل التحريم خرج المعتاد لفعله  وفعل الصحابة وله جع لفصه منه ومن غيره؛ لأن في البخاري من حديث أنس كان فصه منه، ولمسلم كان فصه حبشيًّا ويكره لبسه في سبابة ووسطى للنهي الصحيح ويباحُ لذكر من فضة قبيعة سيف لقول أنس كانت قبيعة سيف رسول الله  فضة، رواه الأثرم. والقبيعة: ما يجعل على طرف القبضة؛ ولأنها معتاد له أشبهت الخاتم ويباح حلية منطقة وهي ما يشتد به الوسط وتسميه العادة الحياصة؛ لأن الصحابة أتخذوا المناطق محلاة بالفضة ولأنها كالخاتم وعلى قياسه حلية جوشن وهو الدرع وخوذة وهي البيضة وخف وران وهي شيء يلبس تحت الخف وحمائل سيف؛ لأن هذه معتادة للرجُل فهي كالخاتم ولا يباح حلية ركاب ولجام ردواة ونحو ذلك ويباح لذكر من ذهب قبيعة سَيْف، قال أحمد: «كان في سيف عمر سبائك من ذهب، وكان في سيف عثمان بن حنيف  مسمار من ذهب»، ويباح له من ذهب ما دعت إليه ضرورة كانت ولو مكن من فضة؛ لأن عَرْفجة بن سعيد قطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفًا من فضة فأنتن عليه فأمره النبي  فاتخذ أنفًا من ذهب، رواه أبو داود وغيره صححه الحاكم. وكشدّ سن، رواه الأثرم عن أبي رافع وثابت البناني وغيرهما؛ ولأنهما ضرورة فأبيح كالأنف ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهن بلبسه، ولو كثر ولو زاد على ألف مثقال كسوار ودملوج وطوق وخلخال وخاتم وقرط وما في مخانقِ ومقالدٍ وما أشبه ذلك ويباح لرجل وخنثى وامرأة تحلِّ بجوهر ونحوه كزمرد وياقوت ويحرم نقض صورة حيوان على خاتم ولبسه ما بقيت عليه ولا زكاة في الجواهر واللؤلؤ وإن كثرت قيمته أو كان في حلي كسائر العروض إلا أن يكون الحلي لتجارة فيقوّم جميعه أي ما فيه من جوهر ولؤلؤ وغيرهما تبعًا لما فيه من نقد. والله أعلم.
ومما يتعلق بزكاة الذهب والفضة والحلي
وللذهب العشرون مثقالاً لا اتخد
وفي فضة صرفًا فخذ ربع عشرها
ونقص يسير عادة غير مانع
وفي زائد عن منصب بحاسبه
ولا عبرة في الغش في قدر منصب
وأن يخرجن عن جيد وصحيحها
ويجزي مع الجبران في نص أحمد
وفي ضم ورقِ في النصاب وعسجد
وضَمكَ بالأجزاءِ أولى وقيل بل
وقيمة عرض ضمها لِكليهما
نصابًا وربع العشر فرضٌ لها طدِ
على مائتيها المنصب الخمسة أعددِ
وفي ثلث مثقال مقاليْنِ أسندِ
فأدّ زكاة الأصل والمتزيدِ
ومن شك يخرج أوالي السبك أرشدِ
لضد فتمم نقص ذا بالتزيدِ
وقد قيل لا يجزي هنا غير جيدِ
وإخراج ذا عن ذا مَقالين أسند
بقيمة ما فيْه الأحض لمجُتَدِ
وحظ الفقير الزْمهُ في الضم واقصدِ
ما يتعلق بالحلي
ولا شيء في حلي مباح تعدة
ولو كان ملكًا للمزين عرسه
وما أعتادهُ النسوان حل جميعه
وحل على الذكران خاتم فضة
وأنف وربط السن منه ضرورة
وحلي حرام والأواني فزكها
لفعل مباح لا لكسب بأوكد
وعارية الأنثى كذا حكم نهد
وقيل ألف مثقال يزكي وأبعد
وحلية سيف مع قبيعة عسجد
وقول أبي بكر مبيح المزهد
وما اعتد للإنفاق أو للتزيد
12- باب زكاة العروض
س80: ما هو العرض؟ ومتى تجب زكاته؟ وما سندها؟ وما الذي تجب فيه زكاته؟ وما الذي يشترط لزكاة العروض؟
ج: العروض جمع عرض بإسكان الراء وهو ما عدا الأثمان من الحيوان والثياب وبفتحها كثرة المال والمتاع، وسمي عرضًا؛ لأنه يعرض ليباع ثم يشترى، وقيل: لأنه يعرض ثم يزول ويفنى، والمراد هنا ما أعد للبيع والشراء لأجل ربح غير النقدين غالبًا، تجب في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصابًا في قول الجماهير وادعاه ابن المنذر إجماع أهل العلم، وقال المجد: هو إجماع متقدم لقوله تعالى: فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، وقوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ الآية، وقال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (25/45): والأئمة الأربعة وسائر الأمة إلا من شذ متفقون على وجوبها في عروض التجارة سواء كان التاجر مقيمًا أو مسافرًا سواء كان متربصًا وهو الذي يشتري التجارة وقت رخصها ويدخر ما إلى وقت ارتفاع السعر أو مديرًا كالتجار الذين في الحوانيت سواء كانت التجارة بزًا من جديد أو لبيس أو طعامًا من قوت أو فاكهة أو أدم أو غير ذلك أو كانت آنية كالفخار ونحوه أو حيوانًا من رقيق أو خيل أو بغال أو حمير أو غنم معلوفة أو غير ذلك، فالتجارات هي أغلب أموال أهل الأمصار الباطنة كما أن الحيوانات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة ومال التجارة أعم الأموال فكان أولى بالدخول لحديث أبي ذر مرفوعًا: «وفي البر صدقة» رواه أحمد، ورواه الحاكم من طريقين وصحح إسنادهما، وقال: إنه على شرط الشيخين واحتج أحمد بقول عمر لحماس -بكسر الحاء المهملة: «أد زكاة مالك»، فقال: مالي إلا جعاب وأدم، فقال: قومها وأد زكاتها، رواه أحمد وسعيد وأبو عبيد وأبو بكر ابن أبي شيبة وغيرهم وهو مشهور؛ لما ورد عن سَمُرةَ بن جندب قال: «إن رسول الله  أمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع» رواه أبو داود. وتجب لزكاة في قيمة عروض تجارة بلغت نصابًا من أحد النقدين إلا في نفس العرض؛ لأن النصاب معتبر بالقيمة فهو محل الوجوب والقيمة إن لم توجد عينًا فهي مقدرة شرعًا، وقال الشيخ تقي الدين: ويجوز الأخذ من عينها، قال: ويقوى على قول من يوجب الزكاة في عين المال، وهذا القول عندي أنه أرجح؛ لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله، ويشترط لزكاة العروض شرطان: الأول: أن يملكها بفعله بنية التجارة. الثاني: أن تبلغ قيمتها نصابًا.
س81: تكلم بوضوح عما يلي: إذا ملك العروض بإرث أو بفعله بغير نية التجارة؟ من كان عنده عرض لتجارة فنواه للقنية ثم لتجارة، متى تقوم العروض؟, وما صفة تقويم الأمة المغنية والعبد الخصي وآنية الذهب والفضة ونحوها؟
ج: إذا ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نوى التجارة بها لم تصر لها، وكذا لو ملكها بإرث لم تصر لها إلا أن يكون اشتراها بعرض تجارة فلا يحتاج إلى نية التجارة، بل يكفيه استصحاب حُكمها بأن لا ينويها للقنية وإن كان عنده عرض تجارة فنواه للقنية دون التجارة ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة؛ لأن القنية هي الأصل فيكفي في الرد إليه مجرد النية كما لو نوى المسافر الإقامة؛ ولأن نية التجارة شرط للوجوب فيها؛ فإذا نوى القنية زالت نية التجارة
ففات شروط الوجوب بخلاف السائمة إذا نوى علفها؛ فإن الشرط السوم دون النية إلا حُليِّ اللبس ذا نوى به التجارة فيصير لها بمجرد النية؛ لأن التجارة الأصل فيه، فإذا نواه للتجارة فقد رده إلى الأصل وتقوم للعروض عند تمام الحول؛ لأنه وقت الوجوب بالأحظ للفقراء من ذهب أو فضة ولا يعتبرها ما اشتريت به من عين أو ورق لا قدرًا ولا جنسًا، روي عن عمر؛ لأن في تقويمها بما اشتريت به أبطال للتقويم بالأنفع، وتقوّم الأمة المغنية والزامرة والضاربة بآلة لهو ساذجة أي خالية عن معرفة ذلك؛ لأنها لا قيمة لها شرعًا ويقوم العبد الخصي بصفته ولا عبرة بقيمة آنية ذهب وفضة ونحوها كمراكب وسرج لتحريمها فيعتبر نصابها وزنًا.
س82: تكلم عن أحكام ما يلي: إذا اشترى أو باع عرضًا للتجارة بنصاب من الأثمان أو من العروض، إذا اشترى عرض التجارة بنصاب من السائمة أو باع عرض التجارة بنصاب من السائمة، إذا اشترى نصاب سائمة لتجارة بنصاب سائمة لقنية، إذا ملك نصاب سائمة لتجارة فحال الحول والسوم ونية التجارة موجدان؟
ج: إذا اشترى أو باع عرضًا للتجارة بنصاب من الأثمان أو من العروض بنى على حوله أي حول الأول وفاقًا؛ لأن الزكاة في الموضعين تتعلق بالقيمة وهي الأثمان، والأثمان يبنى حول بعضها على بعض؛ ولأن وضع التجارة للتقلب والاستبدال بثمن وعروض فلو لم يبن بطلت زكاة التجارة وإن لم يكن النقد نصابًا فحوله من حين كملت نِصابًا لا من حين اشتراه وإن اشترى عرض التجارة بنصاب من السائمة لم يبن على حوله لاختلافهما في النصاب والواجب وإن اشترى نِصاب سائمة لتجارة بنصاب سائمة لقنية بنى حَولِه؛ لأن السموم سبب للزكاة قدم عليه زكاة التجارة؛ لقوته فبزوال المعارض ثبت حكم السوم لظهوره.
س83: من ملك نصاب سائمة لتجارة أو ملك أرضًا لتجارة فزرعت أو ملك نخلاً لتجارة فأثمر فهل عليه زكاة تجارة أو يزكي لغيرها؟ إذا اشترى صباغ ما يصبغ به للتكسب فهل يزكيه؟ إذا ملك نصاب سائمة لتجارة نصف حول ثم قطع نية التجارة فما الحكم؟ وهل تزكي آنية عرض التجارة أو آلة دابة التجارة وضح ذلك، مع التمثيل لما يحتاج إلى تمثيل؟
ج: من ملك نصاب سائمة لتجارة أو ملك أرضًا لتجارة فزرعت أو ملك نخلاً فأثمر فعليه زكاة تجارة فقط الزرع والثمر جزر خرجًا منه فوجب أن يقوما مع الأصل كالسخال والربح المتجدد إلا أن لا تبلغ قيمة المذكور نصابًا بأن نقصت عن عشرين مثقالاً ذهبًا وعن مائتي درهم فضة فيزكي ذلك لغير التجارة فيخرج من السائمة زكاتها، ومن الزرع والثمر ما وجب فيه لئلا تسقط الزكاة بالكلية ومن ملك نصاب سائمة لتجارة نصف حول ثم قطع نية للتجارة استأنف الحول للسوم؛ لأن حول التجارة انقطع بنية الاقتناء وحول السوم لا يُبنى عليه غيره وأما آنية عرض التجارة كغرائر وأكياس وأجربة وآلة دابة التجارة كسرج ولجام وبردعة ومقود؛ فإن أريد بيعها مع العرض والدابة فهما مال تجارة يقوّمان مع العرض والدابة وإلا يريد بيعها فلا يقوّمان كسائر عروض القنية.
س84: إذا اشترى شقصًا مشفوعًا لتجارة بألف فصار عند تمام الحول بألفين فما الحكم؟ وإذا اشترى صباغ ما يصبغ به أو دباغ ما يدبغ به فما الحكم؟ وإذا أذن كل واحد من شريكين أو غيرهما لصاحبه في إخراج زكاته فما الحكم؟
ج: في المسألة الأولى يزكي ألفين؛ لأنهما قيمته ويأخذه الشفيع بالش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:38 am

س84: إذا اشترى شقصًا مشفوعًا لتجارة بألف فصار عند تمام الحول بألفين فما الحكم؟ وإذا اشترى صباغ ما يصبغ به أو دباغ ما يدبغ به فما الحكم؟ وإذا أذن كل واحد من شريكين أو غيرهما لصاحبه في إخراج زكاته فما الحكم؟
ج: في المسألة الأولى يزكي ألفين؛ لأنهما قيمته ويأخذه الشفيع بالشفعة بألف؛ لأنه يأخذه بما عقد عليه وينعكس الحكم بعكسهما؛ فإذا اشترى بألفين فصار عند الحول بألف زكي ألفًا وأخذة الشفيع إن شاء بألفين وكذا لو ردّ لعيبه ردّهُ بألفين، وإن اشترى صباغ ما يصبغ به وينفي أثره كزعفران ونيل ونحوه فهو عرض تجارة يقوّم عند تمام حوله لإعتياضه عن الصبغ القائم بنحو الثوب ففيه معنى التجارة وكذا ما يشتريه دباغ ويَدبَغُ به كعفص وقرض وما يدهن به كسمن وملح، وإذا أذن كل من شريكين أو غيرهما لصاحبه في إخراج زكاته ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه إن أخرجا معا أو جهل سابق وإلا ضمن الثاني ولو لم يعلم لا إن أدى دينًا بعْدَ إداء مُوكَّلهِ ولو لم يعلم ولهن عليه زكاةُ الدقة تطوعًا قبل إخراجها.
مما يتعلق بزكاة عروض التجارة
ومن قيمة العروض اقبضن فرض بالغ
وقيمتها أصل تفارقه إذا
ولا شيء فيها إن بإرث ملكتها
ولا إن نوى بعد اقتناء تجارة
ولا تعتبر حال الشراء وقوِّمن
وتبني على حول الأصول مبدلاً
وسائمة عرضا تزكي تجارة
وقبل زكاة زكها من نصابها
وإن ما تكن أرضًا ونخلاً فزكها
وقال أبو يعلى خذ العشر للنما
ويخرج عن مال القراض وحظه
وقيل من الربح احسبن كمضارب
وكل شريك ضامن حق آذن
ويضمن ثان حتى أول مخرج
نصابًا من الأثمان من ثم فاعقد
تملكتها تنوي إتجارًا بها قد
أو الفعل لم تنويها تجر قصد
وعنه بلى فاحكم بقصد مجرد
لدى الحول بالأولى لأهل التفقد
وسائمة إن بعت بالفرض فابتدى
وأي نصابيها استوى عنه زود
وقيل الأحظ افعله للفقراء قد
وأثمارها والزرع كالعرض ترشد
كسبقهما حول التجارة وراشد
من الريح رب المال من حظه قد
إذا قيل زكى جاز منه بمبعد
إذا أخرجاها دفعة بتعدد
ولو جاهلاً أو بعد عزل بأجود
13- باب زكاة الفطر
س85: ما حكم صدقة الفطر؟ وما الأصل في مشروعيتها؟ ولما أضيفت إلى الفطر؟ وما هي الفطرة؟ وما الذي يُراد بصدقة الفطر؟ وما الحكمة فيها؟
ج: حكمها أنها واجبة وجوب عين على كل مسلم تلزم مؤنة نفسه ولو مكاتبًا فضل له عن قوته ومن تلزمه مؤنته يوم العيد وليلته صاع وأضيفت إلى الفطر؛ لأنه سبب وجوبها فهو من إضافة الشيء إلى سببه، وقيل: لها فطرة؛ لأن الفطرة الخلقة؛ قال الله تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وهذه يُراد بها الصدقة عن البدن والنفس والحكمة فيها هي المذكورة في حديث ابن عباس: «زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة المساكين» الحديث رواه أبو داود وابن ماجه، والأصل في مشروعيتها ما روى ابن عمر «أن رسول الله  فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر وصاعًا من أقط أو صاعًا من شعير على كل حر وعبد وذكر وأنثى من المسلمين» متفق عليه.
وللبخاري: «والصغير والكبير من المسلمين».
وقال سعيد بن المسيب وعمر بن عبدالعزيز في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى أنها زكاة الفطر.
س86: بين مصرف صدقة الفطر؟ وهل الدين مانع من وجوبها؟ وهل تجب في مال اليتيم؟ ومن الذي يتولى أمره فيها؟ وما الدليل على أنها تلزم لمن مانه من المسلمين؟
ج: مصرفها كزكاة لعموم قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِالآية وتجب في مال اليتيم كزكاة المال ويخرجها عنه وليه كما ينفق عليه وعلى من تلزمه مؤنته؛ وأما كونها تلزمه عمن يمونه من المسلمين كزوجة وعبد وولد فلعموم حديث ابن عمر: «أمر رسول الله  بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون» رواه الدارقطني، ولا يمنع الدين وجوبها إلا مع طلبه لتأكيدها بدليل وجوبها على الفقير وعلى كل مسلم قَدَرَ عليها وتحملها عمن وجَبَت عليه؛ ولأنها تجب على البدن والدين لا يؤثر فيه بخلاف زكاة المال إلا مع الطلب بالدين فتسقط لوجوب إرادته بالطلب وتأكده بكونه حق آدمي معين وبكونه أسبق سببًا ومقدارها صاعٌ فاضل بعد حاجتهما لمسكن وخادم ودابة وثياب مهنة وكسب علم النظر وحفظ؛ لأن هذه حوائج أصلية يحتاج إليها كالنفقة.
س87: على من تجب فطرة زوجة المكاتب ورفيقه وقريبه ممن تلزمه مؤنته؟ وإذا لم يفضل مَعَ مَن وجَبت عليه زكاة الفطر إلا بعض صاع، فما الحكم؟
ج: تلزم المكاتب فطرة زوجته وفطرة قريبه ممن تلزمه مؤنته كولده التابع له في الكتابة وتلزمه فطرة رقيقه كفِطرَة نفسه لدخوله في عموم النص؛ ولأنه مسلم تلزمه نفقة من ذكر فلزمته فطرته كالحر وإن لم يفضل إلا بعض صاع لزمه إخراجه عن نفسه؛ لقوله : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ولأنها طهرة فهي كالطهارة بالماء؛ فإن فضل صاع وبعض صاع أخرج الصاع عن نفسه؛ لحديث: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وأخرج البعض عمن تلزمه نفقته ويكمله المخرج عنه إن قدر؛ لأنه الأصيل والمخرج متحمل.
س88: هل تلزمُ الزوج فطرة مَن بانت عنه وهي حَامل؟ وهل يلزمُ المستأجر لأجير وظئر بطعامها وكسوتهما فِطرةً؟ وتكلم عن فطرة من وجبت نفقته في بيت المال؟ وعن فطرة الزوجة الناشز؟ وممن لا تجب نفقتها لصغر أو زوجة أمة تسلمها زوجها ليلاً دون نهار؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: لا تلزم الفطرة الزوج لبائن حامل؛ لأن النفقة للحمل لا لها من أجل الحمل، ولا تلزم الفطرة من استأجرها أجيرًا أو ظئرًا بطعامه وكسوته كضيف؛ لأن الواجب هاهنا أجرة تعمدُ الشرط في العقد فلا يُزاد عليها، ولاتجب فطرة مَن وجَبت نفقته في بيت المال كعبد الغنيمةِ قبل القسمة وعبد الفيء واللقيط؛ لأن ذلك ليس بإنفاق وإنما هو إيصال المال في حقه، وترتيب الفطرة كالنفقة لتبعيتها لها ولا تجب فطرة غائب إن شك في حياته، ولا تبج فطرة زوجة ناشز أو زوجة لا تجب نفقتها لصغر ونحوه أو زوجة أمة تسلمها زوجها ليلاً دون نهار؛ لأنها زمن الوجوب في نوبة سيدها فتكون على سيدها.
س89: بيِّن على من تجب فطرة مَن يلي: القن المشترك؟ مَن له أكثر مِن وارث؟ المُلحقُ بأكثر من واد؟ إذا عجز بعض الملاك أو الورَّاث فماذا يلزم القادر؟ وهل لمن لزمتْ غيرَه فطرتُهُ الطلب بإخراجها؟ وهل له أن يخرجها بنفسه؟ إذا أخرج إنسان فطرة عمن لا تلزمه فطرته، فما حكم ذلك؟
ج: فطرة القن المبعَّض والمشترك ين إثنين فأكثر وفطرة مَن له أكثر مِن وارث تقسط، وكذا ملحق بأكثر من واحد بأن ألحقته الفاقة بأبوين فأكثر تقسط فطرته بحسب نفقته؛ لأنها نابعة لها، ولأنها طهرة فكانت على ساداته أو وارثه الحصص، وقيل: إذا كان العبد بين شركاء فعلى كل واحد صاع؛ لأنها طهر فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء ككفارة القتل والقول الأول وهو المذهب وهو من المفردات، قال ناظم المفردات:
والشركاء كلهم في عيد
وقدم المقنع والمحرّر
ومِثْله مَن ألحقته القافه
وهكذا جماعة تلزمهم
وهكذا مبعض الحرية
فيلزم الصّاع لكل فرد
يلزمهم صاع ولا يُكرّر
بأبوين فاسمع اللطافه
نفقة لواحد يقربهم
فالكل بالإفتاه بالسوية
ومن عجز من الملاك أو الوراث لم يلزم القادر سوى قسطه ومن لزمت غيره فطرته كزوجة ولد معسر طلبه بإخراج الفطرة كالنفقة؛ لأنها تابعة لها وله أن يخرجها عن نفسه إن كان حرًا مكلفًا وتجزي عنه ولو أخرجها بلا إذن من تلزمه الفطرة؛ لأن من تلزمه متحمل لفطرة المخرج عنه والمخاطب بها ابتداء المخرج، ومن أخرج عمن لا تلزمه فطرته بإذنه أجزأ؛ لأن كالنائب عن وإلا فلا.
س90: إذا لم يجد لجميع من تلزمه فطرهم فما الحكم؟ وما حكمها عن الجنيز؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: إن لم يجد لجميعهم بدأ بنفسه لحديث: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول»؛ فإن وجد صاعًا ثانيًا فزوجته لوجوب نفقتها مع الإعسار والإيسار؛ لأنها على سبيل المعارضة؛ فإن وجد ثالثًا فلرقيقه لوجوب نفقته مع الإعسار بخلاف نفقة الأقارب، ثم إن وجد رابعًا فأمه؛ لقوه  للأعرابي حين قال: من أبر؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أباك» ولضعفها عن التكسب، وتسن الفطرة عن الجنين لفعل عثمان، وعن أبي قلابة قال: كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى عن الحمل في بطن أمه، رواه أبو بكر في «الشافي»، ولا تجب عنه حكاه ابن المنذر إجماعًا من يحفظ عنه.
س91: بيَّن متى يجب إخراج الفطرة؟ واذكر أمثلة توضَّح ذلك؟ ومتى وقت جواز إخراجها؟ وهل تسقط بعد وجوبها بموت أو غيره؟
ج: تجب بغروب شمس ليلة عيد الفطر؛ لقول ابن عباس: «فرض رسول الله  صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو وطعمة للمساكين» رواه
أبو داود والحاكم، وقال على شرط البخاري: فأضاف الصدقة إلى الفطر، فكانت واجبة به؛ لأن الإضافة تقتضي الاختصاص وأول فطر يقع من جميع رمضان بمغيب الشمس من ليلة الفطر، فمن أسلم بعد الغروب أو تزوج امرأة بعده أو كان ولد له بعده أو ملك عبدًا بعده وكان معسرًا وقت الوجوب، ثم أيسر بعده فلا فطرة عليه لعدم وجود سبب الوجوب وإن وجد ذلك بأن أسلم وتزوج أو ولد له ولدًا أو ملك عبدًا أو أيسر قبل الغروب وجبت الفطرة لوجود السبب فالاعتبار بحالة الوجوب وإن مات قبل الغروب هو أو زوجته أو رقيقه أو قريبه ونحوه وأعسر أو أبان الزوجة أو أعتق العبد أو نحوه كما لو باعه أو وهبه لم تجب الفطرة ولا تسقط بعد وجوبها بموت ولا غيره لاستقرارها ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين. رواه البخاري.
س92: متى وقت أفضلية إخراج الفطرة؟ وما حكم إخراجها في باقي يوم العيد؟ وما حكم تأخيرها عن يوم العيد؟ وأين مكان إخراجها؟
ج: والأفضل إخراج الفطرة يزن العيد قبل الصلاة؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة في حديث ابن عمر، وقال في حديث ابن عباس: «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»، وقال جمع: الأفضل أن يخرجها إذا خرج إلى المصلى ويجوز إخراجها في باقي يوم العيد لحصول الإغناء المأمور به مع الكراهة لمخالفته الأمر بالإخراج قبل الخروج إلى المصلى، ويأثم مؤخرها عن يوم العيد لجوازها فيه كله؛ لحديث: «اغنوهم في هذا اليوم» ، وهو عام في جميعه، وكان –عليه الصلاة والسلام- يقسمها بين مستحقيها بعد الصلاة، فدل على الأمر بتقديمها على الصلاة للاستحباب، ويقضي من أخرها عن يوم العيد فتكون قضاء، ومن وجبت عليه فطرة غيره كزوجة وعبد وقريب أخرجها مع فطرته كان نفسه؛ لأنها طهرة له من النظم.
ومن «مختصره» مما يتعلق بصدقة الفطر:
وأوجب زكاة الفطر عن كل مسلم
عَلى مضن لَهُ فَضْلٌ على قوتِ عبدهِ
ولا تسقطن بالدين في أظهرٍ وإن
بنفسك فابدأ ثم زوجِ فأعبدِ
إذا لم تجد للكل والعبد إن يكن
وَينْدبُ عن حمل وأسقط لناشز
ويجزئ إخراج الفتى فرض نفسه
بإدراك جزءٍ آخر الشهر أوجبن
ولا تلزمِنْ مَنْ بَعْدَ ذَا صَارَ أهلها
وقَبْلَ صَلاة العِيدِ أولى ببذلها
وإخراجُها في سائر اليوم جائز
كبير وحُرٍّ بَل وعَبدٍ وفَوْهَدِ
وليلته مَعَ مَنْ يَعول ليورد
يطالب به فاقض الفتَى الضيِّقَ اليدِ
فأولى فأولى عِند إنفَاقِ مُجْتَدِ
فجمع فبين الجمع صاع به جدِ
ومَنْ لم يَجِب إنفاقُهَا مِثلهَا اعددِ
بلا إذن ملزومٍ بها في المجوَّد
وعنه به مِنْ قبل فجر المُعَيَّدِ
وَوَقتُ خِيَارِ مَن حَكَمتَ له افصُدِ
وسَبْقًا بيومين افهمنَّ وأجود
وتأخيرُها عنه احظرن واقض ترشد
س93: بَيَّن مقدار الصاع النبوي بالحفَنَات؟ وما حكم إخراج الدقيق فطرة؟ وإخراج نصف صاع من البر؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: الصاع النبوي أربع حفنات بكفي رجل معتدل القامة، وبه قال مالك والشافعي وإسحاق؛ لما روى أبو سعيد الخدري  قال: «كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله  صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط» متفق عليه، وصريحه إجزاء الدقيق وهو الطحين والسويق وهو قمح أو شعير يلقى ثم يطحن نص عليه، واحتج بزيادة انفرد بها ابن عُيينة من حديث أبي سعيد أو صاعًا من دقيق، قيل لابن عيينة: إن أحدًا لا يذكر فيه، قال: بل هو فيه، رواه الدارقطني.
قال المجد: بل هو أولى؛ لأنه كفى مؤنته وروي عن أبي سعيد وأبي الحسن وأبي العالية، وروى عن ابن الزبير ومعاوية أنه يجزي نصف صاع من البر، وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء وطاووس ومجاهد وعمر بن عبدالعزيز وعروة بن الزبير وابن سلمة وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي واحتجوا بما روي عن النبي أنه قال: «صاع من بر أو قمح على كل إثنين» رواه أبو داود، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين بن تيمية –رحمه الله-.
والقول الثاني: ما عليه الأكثر أن الواجب صاع من البر كغيره، قال النووي: ظاهر الحديث والقياس على اشتراط الصاع من الحنطة كغيره، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس وهو الأحوط. والله أعلم.
س94: هل يجزي المجموع من الأصناف الخمسة؟ وما الذي لا يجزي إخراجه في الفطرة؟ وما هو الأفضل من الأصناف الخمسة على الترتيب؟
ج:يجوز إخراج صاع مجموع من الخمسة المذكورة؛لأن كل واحد منها يجوز منفردًا فكذا مع غيره لتقارب مقصودها واتحاده ويحتاط في الثقيل فيزيد في الوزن شيئًا يعلم أنه قد بلغ صاعًا كيلا ليسقط الفرض بيقين ولا يجزي خبز لخروجه عن الكيل والادخار ولا يجزي معيب مما تقدم؛ لقوله تعالى: وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ والمعيب كمسوس؛ لأن السوس أكل جوفه، وكذا مبلول؛ لأن البلل ينفخه وقديم تغير طعمه لعيبه بتغير طعمه؛ فإن لم يتغير طعمه ولا ريحه أجزأ لعدم عيبه، والجديد أفضل والأفضل إخراج تمر لفعل ابن عمر، قال نافع: كان ابن عمر يعطي التمر إلا عامًا واحدًا أعوز التمر فأعطى الشعير، رواه أحمد والبخاري، وقال أبو مجلز: إن الله قد وسع، والبر أفضل، فقال: إن أصحابي سلكوا طريقًا فأنا أحب أن أسلكه. رواه أحمد واحتج به، وظاهره أن جماعة الصحابة كانوا يخرجوا التمر، ثم يلي التمر الزبيب؛ لأنه في معنى التمر لما فيه من القوت والحلاوة، فبر لأنه أنفع في الاقتيات، وأبلغ في دفع حاجة الفقير؛ ولأن القياس تقديمه على الكل؛ لكن ترك اقتداء بالصحابة في التمر وما شاركه في المعنى وهو الزبيب، فأنفع في اقتيات ودفع حاجة فقير، وإن استوت في نفع فشعير فدقيق بر، فدقيق شعير فسويقهما، ثم أقط.
س95: ما حكم إخراج قيمة الفطرة؟ وما الأفضل أن لا ينقص عنه مُعطي، وما الذي يشترط في الدقيق عند إخراجه فطرة؟ وما الحكم في إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة والعكس؟ وما حكم إخراج الفطرة من غير الأصناف الخمسة؟ وضح ذلك مع ذكر الخلاف.
ج: ولا يجزي إخراج القيمة؛ لأن ذلك غير المنصوص عليه وتقدم بحث يتعلق بإخراج القيمة في زكاة الأموال (في جواب وسؤال 40) والأفضل أن لا ينقص معطي من فطرة عن مُد بُرّ أو نصف صاع من غيره ليغنيه عن السؤال في ذلك اليوم لكن يشترط في الدقيق أن يكون بوزن حب ويجوز إعطاء فقير واحد ما على جماعة من الفطر. قال الشيخ:
ولا يجوز دفعها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم ويجوز دفعها إلى واحد كما عليه المسلمون قديمًا وحديثًا، وقال: إذا كان الفقراء مجتمعين في موضع، وأكلهم جميعًا في سماط واحد، وهم مشتركون فيما يأكلونه في الصوم، ويوم العيد لم يكن لأحدهم أن يعطي فطرته لواحد من هؤلاء. انتهى.
ويجوز أن يعطي الجماعة من الفقراء ما يلزم الواحد من فطرة أو زكاة مال؛ وأما إخراج غير الأصناف المذكورة مع قدرته على تحصيلها، فقيل: لا يجزي، وقيل: يجزي كل مكيل مطعوم، واختاره الشيخ تقي الدين –رحمه الله تعالى-: يجري قوت بلده مثل الأرز ونحوه، وأنه قول أكثر العلماء، وأنه رواية عن أحمد –رحمه الله تعالى- وإن قدر على الأجناس المذكور؛ لقوله تعالى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ وقال ابن القيم: وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد ومواساتهم من جنس ما يقتات أهل بلدهم؛ لقوله: «اغنوهم في هذا اليوم»، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
من النظم ما يتعلق في مقدار الفطرة
وعن كل شخص صاع بر فأوجبن
أو التمر أو صاع الزبيب ويجزي
فما شئت فابذل لا سواها وقِيمَةِ
ويجزئ مطعوم مكيل بمبْعَدِ
وإن يعْدَمُ الأجنَاسُ فالصاعُ مجْزَئٌ
ويجزئ صاع القوت عند ابن حامِدٍ
وخبز ودبس مَعْ وجُود أصولها
وبَذْلُكَ مِنْ جِنْسَيْن صَاعك مجرئٌ
وأفضَلُهَا تمرٌ فما زادَ نفعُه
كذا من دقيق أو سويقهما اعدد
السويق في الأقوى والأقط في المؤكدِ
لها ولمن يعطي الزكاة بها جُدِ
وما سَدَّ عِندَ العُدْمِ سَدَّ الممُعَدَّدِ
مِنَ الثمرِ المثقْتَاتِ أو حبِّه قَدِ
ولوْ لحِم أنعَامِ وحِيْتَان مُزْبدِ
وحَبٌ معِيْبٌ غير مجْزئ فَقَيَّدِ
وصاعًا لجمع والكثير لِمُفْرَدِ
وقيل ل البر المقدم فانقدِ
14- باب إخراج الزكاة وما يتعلق به
وحكم النفل والتعجيل ونحوه
س96: تكلم بوضوح عمّا يلي مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟ ومثّل لما يحتاج إلى تمثيل واذكر المحترزات؟ متى يجب إخراج زكاة المال؟ هل يجوز تأخير الزكاة بعد وجوبها؟
ج: إخراج زكاة المال بعد أن تستقر واجب فورًا إن أمكن إخراجها كإخراج نذر مطلق وكفارة؛ لقوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ والمراد الزكاة، وقوله تعالى: وَآتَوُا الزَّكَاةَ والأمر المطلق للفورية بدليل أن المؤخِر يستحقُّ العقاب، ولو جاز التأخير لكان إما إلى غاية وهو مناف للوجوب، وإما إلى غير غاية ولا دليل عليه، بل ربما يفضي إلى سقوطها إما بموته أو تلف المال فليتضرر الفقير بذلك فيختل المقصود من شرعها؛ ولأنها للفور بطلب الساعي فكذا بطلب الله تعالى كعين مغصوبة، وفي «المغني» و«الشرح الكبير» لو لم يكن الأمر للفور لقلنا به هنا؛ ولأنها عبادة تتكرر فلِمَ تأخيرها إلى دخول وقت مثلها كالصلاة، ويجوز له تأخير زكاة لغيبة المال وغيرها كغصبه وسرته وله تأخيرها لمستحق حاجته أشد ممن هو حاضر وقيده جماعة بالزمن اليسير للحاجة وإلا لم يجز ترك واجب لمندوب وظاهر كلام الجماعة المنع، قال في «المبدع» وينبغي أن يقيد الكل بما إذا لم يشتد ضرر الحاضر وله تأخيرها إذا خاف رجوع ساع عليه بها إن أخرجها بلا علمه ومثله إذا خاف على نفسه أو ماله ونحوه؛ لما في ذلك من الضرر وإذا جاز تأخير دين الآدمي لذلك فالزكاة أولى، وله تأخيرها ليدفعها لقريب وجار؛ لأنها على القريب صدقة وصلة، والجار في معناه، ولإمام، وساع تأخيرها عند ربها لمصلحة كقحط ومجاعة وله تأخيرها لحاجته إليها إلى مَيْسَرة نصًا واحتج بحديث عمر أنهم احتاجوا عامًا
فلم يأخذ منهم الصدقة وأخذها منهم في السنة الأخرى؛ وأما إذا تعذر إخراجها من مال لغيبة أو غيرها فلا يلزمه الإخراج من غيره؛ لأن الأصل إخراج زكاة المال منه وجواز الإخراج من غيره رخصة فلا ينقلب تضييقًا. والله أعلم.
س97: تكلم بوضوح عمّا إذا غيّب مانع الزكاة ماله أو كتمه؟
ج: أما حكم جاحد الزكاة ومانعها بخلاً فتقدما (في جواب سؤال 3 وجواب سؤال 4)؛ وأما إذا غيب ماله أو كتمه من وجبت عليه الزكاة أمكن أخذها بأن كان في قبضة الإمام أخذت الزكاة منه من غير زيادة عليها؛ لأن الصديق مع الصحابة لما منعت العرب الزكاة لم ينقل أنه أخذ منهم زيادة عليها؛ ولأنه لا يزاد على أخذ الحقوق من الظالم كسائر الحقوق؛ وأما حديث بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعًا: «في كل إبل سائمة في كل اربعين ابنة لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرًا بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منه شيء» رواه أحمد والنسائي وأبو داود، وقال: وشطر ماله، وهو ثابت إلى بهز وقد وثقه الأكثر، فجوابه: أنه كان في بدء الإسلام حيث كانت العقوبات بالمال، ثم نسخ بقوله  في حديث الصديق: «ومن سُئل فوق ذلك فلا يعطه» ولأن منع الزكاة كان في خلافة الصديق مع توفر الصحابة ولم ينفل عن أحد منهم أخذ زيادة ولا قول به.
س98: إذا لم يمكن أخذ الزكاة بالتغييب أو غيره فما الحكم؟ وهل يقل مانعها بُخلاً حدًا أو كفرًا؟ وإذا قُتِلَ فهل تؤخذ من تركته؟ وإذا يمكن أخذ الزكاة من مانع إلا بقتال فما الحكم؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل والتعليل والخلاف؟
ج: إن لم يكن أخذها استتيب ثلاثة أيام وجوبًا؛ لأن الزكاة أحد مباني الإسلام فيستتاب تاركها كالصلاة؛ فإن تاب وأخرج كف عنه وإن لم يخرج قتل لاتفاق الصحابة على قتال مانعها وإذا قتل؛ فإنه يُقتل حَدًا لا كفرًا؛ لقول عبدالله بن شقيق: «كان أصحاب رسول الله  لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفرًا إلا الصلاة» رواه الترمذي، وما ورد من التكفير فيه محمول على جاحد الوجوب أو على التليظ، وإذا قتل أخذت الزكاة من تركته من غير زيادة؛ لأن القتل لا يسقط حق الآدمي فكذا الزكاة، وإن لم يكن أخذ الزكاة من مانعها إلا بقتال وجب على الإمام قاله إن وضعها مواضعها لاتفاق الصحابة مع الصديق على قتال مانعي الزكاة، وقال: «والله لو منعوني عناقًا»، وفي لفظ: «عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله  لقاتلتهم عليها» متفق عليه؛ فإن لم يضعها مواضعها لم يقاتله لإحتمال منعه إياها لاعتقاده ذلك عذرًا، وما إذا قاتل مانع الزكاة تهاونًا وبخلاً، ففي المسألة ثلاثة أقوال الصحيح في المذهب أنه لا يكفر وهو رواية عن الإمام أحمد وعنه يكفر وإن لم يقاتل عليها، وأدلة القول الأول منها حديث ابن شقيق، وتقدم ولأن عمر وغيره امتنعوا ابتداء من قتال مانعي الزكاة ولو اعتقد اكفوهم ما امتنعوا منه، ثم اتفقوا على القتال فيبقى عدم التكفير على اعتقادهم الأول، وما روى الصديِّق  لما قاتل مانعي الزكاة وعضتهم الحرب، قالوا: نؤديها، قال: لا أقبل حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، يحتمل أنه فيمن منعها جحودًا ولحق بأهل الردة منهم فقد كان فيهم طائفة كذلك على أنه لا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالكفر بدليل العصاة من هذه الأمة، وفرّق القاضي بين الصلاة وغيرها من العبادات بتعذر النيابة فيها، والمقصود الأعظم دفع حاجة الفقير وهو حاصل بأدائها مع القتال. والله أعلم.
س99: اذكر ما تستحضره من الصور التي يُقبل فيها قول مَن طولب بدفع الزكاة مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: من طُولبَ بالزكاة فادعى ما يمنع وجوبها من نقصان الحول أو نقص النصاب أو انتقاله في بعض الحول ونحوه كادعائه أداءها أو تجدد ملكه قريبًا أو ادعى أن ما بيده من المال لغَيره أو ادعى أنه منفرد أو مختلط، قيل: قوله لأن الأصل براءة ذمته بلا يمين نصّ عليه؛ لأنها عبادة هو مؤمن عليها فلا يستحلف عليها كالصلاة، نقل حنبل لا يسأل المتصدق عن شيء ولا يبحث إنما يأخذ ما أصابه مجتمعًا وكذا الحكم أن مَرَّ بعاشر وادِّعى أنه عَشَّره آخرُ وإن أقر بقدر زكاته، ولم يخبر بقدر ماله أخذت منه بقوله ولم يكلف إحضار ماله لما مر.
س100: من الذي يخرج الزكاة عن الصبي والمجنون، وتكلم عما يشترط لإخراج الزكاة، وما الذي ينوبه دافع الزكاة، وأين محل الأولى للإتيان بالنية ومحل الجواز، وهل تجب نية الفرض؟
ج: قد تقدم أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون (في جواب سؤال 10) ويُلزم بإخراج عن مال الصغير والمجنون ولهما في المال نصًّا؛ لأن حق تدخله النيابة فقام الولي فيه مقام مولى عليه كنفقة وغرامة، ويشترط لإخراج نية من مكلف؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» فينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال وولي الصبي والسلطان ينويان عند الحاجة، والنية أن يعتقد أنها زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون إلا أن تؤخذ قهرًا فتجزي ظاهرًا من غير نية رب المال فلا يؤمر بها ثانيًا، ويغيب ماله فتؤخذ منه حيث وجد وتجزي بلا نية أو يتعذر وصول إلى مالك بحبس ونحوه فيأخذها الساعي من ماله وتجزي ظاهرًا وباطنًا في المسألة الأخيرة فقط، بخلاف الأوليين قبلها
فتجزي ظاهرًا فقط والأولى قرن نيّة بدفع كصلاة وله تقديمها عليها بزمن يسير كصلاة ولا تجب نية فرض اكتفاء بنية الزكاة؛ لأنها لا تكون إلا فرضًا.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:41 am

س101: هل يجب تعيين مال مُزكيَّ عنه؟ وإذا نوى عن ماله الغائب وإن كان تالفًا فعن الحاضر فما حكم ذلك؟ وإذا وكل رب المال في إخراج زكاته، فهل تجزي نيته، أم لابد من نِيّة الوكيل؟
ج: لا يجب تعيين مال مزكى عنه، فلو نوى عن ماله الغائب وإن كان تالفًا فعن الحاضر أجرأ عن الحاضر إن كان الغائب تالفًا وإن أدى قدر زكاة أحدهما لم يعين جعل الزكاة لأيِّها شاء كتعيينه ابتداء، وإن لم يعين واحدًا منهما أجزأ مُخرج عن أحدهما فيخرج عن الآخر، ولو نوى عن الغائب، فبان الغائب تالفًا لم يصرف المخرج إلى غيره؛ لأن النية لم تتناوله كعتق في كفارة مُعينة فلم تكن وإن نوى الزكاة عن الغائب إن كان سالمًا أجزأ عنه إن كان سالمًا أو نوى عن الغائب إن كان سالمًا وإن لا يكن سالمًا فهي نفل فبان الغائب سالمًا أجزأ عنه؛ لأن ذلك في حكم الإطلاق فلا يضر تقييده به وإن وكل رب مال في إخراج زكاته مسلمًا ثقة أجزأت نية موكل مع قرب زمن إخراج من زمن توكل؛ لأن الفرض متعلق بالموكل وتأخر الأداء عن النية بزمن يسير جائز وألا يقرب زمن إخراج من زمن توكيل نوى وكيل أيضًا لئلا يخلو الدفع إلى المستحق عن نية مقارنة أو مقاربة فينوي موكل عند التوكيل ووكيل عند الدفع لمستحق.
والقول الثاني:
أنـه إذا نـوى المتصـدق الزكاة ودفعهـا للوكـيل ثـم دفعهـا الوكيـل للمُعطي أن ذلك يجزي ولو أن الوكيل لم يَنْو أنها زكاة وسـواء تأخـر دفعهـا عـن نية المـوكل أو قـارنها: وهذا القول عندي أنه أرجح؛ لأن المتصدق حصلت منه النية ولا أرى أنه يضر عدم نية الوكيل. والله أعلم.
ولو دفع رب المال إلى بيت المال أو الساعي ناويًا أجزأ وإن لم ينو إمام أو ساع حال دفع لفقير؛ لأنه وكيل الفقراء، ومن علم أهلية آخذ زكاة كره أن يعلمه أنها زكاة.
س102: هل الأولى الإسرار بالصدقة، أو الإظهار، وضح ذلك مع ذكر الدليل، واذكر ما في ذلك من خلاف؟
ج: يُسن لمخرج زكاة إظهارها لتنتفي التهمة عنه ويُقتدى به، والقول الثاني: أن الإسرار بالصدقة أفضل من إظهارها؛ لأنه أبعد عن الرياء إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء به فيكون أفضل من هذه الحيثية، وقال رسول الله : «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة»، والأصل أن الإسرار أفضل (الآية سورة البقرة 271)؛ ولما ثبت في «الصحيحين» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يرجع إليه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، وفي الحديث الآخر: «صدقة السر تطفئ غضب الرب»، وفي الحديث الآخر: «لما خلق الأرض جعلت تميد فخلق الله الجبال فألقاها عليها فاستقرت» إلى أن قال: «نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها من شماله»، وعن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: «سر إلى فقير أو جهد من مقل» رواه أحمد.
س103: ما حكم دفع الزكاة إلى الإمام أو إلى الساعي؟ وهل يبرأ بذلك؟
ج: له دفعها إلى الإمام وإلى الساعي ويبرأ بذلك، وقيل: يجب دفعها إلى الإمام إذا طلبها وفاقًا للأئمة الثلاثة، قال في «شرح المنتهى» قال في الشرح: لا يختلف المذهب أن دفعها للإمام جائز سواء كان عدلاً أو غير عدل وسواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة، ويبرأ بدفع إليه سواء تلفت في يد الإمام أو لا صرفها في مصارفها أو لم يصرفها. انتهى.
وعن أنس أن رجلاً قال لرسول الله : «إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، قال: «نعم، إذا أديت إليّ فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فلك أجرها وإثمها على من بدلها»» مختصرًا لأحمد، وعن ابن مسعود أن رسول الله  قال: «إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها» قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم» متفق عليه.
وعن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله  ورجل يسأله، فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم، فقال: «اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم» رواه مسلم والترمذي، وصححه.
وعن بشير بن الخصاصة قال: قلنا: يا رسول الله، إن قومًا من أصحاب الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا، فقال: «لا» رواه أبو داود، وقال أحمد: قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب ويشربون بها الخمور، قال: ادفعها إليهم، وقال سهل بن أبي صالح: أتيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: عندي مالٌ وأريد أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى، قال: ادفعها إليها، فأتيت
ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد  فقالوا: مثل ذلك، وبه قال الشعبي والأوزاعي. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س104: ما المسنون أن يقوله الآخذ عند الأخذ والدافع عند الدفع؟ وما الدليل على ذلك؟
ج: يستحب أن يقوله المُعطي عند دفعه الزكاة: اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله : «إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا» أخرجه ابن ماجه، ويقول: آخذ الزكاة آجرك فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طَهُورًا.
قال الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ، وعن عبدالله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله  إذا أتاه قوم بصدقتهم: «قال اللهم صل على آل فلان»، فأتاه أبي بصدقته، فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى» متفق عليه.
وعن جابر بن عنيك عن أبيه ، عن النبي  قال: «سيأتيكم ركب مُبغَضُون فإذا جاءوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون؛ فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها وأرضوهم؛ فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم» رواه أبو داود.
س105: بين حكم نقل الزكاة من بلد المال إلى بلد آخر؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف مع الترجيح؟
ج: الأفضل جعل زكاة كل مال في فقراء بلده ما لم تتشقص زكاة سائمة كأربعين ببلدين متقاربين فيخرج في بلد واحد شاة في أي البلدين شاء دفعًا لضرر الشركة.
وأما نقلها إلى بلد تقصر إليه الصلاة، فقيل: يحرم مع وجود مستحق سواءٌ كان لرحم أو شدة حاجة؛ لما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي  بعث معاذًا إلى اليمن فذكر الحديث، وفيه: «أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعن أبي جحيفة قال: قدم علينا مصدق رسول الله ، فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فكنت غلامًا يتيمًا فأعطاني منها قلوصًا. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
وعن عمران بن حصين أنه استعمل على الصدقة فلما رجع، قيل له: أين المال؟ قال: ولمال أرسلتني، أخذنا من حيثُ كنَّا نأخذه على عهد رسول الله  ووضعناه من حيث كنا نضعه. رواه أبو داود وابن ماجه.
وعن طاووس قال: كان في كتاب معاذ: من خرج من مخلاف إلى مخلاف؛ فإن صدقته وعشرة في مخلاف عشيرته. رواه الأثرم في «سننه».
وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه رد زكاة أُتي بها من خراسان إلى الشام إلى خراسان؛ فإن خالف وفعل بأن نقل الزكاة إلى بلد تقصر فيه الصلاة أجزأ المنقول للعمومات؛ ولأنه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ كالدين، وقيل: تنفل لمصلحة راجحة كقريب محتاج ونحوه لما علم بالضرورة من «أن النبي  كان يستدعي الصدقات من الأعراق إلى المدينة ويصرفها في فقراء المهاجرين والأنصار» أخرجه النسائي من حديث عبدالله بن هلال الثقفي، قال: جاء رجل إلى رسول الله ، فقال: كدت أقتل بعدك في عناق أو شاة من الصدقات، فقال –عليه الصلاة والسلام-: «لولا أنها تعطي فقراء المهاجرين ما أخذتها».
وروي عن الحسن والنخعي أنها كرهًا نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا لذي قَرَابة، وكان أبو العالية يبعث بزكاته إلى المدينة، واختار هذا القول الشيخ
تقي الدين، وقال: تحديد المنع بمسافة القصر ليس عليه دليل شرعي، وجعل محل ذلك الأقاليم فلا تنقل من إقليم إلى إقليم. انتهى.
والذي يترجح عندي القول الثاني: أنه يجوز نقلها ولو لمسافة قصر إذا كان لمصلحة راجحة كرحم وشدة حاجة ونحو ذلك، قلت: وفي وقتنا هذا من أراد الأخذ بالقول الأول، فعليه أن يسأل عن فقراء البلدان الأخرى وإنما جاءوا في الوقت الذي يقصده بعض الناس لإخراج الزكاة كشهر رمضان، ثم يرجعون إلى بلدانهم كما هو مشاهد الآن في زمننا. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س106: بيَّن على من تجب مؤنة دفع الزكاة؟ وإذا كان المال الذي وجبت فيه الزكاة ببادية أو خلا بلدهُ عن مستحق لها فأين محل تفريقها؟ ومتى بعث السعاة وأين محل استحباب عدّ الماشية؟ وإذا وجدَ ما لم يحلَّ حوله فمَا الحكم؟ وأين يُفرق الساعي ما قبضه؟ وهل له أن يبيع ما قبضه لمصلحة؟ وهل يقبل قول صاحبها في عددها؟
ج: تجب مؤنة نقل زكاة ودفع على من وجبت عليه كمؤنة كيل ووزن؛ لأنه عليه مؤنة تسليمها لمستحقها كالمة، وذلك من تمام التوفية ومسافر بالمال الزكوي يفرق زكاته ببلد أكثر إقامته فيه لتعلق الأطماع به غالبًا، ومن ببادية وعليه زكاة فرقها بأقرب بلد منه، وكذا من بلده من مستحق للزكاة يستغرقها يفرقها أو ما بقي منها بأقرب مكان منه لأنهم أولى ويجب على الإمام بعث السعاة قرب زمن الوجوب لقبض زكاة المال الظاهر، وهو السائمة والزرع والثمر لفعله –عليه الصلاة والسلام- وخلفائه، ومن الناس من لا يزكي ولا يعلم ما عليه فإهمال ذلك إضاعة للزكاة ويستحب أن يعدّ عليهم الماشية على الماء؛ لما ورد عن ابن عمر أن النبي  قال: «تؤخذ صـدقات المسلمين عـلى مياههم» رواه أحمد، وفي رواية لأحمد وأبي داود: ولا حلب ولا جنَبَ ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في ديارهم، ويقبل قول صاحبها في عددها بلا يمين وإن وجد ما لم يحل حوله؛ فإن عجل ربه زكاته وإلا وكّل ثقة يقضيها ثم يصرفها وله جعله لرب المال إن كان ثقة لحصول الغرض به، وما قبضه الساعي فرقه في مكانه وما قاربه، ويبدأ بأقارب مُزَكّ لا تلزمه مؤنَتَهم؛ فإن فضل شيء حمله وإلا فلا، وله بيع سائمة وغيرها مِن زكاة لحاجة أو مَصْلحَة وصرفها في الأحظ للفقراء، أو حاجتهم حتى أجرة مسكن، ويضمَن ما أخَّرَ قسمه بلا عذر إن تلف بتفريطه.
س107: أين محل واسم ما حصل من بهيمة الأنعام؟ وما الذي يكتب على زكاة؟ وما الذي يكتب على جزية؟
ج: ويُسن للإمام وسم ما حصل عنده من زكاة أو جزية من إبل أو بقر في أفخاذها؛ لحديث أنس، قال: غدوت إلى رسول الله  بعبدالله بن أبي طلحة ليحكنه فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة، متفق عليه. ويُسن له وسم ما حصل من غنم في آذانها لخبر أحمد وابن ماجه: دخلت على النبي  وهو يَسِمُ غنمًا في آذانها، وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: لعُمَرَ إنَّ في الظهر ناقة عمياء، فقال: أمِن نِعيم الصدقة أو مِن نعَمِ الجزية، قال: أسلمُ من نِعَمِ الجزية، وقال: إن عليها ميْسم الجزية، رواه الشافعي، والوسم على زكاة «لله» أو «زكاة» والوسم على جزية «صغار» أو «جزية».
من النظم ما يتعلق بإخراج الزكاة
ومَن كان حُرًا مسلمًا حال حوله
فمره بإخراج الزكاة بفوره
ويأثم بالتأخير مع يسر بذلا
وخذهَا وتَوَّبْه ثلاثًا فإن أبى
ومع مانع بخلاً خُذَنْهَا مُعَزِّزًا
وقالَ أبو بكر ومع شطر ماله
إلى قتله حَدًّا وعنه مكفرًا
ويقبل قول المدعي فقَد شرطها
ويخرج عن مال الصغير وليه
وتفريقها بالنفس أولى وعنه ما
وقال أبو الخطّاب رفعُنكَهَا إلى
ولا يجزئ الإخراج إلا بنيَّة
وقد قيل يجزي أخذها منه كارهًا
وليس بشرط أن تعين منصبًا
ويجزئ أن تنوي مقارب دفعها
وقد قيل لا يجزي إذا بعد الأذى
وفي كل حال يبرئ الدفع مطلقًا
وسل عند دفع جَعْلها لكَ مَغْنمًا
ولا تُبَكت المسكِينَ في وقتِ بَذْلِهَا
وبَرَّكْ على معطيكها عند أخذهَا
ويَشرع للساعِين كتْبُ برَاءةٍ
وليس بمُجْز نقْلهَا عَن محَلِّهَا
وَفي ثالِث جَوِّز إلى الثغْر نقلهَا
وَيُصْرَفُ فرضُ المال حَيْثُ وجوبه
ومَيَّز بوَسم من زكاتِكَ جِزْيَة
على المال مقدار النِّصَابِ المحدّدِ
إذا أمن الساعي وليس بمرصدِ
وكَفِّرْ مُصِرًا بعدَ تعريفِ جُحَّدِ
فبادِرْ إلى قتل الكفور المخلد
فإنْ يَأبَ قاتِله ليعطي بأوكد
فإن يتعَذر فاستتب ثمت اقصد
ومن ماله خذها بغير تأود
بغير يمين منه في المتوطدِ
وعن مال مجنون وليُّ لِيَمْددِ
خفي وإلى الساعي إن دفعت تسددِ
إمام أحي عدل أبرّ فأوردِ
تقارنه أو قبله بمزهدِ
وليس بمجز باطنًا في المجوّد
ولكن قصد الفرض شَرْطُكَ فافصدِ
إلى مستحق أو وَكِيلِ محمدِ
عن الدفع منه للفَقِير المرصدِ
لسَاع عليهَا أو إمام مقَلَّدِ
ولا تجْعَلنْها مَغْرمًا قُل تسددِ
بقَولك خُذْ هَذَا زكاة يَكمدِ
وَسَلْ أجْرِهِ معَ طهرة الذنب تَقْتَدِي
لأرْباب أموال بأخذِ المُعَدّدِ
إلى الفُقَرَاء في بُعْدِ قَصْرٍ بأوكدِ
وَأدْنى فَأدْنى اصْرِفْ لفقدَانٍ مجتَدِ
وَفِطْرَة كُلَّ في مكانِ المُعَيَّدِ
بفَخْذَ بَعير وأذنِ شَاتِك ترشدِ
س108: ما حكم تعجيل الزكاة؟ وإذا تم الحول والنصاب ناقص قدر ما عجله فما حكم ذلك؟ واذكر ما تستحضره من الاحترازات والأدلة والتعديلات ومثل لا يتَّضح إلا بذلك؟ وفصّل ما يحتاج إلى التفصيل؟
ج: يجوز تعجيل الزكاة لحولين فقط إذا كمل النصاب والأفضل تركه والدليل على جواز التعجيل ما ورد عن علي –عليه السلام- إن العباس ابن عبدالمطلب سأل النبي  في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخصَ له في ذلك، رواه الخمسة إلا النسائي.
وعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله  عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس، فقال رسول الله :
«ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله تعالى؛ وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا، وقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله؛ وأما العباس فهي عليّ ومثلها معها»، ثم قال: «يا عمر، أما علمت أن عمّ الرجل صنو أبيه؟» رواه مسلم.
وأما كونه يجوز بعد كمال النصاب فلأنه سببها فلا يجوز تقديمها كالكفارة على الحلف.
قال في «المغني»: بغير خلاف نعلمه ولا يجوز تعجيلها عما يستفيده النصاب نصًا؛ لأنه لم يوجد فقد عجل زكاة عما ليس في ملكه، ولا يجوز
تعجيلها عن معدن أو ركاز أو زرع قبل حصوله ما ذكر؛ وعن زكاة تمر قبل طلوع طلع أو عن زبيب قبل طلوع حصرم؛ لأنه تقديم قبل وجود سببها وإذا تم الحول والنصاب ناقِصٌ قدر ما عجله صح تعجيله وأجزأه معجله؛ لأن حكم المعجل حكم الموجود في ملكه يتم النصاب به، فلو عجل عن مائتي شاة شاتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته شاة ثالثة؛ لأن المعجل بمنزلة الموجود في إجزائه عن ماله فكان بمنزلة الموجود في تعلق الزكاة به، ولو عجل عن ثلاثمائة درهم فضة خمسة منها ثم حال الحول لزمه أيضًا درهمان ونصف ليتم ربع العشر ولو عجل عن ألف درهم فضة خمسة وعشرين منها ثم ربحت خمسة وعشرين درهمًا لزمه زكاة الخمسة والعشرين وهو خمسة أثمان درهم، ويصح أن يعجل عن أربعين شاة شاتين من غيرها لحولين، ولا يصح أن يعجل من الأربعين لحولين ولا للحول الثاني فقط، وينقطع الحول بإخراج الشاتين منها لحولين أو الواحد للثاني فقط لنقص النصاب؛ فإن أخرج شاة للحول الأول فقط صح ولم ينقطع الحول. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س109: إذا عجل الزكاة فدفعها إلى مستحقها فمات قابضها، أو ارتد أو استغنى عنها، فما الحكم؟ وإذا عجل الزكاة ثم هلك المال أو بعض النصاب أو مات المالك أو ارتد عن الإسلام قبل الحول، فما الحكم؟ إذا استسلف ساع زكاة فتلفت في يده، فما الحكم؟ وإذا تلفت الزكاة في يد الوكيل لرب المال، فما الحكم؟
ج: إذا عجل الزكاة فدفعها إلى مستحقها فمات قابضها أو ارتد أو استغنى عنها أو عن غيرها أجزأ عنه كما لو عدمت عند الحول؛ لأنه يعتبر وقت القبض لئلا يمتنع التعجيل، ولا تجزي زكاة معجلة إن دفعها إلى من يعلم غناه فافتقر عند الوجوب أو قبله؛ لأنه لم يدفعها لمستحقها كما لو لم يفتقر وإن مات معجل
زكاته أو ارتد أو أتلف النصاب المعجل زكاته أو نقص قبل الحول فقد بان المخرج غير زكاة لانقطاع الواجب بذلك، ولا رجوع لمعجل بشيء مما عجله إلا فيما في يد ساعٍ عند تلف النصاب وإن استسلف ساع زكاة فتلفت في يده بلا تفريط لم يضمنها وضاعت على الفقراء سواء سأله الفقير ذلك أو رب المال أو لم يسأله أحد؛ لأن الإمام أو نائبه قبضها كولي يتيم فقد فعل ما يجوزو فلم يضمن، وإن تلفت في يد الوكيل لرب المال قبل أدائها فمن ضمان رب المال؛ لعدم الإيتاء المأمور به، ولأن يد الوكيل كيَدِ مُوَكِّلهِ.
س110: ما الذي يشترط لملك الفقير للزكاة وأجزائها؟ وهل يصح تصرف الفقير في الزكاة قبل قبضها؟ وإذا عجل زكاة عن ألف درهم يظنها كلها له فبان الذي له منها خمسمائة؟ وإذا عجل زكاة عن أحد نصابيه فتلف النصاب المعجل عنه، فما الحكم؟ وهل يكفي إبراء المدين دينه بنية الزكاة؟
ج: ويشترط لملك الفقير للزكاة وأجزائها قبضه لها فلو عزلها أو غدَّا الفقراء أو عشاهم لم يجزئ، ولا يصح تصرف فقير فيها قبل قبضها، ومَنْ عجل زكاة عن ألف درهم يظنها كلها له فبان التي له منها خمسمائة أجزاء ما عجله عن عامين؛ لأنه نواه زكاة معجلةً والألف كلها ليست له ولا يلزمه زكاة ما ليس له، ومَن عجل زكاة عن أحد نصابيه ولو من جنس واحد فتلف النصاب المعجل عنه لم يصرفه إلى الآخر؛ لحديث: «إنما لكل امرئ ما نوى»، كما عجل شاة عن خمس من الإبل فتلفت الإبل وله أربعون شاة لم يجزئه ما عجله عن الشياه لعدم نيته إياها ولا يكفي إبراء المدين من دينه بنية الزكاة؛ لأن ذلك ليس إيتاء لها. والله أعلم.
15- باب أهل الزكاة
س111: من أهم أهل الزكاة، وكم عددها؟ وهل يجوز صرفها لغيرهم من جهات الخير، وما هو الدليل على ذلك؟ وهل في المال حقٌ واجبٌ سوى الزكاة؟
ج: أهل الزكاة ثمانية أصناف هم المذكورن في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وعن زياد بن الحارث الصدائي قال: «أتيت النبي  فبايعته، فذكر حديثًا طويلاً، فأتاه رجل، فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله : «أن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء؛ فإن كنت من كل الأجزاء أعطيتك»» رواه أبو داود، ولا يجوزو صرفها لغيرهم كبناء مساجد، وسدَّ بثوق، ووقف مصاحف وقناطر، وتكفين موتى وغيرها للآية، وكلمة: «إنما» تفيد الحصر فتثبت الحكم في المذكورين وتنفي ما عداهم وكذا تعريف الصدقات بـ «ال» فإنه يستغرقها، فلو جاز صرف شيء منها إلى غير الثمانية لكان لهم بعضها لأكُلها، وللحديث المتقدم، وقال أحمد: إنما هي لمن سماها الله تعالى، وسُئل الشيخ تقي الدين عمن ليس معه ما يشتري به كتبًا للعلم يشتغل فيها، فقال: «يجوز أخذه منها ما يحتاج إليه من كتب العلم التي لابد لمصلحة دينه ودنياه منها»، قال في «شرح الإقناع»: قلت: ولعل ذلك غير خارج عن الأصناف؛ لأن ذلك من جملة ما يحتاجه طالب العلم، فهو كنفقة وإن تفرغ قادر على التكسب للعلم الشرعي وإن لم يكن لازمًا له وتعذر الجمع بين العلم والتكسب أُعطي من الزكاة لحاجته ولا يُعطى من الزكاة إن تفرغ قادر على التكسب للعبادة لقصور نفعها عليه، بخلاف العلم وإطعامُ الجائع وسقي العطشان، وإكساء العاري، وفك الأسير واجبٌ على الكفاية إجماعًا مع أنه ليس
في المال حق سوى الزكاة وقافًا، وعن ابن عباس مرفوعًا: «أن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم»، وعن أبي بن كعب مرفوعًا: «إذا أدَّيت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك» رواه ابن ماجه والترمذي.
س112: تكلم عن الأصناف الثمانية على التفصيل مع ذكر ما تيسر من دليل أو تعليل قسّم ما يحتاج إلى تقسيم؟
ج: أولاً: الفقير، وهو من لم يجد شيئًا أو يجد نصف كفايته فهو أشد حاجة من المسكين؛ لأن الله بدأ به وإنما يبدأ بالأهم فالأهم، وقال الله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البَحْرِ فأخْبر أن لهم سفينة يعملون بها، وقد سأل النبي  المسكنة، واستعاذ من ذل الفقر، فقال: «اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين» رواه الترمذي، ولا يجوز أن يسأل شدة الحاجة ويستعيذ من حالة أصلح منها؛ ولأن الفقير مشتق من فقر الظهر، فقيل: مفقور بمعنى مفعول أي مقفور وهو الذي نزعت فقرة ظهره فانقطع صلبه. الثاني: المسكين، وهو من يجد مُعظم الكفاية أو نصفها من السكون؛ لأنه أسكنته الحاجة.
الثالث: العامل كجاب للزكاة وحافظ وكاتب وقاسم بين مستحقيها وجامع المواشي وعدادها وكيَّال وَوزَّان وساع وراع وحمال وجمال، ومَن يحتاج إليه فيها لدخولهم في قوله: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وكان –عليه الصلاة والسلام- يبعث عماله على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم.
الرابع: المؤلف وهو السيد المطاع في عشيرته والمؤلفة ضربان مسلمون وكفار؛ فأما الكفار فضربان ضرب يرجى خيره وضرب يخاف شره، وقد كان  يعطيهم، وعن أبي سعيد قال: «بعث عليٌ وهو باليمن بذهَيْبة فقسمها رسول الله  بين أربعة نفر الأفرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن عُلاثة العَامري، ثم أحد بني كلاب وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان فغضبت قريش، وقالوا: يعطي صناديد نجد ويدعنا، وقال: «إني إنما
فعلت ذلك لأتألَّفهم»» متفق عليه. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: وإنما الذي يؤخذ من أموال أهل اليمن الصدقة، وأعطي النبي  صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيبًا له في الإسلام؛ لأن النبي  أعطى الزبرقان بن بدر وعَدي بن حاتم مع حسن نياتهما وإسلامهما.
والثاني: قوم أسلموا ونيتهم في الإسلام ضعيفة فيعطون لتقوى نيتهم؛ لقول ابن عباس في المؤلفة قلوبهم: هم قوم كانوا يأتون رسول الله  يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقة، قالوا: هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك عابوه، رواه أبو بكر بن العربي في التفسير؛ ولأن النبي  أعطى أبا سفيان ابن حرب وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، لكل واحد منهم مائة من الإبل. والقسم الثالث: قوم يليهم قوم من الكفار بأن يكونوا في طرف بلاد المسلمين، وإذا أعطوا دفعوا الكفار عمن يليهم من المسلمين وإلا فلا. الرابع: قوم يليهم قوم من أهل الصدقات إذا أعطوا من الزكاة جَلبَوْا الزكاة ممن لا يعطيها إلا بالتخويف والتهديد. الخامس: الرقاب وهم المكاتون ويجوز أن يفدي منها أسيرًا مسلمًا في أيدي الكفار؛ لأنه فدي رقبة ويجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها؛ لعموم قوله تعالى: وَفِي الرِّقَابِ، وفي «المسند» عن البراء ابن عازب، قال: جاء رجل، فقال: يا رسول الله، دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، فقال: «اعتق النَّسَمةَ وفكَّ الرقبة»، فقال: يا رسول الله، أو ليسًا واحدًا، قال: «لأعتقن النسمة أن تفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها».
السادس: الغارمون وهم قسمان، فقسم غرم لإصلاح ذات البين وهو مَن تحمَّل بسبب إتلاف نفس أو مال أو نهبًا أو مالاً لتسكين فتنة وقعت بين طائفتين ويتوقف صُلحهم على من يتحمّل ذلك فيتحمَّله إنسان، ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديه فورد الشرع بإباحة المسألة فيه وجعل لهم نصيبًا من
الصدقة، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ أي وصلكم والبين الوصل، والمعنى: كونوا مجتمعين على أمر الله تعالى.
وعن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة، فأتيت النبي  وسألته فيها، فقال: «أقم يا قبيصة، حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها»، ثم قال: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة، فاجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادًا من عيش أو قومًا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه، لقد أصابته فلانًا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سِدادًا من عيش أو قوامًا من عيش وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتًا يوم القيامة»، والمعنى شاهد بذلك؛ لأنه إنما يلتزم في مثل ذلك المال العظيم الخطير، وقد أتى معروفًا عظيمًا وابتغى صلاحًا عامًا، فكان من المعروف حمله عنه من الصدقة وتوفير ماله عليه لئلا يجحف بمال المصلحين أو يوهن عزائمهم عن تسكين الفتن وكف المفاسد.
القسم الثاني: من غرم لإصلاح نفسه في مباح أو تدين لشراء نفسه من كفار أو تدين لنفسه شيء محرم وتاب منه، وأعسر بالدين؛لقوله تعالى: وَالْغَارِمِينَ، السابع: غاز في سبيل الله؛ لقوله تعالى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا خلاف في استحقاقهم وبيان حكمهم ولا خلاف في أنهم الغزاة؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ، وقال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وقال : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»؛ وإنما يستحق هذا الاسم الغزاة الذين لا ديوان لهم وإنما يتطوعون بالغزو إذا نشطوا ومعنى لا ديوان لهم أي لا حق لهم في الديوان؛ لأن مَن له رزق راتبٌ فهو مستغن به، وفي إعطاء الفقير منها للحج خلاف. ففي رواية: اختارها في «المغني» و«الشرح الكبير» وقاله أكثر العلماء منهم مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر؛ لأن سبيل الله تعالى حيث أطلق ينصرف إلى
الجهاد غالبًا، والزكاة لا تصرف إلا لمحتاج إليها كالفقير أو من يحتاجُه المسلمون كالعامل والحج لا نفع فيه للمسلمين ولا حاجة بهم إليه، والفقير لا فرض في ذمته فيسقطه وإن أراد به التطوع فتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة أو صَرفها في مصالح المسلمين أولى، وعنه يعطي الفقير ما يحج به الفرض ويستعين به فيه، يروى إعطاء الفقير من الزكاة في الحج، عن ابن عباس، وعن ابن عمر ، وهو قول إسحاق؛ لما روى أبو داود: أن رجلاً جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج، فقال لها النبي : «اركبيها؛ فإن الحج من سبيل الله»؛ ولحديث: «الحج والعمرة في سبيل الله» رواه أحمد، ويشترط له الفقر ومعنْاه أن يكون ليس له بالحج به سواها، وقيل: لا، قال في «الاختيارات الفقهية»: ومَن لم يحج حجة الإسلام أعطى ما يحج به وهو إحدى الروايتين عن أحمد، انتهى. وذكر القاضي جوازه في النفل كالفرض وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي، وذكر القاضي جوازه في النفل كالفرض وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي وصححه بعضهم؛ لأن كلاً من سبيل الله والفقير لا فرض عليه فهو منه كالتطوع. والقول الثاني: عندي أنه أرجح لما أراه من قوة الدليل. والله أعلم. الثامن: ابن السبيل للآية وهو المسافر المنقطع بغير بلده في سفر مباح أو في سفر محرم وتابه منه؛ لأن التوبة تجُب ما قبلها؛ وأما الأدلة الدالة على ذلك، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : «لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله وابن السبيل أو جار فقير يتصدق عليه فبهدى لك أو يدعوك» رواه أبو داود، وفي لفظ: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه بها فأهدى منها لغني» رواه أبو داود وابن ماجه.
س113: ما مقدار ما يعطاه الفقير والمسكين من الزكاة؟ وإذا ملك مالاً يقوم بكفايته هل يعطي معه من الزكاة؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف أو تفصيل؟
ج: يعطيان تمام كفايتهما مع كفاية عائلتها سنة؛ لأن وجوبها يتكرر بتكرر الحول فيعطي ما يكفيه إلى مثله وكل واحد من عائلتهما مقصود دفع حاجته فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد ومَن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته؛ فإن كان مما لا تجب فيه الزكاة كالعقار ونحوه، لم يكن ذلك مانعًا من أخذها، وهذا قول الثوري والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي؛ لأنه فقير محتاج.
فأما إن ملك نصابًا زكويًا لا تتم به الكفاية كالمواشي والحبوب فله الأخذ من الزكاة نصّ عليه، وذكر قول عمر  أعطوهم وإن راحت عليهم من الإبل كذا وكذا وهذا قول الشافعي؛ لأنه لا يملك ما يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيه فجاز له الآخذ؛ فإن ملك من غير الأثمان ما يقوم بكفايته كمن له كسب يكفيه أو أجرة عقار أو غيره فليس له الأخذ من الزكاة، وهذا قول الشافعي وإسحاق وابن المنذر؛ لما روى أحمد عن رجلين من أصحاب النبي  أنهما أتيا رسول الله  فسألاه الصِّدفة فصعَّد فيهما النظر فرآهما جلدين، فقال: «إن شئتما أعطيتكما» ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، قال أحمد –رحمه الله تعالى-: ما أجوده من حديث وإن ملك من الأثمان ما لا يقوم بكفايته فليس بغني فلا تحرم عليه الزكاة؛ لأن الغني ما تحصل به الكفاية؛ فإذا لم يكن محتاجًا حرمت عليه الزكاة وإن لم يملك شيئًا، وإن كان محتاجًا حلت له ومسألتها. والرواية الأخرى: «إذا ملك خمسين درهمًا أو قيمتها من الذهب فهو غني» روى ذلك عن علي وابن مسعود -رضي الله عنهما-؛ لما روى عبدالله ابن مسعود مرفوعًا: «من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشًا أو خدوشًا أو كدوحًا في وجهه»، قالوا: يا رسول الله، وما غناه، قال: «خمسون درهمًا أو حسابها من الذهب» رواه الخمسة.
س114: وضَّح مقدار ما يعطاه العامل على الزكاة واذكر ما يشترط في العامل، واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: يعطي عامل قدر أجرته منها إلا إن تلفت في يده بلا تفريط منه فيعطي أجرته من بيت المال؛ لأن للإمام رزقه على عمله من بيت المال ويوفر الزكاة على أهلها؛ فإذا تلفت تعين حقه في بيت المال ولا ضمان على عامل لم يفرط؛ لأنه أمين وله الأخذ ولو تطوع بعمله؛ لقصة عمر  وهو أنه  أمر له بعمالة، فقال: إنما عملت لله، فقال: «إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل فكلْ وتصدَّق» متفق عليه. وشرط كون عامل مكلفًا مسلمًا أمينًا كافيًا من غير ذوي القربى؛ أما كونه مكلفًا فلعدم أهلية الصغير والمجنون للقبض؛ ولأنها ولاية وغير المكلف مولى عليه؛ وأما كونه مسلمًا فلأنها ولاية على المسلمين فاشترط فيها الإسلام كسائر الولايات؛ ولقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً ولأن الكافر ليس بأمين؛ ولهذا قال عمر: لا تأمنوهم وقد خوَّنهم الله وأنكر على أبي موسى تولية الكتابة نصرانيًا فالزكاة التي هي ركن الإسلام أولى؛ وأما كونه أمينًا كِافيًا فلأن غيره يذهب بمال الزكاة ويضيعه؛ ولأنها ضرب من الولاية والولاية يشترط فيها ذلك؛ وأما كونه من غير ذوي القربى فلما ورد عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب أنه والفضل بن عباس انطلقا إلى رسول الله ، قال: ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله، لِتُؤمِّرَنا على هذه الصدقات فنصيب ما يصيب الناس من المنفعة وتؤدي إليك ما يؤدي الناس، فقال: «إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد إنما هي أوساخ الناس» مختصر لأحمد ومسلم، وهو نصّ في التحريم لا تجوز مخالفته، قال في «الشرح الكبير»: ويشترط كونه من غير ذوي القربى إلا أن تدفع إليه أجرته من غير الزكاة، وقال أصحابنا: لا يشترط لأنها أجرة على عمل تجوز للغني، فجازت لذوي القربى كأجرة النقَّال، وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي؛ وأما أنه لا يشترط فقر، فلخبر أبي سعيد مرفوعًا: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين يتصدَّق عليه منها فأهدى منهما لغني» رواه أبو داود وابن ماجه؛ وأما أنه لا يشترط حريته؛ فلحديث أنس مرفوعًا: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» رواه أحمد والبخاري، ولأن العبد يحصل به المقصود أشبه الحرّ.
س115: إذا عمل إمام أو نائبه فهل يأخذ شيئًا من الزكاة؟ وهل تقبل شهادة مالك على عامل بوضعها في غير موضعها؟ وهل يصدق رب المال في دفعها إلى العامل بلا يمين؟ وإذ ثبت على عامل أخذ زكاة من أربابها فما الحكم؟ وما حكم كون حاملها وراعيها ممن منعها؟ وما حكم أخذ الهدية للعامل؟ وإذا خان العامل في شيء، فما الحكم؟ وإذا أخذ منهم شيئًا فما الحكم؟
ج: إذا عمل الإمام أو نائبه على الزكاة بأن جبَاهَا الإمام أو نائبه بلا بعث عمال لم يأخذ منها شيئًا؛ لأنه يأخذ رزقه من بيت المال، وتقبل شهادة مالك مالٍ مزكي على عامل بوضع الزكاة في غير موضعها؛ لأن شهادته لا تدفع عنه ضررًا ولا تجر له نفعًا لبراءته بالدفع إليه مطلقًا بخلاف شهادة الفقراء ونحوهم، فلا تقبل له ولا عليه فيها ويصدق رب المال في دفعها إلى العامل بلا يمين؛ لأنه مؤتمن على عبادته ويحلف عامل أنه لم يأخذها منه ويبرأ من عهدتها فتضيع على الفقراء؛ لأنه أمين، وإن ثبت على عامل أخذ زكاة من أربابها ولو بشهادة بعض منهم لبعض بلا تخاصم بين عامل وشاهد قبلت وغرم العامل لأهل الزكاة بعض منهم لبعض بلا تخاصم بين عامل وشاهد قبلت وغرم العامل لأهل الزكاة ما ثبت عليه أخذه، ويصدق عامل في دعوى رفع زكاة لفقير فيبرأ منها، ويصدق فقير في عدم الدفع إليه منها فيأخذ من زكاة أخرى، ويجوز كون حاملها وراعيها ممَّن منعها، ولا يجوز للعامل قبول هدية من أرباب الأموال؛ لحديث: «هذا العمال غلول»، ولا يجوز أخذ رشوة وما خان العامل فيه أخذه الإمام ليرده إلى المستحق له؛ لقوله : «من استعملناه على عمل فما أخذه بعد ذلك غلول» رواه أبو داود، ولا يأخذ أرباب الأموال؛ لأنه زكاة، لكن إن أخذ منهم شيئًا ظلمًا بلا تأويل فلهم أخذه، قال الشيخ: ويلزمه رفع حساب ما تولاه إذا طلب منه.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:44 am

