منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

 الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 12:51 pm

اقتباس :





    الكتاب: شرح سنن أبي داود
    المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر
    مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
    [ الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 598 درسا]
تراجم رجال إسناد حديث (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
موسى بن إسماعيل هو: التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد].
حماد هو: ابن سلمة، وإذا جاء حماد يروي عنه موسى بن إسماعيل فهو: ابن سلمة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد الجريري].
هو سعيد بن إياس الجريري، ثقة، أخرج له الكتب الستة.
[عن أبي العلاء].
أبو العلاء هو: يزيد بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف].
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أخو يزيد بن عبد الله المذكور سابقاً.
[عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه].
هو
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان والياً على الطائف، وهو من ثقيف
من أهل الطائف، وقد أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

(74/4)

الأذان قبل دخول الوقت
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الأذان قبل دخول الوقت.
حدثنا
موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب المعنى، قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن بلالاً رضي الله عنه أذن قبل طلوع الفجر،
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي: (ألا إن العبد قد نام، ألا
إن العبد قد نام) زاد موسى: فرجع فنادى: ألا إن العبد قد نام.
قال أبو داود: وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة].
أورد
أبو داود رحمه الله: [باب في الأذان قبل دخول الوقت] والأذان يكون عند
دخول الوقت، وإذا حصل الأذان فمعناه أنه جاء وقت الصلاة ليتجه المسلمون إلى
المساجد، والنساء يصلين في البيوت، وأهل الأعذار يصلون في البيوت كمن يكون
مريضاً أو عاجزاً لا يستطيع أن يصلي.
والأذان فيه إشعار وإعلام بدخول
الوقت، وحينما يحصل الأذان فمن صلى الصلاة فإنه يكون قد صلاها في وقتها،
وعلى هذا فلا يجوز أن يكون الأذان قبل الوقت؛ لأن الأذان قبل الوقت يترتب
عليه الصلاة قبل الوقت، والصلاة قبل وقتها غير صحيحة، ومن صلاها قبل وقتها
نسياناً أو خطأً فيجب عليه إعادتها في الوقت؛ لأن الصلاة لوقتها، ويؤتى بها
في وقتها، ولا تُقدم على وقتها، ولا تؤخر عن وقتها إلا إذا كان هناك نوم
أو شيء لابد منه، وأما بالاختيار فلا تؤخر الصلاة عن وقتها ولا يجوز أن
تقدم عن وقتها.
وكل الصلوات ليس لها إلا أذان واحد يكون عند دخول الوقت
إلا الفجر فإنه يشرع أذان آخر قبل الفجر، وليس المقصود منه أن يحضر الناس
إلى الصلاة، أو أن يصلي من يسمع الأذان، وإنما كما جاء في الحديث: (يوقظ
النائم ويرجع القائم) أي: من كان نائماً دعاه ذلك الأذان إلى أن يستعد
ويتهيأ للصلاة قبل دخول وقتها، ومن كان يريد أن يصوم ويتسحر فإن الأذان
الأول يكون سبباً في تحصيله وبلوغه ما يريد، هذا هو المراد من إيقاظ
النائم.
والأذان الثاني هو الذي يكون عند دخول الوقت، وهو المتعين، وهو
الذي لابد منه، وكل صلاة لابد لها من أذان في أول وقتها حتى يصلي الناس بعد
سماع الأذان، إلا الفجر فإنه يجوز أن يؤذن لها أذان آخر قبل الوقت، ومهمته
-أي: الأذان الأول- إرجاع القائم الذي كان يصلي من الليل ليستريح شيئاً
قليلاً من الوقت حتى يقوم إلى الصلاة، والذي كان نائماً يستيقظ ويتهيأ إذا
كان الأمر يحتاج إلى تهيؤ للصلاة بغسل أو ما إلى ذلك، أو بسحور إذا كان
يريد أن يصوم.
وكذلك يوم الجمعة يكون أذان آخر قبل الوقت حتى يتهيأ الناس للصلاة، ويستعدوا للصلاة.
ولا
يؤذن قبل الوقت، وإن أذن قبل الوقت فيلزم أن يعاد الأذان عند دخول الوقت،
حتى من كان قد صلى فعليه أن يتنبه إلى أن المسألة فيها خطأ وأن فيها غلطاً،
وعليه أن يعيد الصلاة بعد دخول الوقت.
وقد أورد أبو داود رحمه الله
حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن بلالاً أذن قبل الوقت في الفجر
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي [(ألا إن العبد قد نام، ألا إن
العبد قد نام)]، ليبين أن فعله الذي قد حصل أولاً كان خطأ، وهذا -فيما يظهر
كما ذكره بعض أهل العلم- كان قبل أن يوجد الأذان الأول الذي جاء ذكره في
قوله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن
أم مكتوم).
وهذا يدل على أن بلالاً كان يؤذن الأذان الأول وابن أم
مكتوم يؤذن الأذان الثاني، وكان بلال هو الذي يؤذن قبل أن يشرع الأذان
الأول للفجر، وبعدما شرع الأذان الأول صار بلال يؤذن الأول وابن أم مكتوم
يؤذن الأذان الثاني، وقبل ذلك كان بلال هو الذي يؤذن في جميع الأوقات.
فهذا
الذي حصل كان قبل أن يشرع الأذان الأول؛ لأن الأذان الثاني هو الذي يكون
عند دخول الوقت كسائر الصلوات، ولكن الأول هو الذي يكون قبل دخول الوقت،
والذي لو ترك لا يؤثر؛ لأنه ليس كالأذان الذي عند دخول الوقت، مع أن
الإتيان به مطلوب وفيه فائدة، ولكن لو ترك لا يؤثر؛ لأن الذي يؤثر هو الذي
عند دخول الوقت في جميع الصلوات، والذي تتحد فيه الصلوات جميعها وتتفق كلها
على أنه يؤذن به عند دخول الوقت.
وقوله: [ألا أن العبد قد نام] قيل: إن
المراد به أنه قد حصل منه غفلة لم يتبين فيها الوقت، ولهذا أخطأ في كونه
أذن قبل الوقت، ومعنى هذا أنه لا يبنى على هذا الأذان حكم ولا يبنى عليه
شيء ولا يصلى من أجله؛ لأنه حصل خطأً.

(74/5)

تراجم رجال إسناد حديث (ألا إن العبد قد نام)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب].
موسى بن إسماعيل مر ذكره، وداود بن شبيب صدوق أخرج له البخاري وأبو داود وابن ماجه.
[المعنى].
أي أن هذين الشيخين لـ أبي داود روايتهما متفقة بالمعنى مع اختلاف في الألفاظ، هذا هو المقصود بكلمة (المعنى).
[قالا: حدثنا حماد.
حماد هو: ابن سلمة، مر ذكره.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
نافع هو: مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة
الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال أبو داود: وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة].
بعض
أهل العلم تكلم في هذا الحديث وذكر أن فيه خطأ من حماد، وأن الصواب هو ما
جاء فيما يأتي أن الآمر للمؤذن بأن يعيد هو عمر وليس رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وبعض أهل العلم يقول: إنه صحيح.

(74/6)

شرح أثر عمر (ألا إن العبد قد نام)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أيوب بن منصور ثنا شعيب بن حرب عن عبد
العزيز بن رواد قال: أخبرنا نافع عن مؤذن لـ عمر يقال له: مسروح أذن قبل
الصبح فأمره عمر رضي الله عنه.
فذكر نحوه.
قال أبو داود: وقد رواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع أو غيره أن مؤذناً لـ عمر يقال له: مسروح أو غيره.
قال أبو داود: ورواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان لـ عمر رضي الله عنه مؤذن يقال له: مسعود.
وذكر نحوه، وهذا أصح من ذاك].
أورد
أبو داود رحمه الله الأثر عن عمر رضي الله عنه وأنه كان له مؤذن وقد حصل
أنه أذن قبل الوقت فأمره أن يقول: (ألا إن العبد قد نام) أي أن الذي ذُكر
في الحديث السابق إنما حصل لـ عمر وأن الذي أمر بذلك هو عمر.
وبعض
العلماء يقول: إن الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيه كلام، وأنه ما
روي إلا من طريق حماد بن سلمة عن أيوب، وأن الذي جاء عن الرسول صلى الله
عليه وسلم في حق بلال أنه قال: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى
يؤذن ابن أم مكتوم)، ولكن ما جاء في حديث ابن عمر في إضافة ذلك إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم هو متفق مع ما جاء عن عمر في قصة مؤذنه الذي حصل
منه خطأً، وأمره عمر رضي الله عنه أن ينادي بما جاء أن بلالاً نادى به، وهو
قوله: (ألا إن العبد قد نام)، وأن المقصود بذلك هو أنه قد غفل، وأنه لم
يتبين الصبح تماماً، وأنه حصل منه الخطأ، فينبه الناس حتى لا يعتمدوا على
ذلك الأذان الأول فيصلوا الفجر، أو أنهم يأتون إلى المسجد وقد كان ذلك حصل
بالليل، وحتى لا يكون لهم ذلك الإزعاج الذي قد حصل، فمن أراد أن يستريح
فيمكنه أن يستريح ويمكنه أن ينام ولا يأتي إلا عند دخول الوقت.

(74/7)

تراجم رجال إسناد أثر عمر (ألا إن العبد قد نام)
قوله: [حدثنا أيوب بن منصور].
أيوب بن منصور صدوق يهم، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[عن شعيب بن حرب].
شعيب بن حرب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن عبد العزيز بن أبي رواد].
عبد العزيز بن أبي رواد صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن نافع عن مؤذن لـ عمر].
نافع قد مر ذكره.
عن
مؤذن لـ عمر يقال له: مسروح وفي الرواية الأخرى يقال له: مسعود، وهو شخص
واحد ذكر مرة أنه مسروح ومرة أنه مسعود، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود
وحده.
قوله: [قال أبو داود: وقد رواه حماد بن زيد عن عبد الله بن عمر عن نافع أو غيره أن مؤذناً لـ عمر يقال له: مسروح أو غيره].
قوله: [عن نافع أو غيره].
أي:
شك هل هو هذا أو هذا، والرواية الأولى ليس فيها شك، وكذلك الروايات التي
ستأتي بعد هذا ليس فيها شك من جهة هل هو نافع أو غيره، وإنما هو نافع.
[قال أبو داود: وقد رواه حماد بن زيد].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عمر].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع أو غيره].
نافع مر ذكره.
[عن مسروق].
مسروق مر ذكره.
[قال
أبو داود: ورواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه قال: كان
لـ عمر مؤذن يقال له: مسعود وذكر نحوه، وهذا أصح من ذاك].
وهذا مثل الذي تقدم أولاً إلا أن هناك قال: مسروح وهنا قال: مسعود، ومسروح هو مسعود.
[قال أبو داود: ورواه الدراوردي].
الدراوردي هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر].
قد مر ذكرهم جميعاً.
وقوله: [وهذا أصح من ذاك].
أي: الذي فيه: الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن مؤذناً لـ عمر يقال له: مسعود أصح من الطريق المتقدم.
لكن ابن حجر لما ترجم للدراوردي قال: حديثه عن عبيد الله العمري منكر.
وهو هنا يروي عن عبيد الله ويصحح أبو داود حديثه على من تقدم، وهو حماد بن زيد الذي يروي عن عبيد الله بن عمر.
وعلى كل فهذه الطرق كلها يشهد بعضها لبعض، وهي متفقة وغير مختلفة.

(74/Cool

شرح حديث (لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب حدثنا وكيع حدثنا جعفر بن
برقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال له: (لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا، ومد يديه
عرضاً).
قال أبو داود: شداد مولى عياض لم يدرك بلالاً].
أورد أبو
داود رحمه الله حديث بلال رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
له: [(لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا، ومد يديه عرضاً)] أي: حتى يستبين
لك الأفق الذي يأتي بالعرض، والذي يتزايد حتى تطلع الشمس؛ لأن الفجر فجران:
فجر يظهر بظهور بياض في الأفق مستطيل رأسياً وليس بمعترض، وهذا يذهب، وهو
الذي يسمونه الفجر الكاذب، والفجر الثاني: الذي يأتي بالعرض ممتداً في
الأفق ويتزايد حتى تطلع الشمس، فهذا هو الذي يكون عنده الأذان الثاني ويكون
عنده دخول الوقت، والذي تحل عنده صلاة الصبح ويحرم الأكل في حق الصائم؛
لأنه تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فخروج هذا الخط المعترض من الفجر
هو الخيط الأبيض الذي يتزايد شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس.
وقوله: [(ومد يديه عرضاً)] أي: مدّ يديه أفقياً بالعرض توضيحاً وبياناً.

(74/9)

تراجم رجال إسناد حديث (لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
زهير بن حرب هو: أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر بن برقان].
جعفر بن البرقان صدوق يهم في حديث الزهري، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن شداد مولى عياض بن عامر].
شداد مولى عياض بن عامر مقبول يرسل، أخرج حديثه أبو داود.
[عن بلال].
هو بلال رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [قال أبو داود: شداد مولى عياض لم يدرك بلال].
معنى
هذا أن فيه انقطاعاً، أي أن فيه إرسالاً؛ لأن شداداً مقبول يرسل، ومعناه
أنه يروي عمن لم يدركه، والحديث حسنه الألباني، ولعل تحسينه من شواهد وطرق
أخرى، وإلا فإن فيه انقطاعاً كما هو معلوم.

(74/10)

الأذان للأعمى
(74/11)

شرح حديث (أن ابن أم مكتوم كان مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الأذان للأعمى.
حدثنا
محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن
عمر وسعيد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها:
(أن ابن أم مكتوم رضي الله عنه كان مؤذشناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو أعمى)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب الأذان
للأعمى] يعني أنه لا بأس به إذا كان معه من يخبره بدخول الوقت وينبهه على
ذلك، ولا يقدم على ذلك إلا بعدما يخبره من هو ثقة بدخول الوقت، فلا بأس
بذلك؛ لأنه أعمى لا يرى الزوال، ولا يرى الغروب، ولا يرى طلوع الفجر، فلا
بد من أن يكون معه من ينبهه ويبصره ويخبره.
فلا بأس بأن يكون المؤذن
أعمى بشرط أن يكون معه من ينبهه ويخبره بدخول الوقت، وهذا على اعتبار أن
الأعمى لا يرى، والمسألة متعلقة تعلقاً رئيساً بالرؤية، مثل رؤية الزوال،
وطلوع الفجر، وغروب الشمس، والأعمى لا يرى، فكونه يؤذن مع أنه يعتمد على من
يخبره بدخول الوقت لا بأس به.
وليست هنا القضية قضية تقليد، وإنما هي
قضية إخبار واعتماد على كلام من يوثق به، وكذلك في جهة القبلة، فإن وجد من
يرشده إليها فلا يلزمه أن يجتهد، وإنما يجتهد حيث لا يكون عنده من يخبره،
أما إن كان عنده أحد يخبره مثل أناس ساكنين في البرية وعندهم علم ومعرفة،
أو هو نفسه معه ناس لهم خبرة ومعرفة فيسألهم؛ لأنه لو أراد أن يجتهد فسوف
يصححون ما يفعله ويرشدونه إلى الصواب.
وأما ما ذكره بعض الفقهاء من أنه
لو كانوا جماعة في سفر فلا يجوز أخذ أحدهم قول غيره، بل كل واحد منهم يجتهد
ويصلي إلى القبلة التي توصل إليها اجتهاده فنقول: هذا إذا اختلفوا، وأما
إذا كان هناك من ليس عنده خبرة وسأل من عنده خبرة فلا بأس بذلك، وهذا شيء
مطلوب، وما أكثر ما يحتاج الناس إلى السؤال عن القبلة وهم في سفر؛ لأنه ليس
كل إنسان يعرف، وبعض الناس يعرف اتجاه القبلة عن طريق النجوم أو عن طريق
المشارق والمغارب، وهكذا.