س116: ما مقدار ما يأخذه المؤلف؟ وهل يقبل قوله في ضعف إسلامه؟ وهل يقبل قوله في أنه مطاع في عشيرته؟ وهل حكم المؤلف باق أم انقطع؟ وما مقدار ما يعطاه المكاتب من الزكاة؟ وتكلم عما يتعلق حول هذا من الصور؟
ج: يعطي مؤلف من زكاة ما يحصل به التأليف؛ لأنه المقصود، ويقبل قوله في ضعف إسلام، ولا يقبل قوله في أنه مطاع في عشيرته إلا ببينة، وحكم المؤلفة باق؛ لأن الآية من آخر ما نزل، ولأنه  أعطى مؤلفة من المسلمين والمشركين فيعطون عند الحاجة، ودعوى الاستغناء عن تأليفهم خارج عن محل الخلاف؛ فإن الكلام مفروض عند الحاجة، ويعطي مكاتب وفاء دين الكتاب قَدرٍ على الكتابةِ أو لا لقوله تعالى: وَفِي الرِّقَابِ وما أعتقَ ساع فولاؤه للمسلمين؛ لأنه نائبهم وما أعتق رب المال فولاؤه له.
س117: ما مقدار ما يعطاه الغارم؟ وهل يقضي منها الدين على الميت؟ وما مقدار ما يعطاه الغازي؟ وهل يجوز شراء فرس بزكاة رجل ودَفعها إليه يغزو عليها؟ وإذا لم يغزو فما الحكم؟
ج: يعطي غارم وفاء دينه كمكاتب لاندفاع حاجتهما به، ودين الله كدين الآدمي ولا يقضى من الزكاة دين على ميت لعدم أهلية القبول لها، كما لو كفَّنه منها وسواء كان استدانته لإصلاح ذات بين أو لمصلحة نفسه، ويعطي غاز لو غنيًا ما يحتاج لغزوه ذهابًا وإيابًا وإقامة في أرض العدو ونحو ثمن سلاح ودرع وفرس لفارس وحسولته، ويقبل قوله أنه يريد الغزو؛ لأن إرادته أمر خفي لا يعلم إلا من جهته ولا يجزئ أن يشتري من عليه زكاة منها فرسًا يحبسها في سبيل الله أو يشتري منها عقارًا يقفه على الغزاة لعدم المأمور به ولا يجزئ من وجبت عليه زكاة غزوه على فرس أو بدرع منها؛ لأن نفسه ليست مصرفًا لزكاة كما لا يقضي بها دينه، وللإمام شراء فرس بزكاة رجل دفعها
إليه ليغزو عليها؛ ولأنه بريء منها بدفعها للإمام وإن لم يغزو من أخذ فرسًا أو غيرها من الزكاة ردها إلى إمام؛ لأنه أعطي على عمل ولم يعمله نقل عبدالله إذا أخرج في سبيل الله أكل من الصدقة.
س118: ما مقدار ما يعطاه ابن سبيل؟ وإذا وجد مُقرضًا فهل يعطي؟ وإذا سقط ما على غارم أو مكتب أو فضل معهما أو مع غاز أو ابن سبيل شيء بعد حاجته، فما الحكم؟
ج: يعطى ابن سبيل ولو وجد مقرضًا ما يبلغه بلده أو منتهى قصده وعوده إليها إن لم يكن ذلك محرمًا ولا مكروهًا، وإن سقط ما على غارم من دين أو سقط ما على مكاتب من مال كتابة أو فضل مع الغارم والمكاتب شيء عن الوفاء أو فضل مع غاز أو ابن سبيل شيء بعد حاجته رد الكل ما أخذه أو رد مَن فضل معه شيء من غارم ومكاتب وغاز وابن سبيل ما فضل معه؛ لأنه يأخذه مراعي؛ فإن صرفهُ في جهته التي استحق أخذه لها وإلا استرجع منه؛ وأما الفقراء والمساكين والعاملون على الزكاة والمؤلفة قلوبهم فينصرفون في فاضل بما شاءوا؛ لأنه سبحانه أضاف الزكاة إليهم بلام الملك، ثم قال: وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ولأنهم يأخذون الزكاة لمعنى يحصل بأخذهم وهو غذاء الفقراء والمساكين وأداء أجر العاملين وتأليف المؤلفة، والأربعة الآخرون يأخذون لمعنى لا يحصل بأخذ الزكاة فافترقوا.
س119: إذا استدان مكاتب ما عتق به وبيده منها بقدر ما استدانه فهل يصرف فيه؟ وهل تجزي الزكاة والكفارة ونحوهما لصغير لم يأكل الطعام؟ وهل يقضي من الزكاة الدين عن الحي؟ وهل تجزي الزكاة والكفارة ونحوها لمن بعضه حر؟ وما الذي يشترط لإجزاء الزكاة؟ وهل للمالك دفعها لغريم المدين؟
ج: لو استدل مكاتب مالاً أداه لسيد وعتق بأدائه وبيده من الزكاة بقدر ما استدانه فللمكاتب صرفه فيما استدانه وعتق به؛ لأنه محتاج إليه بسبب الكتابة وتجزي زكاة وكفارة ونحوهما لصغير لم يأكل الطعام لصغره ويصرف في أجرة رضاعه وكسوته لابدّ منه، ويقبلُ له وليه في ماله؛ فإن لم يكن فمن يليه من أم أو غيرها؛ لأن حفظه من الضياع والهلاك أولى من مراعاة الولاية، ويشترط لإجزاء زكاة تمليك المعطي، وللإمام قضاء دين على غارم حي من زكاة بلا إذنه لولايته عليه في إبقائه، ولهذا يجبره عليه إذا امتنع والأولى للإمام دفع زكاة إلى سيد المكاتب والأولى لمالك مزكي دفع الزكاة إلى سيد مكاتب لرده ما قبض من زكاة من مال الكتابة إن رقّ مكاتب لعجزه ولا يرد سيد مكاتب ما قبض مكاتب من زكاة ودفعه لسيده ثم عجز أو مات ونحوه، ولمالك مزكي دفع الزكاة إلى غريم مدين من أهل الزكاة بتوكيل المدين ويصح توكيل مدين لربها في ذلك ولو لم يقبضها مدين، وللمالك دفع الزكاة إلى غريم مدين بدون توكيل المدين نصًّا؛ لأنه دفع الزكاة في قضاء المدين أشبه ما لو دفعها إليه فيقضي بها دينه.
س120: تكلم عن أحكام ما يلي: سؤال ما أبيح للإنسان أخذه؟ إعطاء السؤال؟ قبولُ مالٍ طيب؟ من سأل واجبًا مُدعيًا كتابة أو غرمًا أو أنه ابن سبيل أو مدعيًا فقرًا ولم يعرف بغني إذا صدق مكاتبًا سيِّده أو صدق غارمًا غريمه، مَن ادَّعى عيالاً أو فقرًا ولم يعرف بغنى؟ الجَلْدُ إذا ادعى عدم مكسب؟
ج: مَن أبيح له أخذ شيء من زكاة أو كفارة أو نذرًا أو غيرها كصدقة التطوع أبيح له سؤاله نصًا لظاهر حديث: «للسائل حق وإن جاء على فرس»؛ ولأنه يطلب حقه الذي جعل له ولا بأس بمسألة شرب الماء نصًّا واحتج بفعله ، وقال في العطشان: «لا يستسقي يكون أحمق»، وإعطاء السؤال مع صدقهم فرض كفاية؛ لحديث: «لو صدق السائل ما أفلح من رده» احتج به أحمد، وأجاب بأن السائل إذا قال: أنا جائع، وظهر صدقه وجب إطعامه، وإن سألوا مطلقًا لغير معين لم يجب إعطاؤهم ولو أقسموا؛ لأن إبرار المقسم إنما هو إذا أقسم على
معين، وإن جهل حال السائل، فالأصل عدم الوجوب وإطعام جائع ونحوه فرض كفاية، ويجب أخذ مال طيب أتى بلا مسألة ولا استشراف نفس لما ورد عن سالم عن عبدالله بن عمر، عن أبيه  أن رسول الله  كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء فيقول: «أعطه أفقر مني، فيقول خذه فتموله أو تصدق به وما جاءك من هذا المال وأنت مُشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك» رواه مسلم، ومن سأل واجبًا مدعيًا أنه مكاتب أو أنه غارم أو أنه ابن سبل أو مدعيًا فقرًا وعرف بغنى لم يقبل قوله إلا ببينة؛ لأن الأصل عدم ادعائه وإن ثبت أنه ابن سبيل صُدِّق على إرادة السفر والبينة فيما إذا ادعى فقرأ من عرف بغنى ثلاثة رجال؛ لحديث: «إن المسألة لا تحل لأحد إلا لثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانًا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عَيشٍ أو سِدادًا من عيش» رواه مسلم. وإن صدق مكاتبًا سيدُه قبل وأُعطي أو صدق غارمًا غريمُهُ أنه مدين قُبِلَ وأعطى من الزكاة؛ لأن الظاهر صدقه ويُقلّدُ من ادَّعَى من فقراء أو مساكين عيالاً فيعطى له ولهم بلا بينة أو ادعى فقرًا ولم يعرف بغنى؛ لأن الأصل عدم المال فلا يكلف بينة به وكذا يقلد جلدٌ ادعى عدم مكسب ويُعطى من زكاة بعد إعلامه أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مُكتسب؛ لحديث أبي داود في الرجلين اللذين سألاه وفيه أتينا النبي  فسألناه من الصدقة فصعَّدَ فِينَا النظر فرآنا جَلدَين، فقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب».
س121: تكلم عن أحكام ما يلي: حكم تعميم الأصناف الثمانية؟ حكم تفرقها في الأقارب؟ من فيه سببان هل يأخذ بهما؟ الاقتصار في إيتاء الزكاة على إنسان واحد؟ إذا أعتقَ عبدًا لِتجارة قيمته نصاب بعد الحول قبل إخراج ما فيه، فهل يجوز دفع ما فيه زكاة إليه؟
ج: يحرم أخذ صدقة بدعوى غِنيَّ فقرًا، ولو من صدقة تطوع؛ لقوله : «ومن يأخذها بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة» متفق عليه. وسن تعميم الأصناف الثمانية بلا تفضيل بينهم إن وجد الأصناف حيث وجبَ الإخراج وإلا عَمَّم مَن أمكن خروجًا من الخلاف وليَحصُل الإجزاء بيقين؛ فإن اقتصر على إنسان واحد أجزأ، وهذا قول حذيفة وابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير والحسن وعطاء وإليه ذهب الثوري وأبو عبيد وأصحاب الرأي؛ لقوله تعالى: إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ الآية؛ ولحديث معاذ حين بعثه إلى اليمن فلم يذكر في الآية والحديث إلا صنف واحد، وقوله لقبيصة: «أقِم عنْدَنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، وأمر بني سلمة بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر»، ولو وجب الاستيعاب لم يجز صرفها إلى واحِد؛ ولأنه لا يجبُ تعميم كل صنف بها فجاز الاقتصار على واحد كالوصية لجماعة لا يمكن حصرهم، والآية سِيْقَتْ لِبيَان مَن يجوز الدفع إليه لا لإيجاب الصرف للجميع دليل أنه لا بجب تعميم كلَّ صنف بها، ولما فيه من الحرج والمشقة، وجاز دفعها لغريمه؛ لأنه من جملة الغارمين؛ فإن ردها عليه من دينه بلا شرط جاز له أخذه؛ لأن الغريم ملك ما أخذه الأخذ أشبه ما لو وفَّاه من مال آخر؛ لكن إن قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه لم تجز؛ لأنها لله تعالى فلا يصرفها إلى نفعه. قال ابن القيم –رحمه الله-: ومن الحيل الباطلة المحرمة أن يكون له على رجل مال وقد أفلس غريمه وأيس من أخذه منه وأراد أن يحسبه من الزكاة فالحيلة أن يعطيه من الزكاة بقدر ما عليه فيصير مالكًا للوفاء فيطالبه حينئذ بالوفاء؛ فإذا وفاه برئ وسقطت الزكاة عن الدافع وهذه حيلة باطلة سواء شرط عليه الوفاء أو منعه من التصرف فيما دفعها إليه أو ملكه إياه بنية أن يستوفيه من دينه، فكل هذا لا يسقط عنه الزكاة ولا يعد مخرجًا لها شرعًا ولا عرفًا، كما لو أسقط دينه وحسبه من الزكاة. انتهى من «إعلام الموقعين» (3/320، 321)، وسن تفرقة صدقته في أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم كذوي أرحامه ومَن لا يرثه من نحو أخ وعم على قدر
حاجتهم فيزيد ذا الحاجة بقدر حاجته؛ لحديث: «صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة» رواه الترمذي والنسائي. ويبدأ بالأقرب فالأقرب ومَن فيه سببان كفقير غارم أو ابن سبيل أخذَ بالسَّببَين فيعطي بفقره كفايته مع عائلته سنة وبغرمه ما يفي به دينه ولا يجوز أن يعطي بأحَد السببين لا بعينه لاختلاف أحكامهما في الاستقرار وعدمه وإن أعطى بهما وعيّنَ لكل سبب قدرٌ معلوم فذاك وإلا يُعيَّنُ لكل سبب قدَرٌ كان ما أعطيه بينهما نصفين ومن أعتق عبدًا لِتجارة قيمته نصاب بعد الحول قبل إخراج وما فيه من زكاة فلِلسيدِ دَفعُ ما فيه من زكاة إلى العتيق، وكذا فطرة عبد أعتقه بعد وجوبها عليه ما لم يقم به مانع من غنى ونحوه.
من النظم ومختصره مما يتعلق في مصارف الزكاة
وأصنَاف من يعطي ثمانية أتى
فقيرهم المحتاج جلَّ كفاية
كجاب وسَوَاقٍ وكتب وقاسم
وليس غنى مالك لما ليس كافيًا
وعن أحمد حرم بخمسين درهمًا
وكل مطاع في العشيرة مؤلف
وقوة إيمان وإسلام مُشْبهٍ
وعنه امنعن بالكفر كل مؤلف
وأهل الرقاب إسْم لكل مكاتب
وكل مدين يصلح للناس غارم
وسابعهم غاز بغير مقرر
ومفتَقر في الغربة ابن سبيلهم
فيعطي مقدار المبلغ أرضه
وعنه الفقير المبتدى السير أعطه
وعاملها مقدار أجرة فعله
وذو الغرم في النوعين يعطي كفايةً
وما يحصل التأليف منه لأهله
فإن هم لم يغزو أفخذه وإن غزوا
وخذ لعيال حاجة العام كلها
ويأخذ منهم مع غناه مؤلف
وفاضل ما يحتاجه ابن سبيلهم
ويملكه الباقي وعنه جميهم
ويأخذ ذو الوصفين غاز وغارم
ومن كان ذا ملك وتجر وصنعة
ويأخذ ذو كسب تخلي لعلمه
وليس غني دار وعبد وخدمة
ودعوى افتقار وكتاب ومغرم
ولا تقبلن بعد الغنى الفقر يا فتى
ويقبل مجهول سبق يساره
واعط سوى الحال من غير حلفه
ولا ذا اكتساب قائم بأموره
ويشرع في الأصناف صرف جميعها
ومَن يعط فردًا من أولاه زكاته
ويشرع في قرباك من ليس وارثًا
ومن بعد ذا فالجار والعلم قَدِّمنْ
بتبيَانهم نصّ الكتاب الممجدِ
ومسكينهم عكس وعكس بأبعدِ
وحافظها في الصبح أو عند مرْقَدِ
ولو كان أثمان كثيرًا بأوكدِ
على المرء أو مقدارها ملك عسجدِ
لخوف أذاه أو رجاء المرء يُهتدى
وتحصيل ممنوع ودفع لمعْنَدِ
لقوة إسْلام ووفرَ التعَددِ
وفك أسير مسلم في المؤكدِ
كذا في مباحات النفوس ليعددِ
وقولين في حج المساكين أسندِ
وليس الذي من أرضه السير يبتدي
وذا الفقر والمسكين كافيهما ارفدِ
لسير مباح للذهاب ومزددِ
وعنه ثُميْن اللذّ جَبَى إن يُزهدِ
ليقضي جميع الدين لا تتزيدِ
وحاجة أهل الغزو جمعاء أوْرِدِ
فخذ فاضلاً بعد الرجوع بمبعدِ
في الأولى وكل فوق لا تتزيد
وغاز وعمال ومصلح ومفسد
وغارم نفس والمكاتب ليردد
ولكنه مع عجز عبد لسيد
بوصيفه منهَا في المقَالِ المجَوَّد
يقوم به ريعٌ دَاومًا ليطرد
ولا تعط ذا كسب ملازم مَعْبد
وكتب لمحتاج إلى ذاك سرمد
أو ابن سبيل رد إلا بشهّد
بدون ثلاثة يشهدون بأوطد
ووجهان مع تصديق خصم وسيِّد
وخبره أن لا حظ فيها لأجلد
وتقبل دعواه العيال بأجود
ولو لم تساوي بينهم في المعدَّد
جميعًا يجز ما يَعُد الغنى أحدد
على قدر حاجات وقرب ليمدد
وراع ذوي الحاجات والستر ترشد
س122: مَن الذين لا يجزي دفع الزكاة إليهم؟ ومن الذين يجوز دفعها إليهم غير من تقدم؟ وهل لمن لا يجوز دفع الزكاة إليه الأخذ من صدقة التطوع؟ وإذا دفع الزكاة لغير مستحقها لجَهْلٍ فما الحكم؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: ولا تجزي زكاة إلى كافر غير مؤلف؛ لحديث معاذ: «فتؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم»، وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الذمّي لا يعطى من الزكاة ولا تجزي إلى كامل رقّ من قنّ ومدّبر ومعلق عتقه بصفة؛ لأن نفقة الرقيق على سيده. قال في «الشرح الكبير»: ولا يعطي الكافر ولا المملوك، لا نعلم فيه خلافًا. انتهى. غير عامل ومكاتب فيجوز؛ أما العامل، فلأن ما يأخذه أجرة عمل يستحقها سيده؛ وأما المكاتب، فلأنه في الرقاب ولا تجزي إلى زوجة المُزكِّي حكاه ابن المنذر إجماعًا، لوجوب نفقتها عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة، وكما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها والناشز كغيرها ولا تجزي إلى فقير ومسكين ذكر وأنثى مُسَغنينِ بنفقةٍ واجبةٍ على قريب أو زوج غنيين لحصول الكفاية بالنفقة الواجبة لهما أشبه من له عقار يستغني بأجرته؛ فإن تعذر منهما جاز الدفع كما لو تعطلت منفعة العقار، ولا تجزي للوالدين وإن علوا ولا للولد وإن سفل؛ لأن دفعها إليهم يغنيهم عن نفقته ويسقطها عنه فيعود نفعها إليه فكأنه دفعها إلى نفسه أشبه ما لو قضى بها دينه ما لم يكونوا عمَّالاً أو مؤلفة أو غزاة أو غارمين لإصلاح ذات بين. وفي «الاختيارات الفقهية»: ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا وإلى الولد وإن سفل إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم لوجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم، وهو أحد القولين في مذهب أحمد وإذا كانت الأم فقيرة ولها أولاد صغار لهم مال ونفقتها تضرّ بهم أعطيت من زكاتهم، والذي يخدمه إن لم تكفه أجرته أعطاه من زكاته إذا لم يستعمله بدل زكاته ومَن كان في عياله من لا تجب عليه نفقتهم فله أن يعطيهم من الزكاة ما يحتاجون إليه ما لم تجر عادته بإنفاقه من ماله. انتهى (ص104)، وفي «مجموع الفتاوى»: إذا كان على الولد دين ولا وفاء له جاز له أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره؛ وأما إذا كان محتاجًا إلى النفقة وليس لأبيه ما يتفق عليه ففيه نزاع والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه؛ وأما إن كان مستغنيًا بنفقة أبيه فلا حاجة به إلى زكاته. والله أعلم. (25/92) انتهى.
وعن معن بن يزيد  قال: بايعت رسول الله  أنا وأبي وجدي وخطب عليَّ فأنكحني وخاصمتُ إليه، وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله ، فقال: «لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن» قال ابن رجب: إنما يمنع من دفع زكاته إلى ولده خشية أن تكون محاباة، وإذا وصلت إليه من حيث لا يشعر كانت المحاباة منتفية، وهو من أهل الاستحقاق، ولا يجزي امرأة دفعُ زكاتها إلى زوجها؛ لأنها تعود إليها بإنفاقه عليها. والرواية الثانية: يجوز اختارها القاضي وأصحابه، وهو مذهب الشافعي وابن المنذر وطائفة من أهل العلم؛ لما ورد عن أبي سعيد الخدري ، قال: جاءت زينب امرأة ابن مسعود، فقالت: يا رسول الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق مَن تصدقت به عليهم، فقال النبي : «صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم» رواه البخاري. ولا يجزي دفع زكاة إنسان إلى سائر مَن تلزم المزكي نفقته من أقاربه ممن يرثه بفرضه أو تعصيب كأخت وعمّ وعتيق حيث لا حاجب. والقول الثاني: أنه يجوز إلى غير عمودي النسب ممن يرثه بفرض أو تعصيب؛ لقوله : «الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم إثنتان صدقة وصلة» رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي؛ فإن كان من تلزمه غازيًا أو عاملاً أو مؤلفًا أو مكاتبًا أو ابن سبيل أو غارمًا لإصلاح ذات بين أعطى من الزكاة، وتجزي إلى من تبرع بنفقته بضمه إلى عياله أو تعذرت نفقته، ولا تجزي دفع زكاة إلى بني هاشم وهم سلالته فدخل آل عباس بن عبدالمطلب وآل جعفر وآل علي وآل عقيل بني أبي طالب
وآل الحارث بن عبدالمطلب وآل أبي لهب سواء أعطوا من الخمس أولاً؛ لعُموم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد وإنما هي أوساخ الناس» رواه مسلم. قال في «الاختيارات الفقهية»: وبنو هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة وهو قول القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا، وقال أبو يوسف من الحنفية والإصطخري من الشافعية؛ لأنه محل حاجة وضرورة ويجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشميين، وهو محكي عن طائفة من أهل البيت. انتهى (ص104)، ومثل بني هاشم مواليهم؛ لحديث أبي رافع: أن رسول الله  بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدق، فقال لأبي رافع: اصحبني كيما نصيب منها، فقال: حتى أتي رسول الله  فأسأله، فانطلق إلى رسول الله  فسأله، فقال: «إنها لا تحل لنا الصدقة وإن مولى القوم منهم» أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حسن صحيح. ويجزي دفع الزكاة إلى مولى بني هاشم؛ لأن النص لا يتناولهم، ولكل ممن أنه لا يجزي دفع الزكاة إليه من بني هاشم وغيرهم أخذ صدقة التطوع؛ لقوله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافرًا؛ ولحديث أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشتركة، قلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم صِلِي أمَّك» وَسُنَّ تَعَفُّفُ غنى عن صدقة التطوع وسُنّ له عدم تعرض لها لمدحه تعالى المتعففين عن السؤال مع حاجتهم، قال تعالى: يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ولكل من فقير ومسكين هاشمي أو غيره أخذ من وصية لفقراء إلا النبي  فمنع من فرض الصدقة ونفلها؛ لأن اجتنابها كان من دلائل نبوته.
قال أبو هريرة: «كان رسول الله  إذا أتى بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: «كلوا» ولم يأكل، وإن قيل: هدية، ضرب بيده وأكل معهم» متفق عليه. ولكل فمن منع الزكاة عن هاشمي
أو غيره الأخذ من نذر لا كفارة؛ لأنه صدقة واجبة بالشرع أشبهتة الزكاة، بل أولى لأن مشروعيتها لمحو الذنب فهي من أشد أوساخ الناس، ويجزي دفع زكاته إلى ذوي أرحامه غير عمودي نسبه ولو ورثوا؛ لحديث: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي؛ ولأن قرابتهم ضعيفة، ويجزي دفع الزكاة إلى بني المطلب لشمول الأدلة لهم خرج منها بنو هاشم بالنص؛ لقوله : «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد» فوجب أن يختص المنع بهم؛ ولأن بني المطلب في درجة بني أمية وهم لا تحرم الزكاة عليهم، فكذا هم وقياسهم على بني هاشم لا يصلح؛ لأنهم أشرف وأقربُ آل النبي  بَنُو هاشم.
والقول الثاني: لا يجوز لما روى جبير بن مطعم  قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي ، فقلنا: يا رسول الله، أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحْنُ وهم بمنزلة واحدة، فقال رسول الله : «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد» رواه البخاري.
وفي بعض روايات هذا الحديث أنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام؛ ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فمنعوا من الزكاة كبني هاشم وقد أكد ذلك ما روى أن النبي  علل منهم من الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس، فقال: «أليس في خمس الخمس ما يغنيكم» قال في حاشية «المقنع»: وظاهره ولو منعوا الخمس ولا يبعد أن يتأتى الخلاف هنا، بل هو أولى بالجواز وإن دفع الزكاة لغير مستحقها، وهو يجهل ثم علم لم يجزئه ويستردها بنمائها؛ لأنه لا يخفي غالبًا كدين الآدمي؛ فإن تلفت ضمنها قابض
وإن كان الإمام أو نائبه فعليه الضمان وإن دفعها لمن يظنه فقيرًا فبان غنيًا أجزأ؛ لأن النبي  أعطى الرجلين الجلدين، وقال: «إن شئتما
أعطيتكما منها» لغني ولا لقوي مكتسب، وقال: لذي سأله من الصدقة: «إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك» ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم.
وروى أبو هريرة عن النبي  قال: «قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأتى، فقيل: أما صدقتك فقد تقبلت لعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله» رواه النسائي.
قال في «الاختيارات الفقهية»: ولا ينبغي أن يعطي الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله؛ فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته لمن لا يحتاج إليها من المؤمنين كالفقراء والغارمين أو لمن يعاون المؤمنين، فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يعطى شيئًا حتى يتوب ويلتزم أداء الصلاة في أوقاتها (ص103).
من النظم مما يتعلق بمن لا يجوز دفعها إليه
وما بذلها للوالدين بمجزئ
ولا القن والكفار غير الذي مضى
وحرم ولا يجزي عطا آل هاشم
ويعطون نذرًا والوصايا لمعدم
وزوجتك امنع مع فقيرة موسر
وقولان في إعطا الغنية زوجها
وفي لازم الإنفاق في أقربائه
وقبل أجزاها للأقارب كلهم
وليس بمجز دفعها لشريكه
ولا كفن الموتى ولا في ديونهم
ويحرم حتما أن بقي ماله بها
ومَن يعط كفاراته أو زكاته
فبان بأن المرء من غير أهلها
ومَن ليس أهل القبض يعطي وليه
ولا الولد مع قرب ولا مع تبعُّد
وغاز وذي عزم وإصلاح مفسد
ومولاهم والسبط فيهم ليعدد
ونفلاً في الأولى والمكفر بأجود
ولم يجز إعطاء ذا الغنى والتسدد
كذاك هما في آل مُطّلب زد
مقالقين في غير العمودين أسند
وزوجين في غرم ودين المعبدِ
ولا من تعولا من قريب ومبعد
ولا نحو سد البثق أو رَدَّ مسجدِ
ويدفع ذما أو لتحصل مَحْمَدِ
لمن ظنه أهلاً لقبض المزودِ
ليقض وعنه لا قضى في الغني قدِ
وعنه وساع في مصالحه ارفدِ
16- فصل في صدقة التطوع


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:49 am


16- فصل في صدقة التطوع
س123: ما حكم صدقة التطوع؟ وضِّح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: صدقة التطوع مستحبة في جميع الأوقات، قال الله تعالى: مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً، وعن أبي هريرة «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب؛ فإن الله يتقبلها بمينه ثم يربيها لصاحبها، كما يُرَبي أحدكم، فلوّه حتى تكون مثله الجبل» متفق عليه.
وعن أنس مرفوعًا: «إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء» رواه الترمذي وحسنه، وعن مرثد بن عبدالله قال: حدثني بعض أصحاب رسول الله  أنه سمع رسول الله  يقول: «إن ظل المؤمن يوم القيامة صدقته» رواه أحمد.
س124: أيُّما أفضل صدقة السر أم العلانية؟ وضَّح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: صدقة السر أفضل؛ لقوله تعالى: إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ.
وروي عن أبي هريرة عن النبي  أنه قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم «رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» متفق عليه.
وروي عنه  أنه قال: «صدقة السر تطفئ غضب الرب» رواه الترمذي.
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما خلق الله الأرض جعلت تميد، فخلق الجبال فألقاها عليها، فاستقرت، فتعجبت الملائكة من خلق الجبال، فقالت: يا رب، هل من خلقك شيء أشد
من الجبال؟ قال: نعم، الحديد؛ قالت: يا رب، فهل في خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: نعم، النار؛ قالت: يا رب، فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال: نعم، الماء؛ قالت: يا رب، فهل من خلقك شيء أشد من الماء، قال: نعم، الريح؛ قالت: يا رب، فهل من خلقك شيء أشد من الريح؟ قال: نعم، ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها من شماله».
وعن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: «سر إلى فقير أو جهد من مقل» رواه أحمد؛ فإن ترتبت على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية ومن المصالح المرجحة للإظهار إذا كان في إسراره بها إساءة ظن به فالإظهار أفضل حتى لا يساء به الظن.
س125: بيّن متى وقت أفضلية الصدقة من الزمان والمكان؟ واذكر الدليل لما تقول؟
ج: صدقت التطوع بطيب نفس أفضل منها بدونه؛ لما في حديث عبدالله ابن معاوية الغاضري قال: قال رسول الله : «ثلاث من فعلهن فقد ذاق طعم الإيمان من عَبَدَ الله وحده، وعلم أن لا إله إلا الله وأعطى زكاة ماله طيِّبة بها نفسه» الحديث رواه أبو داود. وفي الصحة أفضل منها في غيرها؛ لما ورد عن أبي هريرة  قال: «جاء رجل إلى النبي  قال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظمُ أجرًا؟ قال: «أن تصدّق، وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغِنَى ولا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم»، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان» أخرجاه في الصحيحين. وفي رمضان أفضل منها في غيره؛ لحديث ابن عباس، قال: «كان النبي  أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فَلرَسولُ الله  حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة» متفق عليه.
ولأن الصدقة في رمضان إعانة على أداء فريضة الصوم، وفي أوقات الحاجات أفضل مها في غيرها؛ لقوله تعالى: أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ وفي كل زمان ومكان فاضل كالعشر والحرمين؛ أما العشر، فلحديث ابن عباس: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» رواه البخاري.
وأما الحرمين فلما ورد عن أبي هريرة، عن النبي  قال: «صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» رواه البخاري.
وعن أبي الدرداء  قال: قال رسول الله : «الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بمائة ألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة» رواه الطبراني في «الكبير»، وابن خزيمة في «صحيحه»، ولفظه: «صلاة في المسجد الحرام أفضل مما سواه من المساجد بمائة ألف صلاة، وصلاة في مسجد المدينة أفضل من ألف صلاة فيما سواه، وصلاة في بيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد بخمسمائة صلاة».
س126: تكلم عن الصدقة على ذي الرحم؟ وعلى تأكيدها مع العداوة؟ واذكر الأدلة على ذلك؟ ومن الذي يلي ذي الرحم في الأفضلية؟
ج: والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة، لاسيما مع عداوة؛ أما الدليل على أفضليتهما في القرابة، فلقول النبي  لأبي طلحة: «وإني أرى أن تجعلها في الأقربين»، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه، متفق عليه. وتقدم قوله  لزينب امرأة ابن مسعود: «زوجك وولدك أحق مَن تصدقت به عليهم» رواه البخاري؛ وأما كونها تتأكد مع العداوة، فلم ورد عن أبي أيوب قال: قال رسول الله : «إن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» رواه أحمد.
وعن حكيم بن حزام  أن رجلاً سأل رسول الله  عن الصدقة أيها أفضل؟ قال: «على ذي الرحم الكاشح» رواه الطبراني وأحمد وإسناده حسن، «ثم على جار أفضل؛ لقوله تعالى: وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ».
وعن ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله : «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» متفق عليه. ويستحب أن يخص بالصدقة من اشتد حاجته؛ لقوله تعالى: أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ.
س127: ما الذي تستحب به الصدقة؟ وإذا تصدق بما ينقص مؤنة تلزمه أو بما يضر بنفسه أو غريم أو أرادها بماله كله، فما الحكم؟
ج: وتستحب بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه؛ لقول النبي : «خير الصدقة ما كان عن ظهر غِنَى، وابدأ بمن تعول» متفق عليه. ومن تصدق بما ينقص مؤنة تلزمه كمؤنة زوجة أوق ريب أثم؛ لحديث: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» حديث صحيح رواه أبو داود وغيره، ورواه مسلم في «صحيحه»، بمعناه قال: «كفى بالمرء إثمًا أن يحس عن من يملك قوته؛ فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل؛ لقوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ».
ولما ورد عن أبي هريرة  قال: قيل: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: «جهد المقل، وابدأ بمن تعول» أخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وكذا يأثم إن أضر بنفسه أو بغريمه أو بكفيله بسبب صدقته بحديث: «لا ضرر ولا ضرار» رواه أحمد وغيره.
ومَن أراد الصدقة بماله كله وله عائلة لهم كفاية أو يكفيهم بمكسبه فله ذلك؛ لما روى عمر  قال: «أمرنا رسول الله  أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله : «ما أبقيت لأهلك؟»، فقلت:
أبقيت لهم مثله، وأتى أبو بكر  بجميع ماله، فقال رسول الله : «وما أبقيت لأهلك؟» فقال: أبقيت الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا». وكذا إن كان لا عيال له، ويعلم من نفسه حسن التوكل على الله والصبر عن المسألة فله ذلك لعدم الضرر، وألا يكن لعياله كفاية ولم يكفهم بمكسه حَرُمَ وحجر عليه لإضاعة عياله؛ ولحديث: «يأتي أحدكم بما يملك، فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غِنَّى» رواه أبو داود، وكذا إن كان وحده ولم يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة، وكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية؛ لأنه نوع إضرار به.
وروى أبو داود عن النبي  قال: «لا يأتي أحدكم بما يملك، فيقول هذه صدقة، ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى»، وقال  لسعد: «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» متفق عليه.
قال ابن الجوزي في كتاب «السر المصون»: الأولى أن يدخر لحاجة تعرض وأنه قد يتفق له مرفق فيخرج ما في يده فينقطع مرفقه فيلاقي من الضرر والذل ما يكون الموت دونه فلا ينبغي لعاقل أن يعمل بمقتضى الحال الحاضرة، بل يصور كل ما يجوز وقوعه، وأكثر النَّاس لا ينظرون في العواقب وقد تزهَّد خلق كثير فأخرجوا ما بأيدهم حتى احتاجوا فدخلوا في المكروهات، والحازم من يحفظ ما في يده، والإمساك في حق الكريم جهاد كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد، والحاجة تخرج إلى كل محنة ومن ميَّز شيئًا للصدقة به ثم بدا له الرجوع عن الصدقة سن له إمضاؤه مخالفة للنفس والشيطان، ولا يجب عليه إمضاؤه؛ لأنها لا تملك إلا بالقبض، والمن بالصدقة كبيرة، والمن لغةً: تَعْدادُ النِّعَمِ، والكبيرة ما فيه حَدٌ في الدنيا أو وَعيْدٌ في الآخرة، وزاد شيخُ الإسلام أو تَرتَّبَ عليه لعنةٌ أو غضبٌ أو نَفُي إيمان.
قال ناظم الكبائر:
فمَا فيهِ حَدٌ في الدُّنى أو تَوَعُّدٌ
وزَادَ حَفِيدُ المجْدِ أوْجَا وَعِيدُهُ
بأخرى فسِم كُبْرَى على نصِّ أحْمدِ
بنَفْيٍ لإيمَانِ وَطَرْدٍ لِمُبْعَد
ويبطل الثواب بالمنِّ بالصدقة قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى، وقال أبو الطيب: وكأنه ينظر إلى معنى هذه الآية الكريمة:
إذا الجود لم يرزق خلاصًا من الأذى
فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقيًا
قال الناظم مما يتعلق في صدقة التطوع:
وبذلك نفل البرِ سِرًا بفاضل
يسَن وفي الحاجات أو شهر صومهم
ويأثم في إضرار نفس وعيلة
وإن تك ذا صبر وحسن توكل
وأن لا تكن نائم بدفع جميعه
وجوز سؤال المرء ما جاز أخذه
ومَا جَا بلا استشرَافِ نفس وُطلبةٍ
ويكره باستشرَاف نفس وجائز
عن النفس مع قوت العيال المزهدِ
وللجار والقُرْبَى وإن يؤذ أكدِ
ومطل غريم في التقاضي ملددِ
وترك سؤال بالجميع أن تشَاجدِ
ويكره تضييق بغير المعوَّدِ
وعنه احظرنَّ ذا الغَدَا والعشَا قدِ
يسَنُّ ولمْ يوجب قبُولاً بأوكدِ
على الكفر بذل البرّ في نص أحمدِ
س128: ما الذي تستحضره من الفوائد المترتبة على أداء الزكاة؟ وبذل صدقة التطوع والمضار المترتبة على منع الزكاة؟
ج: 1- أولاً: امتثال أمر الله ورسوله.
2- تقديم ما يحبه الله على محبة المال.
3- أن الصدقة برهان على إيمان صاحبها كما في الحديث والصدقة برهان.
4- شكر نعمة الله المتفضل على المخرج بما أعطاه من المال.
5- السلامة من وبال المال في الآخرة.
6- تنمية الأخلاق الحسنة والأعمال الفاضلة الصالحة.
7- التطهير من دنس الذنوب والأخلاق الرذيلة. قال الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا.
8- إضعاف مادة الحسد والحقد والبغض أو قطعها كليًّا.
9- تحصين المال وحفظه؛ لحديث: «حَصنُوا أموالكم بالزكاة».
10- إن الصدقة دواء من الأمراض؛ لحديث: «وداووا مرضاكم بالصدقة». 11- الاتصاف بأوصاف الكرماء.
12- إنها سببب لدفع البلاء.
13- التمرن على البذل والعطاء.
14- إنها سبب لدفع جميع الأسقام؛ لحديث: «باكروا الصدقة؛ فإن البلاء لا يتخطاها».
15- إنها سببٌ لجلب المودة؛ لأنها إحسان النفوس مجبولة على حُبِّ مَنْ أحسن إليها.
16- أنها سبب للدعاء من القابض للدافع، وتقدمت الأدلة في جواب سؤال.
17- أن منع الزكاةَ سببٌ لمنع القطر؛ لحديث: «ولا منعوا الزكاة إلا حُبسَ عنهم القطر».
18- الابتعاد عن البخل والشح. 19- الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب. قال الله تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وقد فسر الفلاح: بأنه الفوز المطلوب والنجاة من المرهوب، وهذا من جوامع الكلم. 20- أنها تدفع مِيتةَ السوء كما في الحديث: «إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء». 21- أن المتصدق يكون في ظل الله يوم القيامة كما في الحديث: «سبعة يظلهم الله في ظله» وذكر منهم «رجل تصدق بصدقة فأخْفَاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» الحديث، وتقدم في الحديث الآخر: «وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته». 22- الفوز بالثناء من الله؛ لأن الله مدح المنفقين والمتصدقين. 23، 24، 25- الفوز بالأجر من الله والأمن مما يخاف منه، ونفي الحزن عنهم. قال الله تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِراًّ وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. 26- أن أداء الزكاة سبب لنزول القطر كما أن منعها سبب لحبسه. 27- أنها سبب لمحبة الله؛ لأن المتصدق محسن على المتصدق عليه، والله يحب المحسنين. 28- السلامة من كفر نعمة الله. 29- الخروج من حقوق الله وحقوق الضعفاء. 30، 31، 32- أنها سبب للرزق والنصر كما في الحديث: «وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا». 33- أنها تطفئ عن أهلها حرّ القبور كما في الحديث: «إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبور». 34- أنها تزيد في العمر كما في الحديث: «إن صدقة المسلم تزيد في العمر». 35- السلامة من اللعن الوارد في مانع الزكاة؛ لما روى الأصبهاني عن علي  قال: لعن رسول الله  آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والواشمة والمستوشمة ومانع الصدقة والمحلل والمحلل له. 36- الفوز بالقرب من رحمة الله. قال تعالى: إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ، وقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ الآية (37) الوعد بالحَلَف للمنفق؛ لحديث: «اللهم أعط منفقًا خلفًا».
38- الظفر بدعاء الملائكة للمنفق. 39- أن في إخراج الزكاة حل للأزمات الاقتصادية وسوء الحالة الاجتماعية، فلو أن أهل الأموال الزكوية تَنَسَّخُوا منها وَوَضَعُوها في مواضعها، لقامت المصالح الدينية والدنيوية وزالت الضرورات واندفعت شرور الفقراء، وكان ذلك أعظم حاجز وسدّ يمنع عبث المفسدين، وفي الحديث: «واتقوا الشح؛ فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم». 40- أن الله يُعين المتصدق على الطاعة، ويهيئ له طرق السداد والرشاد، ويذلل له سبل السعادة. قال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى 41- أن منع الزكاة يخبث المال الطيب؛ لحديث: «مَن اكسَبَ طيِّبًا خبَّثهُ منع الزكاة، ومن كسب خبيثًا لم تطيّبه الزكاة» رواه الطبراني في «الكبير» موقوفًا بإسناد منقطع. 42- أن منع الزكاة سبب لتلف المال؛ لحديث: «ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة» رواه الطبراني في «الأوسط»، وهو حديث غريب. 43- أن منع الزكاة سبب للابتلاء بالسنين لما في الحديث، قال: قال رسول الله : «ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين» رواه الطبراني في «الأوسط» ورواته ثقات. 44- أن مَن لم يؤدي حق الله في ماله أنه أحد الثلاثة الذين هم أول من يدخل النار؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : «عُرِضَ عليَّ أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار؛ فأمَّا أوّلُ ثلاثة يدخلون الجنة، فالشهيد وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده وعَفيف متعفف ذو عيال؛ وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مُسَلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حَقَّ الله في ماله وفقير فخور» رواه ابن خزيمة في «صحيحه» وابن حبَّان مفرقًا في موضعين.
45، 46- أن الصدقة يذهب الله بها الكبر والفخر؛ لحديث: «إن صدقة المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتتة السوء، ويذهب بها الكبر والفخر» رواه الطبراني.
47- السلامة من التطويق بالشجاع الأقرع، كما في
الحديث: «ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع يطوق به عنقه». 48- السلامة من صفة المنافقين؛ لما في الحديث: «ظهرت لهم الصلاة فقبلوها، وخفيت لهم الزكاة فأكلوها، أولئك هم المنافقون» رواه البزار. 49، 50- أن البلاء لا يتخطى الصدقة وأنها تسد سبعين بابًا من السوء؛ لما ورد عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله : «الصدقة تسد سبعين بابًا من السوء» رواه الطبراني في «الكبير»، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : «باكروا بالصدقة؛ فإن البلاء لا يتخطاها» رواه البيهقي مرفوعًا وموقوفًا على أنس، ولعله أشبه. 51- أن الصدقة حجاب من النار لمن احتسبها؛ لما روي عن ميمونة بنت سعد أنها قالت: يا رسول الله، أفتنا عن الصدقة، فقال: «إنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله عز وجل» رواه الطبراني في «الكبير»، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : «باكروا بالصدقة؛ فإن البلاء لا يتخطاها» رواه البيهقي مرفوعًا وموقوفًا على أنس، ولعله أشبه. 51- أن الصدقة حجاب من النار لمن احتسبها؛ لما روى عن ميمونة بنت سعد أنها قالت: يا رسول الله، أفتنا عن الصدقة، فقال: «إنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله عز وجل» رواه الطبراني. 52- أن إخراج الصدقة يؤلم سبعين شيطانًا؛ لما ورد عن بريدة  قال: قال رسول الله : «لا يخرج شيئًا من الصدقة حتى يفك عنها لحيَيْ سبعين شيطانًا» رواه أحمد والبزار والطبراني وابن خزيمة في «صحيحه». 53- أن يُسَخِّرُ لِلمُتَصدق ما يكون سببًا لنمو ماله كبركة في ماء نهر وسقي أرض، كما روي عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «بينا رجل في فلاة من الأرض فسمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقة يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبدالله، ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في الصحابة، فقال له: يا عبدالله، لم سألتني عن اسمي، قال: سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذا قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثه وأردّ فيها ثلثه» رواه مسلم. 54- أن الصدقة لا تنقص المال خلافًا لما يظنه بعض الجهال؛ لحديث أبي هريرة  أن
رسول الله  قال: «ما نقصت صدقة من مال» الحديث رواه مسلم. 55- أن الصدقة إذا كانت من كسب طيب؛ فإن الله يقبلها بيمينه ثم يريبها لصاحبها، كما ورد في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : «من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب؛ فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يُرَبي أحدكم فلوّه حتى تكون مثل الجبل» متفق عليه. 56- أن الصدقة سبب من أسباب المعية الخاصة؛ لأن المتصدق محسن، وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ. 57- أن المصدقين يضاعف الله لهم ثواب أعمالهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى حيث شاء الله عز وجل، قال تعالى: إِنَّ المُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ. 58- أن الصدقة لتطفئ غضب الرب عز وجل، كما في الحديث: «إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء» رواه الترمذي وابن حبان في «صحيحه»، وقال الترمذي: حسن غريب. 59- أن بإخراج الزكاة كل سنة يرى الفقراء أن الأغنياء لهم فضل عَليْهم فيدافعون عنهم ما استطاعوا؛ أما كف اليد عنهم ومنع معروفهم أن يصل إليهم؛ فإنه يوغر صدورهم ويملؤها حقدًا عليهم ويجتهدون في سلب حياتهم للوصول إلى أموالهم المخزونة فتكون الحياة مهددة والأمن مفقودًا.
قال بعض الشعراء:
واحْسِبُ الناسَ لو أعْطُوا زكاتَهُمو
لما رأيتَ بني الإعدام شاكِيْنَا
60- أن منع الصدقات يزيل النعم ويخرب الديار، وتأمل قصة أصحاب الجنة في سورة ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ وقصة ثعلبة في سورة التوبة [الآية 75 منها].
هذا آخر ما تيسر من الفوائد، وفيه فوائد أخرى، ومضار على المنع تستحق وحدها مصنف؛ ولكن في هذا إن شاء الله كفاية وبركة ونفع. اللهم صلي على محمد وآله وسلم.
17- كتاب الصيام
س129: ما هو الصيام لغةً وشرعًا؟
ج: أصل الصوم في اللغة: الإمساك، يقال: صام الفرس، إذا أمسك عن الجري. قال الله تعالى أخبارًا عن مريم: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً الآية أي صمتًا؛ لأنه إمساك عن الكلام، وقال الشاعر:
خيل صيَامٌ وخَيلٌ غير صائمة
تحت العجاج وأخرى تعلك اللجُمَا
يعني بالصائمة الممسكة عن الصهيل وصام النهار صومًا إذا قام قائم الظهيرة قال امرؤ القيس:
فدعها وسلِّ الهمَ عنها بحسرة
ذمول إذا صام النهار وهَجَّرا
وفي الشرع: إمساك عن أشياء مخصوصة في زمن مخصوص من شخص مخصوص؛ فأما الأشياء المخصوصة فهي مفسداته؛ وأما الزمن المخصوص فهو من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس؛ وأما الشخص فهو المسلم العاقل غير الحائض والنساء.
س130: ما حكم صوم رمضان؟ وما الدليل عليه من الكتاب والسُّنة؟ وما هي الحكمة في صوم رمضان؟ ومتى فرض صومه؟
ج: حكم صوم رمضان أنه واجب، وأنه أحد أركان الإسلام من جحد وجوبه عالمًا كفر وإن كان جاهلاً يعرّف؛ فإن أصر بعد التعريف كفر ويقتل في الحالين كافرًا مرتدًا، والأصل في وجوبه: الكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب: فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ إلى قوله: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ؛ وما السُّنة: فمنها ما ورد عن ابن عمر قال: قال رسول الله : «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» متفق عليه.
وعن طلحة بن عبدالله أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله  ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ما فرض الله عليّ من الصلاة، قال: «الصلوات الخمس إلا أن تطوع»، قال: أخبرني ما فرض الله عليَّ من الصيام، قال: «شهر رمضان»، قال: هل علي غيره، قال: «لا إلا أن تطوع شيئًا» الحديث متفق عليه.
وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان؛ وأما الحكمة في صومه فهي ما ذكر الله بقوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، افترض في السنة الثانية من الهجرة إجماعًا، قال ابن مسعود: «فصام رسول الله تسعة وعشرين أكثر مما صُمنا معه ثلاثين» رواه أبو داود.
س131: متى يجب صوم رمضان؟ وما هي الأدلة على ذلك؟
ج: يجب صوم رمضان برؤية هلاله أو بإكمال شعبان ثلاثين يومًا؛ أما الدليل على وجوبه برؤية الهلال، فمن الكتاب العزيز: قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، ومن السُّنة: ما ورد عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله  يقول: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا؛ فإن غُمَّ عليكم فأقدروا له» متفق عليه.
وأما الدليل على وجوبه بإكمال العدة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته؛ فإن غمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين».
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته؛ فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً» رواه أحمد والنسائي والترمذي بمعناه، وصححه، وفي لفظ للنسائي: «أكملوا عدة شعبان».
وعن عائشة قالت: «كان رسول الله  يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان؛ فإن غمَّ عليه عدَّ ثلاثين يومًا، ثم صام» رواه أبو داود.
س132: ما هو يوم الشك؟ وما حكم صيامه؟ وما هي الأحكام التي تثبت تبعًا لوجوب الصوم؟ وإذا لم ير الهلال إلا واحد فما الحكم؟
ج: إذا لم ير مع صحو ليلة الثلاثين لم يصوموا؛ لأنه يوم الشك المنهي عن صومه؛ لما ورد عن عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - قال: «مَن صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم » رواه أبو داود والترمذي، وإذا ثبتت الرؤية أو أكمل شعبان ثلاثين يومًا تُصلى التراويح ويقع الطلاق والعتق المعلقين به وتنقضي العدة ومدة الإيلاء به، ويحلَّ الأجل المعلق بدخوله وتثبت رؤية هلاله بخبر مسلم مكلف عَدْل ولو عبدًا أو أنثى، نص عليه وفاقًا للشافعي، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء؛ لحديث ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى النبي ، فقال: إني رأيت الهلال، فقال: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: نعم، قال: «أتشهد أن محمدًا رسول الله؟» قال: نعم، قال: «فأذن في الناس يا بلال، أن يصوموا غدًا» رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، ورجح النسائي إرساله.
وعن ابن عمر قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي  أني رأيته فصام، وأمر الناس بصيامه» رواه أبو داود، ولا يقبل في بقية الشهور إلا رجلان عدلان.
قال في «الاختيارات الفقهية»:
وإن حال دون الهلال ليلة الثلاثين غيمٌ أو قَترٌ فصومه جائز لا واجب، ولا حرام، وهو قول طوائف من السلف والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة، والمنقولات الكثيرة المستفيضة عن أحمد إنما تدل على هذا، ولا أصل للوجوب في كلامه ولا في كلام أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
وحكي عن أبي العباس أنه كان يميل أخيرًا إلى أنه لا يستحب، انتهى (ص107 منها).
س133: ما المستحب قوله لمن رأى الهلال؟ وما هو الدليل على ذلك؟
ج: يستحب لمن رأى الهلال أن يقول ما ورد عن ابن عمر قال: كان رسول الله  إذا رأى الهلال، قال: «الله أكبر، اللهم أهِلَّهُ علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال رشد وخير» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
من النظم مما يتعلق بكتاب الصيام
وخُذْ في بيَان الصوم غيرَ مُقَصر
وصَبْرٌ لفَقدٍ الإلف مِن حالة الصبَا
فثق فيه بالوعد الكريم من الذي
وَحَافظ على شهر الصيام فإنه
تغلَّق أبوَاب الجحِيم إذا أتى
ويُرفَعَ عَن أهْل القبور عذابهم
ويُبسَطُ فيه الرزق للخلق كلهم
تُزَخْرَف جنَّات النعيم وحُورهَا
وقَدْ خَصَّه الله الكريم بليلةِ
فأرغم بأنف القاطع الشهر غافِلاً
نقُمْ ليْله وأطْو نهاركَ صائِمًا
عِبَادةَ سِرٍ ضِدَّ طَبْعٍ مُعَوَّدِ
وفطم عَن المحبُوب والمتعوِّد
له الصوم يجزي غير مختلف موعد
لخامسَ أركان لِدِيْنِ مُحمَّدٍ
وتُفتَح أبوَابَ الجِنَان لِعُبَّدِ
وَيُصْفَدُ فيه كل شيطان مُعْتَد
ويسهل فيه كل فعل تعبُّد
لأهْل الرضا فيهِ وأهْل التهجُّد
على ألف شَهر فضلت فلترصد
وأعظم بأجر المخلص المتعبدِ
وصُنْ صَومَهُ عَن كل مُوْهٍ ومُفسد
س134: إذا رأى أهل بلد الهلال، فهل يلزم غيرهم الصوم؟ واذكر ما تستحضره من دليل وتعليل أو خلاف؟
ج: إذا ثبتت رؤية هلال رمضان ببلد لزم الناس كلهم الصوم، وحكم من لم يره حكم من رآه؛ لقوله : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» وهو خطاب للأمة كافة؛ لأن الشهر في الحقيقة لما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم منه في جميع الأحكام، فكذا الصوم.
وقال بعضهم:
إن كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لأجلها، كبغداد والبَصْرة لزم أهلها الصوم برؤية الهلال في أحدهما، وإن كان بينهما بُعد كالعراق والحجاز والشام، فلكل أهل بلد رؤيتهم.
وروي عن عكرمة أنه قال: لكل أهل بلد رؤيتهم؛ لما روى كريبٌ، قال: «قدمت الشام واستهلَّ عليَّ هلال رمضان وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟
قلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته ليلة الجمعة؟ قلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنَّا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا نكتفي برؤية معاوية وصيامه، فقال: لا هكذا أمرنا رسول الله ». قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ورواه مسلم أيضًا.
س135: مَن رأى وَحْدَه هلال رمضان وردّ قوله فهل يلزمه الصوم؟ وإذا رأى وحده هلال شوال، فما الحكم؟ وضِّح ذلك مع ذكر الدليل والتعليل والخلاف؟
ج: من رأى وحده هلال رمضان ورّد قوله لزمه الصوم، وجميع أحكام الشهر من طلاق وعتق وغيرهما معلقين به؛ لعموم قوله : «صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته».
ولأنه يتيقن أنه من رمضان فلزمه صومه وأحكامه، بخلاف غيره من الناس، ومن رأى وحده شوال لم يفطر؛ لحديث: «الفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون»
رواه أبو داود وابن ماجه.
وعن عائشة قالت: قال النبي : «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس»
رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح غريب.
وروى أبو رجاء عن أبي قلابة أن رجلين قدما المدينة، وقد رأيا الهلال، وقد أصبح الناس صيامًا، فأتيا عمر فذكرا ذلك له، فقال لأحدهما: أصائم أنت؟ قال: بل مفطر، قال: ما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأصُومَ، وقد رأيت الهلال، وقال الآخر: قال: إني صائم، قال: ما حملك على هذا؟ قال: لم أكن لأفطر والناس صِيَام، فقال للذي أفطر: لولا مكان هذا لأوْجَعْتُ رأسَكَ ثم نودِيَ في الناس أن أخرجوا. أخرجه ورواه سعيد عن ابن عيينة عن أيوب، عن أبي رجاء، وإنما أراد ضربه لإفطاره برؤيته وحده، ودفع عنه الضرب لكمال الشهادة به وبصاحبه، ولو جاز له الفطر لما أنكر عليه ولا توعده.
قال في «الاختيارات الفقهية»:
ومن رأى وحده هلال رمضان وردّت شهادته لم يلزمه الصوم ولا غيره، ونقله حنبل عن أحمد في الصوم، وكما لا يُعَرِّفْ ولا يُضَحِّي وحده والنزاع مبني على أصل، وهو أن الهلال هل هو إسْمٌ لما يطلع في السماء، وإن لم يشتهر، ولم يظهر أو لأنه لا يسمى هلالاً إلا بالاشتهار والظهور كما يدل عليه الكتاب والسُّنة. انتهى (ص106).
س136: إذا ثبتت البينة نهارًا بأن قامت البينة في أثناء النهار، فما الحكم؟ وإذا رؤي قبل الزوال أو بعده في آخر رمضان، فما الحكم؟
ج: إذا قامت البينة بالرؤية لهلال رمضان في أثناء النهار لزم أهل وجوب الصوم الإمساك ولو بعد فطرهم أي أكلهم في النهار لتعذر إمساك الجميع، فوجب أن يأتوا بما يقدرون عليه؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ ولحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ولزم قضَاءُ ذلك اليوم على مَن لم يبيت النية لمستند شرعي لوجوب تعيين النية من الليل لصوم كل يوم واجب؛ وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: يمسك ولا يقضي وأنه لو يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب لم يلزمه القضاء، وإذا رؤى الهلال نهارًا قبل الزوال أو بعده، وكان في آخر رمضان لم يفطروا برؤيته، وهذا قول عمر وابن مسعود وابن عمر وأنس والأوزاعي ومالك والليث وأبي حنيفة والشافعي وإسحاق؛ لما روى أبو وائل، قال: جاءنا كتاب عمر  أن الأهلة بعضها أكبر من بعض، فإذا رأيتم الهلال نهارًا فلا تفطروا حتى تمسوا أو يشهد رجلان
مسلمان أنهما رأياه بالأمس عشية، رواه الدارقطني فعلى هذا لا يجب به صوم ولا يباح به فطر.
س138: إذا صاموا بشهادة إثنين ثلاثين يومًا أو بشهادة واحد ثلاثين يومًا، فما الحكم؟ وما شروط صحة الصوم؟ وما شروط وجوبه؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: إذا صاموا بشهادة إثنين عدلين ثلاثين يومًا ولم يروه أفطروا مع الصحو والغيم؛ لأن شهادة العدلين يثبت بها الفطر ابتداء فتبعًا لثبوت الصوم أولى؛ ولأنهما أخبرا بالرؤية السابقة عن يقين ومشاهدة فلا يقابلها الإخبار بنفي وعدم لا يقين معه لاحتمال حصول الرؤية بمكان آخر ولا يفطرون إن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يومًا، ولم يروه؛ لحديث: «وإن شهد شاهدان مسلمان، فصوموا وافطروا» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
ولم يقل فيه مسلمان، ولأن الفطر لا يستند إلى شهادة واحد كما لو شهد بهلال شوال بخلاف الإخبار بغروب الشمس لما عليه من القرائن، وشروط صحته الإسلام والعقل والبقاء من الحيض والـنفاس، والنية من الليل.
وأما شروط وجوبه فهي أربعة: الإسلام والبلوغ والعقل والإطاقة؛ أما كونه لا يجب إلا على مسلم ولا يجب على كافر سواء كان أصليًا أو مرتدًّا فلأنه عبادة لا تصح منه في حال كفره ولا يجب عليه قضاؤها؛ لقوله تعالى: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ؛ ولأن في إيجاب قضاء ما فات في حال كفره تنفير عن الإسلام.
وأما اشتراط البلوغ والعقل فلحديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي ، قال: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يَستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يَعْقِل» رواه أحمد، ومثله من رواية عليَّ له، ولأبي داود والترمذي، وقال: حديث حسن، فالصبي لا يجب عليه للحديث؛ وأما كونه لا يصح من المجنون فلِعَدمِ إمْكان النيَّة منه، وقد نظم العمريطي شروط وجوب الصوم، فقال:
شهر الصيام واجب الصيام
وقدرة على أداء الصوم
وواجب تقديمه عن فجره
بالعقل والبلوغ والإسلام
مع نيّة فرضًا لكل يوم
وأجْزَءُوا في النفل قبل ظهره
س139: ماذا يعمل من اشتبهت عليه الأشهر؟ وما مثال الاشتباه؟
ج: إن اشتبهت الأشهر على من أسُرَ وطُمِرَ أو اشتبهت على من بمفازة ونحوه كمن أسلم بدار كفر وعلم وجوب صوم رمضان، ولم يدر أي الشهور يُسَمّى رمضان تحرى واجتهد، وصام ما غلب على ظنه أنه رمضان بأمارة؛ لأنه غاية جهده، ويجزي الصوم إن شك هل وقع صومه قبل رمضان أو بعده، كمن تحرى في غيم وصلى وشك، هل صلى قبل الوقت أو بعده، ولم يتبين له أنه صام أو صلى قبل دخول الوقت كما لو وافق صومه رمضان أو ما بعده من الشهور؛ أنه أدى فرضه بالاجتهاد في محله، فإذا أصاب أو لم يعلم الحال أجزأه كالقبلة عن واحد منهما لاعتبار نية التعيين، وإن صام شوال أو ذي الحجة؛ فإنه يقضي ما وافق عِيدًا أو أيام تشريق؛ لأنه لا يصح صومها عن رمضان ولو صام من اشتبهت عليه الأشهر شعبان ثلاث سنين متوالية، ثم علم الحال قضى ما فاته مرتبًا شهرًا على إثر شهر بالنية كالفائتة من الصلوات.
س140: ما الذي يلزم من عَجَزَ عن الصيام لكبر أو مرض لا يُرجى برؤه؟
ج: مَن عجز عن الصوم لكبر كشيخ وهرم وعجوز يَجهَدهما الصوم
ويشق عليهما مشقة شديدة أو عجز عنه لمرض لا يُرجى برؤه أفْطَرَ وعَليه لا مَعَ عذر معتاد كسفر إطعامُ مسكين عن كل يوم ما يجزئ في كفارة مُدُّ من برأ ونصف صاع من غيره؛ لقول ابن عباس في قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم. رواه البخاري.
وروي أن أنس بن مالك ضَعُفَ عَن الصوم فصَنَعَ جَفْنَةً من تريد فدعا ثلاثين مسكينًا فأطعمهم.
ولأبي داود بإسناد جيد عن ابن أبي ليلى حدثنا أصحابنا أن رسول الله  قال، فذكره وألحق به «من لا يُرجى برؤ مرضه»؛ فإن كان العاجز عنه لكبر أو مرض لا يُرجى برؤه مسافر فلا فدية لفطره بعذر معتاد ولا قضاء لعجزه عنه فيعيا بها، فيقال: مسلم مكلف أفطر عمدًا في رمضان ولم يلزمه قضاء ولا كفارة، وهذه المسألة ألغز بها بعض العلماء، وأظنه محمد بن سلوم للشيخ عبدالرحمن الزواوي، فقال:
وعن مسلم حر تقي مكلف
بمدة شهر الصوم من غير فدية
وساغ له فطر صحيحًا مسهلاً
وغير قضاء حل ما كان مشكلاً
فأجابه حلً للمسألة
وإن سافر الشيخ المسنّ فلا قضا
وذو شبق أيضًا يكون مسافرًا
ولا فِدْيْةَ فافْهَمْ وإن كان ذا ملا
فلا حرج في الدين فالله سهلاً
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:55 am

س141: إذا أيس من البريء ثم عوفي، فما الحكم؟ ومن الذي يُسنّ له الفطر؟ وهل يجوز الوطء لمن به مرض أو شبق؟ وإذا لم يمكنه إلا بإفساد صوم موطوءة، فما الحكم؟ وبيِّن حكم ما إذا سافر ليفطر؟ مع ذكر الدليل.
ج: من أيس من برئه ثم قدر على قضاء ما أفطره لمرضه، فكمعضوب حج عنه ثم عوفي فلا يلزمه قضاء ما أفطره وسن فطره، وكره صوم المسافر بسفر قصر ولو بلا مشقة؛ لحديث: «ليس من البر الصيام في السفر» متفق عليه، ورواه النسائي، وزاد عليكم برخصة من الله التي رخصها لكم فقبلوها وإن صام أجزأه؛ لحديث: «هي رخصه من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» رواه النسائي ومسلم.
فلو سافر من وجب عليه الصوم في رمضان ليفطر فيه حرمًا؛ أما الفطر المحرم، وسن فطر وكره صوم لخوف مرض بعطش أو غيره؛ لقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ؛ ولأنه في معنى المريض لتضرره بالصوم وسُنَّ فطر وكره صوم لخوف مريض وحادث به مرض ضررًا بزيادته أو طوله بقول طبيب مسلم ثقة؛ لقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ إلى قوله: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَجَاز وطء لمن به مرض ينتفع بالوطء فيه، أو به شبق ولم تندفع شهوته بدون الوطء ويخاف تشقق أنثييه إن لم يطأ ولا كفارة، ويقضي ما لم يتعذر القضاء عليه لشبق، فيطعم لكل يومًا مسكينًا ككبير عاجز، ومتى لم يمكنه إلا بإفساد صوم مَوطُوءَةِ جاز له الوطوء ضرورة لداعي الضرورة كأكل مضطر ميتة.
س142: مَن الذي يباح له الفطر؟ وما الدليل على إباحته؟
ج: يباح الفطر لحاضر سافر أثناء النهار؛ لحديث أبي بصرة الغفاري أن ركب في سَفينة من الفسطاط في شهر رمضان، فدفع ثم قرب غداه، فلم يجاوز البُيُوت، قال حتى دعا بالسفرة، ثم قال: اقترب، قيل: ألست ترى البيوت؟ أترغبُ عن سُّنة محمد ؟ فأكل، رواه أبو داود، وحديث أنس حسنه الترمذي: إذا فارق بيوت قريته العامرة، لما تقدم؛ ولأنه قبله لا يسمى مسافر والأفضل عدم الفطر تغليبًا لحكم الحضر وخروجًا من الخلاف ويباح الفطر للمسافر الذي له القصر وللمريض الذي يتضرر به والفطر لهما أفضل وعليهما القضاء.
قال الله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ؛ ولقوله : «ليس من البر الصيام في السفرة» متفق عليه. وخرج النبي  عام الفتح، فأفطر فبلغه أن ناسًا صاموا، فقال: «أولئك العصاة» رواه مسلم.
وعن أبي سعيد قال: سافرنا مع رسول الله  إلى مكة، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله : «إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم» فكانت رخصة فمنَّا من صام ومنَّا من أفطر ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: «إنكم مصبِّحوا عدوكم وفطركم أقوى لكم فأفطروا» فكانت عزمة فأفطرنا، ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله  في السفر.
رواه مسلم وأحمد وأبو داود.
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: يا رسول الله، أجد مني قوة على الصوم في السفر، فهل عليَّ جناح؟ فقال: «هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» رواه مسلم والنسائي (4، 5).
ومِمّنْ يُبَاح له الفطر الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما فيفطران ويقضيان كالمريض الخائف على نفسه، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا ولزم وَلى الولد إطعام مسكين لكل يوم؛ لقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، قال ابن عباس: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينًا والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا. رواه أبو داود، وروى ذلك عن ابن عمر، ولا مخالفًا لهما في الصحابة في الكبير الذي يجهده الصيام، وتقدم في جواب سؤال 138.
س143: إذا قبل الرضيع ثدي غير أمه، فهل يجوز لها الفطر؟ وإذا تغير لبن المرضعة بسبب صومها، فهل للمستأجر الفسخ؟ وهل يجوز لمن له الفطر أن يصوم غيره فيه؟ ومتى يجب الفطر؟
ج: متى قبل رضيع ثدي غيرها وقدر أن يستأجر له لم تفطر أمه لعدم الحاجة إليه.
ومرضعة لولد غيرها كأم في إباحة فطر إن خافت على نفسها أو الرضيع؛ فإن وجب فعلى من يمونه فلو تغير لبن الظئر المستأجرة للرضاع بسبب صومها أو نقص بصومها فلمستأجرها الفسخ للإجارة دفعًا للضرر وتجبر على فطر بطلب مُسْتَأجِر إن تأذى الرضيع بصومها.
ويجب الفطر لمن احتاجه لإنقاذ معصوم من مهلكة كغرق؛ لأنه يمكنه تدارك الصوم بالقضاء بخلاف الغريق ونحوه، ويجب الفطر على الحائض والنفساء؛ للحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري  قال: قال رسول الله : «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» متفق عليه.
ومن خاف تلفًا بصومه أجزأه وكره، صححه في «الإنصاف»، وقال جماعة: يحرم صومه.
قال في الفروع: ولم أجدهم ذكروا في الأجزاء خلافًا وذكر جماعة في صوم الظهار يجب فطره بمرض ونحوه، وليس لمن أبيح له الفطر في رمضان صوم غير رمضان فيه؛ لأنه لا يسع غيره ما فرض فيه تتمة ولا فدية على المنقِذ ولا على المنقَذ في مسألة الفطر لإنقاذ الغريق وتهدمت قبل عشرة أسطر. والله أعلم.
س144: تكلم بوضوح عن نيّة الصوم؟ واذكر ما في ذلك من خلاف؟
ج: يشترط لصوم كل يوم واجب نيِّة معينة ومعنى تعيينها أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو قضائه أو نذرًا أو كفارة؛ لأن صيام كل عبادة مفردة، وتعتبر النية من الليل لكل صوم واجب، ولو أتى بعد النية بمناف للصوم لا للنية كأكل وشرب وجماع؛ ولأنه تعالى أباح الأكل والشرب إلى آخر الليل فلو بطلت به فات محلها؛ وأما الدليل للنية فقوله : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»؛ وأما الدليل على إيقاعها في الليل فهو ما ورد عن حفصة أم المؤمنين أن النبي  قال: «مَنْ لم يُبَيِّتِ الصيام قبل الفجر، فلا صيام له» رواه الخمسة، ومال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه وصححه مرفوعًا ابن خزيمة وابن حبان.
وعن عائشة - رضي الله عنها - مرفوعًا: «مَن لم يُبيِّت الصيام قبل طلوع الفجر، فلا صيام له» رواه الدارقطني، وقال: إسناده كلهم ثقات، وفي لفظ للزهري: «من لم يُبَيِّتِ الصيام من الليل فلا صيام له، ومن خطر بقلبه ليلاً أنه صائم غدًا فقد نوى»، وكذا الأكل والشرب بنية؛ لأن النية محلها القلب.
وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: هو حين يتعشى يتعشى عَشَاء من يريد الصوم؛ ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العبد وعشاء ليالي رمضان.
وقال في «الاختيارات الفقهية»: وتصح النية المتردة، كقوله: «إن كان غدًا من رمضان فهو فرض وإلا فهو نفل» وهو إحدى الروايتين عن أحمد ويصح صوم الفرض بنية من النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل، كما إذا شهدت البيِّنة بالنهار (ص107) منها.
وإن قال ليلة الثلاثين من رمضان إن كان غدًا من رمضان ففرضي وإلا فأنا مضطر فيجزئه إن بان بأنه من رمضان؛ لأنه لم يثبت زواله؛ لأنه حكم صومه مع الجزم.
س145: بيِّن أحكام ما يلي: صَوم مَن جُن أو أغمي عليه؟ صائم نوى الإفطار؟ مَن قطع نيّة نذر أو كفارة ثم نوى نفلاً؟ صوم النفل في أثناء النهار؟ متى يحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه؟
ج: ولا يَصِحُّ صَوم ممن جن كل النهار أو أغمي عليه كل النهار؛ لأن الصوم: الإمساك مع النية؛ لحديث: «يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي» فأضاف الترك إليه، وهو لا يضاف إلى المجنون والمغمى عليه فلم يجز، والنية وحدها لا تجزي ويصح الصوم ممن أفاق جزءًا منه حيث نوى ليلاً لصحة إضافة الترك إليه إذن. ويفارق الجنون الحيض، بأنه لا يمنع الوجوب، بل يَمْنَع الصحة ويحرم فعله ويصح صَوْمُ من نام جميع النهار؛ لأن النوم عادة ولا يزول الإحساس به بالكلية؛ لأنه متى نُبِّه انتبه ويقضي مغمى عليه زمن إغمـائه؛ لأنه مكلف ولأن مدة الإغماء لا نطول غالبًا، ولا تثبت الولاية على المغمى عليه ولا يقضي مجنون زمن جنونه لعدم تكليفه سواء كان زمن الجنون كل الشهر أو بعضه، ون نوى الإفطار فكمن لم ينوي الصوم لقطعه النية لا كمن أكل أو شرب فيصح أن ينوي صوم اليوم الذي نوى الإفطار فيه نفلاً بغير رمضًا، ومن قطع نية نذر أو كفارة أو قضاء، ثم نوى صومًا نفلاً صح نفله، وإن
قلبَ صائم نية نذر أو قضاء إلى نفل صح كقلب فرض الصلاة نفلاً وكره له ذلك لغير غرض ويصحُّ صومُ نفل بنية من النهار، ولو كانت بعد الزوال، وهو قول معاذ بن جل وابن مسعود وحذيفة ابن اليمان حكاه عنهم إسحاق في رواية حرب؛ لحديث عائشة قالت: دخل عليَّ النبي  ذات يوم، فقال: «هل عندكم من شيء؟».
فقلنا: لا، قال: «فإني إذًا صائم» مختصر رواه الجماع؛ ولأن اعتبار التبييت لنفل الصوم يفوت كثير منه؛ لأنه قد يبدو له الصوم بالنهار لنشاط أو غيره فسومح فيه بذلك كما سومح في نفل الصلاة بترك القيام وغيره ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
وما قبله لم يوجد فيه قصد القرية لكن يشترط أن يكون ممسكًا فيه عن المفسدات لتحقيق معنى القربة وحكمة الصوم في القدر المنوي فيصحّ تطوع من طهرت في يوم ومن أسلم في يوم لم يأتيا في ذلك اليوم بمفسد من أكل أو شرب ونحوهما كالجماع.
ومن مختصر النظم مما يتعلق بكتاب الصيام
وإن كملت تسع وعشرون ليلة
وإن رُوْيَ أوجِبَ صَومَه مطلقًا ولو
وكالذكر الأنثى بوجْه وَرْؤْيَة
فإنْ لمْ يَرُوا في الصحْوِ يحرم صَوْمه
ويلزمنا طُرًا برؤيةٍ بلدة
ولا يُفطرن بعد الثلاثين صائم
ومَن يره في ليلة العيد وحده
وإيجابه يختص كل مُوحد
وإن في نهار يثبت الشهر فاقضه
مريضًا برًا أو فادمًا مفطر كذا
وإن زال فيه الجن والكفر والصبا
وإنْ يَبلغن فيه المميز صائمًا
ويفطر عند العجز شيخ ومزمن
وفطرًا في الأسفار أوْلى وَلوْ نوَى
وذو سفر أنشأه من بعد صومه
ومن خاف من جوع ومن عطش ومن
وفي فطر حلى حفظ طفل ومرضع
ومَن ينو صومًا ثم جن نهاره
وإن نامهُ جمعًا فلا تلغ صومه
وللواجب أنو الصوم في كل ليلة
ونفلك مهما شئت في يومك انوه
لشعبان فارقب شهر صومك وارصد
برؤيَةِ عَدل في الأصح المؤكّد
نهارًا لآتي ليْلَة في المؤكّد
وباثنين اثبت غير ذا الشهر واحدد
كإلزَاِم رَاءٍ رَدّ في المتَأطّد
لغيم ولا عن قول فرد بأجود
ليُفِطِرَ سِرًّا في القوي الموطّد
قدير عليه عاقل بالغ طد
وقولان في إمساكهم وكذا اعدد
طهارة حيض أو نفاس لولّد
فكل ليمسك ثم يقضوا بأوكد
أتمَّ ويقضيه على المذهب ازدد
بغير قصا والمد عن يومه أزيد
كمضني يقول الطب إن صمت يزدد
يجوز له الإفطار منه بأوكد
أذى شبق يفطر ويقضي ولا يدي
قصَاء وتفكير بإطْعَام مرمد
جميعًا كمن أغمى فصومها أفسد
ويقضي المغمى دون ذي الجن فاهتد
ولا يجب استحضار فرض بمقصد
وعَن أحمد بعد الزوال ليصدد
18- باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
س146: اذكر ما تستحضره مما يُفسد الصوم مقرونًا بالدليل؟
ج: يُحرم على كل مسلم مكلف قادر تناول مفطرًا من غير عذر في نهار شهر رمضان؛ لما روى أبو هريرة  أن رسول الله  قال: «مَن أفطر يومًا من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صومه الدهر كله إن صامه» رواه الأربعة، وصححه ابن خزيمة، وأخرجه البيهقي. فمِمَّا يحرم على الصائم الأكل والشرب بعدما يتبين الفجر الثاني؛ لقوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ، ومن المفطرات: القيء عمدًا ويفسد به الصوم ويقضيه ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه؛ لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء» رواه الخمسة، وأعله أحمد وقواه الدارقطني، ومما يفطر الصائم الحجامة سواء كان حاجمًا أو محجومًا؛ لما روى شداد بن أوس  أن النبي  أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان، وعن رافع بن خديج قال: قال رسول الله : «أفطر الحاجم والمحجوم» رواه أحمد والترمذي، وعن ثوبان أن رسول الله  أتى على رجل يحتجم في رمضان، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم. ومِمَّا يحرم على الصائم ويبطل به الصيام: الجماع، والمباشرة إذا أمنى؛ لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ؛ وأما الاكتحال والتداوي والاحتقان ومداواة المأمومة والجائفة وسائر الجروح والاستعاط، فقيل هذه الأشياء تفطر إذا علم وصولها الجوف والحلق؛ لقوله  للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا
أن تكون صائمًا»، وهذا يدل على أنه يفسد الصوم إذا بالغ فيه بحيث يدخل إلى خاشيمه أو دماغه، وقيس عليه ما وصل إلى جوفه، وروى أبو داود
والبخاري في «تاريخه» عن النبي  أنه أمر بالإثمد المتروح، وقال: ليتقه الصائم، وقيل: إن هذه لا تفطر؛ لأنه لم يرد فيها دليل صحيح ولا هي في معنى الأكل والشرب، قال في «مجموع الفتاوى» (ج25): وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليه ومداواة المأمومة والجائفة، فهذا مما تنازع فيه أهل العلم والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك؛ فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى مَعرِفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور ممَّا حَرّمَها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلَّغُوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي  ذلك حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلاً علم أن لم يذكر شيئًا من ذلك، والحديث المروى في الكحل ضعيف، رواه أبو داود في «السنن» ولم يروه غيره، ولا هو في «مسند أحمد» ولا سائر الكتب المعتمدة، والذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر كالحقنة ومداواة المأمومة والجائفة لم يكن معهم حجة عن النبي ، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس وأقوى ما احتجوا به قوله: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» قالوا: فدل ذلك على أن ما وَصلَ إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله وعلى القياس كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو غيره من حشو جوفه وإذا كان عمدتهم هذه الأقيسة ونحوها لم يجز إفساد الصوم بمثل هذه الأقيسة. انتهى باختصار. وأما الإبرة: فهي تنقسم إلى قسمين: إبرة دوائية، وإبرة غذائية، فإيصال الأغذية بالإبرة حَقْنًا في الدم أو شربًا أو إيصالها إلى الجوف بأي طريق فلا شك في فطره بها؛ لأنه في معنى الأكل والشرب من غير فرق؛ وأما إيصال الدواء بالإبرة، فعلى القول الأول: يفطر، وعلى ما اختاره الشيخ تقي الدين، فالذي يظهر لي أنها لا تفطر والذي تطمئن إليه النفس تجنبها؛ وأما الحبوب: فلا شك أنها تفطر الدوائية والمقوية والمشتركة بين الغذاء والدواء، وقال بعض المنتسبين للعلم من متعاطي كتب الطب للمطالعة بها والاسترشاد من حسنها، الإبر قسمان: قسم يؤخذ كغذاء كالجلوكوز (سكر العنب) ويلحق بها الفيتامينات لأنها تؤخذ عن نقص في الغذاء كمن يفقد مادة غذائية أساسية؛ إما لعدم حصوله عليها، وإما لمانع في بدنه يمنعه من امتصاص خلاصة هذا الغذاء الذي يحتوي على الفيتامين؛ فإنه يعطي الفيتامين الذي فقده بدنه كتكملة للغذاء فهذا القسم الذي هو الفيتامينات والجلوكوز لاشك في تقطيرها للصائم، ونزيد القارئ إيضاحًا للجلوكوز من أقوال علماء الطب؛ فإنهم يقولون: إن كل مادة غذائية يتناولها الإنسان لا ينتفع بها بدنه حتى تتحول إلى جلوكوز، يمتصها الدم من خلال جدر المصارين، بل إنهم يعتمدون في المستشفيات على حقن (الجلوكوز) لكل من يتعذر عليه اأكل إما لورمن في الحنجرة أو في المريء يمنعه من الأكل لذلك قام مقام الأكل فهو مضطر كالأكل؛ وأما القسم الثاني من الإبر فهو ما يؤخذ دواء كحقن البريفيثينات، والبنسلين، ولِسْتِربتُومَايسين، والتَّرّمايسين وما شاكلها، وهي أنواع كثيرة (وتسمى المبيدات الحيوية) ففيها خلاف بين الأطباء؛ لأن منهم من يقول إنها تصل إلى القناة الهضمية ولكنها ليست مغذية، وربما يقول قائل إنها لا تصل إلى تجويف القناة الهضمية، ولكننا سنضرب لذلك مثلاً بأنبولات (الأمينين) وهي حقن تضرب في العضل لعلاج (الدسنتاريا) وهي داخل المصارين من ذلك يعرف أن الحقن وإن لم تكن حقنًا غذائية؛ فإنها تصل إلى القناة الهضمية لذلك أرى أن المتعالجين قسمان:
1- مرضى. 2- غير مرضى؛ فالمرضى يفرطون بالإبر وغيرها؛ لأن الإبر ليست هي كل الدواء ويقضون؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ؛ وأما القسم الثاني: وهم غير المرضى فخيرُ لم صيانة صيامهم حتى من الأشياء التي فيها خلاف بين الأطباء؛ لقول الرسول : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، والتفريق بين المريض ومن يخاف أنه مريض وليس مريضًا مرجعه الطبيب المسلم.
ومما يفطر الردة عن الإسلام أعاذنا الله منها قال الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَومما يفطر الموت؛لحديث: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله».
س147: تكلم عن أحكام ما يلي: مُجَامِعٌ لمْ يغتسل إلا بعد طلوع الفجر الثاني؟ مَنْ جَامَعَ عِندَما طلع الفجر؟ إعلام مَنْ أكل أو شرب ناسيًا في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم؟ مَن أفطر يظن أن الشمس قد غابت؟ من طال إلى حلقه غبار أو ذباب؟ من احتلم وهو صائم؟ المبالغة في المضمضمة والاستنشاق؟ المذي بتكرار النظر؟ الإنزال بتكرار النظر؟ سُقْ ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف أو تفضيل؟
ج: يجوز لمن جامع بالليل أن لا يغتسل حتى يُطلعُ الفجر وصومه صحيح؛ لما ورد عن عائشة أن رجلاً قال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم؟ فقال رسول الله : «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم»، فقالت: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي» رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وعن عائشة وأم سلمة «أن النبي  كان يصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان» متفق عليه.
وعن أم سلمة قالت: «كان رسول الله  يصبح جنبًا من جماع لا حلم، ثم يفطر ولا يقضي» أخرجاه؛ لكن يستحب لمن لزمه الغسل ليلاً من جنب وحائض ونفساء إنقطع دمهما، وكافر أسلم أن يغتسل قبل طلوع الفجر الثاني، وإذا طلع وهو مجامع فاستدام الجماع فعليه القضاء والكفارة، وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: يجب القضاء دون الكفارة؛ لأنه وطء لم يصادف صومًا فلم يوجب الكفارة كما لو ترك النية ثم جامع، ووجه الأول أنه ترك صوم رمضان بجماع أثم به لحرمة الصوم فوجبت به الكفارة كما لو وطئ بعد طلوع الفجر؛ وأما إذا نزع في الحال مع أول طلوع الفجر فعليه القضاء والكفارة على الصحيح من المذهب؛ لأن النزع جماع يتلذذ به أشبه الإيلاج، وقال أبو حفص: لا قضاء عليه ولا كفارة وهو قول أبي حنيفة والشافعي؛ لأنه ترك للجماع فلا يتعلق بما يتعلق بالجماع كما لو حلف لا يدخل دارًا وهو فيها فخرج منها، وقال مالك: يبطل صومه ولا كفارة عليه؛ لأنه لا يقدر على أكثر مما فعله من ترك الجماع فأشبه المكره، وقال في «شرح أصول الأحكام»، وقال ابن القيم: مَن طلع عليه الفجر وهو مجامع، فالواجب عليه النزع عينًا، ويحرم عليه استدامة الجماع والليث ولا شيء عليه، اختاره شيخنا وهو الصواب، والحكم في حقه وجوب النزع والمفسدة في حركة النزع مفسدة مغمورة في مصلحة إقلاعه ونزعه، وأن استدام فعليه القضاء والكفارة وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم؛ لأنه جماع في شهر رمضان باختيار فلا فرق بين ابتدائه ودوامه، ولو أراد أن يأكل أو يشرب مَن وجب عليه الصوم وجب على مَن رآه إعلامُه؛ لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يفطر إن فعل شيئًا ناسيًا أو مكروهًا، وبه قال عليّ وابن عمر؛ لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : «مضن نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه» متفق عليه. وللحام: «من أفطر في رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة»؛ولقوله: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»، ومن أفطر يظن أن الشمس قد غربت ولم يتبين له أنها لم تغرب لم يفسد صومه، فلا قضاء؛ لأنه لم يوجد يقين يزيل ذلك الظن كما لو صلى بالاجتهاد ثم شك في الإصابة بعد الصلاة، ومن طار إلى حلقه ذباب أو غبار من غير قصد لم يفطر، وكذا من قطّر في إحليله لا يفطر لعدم المنفذ، وإذا احتلم وهو صائم أو أنزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المنيُّ أو المذي لمرض لم يفطر، وإنما تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء فلم يبطل صومه؛ لأنه وصل بغير اختياره أشبه الذباب الداخل حلقه؛ فأما إذا زاد على ثلاث أو الغ فدخل الماء حلقه فعلى وجهين: أحدهما: لا يفطر؛ لأنه وصل من غير قصد، والثاني: يفطر؛ لأن فعل مكروهًا تعرض به إلى إيصال الماء إلى حلقه أشبه الإنزال بالمباشرة؛ لأنه  نهى عن المبالغة فلو لم يكن وصول الماء في المبالغة يبطل الصوم لم يكن للنهي عن المبالغة معنى؛ وأما إذا كرر النظر فأنزل، فقيل: إنه يفطر وبه قال عطاء والحسن ومالك؛ لأنه إنزال بفعل يتلذذ به يمكن التحرز منه أشبه الإنزال باللمس والفكر لا يمكن التحرز منه بخلاف النظر فلو أنزل مذيًا لم يفطر على المذهب وإن صرف بصره لم يفسد صومه أنزل أو لم ينزل، وقال جابر بن زيد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر: لا يفسد؛ لأنه من غير مُباشرة أشبه الإنزال بالفكر، وكما لو نام فاحتلم وهذا القول قوي جدًا فيما أرى.
س148: تكلم عن أحكام ما يلي: مَن شك في طلوع فجر ثاني؟ مَن أكل مُعتقًا أنه ليل فبان نهارًا؟ ومَن أصبح وفي فيه طعام فلفظه؟ مَن أكره على الأكل أو صُبّ في حلقه ماء ونحوه مكرهًا؟
ج: وإن أكل شاكًا في طلوع الفجر الثاني ولم يتبين طلوعه إذ ذاك لم يفسد صومه؛ لأن الأصل بقاء الليل، وإن بان أنه طلع الفجر قضى، أو بان لمن أكل ونحوه ظانًا غروب شمس أنها لم تغرب قضى لِتَبيُّنِ خطته، ومَن أكل ونحوه شاكًا في غروب شمس ودام شكه قضى؛ لأن الأصل بقاء النهار وكما لو صلى شاكًا في دخول الوقت؛ فإن تبيّن له أن الشمس كانت غربت فلا قضاة عليه لتمام صومه، وإن أكل معتقدًا أنه ليل فبان نهارًا فعليه القضاء؛ لأن الله أمر بتمام الصوم إلى الليل ولم يتمه. وعن أسماء أفطرنا على عهد رسول اله  في يوم غيم، ثم طلعت الشمس، قيل لهشام بن عروة، وهو راوي الحديث أمروا بالقضاء، قال: لابد من قضاء، رواه أحمد والبخاري. وحكي عن عروة ومجاهد والحسن وإسحاق لا قضاء عليه؛ لما روى زيد بن وهب قال: كنت جالسًا في مسجد رسول الله  في رمضان في زمن عمر بن الخطاب، فشربنا ونحن نرى أنه من ليل ثم انكشف السحاب، فإذا الشمس طالعة، قال: فجعل الناس يقولون: تقضي يومًا مكانه، فقال عمر: والله لا نقضيه ما تجانفنا الإثم؛ ولأنه لم يقصد الأكل في الصوم فلم يلزم. قال في «الاختيارات الفقهية»: ومَن أكل في شهر رمضان معتقدًا أنَهُ ليلٌ فبان نهارًا فلا قضاء عليه، وكذا من جامع جاهلاً بالرفث أو ناسيًا، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، انتهى (ص109). منها: ومن أصبح وفي فمه طعام، فلفظه: أو شقّ لفظه فبلعه مع ريقه من غير قصد لم يفطر لعدم إمكان التحرز منه.
س149: ماذا يلزم من جامع في نهار رمضان، وضَّح ذلك مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: قد تقدم أن الجماع مما يحرم على الصائم ويفطر به (في جواب سؤال 121) ويلزم المجامع في رمضان القضاء والكفارة، وهي عتق رقبة؛ فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين؛ فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا؛ لما ورد عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله  إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله، الله هلكت، قال: «ما لك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله : «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا، قال: «هل تجد إطعام ستين مسكينًا؟» قال: لا، قال: «اجلس» ومكث النبي  فبينما نحن على ذلك، أتى النبي  بِعَرَق فيه تمر –والعرق المكتل الضخم- قال: «أين السائل؟» قال: أنا، قال: «خذ هذا فتصدق به» فقال الرجل: أعلي أفقر مني يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها «يريد الحرتين» أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك رسول الله  حتى بَدَتْ أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك» متفق عليه؛ وأما القضاء فلأن النبي  قال للمجَامِع: «صُمْ يومًا مكانه» رواه أبو داود وابن ماجه؛ ولأنه إذا وجب القضاء على المريض والمسافر وهما معذوران فعلى المجامع أولى، ويجب عليه إمساك بقية يومه؛ لأنه أفطر بغير عذر؛ أما إذا كان المجامع ناسيًا فالمشهور أن عليه القضاء والكفارة كالعامد، وعن أحمد: لا قضاء ولا كفارة على من جامع ناسيًا، اختاره الآجري والشيخ تقي الدين ابن تيمية، وفاقًا أبي حنيفة والشافعي.
س150: إذا كانت المرأةُ المجامَعَةُ ناسِيةً أو جَاهِلة أو مُكرَهَة أو نائمة فهل يلزمها كفارة؟ وهل بينها وبين الرجل فرق في الإكراه؟ وإذا جامع مَن نوى الصوم في سفره،فما الحكم؟ وماذا يلزم مَن جامع ثم كفّر ثم جامع في يومه، أو جامع في يوم ثم في آخر ولم يكفّر؟ وإذا جامع وهو معافى ثم مرض،فما الحكم؟
ج: إذا كانت المرأة المجامعة ناسية أو جاهلة أو نائمة أو مكرهة فلا كفارة عليها، والفرق بينها وبين الرجل في الإكراه أن الرجل له نوع اختيار بخلافها؛ وأما لنسيان، فقال ابن قندس: أن جهة الرجل في المجامعة لا تكون إلا منه غالبًا بخلاف المرأة، وكان الزجر في حقه أقوى فوجبَت عليه الكفارة في حالة النسيان دونها، إذا جامع مَن نوى الصوم في سفره أفطر ولا كفارة؛ لأنه صوم لا يلزمه المضي فيه أشبه التطوع، ومَن جامع ثم كفَّر ثم جامع في يومه فعليه كفارة ثانية؛ لأنه وطء محرم، وقد تكرر فتتكرر هي كالحج، وقيل: لا كفارة عليه؛ لأن الجماع الثاني لم يصادف صومًا وهو رواية عن أحمد وفاقًا للثلاثة، وإن جامع في يومين فعليه كفارتان؛ لأن كل يوم عبادة منفردة تجب الكفارة بفساده ولو انفرد فإذا فسد أحدهما بعد الآخر وجب كفارتان كحجتين وعمرتين وكما لو كان رمضانين، ومن جامع وهو معافى ثم مرض أو جن أو سافر لم تسقط الكفارة عنه لاستقرار الكفارة؛ لأنه أفسد صيامًا واجبًا من رمضان بجماع تام، وكما لو لم يطرأ العذر، ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان؛ لأن النص إنما ورد بالجماع في رمضان وليس غيره في معناه لاحترامه وتعيينه لهذه العبادة، فلا يقاس عليه غيره؛ فإن لم يجد ما يطعمه للمساكين حال الوطء؛ لأنه وقت الوجوب سقطت عنه كصدقة الفطر وكفارة الوطء في الحيض؛ لأنه  لم يأمر الأعرابي أخيرًا بها ولم يذكر لم بقاءها في ذمته، وقيل: لا تسقط بالإعسار، قالوا: وليس في الخير ما يدل على سقوطها عن المعسر، بل فيه ما يدل على استقرارها عليه، قالوا أيضًا: والذي أذن له في التصرف فيه ليس على سبيل الكفارة وإن كفر عنه غيره بإذنه فله أكلها إن كان أهلاً لها، وكذا لو ملكه غيره ما يكفر به جاز له أكله مع أهليته لخبر أبي هريرة السابق. والله أعلم.
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 5:58 am