(74/12)

تراجم رجال إسناد حديث (أن ابن أم مكتوم كان مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى)
قوله: [حدثنا محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن وهب].
ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر].
يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر صدوق، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[وسعيد بن عبد الرحمن].
سعيد بن عبد الرحمن هو الجمحي، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه: عروة بن الزبير].
وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(74/13)

الخروج من المسجد بعد الأذان
(74/14)

شرح أثر أبي هريرة في خروج المرء من المسجد بعد الأذان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الخروج من المسجد بعد الأذان.
حدثنا
محمد بن كثير حدثنا سفيان عن إبراهيم بن المهاجر عن أبي الشعثاء قال: (كنا
مع أبي هريرة رضي الله عنه في المسجد، فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر،
فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)].
أورد
أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [(باب: الخروج من المسجد بعد الأذان)]
أي: ما حكمه؟ والجواب أنه يجوز إذا كان لحاجة ولأمر يقتضيه، كمن يريد أن
يتوضأ، أو كان حاقناً أو حاقباً يحتاج إلى الخلاء، أو يكون إمام مسجد فأذن
المؤذن وهو في مسجد من المساجد والناس ينتظرونه في مسجده ليصلي بهم، فإذا
كان هناك أمر يقتضي خروجه فلا بأس، وأما إذا كان لغير حاجة فإنه لا يجوز.
وقد
سبق أن مر بنا في الحديث أن الشيطان يفر عندما يسمع الأذان، فالإنسان
عندما يخرج من المسجد وهو غير مضطر لذلك يكون فيه مشابهة للشيطان في كونه
يخرج بعد الأذان، حيث يخرج والناس يُدعون إلى أن يأتوا إلى المساجد، فإذا
لم يكن خروجه لضرورة فإن ذلك معصية.
ولهذا أورد أبو داود رحمه الله هذا
الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان في المسجد فخرج رجل بعد الأذان
فنظر إليه أبو هريرة وقال: [أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه
وسلم]، وقول الصحابي عن فعل من الأفعال بأنه معصية للرسول صلى الله عليه
وسلم له حكم الرفع، ومعنى هذا أن الرسول نهى عن ذلك، والذي حصل منه ذلك قد
خالف ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيكون قد عصاه، ولهذا قال:
[أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم].
وإذا كان الإنسان
مسافراً وقد صلى فله أن يخرج، فإذا جمع بين الصلاتين في وقت إحداهما وخرج
من المسجد فلا بأس بذلك؛ لأنه قد أدى ما عليه، لكن من كان جالساً في المسجد
ثم سمع الأذان ثم خرج من غير ضرورة فهذا هو الخطأ.
حتى ولو أذن المؤذن
وهو في مسجد قريب من المسجد النبوي، وأراد الذهاب إلى المسجد النبوي فلا
يفعل؛ لأنه ليس إماماً للمسجد النبوي وليس حاقباً وليس له حاجة تضطره
للخروج، والأولى جلوسه في المسجد الذي هو فيه لكيلا يُتهم ويساء به الظن،
وقد يقتدي به غيره ممن لا يفهم.

(74/15)

تراجم رجال إسناد أثر أبي هريرة في خروج المرء من المسجد بعد الأذان
قوله: [حدثنا محمد بن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم المهاجر].
هو صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الشعثاء].
هو: سليم بن أسود المحاربي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو
أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.

(74/16)

في المؤذن ينتظر الإمام
(74/17)

شرح حديث (كان بلال يؤذن ثم يمهل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المؤذن ينتظر الإمام.
حدثنا
عثمان بن أبي شيبة حدثنا شبابة عن إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة رضي
الله عنه قال: (كان بلال رضي الله عنه يؤذن ثم يمهل، فإذا رأى النبي صلى
الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة)].
أورد أبو داود رحمه الله: [باب في
المؤذن ينتظر الإمام] أي: ينتظره للإقامة؛ لأن الإقامة هي للإمام، وهو
الذي يملك الإقامة، وتقام الصلاة عندما يأتي أو عندما يأمر بإقامتها،
والمؤذن مسئول عن الأذان، وليس للمؤذن أن يقيم من تلقاء نفسه إلا بإذن
الإمام أو باتفاق معه على أنه إذا رآه قد أقبل فإنه يقيم.
وقد أورد أبو
داود رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن بلالاً كان يؤذن ثم يمهل
-يعني: ينتظر بين الأذان والإقامة-، حتى إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم
خرج -يعني: من حجرته- متجهاً أقام، فيقوم الناس، ثم إذا وصل النبي صلى
الله عليه وسلم إلى مكانه وأمرهم بتسوية الصفوف صلى بهم صلوات الله وسلامه
وبركاته عليه.

(74/18)

تراجم رجال إسناد حديث (كان بلال يؤذن ثم يمهل)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن شبابة].
هو شبابة بن سوار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك].
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جابر بن سمرة].
هو جابر بن سمرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(74/19)

ما جاء في التثويب
(74/20)

شرح أثر إنكار ابن عمر على من ثوب بالصلاة في الظهر أو العصر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التثويب.
حدثنا
محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثنا أبو يحيى القتات عن مجاهد أنه قال: كنت مع
ابن عمر رضي الله عنهما فثوب رجل في الظهر أو العصر قال: أخرج بنا فإن هذه
بدعة].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب التثويب]
والتثويب يراد به ثلاثة أمور: أحدها: الإقامة؛ فإن الإقامة يقال لها:
تثويب، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه هروب الشيطان عندما يسمع الأذان،
فإذا فرغ قضي الأذان رجع، فإذا ثوب للصلاة -أي: نودي إلى الصلاة مرة أخرى
بالإقامة- هرب، فأطلق على الإقامة أنها تثويب، وذلك أن التثويب هو رجوع إلى
النداء وإلى الدعاء للصلاة؛ لأنه حصل أولاً الأذان ثم رجع إليه وثوب إليه،
أي: رُجع إليه، من: (ثاب) إذا رجع، يقال: ثاب إلى رشده: إذا رجع إلى ما
كان عليه من قبل من الرشد، فالإقامة يقال لها: تثويب.
الثاني: قول:
(>الصلاة خير من النوم) في أذان الصبح، فيقال له: تثويب، وقيل له: تثويب
لأنه عود إلى الدعوة، يعني: إلى المجيء إلى الصلاة؛ لأن قوله: (حي على
الصلاة حي على الفلاح) دعوة، ثم إذا قال: الصلاة خير من النوم كان ذلك
-أيضاً- عوداً إلى الدعوة مرة أخرى، ولكن بلفظ آخر، وهو أن ما تدعون إليه
خير مما أنتم فيه وإن كان قد طاب لكم ولذ لكم الفراش.
ويطلق إطلاقاً
ثالثاً: وهو ما أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن
المؤذن إذا استبطأ الناس بعد الأذان ينادي بين الأذان والإقامة فيقول: قد
قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح.
فهذا تثويب أيضاً، ولكنه
تثويب محدث ومبتدع، ولعل هذا هو الذي أنكره ابن عمر كما في الأثر الذي ذكره
أبو داود هنا، فإنه ذكر تحت هذه الترجمة عن ابن عمر أنه كان في مسجد، قال
مجاهد بن جبر: [كنت مع ابن عمر -يعني في مسجد- فثوب رجل بالظهر أو العصر]
قيل: إن المقصود بالتثويب هو الذي أحدثه الناس من كون المؤذن بعد الأذان
بمدة وقبل إقامة الصلاة ينادي نداءً بينهما ويقول: قد قامت الصلاة، حي على
الصلاة، حي على الفلاح، أو أنه يقول: (الصلاة خير من النوم) في الظهر أو
العصر؛ لأن هذه لا تقال إلا في الفجر، وهذا من الأمور المبتدعة.
وقوله:
[اخرج بنا فإن هذه بدعة] يعني: هذا العمل الذي عمله بدعة، وإذا كان قد صح
أن ابن عمر خرج وقال: إنه بدعة فهذا يعني الإنكار بالقول وبالفعل، والحديث
في سنده راوٍ تكلموا فيه، وهو أبو يحيى القتات، والألباني صحح الحديث أو
حسنه، وعلى كلٍ فإن صح فهو إنكار بالقول وبالفعل.

(74/21)

تراجم إسناد أثر إنكار ابن عمر على من ثوب بالصلاة في الظهر والعصر
قوله: [حدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن أبي يحيى القتات].
محمد بن كثير وسفيان مر ذكرهما، أبو يحيى القتات قالوا عنه: لين الحديث.
وأخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وابن عمر رضي الله عنهما قد مر ذكره.

(74/22)

الأسئلة
(74/23)

حكم المرور بين يدي المصلي الذي ليس له سترة

السؤال
هل من حق المصلي الذي ليس له سترة أن يمنع المرور بين يديه؟

الجواب
نعم، له أن يمنع المرور فيما بينه وبين موضع سجوده، وإذا كان المار بمسافة تزيد على ثلاثة أذرع فلا يمنعه.

(74/24)

حكم أخذ الداعية للمال من المحسنين

السؤال
هل يجوز أن يعطى الداعية أجراً من المحسنين الذين يرسلون أموالهم لبعض
الدول للدعاة؟ وإن كان جائزاً فما هو الدليل على أنه يجوز له أن يأخذ ذلك
من غير بيت المال؟

الجواب
وأي
مانع يمنع من ذلك؟! ومن قال: إنه لا يجوز إلا من بيت المال؟! بل يجوز من
بيت المال، ويجوز من الأوقاف، ويجوز من تبرعات المحسنين، فالأصل هو الجواز،
وكون المحسن يساعد داعية أو يخصص داعية يقوم بالدعوة، وينفق عليه ويجعله
يتفرغ لهذه المهمة لا بأس بذلك، وهذا عمل طيب ولا مانع منه.

(74/25)

توصيف مكافأة طلاب الجامعة

السؤال
هل مكافأة الطلاب في الجامعة من باب الجعل أو هو من باب الأجرة؟

الجواب
هي من باب الجعل، فهذه أشياء رصدت لهم من بيت المال، وهي جعل لهم.

(74/26)

حكم زيارة المقابر التي عليها الأبنية

السؤال
ما حكم زيارة المقابر التي عليها الأبنية؟

الجواب
لا بأس بأن تزار المقابر ولو كان عليها أبنية، فيزورها الإنسان وينكر
المنكر، ويبين أن هذا البناء منكر، والمقبرة إذا كان فيها بنيان لا تترك
فلا تزار لأن عليها بنياناً محدثاً، وكون الأموات أسيء إليهم بأمر لا يجوز
فلا يحرمون من الزيارة والدعاء لهم بسبب ذلك، فأقول: لا بأس بزيارة تلك
المقبرة، ويدعى للأموات فيها، وينكر المنكر.

(74/27)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 12:53 pm

اقتباس :


حكم أخذ الخطيب للأجرة على خطبته

السؤال
ما حكم أخذ الخطيب الأجرة على خطبته؟

الجواب
إذا خصص له شيء أو أعطي شيئاً فليس في ذلك بأس.

(74/28)

حكم تخفيف الصلاة إلى حد الإخلال بها

السؤال
بعض الأئمة يخففون الصلاة حتى لا يستطيع الإنسان أن يقرأ الفاتحة، فهل من نصيحة لهم؟ وهل الأفضل للإنسان أن يبحث عن مسجد آخر؟

الجواب
الإمام إذا كان يخفف تخفيفاً زائداً لا يمكن المؤتم معه من الإتيان
بالأمور المطلوبة ينبغي أن يُنبه، وأما إذا كان ذلك التخفيف تخفيفاً يحصل
معه المطلوب فلا بأس بذلك، ولكن إذا تبين أن هناك أمراً يقتضي التنبيه
فينبه الإمام حتى يتدارك التقصير.

(74/29)

من فاته الترديد مع المؤذن

السؤال
إذا فات الإنسان الترديد مع المؤذن لبعض ألفاظ الأذان، فهل يردد ما فاته ثم يكمل معه؟

الجواب
الذي يبدو أنه يفعل ذلك؛ لأنه ما دام يستطيع أن يتدارك بهذه الطريقة فلا بأس بذلك إن شاء الله.

(74/30)

حكم ما يعطى للأئمة والمؤذنين مقابل عملهم

السؤال
هل الأجرة التي تعطى الآن للأئمة والمؤذنين أجرة أم جعل؟

الجواب
هذا الذي يخصص من بيت المال لهؤلاء يقال له: جعل، وليس أجرة.

(74/31)

حكم مصافحة خالة الزوجة أو عمتها

السؤال
هل يجوز مصافحة خالة الزوجة أو عمتها؟

الجواب
خالة الزوجة أجنبية، وعمة الزوجة أجنبية، ولهذا لو ترك الزوجة جاز له أن
يتزوج عمتها، وأن يتزوج خالتها، وتحريمهما عليه ليس بدائم، بل هو تحريم
مؤقت؛ لأنه لا يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، لكن لو ذهبت عنه المرأة
جاز له أن يتزوج عمتها أو خالتها، ولهذا فمصافحتها مصافحة أجنبية، ولا
يصافح إلا المحرم، وهي التي تحرم عليه على التأبيد، أما من تحرم عليه
مؤقتاً فليس محرماً لها، ولا يجوز له أن يصافحها، فهي أجنبية، والأجنبية لا
تصافَح.

(74/32)

حكم تأخير الأذان عن وقته

السؤال
هل يجوز تأخير الأذان عن وقته كما يفعل في صلاة العشاء في رمضان؟

الجواب
لا بأس إذا اتفق الناس على أنهم يؤخرون من أجل مصلحة كما في رمضان، فإنهم
يستعدون لصلاة التراويح، وأيضاً يذهبون إلى منازلهم بعد صلاة المغرب
ويتناولون طعام العشاء، ثم يدركون الصلاة ويستعدون للصلاة، فلا بأس بذلك.

(74/33)

حكم الأذان قبل دخول الوقت

السؤال
يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يؤذن لصلاة الصبح قبل دخول الوقت بعشرين دقيقة، فماذا نعمل؟

الجواب
يوجدون أذاناً عند دخول الوقت ويبقى ذلك الأذان الذي قبل عشرين دقيقة في
محله وفي وقته، ولكن يؤتى بأذان آخر عند دخول الوقت، وهو الذي يبنى عليه
الصيام وتبنى عليه الصلاة.