- باب ما يكره ويستحب وحكم القضاء
س151: بين ما الذي يكره للصائم؟ وما الذي تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: يكره جمع ريقه فيبتلعه، وذلك أنه اختلف في الفطر به وأقل أحواله أن يكون مكروهًا ويكره ذو طعام بلا حاجة؛ لأنه لا يأمن أن يصل إلى حلقه فيفطره ويكره مضغ علك لا يتحلل منه أجزاءٌ؛ لأنه يجمع الريق ويجلب البلغم ويورث العطش، وكره له ترك بقية الطعام بين أسنانه خشية خروجه فيجري به ريقه إلى جوفه؛ وأما القبلة فعلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون ذا شهوة مفرطة يغلب على ظنه أنه إذا قبِّل أنزل أو أمذى، فهذا يحرم عليه؛ لأنها مفسدة لصومه أشبهت الأكل. الثاني: أن يكون ذا شهوة؛ لكن لا يغلب على ظنه ذلك فتكره له؛ لأنه يُعرْض نفسه الفطر ولا تحرم في هذه الحال؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: «كان النبي  يقبِّل وهو صائم ويباشر وهو صائم وكان أملكم لإربه» متفق عليه. الثالث: أن يكون ممن لا تحرك شهوته كالشيخ الكبير، ففيه روايتان: إحداهما: لا تكره وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي؛ لما روى أبو هريرة  أن رجُلاً سأل النبي  عن المباشر للصائم، فرخص له، فأتاه آخر فسأله، فنهاه، فإذا الذي ترخص له شيخٌ، والذي نهاه شاب أخرجه أبو داود، ويحرم مضغ العلك المتحلل إن بلغ ريقه وإلا فلا؛ لأن المحرم إدخال ذلك إلى جوفه ولم يوجد وتكره للصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق؛ لما ورد عن لقيط بن صبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، قال: «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
س152: ما الذي يجب على الصائم اجتنابه وما دليله؟
ج: يجب عليه اجتناب كذب وغيبة ونميمة وشتم وفحش، الكذب ما خالف الواقع؛ وأما الغيبة فقد سُئل عنها ، فقال: «ذكرك أخاك بما يكره»؛ وأما النميمة فهي نقل كلام بعض الناس إلى بعض على جهة الإفساد،والشتم السب، والفحش كل ما اشتد قبحه من الذنوب والمعاصي فكل هذه يجب اجتنابها في كل وقت؛ لعموم الأدلة ووجوب اجتناب ذلك في رمضان، ومكان فاضل كالحرمين آكد؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامهُ وشرابهُ» رواه البخاري، ومعناه: الزجر والتحذير؛ ولأن الحسنات تتضاعف بالمكان والزمان الفاضلين وكذا السيئات، وقد استثنى من الكذب والغيبة أمور؛ فأما الكذب، فقال النووي –رحمه الله-: أعلم أن الكذب وإن كان وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحيله إلا بالكذب جاز به الكذب، ثم إن كان تحيل ذلك المقصود مباحًا كان الكذب مباحًا، وإن كان واجبًا كان الكذب واجبًا؛ فإذا اختفى مسلم عن ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفى ماله، وسُئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري، ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب ولو ترك التورية وأطلق عِبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال، واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله  يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا» متفق عليه، زاد مسلم في رواية: قالت أم كلثوم، ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. انتهى.
وقد استثنى العُلماء من الغيبة أمور ستة: الأول: التظلم فيجوز أن يقول المظلوم فلان ظلمني وأخذ مالي؛ ولكن إذا كان ذكره لذلك شكاية على من له قدرة على إزالتها أو تخفيفها ودليله قول هند عند شكايتها له صلى الله عليه وسلم من أبي سفيان أنه رجل شحيح. الثاني: الاستعانة
على تغيير المنكر بذكره لمن يطن قدرته على إزالته. الثالث: التحذير للمسلمين من الاغترار كجرح الرواة والشهود. الرابع: التحذير ممن
يتصدر للإفتاء والتدريس مع عَدَم الأهلية، ودليله قوله : «بئس أخو العشيرة»، وقوله : «أما معاوية فصعلوك لا مال له؛ وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» الحديث. الخامس: ذكر من جاهَر بالفسق أو البدع كالمكاسين وذوي الولايات الباطلة فيجوز ذكرهم بما يجاهرون به دون غيره. السادس: التعريف بالشخص بما فيه من العيب كالأعور والأعرج والأعمش ولا يريد به نقصه وعيبه وجمعها بعضهم في بيتين، فقال:
الذَّمُّ لَيْس بغيْبَة في سِتَّةِ
وَلمظهر فسْقًا ومُستفت وَمَن
متظلِم ومُعَرّفٍ ومحُذّرِ
طَلب الإعانة في أزالته مُنكر
قال أحمد: ينبغي للصائم أن يتعاهدَ صَومهُ من لسانه ولا يُماري ويَصُونَ صومَه كانوا إذا صاموا قعدوُا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتب أحدًا، ولا يعمل عملاً يجرح به صومه.
س153: بيّن المسنونات للصائم مع ذكر ما تستحضره دليل أو تعليل؟
ج: يُسن له كثرة قراءة وكثرة ذكر وصدقة وكف لسانه عما يكره ويجب كفه عما يحرم ولا يفطر بنحو غيبة، قال أحمد: لو كانت تفطر ما كان لنا صوم. وسن قول صائم جهرًا إن شتم: «إني صائم» لخبر الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا: «إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب؛ فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم». وسن لصائم تعجيل فطر إذا تحقق غروب شمس؛ لما ورد عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «قال الله عز وجل: إن أحب عبادي إليِّ أعجلهم فطرًا» رواه أحمد والترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن حبان، ويستحب أن يكون فطره على رطب؛ فإن عدم فتمر فإن عدم فماء؛ لما ورد عن أنس قال: «كان رسول الله  يفطر على رطبات قبل أن يصلي؛ فإن لم تكن رطبات فتمرات؛ فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، عن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله : «إذا أفطر أحدكم فليفطر تمر؛ فإن لم يجد فليفطر على ماء؛ فإنه له طهور» رواه الخمسة إلا النسائي، ويستحب
قول الصائم عند فطره: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت؛ لما ورد عن معاذ ابن زهرة أنه بلغه أن النبي  كان إذا أفطر، قال: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت» رواه أبو داود، ويستحب للصائم أن يَتَسحَّر؛ لما ورد عن أنس أن النبي  قال: «تسحروا؛ فإن السحور بركة» رواه الجماعة إلا البخاري، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله : «إن الله وملائكته يصلون على المتسحَّرينَ» رواه الطبراني، وصححه ابن حبان، ويُسن تأخير السحور؛ لما ورد في البخاري عن سهل بن سعد  قال: كنت أتسحّر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السحور مع رسول الله ، وعن سهل بن سعد الساعدي  أن رسول الله  قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور» متفق عليه، وتحصل فضيلة السحور بأكل وشرب، وإن قلَّ؛ لحديث أبي سعيد: «ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء» رواه أحمد، وفيه ضعف، قاله في المبدع، ويستحب تفطير الصُّوام؛ لما في الحديث: «من فطّر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء»، قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطِّر الصائم، فقال رسول الله : «يعطي الله هذا الثواب من فطّر صائمًا على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن» الحديث رواه ابن خزيمة، وصححه، ورواه البيهقي وأبو الشيخ وابن حبان، وقال الشيخ: المراد بتفطيره إشباعُه، قال الناظم:
وتركُ مَقَال الزور في الناس وَاجبٌ
فإن شتم أسرعْ قوله: أنا صائم
ويشرع فطر التمر والماء لفقده
وقل عند فطر لائقًا وأدْعُ ضارعًا
ولكنه عن صائم ذُو تَأكدِ
لِتَذكير نفس أو لوعظ لمعتَدي
وتعجيل فطر والسحور فبَعِّدِ
وسَلهُ قبولاً ثم سبِّحهُ واحمدِ
20- فصل في قضاء رمضان
س154: بَيّن حكم قضاء رمضان مع ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: يُسن قضاء رمضان فورًا متتابعًا إلا إذا بقي من شعبان قدر ما عليه فيجب عليه التتابع لضيق الوقت، ومن فاته رمضان قضى عَدَدَ أيامه تامًا كان أو ناقصًا كأعداد الصلوات الفائتة، فمن فاته رمضان فصام من أول الشهر أو أثنائه تسعة وعشرين يومًا وكان الفائت ناقصًا أجزأه عنه اعتبارًا بعدد الأيام، عن ابن عمر أن النبي  قال: «قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع» رواه الدارقطني.
قال البخاري: قال ابن عباس: لا بأس أن يفرق؛ لقوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وعن عائشة قالت: نزلت فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ متتابعات، فسقطت متتابعات، رواه الدارقطني، وعن عائشة قالت: كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان، وذلك لمكان رسول الله ، رواه الجماعة. ويجزي قضاء يوم شتاء عن يوم صيف، وبالعكس بأن يقضي يوم صيف عن يوم شتاء؛ لعموم الآية.
س155: إذا اجتمع نذر وقضاء رمضان فبأيهما يَبْدَأ؟ وما حكم التطوع قبل قضاء رمضان؟ وما حكم تأخير قضاء رمضان؟ واذكر ما تستحضره من خلاف.
ج: يُقدمُ قضاء رمضان وجوبًا على صوم نذر لا يخاف قوته لسعة وقته لتأكد القضاء؛ لوجوبه بأصل الشرع؛ فإن خاف فوت النذر قدمه لاتساع وقت القضاء، إلا أن يضيق الوقت عن قضاء رمضان بأن كان عليه مثلاً عشرة أيام من رمضان ونذر أن يصوم عشرة أيام من شعبان ولم يبق سوى العشرة فيصومها عن رمضان لِيتَعين الوقت لها؛ وأما التطوع
لمن عليه فرض، فقيل: يحرم ولا يصح تطوع قبل قضاء رمضان.
وروى حنبل عن أحمد بإسناد عن أبي هريرة: أن رسول الله  قال: «من صَام تطوعًا وعليه من رمضان شيء لم يقضه؛ فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه»؛ ولأنه عبادة يدخل في جُبرانِها المال فلم يصح التطوع بها قبل أداء فرضها كالحج.
وروي عن أحمد يجوز له التطوّعُ؛ لأنها عبادة تتعلق بوقت موسع فجاز التطوع في أول وقتها قبل فعلها كالصلاة يتطوَّع في أول وقتها، وحرم تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر بلا عذر؛ لقول عائشة: «كان يكون على الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، لمكان رسول الله » متفق عليه. وكما لا تؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية؛ فإن أخر قضاءه إلى آخر بلا عذر قضى عدد ما عليه وأطعم لتأخيره، ويجزي إطعامه قبل القضاء وبعده ومعه؛ لقول ابن عَبّاس؛ فإذا قضى أطعم، رواه سعيد بإسناد جيد، قال المجد: الأفضل عندنا تقديمه مسارعة إلى الخير وتخلصًا من آفات التأخير.
س156: ما مقدار ما يُطعمُ من أخّر قضاء رمضان من غير عذر إلى رمضان آخر؟ وإذا كان التأخير لعذر، فما الحكم؟
ج: عليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم ما يجزي في كفارة وجوبًا، رواه سعيد بإسناد جيد عن ابن عباس والدارقطني عن أبي هريرة، وقال: إسناده صحيح، وذكره غيره عنجماعة من الصحابة، وإن أخر القضاء لعذر من سفر أو مرض قضى بلا إطعام؛ لأنه غير مفرّط وإن أخر البعض لعذر والبعض لغيره، فلكل حكمه ولا شيء على من أخر القضاء لعذر إن مات؛ لأن حق لله
تعالى وجب بالشرع مات قبل إمكان فعله فسقط إلى غير بدل كالحج، وإن أخره لغير عذر، فمات قبل أن أدركه رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم
مسكين وهذا قول أكثر أهل العلم، وروى ذلك سعيد عن عائشة - رضي الله عنها - بإسناد جيد أنها سُئلت عن القضاء، فقالت: «لا، بل يطعم».
وروى الترمذي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا بإسناد ضعيف، والصحيح وقفه عليه؛ ولأنه لا ندخله النيابة في الحياة فكذا بعد الموت، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي وابن عليَّة وأبو عبيد في الصحيح عنهم، وقال أبو ثور والشافعي يصام عنه؛ لما روت عائشة - رضي الله عنها - أن النبي  قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» متفق عليه. قال الشيخ تقي الدين: وإن تبرع إنسان بالصوم عمن لم يطقه لكبره ونحوه، أو عن ميت وهما معسران توجّه جوازه؛ لأنه أقرب إلى المماثلة من المال. انتهى. وإن مات بعد أن أدركه رمضان فأكثر أطعم عنه لكل يوم مسكين بلا قضاء، هذا فيما إذا كان لغير عذر.
س157: تكلم بوضوح عمن مات وعليه نذر في الذمة لم يفعل منه شيئًا مع إمكان فعل منذور، مَن مات وعليه صوم من كفارة أو مُتعة؟
ج: مَن مَات وعليه نذر صوم في الذمة أو عليه نذر حج في الذمة أو عليه نذر صلاة في الذمة أو عليه نذر طواف في الذمة أو عليه نذر اعتكاف في الذمة، لم يفعل منه شيئًا مع إمكان فعل منذور غير حج، فيفعل عنه مطلقًا تمكن منه أولاً لجواز النيابة فيه حال الحياة وبعد الموت أولى سُنَّ لولي الميت فعل النذر المذكور عنه؛ لحديث ابن عباس: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وَعليها صوم نذر أفأصوم عنها، قال: «أرأيت لو كان على أمِّكِ دين فقضيته عنها، أكان ذلك يؤدي عنها»، قالت: نعم، قال: «فصومي عن أمِّكِ» متفق عليه، وفي رواية: إن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهرًا فأنجاها الله، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت قرابة لها إلى رسول الله  فذكرت ذلك، فقال: «صومي عنها» رواه أحمد والنسائي وأبو داود، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله  قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» متفق عليه. ويجوز لغير الولي فعل ما على الميت من نذر بإذن الولي ودونه؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- شَبَّههُ بالدين والدين يصح قضاؤه من الأجنبي ويجزي صوم جماعة عن ميت نذرًا في يوم واحد، وإن خلَّف مالاً وجبَ فعل نذره على ما تقدم فيفعله وليه إن شاء أن يدفع مالاً لمن يفعل عنه ذلك، ويدفع في صوم عن كل يوم طعام مسكين في كفارة، ولا يقضي معين مات قبله، وإن مات في أثنائه يسقط الباقي، وإن لم يصم ما أدركه منه لعذر فكالأول، ومن مات وعليه صوم من كفارة أو متعة أو قران ونحوه أطعم عنه من رأس ماله أوصى به أولاً.
من النظم ممَّا يتعلق بقضاء رمضان
ومن رَمضان اقْضِ الفوات متابعًا
وفي الحكم يكفي اليوم عن يومه قضى
وإن فات كل الشهر أجزأه القضا
وإن يقض بالأيام فليقض كاملاً
ومُرْج بلا عذر قضاء لقابل
ومسكينًا أطعم إن يَمت قبل قابل
ومُرْجى قضاء ثم صام تطوعًا
ويشرع أن يقضي عن الميت نذره
ونذر صلاة النذر يقضي بأوكد
ويخرج من مال الفتى مع قضائهم
وإما تشا فرقت غير مُفَسِّدِ
ولم يكفه مع دهره متعمد
لشهر هلاليٍّ بغير تقيد
وقيل ثلاثين اقضه فيهما قد
أثيم ويقضي الفوت مع قوت ومفرد
ولا شيء مع تأخير عذر ممهَّد
يجوز وعنه لا يجوز فقيّد
كحج وصوم واعتكافَ بمسْجدِ
ولو قيل يقضي فرضه لم أبَعِّدِ
عن المرء تكفير اليمين المؤكدِ
21- باب صَوْمِ التطوع وما يتعلق به
س158: ما الأيامُ التي يُسَنُّ صيامها؟ وما الدليل على سُّنة صيامها؟
ج: في الصيام فضل عظيم؛ لحديث: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثاله إلى سبعمائة ضعف»، فيقول الله تعالى: «إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به».
وهذه الإضافة للتشريف والتعظيم، وأفضل صيام التطوع صوم يوم وفطر يوم؛ لقوله –عليه الصلاة والسلام- لعبدالله بن عمرو: «صم يومًا، وافطر يومًا، فذلك صيام داود، وهو أفضل الصيام»، قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال: «لا أفضل من ذلك» متفق عليه.
والأيام التي يُسن صيامها:
أيام البيْض، والاثنين والخميس، وست من شوال، وشهر الله المحرم وآكده العاشر ثم التاسع، وتسع ذي الحجة، وآكده يوم عرفة لغير حاج، ولا يُسن صوم يوم عرفة لمن بعرفة.
أما الدليل على سنَيَّة أيام البيض التي هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، فهو ما ورد عن أبي ذر  قال: قال رسول الله : «إذا صمت من الشهر ثلاثًا فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
وعن قتادة بن ملحان  قال: كان رسول الله  يأمرنا بصيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أُوتر قبل أن أنام» متفق عليه.
وأما الدليل على صيام يوم الاثنين والخميس، فهو ما ورد عن قتادة أن رسول الله  سُئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: «ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه، وأنزل عليَّ فيه» رواه مسلم.
وعن أبي هريرة عن رسول الله  قال: «تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» روه الترمذي، وقال: حديث حسن، ورواه مسلم بغير ذكر الصوم.
وأما الدليل على سنَّية صيام ست من شوال، فهو ما ورد عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله  قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلم.
وأما الدليل على سنَّية الشهر المحرم، فهو ما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» متفق عليه.
وآكده العاشر وصوم عاشوراء كفارة سنة.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله  صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه. متفق عليه.
وعنه قال: قال رسول الله : «لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع» رواه مسلم ويلي العاشر في الأفضلية التاسع، والدليل على أن العاشر كفارة سنة، ما ورد عن أبي قتادة عن النبي  أنه قال في صيام يوم عاشوراء: «إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» رواه مسلم.
وأما الدليل على سنية صيام تسع ذي الحجة، فهو ما ورد عن ابن عباس مرفوعًا: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» رواه البخاري.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «ما من أيام أحب إلى الله أن يُتصدّق له فيها من أيام العشر وأن صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة وليلة فيها بليلة القدر» رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حديث غريب.
وعن حفصة قالت: أربع لم يكن يَدَعهن رسول الله : «صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام، والركعتين قبل الغداة» رواه أحمد والنسائي.
وأما الدليل على سنية صيام يوم عرفة لغير حاج، فهو ما ورد عن أبي قتادة قال: سُئل رسول الله  عن صوم يوم عرفة، قال: «يُكفرُ السنة الماضية والباقية» رواه مسلم.
وأما الدليل على أنه لا يُسن صوم يوم عَرفة لمن بعرفة فهو ما ورد عن أبي هريرة أن رسول الله  نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة. رواه أبو داود.
ولا روت أم الفضل أنها أرسلت إلى النبي  بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشرب، متفق عليه.
وأخبر ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه حج مع أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان  فلم يصمه أحد منهم.
من النظم مما يتعلق بصوم التطوع
وإنْ تبْغ أسنى الصوم نفلاً تصومه
ومن كل شهر صم ثلاثة بيضه
ومنّبع شهر الصوم صومًا بستة
وعامين يجزي صومُ يوم مُعَرِّفِ
وفي عرفات يشرع الفطر قوةً
ويشرع صوم العشر والشهر كاملاً
فإن تقتصر صُمْ عشره ثم إن تهن
فيومًا ويومًا صوم داود فاقصد
ويوم خميس ثم الاثنين فاعمد
يَجُزْ سنةً مِن جامع ومُبدِّد
وعن يوم عاشورا عن العام فاسعد
على دعوات عند أفضل مشهد
إذا كنت تبغي فالمحرم فاسرد
فتاسعة مع عاشرًا ولذا قد
س159: تكلم بوضوح عن الأيام التي يكره صيامها مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: يكره إفراد رجب والجمعة والسبت؛ وأما الشك فقيل: يكره، والقول الثاني: أنه يحرم صومه، إلا أن يوافق يوم الجمعة أو السبت أو الشك عادة كأن وافق يوم عرفة يوم الجمعة أو يوم عاشوراء أو يصل يوم الشك بصيام قبله أو يتقدم عن رمضان بأكثر من يومين؛ لقوله : «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صومًا فليصمه» متفق عليه. من حديث أبي هريرة: أو يصوم يوم الشك عن قضاء أو نذر أو كفارة فلا كراهة.
أما إفراد رجب، فلما روى أحمد بإسناد عن خرشة بن الحر، قال: رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام، ويقول: كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية، وبإسناد عن أبي عمر أنه كان إذا رأى الناس وما يعدونه لرجب كرهه.
وقال: صوموا منه وافطروا، وعن ابن عباس نحوه.
وبإسناده عن أبي بكرة أنه دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان، فقال: ما هذا، فقالوا: رجب نصومه، فقال: أجعلتم رجب رمضان؟ فأكفأ السلال وكسر الكيزان.
قال أحمد مَن كان يَصومُ السَّنة صامه وإلا فلا يصومه متواليًا بل يفطر فيه، ولا يشبهه برمضان.
وأما الدليل على إفراد الجمعة، فهو ما ورد عن أبي هريرة، عن النبي  قال: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيَّام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» رواه مسلم.
وعنه أيضًا قال: قال رسول الله : «لا يصومنَّ أحدُكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده» متفق عليه.
وأما السبت فلما ورد عن عبدالله بن بسر عن أخته وإسمها الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم؛ فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجر فليمضغه» رواه الخمسة إلا النسائي.
ويكره تقدم رمضان بيوم أو يومين لما تقدم قريبًا في حديث أبي هريرة، ويكره صوم الدهر؛لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «لا صام من صام الأبد» متفق عليه، ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ: «لا صام ولا أفطر» ويكره صوم يوم النيروز والمهرجَان وهما عيدان للكفار معروفان وصوم كل عيد لكفار أو يوم يفردونه بتعظيم قياسًا على يوم السبت ما لم يوافق عادة أو يصمه عن قضاء أو نذر أو نحوه، وفي «مجموع الفتاوى»: وقد روى البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهة الدخول على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم والتشبه بهم ونيروزهم ومهرجانهم عن سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار قال: قال عمر بن الخطاب : لا تعلموا رطابة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛ فإن السخط ينزل عليهم، فهذا عمر قد نهى عن تعلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة يوم عيدهم فكيف من يفعل بعض أفعالهم أو قصد مما هو من مقتضيات دينهم ألَيْسَتْ موافقتهم في العمل أعظم من موافقتهم في اللغة أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم، وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك.
وقال ابن عمر: من صنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم، وقال: لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم لا من طعام، ولا لباس، ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تعطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك لأجل ذلك ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار زينة، وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم؛ وأما تخصيصه بما تقدم ذكره فلا نزاع فيه بين العلماء، بل قد ذهب طائفة من العلماء إلى كفر من يفعل هذه الأمور لما فيه من تعظيم شعائر الكفر.
وقال –رحمه الله-، وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ قالوا: أعياد الكفار؛ فإذا كان هذا في شهودها من غير فعل فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها.
وقد روي عن النبي  في «المسند» و«السنن» أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم»، وفي لفظ: «ليس منَّا من تشبه بغيرنا» وهو حديث جيد فإذا كان هذا في التشبه بهم، وإن كان من العادات فكيف التشبه بهم فيما هو أبلغ من ذلك، وقد كره جمهور الأئمة إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالاً له فيما أهِلَّ لغير الله وما ذبح على النصب، وكذلك نهُوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداء أو مبايعة، وقالوا: إنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا دمًا ولا ثوبًا ولا يعارون دابة ولا يعاونون على شيء من دينهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وقالوا: وإذا كان لا يحل له أن يعينهم هو فكيف إذا كان هو الفاعل لذلك. والله أعلم. (ج25/325، 329، 331، 332) انتهى ملخصًا.
ويكره الوصال بأن لا يفطر بين اليومين فأكثر إلا من النبي ؛ لما ورد عن أبي هريرة  قال: نهى رسول الله  عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك تواصل يا رسول الله، فقال: «وأيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني»؛ فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم روا الهلال، فقال: «لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم» حين أبوا أن ينتهوا، متفق عليه. ولم يحرم؛ لأن النبي  وقع رفقًا ورحمة،
ولا يكره الوصال إلى السحر؛ لحديث أبي حميد مرفوعًا: «فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» رواه البخاري، وترك الوصال إلى
السحر أولى من فعله لفوات فضيلة تعجيل الفجر.
س160: ما الأيام التي يحرم صيامها؟ وما الدليل على تحريمها؟ وما حكم قطع الفرض والنفل؟ وإذا قصد صوم العيدين فهل يجزئه عن فرض؟
ج: يحرم صوم العيدين وأيام التشريق إلا عن دم متعة وقران؛ أما الدليل على تحريم صوم العيدين، فهو ما ورد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله  أنه نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم النحر. متفق عليه.
وروى أبو عبيدة مولى أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب ، فقال: هذان يومان نهى رسول الله  عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم. متفق عليه.
وأما أيام التشريق فلما ورد عن نُبيشة الهذلي  قال: قال رسول الله : «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل» رواه مسلم.
وعن عائشة وابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لم يرخص في أيام التشريق أن يُصمنَ إلا لمن لم يجد الهدي. رواه البخاري.
وعن أنس «أن النبي  نهى عن صوم خمسة أيام في السنة: يوم الفطر، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق» رواه الدارقطني، ولا يجوز صوم العيدين عن فرض ولا تطوع، وإن قصد صيامهما كان عاصيًا ولا يجزئه عن فرض، ومَن دخل في تطوع صوم أو غيرَه غيرَ حج أو عمرة لم يجب عليه إتمامه؛ لحديث عائشة وفيه: «إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة؛ فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها» رواه النسائي.
وعنها - رضي الله عنها - قالت: دخل عليَّ رسول الله  ذات يوم، فقال: «هل عندكم شيء؟» قلنا: لا، قال: «إذًا صائم»، ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: أهدي لنا حَيْسٌ، فقال: «أرينيه، فلقد أصبحت صائمًا» رواه مسلم.
ويُسن إتمام تطوع خروجًا من الخلاف ويكره قطعه بلا حاجة، وإن فسد تطوع دخل فيه غير حج وعمرة فلا قضاء عليه نصًا، بل يُسن قضاؤه خروجًا من الخلاف؛ وأما تطوع الحج والعمرة فيجب إتمامه؛ لأن نفلهما كفرضهما نية وفدية وغيرهما؛ ولعدم الخروج منهما بالمحظورات، ويجب إتمام فرض مطلقًا بأصل الشرع أو بالنذر، ولو كان وقته مُوسَعًا كصلاة وقضاء رمضان، وكنذر مطلق وكفارة، وإن بطل الفرض فلا مزيد عليه فيعبد أو يقضيه ولا كفارة غيرَ الوطء في نهار رمضان، وتقدم، ويجب قطع فرض ونفل لردمعصوم عن مهلكة وإنقاذ غريق كحريق، ومن تحت هدم، ويجب قطع فرض صلاة إذا دعاه النبي ؛ لقوله تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وله قطع الفرض لهرب غريم، وله قلبه نفلاً، وتقدم من النظم:
ومن مختصره ممَّا يتعلق فيما يحرم من الصوم ويكره
ويكره صوم الدهر والسبت وحده
ويُكره صَوم الشك مِنْ غَيْر حَائِل
وأيام تشريق سوى لِقران أو
ومَن صَامَ يومًا واجبًا لقضائه
يمنع خروج منه بل بخروجه
كذا كل فرض في زمان موسَّع
ويحسن إتمام التطوع مُطلقًا
وَليسَ عليه من قضَاء لفاسِد
وإفراد تَرجيْب وجُمْعَةِ مُفْردِ
وَحظْر صِيَامَ العِيْدِ غيْر مُقيّدِ
لمتعة حج الناسك المتعبّد
وكفارة أو مطلق النذر فأعهد
فليسَ عليْهِ غيرَ صَوم المشرّد
وَلا ضَيرَ أن يخرجَ لعُذر ممَّهد
وإفساده جوّز فإن يقض جوّد
منَ النفل غير الحج أو عمرة قد
22- فصل في صلاة التراويح وصلاة الوتر وما يتعلق بهما
س161: تكلم بوضوح عن صلاة التراويح؟. وبَيَّن حكمها ووقتها؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: التراويح سُّنة سنها رسول الله ، وفعلها جماعة أفضل، ويجهر الإمام بالقراءة لنقل الخلف عن السلف، ويسلم من كل ركعتين، ووقتهما بعد صلاة العشاء، وسننها قبل الوتر إلى طلوع الفجر وبمسجد، وأول الليل أفضل، وقد تواترت الأحاديث عن النبي  بالترغيب في قيام رمضان، والحث عليه، وتأكيد ذلك في العشر الأخير. فمن ذلك ما ورد عن أبي هريرة قال: كان رسول الله  يُرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه الجماعة.
وعن عبدالرحمن بن عَوف أن النبي  قال: «إن الله عز وجل فرض صيام رمضان وسننتُ قيامه فمن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
وعن جبير بن نفير عن أبي ذر، قال: صمنا مع رسول الله  فلم يُصل بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ثم لم يقم بنا في الثالثة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، فقال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليلة»، ثم لم يقم بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، فصلى بنا في الثالثة، ودعَا أهله ونساءه، فقام حتى تخوَّفنا الفلاح، قلت له: وما الفلاح؟ قال: «السحور». رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى الثانية فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله  فلما أصبح، قال: «رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إني خشيت أن يفترض عليكم وذلك في رمضان» متفق عليه.
وفي رواية قالت: كان الناس يصلون في المسجد في رمضَان بالليل أوزاعًا يكون مع الرجل الشيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو السبعة أو أقل من ذلك أو أكثر يصلون بصلاته فأمرني رسول الله ص أن أنصب له حَصيرًا على باب حجرته ففعلت، فخرج إليه بعد أن صلى عشاء الآخرة فاجتمع إليه مَن في المسجد فصلى بهم، وذكرت القصة بمعنى ما تقدم غير أن فيها: أنه لم يخرج إليهم في الليلة الثانية. رواه أحمد.
وعن عبدالرحمن بن عبدالقاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثَلَ، ثم عزم فجمعهم على أُبَيّ بن كعب.
قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله. رواه البخاري.
س162: تكلم عن عدد التراويح؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو خلاف.
ج: قيل: عشرون ركعة؛ لما روى مالك عن يزيد بن رومان، قال: كان الناس في زمن عمر يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، وفيه أيضًا عن السائب ابن يزيد أنها إحدى عشرة ركعة، وأنها أيضًا عشرون. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها فحيث تطول القراءة تقل الركعات وبالعكس، وبذلك جز الداوودي وغيره.
والاختلاف فيما زاد على العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر فكان تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث ونقل عن مالك أنها تسع وثلاثون ويوتر بثلاث وهو المنقول عن عمر بن عبدالعزيز وأهل المدينة.
ونقل عن ابن عباس أنها عشرون ركعة في جماعة، ونقل ذلك عن مالك أيضًا، ومال إلى ذلك ابن عبدالبر، وقال: الرواية عن مالك أنها إحدى عشرة، وقال شيخ الإسلام له: أن يصليها عشرين كما هو المشهور في مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصليها ستًا وثلاثين كما هو مذهب مالك، وله أن يصلي إحدى عشرة وثلاث عشرة، وكله حسن فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، وقال الأفضل: يختلف باختلاف المصلين؛ فإن كان فيهم احتمال لطول القيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبي  يصلي لنفسه في رمضان وغيره فهو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين؛ فإنه وسط بين العشر والأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ولا يكره شيء من ذلك، ومَن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت لا يُزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ، وقد يَنْشَطُ العبد فيكون الأفضل في حقه تطويل العبادة، وقد لا ينشط فيكون الأفضل في حقه تخفيفها.
وقال: وأما قراءة القرآن في التراويح فمستحب باتفاق أئمة المسلمين، بل من أجل مقصود التراويح قراءة القرآن فيها ليسمع المسلمون كلام الله؛ فإن شهر رمضان فيه نزل القرآن، وفيه كان جبريل يدارس النبي  القرآن. انتهى.
وقال في «نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار» على حديث عبدالرحمن بن عبدالقادر المتقدم قريبًا وما قبله من أحاديث الباب: والحاصل أن الذي دلت عليه أحاديث الباب وما يشابهها هو مشروعية القيام في رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى، فقصر الصلاة المسماة بالتراويح على عدد معين وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سُّنة.
وقال السيوطي في رسالة المصابيح في صلاة التراويح: الذي وردت به الأحاديث الصحيحة والحسان والضعيفة والأمر بقيام رمضان والترغيب فيه من غير تخصيص بعدد، لم يثبت أنه –عليه السلام- صلى عشرين ركعة؛ وإنما صلى ليالي صلاة لم يذكر عددها، ثم تأخر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها، وقد تمسك بعض من أثبت ذلك بحديث ورد فيه لا يصلح للاحتجاج.
وفي «قرة العيْن في الانتصار لسُّنة سيد الثقلين» للشيخ عبدالله أبي بطين، قال –رحمه الله-: مسألة في الجواب عما أنكره بعض الناس من صلاتنا في ليالي العشر الأواخر من رمضان زيادة على المعتاد في العشرين الأول، وسبب إنكارهم لذلك غلبة العادة والجهل بالسنة وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، فنقول: قد تواترت الأحاديث عن النبي  بالترغيب في قيام رمضان والحث عليه وتأكيد ذلك في عشره الأخير كما في «الصحيحين».
عن أبي هريرة  قال: كان رسول الله  يُرَغِّبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، فيقول: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفرَ له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».
وفي السنن عنه  أنه قال: فرض الله عليكم صيام رمضان وسننتُ لكم قيامه.
وفي «الصحيحين» عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله  إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله، وشد المئزر وصلى  ليالي من رمضان جماعة في أول الشهر، وكذلك في العشْر».
ففي «صحيح مسلم» عن أنس  قال: كان رسول الله  يقوم في رمضان فجئتُ فقمتُ إلى جنبه، فجاء رجل آخر فقام أيضًا حتى كنا رهطًا، فلما أحس أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخ لرحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا، فقلت له حين أصبح: فطنت لنا الليلة، قال: «نعم، ذلك الذي حملني على ما صنعت».
وعن عائشة قالت: صلى رسول الله في المسجد فصلى بصلاته أناس كثير، ثم صلى من القابلة فكثروا ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: «قد رأيت صنيعكم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن يفرض عليكم، وذلك في رمضان» أخرجاه في «الصحيحين».
وفي «السنن» عن أبي ذر  قال: صمنا مع رسول الله  فلم يقم بنا حتى بي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا له: لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، فقال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة»، ثم لم يقم بنا حتى ثلاث من الشهر، فصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، وقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قيل: وما الفلاح؟ قال: «السحور» صححه الترمذي. واحتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث على أن فعل التراويح جماعة في المساجد أفصل من فعلها في البيوت مع أنه صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك في بعض الليالي استدلال الإمام أحمد وغيره؛ لذلك على استحباب الجماعة في جميع الليالي والنبي 
صلى بهم ليلة حتى ذهب شطر الليل وليله إلى أن خافوا فوات السحور فكيف يسوغ في عقل من له أدنى معرفة إنكار مواصلة القيام مع الإمام مع آخر الليل مع سماعه هذا الحديث وغيره من الآثار الآتية من الصحابة والتابعين الصريحة في ذلك.
وقال شيخ الإسلام تقي الدين: وفي قوله : «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» ترغيب في قيام رمضان خلف الإمام وذلك أوكد من أن يكون سُّنة مطلقة، وكان الناس يصلون جماعات في المسجد على عهده ويقرهم، وإقراره سُّنة منه . انتهى.
فلما تقرر أن قيام رمضان وإحياء العشر الأواخر سُّنة مؤكدة، وأنه في جماعة أفضل، وأنه  لم يوقت في ذلك عددًا دلّ أنه لا توقيت في ذلك.
وفي «الصحيحين» عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما كان رسول الله  يزيد في رمضان ولا غيره لا على إحدى عشرة ركعة.
وفي بعض طرق حديث حذيفة الذي فيه: أنه  قرأ في ركعة سورة البقرة والنساء وآل عمران أنه لم يصل في تلك الليلة إلا ركعتين، وأن ذلك في رمضان.
وروي عن الصحابة  ومن بعدهم في قدر التراويح أنواع واختلف في المختار منها مع تجويزهم لفعل الجميع فاختار الشافعي وأحمد عشرين ركعة مع أن أحمد نص على أنه لا بأس بالزيادة.
وقال: روي في ذلك ألوان ولم يقض فيه بشيء، وقال عبدالله بن أحمد: رأيت أبي يصلي في رمضان ما لا أحصي التراويح، واختار مالك ستًا وثلاثين ركعة.
وروى ابن أبي شيبة عن داود بن قيس قال: أدركت الناس في زمن عمر بن عبدالعزيز، وأبان بن عثمان يصلون ستًا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث.
وحكى الترمذي عن بعض العلماء اختيار إحدى وأربعين ركعة مع الوتر، قال وهو قول أهل المدينة، وقال إسحاق بن إبراهيم: نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روي عن أبي بن كعب، وكان عبدالرحمن بن الأسود يقوم بأربعين ركعة ويوتر بعدها بسبع. انتهى. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س163: تكلم عن ليلة القدر مبينًا وجه تسميتها بليلة القدر؟ وهل هي باقية لم ترفع؟ وما هي الليالي التي تختص بها ليلة القدر؟ وما هي أرجاها منها؟ وما هو الدعاء المستحب قوله في ليلة القدر؟ وما هو أفضل الشهور؟ وما هو أفضل أيام الأسبوع؟ وما هو أفضل أيام العام؟ وما هي أفضل أعشار الشهور؟
ج: ليلة القدر ليلة شريفة معظمة تُرجى إجابة الدعاء فيها، قال الله تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ * لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ .
قال المفسرون: أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها.
وفي «الصحيح» عن أبي هريرة مرفوعًا: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» زاد أحمد: «وما تأخر».
وسميت ليلة القدر؛ لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة؛ لقوله تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، وقيل: سميت به لعظم قدرها عند الله، وقيل: لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها، وقيل: لأن للطاعات فيها قدرًا عظيمًا، وقيل: لأن من أتى بفعل الطاعات فيها صار ذا قدر وشرف عند الله، وقيل: لأنه نزل فيه كتاب ذو قدر بواسطة ملك ذي قدر على رسول ذي قدر لأمة ذات قدر، وقيل: لأنه ينزل فيها ملائكة ذوات قدر، وهي باقية لم ترفع للأخبار في طلبها وقيامها، وهي مختصة بالعشر الأواخر من رمضان. متفق عليه.
ومن حديث عائشة وليالي الوتر آكدة؛ لقوله : «اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بَقِيْنَ أو تسع بقين».
وروى سالم عن أبيه مرفوعًا: «أرَى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر في الوتر فالتمسوها في الوتر منه» متفق عليه.
وأرجاها ليلة سبع وعشرين، وهو قول أُبي بن كعب، وكان يحلف على ذلك ولا يستثنى، وابن عباس وزر بن حبيش.
قال أبيّ بن كعب: والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان، وأنها في ليلة سبع وعشرين، ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا، رواه الترمذي وصححه.
وعن معاوية أن النبي  قال: «ليلة القدر ليلة سبع وعشرين» رواه أبو داود، والحكمة في إخفائها ليجتهدوا في طلبها ويجدُّوا في العبادة طمعًا في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة في الجمعة، وإسمه الأعظم في أسمائه ورضاه في الحسنات، وهي أفضل الليالي حتى ليلة الجمعة، ويستحب أن يكون من دعائه ليلة القدر ما روت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله، إن وافقتها فيما أدعو؟ قال: «قولي اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنِّي» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، معناه وصححه.
وللنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «سلوا الله العفو والعافية والمعافاة».
وشهر رمضان أفضل الشهور، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع،
ويوم النحر أفضل أيام العام، وعشر ذي الحجة أفضل من العشر الأخير من رمضان، وعشر ذي الحجة أفضل من أعشار الشهور كلها؛ لما في صحيح ابن حبان، عن جابر مرفوعًا قال: «ما من أيام أفضل عند الله من أيام ذي الحجة».
قال ابن رجب في «اللطائف»: والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء أن يقال: مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
23- كتاب الاعتكاف
س164: عَرِّف الاعتكاف لغةً وشرعًا؟ وما سنده وما شروط صحته؟
ج: الاعتكاف لغةً: الاحتباس واللزوم، ومنه قوله:
فبانَتْ بنَاتُ الليل حَولي عواكفًا
عكوفَ بواك حَوْلَهنَّ صَريعٌ
وشرعًا: لزوم مسلم لا غسل عليه عاقل ولو مميزًا مسجدًا لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة، ولا يبطل اعتكاف بإغماء، وسن اعتكاف كل وقت لفعله –عليه الصلاة والسلام- ومداومته عليه واعتكف أزواجه معه وبعده وهو في رمضان آكد؛ لفعله  وآكد رمضان عشره الأخير؛ لحديث أبي سعيد: «كنت أجاور هذا العشر –يعني الأوسط-، ثم بدا ي أن أجاور هذا العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليلبث في معتكفه»؛ولما فيه من ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وشرط صحته ستة أشياء: النية، والإسلام، والعقل، والتمييز، وعدم ما يوجب الغسل؛ لقوله : «لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» الحديث وتقدم، وكونه بمسجد؛ لقوله تعالى: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ ويُزاد في حق من تلزم الجماعة أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة.
قال في «الشرح الكبير»: لا نعلم فيه خلافًا؛ لأنها واجبة عليه فلا يجوز تركها.
س165: متى يجب النذر؟ وإذا علق النذر أو غيره بشرط، فما الحكم؟ وهل يصح بلا صوم؟ وتكلم عن حكم اعتكاف الزوجة والقن والمكاتب من دون إذن زوج وسيد؟ وهل لهما تحليلهما ممَّا شرعا فيه بلا إذن؟
ج: يجب اعتكاف بنذر؛ لحديث من نذر أن يطيع الله فليطعه، وإن علق نذر اعتكاف أو غَيره كنذر صوم أو عتق بشرط كأن شفى الله مريضي لأعتكفنّ أو لأصومنّ كذا تقيَّدَ به فلا يلزم قبله كطلاق، ويصح اعتكاف بلا صوم؛ لحديث عمر: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام، فقال النبي : «أوف بنذرك» رواه البخاري.
ولو كان الصوم شرطًا لما صح اعتكاف الليل وكالصلاة وسائر العبادات، وحديث عائشة: «لا اعتكاف إلا بصوم» موقوف عليها ذكره بـ «المغني» و«الشرح الكبير» وغيره، ثم لو صح فالمراد به الاستحباب، ومن نذر أن يعتكف صائمًا أو نذر أن يعتكف بصوم أو نذر أن يصوم معتكفًا أو باعتكاف أو نذر أن يعتكف مصليًا لزمه الجمع، أو نذر أن يُصلي معتكفًا لزمه الجمع بين الاعتكاف والصيام والصلاة؛ لحديث: «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه» وقيس عليه الصلاة؛ ولأن كلا منهما صفة مقصودة في الاعتكاف فلزمت بالنذر كالتتابع والقيام في النافلة، وكنذر صلاة بسورة معينة من القرآن، ولا يجوُز لزوجة وقن وأم ولد ومدبر ومعلق عتقه بصفة اعتكاف بلا إذن زوج لزوجة، ولا إذن سيد لرقيقه لتفويت حقهما عليهما، ولزوج وسيد تحليل الزوجة، والقن مما شرعا فيه بلا إذن؛ لحديث: «لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يومًا من غير رمضان إلا بإذنه» رواه الخمسة وحسنه الترمذي؛ ولما فيه من تفويت حق غيرهما بغير إذنه فكان لربِّ الحق المنعُ منه كمنع مالك غاصِبًا، وإن كان الاعتكاف بإذن من الزوج والسيد فلهما تحليلهما إن كان تطوعًا؛ لأن النبي  أذن لعائشة وحفصة وزينب في الاعتكاف، ثم منعهن منه بعد أن دخلن؛ ولأن حق الزوج والسيد واجب والتطوع لا يلزم بالشروع؛ لأن لهما المنع منه ابتداء فكان لهما المنع دوامًا كالعارية، ويخالف الحج؛ لأنه يلزم بالشرع ويجب المضي في فاسده، وليس لهما تحليلهما من منذور شرعًا فيه بالإذن ولمكاتب اعتكاف بلا إذن سيده ولمكاتب حج بلا إذن كاعتكاف وأولى
ما لم يَحلَّ عليه نجم من كتابته؛ فإن حلّ لم يحج بلا إذن سيده ومبعض كقن كله فلا يجوز له ذلك إلا بإذن سيده؛ لأن له ملكًا في منافعه كل وقت إلا مع مهايأة فله أن يعتكف ويحج في نوبته بلا إذن مالك بعضه؛ فإنه في نوبته كحر لملكه اكتسابه ومنافعه.
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:02 am

س166: ما الأفضل لمن تخلل اعتكافه جمعة؟ وإذا نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فما حكم ذلك؟ وما الذي يتعين من المساجد بالنذر؟ وما زيد في المسجد فهل حكمه حكم المسجد؟ وما أفضل المساجد؟
ج: الأفضل لرجل تخلل اعتكافه جمعةٌ أن يعتكف في مسجد تقام فيه الجمعة حتى لا يحتاج إلى الخروج إليها منه ولا يلزمه؛ لأن الخروج إليها لابد له منه كالخروج لحاجته، ويتعين جامع لاعتكاف إن عين بنذر فلم يجزيه في مسجد لا تقام فيه الجمعة حيث عين الجامع بنذره، ولمن لا جمعة عليه أن يعتكف بغير الجامع من المساجد، ومن المسجد سطحه، ومن المسجد رحبته المحوطة ومنارته التي هي أو بابها بالمسجد، ومنه ما زيد فيه حتى في الثواب في المسجد الحرام.
وعند جمع منهم الشيخ تقي الدين وابن رجب، وحكي عن السلف، ومسجد المدينة أيضًا زيادته كهو؛ لما روى أبو هريرة أنه قال: قال رسول الله : «لو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي».
وقال عمر: لمّا زاد في المسجد لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة كان مسجد رسول الله .
قال ابن رجب في «شرح البخاري»:
وقد قيل إنه لا يعلم عن السلف خلاف في المضاعفة؛ وإنما خالف بعض المتأخرين من أصحابنا ومَن عيَّنَ بنذره مسجدًا غير المسجد الحرام
ومسجد المدينة والمسجد الأقصى لم يتعَين؛ لحديث أبي هريرة
مرفوعًا: «لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» متفق عليه.
ولو تعَيَّن غيرها بالتعيين لزم المضي إليه واحتاج إلى شد رحل لقضاء نذره.
وقد قال : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» متفق عليه.
ولأن الله تعالى لم يعين لعبادته مكانًا في غير الحج، وأفضل المساجد المسجد الحرام فمسجد المدينة، فالمسجد الأقصى؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سِوَاه إلا المسجد الحرام» رواه الجماعة إلا أبا داود.
وفي رواية: فإنه أفضل من نذر اعتكافًا أو صلاة في أحدها لم يجزئه في غيره إلا أن يكون أفضل منه، فمن نذر في المسجد الحرم لم يجزئه غيره ولا يتعين غيره من المساجد، وَن نذر في مسجد المدينة أجزأه فيه، وفي المسجد الحرام، ومن نذر في الأقصى أجزأه فيه، وفي مسجد المدينة، وفي المسجد الحرام؛ لحديث جابر أن رجلاً قال يوم الفتح: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال: «صل هنا»، فسأله، فقال: «شأنك إذًا» رواه أحمد وأبو داود.
س167: ما الذي يبطل به الاعتكاف؟ وإذا نذر زمنًا معينًا فمتى يشرع فيه؟ وإذا نذر عددًا معينًا فهل له تفريقه؟ وإذا نذر ليلة فهل يدخل اليوم؟ وضِّحه مع العكس؟ وإذا نَذَرَ يومًا فهل له تفريقه ساعات؟
ج: ويبطل الاعتكاف بالخروج من المسجد لغَيْر عذر؛ لقول عائشة: «السنُّة للمعتكف ألا يخرج إلا لما لابد له منه» رواه أبو داود.
وحديث: «وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» متفق عليه.
ويبطل الوطء في الفرج؛ لقوله تعالى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ فإذا حرم الوطء في العبادة أفسدها كالصوم والحج ولا كفارة نص عليه.
وروى حرب عن ابن عباس: إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه واستأنف الاعتكاف، ويبطل الإنزال بالمباشرة دون الفرج؛ لعموم الآية ويبطل بالردة؛ لقوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، ويبطل السكر لخروج السكران عن كونه من أهل المسجد، ومن نذر زمنًا معينًا شرع فيه قبل دخول المعين وتأخر عن الغروب حتى ينقضي، ومن نذر زمنًا معينًا صومًا أو اعتكافًا ونحوه تابع وجوبًا، ومن نذر أن يصوم عددًا من أيام غير معينة فله تفريقه ما لم ينوي تتابعًا، ولا ندخل ليلة يوم نذر اعتكافه؛ لأنها ليست منه.
قال الخليل صاحب كتاب «العين»: اليوم اسم لما بَيْنَ طلوع الفجر وغرُوب الشمس، كما لا يدخل يوم ليلة نذر اعتكافها؛ لأن اليوم ليس في الليلة، ومن نذر يومًا لم يجز تفريقه ساعات من أيام؛ لأنه يفهم منه التتابع كقوله متتابعًا، ومن نذر شهرًا مطلقًا فلم يعين كونه رمضان أو غيره تابع وجوبًا لاقتضائه ذلك كما لو حلف لا يكلم زيدًا شهرًا وكمدة الإيلا ونحوه، ومن نذر أن يعتكف ونحوه يومين فأكثر متتابعة أو نذر أن يعتكف ليلتين فأكثر متتابعة لزمه ما بين ذلك من ليل أو نهار.
س168: ما الذي يسوغ للمعتكف أن يخرج له؟ وما حكم خروجه وشروط الخروج لما يلزمه خروج إليه؟ وما حكم شرط التجارة أو شرط التكسب بالصنعة في المسجد؟ واذكر أمثلة لا يتّضح إلا بالتمثيل؟ واذكر ما تستحضره من الدليل أو التعليل.
ج: يحرم خروج من لزم تتابع مختارًا ذكرًا لاعتكافه إلا لما لابدّ منه كإتيانه بمأكل ومشرب؛ لعدم من يأتيه به وكقيء بَغَتَه وغسل متنجس يحتاجه وكبول وغائط وطهارة واجبة كوضوء وغسل ولو قبل دخول وقت الصلاة؛ لأنه لابد منه للمحدث؛ لحديث عائشة: «السُّنة للمعتكف ألا يخرج إلا لما لابدَّ له منه» رواه أبو داود.
وقالت أيضًا عن رسول الله  «وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» متفق عليه.
وحاجة البول والغائط لاحتياج كل إنسان إلى فعلهما، وله المشي على عادته وله قصد بيته إن لم يجد مكانًا يليق به بلا ضرر ولا منه وله غسل يده بمسجد في إناء من وسخ وزفر ونحوهما ويفرغ الإناء خارج المسجد.
ولا يجوز للمعتكف ولا لغيره بول ولا فَصد ولا حجامة بإناء في المسجد ولا في هواء المسجد؛ لأنه لم يُبن لذلك فوجبت صيانة المسجد عنه وهواؤه كقراره، وله الخروج إلى جمعة وشهادة لزمناه لوجوبهما بأصل الشرع، وكمريض وجنازة تعين خروجه إليهما، وله شرط الخروج إلى ما لا يلزمه خروج إليه من الجماعة والشهادة والمريض والجنازة، ومن كل قربة لم تتعين عليه كزيارة صديق وصلة رحم، أو ماله منه بُدَّ وليس بقربة كشرط عشاء ومبيت بمنزله، ولا يصح شرط الخروج إلى التجارة أو شرط التكسب بالصنعة في المسجد ونحوهما، كالخروج لما شاء؛ لأنه ينافيه، وكما لابد منه في جواز الخروج تعين نفير لنحو عدو فجاءهم وتعين إطفاء حريق، ولمرض يتعذر معه المقام ولِتَعَيُّنِ إنقاذ غَرِيق، ورَدِّ أعْمَى عن بِئر أو حَيَّة؛ لأنه يجوز له قطع الواجب بأصل الشَّرْع.
ويجوز الخروج لخوف فتنة على نفسه أو حرمته أو ماله نهبًا ونحوه، وإن أكرهه سلطان أو غيره على الخروج من معتكفه بأن حمل وأخرج أو هدّده قادر بسَلْطنةٍ أو تغلب كلص وقاطع طريق فخرج بنفسه لم يَبطل اعتكافه بذلك؛ لأن مثل ذلك يبيح ترك الجمعة والجماعة، وكذا عدة وفاة إذا مات زوج معتكفة فلها الخروج لتعتد في منزلها لوجوبه بأصل الشرع، وكذا حاجة معتكف لفصد أو حجامة.
س169: إذا خرج معتكف في اعتكاف واجب لعذر فما حكم الرجوع في حقه؟ وهل يضر تطاول الخروج لعذر وضح ذلك مع تبيين ما يلزم من قضاء أو كفارة؟
ج: يجب على معتكف في اعتكاف واجب خرج لعذر يُبيحُه رجوع إلى معتكفه بزوال عذر؛ لأن الحكم يدور مع علته؛ فإن أخر رُجوعه عن وقت إمكانه فكما لو خرج لما له منه بد، ولا يضر تطاول عذر معتاد وهو حاجة الإنسان وطهارة الحدث والطعام والشراب والجمعة، ويضرّ تطاول في غير معتاد كنفير ونحوه، ففي نذر متتابع كشهر غير معين يُخير بين بناءٍ على ما مضى من اعتكافه وقضاء فائتِ مع إخراج كفارة يمين أو استئناف لمنذور من أوله ولا كفارة؛ لأنه أتى به على وجهه أشبه ما لو لم يسبقه اعتكاف وفي نذر معين كشهر رمضان يقضي ما فاته منه بخروجه ويكفر كفارة يمين لتركه المنذور في وقته.
وفي نذر أيام مطلقة كعشرة أيام تمم ما بقي منها بالاعتكاف فيه بلا كفارة لكنه لا يبني على بعض ذلك اليوم الذي خرج فيه، بل يستأنف بدله يومًا كاملاً لئلا يفرقه.
س170: ما الذي يستحب للمعتكف أن يشتغل به؟ وما الذي يجب عليه اجتنابه؟ والذي له فعله والذي يكره له؟ وتكلم بوضوح عن حكم الصَّمت إلى الليل؟ وإذا نذر الصمت إلى الليل فما الحكم؟ واذكر أمثلة توضِّح ذلك.
ج: يُسن لمعتكف التشاغل بفعل القربى، واجتناب ما لا يعنيه من جدال ومراء وكثرة كلام وغيره؛ لقوه : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» حديث حسن رواه الترمذي وغيره؛ ولأنه مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى.
روى الخلال عن عطاء، قال: كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن نقرأه أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تنطق في معيشتك بما لابد لك منه، ولا بأس أن تزوروه زوجته في المسجد وتتحدث معه وتصلح رأسه أو غيره ما يتلذذ بشيء منها، وله أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يُكثر؛ لأن صفيِّة زارته  فتحدث معها ورجّلَت عائشة رأسه، ويكره الصمت إلى الليل.
وقال الموفق والمجد: ظاهر الأخبار تحريمه وجزم به في «الكافي».
وقال في «الاختيارات الفقهية»: والتحقيق في الصمت أنه إذا طال حتى يتضمن ترك الكلام الواجب صار حرامًا كما قال الصديق، وكذا إن تعبَّد بالصمت عن الكلام المستحب والكلام الحرام يجب الصمت عنه. انتهى.
وإن نَذَر الصَّمْتَ لم يف به لحديث عليَّ: حفظت عن النبي  أنه قال: «لا صُمَات يوم إلى الليل» رواه أبو داود.
وعن ابن عباس قال: بَينَا النبي  يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم، فقال النبي : «مروه فليستظل وليتكلم وليقعد وليتم صومه» رواه البخاري وابن ماجه وأبو داود.
ودخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها: زينب فرآها لا تتكلم، فقال: «ما لها لا تتكلم؟»فقالوا: حجَّت مصمتة، فقال لها: «تكلّمِي؛ فإن هذا
لا يحل، هذا من عمل الجاهلية» فتكلمت، رواه البخاري. ويجمع بين قول الصديق هذا، وقوله: «من صمت نجا» بأن قوله الثاني محمول على الصمت عما لا يعنيه، كما قال تعالى: لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ.
ومما يتعلق بالاعتكاف من النظم
وإن اعتكافًا للتعبد سُّنة
وليس بشرط أن يصوم لأجله
لمن لزمته افهم وجوّز لمرأة
وفيما له شد الرحال إن نذرته
وإن ينذرن في غيرها من معيّن
وتدخل إن عيَّنت شهرًا وعشرة
ومن قبل فجر والغروب لمن نوى
ولا تخرجن منه بغير ضرورة
ويبطل كل الاعتكاف بردّة
وسكر الفتى ثم الخروج لما له
كتشييع ميتٍ أو زيارة عالم
وجانب مماراةً وما ليس عانِيًا
وفيه تقرب للذي أنت عاكفًا
وفيه تقرب للذي أنت عاكفًا
يُحَتّمُهُ نَذْرُ اللُّزوم بمسجد
ويشَرط قصد مع جماعة مسجد
سوى مسجد في بيتها كل مسجد
بأفضلها يجزي لما دونه قد
النبيّ وبالأقصى تمام التعبُّد
فلا يلزم التعيين يا ذا التسدُّد
بآخر جزء الماضي في المتأكد
ليوم وليل ثم بعدهما أشرد
كحاجة إنسان وَوَاجِب مَقْصَدِ
وإنزال لمس الخود مَعَ وَطْءِ خُرّدِ
غنى عنه لا المشروط مع قربة قَد
وعَوْدِ مَريض شَيعَن فيه أوعد
وصمت نهارًا مطلقًا عنه فاصدد
لعزته واطلب فنون التعبُّد
س171: بيِّن حكم جعل القرآن بدلاً من الكلام؟ وبيِّن حكم الرجوع إلى تفسير الصحابي؟ وما حكم النظر في كتب أهل الكلام وأهل البدع؟ وما حكم تفسير القرآن باللغة والرأي؟ واذكر أمثلة توضَّح المشكل.
ج: يجوز تفسير القرآن بمقتضى اللغة لأنه عربي وقوله: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ.
وقوله: وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ  المراد بالأحكام، ولا يجوز تفسير القرآن بالرأي من غير لغة ولا نقل، فمن قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار وأخطأ ولو أصاب؛ لما روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا:
«من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار» رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسّنه.
وعن سهل بن حزم عن أبي عمران الجوني عن جندب مرفوعًا: «من قال في القرآن برأيه فأصابه فقد أخطأ» .
رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وقال: غريب، وسهيل ضعفه الأئمة.
وقد روي هذا المعنى عن أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة والتابعين، ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام مثل أن يرى رجلاً جاء في وقته فيقول: «ثم جئت على قدر يا موسى» ويلزم الرجوع إلى قول الصحابي؛ لأنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل فهو أمارة ظاهرة، ولا يلزم الرجوع إلى تفسير التابعي؛ أن قوله ليس بحجة على المشهور.
قال بعضهم: ولعل مراد غيره إلا أن ينقل ذلك عن العرب قاله في الفروع، ولا يعارضه ما نقله المروزي ننظر ما كان عن النبي ؛ فإن لم يكن فعن أصحابه، فإن لم يكن فعن التابعين لإمكان حمله على إجماعهم لا على ما انفرد به أحدهم قاله القاضي.
ولا يجوز النظر في كتب أهل الكتاب؛ أن  غضب حين رأى مع عمر صحيفة من التوراة، وقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب» الحديث، ولا النظر في كتب أهل البدع، ولا النظر في الكتب المشتملة على الحق والباطل، ولا روايتُها لما في ذلك من إفساد العقائد.
س172: تكلم عن حفظ القرآن الكريم وفضله؟ والواجب حفظه منه؟, وحكم ختمه في كل أسبوع؟ وحكم تأخير ختمه فوق أربعين يومًا؟ وحكم التعوذ قبل القراءة؟ وهل القرآن يتفاوت في الفضل؟ وضِّح ذلك.
ج: يُستحب حفظ القرآن إجماعًا، وحفظه فرض كفاية إجماعًا، والقرآن أفضل من سائر الذكر؛ لقوله : «يقول الرب سبحانه وتعالى: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
لكن الاشتغال بالمأثور من الذكر في محله كأدبار الصلوات أفضل من الاشتغال بتلاوة القرآن، والقرآن أفضل من التوراة والإنجيل والزبور وسائر الصحف.
وبعض القرآن أفضل من بعض إما باعتبار الثواب أو باعتبار متعلقه كما يدل عليه ما ورد في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والفاتحة وآية الكرسي.
ويُبْدِئُ الصَّبيَّ وليُّه بِه قبل العلم فيقرأه كله؛ لأنه إذا قرأ أولاً تعَوَّدَ القراءة ثم لزمها إلى أن يعسر عليه حفظ كله فيقرأ ما تيسر منه، والمكلف يقدم العلم بعد القراءة الواجبة؛ لأنه لا تعارض بين الفرض والنفل كما يقدم الكبير تعلم نفل القراءة في ظاهر كلام الإمام والأصحاب، ويُسن ختمه في كل أسبوع.
قال عبدالله: كان أبي يختم في النهار في كل أسبوع يقرأ كل يوم سبعًا لا يكاد يتركه نظرًا أي في المصحف، وذلك لقوله  لعبدالله بن عمرو: «اقرأ القرآن في كل سبع ولا تزيدن على ذلك» رواه أبو داود.
وإن قرأ القرآن في ثلاث فحسن؛ لما روى عبدالله بن عمرو قال: قلت: يا رسول الله، إن لي قوة اقرأ في ثلاث، رواه أبو داود.
ويستحب الإكثار من قراءة القرآن في الأوقات الفاضلة كرمضان وعشر ذي الحجة، وخصوصًا الليالي التي تطلب فيها ليلة القدر كأوتار العشر الأخير من رمضان.
ويستحب الإكثار من قراءة القرآن في الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، ويكره تأخير فوق أربعين بلا عذر.
قال أحمد: أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين، ولأنه يفضي إلى نسيانه والتعاون به ويحرم فوق أربعين إن خاف نسيانه.
قال الإمام أحمد: ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه.
ويستحب التعوذ قبل القراءة؛ لقوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ويستحب السواك قبل القراءة، ويستحب أن يقرأ وهو على طهارة؛ فإن قرأ محدثًا حدثًا أصغر جاز.
ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف؛ ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعًا للنظافة وشرف البقعة.
ويستحب للقارئ أن يستقبل القبلة فقد جَاء في الحديث: «خير المجالس ما استقبل به القبلة ويجلس متخشعًا بسكينة ووقار مطرقًا رأسه، ولو قرأ قائمًا أو مضطجعًا أو جالسًا أ راكبًا أو ماشيًا جَازَ. قال تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ».
وثبت في «الصحيح» عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله  يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن» رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة قالت: إني لأقرأ القرآن وأنا مضطجعة على سريري، رواه الفريابي.
وعن أبي موسى الأشعري  قال: إني لأقرأ القرآن في صلاتي وأقرأ على فراشي.
وتستحب القراءة في المصحف والاستماع لها؛ لأنه يشارك القارئ في أجره، ويكره الحديث عندها بما لا فائدة فيه. قال الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وينبغي أن يرتل قراءته.
وقد اتفق العلماء  على استحباب الترتيل، قال الله تعالى: وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً، وثبت عن أم سلمة أنها نعتت قراءة رسول الله  قراءة مفسرة حرفًا حرفًا، رواه أبو داود والنسائي والترمذي، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن معاوية بن فرة  عن عبدالله بن معقل  قال: رأيت رسول الله  يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة «الفتح» يُرَجِّعُ في قراءته. رواه البخاري ومسلم.
ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من الشر ومن العذاب، أو يقول: اللهم إني أسألك العافية وأسألك المعافاة من كل مكروه أو نحو ذلك، وإذا مر بآية تنزيه لله تعالى نزه، فقال سبحانه وتعالى أو تبارك وتعالى أو جلَّت عظمة ربنا، فقد صح عن حذيفة بن اليمان  قال: «صليت مع النبي  ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، ثم افتتح النساء فقرأها، فقلت: يركع، صلى بها ثم افتتح آل عمران، فقرأ بها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع» الحديث رواه مسلم.
فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة والدلائل عليه أكثر من أن تحصر وأشهر وأظهر من أن تذكر فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال الله عز وجل: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ، وقال: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ والأحاديث فيه كثيرة، وأقاويل السلف فيه مشهورة، وقد بات جماعة من السلف يتلون آية واحدة ويرددونها إلى الصباح.
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام النبي  بآية يرددها حتى أصبح، والآية: إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ الآية، رواه النسائي وابن ماجه.
وعن تميم الداري أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ الآية.
وينبغي لقارئ القرآن أن يبكي؛ فإن لم يبك تباكى، وهو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً.
وقد وردت فيه أحاديث كثيرة وآثار السلف فمن ذلك عن النبي : «اقرءوا القرآن وابكوا؛ فإن لم تبكوا فتباكوا».
وعن عمر بن الخطاب  أنه صلى بالجماعة الصبح فقرأ سورة يوسف، فبكى حتى سالت دُموعُه عَلى تَرْقوِتِهِ.
وعن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع.
وعن أبي صالح قال: قدم ناس من أهل اليمن على أبي بكر الصديق ، فجعلوا يقرءون القرآن ويبكون، فقال أبو بكر الصديق : هكذا كنا. والله أعلم.
هذا آخر ما تيسر جمعه من كتب الحديث والفقه مما يتعلق بالزكاة والصيام من الأسئلة والأجوبة الفقهية المقرونة بالأدلة الشرعية، وكان الفراغ مما يتعلق بالزكاة والصيام من الأسئلة والأجوبة في يوم الثلاثاء الموافق 17/12/1384هـ والله أسأل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به نفعًا عامًا إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
24- كتاب الحج والعمرة
س173: ما هو الحج لغةً وشرعًا؟ وما هي العمرة؟ وما أخر الحج عن الصلاة والزكاة والصوم؟
ج: الحج في اللغة: القصد، وعن الخليل بن أحمد، قال: الحج كثرة القصد إلى من تعظمه ورجل محجوج أي مقصود، قال المخبل:
وأشهدُ مِن عوف حُلولاً كثيرةً
يحُجونَ بيتَ الزِّبرقَانِ المزَعْفرا
قال ابن السكيت: يكثرون الاختلاف إليه، وشرعًا: قصد مكة لعمل مخصوص في وقت مخصوص وأخِّرَ الحج عن الصلاة والزكاة والصوم؛ لأن الصلاة عماد الدين، ولشدة الحاجة إليها لتكررها كل يوم خمس مرات، ثم الزكاة لكونها قرينة لها في أكثر المواضع ولشمولها المكلف وغيره، ثم الصوم لتكرره كل سنة، والعمرة لغة: قيل: إنها الصد. قال الحجاج:
لقد غزا ابن معمر حين اعتمرْ
مغزًا بعيدًا من بعيد أو ضَبر
أي قصد مغزًا بعيدًا، وقيل: إنها لغة الزيارة، قال الأعشى:
وجاشت النفس لما جاء فلُّهُمْ
وراكب جاء من تثليث معتمرًا
أي زائرًا، وشرعًا: زيارة البيت الحرام وعلى وجه مخصوص.
س174: ما حكم الحج؟ وما الأصل في مشروعيته من الكتاب والسُّنة؟
ج: حكمه أنه أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام من جحد وجوبه عالمًا كفر، وإن كان جاهلاً عرف؛ فإن أصر بعد التعريف كفر، وهو فرض كفاية كل عام على مَن لا يجب عليه عينًا ويأتي إن شاء الله، والأصل في وجوبه الكتاب والسُّنة والإجماع؛ أما الكتاب: فقوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً الآية، وروي عن ابن عباس ومن كفر
باعتقاده أنه غير واجب، وقال تعالى: وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ؛ وأما السُّنة: فعن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله ، فقال: «يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قال ثلاثًا، فقال النبي : «لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم» رواه أحمد ومسلم والنسائي، وعن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله ، فقال: «يا أيها الناس كتب عليكم الحج»، فقام الأقرع بن حابس، فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: «لو قلتها لوجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع» رواه أحمد والنسائي بمعناه، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله : «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» رواه البخاري. روى سعيد في «سننه» عن عمر بن الخطاب أنه قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدَة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، وأجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمرة مرة واحدة.
س175: بين حكم العمرة وأذكر ما في ذلك من دليل أو تعليل أو خلاف مع الترجيح لما تراه؟
ج: قيل: إنها واجبة؛ لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ؛ فإنه عطفها على الحج والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه؛ ولحديث عائشة: يا رسول الله، هل على النساء من جهاد، قال: «نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» رواه أحمد وابن ماجه ورواته ثقات، وعن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي ، فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: «حج عن أبيك واعتمر»
رواه الخمسة وصححه الترمذي، وقوله  في جوابه لجبريل لما سأله عن الإسلام، قال : «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا
رسول الله، وتقم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتعتمر» الحديث أخرجه ابن خزيمة والدارقطني من حديث عمر بن الخطاب . وقال الدارقطين: هذا إسناده ثابت صحيح، قيل: إنها سنة، روي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي واختاره الشيخ تقي الدين –رحمه الله-؛ لما روى جابر  أن النبي  سُئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال: «لا، وأن تعتمروا فهو أفضل» رواه الترمذي، وهذا القول عندي أنه أرجح من الأول ويَعْضُده عندي اقتصاره جل وعلا على الحج في الآية: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وحديث ابن عمر عن النبي  قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت» رواه البخاري. وعن معاذ قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسرهُ الله تعالى عليه، تعبد الله تعالى ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» الحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، فاقتصر  على الحج. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
مقدمة من النظم ومختصره لكتاب المناسك
وهاك صفات الحج قصْد مخصص
تحن القلوب المستجاب لها الدعا
أتى بخصوص في الدعاء مُبعِّضًا
نحن إلى أعلام مكة دائمًا
رجالاً وركبانًا على كل ضامرٍ
يطير بهم شوقًا إلى ذاك الحمى
على كلهم قد هان نفس عزيزة
رضوا عن مديد الظل قطع مهامه
ولدّ لهم في جنب ما يبتغونه
يهون بها لفح الهجير عليهمو
وكل محب قابل الهجر بالرضا
فكم من رخى العيش حركه الهوى
فليس بثان عزمه عن طلابه
أطار الكرى عنهم رجاء وصالهم
عفا الله عني كم أودع زائرًا
تحملت أوزارًا تثقل منهضي
لئن ثبط الأقدار عزمي عن السرى
وإن رجائي أن يمن يزوره
وأسعى بآثار النبيين ضارعًا
عبادة إذعان ومحض تعبد
من الصادق البر الجليل الممجد
ولو عم طار الشوق بالناس عن يد
قلوب إلى الداعي تروح وتغتدي
يلبون داعي الحق من كل مورد
لتحصيل وعد النفع في خير مشهد
وأهل ومال من طريف ومَتْلَدِ
يظل بها خربتها ليس يهتدِ
سَموُمٌ بجهلاء المعالم صَيْخَدِ
كهجر محب يرتجى صدق موعد
سَيَجْني بما يرضَاه في كل مقصد
فقام بأعباء الرجا ساغبًا صدى
إذا ثوِّب الداعي به وصل خُرّدِ
وشوقًا إلى ربع النبي محمد
إليه وذنبي حابس ومقيَّد
ولكنني أرجو تجاوز سيد
فشوقي إليه دائم وتلددي
فأبلغ من تلك المشاعر مقصدي
وها أنا فيما رومت يا صاح أبتدي
س176: متى فرض الحج وما هي الأدلة الدالة على وجوبه فورًا؟
ج: فرض سُّنة تسع عند الأكثرين من العلماء ولم يحج النبي  بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة، وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنا كانت سنة عشر من الهجرة، وكان  قارنًا ويجبان في العمر مرة على الفور، وتقدمت الأدلة وجوبه؛ وأما أدلة الفورية فأولاً: أن الأمر للفورية ويؤيده خبر ابن عباس مرفوعًا، قال: «تعجلوا إلى الحج –يعني الفريضة-؛ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض» رواه أحمد. وعن عبدالرحمن بن سابط يرفعه، قال: «من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم يمنعه مرض حابس ولا سلطان أو حاجة ظاهرة فليمت على أي حال يهوديًا أو نصرانيًا» رواه سعيد. وعن عمر نحوه من قوله: ولأنه أحد مباني الإسلام، فلم يجز تأخيرهُ إلى غير وقت مُعين كبقية المباني بل أولى؛ وأما تأخيره  هو وأصحابه بناء على أن الحج فرض سنة تسع فيحتمل أنه كان في آخرها أو لأنه تعالى أطلع نبيه على أنه لا يموت حتى يحج فيكون على يقين من الإدراك أو لاحتمال عدم الاستطاعة أو حاجة خوف في حقه منعه من الخروج ومنع أكثر أصحابه خوفًا عليه، أو لأن الله كره له الحج مع المشركين عراة حول البيت أو غير ذلك، وقيل: يجب الحج وجوبًا موسعًا، وبه قال الشافعي، وحكاه ابن حامد عن الإمام أحمد ؛ لأن النبي  أمر أبا بكر  على الحج وتخلف بالمدينة غير محارب ولا مشغول بشيء وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج، قالوا: وهذا قرينة ودليل يصرفه إلى التراخي والذي تطمئن غليه النفس أن الحج على الفور ما لم يكن عذر شرعي. والله أعلم.
س177: بين شروط وجوب الحج مقرونة بأدلتها؟
ج: يجب وجوب عين على كل مسلم حر مكلف مستطيع وتزيد المرأة شرطًا سادسًا وجود محرم، ويأتي قريبًا إن شاء الله، فالإسلام والعقل شرطان للوجوب، والصحة والبلوغ وكمال الحرية شرطان للوجوب، والإجزاء دون الصحة، والاستطاعة شرط لوجوب دون الإجزاء، فهي خمسة شروط للحج والعمرة جمعها الشيخ عثمان النجدي في بيتين، فقال:
الحج والعمرة واجبان
بشرط إسلام كذا حرية
في العمر مرة بلا تواني
عقل بلوغ قدرة جلية
تزيد المرأة شرطًا سادسًا وهو وجود محرم، ويأتي إن شاء الله.
س178: اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف مع الترجيح؟
ج: أما الكافر فلأنه ممنوع من دخول الحرم وهو مناف له؛ وأما المجنون فلا يصح منه لأنه ليس من أهل العبادات، فلم يصح حجه ولا يجب عليه؛ لقوله : «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق» وكذا الصبي لا يجب عليه للخبر ويصح منه؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  ركبا بالروحاء، فقال: «مَن القوم؟»
قالوا: المسلمون، فقالوا: مَن أنْتَ، قال: «رسول الله»، فرفعت إليه امرأة صبيًا، فقالت: ألهذا حج، قال: «نعم، ولك أجر» رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي، وعن السائب بن يزيد قال: حُجَّ بي مع النبي  في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين، رواه أحمد والبخاري والترمذي، وصححه؛ وأما العبد فلأن مدتهما تطول فلم تجبان عليه لما فيهما من إبطال حق السيد، وكذا مكاتب ومدبر وأم ولد ومعتق بعضها ومعلق عنقه بصفة ويصح منهم ولا يجزي عن حجة الإسلام، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم ممن لا يعتد قوله خلافًا على أن الصبي إذا حج في حال صغره والعبد إذا حج في حال رقه ثم بلغ الصبي وعتق العبدان عليهما حجة الإسلام إذا وجدا إليه سبيلاً، كذلك قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وعطا والحسن والنخعي والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، قال الترمذي: وقد أجمع أهل العلم عليه، روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي  قال: «أيما صبي حج، ثم بلغ فعليه حجة أخرى، وإيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى» رواه الشافعي والبيهقي، وقال أحمد عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله : «إني أريد أن أجدد في صدور المؤمنين عهدًا، أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه؛ فإن أدرك فعليه الحج، وأيما مملوك حج به أهله فمات أجزأت عنه؛ فإن عتق فعليه الحج» رواه سعيد في «سننه»، والشافعي في «مسنده» عن ابن عباس من قوله؛ ولأن الحج عبادة بدنية فعَلهَا، قيل: وقت وجوبها فلم يمنع ذلك وجُوبهَا عَليْه في وقتها كما لو صلى قبل الوقت، وكما لو صلى ثم بلغ في الوقت، وقيل: إن العبد إذا حج بعد بلوغه، ولو قبل حريته أن حجته هي حجة الإسلام، قالوا: كما أن الفقير معفوعنه الحج ولا يجب عليه؛ فإذا تيسر له وفعله أجزأه ذلك ولم يلزمه إعادته إذا استغنى فكذلك الرقيق إذا أدى فريضته؛ فإن ذلك يجزئه، قالوا: وأيضًا فإن الحج يوجبه الله ورسوله في العمر إلا مرة واحدة، وذلك مجمع عليه فيلزم على قول من يقول إن حج الرقيق لا يجزيه أنه يجب في العمر مرتين. انتهى والذي تميل النفس
إلى العمل به، والقول الأول لما تقدم من الدليل والتعليل؛ ولأنه أحوط. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س179: تكلم بوضوح عما إذا أسلم أو أفاق ثم أحرم أو بلغ أو عتق محرمًا ومتى يعتد بالإحرام والوقوف من الصبي والعبد؟
ج: ويجزيان الحج والعمرة كافرًا أسلم وهو حر مكلف، ثم أحْرَم يحج قبل دفع من عرفة أو بعده إن عاد فوقف في وقته أو أحرم بعمرة ثم طاف وسعى لها أو أفاق من جنون وهو حر بالغ ثم أحرم بحج أو عمرة، وفعل ما تقدم أو بلغ وهو حر مسلم عاقل محرمًا بحج قبل دفع من عرفة أو بعده إن عاد فوقف في وقته أو عتق قن مكلف محرمًا بحج قبل دفع من عرفة أو بعد الدفع منها إن عاد إلى عرفة فوقف بها في وقت الوقوف فيجزيه حجه ويلزم العود حيث أمكنه أو بلغ أو عتق محرمًا بعمرة قبل طواف عمرة، ثم طاف وسعى لها فتجزيه عن عمرة الإسلام ويكون صغير بلغ محرمًا وقن عَتق محرمًا كمن أحرم بعد بلوغه وعتقه؛ لأنها حال تصلح لتعين الإحرام كحال ابتداء الإحرام؛ وإنما يعتد بإحرام ووقوف موجودين حال البلوغ والعِتْق، وأن ما قبله تطوع لم ينقلب فرضًا، وقال جماعة: ينعقد إحرام الصغير والقن موقوفًا؛ فإذا تغير خاله إلى البلوغ أو الحرية تبين فرضيته كزكاة معجلة، ولا يجزي حج من بلغ أو عتقَ مُحرمًا قبل دفع من عرفة أو بعده إذا عاد ووقف عن حجة الإسلام مع سعي قن أو صغير بعد طواف القدوم قبل وقوف، ولو أعاد السعي قن أو صغير ثانيًا بعد بلوغه أو عتقه؛ لأن السعي لا تشرع مجاوزة عدده ولا تكراره بخلاف الوقوف فاستدامته مشروعة، ولا قدر له محدود، وقيل: يجزئه إذا أعاد السعي لحصول الركن الأعظم وهو الوقوف وتبعية غيره له ولا تجزئ العمرة من بلغ أو عتق في طوافها وإن أعاده.
س180: تكلم بوضوح عن إحرام غير المميز والمميز؟ وعمّا يفعل عن المميز وغيره، وإذا رمى الجمرات عن موليه قبل نفسه فما الحكم؟ وهل يعتد برمي حلال؟ واذكر الدليل.
ج: قد تقدم أن العمرة والحج يصحان من الصغير وتقدم حديث ابن عباس في آخر جواب سؤال 185 ويحرمُ وليٌّ في مال عمن لم يميز ولو كان الولي محرمًا أو لم يحج الولي ويحرم مميز بإذن الولي عن نفسه؛ أنه يصح وضوؤه فيصح إحرامه كالبالغ ولا يحرم عنه وليه لعدم الدليل ويفعل وليُّ عن مميز وغيره ما يعجزهما من أفعال حج وعمرة. روي عن ابن عمر في الرمي وعن أبي بكر أنه طاف بابن الزبير في خرقة رواهما الأثرم، وعن جابر: حججنا مع النبي  ومعنا النساء والصبيان فلبْينا عن الصّبيان ورمَيْنا عنهم، رواه أحمد وابن ماجه. وكانت عائشة تجرد الصبيان للإحرام؛ لكن لا يجوز أن يرمي عن الصغير إلا من رمى عن نفسه، ومن رمى عن مواليه وقع عن نفسه، إن كان محرمًا بفرض كمن أحرم عن غيره وعليه حجة الإسلام؛ لما ورد عن ابن عباس: أن النبي  سمع رجلاً يقول لبيك عن شبرمة، قال: «من شبرمة؟» قال: أخ لي أو قريب لي، فقال: «حججت عن نفسك؟» قال: لا، قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة» رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان، والراجح عند أحمد وقفه؛ فإن كان الولي حلالاً لم يُعْتَدَّ برميه؛ لأنه لا يصح منه لنَفسه رميٌ فلا يصح عن غيره؛ فإن وضع النائب الحصى في يد الصبي ورمى بها فجع ليده كالآلة فحسن ليوجد منه نوع عمل. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:06 am

س181: إذا كان الصغير يعجز عن الطواف بنفسه، فهل يطاف به؟ وضّح ذلك مع ذكر ما تستحضره من قيود؟ وتكلم عن كفارة حج الصغي وما زاد من نفقة السفر إلى نفقة الحضر؟ وعن عمد الصبي والمجنون؟ وإذا وجب في كفارة صوم فمن الذي يصومه؟ وإذا وطئ فما الحكم؟
ج: يطاف بالصغير لعجزه عن طواف بنفسه راكبًا أو محمولاً ويعتبر لطواف صغير نية طائف به لتعذر النية منه إن لم يكن مميزًا وكون طائف به يصح أن يعقد له الإحرام ولا يعتبر كون الطائف به طاف عن نفسه ولا كونه محرمًا لوجود الطواف من الصغير، وكفارة حج صغير في مال وليه إن أنشأ السفر به تمرينًا على الطاعة وما زاد من نفقة السفر على الحضر في مال وليه إن أنشأ وليه السفر به تمرينًا له على الطاعة وإلا يُنشِئ السفر به تمرينًا على الطاعة فلا يجب ذلك على الولي، بل من مال الصغير؛ لأنه لمصلحته وعمد صغير خطأ وعمد مجنون لمحظور خطأ لا يجب فيه إلا ما يجب في خطأ المكلف أو في نسيانه لعدم اعتبار قصده، وإن وجب في كفارة صوم صام الولي ووطء الصغير كوطء بالغ ناسيًا يمضي في فاسده ويقضيه إذا بلغ كالبالغ، وقيل: لا يلزمه قضاؤه.
س182: تكلم بوضوح عمّا إذا عقد الإحرام قن أو زوجة بإذن زوج أو سيد أو بدون؟, وهل يأثم من لم يمتثل، وهل يصح من الزوج والسيد الأذن؟ وهل لزوج وسيد رجوع في إذن للقن والزوجة؟
ج: ويصح الحج والعمرة من القن ذكر أو أنثى صغير أو كبير على ما تقدم في الصغير الحر البالغ ويلزمان القن بنذره لهما؛ لعموم حديث: «من نذر أن يطيع الله، فليطعه» ولا يجوز أن يحرم قن بنذر ولا نفل ولا أن تحرم زوجة بنفل حج أو عمرة إلا بإذن سيد وزوج لتفويت حقهما بالإحرام؛ فإن عقد قن أو امرأة الإحرام بنفل بلا إذن سيد وزوج، فللزوج والسيد تحليلهما مع إذن لهما في إحرام لوجوبه بالشرع، ويصح من زوج وسيد رجوع في إذن بإحرام قبل إحرام كواهب إذن لموهوب له في قبض هبة ثم رجع قبله، ومتى علما برجوع امتنع عليهما الإحرام كما لو لم يأذن ولا يجوز لسيد وزوج تحليل قن وزوجة أحرما بنذر أذن فيه زوج وسيد لقن وزوجة؛ لأن الأذن في نذر أذن في فعله ولا يجوز لسيد وزوج تحليل قن وزوجة
أحرما بنذر أذن فيه الزوج أو السيد لهما أو لم يؤذن فيه للزوجة فلا يحللها منه، والقن بخلافها لِسيّدِ تحليله إذا لم يأذن فيه. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س183: هل لزوج منع زوجة من الحج؟ وإذا أحرمت بواجب فحلف زوجها بالطلاق لا تحج فما الحكم؟ وإذا أفسد قن حجه بوطء فيه، فما الحكم؟ وإذا أعتق أو بلغ الحر في الحجة الفاسدة، فما الحكم؟
ج: لا يمنع الزوج زوجته من حج فرض كملت شروطه كبقية الواجبات ويستحب لها استئذانه، وإن كان غائبًا كتبت إليه فأن أذن وإلا حجت محرم فلو لم تكمل شروطُه فله منعها وإن أحرمت به بلا إذنه لم يملك تحليلها لوجوب إتمامه بشروعها فيه ومن أحرمت بواجب حج أو عمرة بأصل الشرع أو النذر فحلف زوجها ولو بالطلاق الثلاث لا تحج العام لم يجز أن تحلي من إحرامها للزومه، ونقل ابن منصور: هي بمنزلة المحصر ونقل مهنا عن أحمد أنه سُئل عن هذه المسألة، فقال: قال عطاء: الطلاق هلاك هي بمنزلة المحصر، وإن أفٍسَدَ قنٌ حَجِّة بوطء قبل التحلل الأول مَضَى في فاسده وقضى كحر ويصح القضاء في رقة كصوم وصلاة؛ فإن عتق بدأ بحجة الإسلام وليس لسيده منعه إن شرع فيما أفسده بإذنه وإن عتق أو بلغ في الحجة الفاسدة في حال تجزئه عن حجة الفرض لو كان الحجة الفاسدة صحيحة مضى وأجزأته حجة القضاء عن حجة الإسلام والقضاء.
س184: تكلم عن حكم جناية القن؟ وإذا تحلل أو حلله سيده؟ وهل لمشتري المحرم تحليله؟ وهل لأبوي حر بالغ منعه من إحرام بنفل حج أو عمرة؟ وإذا أحرم فهل لهما أن يحللانه؟ وهل لغريم المدين تحليله؟ وهل لولي السفيه المبذر منعه من حج الفرض وعمرته؟
ج: قن في جنايته بفعل محظور في إحرامه كحر معسر في الفدية، وإن تحلل قن بحصر عدُوّ له أو حلل سيدة لإحرامه بلا إذنه لم يتحلل قبل الصوم كحر أحُصْرَ وأعسر فيصوم عشرة أيام بنية التحلل، ثم يتحلل ولا يمنع القن من الصيام كقضاء رمضان، وإن مات قن وجب عليه صوم بسبب إحرامه ولم يصم فلسيده أن يطعم عنه كقضاء رمضان وإن أفسد قن حجة صام عن البدنة عشرة أيام كحر معسر، وكذا إن تمنع قن أو قرن أو أفسد عمرته صام عن الدم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع ومشتري المحرم كبائعه في تحليله وفي عدمه وله الفسخ إن لم يعلم بإحرام القن ولم يملك تحليله لتعطيل منافعه عليه زمن إحرامه ولكل من أبوي حر بالغ منعه من إحرام بنفل حج وعمرة كمنعه من نفل جهاد؛ ولكن ليس لهما تحليله من حج التطوع لوجوبه بالشروع فيه ويلزمه طاعتهما في غير معصية وتحرم طاعتهما فيها، ولا يحلل غريم مدينًا أحرم بحج أو عمرة لوجوبهما بالشروع، وليس لولي سفيه مبذر بالغ منعه من حج الفرض وعمرته ولا تحليله من إحرام بأحدهما لتعينه عليه كالصلاة وتدفع نفقته إلى ثقة ينفق عليه في الطريق ويحلل سيفه بصوم كحر معسر إذا أحرم بنفل لمنعه من التصرف في ماله إن زادت نفقته على نفقة الإقامة ولم يكتسبها السفيه في سفره. والله أعلم.
س185: تكلم عن الاستطاعة مبينًا ما هي؟ وهل يكون مستطيعًا ببذل غيره له؟, وهل تبطل الاستطاعة بالجنون؟ اذكر الخلاف مع الترجيح؟
ج: الاستطاعة نوعان: أحدهما: استطاعة مباشرة لحج أو عمرة بنفسه ولا تبطل الاستطاعة بجنون ولو مطبقًا فيحج عنه، والاستطاعة ملك زاد يحتاجه في سفره ذهابًا وإيابًا من مأكول ومشروب وكسوة وملك وعائه؛ لأنه لابد منه ولا يلزمه حمله إن وجده بثمن مثله أو زائدًا يسيرًا بالمنازل في طريق الحاج لحصول المقصود وملك راحلة لركوبه بآلتها بشراء أو كراء يصلحان لمثله أي الراحلة وآلتها؛ لحديث أحمد عن الحسن لما نزلت هذه الآية وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال رجل: يا رسول الله،
ما السبيل؟ قال: «الزاد والراحلة»، وعن أنس  عن النبي  في قوله تعالى: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟, قال: «الزاد والراحلة» رواه الدارقطني، وعن ابن عباس أن رسول الله  قال: «الزاد والراحلة يعني قوله تعالى: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» رواه ابن ماجه، ولا يعتبر ملك راحلة في دون مسافة قصر عن مكة للقدرة على المشي غالبًا إلا لعاجز عن المشي كشيخ كبير فيعتبر ملك الراحلة بآلتها حتى في دون المسافة ولا يلزمه حبوًا ولو أمكنه؛ وأما الزاد فيعتبر قَربُتَ المسافة أو بعدت مع الحاجة إليه أو ملك ما يقدر به من نقد أو عرض على تحصيل الزاد والراحلة وآلتهما؛ فإن لم يملك ذلك لم يلزمه الحج؛ لكن يستحب لمن أمكنه المشي والكسب بالصنعة ويكره لمن حرفته المسألة ويعتبر كون ما تقدم من الزاد والراحلة وآلتهما أو ما يقدر به على تحصيل ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه من كتب علم، ومسكن لمثله وخادم لنفسه، وعن ما لابد منه من نحو لباس وغطاء ووطاء وأواني؛ فإن أمكن بيع فاضل عن حاجته وشراء ما يكفيه بأن كان المسكن واسعًا أو الخادم نفيسًا فوق ما يصلح له وأمكن بيعه وشراء قدر الكفاية منه ويفضل ما يحج به لزمه ذلك؛ لأنه مستطيع ويعتبر كون زاد وراحلة وآلتهما أو ثمن ذلك فاضلاً عن قضاء دين حال أو مؤجل لله أو لآدمي؛ لأن ذمته مشغولة به وهو محتاج إلى إبرائها، وأن يكون فاضلاً عن مؤنته ومؤنة عياله؛ لحديث: «كفى بالمرء إثمًا أن يضع من يقوت» من عقار أو بضاعة أو صناعة ونحوها، كعطاء من ديوان ولا يصير مُستَطِيعًا ببذل غيره له ما يحتاجه لحجه وعمرته.
وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه؛ لأنه أمكنه الحج من غير منَّة تلزمه ولا ضرر يلحقه فلزمه الحج، كما لو ملك الزاد والراحلة، وهذا القول عندي أنه قوي جدًا مؤيدًا بقوله : «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم» رواه الخمسة، وعن جابر أن رجلاً
قال: يا رسول الله، إني لي مالاً وولدًا، وأن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك» رواه ابن ماجه، وقوله: «وإن أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئًا» رواه أحمد وأبو داود. ومن الاستطاعة سعة وقت بأن يكون متسعًا يُمكن الخروج والمسير فيه حسب العادة لتعذر الحج مع ضيق وقته، ومن الاستطاعة أمْنُ طريق يمكن سلوكه ولو بحرًا أو كان غير معتاد بلا خفارة، وأن يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد، ومن الاستطاعة دليل لجاهل طريق مكة، ومنها قائد لأعمى؛ لأن في إيجابه عليهما بلا دليل وقائد ضررًا عظيمًا، وهو منتف شرعًا ويلزم الجاهل والأعمى أجرة الدليل والقائد لتمام الواجب بهما فيعتبر قدرة على أجرة مثلها.
س186: تكلم عمَّن عجز عن السعي لحج أو عمرة، واذكر الدليل على ما تقول.
ج: العاجز عن السعي لحج أو عمرة لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لنحو زمانه أو ثقل لا يقدر معه على ركوب إلا بمشقة شديدة أو لكونه نضوَ الخلقة لا يقدر ثبوتًا على راحلة إلا بمشقة غير محتملة يلزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه؛ لحديث ابن عباس أن امرأة من خثعم، قالت: يا رسول الله، إن أبي أدرته فَريضةُ الله في الحج شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، قال: «فَحُجّيِ عنه» رواه الجماعة. وعن عبدالله بن الزبير  قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله ، فقال: إنّ أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيعُ رُكوبَ الرحل والحج مكتوب عليه، أفأحج عنه؟ قال: «أنت أكبر ولده» قال: نعم، قال: «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزئ ذلك عنه» قال: نعم، قال: «فاحجج عنه» رواه أحمد والنسائي بمعناه.
س187: تكلم عن استنابة العاجز عن الحج والعمرة، اذكر الدليل والخلاف.
ج: قد تقدم لنا أنه يلزمه أن يقيم مَن يحج ويعتمر عنه، وأن الحج يجب فورًا ويستناب عن العاجز من يحج عنه من حيث وجب عليه، إما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه، وبهذا قال الحسن وإسحاق ومالك في النذر، وقال عطاء في الناذر: إن لم يكن نوى مكانًا فمن ميقاته، واختاره ابن المنذر، وقال فيمن عليه حجة الإسلام: يستأجر من يحج عنه من الميقات؛ لأن الإحرام لا يجب دونه، والذي تميل إليه النفس أنه لا يلزم أن يكون من بلد المنوب عنه؛ لأنه ليس في حديث الخثعمية ولا حديث الخثعمي ما يدل على أنه لابد أن يكون من حيث وجب ولم يرد أحاديث أخرى تدل على ذلك. والله أعلم.
س188: بين حكم ما إذا عوفي العاجز عن السعي لحج أو عمرة مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: إذا استناب العاجز عن الحج لمرض لا يُرجى برؤه ونحوه ويسمى المعضوب فحج النائب ثم عوفي المستنيب لم يجب عليه حج آخر، وهذا إذا عوفي بعد الفراغ من النسك؛ لأنه أتى بما أمر به فخرج من العهدة كما لو لم يبرأ؛ وأما إن عوفي قبل إحرام النائب فإنه لا يجزئه للقدرة على المبدل قبل الشروع في البدل كالمتيمم يجد الماء؛ وأما إذا عوفي بعد الإحرام وقبل الفراغ، فالمذهب يجزئه والجمهور على أنه لا يجزئ لو عوفي بعد الإحرام وقبل فراغ النسك؛ لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسًا منه، قال في «المبدع»: وهو الأظهر عند الشيخ تقي الدين ومن يرجى برؤه لا يستنيب؛ فإن فعل لم يجزئه ويسقطان عن من لم يجد نائبًا مع عجزه عنهما لعدم استطاعة بنفسه ونائبه، ومن لزمه حج أو عمرة بأصل الشرع أو بإيجابه على نفسه فتوفى قبله ولو قبل التمكن من فعله لنحو حبس أو أسْرِ عدو وكان استطاع مع سعة وقت وخلف ما لا أخرج عن الميت من جميع ماله حجة وعمرة أي ما يفعلا به من حيث وجبا وتقدم الخلاف في ذلك، ويجزئ أن يستناب عن معضوب من أقرب وطنيه ومن خارج بلده إلى دون مسافة قصر.
س189: تكلم عن أحكام ما يلي: إذا حج أجنبيّ عَمّنْ وجب عليه؟ من ضاق ماله في أدائه من بلده أو لزمه دين وعليه حج وضاق ماله عنهما؟ إذا مات مَن وجب عليه حج بطريقه أو مات نائبه بطريقه؟ إذا صُدّ من وجب عليه حج أو نائبه بطريقه. اذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: ويسقط عمن وجب عليه ومات قبله بحج أجنبي عنه؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- شبهه بالدين، وكذا عمرة ولا يسقط حج عن معضوب حَيِّ ولو معذورًا لا إذن ويقع حَج مَن حج عن حي بلا إذنه عن نفسه ولو نفلاً، ومن ضاق ماله عن أدائه من بلده استنيب به من حيث بلغ، ومن لزمه دين وعليه حج وضاق ماله عنهما أخذ من ماله لحج بحصته كسائر الديون وحج به من حيث بلغ؛ لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، وإن مات من وجب عليه حج بطريقة أو مات نائبه بطريقة حج عنه من حيث مات هو أو نائبه؛ لأن الاستنابة من حَيْثُ وَجبَ القضاء والموب عنه لا يلزمه العود إلى وطنه ثم العود للحج منه فيستناب عنه فيما بقي نصًا مسافة وفعلاً وقولاً، وإن صُد مَن وجب عليه حج أو نائبه بطريقة فعل عنه ما بقي مسافة وفعلاً وقولاً.
س190: إذا وصى شخص بنقل وأطلق فمن أين يفعل عنه؟ وهل يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه؟ وإذا أحرم بنذر حج أو نفل مَن عليه حجة الإسلام، فهل يقع الحج عن النذر، والنفل أو عن حجة الإسلام؟ وإذا حج عن معضوب واحد في فرضه وآخر في نذره في عام فما الحكم؟ وإذا حُج عن ميت واحد في فرضه وآخر في نذر في عام، فما الحكم؟
ج: إذا وصى شخص بنسك نفل وأطلق فلم يقل: من محل كذا جاز أن يفعل عنه من ميقات بلد الموصي ما لم تمنع منه قرينة ولا يصح ممن لم يحج عن نفسه حج عن غيره، ولا عن نذر ولا عن نافلة؛ فإن فعل بأن حج عن غيره قبل نفسه انصرف إلى حجة الإسلام؛ لما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي  سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: «من شبرمة؟» قال: أخ لي أو قريب لي، فقال: «حججت عن نفسك؟» قال: لا، قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة» رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه بن حبان، والراجح عند أحمد وقفه، وقوله: «حج عن نفسك» أي استَدِمْهُ عن نفسك، كقولك للمؤمن آمن؛ لما روى الدارقطني من طريقين فيهما ضعف: «هذه عنك وحج عن شبرمة»، وكذا حكم من عليه العمرة، ومن أدى أحد النسكين فقط صح أن ينوب فيه قبل أداء الآخر، وأن يفعله نفله ونذره، ولو أحرم بنذر حج أو نفل من عليه حجة في ذمته ويصح أن يحج عن معضوب واحد في فرضه وآخر في نذره عام، ويصح أن يحج عن ميت واحد في فرضه وآخر في نذره في عام واحد؛ لأن كل عبادة منفردة، كما لو اختلف نوعهما، وأيهما أحرم أولاً قبل الآخر؟ فعن حجة الإسلام ثم الحجة الأخرى التي تأخر إحرام نائبها تكون عن نذره ولو لم ينو الثاني عن النذر؛ لأن الحج يعفي فيه عن التعيين ابتداء لانعقاده بهما ثم يعين والعمرة في ذلك كالحج.
س191: إذا جعل شخص قارن الحج عن شخص والعمرة عن آخر، فما الحكم؟ وهل للقادر أن يُنوّب في الحج؟ وتكلم بوضوح عما يعطاه النائب؟ وهل يضمن النائب ما زاد على نفقة المعروف؟ وهل يحسب له شيء من النفقة؟ وعلى مَن يرجعُ بما استدانَه؟ ومن أين يكون ما لزمَ نائبًا بمخالفته؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: يصح أن يجعل قارن أحرم بحج وعمرة الحج عن شخص استنابه في الحج وأن يجعل العمرة عن شخص آخر استنابه فيها بإذن الشخصين؛ لأن القرآن نسك مشروع؛ فإن ثم يأذنا وقع الحج والعمرة للنائب ورد لهما ما أخذه منهما. وقدم في «المغني» و«الشرح الكبير» يقع عنهما ويردّ من نفقة كل نصفها؛ فإن أذن أحدهما ردّ على غير الآن نصف نفقته، ويصح أن يستنيب قادر وغيره في نفل حج، وفي بعضه، والنائب في فعل نسك أمين فيما أعطيه من مال ليحج منه ويعتمر فيركب وينفق منه بمعروف، ويضمن نائب ما زاد على نفقة المعروف وما زاد على نفقة طريق أقرب من الطريق البعيد إذا سلكه بلا ضرر في سلوك الأقرب إذا سلكه، ويجب عليه أن يردَّ ما فضل عن نفقته بالمعروف؛ لأنه لم يملكه له المستنيب؛ وإنما أباح له النفقة منه، ويحسب للنائب نفقة رجوعه بعد أداء النسك ويحسب له نفقة خادمه إن لم يخدم نفسه مثلُه، ويرجع نائب بما استدانه لعذر على مستنيبه ويرجع بما أنفق عن نفسه بنية رجوع، وما لزم نائبًا بمخالفته فمنه؛ لأنه جنايته.
س192: مَن هو مَحرمُ المرأة الذي يشترط لوجوب الحج عليها وُجُودُه ومن هي المرأة المعتبر لها محرم؟ وعلى من تجب نفقته؟ وإن أيَستِ المرأة مِن المحرم فماذا تعمل؟ وإذا حَجتْ بُدوْن محرم، فما الحكم؟ وإذا مات محْرمٌ سافرتْ مَعَه فماذا تعمل؟ واذكر ما تستحضره من دليل.
ج: تزيد المرأة على الرجل شرطًا سادسًا وهو أن تجد زوجًا أو ذكرًا مسلمًا مكلفًا ولو عبدًا تحرم عليه أبدًا لحرمتها بسبب مباح أو بنسب ونفقته عليها، فيشترط لها ملك زاد وراحلة بآلتهما لهما أي للمرأة ومحرمها وأن تكون الراحلة وآلتها صالحين لهما ولا يلزم المحرم مع بذلها الزاد والراحلة سَفْرٌ معها، وتكون إن امتنع كمن لا محرم لها فلا وجوب عليها، والعبد ليس محرمًا لسيدته من حيث كونها مالكة له؛ لحديث ابن عمر عن النبي  قال: «سفر المرأة مع عبدها ضيعة»؛ ولأنه غير مأمون عليها ولا تحرم عليه أبدًا ومن أيست من المحرم استنابت مَن يفعل النسك عنها ككبير عاجز، وإن حجت امرأة بدون المحرم حرم وأجزأ، وإن مات محرم سافرت معه بالطريق مضت في حجها ولم تصر محصرة.
ومما يتعلق بكتاب الحج والعمرة من النظم ومن مختصره
ومن كان حرًا بالغًا وهو عاقل
فأوجب عليه الحج في العمر مرة
ومن كافرًا وعادم العقل ألغيَنْ
وليس بمجز مع بلوغ وعتقهم
لعمرتهم لكن إذا ما تكاملوا
وبشرط طول الاستطاعة قدرة
ويلزمه بيع الذي عنه غنية
سوى كل مضطر إليه كمسكن
ولُبْسٌ ومركوب ولم لتجمُّل
وكلفته مَعَ من يَمُون على المدى
وليس على ذي صنعة وإطاقه
وميؤس بره والكبير تطيْحُه الرّحالُ
ولو نابت الأنثى من البقعة التى
وشرط وجوب الحج لا لأدائه
كزوج ومَن حرمتها منه دائمًا
ومن مات فاعلم صاح بعد وجوبه
ومن كان لم يحج فحج لغيره
ومَن يَستنب عمرًا لِنَذْرِ وخالدًا
براحلة مزمومة وتزود
وعمرة إسلام بفوز أوكد
وصحح لِصِبْيَانٍ يَحُجُّوا وَأْعبُدِ
بُعَيْدَ وقوف والطواف المحدد
بموقف أو قبل الطواف كفاقدِ
لتحصيل مركوب وزاد معوَّد
إذا كان يكفي مثله في التزود
وغرس وخدام ودين بذا ابتدى
كأمثالهِ مع كتب علم لمقْصَد
بِرَيْع مَغَلٍ أو بربح معدد
يمشي مسير بل يسن له قَد
لِيُحْجج عنهما وليزوّدِ
بها وجبا يجزي ومع برء مُقْعَدِ
مسير بأنثى محرم في المؤكَّدِ
بوصلته بل مستطاب فقيدِ
فمن ماله خذ واجب الحج تهتدِ
له الحج وليردد غرامة مِرْفِد
لِفَرْضٍ فللِفَرضِ أجعَل إحرَام مُبتدي
س193: ما الذي يشرع لمن أراد الحج والعمرة؟ وضِّحه مع ذكر الدليل.
ج: من أراد الحج فليبادر وليجتهد في الخروج من المظالم بردها لأربابها كما ورد عن أبي هريرة عن النبي  قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» رواه البخاري.
وفي الحديث الآخر المتفق عليه، قال : «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقّونَ ربكم فيسألكم عن أعمالكم» الحديث، وليجتهد أيضًا في رد العواري وأداء الديون التي للآدميين والتي لله كالزكاة والكفارة ويستحل مَن لا يستطيع الخروج من عهدته ويبادر بالتوبة من جميع الذنوب، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً، وقال: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وليحرص كل الحرص على تحصيل نفقة طيبة من حلال؛ لما ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المسلمين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ»، ثم ذكر: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدَّ يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذيِّ بالحرام، فأنى يستجاب لذلك!» رواه مسلم.
وروى الطبراني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «إذا خرج الرجل حاجًا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز، فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مؤزور؛ وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام ونفقتك حرام وحجك غير مبرور».
ويجتهد في رفيق يكون عونًا له على نصَبَه وأداء نسكه يهديه إذا ضلّ ويذكره إذا نسى، وإن تيسر أن يكون الرفيق عالمًا فليستمسك بغرزه لعل الله أن يجعله سببًا لرشده.
وينبغي إن كان طالب علم أن يأخذ معه من كتب الفقه والحديث ما يتعلق بكتاب الحج والعمرة وليرجع له ولغيره عند الإشكال ولصيانة الوقت وازدياد العلم.
قال الناظم:
وخير جليس المرء كتبٌ تفيده
وخالط إذا خالطت كل موفق
يُفيدكَ مِن علم ويَنهاك عن هوى
علومًا وآدابًا كعَقْلِ مُؤَيَّدٍ
من العلما أهل التقى والتَعَبُّدِ
فصَاحِبه تهدى من هداه وترشد
وليحذر كل الحذر من صحبة الجهال والسفهاء والكذابين والنمامين؛ فإن هؤلاء وأشباههم لا يسلم المخالط لهم والمصاحب غالبًا من الإثم وينبغي له أن يتخلق بالأخلاق الجميلة كالسخاء وبساطة النفس وقضاء حوائج رفقته وإعانتهم بالماء والجاه والبدن، ويجب على الحاج أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الآخرة والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : «يأتي على الناس زمان يحج أغنياء أمتي نزهة وأوساطهم للتجارة وفقراؤهم للرياء والسمعة، وفقراؤهم للمسألة» أخرجه أبو الفرج في مثير الغرام مُسْنَدًا، وليحذر أن يقصد بعمله الدنيا وحطامها أو الرياء أو السمعة أو المفاخرة بذلك؛ فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله.
وينبغي أن يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته ليكون من حجه على بصيرة ويصلي ركعتين بمنزله، ويقول بعدهما: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد.
قال الشيخ: يدعو قبل السلام أفضل ويخرج يوم الخميس مبكرًا.
عن كعب بن مالك  أن النبي  خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس، متفق عليه.
وفي رواية «الصحيحين» لقلما كان رسول الله  يخرج إلا في يوم الخميس.
وعن صخر بن ودَاعة الغامدي الصحابي  أن رسول الله  قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»، وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار، وكان صخر تاجرًا، وكان يبعث تجارته أول النهار فأثرى وكثر ماله، رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.
فإذا ركب دابته أو سيارته أو طيارته أو مركبته أو السفينة أو غيرها من المركوبات استحب له أن يسم الله سبحانه وبحمده، ثم يكبر ثلاثًا، ويقول: سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل، لِصحَّةِ ذلك عن النبي . أخرجه مسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما ـ. ويكثر في سفره من الذكر والاستغفار، ودعاء الله سبحانه والتضرع إليه، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه، ويحافظ على الصلوات في الجماعة، ويجتهد في إقامتها على الوجه الأكمل.
ويحفظ لسانه من القيل والقال والكذب والغيبة والخوض فيما لا يعنيه والإفراط في المزح، ويقول إذا نزل منزلاً ما ورد عن خولة بنت حكيم - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله  يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزلك ذلك» رواه مسلم.
25- باب المواقيت
س194: ما هي المواقيت؟ وإلى كم تنقسم؟ وضّحها مع ذكر الدليل.
ج: الميقات لغةً: الحد، وشرعًا: مواضع وأزمنة معينة لعبادة مخصوصة، وتنقسم إلى قسمين: زمانية، وهي: أشهر الحج والعام كله للعمرة، ومكانية، وهي: ذو الحليفة والجحفة، ويلملم، وقرن، وذات عرق؛ لما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي  وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة. متفق عليه.
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي  وقت لأهل العراق ذات عرق، رواه أبو داود والنسائي.
س195: تكلَّم عن المسافة بين المواقيت ومكة؟ ومن أين يحرم من له منزلان؟ ومن أين يحرم مَن لم يمر بميقات؟ ومَن تساوَيَا الميقاتان منه؟ ومن أين يحرم من لم يحاذ ميقاتًا؟ وإذا أحرم من بمكة بحج من الحل، فما الحكم؟ ومن أين يحرم من بمكة للعمرة؟ واذكر دليل الحكم.
ج: الحليفة بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة وهي أبعد المواقيت من مكة، بينها وبين مكة عشر مرَاحل، الجحفة قرب رابغ بينها وبين مكة ثلاث مراحل، ويلملم بينه وبين مكة ليلتان،وقرن بيْنَهُ وبين مكة يوم وليلة، وذات عرق بينه وبين مكة نحو مرحلتين، وهذه المواقيت لأهلها المذكورين ولمن مرّ عليها من غير أهلها كشامي ومصري مرّ بذي الحليفة فيحرم منها؛ لأنها صارت ميقاته ومدني يَسْلكُ طريق الجحفة فيحرم منها وجوبًا للحديث، والأفضل للمارّ إحرامٌ من أول ميقات وهو طرفه الأبعد من مكة احتياطًا وإن أحرم من الطرف الأقرب من مكة جاز، ومَن منزله دونها فميقاته منزله ومَن له منزلان جاز أن يحرم من أقرب لمكة ويحرم مَن كان مقيمًا بمكة لحج منها، ويصح أن يحرم من بمكة بحج من الحل ولا دم عليه كما لو خرج إلى الميقات الشرعي وكالعمرة ويحرم من بمكة لعمرة من الحل؛ لأمره  عبدالرحمن بن أبي بكر: أن يعمر عائشة من التنعيم. متفق عليه.
ولأن أفعال العمرة كلها في الحرم فلم يكن بد من الحل ليجمع في إحرامه بينها بخلاف الحج؛ فإنه يخرج إلى عرفة فيحصل له الجمع ويصبح إحرام لعمرة من مكة وعليه دم لتركه واجبًا وتجزئه عمرة أحرم بها من مكة عن عمرة الإسلام؛ لأن الإحرام من الحل ليس شرطًا لصحتها، وكالحج ومن لم يمر بميقات أحرم إذا عَلم أنه حاذى أقربها منه وسن له أن يحتاط؛ فإن تساويا قُربًا منه؛ فإنه يحرم من أبعدهما من مكة؛ فإن لم يحاذ ميقاتًا أحرم من مكة لنسك فرضه بقدر مرحلتين من جدة فيحرم في المثال من جدة؛ لأنها على مرحلتين من مكة؛ لأنه أقل المواقيت.
س196: مَن الذي لا يحل له تجاوز الميقات بلا إحرام؟ ومَن الذي يجوز له تجاوزه بلا إحرام؟ وما الذي يلزم مَن تجاوزه بلا إحرام؟ وبَيِّن الحكم فيما إذا تجاوزها غير قاصد مكة ثم بدا له قصدُها؟ وما هي الساعة التي أبيح للنبي  ومَن معه دخول مكة مُحلين فيها؟
ج: ولا يحل لمكلف حر مسلم أراد مكة أو الحرم أو نسكًا تجاوز ميقات بلا إحرام إلا لقتال مباح أو خوف أو حاجة تتكرر كحطّاب وناقل ميرة وحشاش فلهم الدخول بلا إحرام؛ لما روى حرب عن ابن عباس لا يدخل إنسان مكة إلا محرمًا إلا الحمالين والحطابين وأصحاب منافعها احتج به أحمد.
وَمَكّيٌ يتردد إلى قريته بالحل إذ لو وجب عليه لأدى إلى الضرورة، والمشقة وهو منتف شرعًا وكتحية المسجد في حق قيمه للمشقة، ثم إن بدا لمن لم يلزمه الإحرام من أولئك أن يحرم، أو بَدَا لمن لم يرد الحرم أن يحرم أو لزم الإحرام مَن تجاوز الميقات كافرًا أو غير مُكلف أو رفيقًا بأن أسلم كافر وكلف غير مكلف وعتق رقيق أو تجاوز المواقيت غيرَ قاصد مكة ثم بدا له قصدها فمن موضعه يُحْرِم؛ لأنه حصل دون الميقات على وجه مباح فأشبه أهل ذلك المكان ولا دم عليه؛ لأنه لم يجاوز الميقات حال وجوب الإحرام عليه بغير إحرام، وإن كان المتجاوز للميقات رقيقًا أو كافرًا أو غير مكلف فلا دم عليه؛ لأنه ليس من أهل فرض الحج.
قال الشيخ: إنما يجب الإحرام على الداخل إذا كان من أهل وجوب الحج؛ وأم العبد والصبي والمجنون، فيجوز لهم الدخول بغير إحرام؛ لأنه إذا لم تجب عليهم حجة الإسلام وعمرته؛ فلأن لا يجب عليهم الإحرام بطريق الأولى.
وأبيح للنبي  وأصحابه الذين معه دخول مكة ساعة من يوم الفتح وهي من طلوع الشمس إلى صلاة العصر لاقطع شجر؛ لأن النبي  قام الغد من يوم فتح مكة فحمد الله، وأثنى عليه، فقال: «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا ولا يعضد بها شجرة؛ فإن أحد ترخص بقتال رسول الله ، فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أحِلَّت لي ساعة من النهار وقد عادت حرمتها كحرمتها فليبلغ الشاهد الغائب منكم».
س197: تكلم بوضوح عمَّن جاوز الميقات بلا إحرام يريد نسكًا فرضًا أو نفلاً وكان النسك فرضه؟ وما حكم الإحرام قبل ميقات؟ وبالحج قبل أشهره؟ وما هي أشهر الحج؟ وهل ينعقد إحرام بحج في غير أشهره؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل.
ج: ومن جاوزه يريد نسكًا فرضًا أو نفلاً، وكان النسك فرضه ولو جاهلاً أنه الميقات أو حكمه أو ناسيًا لزمه أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه حيث أمكن كسائر الواجبات إن لم يخف فوت حج أو غيره كعلى نفسه أو ماله لصًا أو غيره، ويلزمه إن أحرم من موضعه دم؛ لما روى ابن عباس مرفوعًا: «من ترك نسكًا فعليه دم، وقد ترك واجبًا» وسواء كان لعذر أو غيره ولا يسقط الدم إن أفسده أو رجع إلى الميقات بعد إحرامه، وكره إحرام بحج أو عمرة قبل ميقات وينعقد؛ لما روى سعيد عن الحسن أن عمران بن حصين أحرم من مصره، فبلغ ذلك عمر فغضب، وقال: يتسامع الناس أن رجلاً من أصحاب رسول الله  أحرم من مصره.
وقال البخاري: كَرِهَ عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان.
ولحديث أبي يعلى الموصلي عن أبي أيوب مرفوعًا: يستمتع أحدكم بحله ما استطاع؛ فإنه لا يدري ما يعرض له في إحرامه، وكره إحرام بحج قبل أشهره.
وقال في «الشرح الكبير» بغير خلاف علمناه، وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة منها يوم النحر وهو يوم الحج الأكبر.
ولحديث ابن عمر مرفوعًا يوم النحر الأكبر، قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ أي في أكثرهن؛ وإنما فات الحج بفوات يوم النحر لفوات الوقوف لا الخروج وقت الحج.
ثم الجمع يقع على إثنين وبعض آخر، والعرب تُغَلِّبُ التأنيث في العدد خاصة لسبق الليالي فتقول: سِرْنا عشرًا، وينعقد إحرام بحج في غير أشهره؛ لقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وكلها مواقيت للناس، فكذا الحج كالميقات المكاني، وقوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ أي معظمه في أشهره، كقوله : «الحج عرفة».
من مختصر النظم مما يتعلق بالمواقيت
وإحرام حج من مواقيت خمسة
وللشام والمصري والغرب جحفة
وخذ ذات عرق للعراق ووفده
وتعْينُهَا مِن معجزات نبينا
وإن تَعْدِمَ الميقَاتَ حَاذِ مُقارِبًا
ومِن دُونهِ إحرامُ مَنْ كانَ دُونَها
لحج ولكن أرادوا اعتمارهم
وللحج شوال وذا القعدة اتخذ
لطيبة وقِّتْ ذا الخليفة واقصد
ولليمن التَّالي يلملم فارصد
وقرنا لِوَفد طائفي ومنجد
لتعيْينه مِن قبل فتح المعَدَّدِ
وإن تُحْرِمَنْ مِن دُوْنهِ بدمِ جُدِ
ومَكَّةُ ميقات لِثَاو ورُوّد
مِن الحلِّ مُرْهْم يَحرموا بتأكُّد
وبالعشر من ذي الحجة اختم وشيِّد
26- باب الإحرام
س198: تكلم بوضوح عن معنى الإحرام؟ وما المسنون لمريده؟
ج: الإحرام لغة: الدخول في التحريم؛ لأنه يحرّم على نفسه بنيته ما كان مُباحًا له قبل الإحرام من النكاح والطيب والحلق ونحو ذلك، وشرعًا: نية الدخول في النسك، ويسن لمريده غسل أو تيَمُّمٌ لِعَدَم ولا يضر حدثه بين غسل وإحرام، وسن له تنظف بأخذِ شعره وظفره وقطع رائحة كريهة، وسن له تطيب في بدنه وكره في ثوبه، وسن لمريده لبس إزار ورداء أبْيَضَين نظيفين ونعلين بعد تجرد ذكر من مخيط، وسن إحرام عقب ركعتين فرض أو ركعتين نفلاً؛ لأنه  أهل في دبر صلاة، رواه النسائي، وقال في «الاختيارات الفقهية»: ويحرم عقب فرض إن كان أو نفل؛ لأنه ليس للإحرام صلاة تخصه. انتهى.
س199: ما هي الأدلة الدالة على المسنونات المتقدمة؟
ج: أما الغسل: فهو ما ورد عن زيد بن ثابت أن النبي  اغتسل لإحرامه. أخرجه الترمذي.
وعن ابن عمر: أنه كان يخرج وعليه ثيابه جامعها عليه، وعليه برنسه حتى إذا أتى ذا الحليفة تجرد واغتسل، أخرجه سعيد بن منصور؛ وإن كانت امرأة حائضًا أو نفساء اغتسلت للإحرام؛ لأن النبي  أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تَغْتَسِلَ، وأمر عائشة أن تغتسل لإهلال الحج وهي حائض؛ ولأنه غسل يُراد للنسك فاستوى فيه الحائض والطاهر ومن لم يجد الماء يتيمم؛ لأنه غسل مشروع فانتفل منه إلى التيمم عند عدم الماء أو العجز عن استعماله لنحو مرض لعموم: «فلم تجدوا ماء فتيمموا».
وأما الأخذ من الشعر والظفر عند الإحرام، فلما ورد عن إبراهيم قال: كانوا يستحبون إذا أرادوا أن يحرموا أن يأخذوا من أظفارهم وشواربهم وأن يستحدوا، ثم يلبسوا أحْسن ثيابهم، أخرجه سعيد بن منصور.
وعن محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب أنه أراد الحج وكان من أكثر الناس شعرًا، فقال له عُمر: خذ من رأسك قبل أن تحرِمَ.
وعن القاسم وسالم وطاوس وعطاء وسُئلوا عن الرجل يريد أن يهلّ بالحج أيأخذ من شعره قبل أن يحرم، قالوا: نعم. أخرجهما سعيد بن منصور.
وأما الطيب للإحرام، فلما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: طيبت رسول الله  بيدي بذريرة في حَجَّةِ الوداع للحل والإحرام.
وعنها، قالت: طيبت رسول الله  لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يفيض بأطيب ما وجدت.
وعنها، قالت: طيبت رسول الله  عند حرمه بأطيب الطيب. أخرجهن الشيخان.
وعنها، كنت أطيب رسول الله  بأطيب ما كنت أجد حتى أرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته قبل أن يحرم. أخرجه النسائي.
وأما لبس الإزار والرداء الأبيضين النظيفين والنعلين، فلما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي  قال: «من خير ثيابكم البياض فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم» أخرجه البيهقي.
ولحديث: «وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين» رواه أحمد.
قال ابن المنذر: ثبت ذلك عن رسول الله ، وثبت أيضًا: أن رسول لله  قال: «إذا لم يجد إزارًا فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين» - وأما أن يكون لبسه ذلك بعد تجرد ذكر عن مخيط فلأنه  تجرد لإهله. رواه الترمذي.
وفي «مجموع فتاوى شيخ الإسلام» (109): وإن احتاج إلى التنظيف كتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ونحو ذلك فعل ذلك وهذا ليس من خصائص الإحرام، وكذلك لم يكن له ذكر فيما نقله الصحابة لكنه مشروع بحسب الحاجة، وهكذا يشرع لمصلِّ الجمعة والعيد على هذا الوجه. انتهى.
س200: ماذا يعمل بعد الإتيان بما سبق؟ وتكلم عن الاشتراط للمحرم. وهل ينعقد الإحرام حال الجماع؟ اذكر الخلاف والترجيح.
ج: ثم بعد الفراغ من الغسل والتنظيف والتطيِّب ولبس ثياب الإحرام، ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة؛ لقول النبي : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» ويشرع له التلفظ بما نوى؛ فإن كان نيته العمرة، قال: لبيك عمرة، وإن كان حجًا، قال: لبيك حجًا، أو قال: اللهم لبيك حجًا؛ لأن النبي  فعل ذلك ولا يشرع له التلفظ بما نوى إلا بالإحرام خاصة لوروده عن النبي .
فروى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا مع رسول الله ، فقال: «من أراد أن يُهلّ بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يُهلَّ بحج فليفعل، ومن أراد أن يُهلَّ بعمرة فليفعل»، قالت: وأهلّ رسول الله  بعمرة وكنت فيمن أهلّ بعمرة، وَسُنّ أن يشترط في الإحرام، فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني، وإن حبسني جالس فمحلي حيث حبستني، ويُفيد هذا الشرط شيئين: أحدهما: أنه إذا عافه عدو أو مرض أو ذهاب نفقة ونحوه أن له التحلل.
والثاني: أنه متى حل بذلك فلا شيء عليه؛ لما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن ضياعة بنت الزبير، قالت: يا رسول الله، إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج، فكيف تأمرني أهلَّ؟ فقال: «أهلِّي واشترطي أن محل حيث حبستني» قال: فأدركت. رواه البخاري والنسائي.
في رواية: فإن لك على ربك ما استثنيت – وممن يرى الاشتراط في الإحرام: عمر وعلي وابن مسعود وعمار  - ، وبه قال عبيدة السلماني وعلقمة والأسوط وشريح وسعيد بن المسيب وعطاء وعكرمة والشافعي بالعراق، وأنكره ابن عمر وطاووس وسعيد بن جبير والزهري ومالك وأبو حنيفة.
وعن أبي حنيفة أن الاشتراط يفيد سقوط الدم؛ فأما التحلل فهو ثابت عنده بكل إحضار واحتجوا بأن ابن عمر كان ينكر الاشتراط، ويقول: حسبكم سُّنة نبيكم ؛ ولأنها عبادة تجب بأصل الشرع فلم يفد الاشتراط فيها كالصلاة.
قال في «الاختيارات الفقهية»: ويستحب للمحرم الاشتراط إن كان خائفًا، وإلا فلا جمعًا بين الأخبار وما اختاره الشيخ تقي الدين هو الذي تميل النفس إلى العمل به. والله أعلم.
وينعقد إحرامٌ حالَ جماع ويَبطل إحرامٌ بردةِ ويخرج محرم منه بردةٍ فيه؛ لعموم قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:09 am