(74/34)

موقف الإمام الراتب حال وقوع الأذان قبل دخول الوقت

السؤال
هناك إمام مسجد في بلد إسلامي، وفي تلك البلدة يؤذنون قبل دخول الوقت
الشرعي، فهل يصلي بهم الصلاة التي يظنون أن وقتها دخل أم ماذا يفعل؟

الجواب
عليه إن يصحح الوضع معهم، والأذان الذي كان يحصل منهم قبل دخول الوقت
يبقونه على ما هو عليه ويكون للتنبيه، ويؤتى بأذان آخر يكون عند دخول
الوقت، وهذا في الفجر خاصة، وبذلك يبقى الأذان الأول على ما كان، ولكن
الخطأ يتدارك بإيجاد الأذان الثاني؛ لأن الأذان الثاني هو الأصل، وكان
المفروض أن يكون عند دخول الوقت، والأذان الأول الذي قبل دخول الوقت يجوز،
ويجوز أن يترك، ولكن الذي لا يجوز أن يترك هو الذي عند دخول الوقت، فيصححون
الخطأ ويوجدون الأذان الثاني، ويتفق معهم، ويذكر لهم الحديث: (إن بلالاً
يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، فالأذان يبقى على ما هو
عليه ويؤتى بأذان آخر عند دخول الوقت.
وإذا كانت وزارة الأوقاف لا تسمح
لهم بإيجاد أذان آخر فيتم تأخير الأذان الذي قبل دخول الوقت إلى عند دخول
الوقت، وأما الإمامة فلا يمتنع منها، وإذا كان الناس ينتظرون بعد هذا
الأذان إلى أن يدخل الوقت ثم يصلون فالأمر أسهل، ولكن المحذور إذا كان
الناس يصلون قبل دخول الوقت.
والذي يقطع الإشكال أنهم إذا كانوا عازمين
على بقاء هذا الأذان فعليهم أن يأتوا بأذان عند دخول الوقت، وعنده يعرف
الناس أنه إذا وجد الأذان الثاني جاء وقت الصلاة، لكن لا يقال: يترك
الإمامة، وبعض أهل العلم قال: إنه يجوز، لكن الذي يبدو أنه لا يجوز قبل
دخول الوقت إلا إذا كان قد جُعِل أذانان: أذان سابق وأذان عند دخول الوقت،
ففي الفجر لا يؤذن الأذان الثاني إلا إذا طلع الفجر وجاء وقت الصلاة وحرم
الأكل والشرب على الصائم.

(74/35)

شرح سنن أبي داود [075]
إذا
أقيمت الصلاة وتأخر الإمام عن المجيء فللمأمومين أن ينتظروه قعوداً حتى لا
يشق عليهم القيام، ويجوز الكلام بعد الإقامة للإمام مع المأموم وللمأموم
مع مثله، ويجوز للإمام أن يتأخر لمناجاة شخص بعد أن تقام الصلاة، ولا ضير
في ذلك.

(75/1)

ما جاء في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعوداً
(75/2)

شرح حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعوداً.
حدثنا
مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا أبان عن يحيى عن عبد الله
بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة
فلا تقوموا حتى تروني).
قال أبو داود: وهكذا رواه أيوب وحجاج الصواف عن يحيى، وهشام الدستوائي قال: كتب إلي يحيى.
ورواه معاوية بن سلام وعلي بن المبارك عن يحيى وقالا فيه: (حتى تروني وعليكم السكينة)].
أورد
المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه
قعوداً] ومقتضى هذه الترجمة أن الصلاة إذا أقيمت ولم يكن الإمام قد جاء
فإنهم ينتظرونه قعوداً، ولا ينتظرونه قياماً؛ لأن ذلك يشق عليهم، وكان من
هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون في بيته ثم يخرج للصلاة، وكان
بلال رضي الله عنه يؤذنه ويأتي ويطرق عليه البيت ويقيم الصلاة، وأحياناً
ينظر بلال إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي من جهة المسجد، فإذا
رآه خرج أقام الصلاة، فمن الناس من يكون قد رآه قد خرج ومنهم من لا يكون
رآه، وقد أرشد عليه الصلاة والسلام إلى أنه إذا أقيمت الصلاة فلا يقومون
حتى يروه قد خرج من بيته؛ لأنه قد يعرض له شيء يجعله يتأخر في الدخول في
الصلاة فيكون في ذلك مشقة على الناس، وإذا كانوا جالسين لا يكون في ذلك
مشقة عليهم.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي
الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إذا أقيمت الصلاة فلا
تقوموا حتى تروني)]، ومعنى هذا أنهم ينتظرون الإمام إذا لم يروه قعوداً
ولا يقومون وينتظرونه وقوفاً، وهذا من رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأمته، وحرصه على دفع الحرج عنها والمشقة عليها، صلوات الله وسلامه وبركاته
عليه، وهو الذي وصفه الله في كتابه العزيز بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ
رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]، صلوات الله
وسلامه وبركاته عليه.

(75/3)

تراجم رجال إسناد حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وموسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبان].
هو أبان بن يزيد العطار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن يحيى].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي قتادة].
عبد الله بن أبي قتادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو الحارث بن ربعي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: وهكذا رواه أيوب وحجاج الصواف عن يحيى].
أيوب هو: أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وحجاج الصواف هو: حجاج بن أبي عثمان الصواف، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وهشام الدستوائي قال: كتب إلي يحيى].
هشام هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [قال: كتب إلي يحيى].
معناه أن هشاماً يقول: كتب إلي يحيى.
وأما أيوب وحجاج الصواف فقالا: عن يحيى.
[ورواه معاوية بن سلام وعلي بن المبارك عن يحيى] معاوية بن سلام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعلي بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وقالا فيه: (حتى تروني وعليكم السكينة)].
حملة: [وعليكم السكينة] زيادة، أي أنهم ينتظرونه جلوساً ولا يقومون حتى يروه، ويقومون وعليهم السكينة.

(75/4)

شرح حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا عيسى عن معمر عن يحيى بإسناده مثله، قال: (حتى تروني قد خرجت).
قال أبو داود: لم يذكر (قد خرجت) إلا معمر، ورواه ابن عيينة عن معمر لم يقل فيه: (قد خرجت)].
أورد
أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا
أن فيه إضافة [(قد خرجت)] إلى قوله: [(تروني)] وهي تفيد أنه بمجرد خروجه
يقومون، وأنه لا يتوقف قيامهم على أن يقوم مقامه الذي يصلي فيه، ويكونون
جالسين حتى يقف في المكان الذي يصلي فيه، وإنما إذا رأوه خرج قاموا؛ لأن
الصلاة أقيمت وهو قد جاء ليصلي بالناس، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام
أن يصلي النوافل في بيته ثم يخرج وتقام الصلاة ويصلي بالناس، ثم يرجع إلى
بيته ويصلي فيه النوافل، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقوله: [(حتى
تروني قد خرجت)] فيه بيان أن قوله: [(حتى تروني)] هو عند إقباله من بيته
وخروجه من بيته ليصلي بالناس، فعند ذلك يقومون ويأخذون أماكنهم ويتهيئون
لتسوية الصف حتى يقف النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه الذي يصلي فيه
ويسوي الصفوف ثم يصلي بالناس، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

(75/5)

تراجم رجال إسناد حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى].
إبراهيم بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عيسى].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
يحيى هو: ابن أبي كثير اليمامي، وقد مر ذكره.
[قال أبو داود: لم يذكر (قد خرجت) إلا معمر].
أي: لم يذكر (قد خرجت) بعد قوله: (تروني) إلا معمر.
[ورواه ابن عيينة عن معمر لم يقل فيه: (قد خرجت)].
أيك رواه عيسى عن معمر بذكر (قد خرجت) وابن عيينة روى عن معمر ولم يذكر (قد خرجت).
أي
أن معمراً له روايتان: مرة يذكر: (قد خرجت) وهي التي رواها عنه عيسى،
والثانية لم يذكر فيها (قد خرجت) وهي التي رواها عنه ابن عيينة.

(75/6)

شرح حديث (أن الصلاة كانت تقام)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد قال: حدثنا
أبو عمرو، ح: وحدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد -وهذا لفظه- عن الأوزاعي عن
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن الصلاة كانت تقام
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يأخذ النبي صلى
الله عليه وسلم)].
قوله: [فيأخذ الناس مقامهم] أي أن كل واحد يقوم مقامه
وتتصل الصفوف بعضها ببعض قبل أن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مقامه، أي:
بمجرد أن يروه قد خرج يقومون، ولا يتوقف قيامهم على أن يقوم في مقامه الذي
يصلي فيه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يوضح أن قوله: (حتى تروني
قد خرجت) ليس المقصود منه المقام الذي يصلي فيه، بل بمجرد خروجه صلى الله
عليه وسلم.

(75/7)

تراجم رجال إسناد حديث: (أن الصلاة كانت تقام)
قوله: [حدثنا محمود بن خالد].
هو محمود بن خالد الدمشقي، ثقة، أخرج حديثه: أبو داود والنسائي وابن ماجه.
[عن الوليد].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عمرو].
هو الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح: وحدثنا داود بن رشيد].
قوله: (ح) للتحول من إسناد إلى إسناد.
وداود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الوليد، وهذا لفظه].
يعني: ابن مسلم، وهنا قال: [وهذا لفظه] أي: اللفظ من طريق رواية الوليد من طريق داود بن رشيد الذي هو شيخه الثاني.
[عن الأوزاعي].
هو
عبد الرحمن بن عمرو؛ لأنه في الإسناد الأول عبر عنه بـ أبي عمرو وبالإسناد
الثاني عبر عنه بـ الأوزاعي؛ لأن الوليد في روايته في الإسناد الأول الذي
يروي عنه محمود بن خالد عبر عنه بـ أبي عمرو والوليد في رواية داود بن رشيد
عنه عبر بـ الأوزاعي فهذا ذكره بكنيته وهذا ذكره بنسبته، وهو مشهور
بنسبته: الأوزاعي وكنيته أبي عمرو، واسم أبيه عمرو، وفائدة معرفة الكُنى
لأصحاب الأسماء أن لا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن الإسناد الأول جاء فيه:
أبو عمرو والإسناد الثاني فيه: الأوزاعي، والأوزاعي هو أبو عمرو فهو شخص
واحد، إلا أنه عبر عنه بكنيته في الإسناد الأول وعبر عنه في الإسناد الآخر
بنسبته، وهو ثقة، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
هو:
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة
السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن
المدينة في عصر التابعين اشتهر فيها سبعة أشخاص، وُصفوا أو لُقبوا بالفقهاء
السبعة، وهم في زمن واحد في زمن التابعين، وأسنانهم متقاربة، وستة منهم
اتفق العلماء على أنهم من الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل:
أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا الذي في السند، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر
بن الخطاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، هذه ثلاثة
أقوال في السابع منهم، وأما الباقون فمتفق على عدهم في الفقهاء السبعة،
وهم: سعيد المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وخارجة بن زيد بن ثابت
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير
بن العوام، هؤلاء الستة متفق على أنهم من الفقهاء السبعة، وأبو سلمة هو
السابع على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن أبي هريرة].
هو
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هو
أكثرهم حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

(75/Cool

شرح حديث (فحبسه بعدما أقيمت الصلاة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حسين بن معاذ حدثنا عبد الأعلى عن حميد
قال: سألت ثابتاً البناني عن الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة فحدثني عن أنس
بن مالك أنه قال: (أقيمت الصلاة فعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل
فحبسه بعدما أقيمت الصلاة)].
قوله: [(فعرض لرسول الله صلى الله عليه
وسلم رجل فحبسه بعدما أقيمت الصلاة)] أي: صار يتكلم معه، والمقصود من هذا
أنه يجوز الكلام بين الإقامة والتكبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث
مع هذا الرجل بين الإقامة والدخول في الصلاة، سواء حصل ذلك من جهة الإمام
مع غيره، أو من جهة المأمومين مع بعضهم، كأن يقول البعض مثلاً: تقدم أو
تأخر، أو يسوون الصفوف ويكلم بعضهم بعضاً، فلا بأس بذلك، والنبي صلى الله
علي وسلم تكلم مع هذا الرجل بعدما أقيمت الصلاة، وهذا يدلنا على جواز
الكلام بين الإقامة وبين الدخول في الصلاة فيما فيه مصلحة تعود على الصلاة،
مثل الأمر بالتقدم أو التأخر أو غير ذلك من الكلام الذي يجري لمصلحة
الصلاة ويدل الحديث أيضاً على أن التابعين والصحابة كانوا إذا سئلوا عن شيء
أجابوا فيه بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(75/9)

تراجم رجال إسناد حديث (فحسبه بعدما أقيمت الصلاة)
قوله: [حدثنا حسين بن معاذ].
حسين بن معاذ ثقة، أخرج له أبو داود وحده.
[عن عبد الأعلى].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد].
هو حميد بن أبي حميد الطويل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت البناني].
ثابت بن أسلم البناني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(75/10)