س201: اذكر ما تستحضره مما يبطل به الإحرام وما لا يبطل به؟ وما هي الأنساك الثلاثة؟ وما أفضلها؟ وما صيغة كل واحد منها؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟ وتعرض للخلاف مع الترجيح.
ج: تقدم أن الإحرام يبطل بالردة قبل هذا السؤال، ولا يبطل ولا يخرج منه بجنون وإغماء وسكر كموت، ولا ينعقد مع وجود أحدها والأنساك الثلاثة هي: التمتع والقران والإفراد، ويخير مريد الإحرام بين الثلاثة وأفضلها التمتع نصًا، قال: لأنه آخر ما أمر به ، ففي «الصحيحين» أنه –عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة إلا من ساق هَدْيًا وثبتَ على إحرامه لسوقه الهدي، وتأسف بقوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللتُ معكم» ولا يَنْقُل أصحابَه إلا إلى الأفضل ولا يتأسف إلا عليه وَمَا أجِيبَ به عنه مِن أنه لاعتقادهم عدم جواز العمرة في أشهر الحج مرود بأنهم لم يعتقدوه.
ثم لو كان كذلك لم يخص به من لم يسق الهدي؛ لأنهم سواء في الاعتقاد ثم لو كان كذلك لم يتأسف هو؛ لأنه يعتقد جواز العمرة في أشهر الحج وجعل العلة فيه سوق الهدي.
ولما في التمتع من اليسر والسهولة مع كمال أفعال التسكين –وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها، ثم به في عَامه، ثم يليه في الأفضلية الإفراد؛ لأن فيه كمال التسكين –وصفة الإفراد أن يحرم ابتداء بحج، ثم يحرم بعمرة بعد فراغه.
ثم يليه في الأفضلية القران وصفته أن يحرم بهما جميعًا أو بها ثم يدخله عليها قبل الشروع في طوافها.
وممن روى عنه اختيار التمتع ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعائشة والحسن وعطاء وطاووس ومجاهد وجابر بن زيد وسالم والقاسم وعكرمة وأحد قولي الشافعي.
وروى المروذي عن أحمد أن ساق لهَديَ فالقران أفضل؛ لما روى أنس
 أن النبي  جمع بين الحج والعمرة. وفي رواية: كان قارنًا.
وعن أنس  قال: سمعت رسول الله  يهلّ بالحج والعمرة جميعًا. أخرجاه.
وعنه سمعت رسول الله  يهلّ بهما جميعًا: «لبيك عمرة وحجًّا لبيك عمرة وحجًّا» أخرجه مسلم.
قال في «الاختيارات الفقهية» (117): والقران أفضل من التمتع إن ساق هديًا وهو إحدى الروايتين عن أحمد. انتهى.
وذهب الثوري وأصحاب الرأي إلى اختيار القران؛ لما تقدم من حديث أنس وحديث الضبي بن معبد حين أحرم بهما، فأتى عمر فسأله، فقال: هديت لسُّنة نبيك .
وروي عن مروان بن الحكم، قال: كنت جالسًا عند عثمان بن عفان، فسمع عليًا يلبي بعُمرة وحج، فأرسل إليه، فقال: ألم نكُنْ نهينا عن هذا، قال: بلى؛ ولكن سمعتُ رسول الله  يلبي بهما جميعًا، فلم أكن أدع قول رسول الله  لقولك. رواه سعيد.
ولأن القران مبادر إلى فعل العبادة وإحرام بالنسكين من الميقات، وفيه زيادة نسك هو الدم فكان أولى، وذهب مالك وأبو ثور إلى اختيار الإفراد، وهو ظاهر مذهب الشافعي، وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وجابر وعائشة ؛ لما روت عائشة وجابر أن رسول الله  أفرد الحج. متفق عيهما.
وعن ابن عمر وابن عباس مثل ذلك. متفق عليه.
ولأنه يأتي بالحج تامًا من غير احتياج إلى جبر فكان أولى، والذي يترجح القول الأول أن الأفضل التمتع فالإفراد والقران. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س202: ما هي شروط وجوب دم التمتع؟ ومتى يلزم الدم؟ وهل يعتبر لوجوب دم تمتع أو قران وقوعهما عن شخص واحد؟ وهل شروط وجوب دم التمتع معتبرة في كونه متمتعًا؟
ج: الأول: يشترط في دم التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج. والثاني: أن يحج من عامه، فلو اعتمر في أشهر الحج، وحج من عام آخر فليس بمتمتع للآية؛ لأنها تقتضي الموالاة بينهما؛ ولأنهم إذا أجمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع فهذا أولى؛ لأنه أكثر تباعدًا. والثالث: أن لا يسافر بينهما مسافة قصر؛ فإن سافر بينهما فأحرم بحج فلا دم عليه لما روي عن ابن عمر وإذا اعتمر في شهر الحج، ثم أقام فهو متمتع؛ فإن خرج ورجع فليس بمتمتع.
وعن ابن عمر نحوه؛ ولأنه إذا رجع إلى الميقات أو دونه لزمه الإحرام منه، فإذا كان بعيدًا فقد أنشأ سفرًا بعيدًا لحجه فلم يترفه بترك أحد السفرين فلم يلزم دم.
والرابع: أن يحل منها قبل إحرامه بالحج إلا صار قارنًا فيلزمه دم القران وليس بمتمتع. والخامس: أن يحرم بها من ميقات أو مسافة قصر فأكثر من مكة. والسادس: أن يَنْويَ التمتع في ابتداء العمرة أو في أثنائها لظاهر الآية وحصول الترفّه، ولا يعتبر لوجوب دم تمتع أو قران وقوعهما عن شخص واحد، فلو اعتمر عن واحد وحج عن آخر لوجب الدم بشرطه ولا تعتبر هذه الشروط في كونه متمتعًا ويلزم دم تمتع وقران بطلوع فجر يوم النحر؛ لقوله تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ أي فليهد.
س203: ماذا يلزم من يلي: إذا قضى القارن قارنًا؟ إذا قضى القارن مفردًا؟ إذا قضى القارن متمتعًا؟ ومتى يُسن للقارن والمفرد فسخ نيتهما بحج؟ إذا ساق الهدي متمتع فهل له أن يحلّ؟
ج: إذا قضى القارن قارنًا لزمه دمان: دم لقرانه الأول، ودم لقرانه الثاني، وإن قضى القارن مفردًا لم يلزمه شيء؛ لأنه أفضل، ويحرم من الأبعد بعمرة إذا فرغ من حجه، إذا قضى القارن متمتعًا أحرم بالحج من الأبعد إذا فرغ منها، وسُنَّ لمفرد وقارن فسخ نيَّتهما بحج؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- أمَرَ أصحابه الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة إلا من كان معه هدي. متفق عليه.
وقال سلمة بن شبيب لأحمد: كل شيء منك حسن جميل إلَّا خلة واحدة، فقال: وما هي؟, قال: تقول: بفسخ الحج، قال: كنت أرى أن لك عقلاً عندي ثمانية عشر حديثًا صحاحًا جيادًا كلها في فسخ الحج، أأتركها لقولك؟
وليس الفسخ إبطالاً للإحرام من أصله، بل نقله بالحج إلى العمرة، وينويان المفرد والقارن بإحرامهما ذلك عمرة مفردة، فمن كان منهما قد طاف وسعى قَصَّرَ وحَلّض م إحرامه، وإن كان لم يكن طاف وسعى؛ فإنه يطوف ويسعى ويقصر ويحل، فإذا حَلّا من العمرة أحرما الحج ليصيرا متمتعين ويتمَّان أفعال الحج ما يسوقا هديًا؛ فإن ساقاه لم يصح الفسخ للخبر.
نقل أبو طالب: الهدي يمنعه من التحلل من جميع الأشياء، وفي العشر وغيره أو يقفَا بعرفة؛ فإن وقفا بها لم يكن لهما فسخه لعدم ورود ما يدل على إباحته ولا يستفاد به فضيلة التمتع، وإن ساق الهدي متمتع لم يكن له أن يحلّ من عُمْرَته فيحرم بحج إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحليل بحلق، فإذا ذبحه يوم النحر حل منهما معًا.
س204: ماذا تعمل المتمتعة إذا حاضت فخشيت فوات الحج أو خشي غيرها فوات الحج؟ وهل يصح إحرامُ مَنْ أحرَمَ ولم يُعَيّن نسكًا أو أحرم بمثل ما أحرم به فلان؟ وبَيّن حكم مَا إذا عَلَم ما أحرم به فلان؟ وإذا جهل وإذا تبين أنه أطلق؟ وإذا شك في إحرامه ودليل الحكم؟
ج: إذا حاضت المرأة المتمتعة قبل طواف العمرة، فخشيت فوات الحج أحرمت به وجوبًا وصارت قارنة؛ لما روى مسلم أن عائشة كانت متمتعة فحاضت، فقال لها النبي : «أهلي بالحج»، وكذا لو خشي غيرها ومن أحرم وأطلق فلم يعين نسكًا صح إحرامه لِتَأكُّدِهِ وكَوْنِهِ لا يخرج منه بمحظوراته وصرف الإحرام لما شاء مِنَ الأنساك وما عمل قبل صرفه لأحدها فهو لغو لا يعتد به لعدم التعيين، وإن أحرم بما أحرم به فلان أو أحرم بمثل ما أحرم به فلان وعَلِمَ ما احرم به فلان قبل إحرامه أو بَعْدَ انْعَقَدَ إحرامه بمثله؛ لحديث جابر: أن عليًا قدم من اليمن، فقال النبي : بم أهللت؟ فقال: بما أهلّ به النبي ، قال: فأهدَى وأمكث حَرامًا، وعن أبي موسى نحوه متفق عليهما، وإذا تبين إطلاقه أي إحرام فلان بأن كان أحرم وأطلق، فالثاني الذي أحرم بمثله صرفه إلى ما شاء من الأنساك ولا يتعين صرفه إلى ما يصرفه إليه الأول، وإن جهل إحرامه فله جعله عمرة لفسخ الإفراد والقران إليها، ولو شك الذي أحرم ما أحرم به فلان أو بمثله هل أحرم الأول فكما لو لم يحرم الأول؛ لأن الأصل عدمه فينعقد إحرامه مطلقًا فيصرفه لما شاء، ولا يصح إن أحرم زيد فأنا محرم لعدم جزمه بتعليقه إحرامه.
س205: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا أحرم بحجتين، أو بعمرتين؟ مَن أحرم بنسك أو نذر ونَسِيهُ؟ إذا أحرم عن إثنين أو أحدهما لا يعيِّنه؟ مَن أهلّ لعامين؟ مَن أخذ من اثنين حجتين ليحج عنهما في عامه؟ مَن استنابه إثنان بعام في نسك فأحرم عن أحدهما لا بعينه؟ وإذا فرّط موصى إليه فما الحكم؟
ج: مَن أحرم بحجتين أو أحرم بعمرتين انعقد بأحدهما؛ لأن الزمن لا يصلح لهما مجتمعين فيصح بواحدة منهما كتفريق الصفقة، ومن أحرم بنسك تمتع أن إفراد أو قران ونسيه أو أحرم بنذر ونسيه قبل طواف صرفه إلى عمرة استحبابًا؛ لأنها اليقين – ويجوز صرف إحرامه إلى غير العمرة لعدم تحقق المانع؛ فإن صرفه إلى قران أو إلى إفراد يصح حجًا فقط لاحتمال أن يكون المنسي حجًا فلا يصح إدخال عمرة عليه فلا تسقط ولا دم عليه؛ لأنه ليس بمتمتع ولا قارن، وإن صرفه إلى تمتع فكفسخ حج إلى عمرة، فيصح إن لم يقف بعرفة ولم يسق هديًا؛ لأنه قصاراه أن يكون أحرم قارنًا أو مفردًا، وفسخهما صحيح؛ لما تقدم ويلزمه دم متعة بشروطه، ويجزيه عنهما وإن نسي ما أحرم به أو نذره بعد الطواف ولا هدي معه يتعين صرفه إلى العمرة لامتناع إدخال الحج عليها إذًا لمن لا هدي معه؛ فإن حلق بعد سعيه مع بقاء وقت الوقوف بعرفة يحرم بحج ويتم الحج وعليه للحلق دم.
إن تبين أنه كان حاجًا مفردًا أو قارنًا لحلقه قبل محله وإلا يتبين أنه كان حاجًا فَعَليه دم متعة بشروطه.
وإن أحرم عن إثنين استناباه في حج أو عمرة أو أحرم عن أحدهما لا بعينه وقع إحرامه ونسكه عن نفسه دونهما لعدم إمكان وقوعه عنهما، ولا مُرَجَّحَ لأحدِهِما.
ومَن أهلّ لعامين بأن قال: لبيك العام وعام قابل، حج من عامه واعتمر من قابل، ومن أخذ من إثنين حجتين ليحج عنهما في عام واحد أدِّب على فعله ذلك.
ومن استنابه إثنان بعام في نسك فأحرم عن أحدهما بعينه ولم ينسه صَحَّ إحرامهُ عنه لعدم المانع ولم يَصِحَّ إحرامه للآخر بعده، وإن نسي المعَيّن بالإحرام من مستنيبيه وتعذر علمه؛ فإن فرّط نائب كان أمكنه كتابة إسمه أو ما يتميز به فلم يفعل أعاد الحج عنهما لتفريطه، ولا يكون الحج لأحدهما بعينه لعَدَمِ أولويِتهِ.
وإن فرّط موصىً إليه فلم يسمه للنائب غَرِمَ موصى إليه نفقة إعادة الحج عنهما، وإلا يفرط نائب ولا موصىً إليه فالغرم لذلك من تركه مُوْصِيَيْهِ بالحج عنهما؛ لأن الحج عنهما فنفقته عليهما ولا موجب لضمانه عنهما.
27- فصل في التلبية
س206: ما هي التلبية؟ وما حكمها؟ وضِّح ذلك مع ذكر الدليل لما تقول؟
ج: قال الفراء: معنى لبيك: أنا مقيم على طاعتك، ونُصِب على المصدر من ألبّ بالمكان إذا أقام به.
ويقال: كان حقه أن يقال لبًا لك فثنّى على التأكيد أي إلْبَابًا بَعْدَ إلبَابِ وغقامة بعد إقامة.
والتلبية: أن يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
لما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن تلبية رسول الله : «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» لا يزيد على هؤلاء الكلمات. متفق عليه.
والتلبية سُّنة، ويستحب رفع الصوت بها لخبر السائب بن خلال مرفوعًا: «أتاني جبريل يأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية» رواه الخمسة وصححه الترمذي.
وعن سهل بن سعد ، عن رسول الله  قال: «مَا من مُلَب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا عن يمينه وشماله» رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي.
قال أنس: سمعتهم يصرخون بهما صراخًا، وقال أبو حازم: كان أصحاب رسول الله  لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية.
وقال سالم: كان ابن عمر يرفع صوت بالتلبية، فلا يأتي الروحاء حتى يصحل صوته، ولا يجهد نفسه في رفع الصوت زيادة على الطائفة لئلا ينقطع صوته وتلبيته.
ويستحب الإكثار من التلبية على كل حال؛ لما ورد عن أبي هريرة ، عن النبي  قال: «ما أهلّ مهل قط، ولا كبر مكبر قط، إلا بُشِّر»، قيل: يا رسول الله، بالجنة؟ قال: «نعم» رواه الطبراني في «الأوسط» بإسنادين رجال الصحيح.
وروي عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله : «ما من محرم يُضْحِي لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه كما ولدته أمه» رواه أحمد وابن ماجه، واللفظ له، ورواه الطبراني في «الكبير»، والبيهقي من حديث عامر بن ربيعة .
وتقدم حديث سهل، وفيه قال: قال رسول الله : «ما راح مسلم في سبيل الله مجاهدًا أو حاجًا مهلاً أو ملبيًا إلا غربت الشمس بذنوبه، وخرج منها» رواه الطبراني.
س207: بَيّنْ مَتَى وقْت ابتداء التلبية؟ واذكر ما تستحضره من خلاف أو دليل أو تفصيل أو جمع بين أقوال؟
ج: يَبْتَدِئ التلبية إذا استوى على راحلته؛ لما ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي  كان إذا استوت به راحلته قائمة من مسجد ذي الحليفة أهلّ، فقال: «لبيك الله لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».
وكان عبدالله يزيد مع هذا: لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل. متفق عليه.
وقال أنس : «صلى النبي  الظهر بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بهما حتى أصبح، فلما ركب راحلته واستوت به، أهَلَّ» رواه الخمسة.
وعن جابر أن إهلال رسول الله  من ذي الحليفة حين استوت به راحلته. رواه البخاري.
وقيل: يستحب ابتداء التلبية عقب إحرامه،وقد وقع الخلاف في المحل الذي أهلّ منه رسول الله  على حسب إختلاف الرواة.
فمنهم من روى أنه هلّ من مسجد ذي الحليفة بعد أن صلى فيه، ومنهم من روى أنه أهلَّ حين استقلت به راحلته، ومنهم من روى أنه أهلَّ لما علا على شرف البيداء.
وقد جمع بين ذلك ابن عباس، فقال: إنه أهلّ في جميع هذه المواضع، فنقل كل راوٍ ما سمعَ.
وعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس - رضي الله عنهما -: عجبًا لاختلاف أصحاب رسول الله  في إهلاله، فقال: إني لأعلم الناس بذلك، إنما كانت منه حجة واحدة، فمن هنالك اختلفوا.
خرج رسول الله  حاجًا، فلما صلى في المسجد بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه فأهلَّ بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع منه ذلك أقوام فحفظوا عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهلّ فأدرك ذلك منهم أقوام فحفظوا عنه، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالاً فسمعوه حين استقلت به ناقته يهلّ، فقالوا: إنما أهلّ حين استقلت به ناقته ثم مضى، فلما علا على شرف البيداء أهلّ فأدرك ذلك أقوام، فقالوا: إنما أهلّ رسول الله  حين علا شرف البيداء، وَيْمُ الله لقد أوجب في مصلاه وأهلَّ حين استقلت به راحلته، وأهلّ حين علا شرف البيداء. رواه أحمد وأبو داود ولبقية الخمسة منه مختصرًا: أن النبي  أهلّ في دبر الصلاة.
س208: ما هي المواضع التي يتأكد استحباب التلبية فيها؟ وما هي أدلتها وتكلم عن تلبية المرأة؟ ومتى يقطع المتمتع التلبية؟
ج: تتأكد إذا علا نشزًا أو هبط واديًا أو صلى مكتوبة أو أقبل ليل أو أقبل نهارًا أو التقت الرفاق أو سمع ملبيًا أو أتى محظورًا ناسيًا أو ركب دابته أو نزل عنها أو رأى الكعبة؛ لما روى جابر، قال: «كان رسول الله  يلبِّي في حجته إذا لقي راكبًا، أو على أكمةً، أو هبطَ واديًا، وفي أدبار الصلوات المكتوبة، وفي آخر الليل».
وعن سليمان بن خيثمة قال: كان أصحاب رسول الله  يلبُّون إذا هبطوا واديًا أو أشرفوا على أكمة أو لقوا راكبًا وبالأسْحار ودبر الصلوات.
وعن إبراهيم قال: تستحب التلبية في مواطن: إذا استويت على بعيرك، وإذا صعدت شرفًا، أو هبطت واديًا، أو لقيت ركبًا، وفي دبر كل صلاة، وبالأسحار. أخرجهما سعيد بن منصور.
ولأن هذه المواضع ترفع الأصوات ويكثر الضجيج.
وقد قال : «أفضل الحج العج الثج»، والعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: سيلان دماء الهدي.
وأما فيما إذا فعل محظورًا ناسيًا، ثم ذكره، فلندارك الحج واستشعار إقامته عليه ورجوعه إليه.
وتلبّي المرأة استحبابًا لدخولها في العمومات، ويعتبر أن تسمع نفسها التلبية ويكره جهرها بها أكثر من سماع رفيقها.
قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن السُّنة في المرأة أن لا ترفع صوتها، وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها، ويستحب التلبية في مكة والبيت الحرام وسائر مساجد الحرم، كمسدد منى، وفي عرفات أيضًا وسائر بقاع الحرم؛ لعموم ما سبق؛ ولأنها مواضع النسك، وتشرع التلبية بالعربية لقادر كالأذان وإلا فيلبي بلغته، وسُنَّ دعاء بعدها، فيسأل الله رضوانه والجنة ويسْتَعيذُ به من النار؛ لما ورد عن خزيمة بن ثابت، عن النبي  «أنه كان إذا فرغ من تَلْبيَتِهِ سأل الله –عز وجل- رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار» رواه الشافعي والدارقطني.
ويُسنّ صلاة على النبي  بعدها؛ لما ورد عن عمر بن الخطاب  قال: «إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك» رواه الترمذي؛ ولأنه موضع يشرع فيه ذكر الله تعالى فشرعت فيه الصلاة عليه ، كالصلاة أو فشرع فيه ذكر رسوله كالأذان.
ومن كان متمتعًا أو معتمرًا قطع التلبية إذا شرع في الطواف؛ لحديث ابن عباس يرفعه: كان يمسك في التلبية في العمرة إذا استلم الحجر. قال: الترمذي: حسن صحيح.
وروي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي  اعتمر ثلاث عمر ولم يزل يلبي حتى استلم الحجر.
ومن النظم مما يتعلق بباب الإحرام
ويشرع للإحرام غسل وطيبه
وبيض الثياب المتسحب فواحد
وأحرم عقيب الفرض أو منتفلاً
به تستفيد الحل من كل حاظر
وتعيين ما تنوي وبالنطق سنة
وذاك هو الإحرام من غير مرية
وتجريده عن لبس ما خيط عادة
وَلب كما قد جاء سنة صادقة
بإقبال ليل أو نهار وسحرة
وخلف فروض والتلبس ناسيًا
ويقطعها رب القران ومفرد
وذو متعة أو عمرة بطوافه
ومن بعدها صلِّ على خير مرسل
وأفضل نسك متعة ثم مفرد
وعن أحمد إن ساق هد يتمتع
ففي أشهر الحج اعتمر قبل حجه
من الحرم المكي في عام عمرة
فأنت بذا ذا متعة ملزمًا دمًا
وبعد فراغ منه أحرم بعمرة
ويا قارنًا أحرم بحج وعمرة
إذا سقت هديًا مطلقًا ولفقده
وتأتي بفعل الحج يجزيك عنهما
وألزم دمًا ذا متعة مع قارن
ومن تتمتع ثم حاضت ولم تلطف
ولو دام لكن إن يزلْ لم يجددِ
إزار وثان فوق كتفيك فارتد
وتشرط حلاً عند حبس مصدّد
ولو مرض من غير ما دام قيِّد
ونيته شرط ولو مطلقًا قدِ
وما زاد وصف تركه غير مفسد
ووجه النسا لا غير حتم التجوُّد
بصوت رفيع مكثر فوق جلْعَدِ
وملقى رفاق أو هبوط ومصعد
بمحظوره ولتخفض الصوت نهد
بأولى حصاة بالعقيبة يبتدي
وعند وصول البيت في وجه امدد
وبسطك كفًا للدعا فادع واجهد
يليه قران ما تشا فانو واقصد
ففضل قرانًا ثم بالمتعة ابتدى
فعطف فاسع فاحلق ثم حجك فابتدى
ولم تنأى قدر القصر عنه وتبعد
وإن تفردن فاحرم بحج مفرد
من الحل أكملها ولا تتردد
أو ادخل عليها حجة بتأكد
متى لم تطف والعكس فامنعه واحدد
على أشهر المنقول من قول أحمد
إذا لم يكن من حاظري خير مسجد
لتقرنْ متى خافت فواتًا ولا تد
28- باب محظورات الإحرام
س209: كم محظورات الإحرام وما هي؟ وما هي أقسامها؟
ج: محظورات الإحرام تسعة:
أحدها: إزالة الشعر من جميع بدنه؛ لقوله تعالى: ولا تحلقوا نص على حلق الرأس وعدي إلى سائر شعر البدن؛ لأنه في معناه إذ حلقه يؤذن بالرفاهية وهو ينافي الإحرام؛ لكون أن المحرم أشعث أغبر، وقيس على الحلق النتف والقلع؛ لأنهما في معناه وإنما عبر به في النص؛ لأنه الغالب. الثاني: تقليم الأظفار. الثالث: تغطية رأس ذكر. الرابع: لبسه المخيط. الخامس: الطيب. السادس: قل صيد البر. السابع: عقد نكاح. الثامن: الجماع. التاسع: المباشرة والمحظورات، تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: ما يباح للحاجة وهي هنا ما في مشقة لا يتحمل مثلها ولا حرمة ولا فدية كلبس السراويل، لفقد الإزار وإزالة الشعر في العين.
الثاني: ما فيه الإثم ولا فدية عقد النكاح.
الثالث: ما فيه الفدية ولا إثم، وذلك فيما إذا احتاج الرجل إلى اللبس أو المرأة لستر وجهها.
الرابع: ما فيه الإثم والفدية وهو باقي المحظورات، وتنقسم بالنظر إلى ما يحرم على الذكور دون الإناث، وبالعكس إلى ثلاثة أقسام: قسم يحرم على الذكور دون الإناث، وهو تغطية الرأس ولبسة المخيط، والذي يحرم على الأنثى في الإحرام تغطية وجهها، والبقية من المحظورات يحرم عليها جميعًا وقد نظمتُ محظورَات الإحرام فيما يأتي من الأبيات:
ومَحْظور إحرامٍ ثلاثٌ وستة
فحلقٌ لِشعر ثم تَقْليمُ ظُفْره
وتغطيةٌ للرأسِ منه وَوَجْهُها
وعَقدُ نكاح ثم في الفرج وطؤُه
فخُذْ عَدَّها واحفظْ هُديتَ إلى الرشدِ
ولُبْسُ ذكورٍ للمخيطِ عَلى عَمْدِ
وقتلٌ لِصَيْدِ البرَّ وَالطيبُ عن قَصْد
مُباشرةٌ فاحتمُ بها مَاضِيَ العدِّ
س210: تكلم بوضوح عن حلق الشعر، وعن قلم الأظفار للمحرم مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: قال في «الشرح الكبير»: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم أخذ شيء من شعر إلا من عذر؛ لقوله تعالى: وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ، وروي عن كعب بن عجرة، عن رسول الله  أنه قال: «لعلك يؤذيك هوام رأسك؟» قال: نعم، يا رسول الله، فقال رسول الله : «احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة» متفق عليه، ففيه دليل على أن الحلق محرمًا قبل ذلك؛ فإن كان له عذر من مرض أو قمل أو غيره مما يتضرر بإبقاء الشعر، فله إزالته؛ لقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ؛ وللحديث المذكور: قال ابن عباس : فمن كان منكم مريضًا أي برأسه قروح أو به أذى من رأسه أي قمل – وكذا أجمع العلماء أن المحرم ممنوع من تقليم أظفاره إلا من عذر؛ أنه إزالة جزء من بدنة يترفه به أشبه الشعر؛ فإن انكسر فله إزالته.
قال ابن المنذر: أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم أن يزيل ظفره بنفسه إذا انكسر؛ لأن بقاءه يؤلمه أشبه الشعر النابت في عينه. انتهى. ولا فدية فيما لو خرج بعينه شعر أو كسر ظفره، فأزالهما؛ لأنه أزيل لأذاه أشبه قتل الصائل عليه، وإن زالا مع غيرهما كقطع جلد عليه شعر أو أنملة بظفرها فلا يفدي لإزالتهما؛ لأنهما بالتبعية لغيرهما والتابع لا يفرد بحكم كقطع أشفار عيني إنسان يضمنها دون أهدابهما إلا أن حصل التأذي بغيرهما كقرح ونحوه فيفدي لإزالتهما لذلك، كما لو احتاج لأكل صيد فأكله فعليه جزاؤه.
س211: تكلم عن تغطية الرأس بوضوح مع ذكر الدليل؟
ج: يحرم على المحرم الذكر تغطية رأسه بملاصقة كالطاقية والغترة أو نحو ذلك؛ لنهيه  عن لبس العمائم والبرانس، وقوله في المحرم الذي وقصته راحلته: «ولا تخمروا رأسه؛ فإنه يُبْعَث يوم القيامة ملبيًا» متفق عليهما.
وكان ابن عمر يقول: إحرام الرجل في رأسه، وذكره القاضي مرفوعًا وكره أحمد الاستظلال بمحمل، وما في معناه؛ لقول ابن عمر أضح لمن أحرمت له أي أبرز للشمس، وعنه له ذلك، أشبه الخيمة، وفي حديث جابر: «أمر بقية من شعر فضُرِبتْ له بنمرة فنزل بها» رواه مسلم. وإن طرح على شجرة ثوبًا يستظل به فلا بأس، وله أن يستظل بشجرة وخباء وجدار، وله أن يستظل بسقف السيَّارة أو الشمسية أو بثوب على عود؛ لقول أم الحصين: حججت مع رسول الله  حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدُهما آخِذٌ بخطام ناقة رسول الله ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة، رواه مسلم. ويباح له تغطية وجهه.
روي عن عثمان وزيد بن ثابت وابن الزبير، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم، وبه قال الشافعي وعنه؛ لأن في بعض ألفاظ حديث صاحب الراحلة: «ولا تخمروا وجهه، ولا رأسه، ويغسل رأسه بالماء بلا تسريح».
روي عن عمر وابنه وعليَّ وجابر وغيرهم؛ «لأنه  غسل رأسه وهو محرم وحرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر» متفق عليه. واغتسل عمر، وقال: «لا يزيد الماء الشعر إلا شعثًا» رواه مالك والشافعي.
وعن ابن عباس قال لي عمر ونحن محرمون بالجحفة: «تعال أبَاقِيك أيُّنا أطولُ نفسًا في الماء» رواه سعيد. وإن حمل على رأسه طبقًا أو وضع يده عليه، فلا بأس؛ لأنه لا يقصد به الستر، قاله في «الكافي».
س212: تكلم عن لبس المخيط واذكر الدليل والتعليل؟
ج: الرابع: لبس المخيط على ذكر حتى الخفين، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع لبس القميص والعمائم والسراويلات والبرانس والخفاف، والأصل في هذا ما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل رسول الله : ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله : «لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحدًا لا يجد النعلين، فليلبس الخفين وليقطعهما من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئًا مسه الزعفران ولا الورس» متفق عليه. نص النبي  على هذه وألحق بها أهل العلم ما في معناه مثل الجبة والدَّراعة والتبان وأشباه ذلك، فلا يجوز للمحرم ستر بدنه بما عمل على قدره ولا ستر عضو من أعضائه بما عمِل على قدره كالقميص للبدن والسراويل لبعض البدن والقفازين لليدين والخفين للرجلين، ونحو ذلك.
قال ابن عبدالبر: لا يجوز لبس شيء من المخيط عند جميع أهل العلم، وأجمعوا على أن المراد بهذا الذكور دون الإناث، وإذا لم يجد المحرم إزارًا فليلبس سراويل أو لا يجد نعلين فليلبس خفين ولا يقطعهما، ولا فدية عليه، والأصل فيه:
ما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «سمعت رسول الله  يخطب بعرفات، يقول: «من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل»، متفق عليه.
وفي رواية عن عمرو بن دينار أن أبا الشعثاء أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي  وهو يخطب يقول: «من لم يجد إزارًا ووجد سراويل فليلبسها، ومن يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما»، قلت: ولم يقل ليقطعهما؟ قال: لا» رواه أحمد. وعن جابر قال: قال رسول الله : «من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل» رواه أحمد ومسلم.
وأما حديث ابن عمر فما ورد فيه من الأمر بالقطع للخفين إذا احتاج إلى لبسهما لفقد النعلين، فقيل: إنه منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأنه بعرفات قاله الدارقطني، وحديث ابن عمر بالمدينة؛ لرواية أحمد عنه سمعت رسول الله : على المنبر وذكره، فلو كان القطع وَاجبًا لبَيَّنهُ للجمع العظيم الذي لم يحضر أكثرهم ذلك بالمدينة وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز كما قد علم في الأصول، فثبت بذلك نسخ الأمر بالقطع، وأجيب على قولهم حديث ابن عمر فيه زيادة لفظ: بأن حديث ابن عباس وجابر فيهما زيادة حكم هو جواز اللبس بلا قطع.
س213: تكلم بوضوح عما يلي: عقد الرداء على المحرم؟ عقد الإزار والمنطقة والهميان؟ التقلد بالسيف؟ حمل الجراب والقربة؟ الإتزار والالتحاف بالقميص؟ الارتداء برداء موصّل ونحو ذلك؟
ج: لا يعقد المحرم عليه رداءه ولا غيره؛ لقول ابن عمر لمحرم: «ولا تعقد عليك شيئًا» رواه الشافعي والأثرم. قال أحمد في محرم حَزَمَ عِمامَتهُ عَلى وَسَطه لا يعقدها ويدخل بعضها في بعض، إلا إزاره فله عقده لحاجته لستر وَسَطه لا يَعقدها ويدخل بعضها في بعض، إلا إزاره فله عقده لحاجته لستر عورته وإلا منطقة وهَميَانًا فيهما نفقته؛ لقول عائشة: أوثق عليك نفقتك، وروى معناه عن ابن عمر وابن عباس ولحاجته لستر نفقته مع حاجة لعقد المذكورات، وقيل: لا يحرم عقد الراء كما لا يحرم عقد الإزار.وفي «الاختيارات الفقهية»: ويجوز عقد الرداء في الإحْرَام ولا فدية عليه، ويجوز للمحرم لبس مقطوع إلى الكعبين مع وجود النعل، واختاره ابن عقيل في المفردات وأبو البركات. انتهى (ص117)، وله أن يتقلد بسيف لحاجة؛ لما روى البراء بن عازب قال: لما صالح رسول الله  أهل الحديبية صالحهم أن لا يدخلها إلا يجلبان السلاح القراب بما فيه، متفق عليه. وهذا ظاهر في إباحته عند الحاجة؛ لأنهم لم يكونوا يأمنون أهل
مكة أن ينقضوا العهد، ولا يجوز بلا حاجة، ويحمل محرم جرابه ويحمل
قربة الماء في عنقه وله أن يتزر بقميص وأن يتلحف بقميص وأن يرتدي به، وله أن يرتدي برداء موصّل؛ لأن الرداء لا يعتبر كونه صحيحًا، ويجوز للمحرم أن يغتسل ويغسل رأسه ويحَكُّهُ إذا احتاج إلى ذلك برفق وسهولة؛ فإن سقط من رأسه شيء بسبب ذلك فلا حرج عليه، ومن طرح على كتفيه قباء وهو محرم فدي لنهيه –عليه الصلاة والسلام- عن لبسه للمحرم، رواه ابن المنذر، ورواه البخاري عن عليِّ؛ ولأنه عادة لبسه كالقميص.
س214: تكلم بوضوح عن الطيب للمحرم بقصد أو بغير قصد؟
ج: الخامس: الطيب فمتى طيّب محرم ثوبه أو بدنه أو استعمل في أكل أو شرب أو أدهان أو اكتحال أو استعاظ أو احتقان طيبًا يظهر طعمه أو ريحه في المذكورات حرم وفدى، أو قَصَدَ مُحْرِمٌ شمَّ دُهْنٍ مطيّب أو قصد شم مسك أو كافور أو عنبر أو زعفران أو وَرسِ أو بخور عود ونحوه كعنبر أو قصد شم ما ينبته الآدمي لطيب، ويتخذ منه الطيب كورد وبنفسخ ومنثور ولينوقر وياسمين ونحوه وشمه أو مس ما يعلق به كماء ورد حرم وفدى. قال في «المغني»: أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب، وقد قال النبي  في المحرم الذي وقصته راحلته: «لا تمسوه بطيب» رواه مسلم، وفي لفظ: «لا تحنطوه» متفق عليه. فلما منع الميت من الطيب لإحرامه فالحي أولى. انتهى.
وفي حديث ابن عمر: «ولا ثوبًا مسه ورس ولا زعفران» متفق عليه. وعن جابر قال: لا يشم المحرم الريحان ولا الطيب. أخرجه الشافعي وأبو ذر., ولا فدية إن شم محرم شيئًا من ذلك بلا قصد أو مس محرم من طيب ماء لا يعلق به كقطع عنبر وكافور؛ لأنه غَير مُسْتَعمل للطيب أو شم محرم ولو قصدًا فواكه من نحو تفاح وأترُج؛ لأنها ليست طيبًا أو شم ولو قصدا عودًا؛ لأنه لا يتطيب به بالشم، وإنما يقصد بخوره أو شم ولو قصدًا نبْتَ صحراء كشيح ونحوه كخزامي وقيصوم أو ما ينبته آدمي لا بقصد نبت كخفاء وعصفر وقرنفل ودار صيني ونحوها. ومَن لبس أو تطيب أو غطّى رأسه ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا فلا شيء عليه؛ لقوله : «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» - ومتى زال عذره أزاله في الحال وإلَّا فدى لاستدامته المحظور.
س215: تكلم بوضوح عن (السادس) من المحظورات وهو قتل صيد البر واصطياده وعمّا إذا أتلفه أو تلف بيده أو بعضه بمباشرة أو سبب أو دلالة أو إشارة أو إعانة؟
ج: السادس: مما يحرم على المحرم قتل صيد البر واصطياده؛ لقوله تعالى: لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، وقوله: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وهو الوحشي المأكول، فمن أتلفه أو تلف بيده أو بعضه بمباشرة إتلافه أو سبب ولو كان السبب بجناية دابة المحرم المتصرف فيها بأن يكون راكبًا أو قاعدًا أو سائقًا فيضمن ما تلف بيدها وفمها لا ما رمحت برجلها، وإن انفلتت لم يضمن ما أتلفته ويضمن المحرم ما دل عليه، وأشار إليه لمريد صيده إن لم يره صائده أو بإعانة المحرم لمن يريد صيده ولو بمناولة آلة الصيد أو إعارتها له كرمح وسكين؛ لما ورد عن أبي قتادة قال: «كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبي  في منزل في طريق مكة، ورسول الله  أمامنا والقوم محرمون، وأنا غير محرم عام الحديبية، فأبصروا حمارًا وحشيًا وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فأسرجته، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، فقالوا: والله لا نعينك عليه، فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم، فرحنا وخبأت العضد معي، فأدركنا رسول الله ، فسألناه عن ذلك، فقال: «هل معكم منه شيء؟» فقلت: نعم، فناولته العضد، فأكلها وهو محرم» متفق عليه، ولفظه للبخاري، ولمسلم: «هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء؟» فقالوا: لا، قال: «فكلوه».
وللبخاري قال: «منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟» قالوا: لا، قال: «فكلوا ما بقي من لحمها». وروى النجاد الضمان عن عليَّ وابن عباس في محرم أشار ويحرم على المحرم الإشارة والدلالة والإعانة؛ لأنه معونة على محرّم أشبه الإعانة على قتل معصوم ولا يحرم دلالة محرم على طيب ولباس؛ لأنه لا ضمان فيهما بالسبب ولا يتعلق بهما حكم يختص بالدال عليهما بخلاف الصيد؛ فإنه يحرم على الدال أكله منه ويجب عليه جزاؤه.

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:12 am

س216: تكلم عما يلي: إذا دلّ المحرم حلالاً على الصيد فأتلفه؟ إذا دل محرم محرمًا على الصيد فقتله؟ إذا دل الحلال محرمًا؟ إذا اشترك في قتل الصيد حلال ومحرم أو سبع ومحرم في الحل؟ إذا جرح أحدهما قبل صاحبه؟ إذا نصب شبكة أو حفر بئرًا ثم أحرم؟
ج: إذا دل المحرم حلالاً على الصيد فأتلفه، فالجزاء كله على المحرم، روي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء ومجاهد وبكر المزني وإسحاق وأصحاب الرأي، ويدل لهذا القول قول النبي  لأصحاب أبي قتادة: «هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟» ولأنه سبب يتوصل به إلى إتلاف الصيد فتعلق به الضمان. وقال مالك والشافعي: لا شيء على الدال؛ لأنه يضمن بالجناية فلا يضمن بالدلالة كالآدمي. والقول الثاني: عندي أنه أرجح. والله أعلم.
وأما إذا دل على محرم محرمًا على الصيد فقتله فالجزاء بينهما، وبه قال عطاء وحماد بن أبي سليمان؛ لأن الواجب جزاء المتلف وهو واحد فيكون الجزاء واحدًا.
وقال الشعبي وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي: على كل واحد جزاء؛ لأن كل واحد من الفعلين يسفل بالجزاء إذا انفرد، فكذلك إذا لم يضمنه غيره، وقال مالك والشافعي: لا شيء على الدّال.
وأما إذا دل محرم محرمًا على صيد، ثم دل الآخر محرمًا آخر، ثم كذلك إلى عشره فقتله العاشر، فعلى القول الأول: فالجزاء على جميعهم لاشتراكهم في الإثم والتسبب، وعلى القول الثاني: على كل واحد منهم جزاء، وعلى الثالث: لا شيء إلَّا على من باشرَ القتل.
وأما إذا دل الحلال محرمًا على صيد، فقتله المحرم ضمنه محرم وحده دون الدالّ وإذا اشترك في قتل صيد حلال ومحرم أو سبع ومحرم في الحل، فعلى المحرم الجزاء جميعه؛ لأنه اجتمع موجب ومسقط، فغلب الإيجاب كما لو قتل صيدًا بعضه في الحرم، ثم إن كان جَرحُ أحدهما قبل صاحبه والسابق الحلال أو السبع فعلى المُحرم جزاؤه مجروحًا اعتبارًا بحال جنايته عليه؛ لأنه وقت الضمن وإن سبقه المحرم فجرحه وقتله أحدهما فعلى المحرم أرش جرحه فقط؛ لأنه لم يوجد منه سوى الجرح وإن نَصَبَ حلال شبكه ونحوها ثم أحرم أو أحرم ثم حفر بئرًا بحق كان حفرها في داره أو نحوها من ملكه أو موات أو حفر البئر للمسلمين بطريق واسع لم يضمن ما تلف بذلك؛ لعدم تحريمه ما لم يكن حيلة على الاصطياد؛ فإن كان حيلة ضمن؛ لأن الله تعالى عاقب اليهود على نصب الشبك يوم الجمعة، وأخذ ما سقط فيها يوم الأحد، وهذا في معناه شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه.
س217: إذا اشترك محرمون في قتل صيد بأن باشروا قتله كلهم فما الحكم؟ وما حكم أكل ما صاده المحرم أو ذبحه أو دل عليه أو صيد لأجله أو أعان عليه؟ وما الحكم فيما إذا قتل المحرم صيدًا ثم أكله؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: إذا اشترك ساعة في قتل صيد فعند أحمد في إحدى الروايتين أن عليهم جزاء واحد، وكذا قال الشافعي ومن وافقه؛ لقضاء عمر وعبدالرحمن قاله القرطبي، ثم قال أيضًا: وروى الدارقطني أن موالي لابن الزبير أحرموا، فمرت بهم ضبع، فخذوها بعصيهم، فأصابوها، فوقع في أنفسهم، فأتوا ابن عمر، فذكروا له ذلك، فقال: عليكم كلكم كبش، قالوا: أو على كل واحد منا كبش، قال: إنكم لمُعَزز بكم عليكم كلكلم كبش.
وروي عن ابن عباس في قوم أصابوا ضبعًا، فقال: عليهم كبش يتخارجونه بينهم ودليلنا قوله سبحانه: وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ وهذا خطاب لكل قاتل، وكل واحد من القاتلين الصيد قاتل نفسًا على التمام والكمال، بدليل قتل الجماعة بالواحد، ولولا ذلك ما وجب عليه القصاص.
وقال مالك وأبو حنيفة: على كل واحد منهم جزاء كامل، كما لو قتلت جماعة واحدًا؛ فإنهم يقتلون به جميعًا؛ لأن كل واحد قاتل وكذلك هنا كل واحد قاتل صيدًا فعليه جزاء، والذي يترجح عندي القول الأول – لما تقدم؛ ولأنه بدل متلف يتجزأ، فإذا اشترك الجماعة في إتلافه قسم البدل بينهم كقيم المتلفات. والله أعلم.
وأما أكل ما صاده المحرم أو ذبحه أو دل عليه أو أعان عليه أو أشار إليه، فيحرم عليه وجميع ماله أثر في صيده – لما تقدم في حديث أبي قتادة من قول النبي : «هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه» قالوا: لا، قال: «كلوا ما بقي من لحمها» متفق عليه.
وكذا يحرم على المحرم أكل ما صيد لأجله لما في «الصحيحين» من حديث الصعب بن حثامة أنه أهدى للنبي  حمارًا وحشيًا فرده عليه، فلما رأى ما في وَجْههِ، قال: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم».
وروى جابر رضي الله عنه مرفوعًا: «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدُوه أو يُصَدْ لكمْ» رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: هو أحسن حديث في الباب، وما حرم على محرم لدلالة أو إعانة صياد له لا يحرم على محرم غيره كما لا يحرم على حلال؛ لما روى مالك والشافعي عن عثمان أنه أتى بلحم صيد، فقال لأصحابه: «كلوا» فقالوا: ألا نأكل، فقال: «إني لست كهيئتكم؛ إنما صيد لأجلي ولا يحرم على المحرم أكل غير ما صيد أو ذبح له» إذا لم يدل ونحوه عليه لما تقدم.
فلو ذبح مُحِلٌّ صَيدًا لغيره من المحرمين حرم على المذبوح له لما سبق، ولا يحرم على محرم غير الدال أو المعين أو الذي صيد أو ذبح له، وإن قتل المحرم صيدًا ثم أكله ضمنه لقتله لا لأكله؛ لأنه يحرم أكله على جميع الناس والميتة غير متموّل.
س218: تكلم عن أحكام ما يلي: إذا نقل المحرم بيض صيد أو أتلفه؟ شرب ما حلبه المحرم؟ أكل ما كسره المحرم؟
ج: وإن نقل بيض صيد ففسد بنقله أو أتلف بيض صيد غير مذر، وغير ما فيه فرخ ميت ضمنه بقيمته مكانه لإتلافه إياه؛ فإن كان مذرًا أو فيه فرخ ميت، فلا ضمان فيه؛ لأنه لا قيمة له إلا ما كان من بيض النعام فيضمنه؛ لأنه لقشره قيمة فيضمنه بها. والدليل على ضمان ما أتلف من بيض الصيد ما روى أبو هريرة  أن النبي  قال: «في بعض النعام ثمنه» رواه ابن ماجه.
ولقول ابن عباس في بيض النعام قيمته؛ ولأنه تسبب إلى إتلافه بالنقل فوجب ضمانه، وإن كسر بيضة فرخ فيها، فخرج فعاش فلا شيء عليه وإن مات ففيه ما في صغار المتلف بيضه، ففي فَرَخ الحمام صغير أولاد الغنم.
وفي فرخ النعامة حوار صغير أولاد الإبل وفيما عداها قيمته؛ لأن غيرهما من الطيور يضمن بقيمته، ولا يحل لمحرم أكل بيض الصيد إذا كسره الآكل أو محرم غيره؛ لأنه جزء من الصيد أشبه سائر أجزائه، وكذا شرب لبنه.
ويحل بيض الصيد الذي كسره محرم ولبنه الذي حلبه محرم للحلال؛ لأن حله على المحل لا يتوقف على الكسر أو الحلب، ولا يعتبر لواحد منهما أهلية الفاعل، فلو كسره أو حلبه مجوسي أو بغير تسمية حل وإن كسره حلال فكلحم صيد إن كان أخذه لأجل المحرم لم يبح للمحرم أكله.
وإن لم يكن الحلال أخذه لأجل المحرم أبيح للمحرم كصيد ذبحه حلال، ولو كان الصيد مملوكًا وأتلفه المحرم أو أتلف بيده أو بيضه أو لبنه ضمنه جزاءً لمساكين الحرم وقيمة لمالكه ويضمن اللبن بقيمته مكانه.
س219: هل يملك الصيد المحرم إذا أمسكه محرمًا، أو حلالاً بالحرم فذبحه؟ وإذا ذبح محل صيد حرم؟ إذا أحرم وبملكه صيد؟ إذا أدخل الصيد محرم أو حلال الحرم وضح ذلك؟
ج: لا يملك محرم صيدًا ابتداء بغير إرث فلا يملكه بشرك ولا هبة ونحوها، فلو قبض الصيد المحرم هبةً أو رهنًا أو بشراء لزمه رده إلى من أقبضه إياه؛ لفساد العقد، وعليه إن تلف الصيد قبل الرد الجزاء لمساكين الحرم مع قيمته لمالكه في هيبة وشراء لوجود مقتضى الضمانين، وإن أمسك الصيد محرمًا بالحرم أو الحل أو أمسَكهُ حلالاً بالحرم فذبحه المحرم ولو بعد حله من إحرامه أو ذبحه ممسكه بالحرم ولو بعد إخراجه من الحرم إلى الحل ضمنه؛ لأنه تلف بسبب كان في إحرامه أو في الحرم، كما لو جرحه فمات بعد حله أو بعد خروجه من الحرم، وكان ما ذبح لغير حاجة أكله ميتة.
ومن أحرم وبملكه صيد لم يزل ملكه عنه، ولا تزول عنه يده الحكمية، ولا يضمن الصيد معها.
ومن غصب الصيد من يد محرم حكمية لزمه رده.
ومن أدخل الصيد الحرم المكي أو أحرم رب صيد وهو بيده المشاهدة كخيمته أو رحله أو قفص معه أو حبل مربوط به لزمه إزالتها بإرساله وملكه باق عليه بعد إرساله لعدم ما يزيله فيرده آخذه على مالكه إذا حلَّ ويضمنه قاتله بقيمته له لبقاء ملكه عليه؛ فإن لم يتمكن وتلف بغير فعله لم يضمن؛ لأنه غير مفرط ولا متعمد؛ فإن تمكن من إرساله ولم يفعل ضمنه بالجزاء، وإن لم يرسله فلا ضمان على مرسله من يده قهر الزوال حرمة يده المشاهدة؛ ولأنه من الأمر بالمعروف.
س220: تكلم عن أحكام ما يلي: مَن قتل صيدًا صائلاً دفعًا عن نفسه أو بتخليصه؟ وتكلم عن الحيوان الإنسي وعن محرم الأكل؟ وعن قتل القمل والبراغيث ونحوهما؟
ج: مَن قتل وهو مُحْرِمٌ صيدًا صائلاً عليه دفعًا عن نفسه ولم يحل ولم يضمنه؛ لأنه التحق بالمؤذيات طبعًا كالكلب العقور أو قتل صيدًا بتخليصه من سبع أو شبكة ليطلقه لم يحل ولم يضمنه؛ لأنه مباح لحاجة الحيوان أو قطع محرم من الصيد عضوًا من آكلاً، فمات ولم يحل ولم يضمنه؛ لأنه لمداواة الحيوان أشبه مداواة الولي محجوره، وليس بمتعمد قتله فلا تتناوله الآية، ولو أخذ الصيد الضعيف محرمٌ ليداويه فوديعة لا يضمنه بلا تعد ولا تفريط ولا تأثير لحرم أو إحرام في تحريم حيوان إنسي كبهيمة الأنعام ودجاج؛ لأنه ليس بصيد، وقد كان –عليه الصلاة والسلام- يذبح البدن في إحرامه في الحرم تقريبًا إلى الله تعالى.
وقال: «أفضل الحج العَجُّ»، والثج: أي إسالة الدماء بالنحر والذبح، ولا تأثير لحرم أو إحرام في محرم الآكل إلا المتولد بين مأكول وغيره ويحرم بإحرام قتل قمل وصبانه ولو برميه ولا جزاء فيه ولا يحرم قتل براغيث وقراد ونحوهما، كبق وبعوض؛ لأن ابن عمر قرد بعيره بالسقيا أي نزع القراد عنه فرماه، وهذا قول ابن عباس.
س221: ما حكم صيد ما يعيش بالماء؟ وهل يضمن الجراد؟ وإذا احتاج محرم لفعل محظور، فما الحكم؟ وتكلم عن المؤذي؟
ج: ويباح لا بالحرم صيدها ما يعيش في الماء كسمك، ولو عاش في بر أيضًا كسلحفاة وسرطان؛ لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ.
وأما البَحْري بالحرم، فيحرم صيده؛ لأن التحريم فيه للمكان فلا فرق فيه بين صيد البر والبحر وطير الماء بري؛ لأنه يبيض ويفرخ في البر فيحرم صيده على المحرم، وفيه الجزاء ويضمن الجراد بقيمته في قول أكثر العلماء؛ لأنه غير في البر يتلفه الماء كالعصافير، وقيل: يتصدق بتمرة عن جراده.
وروي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ، وقيل: لا ضمان فيه.
روي عن أبي سعيد ؛ لأن كعبًا أفتى بأخذه وأكله، فقال له عمر : ما حملك أن تفتيهم به، قال: هو من صيد البحر، قال: ما يدريك؟ قال: والذي نفسي بيده إن هو إلا نثرة حوت ينثر في كل عام مرتين. رواه مالك.
وقال ابن المنذر: قال ابن عباس - رضي الله عنهما ـ: هو من صيد البحر، وعن أبي هريرة  قال: أصبنا ضربًا من جراد فكان الرجل منا يضرب بسوطه وهو محرم، فقيل له: إن هذا لا يصلح، فذكر ذلك للنبي ، فقال: «إن هذا من صيد البحر».
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجراد من صيد البحر» رواهما أبو داود، ولمحرم احتاج لفعل محظور فعله ويفدي؛ لقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ الآية.
وحديث كعب بن عجرة  قال: حُمِلتُ إلى رسول الله  والقمل يتناثر على وجهي، فقال: «ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، أنجد شاة» قلت: لا، قال: «فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع» متفق عليه.
ويُسن قتل كل مؤذ غير آدمي؛ لحديث عائشة: «أمر رسول الله  بقتل خمس فواسق في الحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور» متفق عليه.
وفي معناه: كل مؤذ، وأما الآدمي غير الحربي، فلا يحل قتله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. متفق عليه.
وَمَن اضطر إلى أكل صيد فله ذلك وهو ميتة في حق غيره، لا يباح إلا لمن يباح له أكلها، وقيل: يحل بذبحه.
قال في «التنقيح»: وهو أظهر، وقال في الفروع: ويتوجه حله لحل فعله، وهذا القول عندي أنه أرجح. والله أعلم.
س222: تكلم عن (المحظور السابع) من محظورات؟ وما يتعلق من توكيل أو عزل؟
ج: (السابع من المحظورات) عقد النكاح فيحرم ولا يصح؛ لحديث عثمان: أن النبي  قال: «لا ينكح المحرم، ولا يخطب» رواه الجماعة إلا البخاري، وليس للترمذي فيه: «ولا يخطب».
وعن أبي غطفان عن أبيه أن عمر فرق بينهما -يعني رجلاً- تزوج وهو محرم، رواه مالك والدارقطني: قال في «الشرح الكبير»: ويباح شراء الإمام للتسري وغيره لا نعلم فيه خلافًا. انتهى.
ولا فدية في عقد النكاح كشراء الصيد وقتل القمل، وقد نظمت هذه الثلاث في بيت واحد:
عقد نكاح وشار صيد
وقتل قمل حرِّمَتْ ولا جَزا
وتعتبر حالة العقد لا حالة توكيل، فلو وكل محرم حلالاً صح عقده بعدَ حِلِّ مُوكِلهِ؛ لأن كل منهما حلال حال العقد، ولو وكل حلال حلالاً فعقده الوكيل بعد أن أحرم هو أو موكل فيه لم يصح العقد، ولوْ وَكَلَّه ثم أحرم الموكل لم ينعزل وكيله بإحرامه؛ فإذا حل الموكل كان لوكيله عقده لزوال المانع، ولو وكل حلال حلالاً في عقد النكاح فعقده وأحرم الموكل، فقالت الزوجة: وقع في الإحرام، وقال الزوج: وقع قبله، فالقول قول الزوج؛ لأنَّه يَدَّعي صِحَّةَ العَقد وهي الظاهر، وإن كان بالعكس بأن قالت الزوجة: وقع قبل الإحرام، وقال الزوج: في الإحرام، فالقول قوله أيضًا؛ لأنه يملك فسخه فقُبلَ إقراره به، ولها نصف الصداق؛ لأن قوله لا يقبل عليها في إسقاطه؛ لأنه خلاف الظاهر ويصح مع جهلها وقوعه، هل كان قبل الإحرام أو فيه؛ لأن الظاهر من عقود المسلمين الصحة، وتكره خطبة محرم؛ لما ورد عن عثمان بن عفان  أن رسول الله  قال: «لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب» رواه مسلم.
قال في «سُبُلِ السلام»: الحديث دليل على تحريم العقد على المحرم لنفسه ولغيره وتحريم الخطبة كذلك، ثم ظاهر النهي في الثلاثة التحريم، إلا أنه قيل: إن النهي في الخطبة لِلتَّنزِيه وإنه إجماع؛ فإن صح الإجماع فذاك، ولا أظن صحته، فالظاهر هو التحريم.
ثم رأيت بعد هذا نقلاً عن ابن عقيل الحنبلي: أنها تحرم الخطبة.
قال ابن تيمية: لأن النبي  نهى عن الجميع نهيًا واحدًا ولم يفصل وموجب النهي التحريم، وليس ما يعارض ذلك من أثر أو نظر. اهـ ملخصًا من (ص319). وهذا القول هو الراجح عندي، والله أعلم.
وإن أحرم الإمام الأعظم لم يجز أن يتزوج لنفسه ولا لغيره بالولاية العامة ولا الخاصة؛ لعموم ما سبق ولا أن يزوج أقاربه بالولاية الخاصة وأن لا يزوج غيرهم مِمَّن لا وليَّ لهُ بالوِلايَةِ العامة كالخاصة.
ويجوز أن يزوج خلفاؤه مَنْ لا وَليَّ لهُ أو لها؛ لأنه يجوز بولاية الحكم ما لا يجوز بولاية النسب بدليل تزويج الكافرة.
وأما وكلاؤه في تزويج نحو بنته فلا لما سبق وإن أحرم نائبه فكإحرام الإمام.
س223: تكلم بوضوح عن (المحظور الثامن) من محظورات الإحرام ومتى يفسد النسك؟ وما الذي يفسد به؟ وماذا يعمل من فسد حجه؟
ج: الثامن: الوطء في الفرج، وذلك لقوله تعالى: فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ.
قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الجماع بدليل قوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم يعني الجماع وحكاه ابن المنذر: إجماع من يحفظ عنه من العلماء أنه يفسٍدُ النسك.
وفي «الموطأ»: بلغني أن عمر وعليًا وأبا هريرة سُئلوا عن رَجل أصاب أهله وهو محرم، فقالوا: ينفيان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج من قابل والهدي لم يعرف لهم مخالف.
والوطء: يفسد النسك قبل تحلل أول ولو بعد الوقوف بعرفة؛ لأن بعض الصحابة قضوا بفساد الحج ولم يستفصلوا.
وحديث من وقف بعرفة فقَد تم حجه أي قاربه وَأمِن فواته، ولو كان المجامع ساهيًا أو جاهلاً أو مكرهًا نقله جماعة لما تقدم من أن بعض الصحابة  قضوا به ولم يستفصلوا ولو اختلف الحال لوجب البيان.
وذكر في الفصول رواية عن الإمام أحمد: لا يفسد حج الناسي والجاهل والمكره ونحوه، وخرّجها القاضي أبو يعلى في كتاب الروايتين واختارها الشيخ تقي الدين، وصاحب الفائق، ومال إليه ابن مفلح في الفروع.
وقال: هذا متجه ولا يفسد بغير الجماع؛ لعدم النص فيه، والإجماع وعليهما المضي في فاسده ولا يخرج منه بالوطء. روي ذلك عن ابن عمر وعلي وأبي هريرة وابن عباس وحكمه كالإحرام الصحيح؛ لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، وروي مرفوعًا: أمر المجامع بذلك؛ ولأنه معنى يجب به القضاء فلم يخرج منه كالفوات، فيفعل بعد الإفساد كما كان يفعله قبله من وقوف وغيره ويجتنب ما يجتنبه قبله من وطء وغيره، ويفدي لمحظور فعله بعده ويقضي من فسد نسكه بالوطء صغيرًا كان أو كبيرًا واطِئًا و مَوْطُؤةً فرضًا كان الذي أفسده أو نفلاً.
والدليل على أن القضاء يكون فورًا قول ابن عمر؛ فإذا أدركت قابلاً فحج واهد، وعن ابن عباس وعبدالله بن عمر ومثله رواه الدارقطني والأثرم، وزاد: «وحل إذا حلوا».
فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهْد هَدْيًا؛ فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتما، وهذا إذا كان المفسد نسكه مكلفًا؛ لأنه لا عذر له في التأخير وإلا يكن مكلفًا، بل بلغ بعد انقضاء الحجة الفاسدة فيقضي بعد حجة الإسلام فورًا لزوال عذره.
س224: من أين يحرم من أفسد نسكه في القضاء؟ وما الذي يقضيه مَن أفسد القضاء؟ وعلى مَن نفقة قضاء نسك المطاوعة على الوطء؟ وعلى مَن نفقة قضاء نسك مكرهة؟ واذكر ما يُسن في حق الواطئ والموطوءة؟ واذكر ما تستحضره من دليل؟
ج: يُحرمُ مَن أفسدَ نسكه في القضاء من حيث أحرم أو لا بما فسد إن كان إحرامُهُ به قبل ميقات؛ لأن القضاء يحْكى الأداء؛ ولأن دخوله في النسك سببًا لوجوبه فيَتَعَلَّقُ بموضع الإيجاب كالنذر.
وقال في الفروع ويتَوجَه أن يحرم من الميقات مطلقًا ومال إليه وإلا يكن أحرم بما فسد قبل ميقات، بل أحرم منه أو دونه إلى مكة؛ فإنه يحرم من الميقات؛ لأنه لا يجوز مجاوزته بلا إحرام، ومَن أفسد القضاء فوطئ فيه قبل التحلل الأول قضى الواجب الذي عليه بإفساد الأول، ولا يقضي القضاء لقضاء صلاة أو صوم أفسده؛ ولأن الواجب لا يزاد بفواته، بل يبقى على ما كان عليه.
ونفقة قضاء مطاوعة على وَطْء عليها؛ لقول ابن عمر وأهديا، أضاف الفعل إليهما.
وقول ابن عباس: اهد ناقة، ولتهد ناقة ولإفسادها نسكها بمطاوعتها أشبهت الرجل –ونفقة قضاء مكرهة على مكره. وسن تفرقهما في قضاء من موضع وطئ فلا يركب معها في محمل، ولا ينزل معها في فسطاط ولا نحوه إلى أن يحل من إحرام القضاء؛ لحديث ابن وهب بإسناده عن سعيد بن المسيب أن رجلاً جامع امرأته وهما محرمان، فسأل النبي ، فقال لهما: «أتمَّا حجكما ثم ارجعا وعليكما حجة أخرى من قابل حتى إذا كنتما في المكان الذي أصبتها فأحرما وتفرقا، ولا يؤاكل أحد منكما صاحبه، ثم أتما نُسُككما وأهديا».
وروى سعيد والأثرم عن عمر وابن عباس نحوه، قال الإمام أحمد: يتفرقان في النزول والفسطاط والمحمل؛ ولكن يكون بقربها. انتهى. وذلك ليراعي أحوالها؛ فإنه محرمها قال ذلك في «الإنصاف».
س225: تكلَّم بوضوح عن الوطء بعد التحلل الأول؟ وهل على من أكرهت في حج أو عمرة فدية؟ وتكلَّم عن (المحظور التاسع) من محظورات الإحرام؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل.
ج: الوطء بعد التحلل الأول لا يفسد نسكه؛ لقول ابن عباس في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر ينحران جزورًا بينهما، وليس عليه حج من قابل. رواه مالك، ولا يعرف له مخالف.
وعلى الواطئ بعد تحلل أول شاة لفساد إحرامه، وعليه المضي للحل فيحرم منه ليجمع في إحرامه بين الحل والحرم ليطوف للزيارة محرمًا؛ لأن الحج لا يتم إلا به؛ لأنه ركن ثم السعي إن لم يكن سعي قبل لحُجة وعمرةٌ وَطِئَ فِيها كحَجِّ فيما سبق تفصليه فيفسدها وطء قبل تمام سَعي لا بعده، وقبل حلق؛ لأنه بعد تحلل أول وعليه لوطئه في عمرته شاة ولا فدية على مكرهة في وطئ في حج أو عمرة؛ لحديث: «وما استكرهوا عليه» ومثلها النائمة، ولا يلزم الواطئ أن يَفدي عنها أي النائمة والمكرهة.
التاسع: المباشرة من الرجل للمرأة فيما دون للفرج؛ فإن فعل فأنزل لم يفسد حجه وعليه بَدَنَةٌ خلافًا للأئمة في وجوب البدنة، وإنما يجب عندهم بذلك شاة.
س226: تكلم بوضوح عن إحرام المرأة؟ وعمَّا يُبَاحُ لهُمَا؟ وما يحرم عليهما؟ وما يكره وما يُسن في حقها؟ وما يجب عليهما اجتنابه؟
ج: المرأة إحرامها في وججها؛ لحديث: «لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين» رواه البخاري وغيره.
وقال ابن عمر: إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه. رواه الدارقطني بإسناد جيد.
فإن عطب الوجه لغير حاجة فدت كما لو غطى الرجلُ رأسه والحاجة كمرور رجال أجانب قريبًا منها فتسدل الثوب من فوق رأسها وعلى وجهها؛ لحديث عائشة كان الركبان يمرون بنا وَنْحنُ محرمان مع رسول الله ، فإذا حَاذَوْنَ سَدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوَزُنا كشفنا، رواه أبو داود والأثرم.
قال أحمد: إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل.
قال الموفق: كأن الإمام يقصد أن النقاب من أسفل وجهها ولا يضر مس المسْدُولِ بَشَرةَ الوجه، وتحرم تغطية وجه المحرمة وتجب تغطية رأسها ولا تحرم تغطية كفيها ويحرم عليها ما يحرم على رجل محرم من إزالة شعر وظفر وطيب وقتل صيد وغيره مما تقدم؛ لأن الخطاب يشمل الذكور والإناث إلا لبس المخيط وتظليل المحمل لحاجتها إليه؛ لأنها عورة إلا وجهها ويحرم عليها وعلى رجل ليس قفازين أو قفاز واحد وهما كل ما يعمل لليدين إلى الكوعين يدخلهما فيه لسترهما كما يعمل للبزاة؛ لحديث ابن عمر مرفوعًا: «لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين» رواه البخاري.
وفي لبس القفازين أو أحدهما الفدية كالنقاب، ويباح للمحرمة خلخال ونحوه من حلي كسوار ودماج وقرط؛ لحديث ابن عمر أنه سمع رسول الله : «نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مسّ الورس والزعفران من الثياب، وليلبسن بعد ذلك ما أحببن من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي»، ويُسن لها خضاب بحناء عند الإحرام؛ لحديث ابن عمرك «من السُّنة أن تدلك المرأة يديها في حناء» ولأنه من الزينة
فاستحب لها كالطيب وكره خضاب بعد الإحرام ما دامت محرمة؛ لأنه من الزينة.
ويستحب في غير إحرام لمزوجة وللمحرم لبس خاتم من فضة أو عقيق ونحوهما؛ لما روى الدارقطني عن ابن عباس: لا بأس بالهَمَيان والخاتم للمحرم وله بَطُّ جرح وله خِتَانٌ وقطع عضو عند الحاجة إليه، وأن يحتجم؛ لأنه لا رفاهية فيه؛ ولحديث ابن عباس «أن النبي  احتجم وهو محرم» متفق عليه.
فإن احتاج المحرم في الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه وعليه الفدية، وكره لرَجُل وامرأة اكتحال بإثمد ونحوه لزينة؛ لما روي عن عائشة أنها قالت لامرأة محرمة: اكتحلي بأي كحل شئت غير الإثمد أو الأسود، ولهما قطع رائحة كريهة بغير طيب، ولهما إتجار وعمل صنعة ما لم يشغلا عن واجب أو مستحب؛ لقول ابن عباس كانت عكاظ ومجنة وذر المجاز أسواقًا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المل اسم، فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ في مواسم الحج. رواه البخاري.
ولأبي داود عن أبي أمامة التيمي، قال: كنت رجلاً أكرى في هذا الوجه، وكان ناس يقولون ليس لك حج، فلقيت ابن عمر، فقلت: إني أكري في هذا الوجه، وإن ناسًا يقولون: ليس لك حج، فقال ابن عمر: أليس تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ فقلت: بلى، قال: فإن لك حجًا، جاء رجل إلى النبي ، فقال: مثل ما سألتني، فسكت عنه رسول الله  فلم يجبه حتى نزلت الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فأرسل إليه رسول الله  وقرأ هذه الآية، وقال: «لك حج» بإسناده جيد، ورواه الدارقطني وأحمد، وعنده: إنا نكري، فهل لنا من حج؟ وفيه: وتحلقون رءوسكم، وفيه: فقال: «أنتم حجاج». ويجب على المحرمة والمحرم اجتناب ما نهى الله عنه تعالى: (من الرفث)
وهو الجماع. روي عن ابن عباس وابن عمر، وقال الأزهري: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة، ويجتنبان الفسوق وهو السباب، وقيل للعاصي والجدال: وهو المراء فيما لا يعني، وكذا التقبيل والغمز وأن يعرض لها الفحش من الكلام.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفث غشيان النساء، والقبلة والغَمزُ وأن تُعَرِّض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك ويُستَحبُّ له أن يَتَوفَّى الكلام فيما لا ينفع؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليَصْمُت» متفق عليه.
وعنه مرفوعًا: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» حديث حسن رواه الترمذي وغيره، ولأحمد من حديث الحسين بن علي مثله، وله أيضًا في لفظ: قلة الكلام فيما لا يعنيه.
29- باب الفدية وبيان أقسامها وأحكامها
س227: ما هي الفدية؟ وكم أقسامها؟ وهل هي على الترتيب أم التخيير؟ أم البعض تخيير والبعض ترتيب؟ وضِّح ذلك مع ذكر الأدلة؟
ج: هي مصدر فدى يفدي فداء، وشرعًا: ما يجب بسَبَبِ نسكٍ أو بسبب حَرَمٍ، والفدية ثلاثة أقسام: قسم يجب على التخيير، وهو نوعان: نوع منها يخير فيه مخرج بين ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين منهم مُدِّبُرِّ أو نصف صاع تمر أو شعير أو زبيب أو أقط وهي فدية لبس مخيط وطيب وتغطية رأس ذكر أو وجه أنثى وإزالة أكثر من شعرتين أو أكثر من ظفرين؛ لقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ.
وعن كعب بن عجرة قال: كان بي أذىً من رأسي، فحملت إلى رسول الله  والقمل يتناثر على وجهي، فقال: «ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟» قلت: لا، فنزلت الآية: فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ.
قال: هو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين نصف صاع طعام لكل مسكين. متفق عليه.
وفي رواية أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية، فقال: «كان هوَامُّ رأسك تؤذيك»، فقلت: أجل، فقال: «فاحلقه، واذبح شاة، أو صم ثلاثة أيام، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين» رواه أحمد، ومسلم، وأبي داود.
في رواية: فدعاني رسول الله ، فقال لي: «احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين فرقًا من زبيب،أو أنسك شاة»،فحلقت رأسي، ثم نسكت، فدلت الآية والخبر على وجوب الفدية على صفة التخيير؛ لأنه مدلول في حلق الرأس، وقيس عليه الأظفار واللبس والطيب؛ لأنه يحرم في الإحرام لأجل الترفه فأشبه حلق الرأس.
وثبت الحكم في غير المعذور بطريق التنبيه تبعًا؛ ولأن كل كفارة ثبت التخيير فيها مع العذر ثبت مع عدمه كجزاء الصيد.
وإنما الشرط لجواز الحلق لا للتخيير، والحديث ذكر فيه التمر، وفي بعض طرقه الزبيب وقيس عليهما البر والشعير والأقط كالفطرة والكفارة.
النوع الثاني: جزاء الصيد يخيّر فيه من وجب عليه بين ذبح مثل الصيد من النعم وإعطاءه لفقراء الحرم، أو تقويم المثل بمحل التلف للصيد أو بقربه أو بدراهم يشتري بها طعامًا؛ لأن كل مثليِّ يُقوّم بما يُقوّم مثله كمال الآدمي ولا يجوز أن يتصدق بالدَّراهِم؛ لأنه ليس من المذكورات في الآية والطعام المذكور يجزي إخراجه في فطرة كواجب في فدية أذى وكفارة فيطعم كل مسكين مُدَّ بُرِّ أو نصف صاع من غيره من تمر أو زبيب أو شعير أو أقط أو يصوم عن طعام كل مسكين يومًا؛ لقوله تعالى: وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً.
وإن بقي دون إطعام مسكين صام عنه يومًا كاملاً؛ لأن الصوم لا يتبعض ولا يجب تتابع الصوم، ولا يجوز أن يطعم عن بعض الجزاء ويصوم عن بعضه؛ لأنه كفارة واحدة كباقي الكفارات، ويخّير في صيد لا مثل له من النعم إذا قتله بين إطعام وصيام.
الضرب الثاني من الفدية: ما يجب مرتبًا وهو ثلاثة أحدها دم متعة وقران، والثاني: الحصر، والثالث: فدية الوطء.
س228: تكلم بوضوح عن الضرب الثاني من الفدية الذي يجب مرتبًا؟ وبيَّن أنواعه؟ وإذا عدم الهدي أو ثمنه، فماذا يعمل؟
ج: الضرب الثاني مرتبًا، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: دم المتعة والقران فيجب هدي؛ لقوله تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ وقيس عليه القارن؛ فإن عدم الهدي متمتع أو قارن بأن لم يجده أو عدم ثمنه ولو وجد من يقرضه صام عشرة أيام في الحج، أي وقته؛ لأن الحج أفعال لا يصام فيها كقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ أي فيها، والأفضل كون أخر الثلاثة يوم عرفة فيصومه هنا استحبابًا للحاجة إلى صومه ويقدم الإحرام بالحج قبل يوم التروية فيكون اليوم السابع من ذي الحجة محرمًا فيحرم قبل طلوع فجره وهو أوَّلُهَما ليصومها كلها وهو محرم بالحج، وله تقديم الثلاثة قبل إحرامه بالحج بعد أن يحرم بالعمرة لا قبله وأن يصومها في إحرام العمرة؛ لأن إحرام العمرة إحدى إحرامي التمتع فجاز الصوم فيه.
وبعده كالإحرام بالحج؛ ولأنه يجوز تقديم الواجب على وقت وجوبه إذا وجد سبب الوجوب وهو هنا إحرامه بالعمرة في أشهر الحج كتقديم الكفارة على الحنث بعد اليمين.
ولا يجوز تقديم صومها قبل إحرام العمرة لعدم وجوب سبب الوجوب كتقديم الكفارة على اليمين.
ووقت وجوب صوم الثلاثة وقت وجوب الهدي، وهو طلوع فجر يوم النحر؛ لأنها بدله وصيام سبعة أيام إذا رجع إلى أهله؛ لقوله تعالى: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ.
ولا يصح صوم السبعة بعد إحرامه بالحج قبل فراغه منه.
قالوا: لأن المراد بقوله تعالى: إِذَا رَجَعْتُمْ يعني من عمل الحج؛ لأنه المذكور ولا يصح صومها في أيام منى لبقاء أعمال من حج كرمي الجمار، ولا يصح صوم السبعة بعد أيام منى قبل طواف الزيارة؛ لأنه قبل ذلك لم يرجع من عمل الحج. قال في «شرح الإقناع»: قلت: وكذا بعد طواف، وقيل: سعي وإن صام السبعة بعد الطواف، ولعل المراد والسعي يصح؛ لأنه رجع من عمل الحج والاختيار أن يصومها إذا رجع إلى أهله؛ لحديث ابن عمر وعائشة لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن يجد الهدي، رواه البخاري. ولأن الله أمر بصيام الأيام الثلاثة في الحج ولم يبق من الحج إلا هذه الأيام، فتعين فيها الصوم ولا دم عليه إذا صامها أيام منى؛ لأنه صامها في الحج؛ فإن لم يصمها فيها ولو لعذر كمرض صام بعد ذلك عشرة أيام كاملة استدراكًا للواجب وعليه دم لتأخيره واجبًا من مناسك الحج عن وقته، وكذا إن أخر الهدي عن أيام النحر لغير عذر، فعليه دم لتأخيره الهدي الواجب عن وقته؛ فإن كان لعذر كأن ضاعت نفقته، فلا دم عليه ولا يجب تفريق ولا تتابع في صوم الثلاثة، ولا في صوم السبعة ولا بين الثلاثة والسبعة إذا قضى الثلاثة أو صامها أيام منى؛ لأن الأمر ورد مطلقًا، وذلك لا يقتضي جمعًا ولا تفريقًا ومتى وجب عليه الصوم لعجزه عن الهدي وقت وجوبه فشرع فيه أو لم يشرع فيه، ثم قدر على الهدي لم يَلزمه الانتقال إليه اعتبارًا بوقت الوجوب كسائر الكفارات وإن شاء انتقل من الصوم إلى الهدي؛ لأنه الأصل ومَن لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به كله أو بعضه لغير عذر أطعم عنه لكل يوم مسكين وإلا فلا.
النوع الثاني: من الضرب الثاني المحصر يلزمه هدي؛ لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ينحره بنية التحلل؛ لقوله : «وإنما لكل امرئ ما نوى»؛ فإن لم يجد المحصر الهدي صام عشرة أيام قياسًا على هدي التمتع بالنية، ثم حلّ وليس له التحلل قبل الذبح أو الصوم.
النوع الثالث: من الضرب الثاني فدية الوطء وتجب به في حج قبل التحلل الأول بدنة؛ فإن لم يجدها صام عشرة أيام في الحج وسبعة إذا فرغ من
عمل الحج كدم المتعة لقضاء الصحابة، به قال ابن عمر وابن عباس وعبدالله ابن عمرو رواه عنهم الأثرم، ولم يظهر لهم مخالف في الصحابة فيكون إجماعًا ويجب بوطء في عمرة شاة، ويجب على المرأة المطاوعة مثل ذلك.
س229: تكلم بوضوح عن (الضرب الثالث) من أضراب الفدية؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو تفصيل؟
ج: الضرب الثالث: دم وجب لفوات الحج إن لم يشترط أن محلي حيث حَبسْتنيَ أوْ وَجبَ لترك واجب من واجبات الحج أو العمرة، وتأتى إن شاء الله تعالى، أو وَجَبَ لمباشرة دون فرج، فما أوجب منه بدنة، كما لو باشر دون فرج فأنزل، أو كرّر النظر فأنزل أو قبل أو لمس لشهوة فأنزل أو لمستني فأمنى، فحكمها -أي البدنة الواجبة بذلك- كبدنة وطء في فرج قياسًا عليها؛ فإن وجدها نحرها وإلا صَامَ عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع؛ لأنه يوجب الغسل أشبه الوطء وما أوْجَبَ من ذلك شاة، كما لو أمذى أو باشر ولم ينزل أو أمنى بنظرة فكفدية أذى لما فيه من الترفه، وكذا لو وطئ في العمرة.
قال ابن عباس: فمن وقع على امرأته في العمرة قبل التقصير عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، رواه الأثرم. وكذا لو وطئ بعد التحلل الأول في الحج. وامرأة مع شهوة فيما سبق كرجل فيما يجب من الفدية كالوطء وما وجب من فدية لفوت حج أو لترك واجب فكمتعة تجبُ شاة؛ فإن لم يجد صام عشرة أيام؛ لأنه ترك بعض ما اقتضاه إحرامه أشبه المترفه بترك أحد السفرين؛ لكن لا يمكن في الفوات صوم ثلاثة أيام قبل يوم النحر؛ لأن الفوات إنما يكون بطلوع فجره قبل الوقوف، ولا شيء على من فكر فأنزل؛ لحديث: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم» متفق عليه. ولا يقاس على تكرار النظر؛ لأنه دونه في استدعاء الشهوة وإفضائه إلى الإنزال ويخالفه في التحريم إذا تعلق بأجنبية أو في الكراهة إذا تعلق بمباحة فيبقى على الأصل.
س230: إذا كرر محظورًا من جنس، فما الحكم وما المثال؟ وإذا فعل محظورًا من أجناس فما الحكم؟ وإذا حلق أو قلمّ أو وطئ أو قتل صيدًا عامدًا أو مخطئًا فما الحكم؟ وضّح ذلك مع ذكر ما نستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: ومَن كرر محظورًا من جنس غير قتل صيد بأن حلق أو قلَّم أو لبس أو تطيب أو وطئ وأعاده قبل التفكير عن أول مرة في الكل، فعليه كفارة واحدة للكل؛ لأن الله تعالى أوجب لحلق الرأس فدية واحدة، ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو دفعات، وإن كفر عن الأول لزمته للثاني كفارة؛ لأنه صادف إحرامًا فوجبت كالأول، وإن كان المحظور من أجناس بأن حلق وقلَّم ظفره وتطيب وليس مخيطًا فعليه لكل جنس فدى تفرقت أو اجتمعت؛ لأنها محظورات مختلفة الأجناس، فلم تتداخل أجزاؤها كالحدود المختلفة وعكسه، إذا كانت من جنس واحد وعليه في الصيود وإن قُتلت معًا جزاءٌ بعددها؛ لأن الله تعالى قال: فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ومثل الصيدين فأكثر لا يكون مثل أحدهما وإن حلق أو قلم فعليه الكفارة سواء كان عامدًا أو غير عامد؛ لأنه إتلاف، ولأنه تعالى أوجب الفدية على من حلق لأذىً به وهو معذور فغيره أولى، وقيل: لا فدية على مكره وناس وجاهل ونائم؛ وأما إذا وطئ؛ فإن عليه الكفارة سواء كان عامدًا أو غير عامد.
وأما إذا قتل صيدًا فيستوي عمده وسهوه أيضًا، هذا المذهب، وبه قال الحسن وعطاء والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، قال الزهري: تجب الفدية على قاتل الصيد متعمدًا بالكتاب، وعلى المخطئ بالسُّنة وعنه لا كفارة على المخطئ، وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وطاووس وابن المنذر وداود؛ لأن الله تعالى قال: مَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فدلَّ بمفهومه على أنه لا جزاء على الخاطئ؛ ولأن الأصل براءة ذمته فلا نشغلها إلا بدليل؛ ولأنه محظور بالإحرام لا يفسد به ففرق بين عمده وخطئه كاللبس.
ووجه الأول: قول جابر  جعل رسول الله  الضبع يصيده المحرم كبشًا، وقال –عليه السلام- في بيض النعام: «يصيبه المحرم ثمنه»، ولم يفرق بين العمد والخطأ. رواهما ابن ماجه. ولأنه ضمان إتلاف فاستوى عمده وخطؤه كمال الآدمي، وقيل في الجميع: إن المعذور بنسيان أو جهل كما لا إثم عليه لا فدية عليه، وهذا القول هو الذي يترجح عندي لما أراه من قوة الدليل. والله أعلم.
س231: تكلم عما يلي: مَن لبس أو تطيّب أو غطى رأسه ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا؟ مَن لم يجد ماءً لغسل طيب؟ ماذا يعمل من تطيب قبل إحرامه؟ إذا لبس محرم أو افترش ما كان مطيّبًا؟
ج: وإن لبس مخيطًا ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا أو تطيب ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا أو غطى رأسه ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا فلا كفارة؛ لقوله : «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». قال أحمد: إذا جامع أهله بطل حجه؛ لأنه شيء لا يقدر على رده، والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده، والشعر إذا حلقه فقد ذهب، فهذه الثلاث العمد والخطأ والنسيان فيها سواء، وكل شيء من النسيان بعد هذه الثلاثة فهو يقدر على رده مثل ما إذا غطى المحرم رأسه، ثم ذكر ألقاهُ عن رأسه وليس عليه شيء أو ليس خفّا نزعه وليس عليه شيء، ويلحق بالحلق التقليم بجامع الإتلاف، ويلزمه غسل الطيب وخلع اللباس في الحال، أي بمجرد زوال العذر من النسيان والجهل والإكراه؛ لخبر يعلى ابن أمية أن رجلاً أتى النبي  وهو بالجعرانة، وعليه جبة أثر خلوق، أو قال: أثر صفرة، فقال: يا رسول الله، كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: «اخلع عنك هذه الجبّة، واغسل عنك أثر الخلوق»، أو قال: «أثر الصفرة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك» متفق عليه. فلم يأمره بالفدية مع سؤاله عمّا يصنع وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز فدلّ ذلك على أنه عذر لجهله والناسي والمكره في معناه.
ومن لم يجد ماء لغسل طيب وهو محرم مسحه أو حكه بتراب أو نحوه؛ لأن الواجب إزالته حسب الإمكان، ويستحب أن يستعين في إزالته بحلال لئلا يباشره المحرم وله غسله بيده؛ لعموم أمره –عليه الصلاة والسلام- بغسله؛ ولأنه تارك له، وله غسله بمائع؛ فإن أخر غسل الطيب عنه بلا عذر فَدَى للاستدامة، أشبه الابتداء ويفدي من رفض إحرامه، ثم فعل محظورًا؛ لأن التحلل من الإحرام إما بإكمال النسك أو عند الحصر أو بالعذر إذا شرط وما عداها ليس له التحلل به ولا يفسد الإحرام برفضه كما لا يخرج منه بفساده؛ فإحرامه باق وتلزمه أحكامه ولا شيء عليه لرفض الإحرام؛ لأنه مجرد نية لم يؤثر شيئًا، وقدم في الفروع: يلزمه له دم، ومن تطيب قبل إحرامه في بدنة فله استدامته فيه؛ لحديث عائشة: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله  وهو محرم. متفق عليه.
ولأبي داود عنها: كنا نخرج مع رسول الله  إلى مكة فنضد جباهنا بالمسك المطيب عن الإحرام؛ فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي  فلا ينهاها.
ولا يجوز لمحرم لبس مطيب بعد الإحرام؛ لحديث: «لا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه الزعفران ولا الورس» متفق عليه؛ فإن لبس مطيبًا بعد إحرامه فدى أو استدام لبس مخيط أحرم فيْه ولو لحظة فوق المعتاد من خلعه فدى؛ لأن استدامتهُ كابتدائه، ولا يشقه؛ لحديث يعلى بن أمية؛ ولأنه إتلاف مال بلا حاجة ولو وجب الشق أو الفدية بالإحرام فيه لبَيَنَّهُ .
وإن لبس محرم أو افترش ما كان مطيّبًا وانقطع ريحه ويفوح ريحه برش ماء على ما كان مطيبًا وانقطع ريحه ولو افترشه تحت حائل غير ثيابه لا يمنع الحائل ريحه ولا مباشرته فدى؛ لأن مطيّب استعمله لظهور ريحه عند رش الماء والماء لا ريح فيه؛ وإنما هو من الطيب فيه ولو مسّ طيبًا يظنه يابسًا فبان رطبًا، ففي وجوب الفدية وجهان: صوب في «الإنصاف»، وتصحيح الفروع لا فدية عليه، وقال: قدمه في «الرعاية الكبرى» في موضع انتهى من «المنتهى وشرحه».
س232: تكلم بوضوح عما يتعلق بحرم أو إحرام من هدي أو إطعام؟ وحكم تفرقة لحمه في الحرام أو إطلاقه بعد ذبحه لمساكين الحرم؟ ومَن هم مساكين الحرم؟ وإذا تعذر إيصاله إلى فقراء الحرم، فما الحكم؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: كل هدي أو إطعام يتعلق بحرم أو إحرام كجزاء صيد حرم أو إحرام، وما وجب من فدية لترك واجب أو لفوات حج، أو وجب بفعل محظور في حرم كلبس ووطء فيه فهو لمساكين الحرم؛ لقول ابن عباس - رضي الله عنهما-: الهدي والإطعام بمكة، وكذا هدي تمتع وقران ومنذور ونحوها؛ لقوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ، وقال في جزاء الصيد: هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ وقيس عليه الباقي.
ويلزمه ذبح الهدي بالحرم، قال أحمد: مكة ومنى واحد واحتج الأصحاب بحديث جابر مرفوعًا: «فجاج مكة طريق ومنحر» رواه أحمد وأبو داود، ورواه مسلم بلفظ: «منى مَنحَر» وإنما أراد الحرم؛ لأنه كله طريق إليها، والفج: الطريق. قال الله تعالى: وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.
ويلزم تفرقة لحمه لمساكين الحرم أو إطلاقه لهم بعد ذبحه؛ لأن المقصود من ذبحه بالحرم التوسعة عليهم ولا يحصل بإعطاء غيرهم، وكذا الإطعام، قال ابن عباس: الهدي والإطعام بمكة؛ ولأنه ينفعهم كالهدي.
ومساكين الحرم هم مَن كان مقيمًا به أو وَارِدًا إليه من حاج وغيره ممن له أخذ زكاة الحاجة كالفقير والمسكين والمكاتب والغارم لنفسه؛ والأفضل نحر ما وجب بحج بمنى ونحَر ما وجب بعمرة بالمروة خروجًا من خلاف مالك ومَن تبعه.
وإن سلّم الهدي حيًّا لمساكين الحرم فنحروه أجزأه لحصول المقصود وإلا استرده وجوبًا ونحره لوجوب نحره؛ فإن أبى أو عجز عن استرداده ضمنه لمساكين الحرم لعدم براءته؛ فإن لم يقدر على إيصاله إليهم جاز نحره في غير الحرم كالهدي إذا عطب؛ لقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وجاز تفرقته هو والطعام إذا عجز عن إيصاله بنفسه أو بمن يرسله معه حيث نحره.
س233: تكلم عن الزمان والمكان لفدية الأذى وما ألحق به؟ وما وجب لترك واجب؟ ومتى يخرج دم الإحصار؟ وهل الصيام والحلق مكان معين؟ وما الذي يُجزي في الدم المطلق؟ وتكلم عن إجزاء البدنة أو البقرة عن الشياه وبالعكس؟
ج: فدية الأذى واللبس ونحوهما كطيب وما وَجَبَ بفعل محظور خارج الحرم فله تفرقتها حيث وجد سببها؛ لأنه  أمر كعْبَ بن عجرة بالفدية بالحديبية وهي من الحل واشتكى الحسين بن عليّ رأسه فحلقه عليّ ونحر عنه جزورًا بالسقيا. رواه مالك والأثرم وغيرهما، وله تفرقتها في الحرم أيضًا كسائر الهدايا.
ووقت ذبح فدية الأذى أي حلق الرأس وفدية اللبس ونحوهما كتغطية الرأس والطيب وما ألحق بما ذكر من المحظورات حين فعله وله الذبح فعله إذا أراد فعله لعذر ككفارة اليمين ونحوها، وكذلك ما وجب لترك واجب يكون وقته من ترك ذلك الواجب.
ودم إحصار يخرجه حيث أحصر من حلَّ أو حرم؛ لأن النبي  نحر هديه في موضعه بالحديبية، وهي من الحل ودل على ذلك قوله تعالى: وَصَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ولأنه موضع حلّه فكان موضع نحره كالحرم.
وأما الصيام والحلق فيجزئه بكل مكان؛ لقول ابن عباس: الهدي والإطعام بمكة والصوم حَيْث شاء؛ ولأنه لا يتعدى نفعه إلى أحد فلا معنى لتخصيصه بمكان بخلاف الهدي والإطعام بمكة ولعدم الدليل على التخصيص.
والدم يجزي فيه شاة كأضحية فيجزي الجذع من الضأن، والثني من المعز، أو سُبْع بدنة، أو سُبْع بقرة؛ لقوله تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ قال ابن عباس: شاة أو شرك في دم، وقوله تعالى في فدية الأذى: فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وفسره  في حديث كعب بن عجرة بذبح شاة وما سوى هذين مقيس عليهما، وإن ذبح بدنة أو بقرة فَهُو أفضل وتكون كلها واجبة؛ لأنه اختار الأعلى لأداء فرضه، فكان كله واجبًا كما لو اختار الأعلى من خصال الكفارة.
ومن وجبت عليه بدنة أجزأته عنها بقرة؛ لقول جابر: كنا ننحر البدنة عن سبعة، فقيل له: والبقرة، فقال: وهل هي إلا من البدن. رواه مسلم.
ومَن وجبت عليه بقرة أجزأته عنها بَدَنة، ويجزي عن سبع شياه بدنة أو بقرة مطلقًا وجد الشاة أو عدمها في جزاء صيد أو غيره؛ لحديث جابر: «أمرنا رسول الله  أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منَّا في بدنة». رواه مسلم.
30- باب جزاء الصيد
س234: ما المراد بجزاء الصيد؟ ومتى يجتمع الضمان والجزاء في الصيد؟ الصيد ينقسمُ قسمين: ما له مثل من النعم، والقسم الثاني: ما لا مثل له فوضَّح أولاً القسم الأول؟ واذكر ما تستحضره من الأدلة.
ج: جزاء الصيد ما يستحق بدله على من أتلفه بمباشرة أو سبب من مثله ومقاربه وشبهه، وهذا بيان نفس جزائه، والذي تقدم في الفدية ما يفعل به فلا تكرار.
ويجتمع على مُتْلفِ صَيْدِ ضمانُ قيمته لمالكه وجزاؤه لمساكين الحرم في صيد مملوك؛ لأنه حيوان مضمون بالكفارة، فجاز اجتماعهما فيه كالعبد، وهو قسمان ماله مثل من النعم خلفة لا قيمة، فيجب فيه ذلك المثل نصًّا؛ لقوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ.
وجعل –عليه الصلاة والسلام- في الضبع كبشًا، والصيد الذي له مثل من النعم نوعان: أحدهما: ما قضت فيه الصحابة فيجب فيه ما قضت به؛ لقوله : «عليكم بسنتي وسُّنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:17 am