شرح حديث (كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن علي بن سويد بن منجوف السدوسي
حدثنا عون بن كهمس عن أبيه كهمس قال: قمنا إلى الصلاة بمنى والإمام لم يخرج
فقعد بعضنا، فقال لي شيخ من أهل الكوفة: ما يقعدك؟ قلت: ابن بريدة قال:
هذا السمود.
فقال لي الشيخ: حدثني عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن
عازب قال: كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً
قبل أن يكبر قال: وقال: (إن الله وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف
الأول، وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها يصل بها صفاً)].
أورد
أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وهو يدل على
أن الإمام ينتظرونه قياماً ولا ينتظرونه قعوداً، وهو مخالف للحديث المتقدم
حديث أبي قتادة: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) إذ معناه أنهم
ينتظرونه وهم قعود.
وهذا الحديث فيه أنهم ينتظرون وهم قيام ولا يقعدون،
حيث إن الصلاة أقيمت في منى فتأخر الإمام، فجلس بعضهم، فقال وقوله: [هذا
السمود] معناه القعود عند انتظار الإمام.
وقيل: إن المقصود بالسمود هنا أن فيه غفلة.
وقيل: إن المقصود به كون الإنسان قائماً ويرفع رأسه، وهو يريد بهذا أن الناس يجلسون ولا يكونون قائمين.
ثم إن الشيخ حدث بهذا الحديث عن البراء بن عازب [كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر].
وهذا
الذي جاء في هذا الحديث لا يعارض ما جاء في الأحاديث المتقدمة، وحديث أبي
قتادة الذي مر: [(لا تقوموا حتى تروني)] يعني: إذا كانوا ينتظرونه وهم
قعود، وعلى فرض صحة الحديث هنا فإنهم لا يقومون إذ لم يحضر، وإنما ذلك إذا
كان حاضراً وهو يقيم الصفوف ويأمرهم بتسوية الصفوف، فإذا سووا الصفوف دخل
في الصلاة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلا يعني أنهم ينتظرونه، مع أن
الحديث فيه إشارة إلى أن الإمام لم يحضر، ولكن الذي أورده لا يدل على أن
الإمام لم يحضر، بل يمكن أن يكون قد حضر ولكنه مشغول بتسوية الصفوف فيمضي
شيء من الوقت وهم قيام من أجل تسوية الصفوف لا من أجل إن الإمام غير موجود،
أما إذا كان غير موجود فكيف ينتظرونه وهم قيام وفي ذلك مشقة عليهم؟! وقد
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [(إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا
حتى تروني قد خرجت)].
والحديث في إسناده ذلك الرجل المبهم الذي هو رجل
من أهل الكوفة، فهو غير صحيح، ولا يقاوم ولا يقابل ما صح وثبت مما ترجم له
المصنف، وهو أنهم ينتظرونه قعوداً، ولا ينتظرونه قياماً.
وقوله: [قلت: ابن بريدة قال: هذا السمود].
يعني أن ابن بريدة هو الذي يقول بأنه لا ينتظر الناس الإمام وهم قيام، بل والناس قعود، وجلة [هذا السمود] من كلام ابن بريدة.
قوله:
[فقال لي الشيخ: حدثني عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب رضي الله
عنهما أنه قال: (كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
طويلاً قبل أن يكبر)].
هذا ليس فيه دليل على أن الإمام لم يكن قد حضر
كما جاء في القصة التي ذكرت هنا، وإنما يمكن أن يكون الإمام موجود بينهم
ولكنه يسويهم، ويكون الطول نسبياً في انتظار تسوية الصفوف، لا أن الإمام
كان غائباً وهم ينتظرونه.
قوله: [(إن الله وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف الأول)].
يعني: الذين يبكرون ويتقدمون ويكملون الصف الأول فالأول.
وقوله: [(وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها يصل بها صفاً)].
معناه
أن المشي والتقدم من أجل وصل الصفوف أمر مطلوب ومشروع، وكل صف يكمل، ولا
ينشأ الصف الثاني إلا بعد اكتمال الصف الأول، ولا يؤتى بالصف الثالث إلا
إذا كمل الصف الثاني، ولا يؤتى بالصف الرابع إلا إذا كمل الثالث وهكذا،
فيكمل كل صف أولاً ثم ينشأ الصف الذي وراءه، ولا يصف لصف آخر والذي قبله لم
يكتمل، وإنما على الإنسان أن يتقدم ليكمل الصفوف الأول، فقوله: [(إن الله
وملائكته يصلون على الذي يلوون الصفوف الأول)] يكملون الصف الأول فالأول،
ويمشي الواحد من أجل أن يكمل الصف، ولا تبقى فرجة في الصفوف الأول، بل
تكمل، ومن المعلوم أن وصل الصفوف وسد الفرج أمر مطلوب، والمقصود أن هذا في
غير الصلاة، وإذا كان في الصلاة والإنسان أمامه فرجة والصف قريب وتقدم من
صف إلى صف ليسد الفرجة الموجودة فلا بأس بذلك؛ لأن خطوتين أو ثلاثاً في
سبيل ذلك لا بأس بها، ولكن كونه يمشي من مسافة بعيدة ويتقدم من صف إلى صف
وهو في الصلاة لا ينبغي، وإنما هو في حق من يأتي ولم يدخل في الصلاة، فإن
عليه أن يتقدم إلى أن يصل إلى المكان الذي هو الفرجة التي في الصف الذي
قبله.

(75/11)

تراجم رجال إسناد حديث (كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله طويلاً قبل أن يكبر)
قوله: [حدثنا أحمد بن علي بن سويد بن منجوف السدوسي].
صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عون بن كهمس].
عون بن كهمس مقبول، أخرج حديثه أبو داود.
[عن أبيه كهمس].
هو كهمس بن الحسن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[فقال لي شيخ من أهل الكوفة].
هو شيخ من أهل الكوفة مجهول مبهم لا يُعرف.
[حدثني عبد الرحمن بن عوسجة].
عبد الرحمن بن عوسجة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن البراء بن عازب].
هو البراء بن عازب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه هذا الرجل الكوفي المبهم، فهو ضعيف.

(75/12)

شرح حديث (أقيمت الصلاة ورسول الله نجي في جانب المسجد)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن
صهيب عن أنس قال: (أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجي في جانب
المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم)].
أورد أبو داود رحمه الله
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم
نجي في جانب المسجد)] يعني: يناجي رجلاً في المسجد، فطالت المناجاة، قال:
[(فما قام إلى الصلاة)] أي أنه بقي مع ذلك الذي يناجيه [حتى نام القوم]
يعني: حصل منهم النعاس، وهذا بعد الإقامة، وهو يدلنا على أن الناس ينتظرون
الإمام وهم جلوس، وكذلك الإمام أو غير الإمام له أن يكلم غيره بين الإقامة
وبين الدخول في الصلاة.

(75/13)

تراجم رجال إسناد حديث (أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجي في جانب المسجد)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له: البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عبد الوارث].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد العزيز بن صهيب].
عبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.
وهذا
من أعلى الأسانيد عند أبي داود، وهي الرباعيات، حيث يكون بين أبي داود
وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، فهنا: مسدد وعبد الوارث
وعبد العزيز بن صهيب وأنس بن مالك، فهؤلاء أربعة أشخاص بين أبي داود وبين
رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو أعلى الأسانيد عنده؛ لأنه ليس عنده من
(الثلاثيات) شيء، بل أعلى ما عنده (الرباعيات).
وبالمناسبة فإن مسلماً
مثل أبي داود، فـ مسلم ليس عنده إلا الرباعيات، والنسائي كذلك ليس عنده إلا
الرباعيات، فهؤلاء الثلاثة أعلى ما عندهم (الرباعيات) وهم: مسلم وأبو داود
والنسائي، وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده
حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية، وكلها بإسناد واحد
وذلك الإسناد فيها ضعيف.

(75/14)

شرح حديث (كان رسول الله حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصل)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري أخبرنا أبو
عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر قال: (كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصل،
وإذا رآهم جماعة صلى)].
أورد أبو داود هذا الحديث، ومعناه أنها تقام
الصلاة فإذا كانوا قليلاً فإنه يجلس ينتظر، وإذا كانوا كثيراً فإنه يصلي
بالناس ويدخل في الصلاة، وهذا الحديث منقطع؛ لأن سالماً أبا النضر تابعي لم
يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مرسل غير ثابت، وهو غير واضح من جهة
المعنى، حيث تقام الصلاة ثم يجلس ينتظر الناس حتى يكثروا، ولعل المقصود أنه
ليس المراد بذلك تقام الصلاة، بل حين يأتي وقت إقامة الصلاة وليس معنى ذلك
أنه ينتظر بعد أن تقام الإقامة المعروفة بتكبيراتها وألفاظها ثم بعد
الإقامة يجلس ينتظر الناس، وإنما يمكن أن يقال: حين تقام الصلاة بمعنى: حين
يأتي الوقت الذي تقام فيه الصلاة، وليس المقصود أنه ينادى لها ثم الرسول
صلى الله عليه وسلم يترك الدخول في الصلاة لأنهم قلة والحديث غير ثابت؛ لأن
فيه الإرسال من سالم أبي النضر، وهو تابعي وليس بصحابي.

(75/15)

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصلّ)
قوله: [حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري].
عبد الله بن إسحاق الجوهري ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[أخبرنا أبو عاصم].
هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن موسى بن عقبة].
موسى بن عقبة المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم أبي النضر].
سالم أبو النضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
والحديث مرسل؛ لأن سالماً أبا النضر تابعي وليس بصحابي.

(75/16)

طريق أخرى لحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة إذا رآهم قليلاً جلس لم يصلِّ) وتراجم رجال إسنادها
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن إسحاق أخبرنا أبو عاصم عن ابن
جريج عن موسى بن عقبة عن نافع بن جبير عن أبي مسعود الزرقي عن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه مثل ذلك].
أورد أبو داود رحمه الله الحديث السابق عن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا -أيضاً- في إسناده أبو مسعود الزرقي،
وهو مجهول، فيكون الحديث غير صحيح.
قوله: [حدثنا عبد الله بن إسحاق أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع بن جبير].
نافع بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مسعود الزرقي].
أبو مسعود الزرقي مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[عن علي بن أبي طالب].
هو
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين،
صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه.
وكلمة:
(عليه السلام) التي يؤتى بها بعد ذكر علي رضي الله عنه وذكر الحسن والحسين
وفاطمة رضي الله تعالى عنهم ليست من عمل المؤلفين والمصنفين والرواة، وإنما
هي من عمل نساخ الكتب، فنساخ الكتب هم الذين يأتون بهذه الكلمات
والإضافات، وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز
وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
[الأحزاب:56]، فذكر أنه عندما يذكر علي يقال: عليه السلام، وهذا إنما هو من
نساخ الكتب، فهم الذين يأتون بـ (عليه السلام) أو (كرم الله وجهه).
قالوا:
والأصل أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يعاملون معاملة واحدة، فيقال عن
الواحد منهم: رضي الله عنه، وهذا هو الذي درج عليه السلف، أي أنه يترضى عن
جميع الصحابة، ويترحم على من بعدهم، وقد يترحم عليهم ويترضى عمن بعدهم، لكن
الذي غلب في الاستعمال أن الترضي يكون للصحابة، والترحم يكون على من
بعدهم، وهذا هو المعتمد.

(75/17)

شرح سنن أبي داود [076]
صلاة
الجماعة لها أهمية عظيمة في دين الإسلام، وقد جاء الحث عليها في عدد من
الأحاديث، بل جاء التهديد والوعيد لمن يتخلف عنها، ولذا يجب على جميع
المسلمين المحافظة على صلاة الجماعة، والتناصح فيما بينهم من أجل الحفاظ
عليها؛ فإن فيها الأجر العظيم والثواب الجزيل.

(76/1)

التشديد في ترك الجماعة
(76/2)

شرح حديث: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التشديد في ترك الجماعة.
حدثنا
أحمد بن يونس حدثنا زائدة حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة
اليعمري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد
استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية).
قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة].
أورد
أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [باب في التشديد في ترك الجماعة]، يعني أن
الإتيان بالصلاة في جماعة أمر مطلوب، وهو واجب على الرجال، ولا يجوز
للرجال أن يصلوا فرادى أو أن يصلوا في بيوتهم، بل عليهم أن يأتوا إلى
المساجد ويصلوا جماعة مع المسلمين في مساجدهم، فصلاة الجماعة واجبة، ومن
العلماء من قال: إنها شرط.
ولكن الصحيح أنها ليست بشرط؛ لأن القول بأنها
شرط معناه أنه لو صلى الإنسان وحده لم تصح صلاته، والصحيح أنها تصح صلاته،
ولكنه يفوته خير كثير، ويأثم على ترك الواجب.
وقد جاءت أدلة كثيرة تدل
على أن صلاة الجماعة واجبة، وأن من تركها يأثم، وأنه لا يرخص لأحد في تركها
إلا من كان معذوراً، كمن كان مريضاً لا يستطيع أن يأتي المسجد فهو معذور؛
لقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}
[البقرة:286]، أما مع القدرة ومع الصحة والعافية فإنه يتعين على الإنسان أن
يصلي مع الجماعة في المسجد، بل لو كان أعمى فإنه لا يُعذر؛ لأن العمى لا
يمنع من الذهاب إلى المسجد، وإنما الذي يمنع هو المرض الذي لا يستطيع
الإنسان معه أن يذهب إلى المسجد، وقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة
والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم يصيب الواحد منهم المرض فلا ترضى نفسه بأن
يصلي في بيته، بل يأتي وهو يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
والترجمة
هي: (التشديد في ترك الجماعة)، يعني أن عدم الإتيان للصلاة جماعة أمر خطير
وعظيم، وقد ورد فيه وعيد وتحذير وتخويف، هذا هو المقصود بالتشديد في ترك
الجماعة، فليس بالأمر الهين أن تترك الجماعة، بل قد جاء ما يدل على عظم هذا
الأمر وأهميته، وعلى خطورة تركه.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي
الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من
ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان،
فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية)، وهذا الحديث يدل على ما ترجم
له المصنف من أهمية الجماعة، وخطورة تركها، وأن عدم الإتيان بالصلاة جماعة
فيه استحواذ الشيطان على هؤلاء الذين لا يصلون جماعة، سواءٌ أكانوا أهل
قرية أم في بادية فإنه يجب عليهم أن يصلوا جماعة، فأهل القرية يصلون جماعة،
وأهل البادية الذين هم في بيوت شعر وصوف ويتنقلون من مكان إلى مكان عندما
يقطنون ويكونون في مكان يجتمعون لصلاة الجماعة ويصلون جماعة، ولا يصح أن كل
واحد يصلي بمفرده، بل إن صلاة الجماعة ما تركت في حال الخوف، حيث جاء
الكتاب وجاءت السنة في بيان أن الصلاة تقام جماعة، وأن الإمام يقسم الجيش
إلى مجموعتين: مجموعة تصلي أولاً مع الإمام وتكمل لنفسها، ثم تأتي المجموعة
الثانية وتصلي مع الإمام آخر صلاته وتكمل لنفسها ثم تسلم.
وهناك أوجه
كثيرة جاءت في صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة، وإذا كان في غير
جهة القبلة، وهذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على وجوب الجماعة؛ لأنه لو
كان أمر الجماعة هيناً لما أتي بها مع شدة الخوف ولا حصل تقسيم الناس إلى
مجموعتين.
وقوله: [(ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الصلاة
-أي: جماعة- إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من
الغنم القاصية)] يعني أن الانفراد أو الشذوذ عن الجماعة والصلاة في حال
انفراد هو من استحواذ الشيطان على الإنسان، ومن عمل الشيطان، ومن كيد
الشيطان ومن مكر الشيطان بالإنسان، فكما أن الذئب يأكل القاصية المنفردة عن
الغنم فكذلك الشيطان يستولي أو يستحوذ على من يشذ وينفرد عن الناس ولا
يصلي مع الناس.
وقوله: [(ما من ثلاثة)] يعني الذي هو جمع، وأقل الجمع
اثنان، ولكن ذكر الثلاثة لأنه أكمل الجمع، وأقل الجمع عند النحويين ثلاثة،
وأما عند الفقهاء فاقل الجمع اثنان، وهكذا عند الفرضيين، فأقل الجماعة
اثنان: إمام ومأموم، وكذلك أقل الجمع عند الفرضيين اثنان؛ لقوله تعالى:
{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11] واثنان من
الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، والله عز وجل قال: ((إِخْوَةٌ))
والذي يحصل به حجبها اثنان وليس ثلاثة.
وقوله: [قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة].
يعني أن السائب فسر قوله: [(الجماعة)] بأن المقصود: الصلاة في الجماعة.

(76/3)

تراجم رجال إسناد حديث: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
هو أحمد بن عبد الله بن يونس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زائدة].
هو زائدة بن قدامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا السائب بن حبيش].
السائب بن حبيش مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن معدان بن أبي طلحة اليعمري].
معدان بن طلحة اليعمري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الدرداء].
أبو الدرداء هو عويمر رضي الله عنه، صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(76/4)

شرح حديث: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن
الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي
بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة
فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لقد هممت أن آمر بالصلاة
فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس)] أي: تقام الصلاة ويستخلف النبي صلى
الله عليه وسلم رجلاً يصلي بالناس ثم يذهب ومعه جماعة من أصحابه معهم حزم
من حطب إلى أناس لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار، يعني: في
الوقت الذي هم متلبسون بالمعصية؛ لأن هؤلاء الناس يصلون في بيوتهم، فالنبي
صلى الله عليه وسلم هم بأن تقام الصلاة ويستخلف رجلاً يصلي بالناس ويذهب
بنفسه ومعه جماعة من أصحابه معهم حزم من حطب ليحرق على هؤلاء المتخلفين عن
الصلاة بيوتهم، وهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وذلك لكون النبي صلى
الله عليه وسلم يهم بالتحريق وإن لم يفعل، فمجرد الهم بهذه العقوبة الشديدة
يدل على أن صلاة الجماعة واجبة، وأن هؤلاء الذين همَّ النبي صلى الله عليه
وسلم بتحريق بيوتهم عليهم حتى يتلفوا وتتلف بيوتهم معناه أنهم ارتكبوا
جرماً كبيراً، وارتكبوا خطأً كبيراً يستحقون معه هذه العقوبة، فمجرد همه
عليه الصلاة والسلام وإخباره بهذه العقوبة كافٍ في بيان وجوب صلاة الجماعة،
مع أن الجماعة جاء في وجوبها أحاديث كثيرة غير هذا الحديث.
وقوله:
[(لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي
برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم
بالنار)] يعني أن جرمهم ومصيبتهم أنهم لا يشهدون الصلاة جماعة، وهذا يدلنا
على أن البيوت لا يُصلى فيها جماعة ولا فرادى، فلا يقول بعض الناس: نحن
نصلي جماعة في البيت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: هل يصلون
جماعة أو لا يصلون جماعة في البيوت؟ وإنما قال: [(لا يشهدون الصلاة)] أي:
سواءٌ صلوا جماعة أو لم يصلوا جماعة؛ لأن المقصود هو إتيان المساجد،
والجماعة تقام في المساجد ولا تقام في البيوت، وإلا فلماذا تعمر المساجد؟!
ولماذا يؤذن المؤذن ويقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح)؟!

(76/5)

تراجم رجال إسناد حديث: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا أبو معاوية].
أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
هو ذكوان السمان المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.

(76/6)

شرح حديث: (لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا أبو المليح حدثني يزيد بن
يزيد حدثني يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب،
ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم.
قلت لـ يزيد
بن الأصم: يا أبا عوف! الجمعة عنى أو غيرها؟ قال: صمتا أذناي إن لم أكن
سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعة ولا
غيرها)].
ما زال الكلام على بعض الأحاديث المتعلقة بالترجمة، وهي:
(التشديد في ترك الجماعة)، والتي مقتضاها ومؤداها أن صلاة الجماعة واجبة،
وأن من تركها أو من لم يقم بهذا الواجب فإنه آثم ويستحق العقوبة.
وقد مر
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام هم
بأن يأمر رجلاً فيؤم الناس، ثم يأمر بحطب فيحطب، ثم يأمر رجلاً فيصلي
بالناس، ثم يخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار،
وجرمهم الذي استحقوا به هذه العقوبة هو أنهم لا يشهدون الصلاة جماعة، وهذا
يدلنا على وجوب صلاة الجماعة.
ومما يدل على وجوبها أن الله عز وجل أمر
نبيه بأن يصلي بالناس صلاة الخوف جماعة، وجاء عن النبي الكريم صلى الله
عليه وسلم صلاة الخوف بصفات متعددة، وإذا كانت الجماعة لم تترك في حال
الخوف فهذا يدلنا على وجوبها.
ثم إن كون النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بتحريق من تخلف يدل على وجوبها.
وأيضاً:
كون النبي صلى الله عليه وسلم جاءه ابن أم مكتوم وكان أعمى، وطلب منه أن
يأذن له أن يصلي في بيته؛ لأن له قائداً لا يلائمه في المجيء إلى المسجد،
فقال له عليه الصلاة والسلام: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم.
قال: فأجب)، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لم يرخص لرجل أعمى فهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة.
والحاصل أنه قد وردت أدلة متعددة تدل على وجوب الجماعة.
ومن العلماء من قال: إنها شرط.
ومعنى
هذا أن الإنسان لو صلى منفرداً لم تصح صلاته، ولكن هذا غير صحيح؛ لأنه قد
جاء ما يدل على أن صلاته صحيحة، ولكن فاته خير كثير، حيث قال عليه الصلاة
والسلام: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) أو (بخمسة وعشرين
جزءاً)، فهذا يدلنا على أن صلاته صحيحة، ولكن الذي لم يصل جماعة ترك أمراً
واجباً عليه، فيأثم لهذا الترك، ولهذا فإن أبا داود رحمه الله عقد الترجمة
بقوله: [التشديد في ترك الجماعة] يعني أن الأمر ليس بالهين، وأن الأمر
خطير وعظيم، وصلاة الجماعة شأنها عظيم، وقد وردت فيها نصوص متعددة تدل على
وجوبها.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه أن
النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من
حطب ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة)] يعني أنهم يتخلفون في
بيوتهم ويصلون في بيوتهم، ولم يكن هناك مرض يمنعهم، ولم يكن هناك علة
تعيقهم يكونون غير متمكنين بسببها من أن يأتوا إلى المساجد.
وهذا الحديث
يدل على ما دلت عليه الطريق السابقة التي فيها همُّ الرسول عليه الصلاة
والسلام، وفي هذه الطريق زيادة أن ذلك من غير علة، ومن المعلوم أن هذه
الزيادة ومقتضاها لا شك فيه، سواءٌ أتت أو لم تأت؛ لأن المكلف هو الذي
يقدر، وأما من كان عاجزاً فمعذور؛ لقول الله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، لكن هذا الحديث فيه زيادة إيضاح
وبيان أن تخلفهم لم يكن لعذر، وإنما كان كسلاً وخمولاً، وعدم إقدام على هذه
الصلاة التي فيها الخير العظيم وفيها الثواب الجزيل، وفي التخلف عنها وفي
تركها الإثم، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على خطورة ذلك
وأنه ليس بالأمر الهين.
وقد قال أحد الرواة لـ يزيد بن الأصم: هل عنى
الجمعة أو غير الجمعة؟ فقال: إن الذي سمعته من أبي هريرة هو هذا اللفظ، ولم
يذكر جمعة ولا غيرها، ولكن عمومه ولفظه يقتضي أن الجمعة وغير الجمعة يجب
الإتيان إليها، ويجب حضورها وشهودها، وأن الأمر ليس خاصاً بصلاة دون صلاة،
بل الجمع والجماعات كلها يجب حضورها ويجب الذهاب إليها.
ولما سأله قال:
[صمتا أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثر ذلك عن رسول الله عليه الصلاة
والسلام] يعني: يروي ذلك، وهذا يفيد التأكد من السماع، وأنه متحقق من
السماع، وأنه سمعه بهذا اللفظ المطلق الذي لا يختص بجمعة ولا بغير جمعة،
وإنما يشمل الصلوات كلها جمعة وجماعة.
وقوله: [(صمتا أذناي)] الأصل أن
يقال: صمت أذناي، فيكون الفاعل اسماً ظاهراً، وهنا وقع الجمع بين الاسم
الظاهر وبين الضمير، قالوا: وهذا من قبيل ما جاء في القرآن من قول الله عز
وجل: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء:3]، ففيه
الجمع بين الضمير وبين الاسم الظاهر؛ لأن في قوله: ((وَأَسَرُّوا)) ضمير،
وفي قوله: ((الَّذِينَ ظَلَمُوا)) اسم ظاهر مؤداهما واحد ومقصودهما واحد،
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة
بالنهار)، ففيه الجمع بين الضمير وبين الاسم الظاهر، وهذه هي اللغة
المشهورة بقول القائل: (أكلوني البراغيث).
فإن فيها الجمع بين الاسم الظاهر وبين ال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 12:55 pm

اقتباس :


فإن فيها الجمع بين الاسم الظاهر وبين الضمير.(76/7)

تراجم رجال إسناد حديث: (لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب)
قوله: [حدثنا النفيلي].
النفيلي هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو المليح].
أبو المليح هو الحسن بن عمر -أو عمرو-، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
[حدثني يزيد بن يزيد].
هو يزيد بن يزيد الرقي، مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده، ويحتمل أن يكون يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي، وهو ثقة.
والاحتمال
قائم، ولكن الاحتمال إذا كان بين ثقة وضعيف يؤثر، لكن الحديث لم يأت من
هذه الطريق وحدها، بل جاء من طرق ثابتة في الصحيحين وفي غيرها، ومن ذلك
حديث أبي هريرة المتقدم الذي هو باللفظ الأول، فهو بمعناه ومقتضاه ومطابق
له، وليس في هذا الحديث إلا زيادة كلمة (من غير علة) وهذه الكلمة لو لم تأت
فهي مقصودة؛ لأن من كان مريضاً فهو معذور، ولا يُهم بتحريق البيت على من
تخلف وهو مريض، وإنما يكون ذلك في حق من كان غير معذور، أما المعذور فله أن
يصلي في بيته ولا إثم عليه، بل إن له أجراً مثل الذي كان يحصله وهو صحيح،
كما ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مرض
العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم).
[حدثني يزيد بن الأصم].
يزيد بن الأصم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[قال: سمعت أبا هريرة].
هو
عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة
المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة
حديثاً على الإطلاق، فرضي الله عنه وأرضاه.

(76/Cool

شرح أثر ابن مسعود: (حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عباد الأزدي حدثنا وكيع عن
المسعودي عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه قال: (حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن؛ فإنهن من سنن
الهدى، وإن الله شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما
يتخلف عنها إلا منافق بين النفاق، ولقد رأيتنا وإن الرجل ليهادى بين
الرجلين حتى يقام في الصف، وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته، ولو
صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولو
تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لكفرتم)].
أورد أبو داود رحمه الله
أثر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهذا الأثر العظيم عن ابن مسعود رضي
الله عنه يدل على عظم شأن الجماعة وأهمية صلاة الجماعة وما كان عليه أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم من الاهتمام بصلاة
الجماعة والحرص عليها وتحمل المشاق في سبيل الوصول إليها مع شدة المرض وعدم
القدرة على المشي، فكان الواحد منهم يؤتى به يُهادى بين الرجلين، أي: واحد
يمسك عضده الأيمن والثاني يمسك عضده الأيسر؛ لأنه لا يستطيع أن يمشي
بمفرده، بل يحتاج إلى من يساعده بأن يسنده من جهة اليمين والشمال حتى يأتي
إلى المسجد ويقام في الصف.
فكانوا يفعلون ذلك لحرصهم على الأجر الذي
يكون في صلاة الجماعة، ولمعرفتهم الأجر العظيم في ذلك، ولهذا كان الواحد
منهم يصيبه المرض فلا ترضى نفسه بأن يصلي في بيته مع أنه معذور، ولو صلى في
بيته فإنه يؤجر على ما كان يفعل في حال صحته وقبل مرضه من الذهاب إلى
المسجد، فالله تعالى يأجره على ذلك كما جاء في الحديث الذي أشرت إليه
آنفاً، والذي هو في صحيح البخاري: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان
يعمل وهو صحيح مقيم).
ثم بين أن التخلف عن الجماعة من علامات النفاق،
وصفة من صفاتهم، حيث قال: [ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم
النفاق] وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كنا إذا
فقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه، يعني: اتهمناه بالنفاق.
فهذا
الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه يدل دلالة واضحة على عظم شأن الجماعة
وأهميتها، وعلى اهتمام الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم بها وحرصهم
عليها وتحمل المشاق في سبيل الوصول إليها مع شدة المرض وعدم القدرة على
المشي؛ لأنهم يعلمون الأجر العظيم في ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في
حق المنافقين: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، فكان
الصحابة يعلمون الأجر، ولهذا كانوا يحرصون على أن يحصلوه حتى مع شدة مرضهم.
يقول
عبد الله بن مسعود: (حافظوا على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن) والمقصود من
ذلك: المحافظة على الجماعة، وقوله: (حيث ينادى بهن) يعني: حين يقال: (حي
على الصلاة حي على الفلاح) يعني أن المؤذن يقول: هلموا وأقبلوا وتعالوا،
فالإنسان يحافظ على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فيجيب الداعي ويترك ما
وراءه من أي شاغل ويتجه إلى الصلاة ويؤدي الصلاة جماعة مع المسلمين في
المساجد؛ لأن المساجد إنما بنيت لذلك، ولم تبن للمباهاة أو للزينة أو لغير
ذلك، وإنما بنيت لعبادة الله عز وجل وذكره والصلاة فيها وقراءة القرآن وما
إلى ذلك مما هو ذكر لله سبحانه وتعالى.
قوله: [حافظوا على هؤلاء الصلوات
الخمس حيث ينادى بهن؛ فإنهن من سنن الهدى] يعني: الصلوات الخمس والذهاب
إلى المساجد لأدائها من سنن الهدى، يعني: من السنن والطرق والمناهج التي
جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود بالسنة الأمر المستحب
الذي هو دون الواجب، فإن هذا سنة في اصطلاح الفقهاء؛ لأنهم قسموا الأحكام
إلى: واجب، ومندوب، ومحرم، ومكروه، ومباح، فالذي أمر به على سبيل الإلزام
هو الواجب، والذي أمر به أمراً غير جازم هو الذي يكون سنة ويكون مستحباً
ويكون مندوباً، ولكن السنة تطلق إطلاقاً عاماً، وهو أن كل ما جاء عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الحق والهدى فهو سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومنهجه وطريقته، وسواءٌ في ذلك ما جاء في القرآن أو ما جاء في السنة؛
لأن كل ذلك يقال له: سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنه قوله عليه
الصلاة والسلام: (من رغب عن سنتي فليس مني) يعني: ما جاء به من الحق
والهدى.
فالسنة تطلق ويراد بها كل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مع التفاوت في الحكم من حيث الإلزام بالفعل أو الترك أو كون ذلك دون
الإلزام، وسواءٌ كان بالفعل أم بالترك، فهذا كله يقال له: سنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
والسنة تطلق أربعة إطلاقات: الأول: تطلق ويراد بها
كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، فذلك كله يقال
له: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله: (من رغب عن سنتي فليس مني)،
وكذلك قوله هنا: [من سنن الهدى] لأن المقصود بذلك ما جاء عن رسول الله وما
كان عن هدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود من ذلك الأمور
المندوبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فالجماعة يثاب فاعلها ويعاقب
تاركها؛ لأن تاركها ترك أمراً واجباً.
الثاني: تطلق ويراد بها حديث
الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك قول العلماء من محدثين وفقهاء
عندما يذكرون مسألة من المسائل: وهذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة
والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى كذا، وأما السنة فقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم كذا.
الثالث: تطلق السنة ويراد بها ما يقابل البدعة، أي: تطلق على أي عمل على وفق السنة مخالف للبدعة، أو ليس على وفق البدعة.
والإطلاق
الرابع: تطلق على المأمور به ليس على سبيل الإلزام، وهذا هو الذي يقال له:
المندوب والمستحب والمسنون، فالفقهاء إذا قالوا: يسن كذا، أو يستحب كذا،
أو يندب كذا، فكل هذه معناها واحد.
قوله: [ولقد رأيتنا] يعني معشر أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم [وما يتخلف عنها إلا منافق]، يعني أنهم لم
يكونوا يتخلفون عن الصلاة، بل كانوا يحرصون على الصلاة، وعلامة المنافق أن
يتخلف عن الصلاة.
وقوله: [ولقد رأيتنا وإن الرجل ليهادى بين الرجلين حتى
يقام في الصف] هذا فيه بيان ما كانوا عليه من الحرص والرغبة الشديدة وتحمل
المشقة في سبيل الوصول إلى ذلك؛ لأنهم كانوا يعلمون الأجر العظيم في ذلك،
وقد قال عليه الصلاة والسلام في حق المنافقين: (ولو يعلمون ما فيهما من
الأجر لأتوهما ولو حبواً).
وقوله: [ما منكم من أحد إلا وله مسجد في
بيته] أي: ما منكم من أحد إلا وهو يصلي في بيته، والصلاة مشروعة في البيوت،
وقد جاءت السنة بالترغيب في الصلاة فيها والحث عليها، بل إن صلاة النافلة
في البيت أفضل من الصلاة في المسجد، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) أي: فإنها لا تصلى في
البيت وإنما تصلى في المسجد، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم
قبوراً) يعني: لا تجعلوها مثل القبور بأن لا يصلى فيها، بل صلوا فيها، ولذا
قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً) يعني أنها لا
تعامل البيوت معاملة المقابر التي ليست محلاً للصلاة وليست مكاناً للصلاة،
وإنما يجعل لها نصيب من الصلاة، بل إن غير الفرائض أفضل أحوالها أن تؤدى في
البيت وأن تكون في البيت.
وقوله: [ولو صليتم في بيوتكم، وتركتم مساجدكم
-أي: المساجد التي بنيت للجماعة- لتركتم سنة نبيكم] صلى الله عليه وسلم
يعني: لو صليتم في بيوتكم -وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته وله مكان
أو أماكن يصلي فيها في بيته- وتركتم مساجدكم التي بنيت للعبادة ولإقامة
الجماعة لتركتم سنة نبيكم التي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث
عليها، بل جاء التشديد في تركها، والترجمة معقودة للتشديد في ترك الجماعة.
وقوله:
[ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم] أي أن الإنسان إذا ترك السنة أو ترك السنن
جره ذلك الترك إلى ترك آخر، وقد يؤدي ذلك إلى رفض السنة بأكملها، وقد يؤدي
ذلك إلى ترك ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو أمر لابد منه
ويؤدي تركه إلى الكفر، كترك الصلاة التي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
ما يدل على أن تركها كفر، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (بين المسلم وبين
الكفر أو الشرك ترك الصلاة)، وقال: (من تركها فقد كفر)، وذكر الولاة الذين
يتولون وهم ظلمة وفيهم فسق فقال له الصحابة: أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال:
(لا ما صلوا)، وهذا يدل على أن عدم الصلاة كفر، وأنهم إذا كانوا لا يصلون،
وأنهم تاركون للصلاة فإنهم أتوا الكفر الذي يستحقون به الخروج عليهم، فهذا
يدلنا على أن الصلاة المفروضة لازمة، وأن تركها كفر، وأما الجماعة فتركها
معصية كبيرة وذنب كبير، ولا يقال له: كفر، وإنما الكفر في ترك الصلاة وعدم
الإتيان بها في المسجد ولا في البيت، والعياذ بالله.