وجعل –عليه الصلاة والسلام- في الضبع كبشًا، والصيد الذي له مثل من النعم نوعان: أحدهما: ما قضت فيه الصحابة فيجب فيه ما قضت به؛ لقوله : «عليكم بسنتي وسُّنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ» رواه احمد والترمذي وحسنه، وفي الخبر: «اقتدوا بالّلذين مِن بعدي أبي بكر وعمر»؛ ولأنهم أعرف، وقولهم أقرب إلى الصواب كان حكمهم حجة على غيرهم، وقوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ لا يقتضي التكرار للحكم، كقوله: لا تضرب زيدًا، ومن ضربه فعليه دينار، لا يتكرر بضرب واحد.
ففي النعامة بدنة حكم به عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عباس ومعاوية؛ لأنها تشبه البعير في خلقته، فكان مثلاً لها فيدخل في عموم النص: وجعلها الخرقي من أقسام الطير؛ لأن لها جناحين فيعابا بها، فيقال: طائر يجب فيه بدنة.
ويجب في حمار الوحش بقرة قضى به عمر، وقاله عروة ومجاهد؛ لأنها شبيهة به، وفي بقر لوحش بقرة قضى به ابن مسعود وقاله عطاء وقتادة. وفي الأيّل والثَيْتل والوعَل؛ أما الأيل فهو الذكر من الأوعال، وفيه بَقَرةَ؛ لقول ابن عباس - رضي الله عنهما - ، والثبتل هو الوعل المسنَّ، وفيه بقرة؛ وأما الوعل فهو تيس الجبل وفيه بقرة، روي عن ابن عمر في الأروى بقرة.
وفي الضبع كبش؛ لما ورد عن جابر قال: سألت رسول الله  عن الضبع، فقال: «هو صيد ويجعل فيْه كبش إذا صاده المحرم» أخرجه أبو داود، وعنه أن عمر قضى في الضبع كبش، أخرجه مالك وسعيد بن منصور، وعنه عن النبي  قال: «في الضبع إذا صاده المحرم كبش» أخرجه الدارقطني، وعن مجاهد أن علي بن أبي طالب قال: في الضبع صيد وفيها كبش إذا أصابها المحرم، أخرجه الشافعي.
وفي غزال عنز؛ لما ورد عن جابر أن النبي  قضى في الظبي بشاة أخرجه الدارقطني، وعنه أن عمر قضى في الغزال بعنز، أخرجه مالك والشافعي والبيهقي وسعيد بن منصور، وعن عروة قال في الشاة من الظباء: شاة، أخرجه سعيد بن منصور. وروي عن علي وابن عباس وابن عمر في الظبي شاة؛ لأن فيه شبهًا بالعنز؛ لأنه أجرد الشعر متقلّص الذنب.
وفي وَبْر ووهو دويّبة كحلاء دون السنور لا ذنب لها جَدْيٌ.
وفي ضبَّ جَدْيٌ قضى به عمر وأربَدُ والوبْرُ مقيسٌ على الضب.
والجدي الذكر من أولاد المعز له ستة أشهر قضى به عمر وعبدالرحمن بن عوف  في الضَّب.
وفي يربوع جفرة لها أشهر؛ لما ورد عن جابر أن النبي  قال في اليربوع: جفرة، أخرجه الدارقطني، وعن ابن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفر أو جفرة، أخرجه الشافعي، وروى عن عمر وعن عطاء في اليربوع جفرة.
وفي الأرنب عناق أي أنثى من أولاد المعز أصغر من الجفر قضى به عُمر، وعن جابر أن النبي  قال: «في الأرنب عناق، وفي اليربوع جفرة» رواه الدارقطني.
وفي واحد الحمام وهو كل ما عَبّ وهدر شاة قضى به عمر وابنه وعثمان وابن عباس في حمام الحرم، وروي عن ابن عباس أيضًا في حال الإحرام قال: الأصحاب: هو إجماع الصحابة، وإنما أوجبوا فيه شاة لشبهه في كرع الماء ولا يشرب كيفية الطيور، ومن هنا قال أحمد: وسندي كل طير يعبّ الماء كالحمام فيه شاة فيدخل فيْه الفواخت والقَمريُّ والقطا ونحوها؛ لأن العرب تسميها حمامًا.
س235: تكلم بوضوح عما لم تقض فيه الصحابة؟ وهل يجوز أن يكون أحد الحاكمين القاتل؟ وبأي شيء يضمن الصغير والمعيب والكبير والصحيح والأعور والأعرج؟ وهل يجزي فداء ذكر بأنثى وبالعكس؟ وهل المعتبر المثليّة بالقيمة أم الخلقة؟
ج: النوع الثاني: ما لم تقض فيه الصحابة  وله مثل من النعم فيرجع فيه إلى قول عدلين؛ لقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ فلا يكفي واحد من أهل الخبرة؛ لأنه يتمكن من الحكم بالمثل إلا بهما فيعتبرانِ الشّبهَ خِلقةً لا قيمةً؛ لفعل الصحابة.
ويجوز أن يكون القاتل أحدهما نص عليه؛ لظاهر الآية، وروي أن عمر أمر كعب الأحبار أن يحكم على نفسه في الجرادتين اللتين صادهما وهو محرم، وأمر أيضًا أرْبدَ بذلك حين وطئ الضب فحكم على نفسه بجدي فأقرَّه وكتقويمه عُرض التجارة لإخراج الزكاة.
ويجوز أن يكونا، الحاكمان بمثل الصيد المقتول القاتلين فيحكمان على أنفسهما بالمثل؛ لعموم الآية، ولقول عمر: احكم يا أرْبَدُ فيه أي الضب الذي وطئه أربد ففزر ظهره، رواه الشافعي في «مسنده»، قال أبو الورقاء عليَّ بن عقيل: إنما يحكم القاتل للصيد إذا قتله خطأ أو لحاجة أكله أو جاهلاً تحريمه، قال المنقح: وهو قوي، ولعله مرادهم؛ لأن قتل العمد ينافي العدالة.
ويضمن صغير وكبير وصحيح ومعيب: وما خص بمثله من النعم؛ لقوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ومثل الصغير صغير، ومثل المعيب معيب؛ ولأن ما ضمن باليد والجناية يختلف ضمانه بالصغر والعيب وغيرهما كالبهيمة، وقوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ مقيد بالمثل.
وقد أجمع الصحابة على إيجاب ما لا يصلح هديًا كالجفرة والعناق والجدي وإن فدى الصغير أو المعيب بكبير أو صحيح فأفضل.
ويجوز فداء صيد أعور من عين يمنى أو يسرى وفداء صيد أعرج قائمة يمنى أو يسرى بمثله من النعم أعور عن الأعور من أخرى كفداء أعور يمنى بأعور يسار وعكسه، وأعرج من قائمة بمثله أعرج من قائمة أخرى، كأعرج يمين بأعرج يسار وعكسه؛ لأن الاختلاف يسير ونوع العيب واحد والمختلف محله.
ويجوز فداء ذكر بأنثى وفداء أنثى بذكر، ولا يجوز فداء أعور بأعرج ونحوه لاختلاف نوع العيب أو محله. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س236: تكلم عما لا مثل له من النعم؟ وإذا أتلف محرم أو من بالحرم جزءًا من صَيْد فاندمل جرحه، وإذا جنى محرم أو من بالحرم على حامل؟ وإذا أمسك محرم صيدصا فتلف فرخه؟ ونفر فتلف أو نقص حال نفوره؟ وإذا أخرجه جرحًا غير مُوحٍ فغاب أو وجده ميتًا ولم يعلم موته بجنايته، وإذا وقع في ماء أو تردّى من علو؟ وإذا اندمل غير ممتنع؟ وإذا نتف ريشه أو شعره أو وبره؟ وإذا اشترك حلال ومحرم في صيد حرمي، فما الحكم؟
ج: القسم الثاني من الصيد ما لا مثل له من النعم: وهو سائر الطير، ففيه قيمته إلا ما كان أكبر من الحمام، وذلك كالكركيّ والأوزّ والحباري، فقبل بضمنه بقيمته وهو مذهب الشافعي؛ ولأن القياس يقتضي وجوبها في جميع الطير تركناه في الحمام لإجماع الصحابة  في غيره يبقى على أصل القياس، ولا يجوز إخراج القيمة طعامًا، وقيل: بلى.
والثاني: يجب شاة روي عن ابن عباس وعطاء وجابر أنهم قالوا: في الحجلة والقطاة والحباري شاة، وزاد عطاء في الكركيّ والكروان وابن الماء ودجاجة الحبش والحزب شاة والحزب فرخ الحباري، وكالحمام بطريق الأولى.
وإن أتلف محرم أو من بالحرم جزءًا من صيد، فاندمل جرحه وهو ممتنع وله مثل من النعم ضمن الجزء المتلف بمثله من مثله من النعم لحمًا كأصله ولا مشقة فيه لجواز عدوله إلى الإطعام والصوم وألا يكن له مثل من النعم؛ فإنه يضمنه بنقصه من قيمته؛ لضمان جملته بالقيمة فكذا جزاؤه.
وإن جنى محرم أو من بالحرم على حامل، فألقت ميتًا ضمن نقص الأم فقط، كما لو جرحها؛ لأن الحمل زيادة في البهائم.
وما أمسك محرم من صيد، فتلف فرخه أو ولده أو نفره، فتلف حال نفوره أو نقص حال نفوره ضمنه لحصول تلفه أو نقصه بسببه لا إن تلف بعد أمته.
وإن جرح الصيد جرحًا غير موح فغاب ولم يعلم خبره ضمنه بما نقصه فيقوّم صحيحًا وجريحًا غير مندمل، ثم يخرج من مثله إن كان مِثْليًّا، وكذا إن وجده ميتًا بعد جرحه غير مُوْح ولو يعلم موته بجرحه وإن وقع صيد بعد جرحه في ماء أو تردّى من علوّ بعد جرحه، فمات ضمنه جارحه لتلفه بسببه، ويجب فيما اندمل جرحه من الصيود غير ممتنع من قاصده جزاء جميعه؛ لأنه عطله فصار كتالف وكجرح تيقن به موته، وقيل: يضمن ما نقص لئلا يجب جزاءه لو قتله محرم آخر، وهذا القول عندي أنه أرجح. والله أعلم.
وإن جرح الصيد جرحًا موحيًا لا تبقى معه حياة فعليه جزاء جميعه، وإن نتف ريشه أو شعره أو وبره فعاد فلا شيء عليه فيه، وإن صاد غير ممتنع فكجرح صار به غير ممتنع، وكلما قتل محرم صيدًا حكم عليه بالجزاء في كل مرة، هذا المذهب وهو قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة وغيرهم، وهو ظاهر قوله تعالى: وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً الآية؛ لأن تكرار القتل يقتضي تكرار الجزاء وذكر العقوبة في الآية لا يمنع الوجوب؛ ولأنها بدل متلف يجب به المثل أو القيمة فأشبه مال الآدمي.
قال أحمد: روي عن عمر وغيره، أنهم حكموا في الخطأ وفيمن قتل، ولم يسألوه هل كان هذا قتل أو لا؟ وفيه رواية ثانية أنه لا يجب إلا في المرة الأولى، وروي ذلك عن ابن عباس، وبه قال شريح والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة؛ لأن الله تعالى قال: وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ولم يوجب جزاء، وفيه رواية ثالثة إن كفَّر عن (الأول) فعليه (للثاني) كفارة وإلا فلا.
وإن اشترك حلال ومحرم في قتل صيد حرميّ، فالجزاء عليهما نصفين لاشتراكهما في القتل.
31- باب صيد الحرمين
س237: تكلم عن حكم صيد حرم مكة؟ وإذا قتل محل من الحل صيدًا في الحرم كله أو جزؤه؟ وإذا قتل الصيد في الحل محل بالحرم؟ وإذا أمسكه بالحرم فهلك فرخه بالحل؟ وإذا أرسل كلبه من الحل على صيد بالحل فقتل الصيد بالحرم، وإذا دخل كلبه أو سهمه بالحرم، ثم خرج منه فقتل صيدًا أو جرحه بالحل فمات بالحرم؟ وتكلم عن حكم الصيد الذي وُجدَ سبب موته بالحرم؟
ج: حكم صيد حرم مكة حكم صيد الإحرام فيحرم حتى على محل إجماعًا؛ لخبر ابن عباس قال: قال رسول الله  يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة» الحديث، وفيه «لا ينفر صيدها» متفق عليه.
ويضمن بريه بالجزاء لما سبق عن الصحابة، ويدخله الصوم كصيد الإحرام، وصغير وكافر كغيرهما حتى في تملكه فلا يملكه ابتداء بغير إرث إلا أنه يحرم صيد بحريه أي الحرم؛ لعموم الخبر ولا جزاء فيه لعدم وروده.
وإن قتل محل من الحل صيدًا في الحرم كله ضمنه؛ لعموم: «ولا ينفر صيدها» وتغليبًا لجانب الحضر، وإذا كان جزء من الصيد في الحرم؛ فإن كان ذلك الجزء من القوائم ضمنه مطلقًا قائمًا أولاً، وإن كان من غير القوائم كالرأس والذنب؛ فإن كان الصيد غير قائم ضمنه أيضًا، وإن كان قائمًا لم يضمنه.
وإن قتل الصيد على غصن في الحرم ولو أن أصله في الحل ضمنه؛ لأنه في الحرم، وإن أمسك الصيد بالحل فهلك فرخه بالحرم أو هلك ولده بالحرم ضمنه؛ لأنه تلف بسببه، وإن قتل الصيد في الحل محل بالحرم ولو على غصن أصله بالحرم بسهم أو كلب أو غيرهما لم يضمن.
وإن أمسكه حلال بالحرم فهلك فرخُه بالحل أو هلك ولده بالحل لم يضمن؛ لأنه من صيد الحل، وإن أرسل حلال كلبَه من الحِل على صيده به فقتله أو غيره بالحرم لم يضمن، أو فعل ذلك بسهمه بأن رمى محل به صيدًا بالحل فشطح السهم، فقتل الصيد في الحرم لم يضمن؛ لأنه لم يرم به ولم يرسل كلبه على صيد بالحرم، وإنما دخل الكلب باختيار نفسه أشبه ما لو استرسل بنفسه، وكذا سهمه إذا شطح بغير اختياره أو دخل سهمه أو كلبه الحرم، ثم خرج منه فقتل صيدًا أو جرحه بالحل، فمات بالحرم لم يضمن، كما لو جرحه محل ثم أحرم ثم مات الصيد في إحرامه فلا يضمنه؛ لأنه لم يجن عليه في إحرامه، ولو رمى الحلال صيدًا، ثم أحرم قبل أن يصيبه ضمنه اعتبارًا بحال الإصابة.
ولو رمى المحرم صيدًا ثم حَلَّ قبل الإصَابة لم يضمن الصيد اعتبارًا بحال الإصابة ولا يحل ما وجد سَببُ موته بالحرم تغليبًا للحظر، كما لو وجد سببه في الإحرام فهو ميتة، ولو جرح محل من الحل صيدًا في الحل، فمات الصيد في الحرم حل ولم يضمن؛ لأن الزكاة وجدت بالحل.
س238: تكلم عن حكم قطع شجر حرم مكة؟ ورعي حشيشه؟ وما تضمن به الشجرة وحشيشه؟ وإذا غرس الشجرة في الحل وتعذر ردها أو يبست فما الحكم؟ وإذا نفر الصيد من الحرم ثم قتل في الحِل، فما الحكم؟ وإذا قطع غُصنًا في الحل أصله أو بعض أصله في الحل، فما الحكم؟ وإذا قطعه في الحرم وأصله كله في الحل، فما حكمه؟ واذكر ما في ذلك من دليل أو تعليل؟
ج: يحرم قطعُ شجر حرم مكة الذي لم يزرعه آدمي إجماعًا؛ لقوله-عليه الصلاة والسلام-:«ولا يعضد شجرها»،ويحرم قطع حشيشه؛ لقوله-عليه الصلاة والسلام-: «ولا يحش حشيشها»، حتى الشوك ولو ضر؛ لعموم حديث أبي هريرة  المتفق عليه: «ولا يختلي شوكها»، وحتى السواك ونحوه والورق لدخوله في مسمى الشجر إلا اليابس من شجر وحشيش؛ لأنه كميت وإلا الإذخر لقول العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم وبيوتهم.
قال: «إلا الإذخر» وهو نبت طيب الرائحة، والقين: الحداد، إلا الكمأة والفقع؛ لأنهما لا أصل لهما، وإلا الثمرة؛ لأنها تستخلف وإلا ما زرعه الآدمي من الشجر.
ويباح وعي حشيش الحرم؛ لأن الهدايا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه، ولم ينقل سَدُّ أفواهها، ولدواعي الحاجة إليه أشبه قطع الإذخر، بخلاف الإحشاش لها، ويباح انتفاع بما زال من شجر الحرم أو انكسر فيه بغير فعل آدمي، ولو لم ينفصل لتلفه فصار كالظفر المنكسر، وتضمن شجرة صغيرة عرفًا بشاة، ويضمن ما فوق الصغيرة من الشجر وهي الكبيرة والمتوسطة ببقرة؛ لقول ابن عباس: في الدوحة بقرة، وفي الجزلة شاة.
قال: والدوحة: الشجرة العظيمة، والجزلة: الصغيرة، ويخير بين الشاة أو البقرة فيذبحها ويفرقها أو يطلقها لمساكين الحرم، وبين تقويمه أي المذكور من شاة أو بقرة بدراهم ويفعل بقيمته كجزاء صيد بأن يشتري بها طعامًا يجزي في الفطرة فيطعم كل مسكين مُدَّ بُرِّ أو نصف صاع من غيره أو يصوم عن طعام كل مسكين يومًا، ويضمن حشيش وورق بقيمة؛ لأنه متقوم ويفعل بقيمته كما سبق ويضمن غصن بما نقص كأعضاء الحيوان، وكما لو جنى على مال آدمي فنقص ويفعل بأرشه، كما مر؛ فإن استخلف شيء من الشجر والحشيش والورق ونحوه سقط ضمانه كريش صيد نتفه وعَادَ وكَرَد شجرة فنبتت ويضمن نقصَهَا إن نقصت بالرد، ولو قلع شجرة من الحرم ثم غرسها في الحل وتعذر
ردها أو يبست ضمنها لإتلافها، فلو قلعها غيره ضمنها القالع وحده؛ لأنه المتلف لها، ويضمن منفر صيدًا من الحرم قتل بالحل لتفويته حرمته ولا ضمان على قاتله بالحلي، وكذا مخرج صيد الحرم إلى الحل فيقتل به فيضمنه إن لم يرده إلى الحرم؛ فإن رده إليه فلا ضمان، ولو رمى صيدًا فأصابه، ثم سقط على آخر فماتا ضمنهما.
ويضمن غصن في هواء الحل أصله بالحرم أو بعض أصله بالحرم لتبعيته لأصله، ولا يضمن ما قطعه من غصن بهواء الحرم وأصله بالحل لما سبق، ولا يكره إخراج ماء زمزم؛ لما روى الترمذي، وقال: حسن غريب.
عن عائشة أنها كانت تحمل من زمزم وتخبر أن النبي  كان يحمله؛ ولأنه يستخلف كالثمرة، وقال أحمد: أخرجه كعب ولم يزد عليه.
س239: تكلم بوضوح عن حدّ حرم مكة وعن المجاورة بمكة وأفضليتهما ومضاعفة الحسنات والدليل والجواب عن الإرادات؟
ج: وحدّ حرم مكة من طريق المدينة ثلاثة أمياله عند بيوت السقيا دون التنعيم، وجدّه من اليمن سبعة أميال عند أضاةِ لبْن؛ وحَده من العراق كذلك أي سبعة أميال على ثنية رجْل بالمنقطع، وَحَدُّه من الطائف وبطن نمرة كذلك، أي سبعة أميال عند طرف عرفة، وحده من الجعرّانة تسعة أميال في شعب عبدالله بن خالد، وحده من طريق جدة عشرة أميال، وحكم وَجَّ وأدى بالطائف كغيره من الحل، فيباح صيده وشجره وحشيشه بلا ضمان، والخبر فيه ضعفه أحمد وغيره، وقال ابن حبان والأزدي: لم يصح حديثه، ومكة أفضل من المدينة؛ لحديث عبدالله بن عدي بن الحمراء أنه سمع النبي  يقول وهو واقف بالخزورة في سوق مكة: «والله إنا لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح، ولمضاعفة الصلاة فيه أكثر.
وأما حديث: «المدينة خير من مكة» فلم يصح، وعلى فرض صحته فيحمل على ما قبل الفتح، ونحوه حديث: «اللهم إنهم أخرجوني من أحبّ البقاع إليّ، فأسكني في أحبّ البقاع إليك» يرد أيضًا بأنه لا يعرف، وعلى تقدير صحته، فمعناه: أحب البقاع إليك بعد مكة، وتستحب المجاورة بمكة لما سبق من أفضليتها وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان فاضل وبزمان فاضل؛ لقول ابن عباس، وسُئل أحمد: هل تكتب السيئة أكثر من واحدة؟ فقال: لا، إلا بمكة لتعظيم البلد، ولو أن رجلاً بعدن وهمّ أن يقتل بعد البيت أذاقه الله من العذاب الأليم.
وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: المجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان.
32- فصل في حرم المدينة
س240: تكلم عن حرم المدينة وعمَّا يجوز أخذه وعن صيدها وحشيتها؟ وبيَّن حدود حرمها، وعن مقدار ما جعله النبي  حِمًى؟
ج: يحرم صيد حرم المدينة، وتسمى طابةَ وَطيْبَةَ، قال حسان:
بِطَيْبَةِ رَسمٌ للرسول ومعهدُ
مُنيرٌ وقد تَعْفوا الرسوم وتْهمُد
وإن صاده وذبحه صَحَّتْ تذكيتَه، ويحرم قطع شجرها وحشيشها؛ لما روى أنس: أن النبي  قال: «المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها» متفق عليه.
ولمسلم لا يختلي، فَمن فعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ويجوز أخذ ما تدعو الحاجة إليه من شجرها للرحل أي رَحل البعير وهو أصغر من القتب وعوارضه وآلة الحرث ونحوه والعارضة لسقف المحمل، والمساند من القائمتين اللتين تنصب البكرة عليهما والعارضة بين القائمتين ونحو ذلك؛ لما روى جابر: أن النبي  لما حرّم المدينة، قالوا: يا رسول الله، إنا أصحاب عمل وأصحاب نضح، وإنا لا نستطيع أرضًا غَيْرَ أرضنا فرخص لنا، فقال: «القائمتان والوسادة والعارضة والمسند؛ فأما غير ذلك فلا يعضد» رواه أحمد. فاستثنى الشارع ذلك وجعله مباحًا، والمسند عود البكرة.
ويجوز أخذ ما تدعو الحاجة إليه من حشيشها للعلف؛ لقوله  في حديث عليّ: «ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره» رواه أبو داود؛ ولأن المدينة يقرب منها شجر وزرع، فلو منعنا من احتشاشها أفضى إلى
الضرر بخلاف مكة، ومن أدخل إليها صيدًا، فله إمساكه وذبحه؛ لقولِ أنس: كان النبي  أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال: أبو عمير، قال: أحسبه فطيمًا وكان إذا جاء، قال: «يا أبا عمير، ما فعل النُّغِير؟ - وهو طائر صغير كان يلعب به» متفق عليه، ولا جزاء في صيدها وشجرها وحشيشها.
قال أحمد في رواية بكر بن محمد: لم يبلغنا أن النبي  ولا أحد من أصحابه حكموا فيه بجزاء؛ لأنه يجوز دخول حرمها بغير إحرام، ولا تصلح لأداء النسك ولا لذبح الهدايا، فكانت كغيرها من البلدان ولا يلزم من الحرمة الضمان ولا لعدمها عدمه وحدّ حرمها ما بين ثور إلى عَيْر؛ لحديث عليّ مرفوعًا: «حرم المدينة ما بين ثور إلى عير» متفق عليه. وهو ما بين لابتيها؛ لقول أبي هريرة  قال: قال رسول الله : «ما بين لابتيها حرام» متفق عليه، واللابة الحرَّة وهي أرض تركبها حجارة سوداء، فلا تعارض بين الحديثين.
قال في «فتح الباري»: رواية ما بين لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها، ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل جبل لابة أو لابتيها من الجنوب والشمال، وجبليها من جهة المشرق: وقَدْرُهُ بَريدٌ في بَريد. وثور رجل صغير يضرب لونه إلى الحمرة بتدوير خلف أحُد من جهة الشمال، وعير جبل مشهور بالمدينة، «وجعل النبي  حول المدينة أثنى عشر ميلاً حمًى» رواه مسلم عن أبي هريرة، ولا يحرّم على المحل صَيْدُ وَجٍّ وشجره وحشيشه وهو واد بالطائف.
33- باب دخول مكة
س241: بَّين متى يُسن دخول مكة؟ ومِن أين يدخلها؟ ومِن أين يخرج؟ ومِنْ أين يدخل المسجد الحرام؟ وما الذي يقوله إذا رأى البيت؟ وما الذي يُسن لمريد دخول مكة؟ وما الذي يُسَن قوله حين يدخل المسجد؟
ج: يُسنُّ الاغتسال لدخوله ولو كان بالحرم ولدخول حرمها، ويُسن أن يدخلها نهارًا؛ لما ورد عن نافع قال:
إن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طُوى حتى يصبح ويغتسل ويصلي فيدخل مكة نهارًا، وإذا نفر منها مر بذي طوى وبات بها حتى يصبح وَيَذْكُرُ «أنَّ النبيّ  كان يفعل ذلك» متفق عليه.
ويُسن الدخول من أعلاها أي مكة من ثنية كَدَاء -بفتح الكاف والدال ممدود مهموز مصروف وغير مصروف- ذكره في المطلع النصيرية للهوريني.
ويُسن أن يخرج مِن كُدًا بضم الكاف وتنوين الدال عند ذي طُوَى بقرب شعب الشافعيين من الثنية السفلى:
يُسنُّ دخولٌ من كدَاء لِمَكّة
بفتح وبالضم الخَروجُ فَقَيدِ
والدليل على ذلك ما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «إن النبي  لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها» متفق عليه.
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كان النبي  إذا دخل مكة دخل من الثنية العلياء التي بالبطحاء، وإذا خرج خرج من الثنية السفلى» رواه الجماعة إلا الترمذي.
ويُسنُّ أن يدخل المسجد الحرام من باب بني شبييه؛ لحديث جابر: «أن النبي  دخل مكة ارتفاع الضحى وأناخ راحلته عند باب بني شَيْبَةَ ثم دخل» رواه مسلم وغيره.
ويقول حين يدخلهُ: «بسم الله، وبالله، ومن الله، وإلى الله، اللهم افتح لي أبواب فضلك»، فإذا رأى البيت رفع يديه؛ لما ورد عن ابن جريج، قال: حدثت عن مقسم:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي  قال: «ترفع الأيدي في الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة ويجمع، وعند الجمرتين، وعلى الميَّت» .
وعن جريج أن النبي  كان إذا رأى البيت رفع يديه، وقال: «اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا» الحديث.
ويُسن أن يقول بعد رفع يديه: «اللهم أنت السلام ومنك السلام حَيِّنَا ربَّنَا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومهابةً وبرًّا، وزد من عظّمه وشرّفه ممن حجه واعتمره تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومهابة وبرًّا، الحمد لله رب العالمين كثيرًا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، والحمد لله الذي بلغني بيته وَرَآني لذلك أهلاً، والحمد لله على كل حال، اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام، وقد جئتك لذلك، اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت» يرفع بذلك صوته؛ لأنه ذكر مشروع أشبه التلبية.
س242: ماذا يفعل بعد رفع يديه وقول الوارد عند رؤية البيت؟
ج: ثم يطوف متمتع للعمرة، ويطوف مفرد للقدوم، ويطوف قارن للقدوم وهو الوُرُود فتستحب البداءة بالطواف لداخل المسجد الحرام، وهو تحية الكعبة وتحية المسجد الصلاة وتجزي عنها ركعتا الطواف؛ لحديث جابر: حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرَمَل ثلاثًا ومشى أربعًا.
وعن عائشة: «حين قدم مكة توضأ ثم طاف بالبيت» متفق عليه.
وروي عن أبي بكر وعمر وابنه وعثمان وغيرهم: ويضطبع استحبابًا غير حامل معذور في كل أسبوعه بأن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر؛ لما روى أبو داود وابن ماجه عن يعلى بن أمية أن النبي  طاف مضطبعًا.
ورويا عن ابن عباس أن النبي  وأصحابه اعتمروا من الجعرّانة، فرَملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها على عراتقهم اليسرى، وإذا فرغ من طوافه أزاله ويبتدي الطواف من الحجر الأسود، لفعله –عليه الصلاة والسلام- فيحاذيه بكل بدنه ويستلمه أي يمسح الحجر بيده اليمنى.
وروى الترمذي مرفوعًا: «أنه نزل من الجنة أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم»، وقال: حسن صحيح، ويقبّله بلا صوت يظهر للقُبلة؛ لحديث ابن عمر: أن النبي  استقبل الحجر ووضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، ثم التفت، فإذا هو بعمر بن الخطاب يَبْكي، فقال: «يا عمر، هاهنا تسكب العبرات» رواه ابن ماجه.
ويسجد لما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أنه كان يقّبل الحجر الأسود ويسجد عليه» رواه الحاكم مرفوعًا، والبيهقي موقوفًا.
فإن شق استلامه وتقبيله لم يزاحم واستلمه بيده وقبّلها؛ لما ورد عن نافع، قال: رأيتُ ابن عمر - رضي الله عنهما - استلم الحجر بيده ثم قبّل يده، وقال: «ما تركته منذ رأيت رسول الله  يفعله» متفق عليه.
ولما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن النبي  استلمه وقبّل يده» رواه مسلم. فإن شق استلامه بيده؛ فإنه يستلمه بشيء ويقبل مما استلمه به؛ لما ورد عن أبي الطفيل عامر بن وَاثِلة قال: «رأيت رسول الله  يطوف بالبيت ويستلم الحجر بمحجن معه، ويقبل المحجن» رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه.
فإن شق استلامه بيده فبشيء أشار إليه واستقبله بوجهه ولا يقبل المشار به؛ لعدم وروده ولا يزاحم لاستلام الحجر أو تقبيله أو السجود عليه فيؤذي أحدًا من الطائفين، ويقول عند استلام الحجر أو استقباله بوجهه إذا شق استلامه: بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسُّنة نبيك محمد ، ويقول ذلك كلما استلمه؛ لما روى جابر أن النبي  استلم الركن الذي فيه الحجر وكبّر، وقال: «اللهم وفاء بعهدك وتصديقًا بكتابك».
وعن عليّ –كرم الله وجهه- أنه كن يقول إذا استلم: اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسُّنة نبيك محمد .
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - مثله، وعن عبدالله بن السائب أن النبي  كان يقول ذلك عند استلامه ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف على يمينه؛ لما روى عن جابر: «أن رسول الله  لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا» رواه مسلم والنسائي.
ولأنه -عليه الصلاة والسلام- طاف كذلك، وقال: «خذوا عني مناسككم»، وليقرب جانبه الأيسر من البيت، فأول ركن يمر به الطائف يسمى الشامي والعراقي وهو جهة الشام، ثم يليه الركن الغربي والشِّامي وهَوَ جهة المغرب ثم اليماني جهة اليمن، فإذا أتى عليه استلمه، ولم يقبله ولا يستلم ولا يقبل الركنين الآخرين؛ لقول ابن عمر: لم أرى النبي  يمسح من الأركان إلا اليمانيين. متفق عليه. ويرمل طائف ماش غير حامل معذور، وغير نساء وغير محرم من مكة أو قربها فيسرع المشي ويقّارِبُ الخُطا في ثلاثة أشواط ثم بعدها يمشي أربعة أشواط بلا رَمَل.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أمرهم النبي  أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا أربعًا ما بين الركنين، متفق عليه.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثًا ومشى أربعًا.
وفي رواية: رأيت رسول الله  إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم؛ فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة، متفق عليه.
ولا يقضي رمل ولا اضطباع ولا يقضي بعضه إذا فاته في طواف غيره؛ لأنه هيئة عبادة لا تقضي في عبادة أخرى كالجهر في الركعتين الأولتين من مغرب وعشاء وإن تكره في شيء من الثلاثة أتى به فيما بقي منها، والرمل أولى من الدنو من البيت؛ لأن المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكانها وزمانها، وتأخير الطواف لزوال الزحام للرمل أو للدنو مِن البيت أولى من تقديم الطواف مع فوات أحدهما ليأتي به على الوجه الأكمل، وكلما حاذ الحجر الأسود والركن اليماني استلمهما استحبابًا؛ لما ورد عن ابن عمر أن النبي  كان لا يدع أن يستلم الحجر والركن اليماني في كل طوافه، رواه أحمد وأبو داود.
لكن لا يقبل إلا الحجر الأسود أو أشار إليهما أي الحجر والركن اليماني إن شق استلامهما، ولا يُسن استلام الشامي وهو أول ركن يمر به ولا استلام الركن الغربي وهو ما يلي الشامي؛ لقول ابن عمر: «أن رسول الله  كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني».
وقال: ما أراه لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلا لأن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك.
وأيضًا فقد أنرك ابن عباس على معاوية استلامهما، وقال: لقد كن لكم في رسول الله أسوة حسنة، فقال معاوية: صدقة، ويقول: طائف كلما حاذى الحجر الأسود الله أكبر فقط؛ لحديث ابن عباس: «أن رسول الله  طاف على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء وكبر» رواه البخاري.
ويقول بين الركن اليماني وبين الحجر الأسود:
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؛ لما ورد عن عبدالله بن السائب قال: سمعت رسول الله  يقول ما بين الركنين:
«ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة  أن النبي  قال: «وكل به سبعون ملكًا –يعني الركن اليماني-، فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار»، قالوا: آمين، رواه ابن ماجه.
ويقول في بقية طوافه: اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وسعيًا مشكورًا، اغفِرْ وارحم واهدني السبيل الأقوم وتجاوز عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم، أو يقول غير ذلك من ما أحب ذكرًا ودعا.
وكان عبدالرحمن بن عوف يقول: «رب قني شح نفسي».
وعن عروة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: «لا إله إلا أنت، وأنت تحيى بعد ما أمت» لأنه لم يثبت عن النبي  أدعية مخصوصة للطواف إلا أنه كان يختم طوافه بين الركنين بقوله: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار».
وتُسن القراءة في الطواف؛ لأنها أفضل الذكر، قال في «الاختيارات الفقهية» (ص118): ويُسن القراءة في الطواف لا الجهر بها؛ فإما إن غلط المصلين، فليس له ذلك إذًا وَجنْسُ القراءة أفضل من جنس الطواف. انتهى.
ولا يُسنُّ رَمَل ولا اضطباع في غير هذا الطواف؛ لأنه  وأصحابه إنما رملوا واضطبعوا فيه، ومن طاف راكبًا أو محمولاً لم يجزئه إلا لعذر؛ لحديث: «الطواف بالبيت صلاة» ولأنه عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبًا أو محمولاً لغير عذر، كالصلاة، وإنما طاف النبي  راكبًا لعذر.
قال ابن عباس وروى: أن النبي  كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد، هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت، وكان النبي  لا تضرب الناس بين يديه، فلما كثروا عليه ركب. رواه مسلم.
ولا يجوز للطواف عن حامل المعذور؛ لأن القصد هذا الفعل وهو واحد فلا يقع عن اثنين ووقوعه عن المحمول أولى؛ لأنه لم ينوه إلا لنفسه بخلاف الحامل، وإن نوى حامل الطواف وحْدَهُ دونَ المحمول أو نوى الحامل والمحمول الطواف عن الحامل فَيجزي عنه لخلوص النية منهما للحامل وحكم سعي راكبًا كطواف راكبًا، فلا يجزيه إلا لعذر، وإن حمله بعرفات أجزأ عنهما؛ لأن المقصود الحصول بعرفة وهو موجود.
س243: ما شروط صحة الطواف؟ وما دليلها؟
ج: شروط صحة الطواف: أولاً: الإسلام. ثانيًا، وثالثًا: العقل والنية كسائر العبادات. ورابعًا: ستر العورة؛ لحديث: «لا يطوف بالبيت عريان» متفق عليه. خامسًا: اجتناب النجاسة. سادسًا: الطهارة من الحدث لغير طفل؛ لحديث ابن عباس أن النبي  قال: «الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه» رواه الترمذي والأثرم.
وقوله  لعائشة لما حاضت: «أفعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تتطهري» رواه البخاري ومسلم.
وقال في «الاختيارات الفقهية»: والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم دليل أصلاً، وما روى أن النبي  لما طاف توضأ، فهذا لا يدل؛ فإنه كان يتوضأ لكل صلاة (من ص119).
سابعًا: تكميل السبع؛ لأن النبي  طاف سبعًا فيكون تفسير لمجمل قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ فيكون ذلك الطواف المأمور به، وقد قال : «خذوا عني مناسككم»؛ فإن ترك من السبع ولو قليلاً لم يجزئه، وكذا إن سلك الحجر أو طاف على جداره أو على شاذروان الكعبة لم يجزئه؛ لأن قوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ يقتضي الطواف بجميعه والحجر منه؛ لقوله : «الحجر من البيت» متفق عليه.
ثامنًا: جعل البيت عن يساره؛ لحديث جابر «أن النبي  لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثًا ومشى أربعًا» رواه مسلم والنسائي.
تاسعًا: كونه ماشيًا مع القدرة فلا يجزي طواف الراكب لغير عذر؛ لحديث: «الطواف بالبيت صلاة».
ولما ورد عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: شكوت إلى النبي  أني أشتكي، فقال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة» متفق عليه.
قال البخاري (باب المريض يطوف راكبًا): عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله  طاف بالبيت وهو على بعير، كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر، وساق بعده حديث أم سلمة. انتهى.
وعن جابر قال: طاف رسول الله  بالبيت وبالصفا والمروة في حجة الوداع على راحلته يَستلم الحجر بمحجنه؛ لأن يراه الناس وليشرف ويسألوه؛ فإن الناس غَشَوهُ، رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعن عائشة قالت: طاف رسول الله  في حجة الوداع على بعيره يستلم الركن كراهية أن يصرف عنه الناس. رواه مسلم.
فإن فعل لغير عذر، فعن أحمد فيه ثلاث روايات: إحداهن: لا يجزي؛ لأ النبي  قال الطواف بالبيت صلاة؛ ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبًا لغير عذر كالصلاة.
والثانية: يجزيه ويجبر بدم وهو قول أبي حنيفة إلا أنه قال: ما كان بمكة؛ فإن رجع جبره بدم؛ لأنه ترك صفة واجبة في ركن الحج أشبه ما لو دفع من عرفة قبل الغروب.
والثالثة: يجزي ولا شيء عليه اختارها أبو بكر وهو مذهب الشافعي وابن المنذر.
لما روى جابر أن النبي  طاف راكبًا ليراه الناس ويسألوه.
قال ابن المنذر: لا قول لأحد مع فعل النبي ؛ ولأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقًا فكيفما أتى به أجزأه، ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه أحوط. والله أعلم.
عاشرًا: الموالاة؛ لأنه  طاف كذلك، وقد قال: «خذوا عني مناسككم»، ويبتدئ الطواف لحدث فيه تعمده أو سبقه بعد أن تطهر كالصلاة وإن أقيمت الصلاة وهو في الـطواف أو حـضرت جنازة وهو فيه صلى، وبنى على ما سبق من طواف؛ لحديث: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» ولأن الجنازة تفوت بالتشاغل، ويبتدئ الشوط من الحجر الأسود فلا يعتد ببعض شوط قطع فيه.
الحادي عشر: أن يكون الطواف بالبيت داخل المسجد وحول البيت، فلو طاف خارج المسجد أو داخل الكعبة لم يصح طوافه، وإن طاف في المسجد من وراء حائل من قبة وغيرها أجزأ الطواف؛ لأنه في المسجد وإن طافت على سطح المسجد توجه الإجزاء قاله في الفروع، وإن شك في عدد الأشواط أخذًا باليقين ليخرج من العهدة بيقين، ويقبل قول عدلين في عدد الأشواط كعدد الركعات في الصلاة، فإذا تم طوافه تنفل بركعتين، والأفضل كونهما خلف مقام إبراهيم؛ لحديث جابر في صفة حجه –عليه الصلاة والسلام- وفيه: ثم تقدم إلى مقام إبراهيم، فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى «فجعل المقام بينه وبين البيت، فصلى ركعتين» الحديث رواه مسلم، ولا يشرع تقبيله ولا مسحه فسائر المقامات أولى، وكذا صخرة بنت المقدس، ويقرأ في الركعتين بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ وسورة الإخلاص بعد الفاتحة؛ لما ورد عن جابر أن رسول الله  قرأ فاتحة الكتاب وقُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثم عاد إلى الركن فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، رواه أحمد ومسلم والنسائي.
ويُسن عوده إلى الحجر الأسود فيستلمه لما تقدم، ويُسن الإكثار من الطواف كل وقت ليلاً ونهارًا وله جمع أسابيع بركعتين لكل أسبوع من تلك الأسابيع فعلته عائشة والمسور بن مخرمة، وكونه –عليه السلام- لا يفعله بالاتفاق ولا تعتبر الموالاة بين الطواف والركعتين؛ لأن عمرَ صلَّاهما بذي طُوى وأخَّرَت أم سلمة الركعتين حين طافت راكبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والأولى أن يركع لكل أسبوع ركعتين عقبه ولطائف تأخير
سعيه عن طوافه بطواف وغيره فلا تجب الموالاة بينهما، ولا بأس أن يطوف أول النهار، ويسمى آخره.
س244: اذكر سنن الطواف وما تستحضره من الآداب التي تنبغي للطائف؟
ج: من سننه:
أولاً: الرّمل: وهو سُّنة في حق الرجال دون النساء والعجزة، ويُسن في طواف القدوم خاصةً.
ثانيًا: الإضطباع: وهو أيضًا خاص بطواف القدوم.
ثالثًا: تقبل الحجر الأسود عند بدء الطواف إن أمكن وإلا فلمسه أو الإشارة إليه كافية. رابعًا: قول بسم الله والله أكبر، اللهم إيمانًا بك... إلخ، كلما استلم الحجر أو أشار إليه. خامسًا: الدعاء أثناء الطواف وهو غير مخصوص إلا ما كان من قوله: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» فقد ثبت أن النبي  كان يختم بها الشوط من طوافه. سادسًا: استلام الركن اليماني باليد. سابعًا: الدنو من البيت. ثامنًا: صلاة ركعتين بعد الفراغ من الطواف خلف مقام إبراهيم وأن يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص، وتقدم أدلة هذه السنن.
وينبغي أن يكون الطواف في خشوع تام مع استحضار عظمة الله والخوف منه وأن لا يتكلم إلا لضرورة أو حاجة، وأن لا يؤذي أحدًا بمزاحمة أو غيرها وأن يكثر من الدعاء وقراءة القرآن أو الذكر أو الصلاة على النبي ، وأن يغض بصره عن النظر إلى النساء والمُرْد.
ومما ينبغي للنساء أن يتجَنبْن في طوافهن الزينة والروائح الطيبة، وفي الحالات التي يختلط فيها الرجال مع النساء؛ ولأنهن عورة وفتنة، ووجه المرأة هو أظهر زينتها، فلا يجوز لها إبداؤه إلا لمحارمها؛ لقوله تعالى: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ الآية، فلا يجوز لهن كشف الوجه عند تقبيل الحجر الأسود إذا كان يراهن أحد من الرجال الأجانب، وإذا لم يتيَسرْ لهن فسحة لاستلام الحجر وتقبيله، فلا يجوز لهن مزاحمة الرجال، بل يطفن من ورائهم، وذلك خير لهن.
س245: إذا فرغ من الطواف وصلى الركعتين، فماذا يعمل بعد ذلك؟
ج: ثم بعد ما يفرغ من ركعتي الطواف وأراد السعي سن عوده إلى الحجر فيستلمه؛ لما ورد عن رسول الله  «طاف وسعَى رَمَل ثلاثًا ومشى أربعًا ثم قرأ: وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فصلى سجدتين وجعل المقام بينه وبين الكعبة ثم استلم الركن، ثم خرج» الحديث رواه النسائي.
ثم يخرج للسعي من باب الصفا فيرقى الصفا ليرى البيت ويستقبله ويكبر ثلاثًا، ويقول ثلاثًا: الحمد لله على ما هدانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده؛ لحديث جابر: «أن النبي  لما دنا من الصفا قرأ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ابدأ بما بدأ الله عز وجل به، فبدأ بالصفا، فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحَّد الله وكبره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده».
ثم دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى انصَبَّتْ قدماه في بطن الوادي حتى إذا صَعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة، كما فعل الصفا» رواه مسلم، وكذلك أحمد والنسائي بمعناه.
ويدعو بما أحب؛لحديث أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه فجعل يدعو بما شاء أن يدعو» رواه مسلم.
ولا يلبي لعدم نفله، ثم ينزل من الصفا فيمشي حتى يبقى بينه وبين العلم ستة أذرع فيسعى ماشيًا سعيًا شديدًا إلى العلم الآخر، ثم يمشي حتى يرقى المروة، فيقول مستقبل القبلة كما قاله في الصفا من تكبير وتهليل ودعاء، ويجب استيعاب ما بين الصفا والمروة، فيلصق عقبه بأصلهما أي الصفا والمروة بابتدائه في كل منهما، والراكب يفعل ذلك في دابته فمن ترك شيئًا مما بينهما لم يجزئه سعيه، ثم ينزل من المروة فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا يفعله سبعًا ذهابه سَعْيَةَ ورجوعه سَعْيَةً يفتتح بالصفا ويختم بالمروة للخبر؛ فإن بدأ بالمروة سقط الشوط الأول، فلا يحتسب به ويكثر من الدعاء والذكر فيما بين ذلك.
قال أحمد: كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال: رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم.
وقال –عليه الصلاة والسلام-: «إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة؛ لإقامة ذكر الله عز وجل» قال الترمذي: حسن صحيح.