(76/9)

تراجم رجال إسناد أثر مسعود: (حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس)
قوله: [حدثنا هارون بن عباد الأزدي].
هارون بن عباد الأزدي مقبول، أخرج حديثه أبو داود.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المسعودي].
المسعودي هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي، وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[عن علي بن الأقمر].
علي بن الأقمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الأحوص].
أبو الأحوص هو عوف بن مالك، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن مسعود].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(76/10)

شرح حديث: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن أبي جناب عن مغراء
العبدي عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه
عذر -قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض- لم تقبل منه الصلاة التي صلى).
أورد
أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: [(من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر)] يعني: من سمع
المؤذن فلم يمنعه من أن يستجيب لدعوته ويأتي إلى المسجد عذر -قيل: وما
العذر؟ قال: خوف أو مرض [(لم تقبل منه الصلاة التي صلى)] يعني: التي صلى في
بيته؛ لكونه ما أجاب الداعي، والمقصود: أنه لم يحصل له تمام القبول، وإلا
فإنه قد جاء ما يدل على أن صلاة من صلى في بيته صحيحة، ولكنه يفوته خير
كثير، ويفوته مضاعفة الصلاة التي تحصل لمن صلى جماعة، كما قال عليه الصلاة
والسلام: (تفضل صلاة الجماعة صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، أو (بخمسة
وعشرين جزءاً) فهذا يدلنا على أن الصلاة تصح وأن الجماعة ليست بشرط.
وبعض أهل الظاهر قال: إنها شرط.
ومعنى
هذا أنه لو صلى في بيته لا تصح صلاته، وأن صلاته تكون غير صحيحة، ولكن
الصحيح أنها تكون صحيحة، وحديث التفضيل بسبع وعشرين درجة أو بخمسة وعشرين
جزءاً يدل على صحتها، ولكن مع فوات هذا الخير الكثير، وما جاء من التشديد
في ترك الجماعة يدل على أنه يفوته الخير الكثير، وأنه يحصل إثماً بذلك؛
لأنه فعل ما يستحق العقوبة عليه.
والحديث ورد من طريق أخرى بلفظ: (من
سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) والمقصود أنه لا صلاة له
كاملة، وليس المقصود أن صلاته وجودها كعدمها؛ لأنه قد جاء ما يدل على أن
صلاته تصح، ولكنه يفوته خير كثير وثواب جزيل.

(76/11)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 12:57 pm

اقتباس :

تراجم رجال إسناد حديث: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر)
قوله: [حدثنا قتيبة].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الكوفي الضبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي جناب].
هو أبو جناب هو يحيى بن أبي حية، ضعفوه لكثرة تدليسه، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
[عن مغراء العبدي].
مغراء العبدي مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.
[عن عدي بن ثابت].
عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد
العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: روى عن مغراء أبو إسحاق].
عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(76/12)

حكم ترك صلاة الجماعة لعذر
وقوله:
(من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر-قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو
مطر- لم تقبل منه الصلاة التي صلى) الذي جاء من طريق صحيحة وثابتة: (من سمع
النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) بدون تفسير العذر، ومعلوم أن
الإنسان الذي يصلي في بيته وهو معذور غير مؤاخذ، وصلاته صحيحة، بل يحصل
الأجر الذي كان يحصله حين كان صحيحاً.

(76/13)

شرح حديث ابن أم مكتوم: (لا أجد لك رخصة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن عاصم
بن بهدلة عن أبي رزين عن ابن أم مكتوم رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد
لا يلائمني، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم،
قال: لا أجد لك رخصة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن أم مكتوم
ويقال له: عبد الله رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا
رسول الله! إني رجل ضرير البصر شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل لي من
رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: لا أجد لك
رخصة)، وهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وذلك أنه إذا كان النبي صلى الله
عليه وسلم لم يرخص لرجل أعمى في التخلف عن الجماعة فغيره من باب أولى،
فهذا الحديث من الأدلة الواضحة الجلية على أن صلاة الجماعة واجبة.

(76/14)

تراجم رجال إسناد حديث حديث ابن أم مكتوم: (لا أجد لك رخصة)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم بن بهدلة].
عاصم بن بهدلة هو ابن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رزين].
أبو رزين هو مسعود بن مالك، ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن أم مكتوم].
ابن أم مكتوم هو عمرو ويقال: عبد الله بن أم مكتوم، صحابي مشهور، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

(76/15)

شرح حديث ابن أم مكتوم: (يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي
حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم
مكتوم رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام والسباع،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ فحي
هلا).
قال أبو داود: وكذا رواه القاسم الجرمي عن سفيان ليس في حديثه: (حي هلا)].
أورد
أبو داود حديث عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنه
استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يصلي في بيته، والنبي عليه الصلاة
والسلام قال: [(هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ فحي هلا)] يعني:
فأقبل إذا سمعت النداء.
وقوله: [(حي على الصلاة حي على الفلاح)] المقصود
بذلك: الأذان، ولكن نص على هاتين الجملتين لأنهما هما المقصودتان في
الإعلام وفي طلب الحضور إلى المسجد، وما عدا هاتين الجملتين ذكر لله،
فالمقصود من الأذان هو: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، وما سوى ذلك هو ذكر
لله عز وجل يسبقه ويلحقه، وإلا فإن المقصود من الأذان هو: (حي الصلاة حي
على الفلاح)، ولهذا اقتصر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: [(هل
تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟)] يعني: هل تسمع النداء الذي يقول فيه
المنادي: (حي على الصلاة حي على الفلاح؟) قال: نعم، قال: [(فحي هلا)] يعني:
أجب.
وهذا معناه أنه ليس له رخصة، وهو من أوضح الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة.

(76/16)

تراجم رجال إسناد حديث ابن أم مكتوم: (يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام)
قوله: [حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء].
هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا سفيان].
سفيان هو الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن عابس].
عبد الرحمن بن عابس ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أم مكتوم].
ابن أم مكتوم قد مر ذكره.
وقوله: [قال أبو داود: كذا رواه القاسم الجرمي].
هو قاسم بن يزيد الجرمي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن سفيان ليس في حديثه: (حي هلا)].
يعني
أن سفيان لم يذكر في حديثه قوله: (حي هلا) لكن لابد من أن يكون فيه شيء
آخر يكون جواباً له، أي: أنه أجاب أن له رخصة أو أجاب أنه ليس له رخصة، أو
ما إلى ذلك؛ لأن الكلام لا يستقيم إلا بالجواب، فإما أن يكون الجواب (حي
هلا)، وإما (أجب)، وإما (ليس لك رخصة)، أو (لا أجد لك رخصة).

(76/17)

فضل صلاة الجماعة
(76/18)

شرح حديث أبي بن كعب: (صلى بنا رسول الله يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل صلاة الجماعة.
حدثنا
حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبي بن
كعب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح
فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟، قالوا: لا، قال: إن هاتين
الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو
حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته
لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع
الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى)].
أورد
أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب في فضل صلاة الجماعة] يعني:
بيان عظيم فضلها وعظم أجرها وجزيل الثواب عليها، وقد بين بعض ما ورد من
النصوص في بيان فضل الجماعة.
وقد أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي
الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال:
أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا)، وهذا يدل على جواز
مثل هذا العمل، وذكر أسماء في صلاة الصبح من أجل حث الناس على الحضور وكون
الواحد منهم يحذر من التخلف حتى لا ينادى به حيث لا يكون موجوداً، فهذا
الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على جواز مثل ذلك، وهو موجود
في بعض البلاد، حيث ينادون بعد صلاة الفجر بأسماء أناس كبار من أهل الحي،
وفي ذلك تشجيع وحث على حضور الجماعة وعلى شهود الصلاة.
وقوله: [(إن
هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين)] يعني صلاة الفجر والعشاء،
وذلك أن هاتين الصلاتين تكتنفان الليل، فهذه في أوله وهذه في آخره، فالأولى
التي هي العشاء تأتي بعد أن كدح الناس في أعمالهم في النهار وتعبوا وهم
بحاجة إلى الراحة والنوم، ولهذا جاء أن النبي كان يكره النوم قبلها والحديث
بعدها؛ لأن النوم قبلها يؤدي إلى فوات العشاء، والثانية التي هي صلاة
الفجر تأتي في الوقت الذي طاب فيه الفراش ولذ فيه النوم، ولهذا جاء في أذان
الصبح قول (الصلاة خير من النوم) يعني: هذا الذي لذ وطاب لكم، وأنتم
مطمئنون إليه ومرتاحون فيه ما تدعون إليه خير منه.
فهاتان الصلاتان أثقل الصلاة على المنافقين، وقوله: [(أثقل)] يعني أن الصلاة كلها ثقيلة عندهم، ولكن هاتين الصلاتين أثقل من غيرهما.
وقوله:
[(ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب)] قد جاء في حديث
أبي هريرة: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو
يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، وجاء أيضاً أنه قال: (والذي
نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناًً أو مرماتين حسنتين لشهد
العشاء)، أي: لو كان هناك لحم يوزع في المسجد لجاء من همه الدنيا وليس همه
الآخرة إلى المسجد من أجل أن يحصل الأكل، ومن أجل أن يحصل الطعام.
قوله:
[(ولو حبواً)] (حبواً) هنا خبر لكان المحذوفة هي واسمها؛ لأن (كان)
أحياناً تحذف مع اسمها لدلالة المقام أو السياق على ذلك، والتقدير: ولو كان
الإتيان إليهما حبواً.
فحذفت (كان) وحذف اسمها وبقي الخبر.
وقوله:
(وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة) يعني أن الصف الأول له الفضيلة،
والملائكة تصف عند الله عز وجل صفوفاً، فالصف الذي يكون من الملائكة أولاً
مثله هذا الصف الذي يكون في المسجد، يعني أن هذا بالنسبة للملائكة والقرب
من الله عز وجل، وهذا فيه الحث على المبادرة إلى الصف الأول وتحصيل الفضيلة
فيه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على فضله كما في هذا
الحديث، وجاء أيضاً: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا
إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه).
وقوله: [(ولو علمتم ما فضيلته
لابتدرتموه)] يعني: لبادرتم ولتنافستم ولأسرعتم إلى الوصول إليه من أجل
الظفر به، وهو من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في
النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني أنه
تميزهم القرعة لشدة حرصهم وكونهم وصلوا جميعاً وكل واحد يقول: أنا السابق.
وقوله:
[(وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من
صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى)] وهذا يدل على فضل
الجماعة؛ لأن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين
أزكى من صلاته مع الواحد، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل، وهذا
يدلنا على فضل الجماعة، بل وعلى فضل كثرة الجماعة، وأنه كلما كانت الجماعة
أكثر فذلك أفضل وأعظم أجراً عند الله عز وجل.

(76/19)

تراجم رجال إسناد حديث أبي بن كعب: (صلى بنا رسول الله يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي بصير].
عبد الله بن أبي بصير وثقة العجلي، وأخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
[عن أبي بن كعب].
هو أبي بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(76/20)

شرح حديث: (من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا
سفيان عن أبي سهل -يعني عثمان بن حكيم - حدثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة عن
عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من
صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة
كان كقيام ليلة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عثمان بن عفان: [(من
صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة)] يعن: أن الإنسان يؤجر على ذلك
بأن يكون له قيام نصف ليلة، وهذا يدل على فضل صلاة العشاء في جماعة.
وقوله:
[(ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة)] يعني أنه إذا صلى
العشاء في جماعة كان له كقيام نصف ليلة، وإذا صلى الفجر في جماعة كان له
كقيام نصف ليلة، وإذا صلاهما في جماعة كان كقيام ليلة، يعني أن من صلى
هاتين الصلاتين في جماعة فكأنما صلى المسافة التي بينهما، ويكتب له قيام
ليلة، وهذا يدلنا على فضل صلاة الجماعة، بل على فضل هاتين الصلاتين: صلاة
العشاء وصلاة الفجر، وأن من صلاهما في جماعة كان له قيام ليلة، ومن صلى
واحدة منهما جماعة كان له كقيام نصف قيام ليلة.

(76/21)

تراجم رجال إسناد حديث: (من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسحاق بن يوسف].
إسحاق بن يوسف الأزرق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
سفيان الثوري مر ذكره.
[عن أبي سهل يعني: عثمان بن حكيم].
أبو سهل عثمان بن حكيم ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة].
عبد الرحمن بن أبي عمرة ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان بن عفان].
عثمان بن عفان أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة فرضي الله تعالى عنه.

(76/22)

الأسئلة
(76/23)

بيان وقت العصر

السؤال
رجل كان يصلي العصر حين صار ظل كل شيء مثله، فأنكر عليه صاحبه بحجة أنه
حسب التوقيت لم يدخل وقت العصر إلا بعد ربع ساعة، فهل إنكاره في محله؟

الجواب
لا، ليس في محله، بل إذا كان ظل كل شيء مثله وهو متأكد من هذا فهذا الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت العصر.

(76/24)

معنى قول جرير: جاء الخلافة أو كانت له قدراً

السؤال
هل في هذا البيت تشبيه لله عز وجل حين قال جرير في مدح عمر بن عبد العزيز
رحمه الله: جاء الخلافة إو كانت له قدراً كما أتى ربه موسى على قدر؟

الجواب
أظن أنه ليس فيه تشبيه، فموسى جاء إلى الله عز وجل على قدر، وكل شيء بقضاء وقدر، فليس هناك أي تشبيه في هذا.

(76/25)

حكم التقبيل في نهار رمضان

السؤال
رجل قبَّل امرأته في نهار رمضان ولم يخرج منه شيء، لكن امرأته خرج منها، فهل عليها كفارة وقضاء ذلك اليوم؟

الجواب
إذا وجد منها الإنزال فعليها قضاء ذلك اليوم، وليس عليها كفارة، وأما إذا
كان الذي خرج ليس بإنزال فلا يؤثر، أي: إذا كان الذي خرج لم يخرج بشهوة
وبلذة فإن هذا لا يعتبر إنزالاً، وهذا شيء لا يترتب عليه غسل، وإنما هو شيء
نجس يغسل ويتوضأ منه، وأما الذي يوجب الغسل فهو خروج الشيء لشهوة، والله
تعالى أعلم.

(76/26)

شرح سنن أبي داود [077]
هناك
نصوص كثيرة تدل على فضل المشي إلى المساجد، وأن من كان أبعد عن المسجد كان
أعظم أجراً ممن كان أقرب منه، ومن داوم على المشي إلى الصلاة في الظلام
فإنه يجازى يوم القيامة بأن يعطى نوراً تاماً يستضيء به، والجزاء من جنس
العمل، وقد جاء النهي عن تشبيك الأصابع عند الخروج للصلاة وفي المسجد،
فينبغي للمسلم أن يجتنب ذلك.

(77/1)

فضل المشي إلى الصلاة
(77/2)

شرح حديث: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة.
حدثنا
مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عبد الرحمن بن
سعد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأبعد فالأبعد من
المسجد أعظم أجراً)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى
باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة، أي: في فضل المشي إلى الصلاة في
المساجد، وذلك يتعلق بأداء صلاة الجماعة في المساجد مع المسلمين، وفي ذلك
فضل عظيم، والمشي إليها فيه رفع الدرجات وحط الخطايا، وقد ورد في ذلك
أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على فضل الذهاب إلى المساجد
وأداء الصلاة في المساجد؛ وذلك أن المؤذن عندما يؤذن يقول: حي على الصلاة
حي على الفلاح، يعني: تعالوا وهلموا وأقبلوا، فالذي يجيب الدعوة ويجيب
النداء ويذهب إلى المسجد يكتب الله له بذهابه إلى المسجد ورجوعه من المسجد
إلى بيته حسنات ويحط عنه خطايا، ويكون في صلاة ما دام ينتظر الصلاة.
أورد
أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً)
يعني: أنه كلما كان الإنسان أبعد عن المسجد فإنه تكثر خطواته في الذهاب
والإياب، وكل خطوة يخطوها الإنسان يرفع له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة،
وكلما زادت الخطا زاد الثواب وزاد الأجر، ولهذا قال: (الأبعد فالأبعد من
المسجد أعظم أجراً) يعني: أن كل من كان أبعد من المسجد ومشى إلى المسجد
ليؤدي الصلاة فإنه يكون أعظم أجراً؛ لأن كل خطوة يخطوها الإنسان في ذهابه
إلى المسجد يرفع له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة، وكذلك في رجوعه من المسجد
إلى بيته.
فإذاً: هذا يدل على فضل المشي إلى المساجد، وعلى أن كثرة
الخطى إلى المساجد فيها كثرة الثواب وزيادة الثواب عند الله عز وجل، ولهذا
قال: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً) فكل من كان أبعد يكون أعظم
أجراً ممن كان أقرب منه؛ لأن الخطوات تتفاوت في البعد عن المسجد والقرب من
المسجد، وكلما زادت الخطوات زادت رفعة الدرجات، وكذلك زاد حط الخطايا ومحو
السيئات.

(77/3)

تراجم رجال إسناد حديث: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب مشهور بنسبته إلى أحد أجداده، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن مهران].
عبد الرحمن بن مهران مجهول، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة.
[عن عبد الرحمن بن سعد].
عبد الرحمن بن سعد ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود وابن ماجة.
[عن أبي هريرة].
هو
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وأبو سعيد الخدري
وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري وابن عباس وأم المؤمنين عائشة،
ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم الصحابة السبعة المعروفون بكثرة الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث فيه مجهول، ولكن وردت أحاديث كثيرة
تدل على فضل المشي إلى المساجد، فهذا الحديث وإن كان فيه من هو مجهول إلا
أن معناه صحيح وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة.

(77/4)

شرح حديث: (أنطاك الله عز وجل ما احتسبت كله أجمع)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير
حدثنا سليمان التيمي أن أبا عثمان حدثه عن أبي بن كعب قال: (كان رجل لا
أعلم أحداً من الناس ممن يصلي القبلة من أهل المدينة أبعد منزلاً من المسجد
من ذلك الرجل، وكان لا تخطئه صلاة في المسجد، فقلت: لو اشتريت حماراً
تركبه في الرمضاء والظلمة! فقال: ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد، فنمي
الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن قوله ذلك؟ فقال: أردت
يا رسول الله! أن يكتب لي إقبالي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي إذا رجعت،
فقال: أعطاك الله ذلك كله، أنطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع)].
أورد
أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رجل من
الأنصار ليس هناك أحد أبعد منزلاً منه من المسجد) يعني: أن بيته هو أبعد
البيوت عن المسجد، ولا يعرف أحداً أبعد من ذلك الرجل، وكان ذلك الرجل يحرص
على أن يأتي إلى المسجد ويصلي صلاة الجماعة فيه.
قوله: (وكان لا تخطئه صلاة في المسجد) يعني: كان مواظباً على الصلاة.
ولا تخطئه صلاة مع أن منزله بعيد من المسجد.
قوله:
(فقلت له: لو أنك اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء وفي الظلمة، فقال: ما
أحب أن يكون منزلي قرب المسجد) يعني: أنا يعجبني أن يكون بيتي بعيداً من
المسجد؛ لأنني أريد أن يكون إقبالي إلى المسجد من بيتي وانصرافي من المسجد
إلى بيتي أن يكتب الله لي ذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسأله، (فقال له: إنني أريد أن يكتب الله لي إقبالي إلى المسجد ورجوعي إلى
أهلي إذا رجعت، فقال عليه الصلاة والسلام: قد جمع الله لك ذلك كله) يعني:
أنه حقق لك ما أردت من كتابة إقبالك وإدبارك.
وهذا فيه دليل على أن
كتابة الحسنات ورفع الدرجات وحط الخطايا ليس خاصاً بالذهاب إلى المسجد،
وإنما هو في الذهاب والإياب، فكون الإنسان ذهب لأداء العبادة وكونه رجع من
المسجد بعد أن أدى العبادة كل ذلك يكتب له حسنات، ويرفع له به درجات ويحط
عنه به خطايا، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد جمع الله لك ذلك كله، أو
أنطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع)، يعني: هذا الذي احتسبت ثوابه عند
الله ورجوت ثوابه عند الله ورجوت أن يكتب الله لك ذلك في الذهاب والإياب قد
كتب الله لك أجر ذلك، أو أعطاك الله ما أردت كله أجمع.
وهذا الحديث هو
بمعنى الحديث المتقدم الذي فيه رجل مجهول ويدل على ما دل عليه؛ فإن فيه أن
الرجل كان بعيداً من المسجد، وقد أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم كلما خطا
خطوة يثاب عليها في الذهاب والإياب، فدل ذلك على فضل الذهاب إلى المساجد،
وأنه كلما كان الشخص أبعد كان أعظم أجراً عند الله عز وجل.
قوله: (أنطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع).
أنطاك هي بمعنى: أعطاك.
قوله:
(ما احتسبت كله أجمع) يعني: مما أردت من الثواب على مجيئك إلى المسجد
وانصرافك من المسجد إلى بيتك، وهذا فيه فضل المشي إلى المساجد.

(77/5)

تراجم رجال إسناد حديث: (أنطاك الله عز وجل ما احتسبت كله أجمع)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سليمان التيمي].
هو سليمان بن طرخان التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن أبا عثمان حدثه].
هو أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بن كعب.
].
أبي بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(77/6)

تفضيل الصلاة في بعض المساجد على بعض
من
المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يحرصون على الذهاب إلى
مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة معه في مسجده، وليس هناك شيء يشير
إلى أن هناك مساجد كانت أقرب منه إلى هذا الرجل، والمسجد كلما كان أكثر
جماعة فلا شك أنه أفضل؛ وكلما كان أبعد كان أفضل، ولكن مسجد الرسول صلى
الله عليه وسلم له ميزة على غيره من جهة أن الصلاة فيه بألف صلاة، والمساجد
إذا كثرت الجماعة فيها أو كانت أقدم أو كانت أبعد لا شك أن فيها زيادة
فضل، وكون الإنسان يذهب إلى المسجد النبوي ولو كان هناك مساجد قريبة من
بيته إذا تمكن من ذلك لا شك أن فيه هذا الفضل العظيم الذي ليس هناك من
المساجد لها هذا الفضل إلا المسجد الحرام، فإنه أفضل منه، كما جاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما
سواه إلا المسجد الحرام) وقد جاء أن المسجد الحرام بمائة ألف صلاة.
ولا
شك أن الذي يمشي ويكون أكثر تعباً وأكثر نصباً يكون أكثر أجراً، والأجر على
قدر المشقة، والذي يركب يحصل أجراً، وفضل الله واسع، ولكنهم متفاوتون،
فالذي يمشي أعظم أجراً من الذي يركب.

(77/7)

شرح حديث: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة)
[حدثنا
أبو توبة حدثنا الهيثم بن حميد عن يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد
الرحمن عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: (من
خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج
إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة
لا لغو بينهما كتاب في عليين)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي
أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم) يعني:
من توضأ وخرج إلى المسجد يريد أن يؤدي فريضة من الفرائض التي فرضها الله
عليه وهي الصلوات الخمس يكون أجره كأجر الحاج المحرم الذي تلبس بلباس الحج،
يعني: أن الله تعالى يثيبه مثل خروج الحاج المحرم، فهذا خرج ليؤدي صلاة
مكتوبة والمحرم خرج ليؤدي عبادة عظيمة، فأجر هذا كأجر هذا، وفضل الله واسع.
قوله: [(ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر)].
التسبيح
هو صلاة النافلة، والمقصود بالضحى صلاة الضحى، يعني: أنه خرج ليؤديها، وقد
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا
المكتوبة) وكل الصلوات هي في البيوت أفضل منها في المساجد إلا الفرائض؛
فإنه يجب أن تؤدى في المساجد.
وهنا ذكر صلاة النافلة أو الذهاب إلى
النافلة فمن أهل العلم من قال: إن ذلك قد يكون فيه استثناء لتلك الصلاة
بأنها تكون في المسجد ولها ذلك الفضل، ويمكن أن يقال: إنها إذا أديت في
المسجد لها ذلك الفضل، ولكن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله:
(صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) يدل على أن من تمكن من أداء
النافلة في المسجد ولكنه فعلها في البيت فإن صلاته في البيت تكون أفضل
وأعظم أجراً من صلاته في المسجد.
ويمكن أن ذلك يتحقق في الذهاب إلى
قباء، فكون من كان ففي المدينة يتوضأ في بيته ثم يذهب إلى قباء فيصلي فيه
ركعتين يكون له كأجر عمرة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى
فيه صلاة كان كأجر عمرة) ولكن الحديث الذي هنا عام ولا شك أن مقتضاه يتحقق
بما جاء في قصة قباء، ولكن من قدر على أن يؤدي النوافل في المسجد وتركها في
المسجد وأداها في البيت يكون ذلك أعظم أجراً له عند الله؛ لقوله صلى الله
عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) وكان عليه الصلاة
والسلام يصلي النوافل في البيت ثم يخرج ويصلي بالناس، ثم يرجع من المسجد
ويصلي النوافل البعدية في بيته صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين)].
يعني:
أنه يرفع شأنه عند الله عز وجل، وترفع درجته عند الله عز وجل ما دام أنه
صلى صلاة على إثر صلاة وكان ما بينهما خالياً من اللغو، وليس فيه إلا ذكر
الله عز وجل، ولا يأتي بسيئات وبكلام سيئ ولغو بين تلك الصلاتين، فمن كان
كذلك فإن هذا في أعلى الدرجات وفي أعلى المنازل، ويكتب الله ذلك له ويثبته
عنده.
فهذا الحديث فيه فضل الذهاب إلى المساجد وفضل متابعة الذهاب إلى
المساجد وفضل السلامة من اللغو ومن الكلام السيئ بين الصلوات، ومن المعلوم
أن الإنسان إذا أدى الصلوات الخمس وحفظ لسانه فيما بين كل صلاة وصلاة، فلا
شك أنه على خير، ولا شك أن ذلك يرفع شأنه ودرجته عند الله عز وجل.

(77/Cool

تراجم رجال إسناد حديث: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة)
قوله: [حدثنا أبو توبة].
هو الربيع بن نافع الحلبي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا الهيثم بن حميد].
الهيثم بن حميد صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن يحيى بن الحارث] يحيى بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن القاسم أبي عبد الرحمن].
القاسم
أبي عبد الرحمن وهو القاسم بن عبد الرحمن وهو صدوق يغرب كثيراً، أخرج له
البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهذا
نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفته ألا يظن التصحيف، فالذي يعرفه
ابن عبد الرحمن لو رآه (أبي عبد الرحمن) وهو لا يعرف أن كنيته أبو عبد
الرحمن يظن أن وقع تصحيف بين ابن وأبي، والتصحيف بين ابن وأبي قريب، ولكن
الإنسان إذا عرف أن هذا الرجل كنيته تطابق اسم أبيه يزول هذا الاحتمال وهذا
الإشكال الذي قد يتصوره؛ لأنه لا يعرفه إلا ابن عبد الرحمن، فإذا رآه (أبي
عبد الرحمن) قال: هذا فيه تصحيف فبدل ابن جاءت أبي، فهو إن جاء القاسم بن
عبد الرحمن فهو كلام صحيح، وإن جاء القاسم أبي عبد الرحمن فهو صحيح؛ لأنه
أبو عبد الرحمن وهو ابن عبد الرحمن.
[عن أبي أمامة].
هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(77/9)

شرح حديث: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي
صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في
جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة؛ وذلك بأن
أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ولا ينهزه إلا
الصلاة، ثم لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل
المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة
يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، ويقولون: اللهم اغفر له،
اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه)].
أورد أبو
داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة
الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة،
وذلك بأنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يريد إلا الصلاة، ثم
لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد،
فإذا دخل المسجد فهو في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، ويقولون: اللهم اغفر
له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه) يعني: ما لم
يحصل منه إيذاء لأحد بالقول والفعل، أو ما لم يحصل منه حدث، وهو نقض
الوضوء، وهذا فيه دليل على فضل صلاة الجماعة، ودليل على أن الإنسان لو صلى
في بيته صحت صلاته، ولكنه ترك واجباً عليه، وهذا الحديث يدل على أن صلاة
الجماعة واجبة وليست بشرط؛ لأنها لو كانت شرطاً ما صحت الصلاة في غير
المسجد، ولكن كونها تفضل على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين
درجة يدل على أن صلاته في بيته صحيحة ولكنه فاته خير كثير وأثم في تركه
واجباً، ولكن الصلاة المفروضة أداها ولا يقال: إنه لم يصل، بل قد صلى، ولكن
فاته ذلك الخير الكثير وتلك المضاعفة العظيمة التي تصل إلى خمس وعشرين
درجة، وفي بعض الأحاديث إلى سبع وعشرين درجة.
وقوله: [(صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة)].
يعني:
إذا كان في السوق وفي المتجر أو في محل البيع والشراء يصلي فإنه يكون قد
صلى في غير المسجد، وصلاته في الجماعة تزيد على صلاته في سوقه وفي بيته
خمساً وعشرين درجة.
وصلاة الجماعة في البيوت لا تكفي، بل لابد من أدائها
في المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم لما هم بتحريق البيوت على أصحابها
لم يسأل: هل يصلون جماعة في البيت؟ لأن المساجد هي محل الجماعة، ولا يجوز
للناس أن يصلوا في بيوتهم جماعة، وإنما يصلون في المساجد لا في البيوت.
قوله:
[(وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة
ولا ينهزه إلا الصلاة)] هذا فيه بيان هذا التفاضل وأن له أسباباً، وذلك أن
الإنسان إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة ولا
يخرجه إلا الصلاة، والباعث له والحافز له والدافع له من خروجه من بيته هو
الصلاة.
قوله: [(ثم لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد)].
يعني:
أن كل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد يرفع الله له بها درجة ويحط عنه بها
خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد وصلى ما أمكنه فهو على خير عظيم،
وإذا جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما انتظر الصلاة.
قوله: [(فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه)].
يعني:
أنه إذا كان جالساً ينتظر الصلاة ولا يمنعه من أن يخرج من المسجد إلا أنه
ينتظر الصلاة والصلاة هي التي تحبسه وتجعله يجلس فإنه في صلاة.
قوله: [(والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه)].
يعني: إذا صلى وجلس في مصلاه فإن الملائكة تدعو له وتقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه.
قوله: (ما لم يؤذ أو يحدث) يعني: ما لم يؤذ أحداً بقوله أو فعله، أي: بلسانه أو يده.
قوله:
(أو يحدث) يعني: ينقض الوضوء، وهذا يدل على فضل كون الإنسان يكون على
طهارة في المسجد، وأن الملائكة تستغفر له وتترحم عليه وتدعو له ما لم يؤذ
أو يحدث.
قوله: (ما دام في مجلسه الذي صلى فيه) هذا لا شك أنه واضح، فمن
صلى وجلس في البقعة التي صلى فيها لا شك أنه يحوز هذا الأجر، وهذا أمر لا
إشكال فيه، ولكن كونه يتحول من مكان إلى مكان لأمر يقتضي ذلك أو لحاجة تدعو
إلى ذلك نرجو أن يكون له ذلك الفضل وله ذلك الثواب.

(77/10)

تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد مر ذكره.
[حدثنا أبو معاوية].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
هو
ذكوان السمان المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو صالح
وهو مشهور بكنيته هذه، واسمه ذكوان ولقبه السمان أو الزيات؛ لأنه كان يجلب
الزيت والسمن، فيقال له: السمان، ويقال له: الزيات، وهو كثير الرواية عن
أبي هريرة، وكذلك يروي عن غيره.
لكنه كثير الرواية عن أبي هريرة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.

(77/11)

شرح حديث: (الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو معاوية عن هلال بن
ميمون عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة
فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة).
قال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: (صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة) وساق الحديث].
أورد
أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (صلاة الرجل في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة) وهذا فيه بيان أن
الحديث السابق يبين هذا الحديث، وأن المقصود أنها تضاعف هذه المضاعفة،
فتكون صلاته الواحدة بخمس وعشرين صلاة.
قوله: (فإذا صلاها في فلاة فأتم
ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة)، يعني: أنها تضاعف هذا المضاعفة، ولعل هذه
المضاعفة سببها كون الإنسان يحرص عليها في السفر مع وجود التعب ومع وجود
النصب والمشقة، فمع ذلك يكون فيها ذلك الأجر وذلك الفضل العظيم.
ويحتمل
أن ذلك حيث تكون الفتن وعزلة الناس وكون الإنسان يكون معه غنم يرعاها ويعبد
الله عز وجل، وقد جاء في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولكن من يستطيع مخالطة الناس والصبر على أذاهم ويتمكن من ذلك، فإن ذلك أعظم
أجراً من العزلة ومن الانفراد، ولكن ذكر الفلاة هنا يدل على عظم أجر
الصلاة في السفر مع حصول المشقة والنصب والتعب، وأنه لو صلاها وحده في
الفلاة وهو مسافر فإن الله تعالى يكتب له ذلك الأجر العظيم، وقد جاء في
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب
له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)، وهذا فيه بيان فضل المحافظة على الصلاة
دائماً وأبداً ولاسيما في حال الأسفار وفي الفلوات، وكون الإنسان يكون وحده
لا يطلع عليه إلا الله عز وجل ولا يراه إلا الله سبحانه وتعالى، فتكون
مراقبته لله عز وجل وتقواه لله سبحانه وتعالى تدفعه وتجعله يحافظ على
الصلوات الخمس، سواء كان ذلك حصله عن طريق وجود الجماعة أو أنه كان بمفرده
وحافظ على الصلاة، فإنه يحصل هذا الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى.
وفي
حديث عبد الواحد الذي ذكره أبو داود بيان أن تلك الصلاة التي يصليها تضعف
على صلاة الجماعة بخمسين صلاة، يعني: ليس الأمر مقصوراً على كونه يصلي
وحده، بل أيضاً على صلاة الجماعة.

(77/12)

تراجم رجال إسناد حديث: (الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى].
هو محمد بن عيسى بن الطباع وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أبو معاوية عن هلال بن ميمون].
[أبو معاوية مر ذكره، وهلال بن ميمون الجهني صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن عطاء بن يزيد].
هو عطاء بن يزيد الليثي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو
أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته أبي سعيد، واسمه سعد بن مالك بن سنان،
وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد].
عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(77/13)

ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم
(77/14)

شرح حديث: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم.
حدثنا
يحيى بن معين حدثنا أبو عبيدة الحداد حدثنا إسماعيل أبو سليمان الكحال عن
عبد الله بن أوس عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بشر المشائين
في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم.
لما
ذكر في الترجمة السابقة فضل المشي إلى الصلاة مطلقاً، وكان في بعض الأحوال
يوجد الظلام، وفي ذلك زيادة المضرة والمشقة، ذكر عن النبي صلى الله عليه
وسلم ما يدل على فضل الذهاب إلى المسجد في شدة الظلام.
أورد أبو داود
حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بشر
المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) وهذا كما جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (حفت الجنة بالمكارة) يعني: أن
الطريق إلى الجنة فيه تعب وفيه نصب يحتاج إلى صبر؛ فالإنسان يحتاج إلى صبر
على طاعة الله وصبر عن معاصي الله، فيجب الصبر على الطاعة ولو شقت على
النفوس، ويحرص على أن يذهب إلى المساجد ولو في الظلام، ولو في شدة الحر،
ولو في شدة البرد؛ لأن حصول المشقة وحصول النصب فيه زيادة في الأجر وفيه
الثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (بشر المشائين) أي: الذين يمشون إلى المساجد.
قوله:
(في الظلم) يعني: في حال الظلام وفي شدة الظلام، وهذا إنما يكون في الفجر
وفي العشاء؛ ولهذا جاء أن هاتين الصلاتين هما أثقل الصلاة على المنافقين،
وفيهما ما فيهما من النصب؛ ولهذا فإن الذهاب إلى المساجد في شدة الظلام فيه
هذا الثواب العظيم من الله عز وجل.
قوله: (بشر المشائين في الظلم إلى
المساجد بالنور التام يوم القيامة) لأنهم مشوا في الظلام فيجازيهم الله عز
وجل بأن يجعل لهم نوراً تاماً يوم القيامة يبصرون به ويمشون به، والجزاء من
جنس العمل، وكما أن هذا فيه مشي في الظلام فإنه يقابله نور، وجزاؤه نور
يحصل يوم القيامة، كما جاء في فضل الصيام أن الصائمين يدخلون من باب يقال
له: الريان؛ لأنهم عطشوا أنفسهم؛ فجوزوا أن يدخلوا من باب يشعر بالري الذي
هو ضد الظمأ.
فهؤلاء لما مشوا في الظلمات إلى المساجد، وحرصوا على
الذهاب إلى المساجد في الظلمات يجازيهم الله عز وجل بأن يجعل لهم نوراً
يمشون به يوم القيامة يضيء لهم جزاءاً وفاقاً، والجزاء من جنس العمل، فكما
أنهم مشوا في الظلام فالله يعوضهم نوراً يستضيئون به يوم القيامة.

(77/15)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 12:58 pm

اقتباس :


تراجم رجال إسناد حديث: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين].
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عبيدة الحداد].
هو عبد الواحد بن واصل السدوسي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا إسماعيل أبو سليمان الكحال].
إسماعيل أبو سليمان الكحال صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن عبد الله بن أوس].
عبد الله بن أوس لين الحديث، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن بريدة].
هو بريدة بن الحصيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث صححه الألباني، وفيه راو لين الحديث، وفيه راو صدوق يخطئ، وله طرق أخرى، ومنها: حديث أنس عند ابن ماجة نحوه.

(77/16)

ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة
(77/17)

شرح حديث: (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الهدى في المشي إلى الصلاة.
حدثنا
محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عمرو حدثهم عن داود بن قيس قال:
حدثني سعد بن إسحاق حدثني أبو ثمامة الحناط: (أن كعب بن عجرة رضي الله عنه
أدركه وهو يريد المسجد؛ أدرك أحدهما صاحبه، قال: فوجدني وأنا مشبك بيدي،
فنهاني عن ذلك وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم
فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن يديه؛ فإنه في صلاة)].
أورد
أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما جاء في الهدى في المشي إلى
الصلاة، والمقصود الهيئة والطريقة والسيرة التي ينبغي أن يكون عليها
الإنسان، والآداب التي ينبغي أن يتأدب بها الإنسان وهو خارج إلى الصلاة؛
والمقصود هنا ذكر بعض الأمور التي لا تنبغي أن يكون الإنسان متصفاً بها في
ذهابه إلى الصلاة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث كعب بن عجرة رضي الله
عنه وفيه أن أبا ثمامة الحناط كان يريد الذهاب إلى المسجد فأدركه كعب بن
عجرة وهو ذاهب إلى المسجد، وكان أبو ثمامة الحناط قد شبك بين أصابعه، فنهاه
عن ذلك كعب بن عجرة وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ
أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن يديه) يعني: لا
يشبكن بين أصابعه؛ وذلك بأن يدخل الأصابع بعضها في بعض فيشبكها.
قوله: (فإنه في صلاة) يعني: ما دام متجهاً إلى الصلاة فهو في صلاة، فلا يشبكن بين أصابعه لا في الطريق ولا في المسجد.
وحديث
كعب بن عجرة يدلنا على أن الهيئة التي يكون عليها الإنسان وهو خارج إلى
المسجد أنه لا يشبك بين أصابعه، وهذا من الهدي ومن السمت والطريقة والهيئة
التي يكون عليها الإنسان وهو خارج إلى المسجد؛ لأنه في صلاة، وهذا فيما إذا
كان في الصلاة وقبل الصلاة، أما بعد الصلاة فقد جاء عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه شبك بين أصابعه، كما جاء في حديث ذي اليدين الذي في الصحيحين
(أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى الظهر أو العصر صلاها ركعتين فقط، ثم
تقدم إلى خشبة معروفة في المسجد واستند عليها وشبك بين أصابعه، فقال رجل من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يديه طول يقال له: ذو اليدين:
أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟! قال: لم أنس ولم تقصر، قال: بل نسيت
يا رسول الله! فالتفت عليه الصلاة والسلام إلى الصحابة وقال: أكما يقول ذو
اليدين؟ قالوا: نعم، فقام وصلى الركعتين الباقيتين).
وبعض أهل العلم قال
في الجمع بين هذه الأحاديث: إن هذا يحمل على ما دل عليه وهذا يحمل على ما
دل عليه وهذا جمع بين الأحاديث، وبعضهم قال: إن الأحاديث التي في الصحيحين
أقوى من الأحاديث التي في غيرهما، ولكن الجمع مقدم على الترجيح وعلى النسخ،
وفي إعمال كل ما جاء من التشبيك وعدمه إعمال للأحاديث جميعاً، فيجوز بعد
الصلاة ولا يجوز في الصلاة ولا قبل الصلاة، وهذا هو التوفيق بين الأحاديث
التي وردت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(77/18)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد)
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري].
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[أن عبد الملك بن عمرو حدثهم].
هو أبو عامر العقدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكثيراً ما يأتي ذكره بكنيته أبي عامر، وهنا جاء باسمه عبد الملك بن عمرو.
[عن داود بن قيس].
داود بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني سعد بن إسحاق].
سعد بن إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[حدثني أبو ثمامة الحناط].
أبو ثمامة الحناط مجهول الحال، أخرج له أبو داود.
[أن كعب بن عجرة].
كعب بن عجرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه هذا الرجل المجهول، لكن قد جاءت أحاديث كثيرة عديدة تدل على ما دل عليه.

(77/19)

شرح حديث: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن معاذ بن عباد العنبري حدثنا أبو
عوانة عن يعلى بن عطاء عن معبد بن هرمز عن سعيد بن المسيب قال: حضر رجل من
الأنصار الموت فقال: إني محدثكم حديثاً ما أحدثكموه إلا احتساباً، سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج
إلى الصلاة، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع
قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد، فإن أتى
المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقي بعض صلى
ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان
كذلك)].
أورد أبو داود حديث رجل من الأنصار يرويه عنه سعيد بن المسيب
رحمه الله أنه لما حضره الموت قال: (إني محدثكم حديثاً لا أحدثكموه إلا
احتساباً) يعني: أنه يرجو الثواب من