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

 كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**    كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)** I_icon_minitimeالسبت يوليو 02, 2011 6:19 am

س246: بين شروط السعي واذكر أدلتها؟ وتعرض للخلاف مع الترجيح؟ وتكلم عما يُسن في حق المعتمر؟ وعن المتمتع الذي لم يسق هديًا والمعتمر غير المتمتع؟ وما الحكم فيما إذا ترك الحلق أو التقصير في عمرته ووطئ قبله؟ ومتى يقطع التلبية المتمتع والمعتمر؟ وهل يلبي في الطواف؟
ج: شروط صحته - أي السعي، ثمانية: النية، والإسلام، والعقل لما تقدم، والرابع: المولااة؛ لأنه  والى بَيْنَه، وقال: «خذوا عني مناسككم» وقياسًا على الطواف.
قال في «الشرح الكبير»: والموالاة في السعي غير مشترطة في ظاهر كلام أحمد –رحمه الله-؛ فإنه قال في رجل كان بين الصفا والمروة فلقيه قادم بعرفة يقف يسلم عليه ويسأله قال: نعم، أمر الصفا سهل إنما كان يكره الوقوف في الطواف بالبيت؛ فأما بين الصفا والمروة فلا بأس، وقال القاضي: تشترط الموالاة قياسًا على الطواف.
وحكى رواية عن أحمد والأول أصح؛ فإنه نسك لا يتعلق البيت فلم تشترط له الموالاة كالرمي والحلاق.
قد روى الأثرم أن سودة بنت عبدالله بن عمر امرأة عروة بن الزبير سَعَت بين الصفا والمروة فَقَضَتْ طوافها في ثلاثة أيام وكانت ضخمة، وكان عطاء لا يرى بأسًا أن يستريح بينهما، ولا يصح قياسه على الطواف؛ لأن الطواف يتعلق بالبيت وهو صلاة وتشترط له الطهارة والستارة، فاشترط له الموالاة بخلاف السعي. انتهى (3/408).
والذي يترجح عندي وأرى أنه الأحوط اشتراط الموالاة لمولاته  له، وقوله: «خذوا عني مناسككم». والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
والخامس: المشي مع المقدرة، قال في «الشرح الكبير»: ويجزئ السعي راكبًا ومحمولاً ولو لغير عذر، وفي «الكافي»: يُسن أن يمشي؛ فإن ركب جاز؛ لأن النبي  سعى راكبًا.
السادس: كونه بعد طواف ولو مسنونًا كطواف القدوم؛ لأن النبي  إنما سعى بعد الطواف، وقال: «خذوا عني مناسككم».
والسابع: تكميل السبع يبدأ بالصفا ويختم بالمروة؛ لما في حديث جابر.
الثامن: استيعاب ما بين الصفا والمروة ليتيقن الوصول إليهما في كل شوط، والمرأة لا ترقى الصفا والمروة؛ لأنها عورة، ولا تسعى سعيًا شديدًا؛ لأنه لإظهارِ الجَلد ولا يقصد ذلك في حقها، بل المقصود منها السَّتر وذلك تعرض للانكشاف.
قال في «الشرح الكبير»: لا يُسن للمرأة أن ترقى على المروة لئلا تزاحم الرجال؛ ولأن ذلك أستر لها ولا يُسن لها الرمل.
قال ابن المنذر: أجمع كل من تحفظ عنه من أهل العلم على أنه لا رَمَل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة، وذلك لأن الأصل في ذلك إظهار الجلد ولا يقصد ذلك في حقهنّ؛ ولأن النساء يقصد منهن الستر، وفي ذلك تعرض للانكشاف فلم يُستحب لهن (3/408).
وتُسن مبادرة معتمر بالطواف والسعي لفعله –عليه الصلاة والسلام-، وسنّ تقصير المتمتع إذا لم يكن معه هدي ليحلق شعره بالحج ويتحلل متمتع لم يسق هديًا ولو لبَّد رأسه؛ لأن عمرته تمت بالطواف والسعي والتقصير؛ لحديث ابن عمر: تمتع الناس مع رسول الله  بالعمرة إلى الحج، فلما قدم رسول الله  مكة، قال: «من كان معه هدي؛ فإنه لا يحل من شيء أحرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي، فليطف بالصفا والمروة، وليُقَصِّر وليحلل» متفق عليه.
ومن معه هدي أدخل الحج على العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا والمعتمر غير المتمتع يحل سواء كان معه هدي أو لا في أشهر الحج أو غيرها وإن ترك الحلق أو التقصير في عمرته ووطئ قبله فعليه دم وعمرته صحيحة.
وروي أن ابن عباس سُئل عن امرأة معتمرة وقع بها زوجها قبل أن تقصر؟ قال: من ترك من مناسكه شيئًا أو نسيه فليهرق دمًا قِيلَ فإنها موسرة، قال: فلتنْحَر ناقةً، ويقطع التلبية متمتع ومعتمر إذا شرع في الطواف؛
لحديث ابن عباس مرفوعًا: «كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر».
قال الترمذي: حسن صحيح، وقال النووي: الصحيح أنه لا يلبي في الطواف ولا في السعي؛ لأن لها أذكارًا مخصوصة، ومن أجازها كره الجهر بها لئلا يخلط على الطائفين. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
س247: اذكر ما تستحضره من سنن السعي وآدابه؟
ج: من سننه الطهارة من الحدث والنجس، فلو سعى مُحْدِثًا أو نجسًا أجزأه؛ لأنها عبادة لا تتعلق بالبيت أشبهت الوقوف بعرفة.
ومنها ستر العورة فلو سعى عريانًا أجزأه ذلك في قول أكثر أهل العلم؛ لكن ستر العورة واجب مطلقًا، ومن سننه: الموالاة بينه وبين الطواف بأن لا يفرق بينهما طويلاً، وقال عطاء: لا بأس أن يطوف أول النهار ويسعى في آخره.
ومن سننه: السعي شديد بين الميلين، وهو سُّنة في حق الرجل القَادِر عليه.
ومن سننه: الوقوف على الصفا والمروة للدعاء فوقهما.
ومن سننه: الدعاء على كل من الصفا والمروة في كل شوط من الأشواط السبعة.
ومن سننه: قول «الله أكبر» ثلاثًا عند رقيِّه على الصفا والمروة في كل شوط، وكذا قول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده»، ويقول: «لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك، اللهم جنبني حدودك، اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك ورسلك وإلى عبادك الصالحين، اللهم يسِّرني لليسرى وجنبني للعسرى، واغفر لي في الآخر والأولى، واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم، واغفر لي خطيئتي يوم الدين، اللهم إنك قلت إدعوني أستجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد، اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه، ولا تنزعه مني حتى تتوفاني على الإسلام، اللهم لا تقدمني للعذاب، ولا تؤخرني لسوء الفتن» هذا دعاء عبدالله بن عمر، قال أحمد: يدعو به، قال نافع بعده: ويدعو دعاءً كثيرًا حتى إنه ليملّنا ونحن شباب.
ومما يَنبغي للساعي أن يغض بصرهِ عن المحارم وأن يكُفَّ لسانه عن المآثم وأن لا يؤذي أحدًا من الساعين أو غيرهم بقول أو فعل، وأن يستحضر في نفسه ذلَّه وفقره وحاجته إلى الله في هداية قلبه وإصلاح حاله ونفسه وغفران ذنوبه. والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
34- صفة الحج والعمرة وما يتعلق بذلك
س248: تكلم بوضوح عما يلي: متى يُسن لمحل بمكة وقربها ومتمتع حل من عمرته إحرام بحج؟ متى يُسن الخروج إلى منى؟ متى السير إلى عرفة؟ وما الذي تتَضمَّنه الخطبة بنمرة؟ وإذا فرغ من الخطبة فماذا يعمل؟ واذكر ما تستحضره من الدعاء في يوم عرفة؟
ج: يُسن لمحل بمكة وقربها ومتمتع حل من عمرته إحرام بحج في ثامن ذي الحجة وهو يوم التروية؛ لقول جابر في صفة حج النبي  فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي  ومَن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج سمي الثامن بذلك؛ لأنهم كانوا يرتوون فيه الماء لما بعده إلا من لم يجد هديًا وصام فيستحب له أن يحرم في سابع ذي الحجة ليصوم الثلاثة أيام في إحرام الحج.
ويُسن لمن أحرم من مكة أو قربها أن يكون إحرامه بعد فعل ما يفعله في إحرامه من الميقات من الغسل والتنظيف والتطيب في بدنه وتجرده من المخيط في إزار ورداء أبيضين نظيفين ونعلين وبعد طواف وصلاة ركعتين ولا يطوف بعده لوداعه؛ لعدم دخول وقته فلو طاف وسعى بعده لم يجزئه سعيه لحجه ويحرم ندبًا من مسكنه؛ لأن أصحاب النبي  أقاموا بالأبطح وأحرموا بالحج منه يوم التروية عن أمره ، ولم يأمرهم النبي  أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا عنده أو عند الميزاب ولو كان ذلك مشروعًا لعلمهم إياه والخير كله في اتباع النبي  وأصحابه  وجاز وصح إحرامه من خارج الحرم ولا دم عليه ثم يخرج إلى منى قبل الزوال ندبًا فيصلي بها الظهر مع الإمام ثم يقيم بها إلى الفجر ويصلي مع الإمام؛ لحديث جابر وَرَكب رسول الله  إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، فإذا طلعت الشمس يوم عرفة سار من منى، فأقام بنمرة إلى الزوال فيخطب بها الإمام أو نائبه خطبة قصيرة مفتتحة بالتكبير يعلمهم فيها الوقوف ووقته والدفع منه والمبيت بمزدلفة؛ لحديث جابر: «إذا جاء عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرَحِلتْ له فأتى بطن الوادي، فخطب الناس ثم يجمع من يجوز له الجمع لمن بعرفة من مكيّ وغيره» قاله في الشرح.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك كل من صلى مع الإمام، وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخًا إلحاقًا له بالقصر والصحيح الأول؛ فإن النبي  جمع معه من حضر من المكيين وغيرهم فلم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر حين قال: «أتموا، فإنا سفر» ولو حرم لبينه لهم؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يقرّ النبي  على الخطأ، وقد كان عثمان  يتم الصلاة؛ لأنه اتخذ أهلاً ولم يترك الجمع، وروى نحو ذلك عن ابن الزبير وكان عمر بن عبدالعزيز والي مكة، فخرج فجمع بين الصلاتين، ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين الخلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة، بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره، والحق فيما أجمعوا عليه فلا يعرِّج على غيره؛ فأما قصر الصلاة فلا يجوز لأهل مكة، وبه قال عطاء ومجاهد والزهري وابن جريج والثوري ويحيى القطان والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، وقال القاسم بن محمد سالم، ومالك والأوزاعي لهم القصر؛ لأن لم الجمع فكان لهم القصر كغيرهم، وفي «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» في (26/129): ويسيرون منها إلى نمرة على طريق ضب من يمين الطريق ونمرة كانت قرية خارجة من عرفات من جهة اليمين فيقيمون بها إلى الزوال، كما فعل النبي ، ثم يسيرون منها إلى بطن الوادي وهو موضع النبي  الذي صلى فيه الظهر والعصر وخطب وهو في حدود عرفة ببطن عرنة، وهناك مسجد يقال له: مسجد إبراهيم؛ وإنما بني في أول دولة بني العباس، فيصلي هناك الظهر والعصر قصرًا، كما فعل النبي  ويصلي خلفه جميع الحاج أهل مكة وغيرهم قصرًا وجمعًا، يخطب بهم الإمام كما خطب النبي  على بعيره ثم إذا قضى الخطبة أذن المؤذن وأقام ثم يصلي كما جاءت بذلك السُّنة ويصلي بعرفة ومزدلفة ومنى قصرًا ويقصر أهل مكة وكذلك يجمعون للصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى، كما كان أهل مكة يفعلون خلف النبي  بعرفة ومزدلفة ومنى، وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولم يأمر النبي  ولا خلفاؤه أحدًا من أهل مكة أن يتموا الصلاة ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى، أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر.
ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ؛ ولكن المنقول عن النبي  أنه قال ذلك في غزوة الفتح لما صلى بهم بمكة.
وأما في حجه؛ فإنه لم ينزل بمكة؛ ولكن كان نازلاً خارج مكة وهناك كان يصلي بأصحابه. وفي (ص168) قال: ومن سُّنة رسول الله  أنه جمع بالمسلمين جميعهم بعرفة بين الظهر والعصر وبمزدلفة بين المغرب والعشاء وكان معه خلق كثير ممن منزله دون مسافة القصر من أهل مكة وما حولها ولم يأمر حاضري المسجد الحرام بتفريق كل صلاة في وقتها ولا أن يعتزل المكيون ونحوهم فلم يصلوا معه العصر وأن ينفردوا فيصلوها في أثناء الوقت دون سائر المسلمين؛ فإن هذا مما يعلم بالاضطرار لمن تتبع الأحاديث أنه لم يكنُ وهو قول مالك وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وعليه يدل كلام أحمد. انتهى.
ويعجل لحديث جابر: «ثم أذَّن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئًا»، وقال سالم للحجاج بن يوسف يوم عرفة: إن كنت تريد أن تصيب السُّنة فقصر الخطبة، وعجل الصلاة، فقال عمر: «صدق» رواه البخاري. ثم يأتي عرفة وكلها موقف؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «فقد وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف» رواه أبو داود وابن ماجه إلا بطن عُرَنة؛ لحديث: «كل عرفة موقف، وارفعوا عن بطن عُرَنة» رواه ابن ماجه فلا يجزي وقوفه فيه؛ لأنه ليس من عرفة كمزدلفة وعرفة من الجبل المشرف على عرنة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر، وسن وقوفه راكبًا لفعله –عليه الصلاة والسلام- وقف على راحلته بخلاف سائر المناسك فيفعلها غير راكب.
وسن وقوفه مستقبل القبلة عند الصخرات وجبل الرحمة ولا يشرع صعوده ويرفع يديه واقفًا بعرفة ندبًا ويكثر الدعاء والاستغفار والتضرع وإظهار الضعف والافتقار، ويلح في الدعاء ولا يستبطئ الإجابة ويحاسب نفسه ويجدد توبة نصوحًا؛ لأن هذا يوم عظيم ومجمع كبير يجود الله فيه على عباده ويباهي بهم ملائكته.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله : «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟» أخرجه مسلم والنسائي، وقال: عبدًا أو أمة من النار.
وعن طلحة بن عبدالله بن كريز أن رسول الله  قال: «ما رُئي الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لِمَا يرى من تنزَّل الرَّحَمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما رُئي يوم بدر»، قيل: وما رُئي يوم بدر؟ قال: «أما أنه رأى جبريل يزع الملائكة» أخرجه مالك. ويجتهد في أن يقطر من عينه قطرات من الدموع، ويكرر الاستغفار، والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات، ويسأل الله أن يعتقه من النار؛ لأنه يوم يكثر فيه العتقاء من النار، وما رُئي الشيطان في يوم هو أدحر ولا أصغر منه في يوم عرفة إلا ما رُئي يوم بدر. وذلك لما يرى من وجود الله على عباده وإحسانه إليهم وكثرة عتقه ومغفرته.
ويكرر الدعاء ويكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، ويسر لي أمري؛ لحديث: «أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» رواه مالك في «الموطأ».
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: «كان أكثر دعاء النبي  يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير».
وعن الزبير بن العوام قال: «سمعت رسول الله  وهو بعرفة يقرأ هذه الآية: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ وأنا على ذلك من الشاهدين يارب». أخرجهما أحمد في «المسند».
وعن علي –عليه السلام- قال: قال رسول الله : «إن أكثر من كان قبلي من الأنبياء ودعائي يوم عرفة أن أقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي قلبي نورًا، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر، وشر فتنة ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، وشر بوائق الدهر» أخرجه البيهقي.
وعن طلحة بن عبدالله بن كريز قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» أخرجه مالك وأخرجه البيهقي في كتاب «الدعوات الكبير» هكذا مرسلاً مبتورًا.
وعن سالم بن عبدالله أنه كان يقول بالموقف: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون، لا إله إلا الله ولو كره المشركون، لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين، ولم يزل يقول ذلك حتى غابت الشمس، ثم التفت إلى بكير بن عتيق، فقال: قد رأيت لو ذانَكَ بي اليوم، ثم قال: حدثني أبي عن أبه عمر بن الخطاب، عن النبي  قال: «يقول الله: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» أخرجه أبو ذر.
س249: تكلم عن وقت الوقوف؟ وماذا يلزم من وقف نهارًا ودفع قبل الغروب مع ذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو خلاف؟
ج: وقت الوقوف بعرفة من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر؛ لقول جابر: «لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع»، قال أبو الزبير، فقلت له: أقال رسول الله  ذلك؟ قال: نعم. وعن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال: أتيت رسول الله  بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طيء أكللت راحتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل ي من حج، فقال رسول الله : «من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجه، وقضى تفثه» رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
وعن عبدالرحمن بن يعمر أن ناسًا من أهل نجد أتوا رسول الله  وهو واقف بعرة، فسألوه، فأمر مناديًا فنادى: «الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل الطلوع الفجر، فقد أدرك» الحديث رواه الخمسة.
ودخول وقت الوقوف بعرفة من طلوع الفجر يوم عرفة (من المفردات) قال ناظم المفردات:
وقت الوقوف عندنا فيدخلُ في يوم تعريف بفجر نقلوا
وقال مالك والشافعي وغيرهما: أول وقته زوال الشمس يوم عرفة واختاره أبو حفص العكبري، وحكاه بعضهم إجماعًا؛ لأن النبي  إنما وقف بعد الزوال، وقد قال: «خذوا عني مناسككم» واختاره الشيخ تقي الدين.
ووجه الدلالة للقول الأول: ظاهر قوله : «فمن وقف بعرفة ساعَةً من ليل أو نهار، فقد تم حجه» ولأنه من يوم عرفة فكان وقتًا للوقوف كبعد العشاء، وإنما وقفوا في وقت الفضيلة ولم يستوعبوا جميع وقت الوقوف، قاله في «المغني»، والقول الأول هو الذي يترجح عندي، وأن ابتداءه من فجر يوم عرفة. والله أعلم.
فمن حصل في هذا الوقت بعرفة ولو لحظة، وهو أهل ولو مارًا أو نائمًا أو حائضًا أو جاهلاً أنها عرفة صح حجه؛ لعموم حديث عروة بن مضرس، وتقدم لا إن كان سكرانًا أو مغمى عليه؛ لعدم العقل إلا أن يفيقوا وهم بها قبل خروج وقت الوقوف، وكذا لو أفاقوا بعد الدفع منها وعادوا فوقفوا بها في الوقت.
ومن فاته الوقوف بعرفة بأن طلع فجر يوم النحر ولم يقف بها فاته الحج، ويجب أن يجمع في الوقوف بين الليل والنهار من وقف نهارًا؛ لفعله  مع قوله: «خذوا عني مناسككم». فإن دفع قبل غروب الشمس ولم يعد بعد الغروب من ليلة النحر إلى عرفة أو عاد إليها قبل الغرُوب ولم يقع الغرُوب وهو بعرفة فعليه دم لتركه واجبًا؛ فإن عاد إليها ليلة النحر فلا دم عليه؛ لأنه أتى بالواجب وهو الوقوف في النهار والليل، كمن تجاوز الميقات بلا إحرام ثم عاد إليه فأحرم منه.
ومن وقف ليلاً فقط فلا دم عليه؛ لحديث من أدرَكَ عرفات بليل فقد أدرك الحج؛ ولأنه لم يدرك جزءًا من النهار فأشبه مَن منزله دون الميقات إذا أحرم منه.
ووقفة الجمعة في آخر يومها ساعة الإجابة، عن أنس ، عن النبي  قال: «التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس» رواه الترمذي.
وعن جابر  عن رسول الله : «يوم الجمعة إثنتي عشرة ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله عز وجل شيئًا إلا آتاه إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر» رواه أبو داود والنسائي، واللفظ له، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
قال ابن القيم في «الهدي»: وأما ما استفاض على ألسنة العوام من أنها تعدل إثنتين وسبعين حجة باطل لا أصل له.
س250: بيِّن حدود مزدلفة؟ ولم سميت بذلك؟ ومتى وقت الدّفع إليها وما صفته؟ وماذا يعمل إذا بلغ مزدلفة؟ ومتى وقت الدفع من مزدلفة؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل أو تفصيل أو خلاف؟
ج: يدفع بعد الغروب من عرفة إلى مزدلفة وحدها ما بين المأزمين ووادي محسّر، وسميت بذلك من الزّلف وهو التقرُّب؛ لأن الحاج إذا أفاضوا من عرفات ازدلفوا إليها، أي تقربوا ومضوا إليها، وتسمى أيضًا: جمعًا، لاجتماع الناس بها.
ويُسن كون دفعه بسكينة؛ لقول جابر ودفع رسول الله  وقد شنق القصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك وحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس، السكينة السكينة ويسرع في الفجوة؛ لحديث أسامة بن زيد: «كان رسول الله  يسير العنق؛ فإذا وجد فجوة نصّ أي أسرع»، فإذا بلغ مزدلفة جمع العشاءين
بها من يجوز له الجمع قبل حط رحله؛ لحديث أسامة بن زيد قال: «دفع النبي  من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل، فبال ثم توضأ، فقلت له: الصلاة يا رسول الله، فقال: «الصلاة أمامك» فركب، فلما جاء مزدلفة، نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة، فصلى العشاء، ولم يصل بينهما» متفق عليه. وإن صلى المغرب بالطريق ترك السُّنة وأجزأه؛ لأن كل صلاتين جاز الجمع بينهما، جاز التفريق بينهما كالظهر والعصر بعرفة، وفعله –عليه الصلاة والسلام- محمول على الأفضل.
ومن فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة أو مزدلفة جمع وحده لفعل ابن عمر ثم يبيت بمزدلفة وجوبًا؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- بات بها، وقال: «خذوا عني مناسككم» وليس بركن لحديث: «الحج عرفة، فمن جاء قبل ليلة جمع، فقد تم حجه» أي جاء عرفة.
وللحاج الدفع من مزدلفة قبل الإمام بعد نصف الليل؛ لحديث ابن عباس: «كنت فيمن قدم النبي  في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى» متفق عليه.
وعن عائشة قالت: «أرسل رسول الله  بأم سلمة ليلة النحر فزمَتَ قبل الفجر، ثم مضت، فأفاضت» رواه أبو داود.
وعن أم حبيبة: أن النبي  بعث بها من جمع بليل.
وعن عائشة: كانت سودة امرأة ثبطة، فاستأذنت رسول الله  أن تفيض من جمع بليل، فأذن لها، قالت عائشة: «فليتني استأذنت رسول الله  كما استأذنته سودة» وكانت عائشة لا تَفيضُ إلا مع الإمام، أخرجه الشيخان.
والأولى أن لا يخرج من مزدلفة قبل الفجر إلا الضعفة من النساء والصبيان ونحوهم؛ فإنه يجوز لهم الخروج منها ليلاً إذا غاب القمر.
أما الدليل على أن الإذن بالدفع قبل الفجر يختص بالضعفة، فحديث ابن عباس؛ ولما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي  أذن لضعفة الناس أن يدفعوا من المزدلفة بليل. أخرجه أحمد.
وعند أنه كان يقدم نساءه وصبيانه من المزدلفة إلى منى حتى يصلوا الصبح بمنى ويرموا قبل أن يأتي الناس. أخرجه مالك والبغوي في «شرحه».
وعن عبدالرحمن بن عوف  أنه كان يقدم أزواج النبي  وضعفة أهله من جمع بليل إلى منى قبل الفجر، وفي رواية: «أن عبدالرحمن كان يصلي بأمهات المؤمنين الصبح بمنى» أخرجه سعيد بن منصور.
وعن طلحة بن عبيد أنه كان يقدم أهله من المزدلفة حتى يصلوا الصبح بمنى، أخرجه مالك وسعيد بن منصور.
وأما الدليل على أنه إذا غاب القمر، فلما ورد عن عبدالله مولى أسماء قال: قالت أسماء عند دار المزدلفة: هل غاب القمر؟ قلت: لا، فصلت ساعة، ثم قالت لي: هل غاب القمر؟ قلت: نعم، قالت: ارتحل، فارتحنا حتى رمت الجمرة، ثم صلت في منزلها، فقلت لها: أي هَنْتَاهْ، لقد غسلنا، فقالت: كلا إن رسول الله  أذن للظُّعْن، ومن طريق آخر: أذن للضعفة. أخرجه الشيخان. والله أعلم.
س251: تكلم بوضوح عن الدفع من مزدلفة قبل نصف الليل؟ وهل يجب على من دفع قبله شيء؟ وما هو الذي يقال عند المشعر الحرام؟ وما الحكمة في التبكير في صلاة الصبح إذا أصبح بها ومتى يسير منها؟ واذكر ما تستحضره من دليل أو تعليل؟
ج: وفي الدفع من مزدلفة قبل نصف الليل على يغر رعاة وغير سقاة زمزم دمٌ مَا لمْ يَعُدْ إليها قبل الفجر؛ فإن عاد إليها قبله فلا دم عليه، ومَن أصبح بمزدلفة صلى الصبح بغلس؛ لحديث جابر الذي رواه مسلم وأبو داود، وفيه: «ثم اضطجع رسول الله  حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب» الحديث. وقال ابن مسعود: «ما رأيت رسول الله  صلى صلاة إلا لميقاتها، إلا صلاتين صلاة المغرب والعشاء، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها» رواه الثلاثة. وليتسع وقت وقوفه بالمشعر الحرام فرقي عليه إن سهل أو وقف عنده وحمد الله وهلَّل وكبر ودعا، فقال: اللهم كما وقَّفْتَنا فيه وأريتنا إياه، فَوفَّقْنا لذكرك، كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا، كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ الآيتين إلى غَفُورٌ رَّحِيمٌ يكرره إلى الإسفار؛ لحديث جابر مرفوعًا: «لم يزل واقفًا عن المشعر الحرام حتى أسفر جدًّا، فإذا أسفَرَ جدًّا سار قبل طلوع الشمس»، قال عمر: كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وإن رسول الله  خالفهم، فأفاض قبل أن تطلع الشمس. رواه البخاري.
ويسير إذا دفع من المزدلفة وعليه السكينة لحديث ابن عباس ثم أردف رسول الله  الفضل بن عباس ثم قال: «أيها الناس إن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم السكينة» فإذا بلغ محسر أسرع رمية حجر إن كان ماشيا وإلا حرك دابته لقول جابر حتى أتى محسرًا فحرك قليلاً، وعن ابن عمر أنه كان يجهد ناقته إذا مر بمحسر أخرجه سعيد بن منصور.
س252: تكلم عن حصى الجمار بوضوح؟ مبيِّنًا ما يجزي الرمي به، ومقداره؟ وما لا يجزي الرمي به وعدده؟ وحُدُودَ منى وبأي الجمار يبدأ؟ وما الذي يشترط للرَّمي؟ وما صفة الرمي؟ وما الذكر الذي يُقال مع كل حصاة؟ ومتى وقت الرمي؟ وماذا يعمل بعد الرمي؟ ومتى يحل؟
ج: يأخذ حصى الجمار من حيث شاء وعدده سبعون حصاة أكبر من الحمص ودون البندق كحصى الخَذْف؛لحديث ابن عباس:قال رسول الله  غداة العقبة: «الْقطْ لي حَصىَ» فَلَقَطتُ له سبعَ حصيات من حصى الخذف فجعل يقبضهنَّ في كفه، ويقول: «أمثال هؤلاء فارموا»، ثم قال: «أيها الناس، إياكم والغلوَّ في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوَّ في الدين» رواه ابن ماجه. وكان ذلك بمنى، قاله في «الشرح الكبير».
ولا يُسنَّ غسل الحصَى، قال أحمد: لم يبلغنا أن النبي  فعله، ولا يرمي بحَصىَ قد رُميَ به، والسُّنة التقاطُ سبع في اليوم الذي يرمي به جمرة العقبة اقتداءً بالنبي ؛ أما الأيام الثلاثة فيلتقط كل يوم إحدى وعشرين حصاة يرمي بها الجمار الثلاثة.
ولا تجزي صغيرة جدًا أو كبيرة، ولا بغير الحصى كجوهر وزمرد وياقوت وذهب؛ لأن النبي  رمى بالحصى، وقال: «خذوا عني مناسككم»، فإذا وصل منى وهو ما بين وادي محسَّر وجمرة العقبة بَدأ بها فرماها راكبًا أو ماشيًا كيفما شاء؛ لأن النبي  رماها على راحلته، رواه جابر وابن عمر وأمَّ أبي الأحوص وغيرهم.
وقال جابر: رأيت النبي  يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: «خذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعَلي لا أحج بعد حجتي هذه» رواه مسلم.
وقال نافع: وكان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيًا ذاهبًا وراجعًا، رواه أحمد في «المسند».
ويرميها بسبع واحدة بعد أخرى؛ لحديث جابر حتى إذا أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، ويشترط الرمي للخبر، فلا يجزي الوضع في المرمى؛ لأنه ليس برمي، ويجزي طرحها، ويشترك كون الرمي واحدة بعد واحد، فلو رمى أكثر من حصاة دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن حصاة واحدة؛ لأن النبي  رمى سبع رميات، وقال: «خذوا عني مناسككم» ويشترط عِلْمُهُ بحصولها في المرمى في جمرة العقبة، وفي سائره الجمرات؛ لأن الأصل بقاء الرمي في ذمّته فلا يزول بالظن ولا بالشك فيه، ووقت الرمي من نصف ليلة النحر لمن وقف قبله؛ لحديث عائشة مرفوعًا: «أمَرَ أمَّ سَلمَةَ ليلة النحر فرمت جمرة العَقبة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت» رواه أبو داود.
وروي أنه أمرها أن تعجل الإفاضة وتوافي مكة مع صلاة الفجر احتج به أحمد؛ ولأنه وقت للدفع من مزدلفة أشبه ما بعد طلوع الشمس.
وقال في «المغني»: وَلرَمي هذه الجمرة وقتان وقت فضيلة ووقت إجزاء؛ فأما وقت الفضيلة فبعد طلوع الشمس.
قال ابن عبدالبر: أجمع علماء المسلمين على أن رسول الله  إنما رماها ضحى ذلك اليوم.
وقال جابر: «رأيت رسول الله  يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس» أخرجه مسلم.
وقال ابن عباس: قدمنا على رسول الله  أُغَيْلمَةَ بني عَبدالمطلب على أحْمِرَاتٍ لنا من جمع، فجعل يلطخ أفخاذنا، ويقول: «يا بني عبدالمطلب، لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» رواه ابن ماجه، وكان رميها بعد طلوع الشمس يجزئ بالإجماع وكان أولى.
وأما وقت الجواز، فأوله نصف الليل من ليلة النحر، وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى عكرمة بن خالد والشافعي، وعن أحمد أنه يجزي بعد الفجر قبل طلوع الشمس وهو قول مالك وأصحاب الرأي، وإسحاق، وابن المنذر.
وقال مجاهد والثوري والنخعي: لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس؛ لما روينا من الحديث، انتهى. فإن غربت شمس يوم النحر قبل الرمي؛ فإنه يرمي تلك الجمرة من غد بعد الزوال؛ لقول ابن عمر: من فاته الرمي حتى تغيب الشمس فلا يرمي حتى تزول الشمس من الغد، ويستحب أن يكبر مع كل حصاة؛ لما في حديث جابر: «يكبر مع كل حصاة منها، وأن يقول مع كل حصاة: اللهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وسعيًا مشكورًا».
لما روى حنبل عن زيد بن أسلم قال: رأيت سالم بن عبدالله استبطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله أكبر الله أكبر، ثم قال: اللهم اجعله حجًا مبرورًا فذكره، فسألته عما صنع، فقال: حدثني أبي أن النبي  رمى جمرة العقبة من هذا المكان ويقول: كلما رمى مثل ذلك ويستحب أن يرميها من بطن الوادي ويجعل في حالة الرمي البيت عن يساره ومنى عن يمينه؛ لما ورد عن عبدالله بن مسعود أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى بسبع، وقال: «هكذا رمى الذي أُنزلت عليه سورة البقرة» متفق عليه.
ولمسلم في رواية جمرة العقبة، وفي رواية لأحمد: أنه انتهى إلى الجمرة فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة، وقال: «اللهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا»، ثم قال: «هاهنا كان الذي أُنزلت عليه سورة البقرة» ويرفع يمناه إذا رمى حتى يرى بياض إبطه؛ لأنه معونة على الرمي ولا يقف عندها.
لما أخرجه البخاري عن الزهري قال: سمعت سالمًا يحدث عن أبيه، عن النبي  «أنه كان إذا رمى الجمرة رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم ينحدر أمامها فيقف مستقبل القبلة رافعًا يديه ويدعو، وكان يطيل الوقوف، ويأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات ويكبر كلما رمى بحصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف مستقبل البيت رافعًا يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رماها بحصاة، ثم ينصرف ولا يقف عندها».
وروى ابن عباس «أن النبي  كان إذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف» رواه ابن ماجه، ولضيق المكان، وله رمي جمرة العقبة من فوقها لفعل عمر لما رأى من الزحام عندها.
ويقطع التلبية بأول الرمي؛ لحديث ابن عباس أن أسامة كان ردف النبي  من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، وكلاهما قال: «لم يزل النبي  يلبي حتى رمى جمرة العقبة»، وفي بعض ألفاظه: حتى رمى جمرة العقبة قطع عند أول حصاة، رواه حنبل في «المناسك».
ثم ينحر هديًا معه واجبًا كان أو تطوعًا؛ لقول جابر: «ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثًا وستين بدنة بيده، ثم أعطى عليًا فنحر ما غبر وأشركه في هديه»؛ فإن لم يكن معه هدي وعليه واجب اشتراه، وإذا نحرها فرقها لمساكين الحرم أو أطلقها لهم.
ثم يحلق؛ لقوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ وسّنَّ اسِتقبالُ محلوِق رأسه للقبلة كسائر المناسك، وسن بداءة بشقه الأيمن؛ لما ورد عن أنس أن النبي  أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر نسكه، ثم دعا بالحلاق وناوله الخالق شقه الأيمن، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناول الشق الأيسر، فقال: «احلق»، فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال: «اقسمه بين الناس». متفق عليه. وكان  يعجبه التيامن في شأنه كله.
ويُسن أن يبلغ بالحلق العظم الذي عند مقطع الصدغ من الوجه؛ لأن ابن عمر كان يقول للحالق: أبلغ العظمين، أفصل الرأس من اللحية، وكان عطاء يقول: من السُّنة إذا حلق أن يبلغ العظمين، قال جماعة: ويدعو، قال الموفق وغيره: ويكبر وقت الحلق؛ لأنه نسك، وإن قصَّر فمن جميع شعر رأسه
لا من كل شعرة بعينها؛ لأن ذلك لا يعلم إلا بحلقه، والأصل في ذلك قوله تعالى: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ وهو عام في جميع شعر الرأس، وقد حلق  جميع رأسه فكان ذلك تفسيرًا لمطلق الأمر بالحلق أو التقصير، فيجب الرجوع إليه.
والمرأة تقصر من شعرها قدر أنملة، فأقل من روس الضفائر؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا: «ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير» رواه أبو داود؛ ولأنه مثلة في حقهن.
ويُسن أخذ أظفاره وشاربه وعانته وإبطه، قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله  لما حلق رأسه قلَّم أظفاره، وكان ابن عمر يأخذ من شاربه وأظفاره ثم قد حلِّ له كل شيء من الطيب وغيره، إلا النساء؛ لحديث عائشة مرفوعًا قال: «إذا رَمَيتم وحلقتم فقد حلَّ لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء» رواه سعيد، وقالت عائشة: «طيبت رسول الله  لإحرامه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت» متفق عليه.
س253: تكلم عما يلي: ترك الحلق والتقصيرظ تأخيرهما عن أيام منى؟ تقديم الحلق على الرمي أو الحلق على النحر أو النحر قبل الرمي أو طاف للزيارة قبل الرمي، وبأي شيء يحصل التحلل الأول؟ وبأي يحصل التحلل الثاني؟ ومتى وقت خطبة الإمام بمنى؟ وما موضوعها؟ وما دليلها؟
ج: والحلق والتقصير نسك في حج وعمرة في تركهما معًا دم؛ لأنه تعالى وصفهم بذلك، وامتن عليهم به فدل على أنه من العبادة ولأمره –عليه الصلاة والسلام- بقوله: «فليقصر ثم ليحلل»، ولو لم يكن نسكًا لم يتوقف الحل عليه، ودعا –عليه الصلاة والسلام- للمقصرين والمحلقين وفاضل بينهم، فلولا أنه نسك لما استحقوا لأجله الدعاء؛ ولما وقع التفاضل فيه إذ لا مفاضلة في المباح، ولا دم عليه إن أخر الحلق أو التقصير عن أيام منى؛ لقوله تعالى: وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ.
فبيَّن أول وقته دون آخره فمتى أتى به أجزأه كالطواف؛ لكن لابد من نيَّتِهِ نسكًا كالطواف، وإن قدم للحلق على الرمي أو على النحر أو طاف للزيارة قبل رميه أو نحر قبل رميه جاهلاً أو ناسيًا فلا شيء عليه، وكذا لو كان عالمًا؛ لما ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله  وقف في حجة الوداع، فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، قال: «اذبح، ولا حَرَج»، وجاء آخر، فقال: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرم، قال: «ارم ولا حرج» متفق عليه. وعن ابن عباس: أن النبي  قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير، فقال: «لا حرج» متفق عليه.
ويحصل التحلل الأول بإثنين من ثلاثة: رمي لجمرة العقبة، وحلق أو تقصير وطواف إفاضة، ويحصل التحلل الثاني بما بقي منها مع السعي من متمتع مطلقًا ومفرد وقارن لم يسعيا مع طواف قدوم؛ لأنه ركن.
ثم يخطب الإمام أو نائبه بمنى يوم النحر خطبة يفتتحها بالتكبير يعلمهم فيها النحر والإفاضة والرمي للجمرات؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا: «خطب الناس يوم النحر –يعني بمنى» أخرجه البخاري، وقال أبو أمامة: سمعت خطبة النبي  بمنى يوم النحر، رواه أبو داود.
وعن أبي بكرة قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال: «أتدرون أي يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت، حتى ظننا أنه سَيُسَمِّيه بغير إسمه، قال: «أليس يوم النحر؟» قلنا: بلى، قال: «أي شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سَيُسَمِّيه بغير
اسمه. فقال: «أليس ذو الحجة؟» قلنا: بلى، قال: «أيُّ بَلدٍ هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سَيُسَمِّيه بغير إسمه، فقال: «أليست البلدة؟» قلنا: بلى، قال: «فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟».
قالوا: نعم، قال: «اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» رواه البخاري وأحمد.
ومن مختصر النظم مما يتعلق بصفة الحج والعمرة
وفي الثامن الإحرام من متمتع
وإحرامه في الحل صح ولا دم
فسيستقبلون الظهر والعصر في منى
إلى عرفات مجمع الوفد كلهم
ويجمعُ بين الظهر والعصر أهله
وفي يومهم باتوا إلى عرفاتهم
فيا عرفات الخير كلك موقف
وقف راكبًا أولى وقد قيل عكسه
ولبِّ وحمِّد وأكثر الذكر واقفًا
وركن وقوف المرء في عرفاته
مؤخر فجر يوم تعريفه إلى
وليس لسكران ومغمى عليه من
ومن سار منها قبل مغرب شمسه
وبعد غروب الشمس يدفع طالبًا
وسر في سبيل المأزمين فإن تجد
فإن جئتها صلَّ العشاءين جامعًا
وبت ثم صل الصبح أول وقتها
ومَن جاء بعد الفجر يلزمه دم
وقف أوتر فوق أشرف مشعرٍ
إلى غاية الإسفار ثم قبيل أن
فسر مسرعًا إن جئت وادي محسِّر
وخذ من رُبَى جمع حصى الرمي أو من
وبادر منى نحو العقيبة راميًا
بواحدة من بعد أخرى ارم يا فتى
بمثل حصاة الخذف فارمِ ولا تقف
ولا يجزئ المرمي به مرةً ولا
وكبر مع رفع الحصاة ودع إذا
ومن بعد نصف الليل رميك مجزئ
ولا تقفن والأفضل الرمي ماشيًا
وبعد احلقن أو قصّر الشعر كله
وللنسوة التقصير فرض معين
ومن بعد ذا غير النساء محلل
وللحلق والتقصير نسك ويحصل الـ
ففي يوم عيد النحر فعل لسُّنة
وقصد منى والرمي والنحر بعده
فمن لم يرتِّبها فلا دم مطلقًا
ويخطب يوم النحر في المتأكد
ومن بعد هذا فاقصد البيت طائفًا
وهذا هو الركن المثنى مكمل
ومن بعد نصف ليل النحر أول وقته
بحج كحلال الحريم المجددِ
وأفضله من بطن مكة فاقتدِ
وباتوا وساروا مطلع الشمس في غد
وكل سوى الإحرام سُّنة مرشدٍ
بتأذين فرض والإقامة عدد
وفي الصخرات الفرض أرض التغمد
ويا عرَنيًا ليس يجزيك فاصعدِ
وهلِّل وأكثر من دعائك واجهد
وبعد غروب الشمس فادفع تحمد
بأيسر وقت كان من حين يبتدى
مؤخِّر فجري عيد نحر المقلد
وقوف ومجنون لفقد التقصُّد
عليه دم ما لم يعد قبل فاشهد
لجمعٍ وسرْ سيْرَ السكينةِ تقتدي
إذًا فرجةٍ أسرع ولا تَتأوّدِ
ولو مُفردًا للنَّدب لا الحتم فاقتد
وأوجب لنصف الليل بيتوتة قد
كذا الدفع قبل النصف في المتأطّد
وكبّر وسل تعط الرغائب وأحمد
تلوح ذكا فادفع ولا تتردد
كرميك في الصحراء يومًا يجلد
الطريق وسيعين أقدر الكل واعدد
بسبع على الترتيب مُنتَصبَ اليدِ
وإن ترْمِ سَبعًا دُفَعةً فكَمُفْرَدِ
ولا تجزئُ الكبرى وصغرى بل اقتدي
بغير الحصا من فضة أو زبرجد
بدأت برمي قول لبِّيك ترشد
وبين طلوع الشمس والميل جوِّد
ومن بعد ذا نحر الهدايا لتقصد
وعنه اجتزئ بالبعض كالمسح تهتد
بأنملة من كله في المؤكد
وعنه سوى وطء الفروج استبح قد
ـتحلل به والرمي أو طوف مقتدي
وقوفهمو في المشعر المتمجد
وحلق النواصي والطواف المؤكد
وفيه مقال آخر في التعَمُّدِ
لنحر ورمي والإفاضة أرشد
بنية طوف الفرض شرك مؤكد
لحجك فاحلل كل حلّك واحمد
وفي يومه أولى وإن شئتَ بعد
س254: تكلم بوضوح عما يلي: متى أول وقت طواف الإفاضة؟ ومتى وقت الأفضلية؟ وهل يلزم تعيينه؟ وتكلم عن الشرب من ماء زمزم؟ وما ينبغي قوله لمن شرب منها؟
ج: ثم يفيض إلى مكة؛ لقول عائشة - رضي الله عنها - حججنا مع النبي  فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفيّة، فأراد النبي  منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها أفاضت يوم النحر، قال: «أخرجوا». متفق عليه.
ويطوف القارن والمفرد بنيّة الفريضة طواف الزيارة، ويقال: طواف الإفاضة ويعيِّنه بالنية؛ لعموم: «إنما الأعمال بالنيات».
ولأن النبي  سمى الطواف بالبيت صلاة، وهي لا تصح بدونها ويكون بعد وقوفه بعرفة؛ لأنه –عليه الصلاة والسلام- طاف كذلك، وقال: «خذوا عني مناسككم» وهو ركن لا يتم الحج إلا به إجماعًا، قاله ابن عبدالبر؛ لقوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ.
وكذا المتمتع يطوف للزيارة فقط، كمن دخل المسجد وأقيمت الصلاة؛ فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد وأول وقته بعد نصف ليلة النحر، لمن وقف قبل ذلك بعرفة وإلا فبعد الوقوف، والأفضل فعله يوم النحر؛ لحديث ابن عمر: «أفاض رسول الله  يوم النحر» متفق عليه. (وتقدم الكلام على أول وقت الرمي في جواب سؤال 250).
ويستحب أن يدخل البيت، فيكبر في نواحيه، ويصلي فيه ركعتين بين العمودين تلقاء وجهه، ويدعو الله عز وجل؛ لحديث ابن عمر قال: دخل رسول الله  البيت، وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت أول مَن ولج، فلقيت بلالاً، فسألته: هل صلى النبي  في الكعبة، قال: ركعتين بين الساريتين عن يسارك إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين. رواه الشيخان، ولفظه للبخاري.
وأما ما رواه الشيخان عن أسامة أيضًا، والبخاري عن ابن عباس: أن النبي  لم يصل في الكعبة فجوابه أن الدخول كان مرتين، فلم يصل في الأولى، وصلى في الثانية، كذا رواه أحمد في «مسنده».
وذكر ابن حبان في «صحيحه»، وإن أخَّر طواف الزيارة عن أيام منى، جاز؛ لأنه لا آخر لوقته عند أحمد والشافعي، وعند أبي حنيفة أيام التشريق، ومالك ذي الحجة، والتعجيل أفضل عن أيام منى.
وقال الشيخ تقي الدين: ينبغي أن يكون في أيام التشريق؛ فإن تأخر ذلك فيه نزاع، والذي يترجح عندي قول من يقول بعدم جواز تأخيره عن أيام التشريف؛ لأنه لم ينقل فيما بلغني عن النبي  ولا عن أحد من أصحابه أنهم أخروه. والله أعلم.
قال في «الإنصاف»، وقال في الواضح: عليه دم إذا أخره عن يوم النحر لغير عذر، وخرَّج القاضي وغيره رواية بوجوب الدم إذا أخَّره عن أيام منى ولا شيء عليه كتأخير السعي.
ثم يسعى متمتع بحجه؛ لأن سعيه الأول لعمرته؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئل عن متعة الحج، فقال: أهَلَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي  في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله : «اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي» فطفنا بالبيت والمروة، وأتينا النساء ولبسنا الثياب، وقال: «من قلد الهدي؛ فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله»، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج؛ فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وهو صريح في سعي المتمتع مرتين، وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه يكفيه سعي عمرته الذي بعد طوافه.
قال في «الاختيارات الفقهية»: والمتمتع يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة وهو إحدى الروايتين عن أحمد نقلها عبدالله عن أبيه، ويسعى من لم يسع مع طواف القدوم من مفرد وقارن، ومن سعى منهما لم يعده.
عن عائشة أنها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول الله: «يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك» رواه مسلم.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله : «من قرن بين حجه وعمرته أجزأه لهما طواف واحد» رواه وابن ماجه، وفي لفظ: «من أحرم بالحج والعمرة أجزأ طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعًا» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب؛ ولأنه لا يستحب التطوع به كسائر الأنساك إلا الطواف؛ فإنه كصلاة.
ثم يشرب من ماء زمزم لما أحب، ويتضلع منه ويرش على بدنه وثوبه، عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر، قال: كنت عند ابن عباس جالسًا، فجاء رجل، فقال: من أين جئت؟ قال: من زمزم، قال: فشربت منها كما ينبغي؟، قال: وكيف؟ قال: شربت منها فاستقبل الكعبة وذكر إسم الله عز جل؛ فإن رسول الله  قال: «إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من زمزم» أخرجه ابن ماجه والدارقطني، واللفظ لابن ماجه، ويقول: «بسم الله، اللهم اجعله لنا علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وريًّا وشبعًا وشفاءً من كل داء واغسل به قلبي واملأه من خشيتك»، زاد بعضهم: «وحكمتك»؛ لما ورد عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله  يقول: «ماء زمزم لما شُرب له» رواه ابن ماجه، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله : «ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته يشبعك أشبعك الله به، وإن شربته لقَطْع ظمئك قطعه الله، وهو عزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل» رواه الدارقطني.
س255: ماذا يفعل بعد طواف الإفاضة والسعي ممن عليه سعي؟ وتكلم عن صفة رمي الجمرات الثلاث؟ وبأيها يبدأ؟ وحكم ترتيبها؟ وحكم ما إذا أخل بحصاة من الأولى، أو جهل من أيها تركت؟ ومتى وقت رميها؟ واذكر ما تستحضره من دليل؟
ج: ثم يرجع فيصلي ظهر يوم النحر بمنى؛ لحديث ابن عمر مرفوعًا: «أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى» متفق عليه. ويبيتُ بمنى ثلاث ليال إن لم يتعجل وإلَّا فليلتين ويرمي الجمرات الثلاث بمنى أيام التشريق إن لم يتعجل كل جمرة منها بسبع حصيات واحدة بعد أخرى، ولا يجزي رَميُ غير سقاة ورعاة إلّا نهارًا بعد الزوال؛ فإن رمى ليلاً أو قبل الزوال لم يجزئه؛ لحديث جابر: رأيت رسول اله  يرمي الجمرة ضحى يوم النحر، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس، وقال: «خذوا عني مناسككم».
وعن ابن عمر قال: كنا نتَحَيَّنَ فإذا زالت الشمس رمينا، رواه البخاري وأبو داود.
وعن ابن عباس قال: رمى رسول الله  الجمار حين زالت الشمس، رواه أحمد وابن ماجه والترمذي.
وسن رميه قبل الصلاة، أي صلاة الظهر؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا: «كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر» رواه ابن ماجه.
ويستحب أن لا يدع الصـلاة مع الإمـام في مـسجد منى، وهو مسجد الخيف؛ لفعله  وفعل أصحابه يبدأ بالجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويرميها بسبع ثم يتقدم عنها قليلاً بحيث
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الأول والثانى)**
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
»  كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الثالث)**
» كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الرابع)**
» كتاب (مسائل فقهية وأجوبتها بالأدله الشرعيه**)(الجزء الخامس)**
» الجزء الأول لعمرو خالد | قصص الأنبياء نوح عليه السلام الجزء الأول | شيث بن آدم | أدريس بن آدم
» للتحميل عدة مسائل فقهية تهم جموع المسلمين**

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: المنتدى الاسلامى :: الفقه الاسلامى-
انتقل الى: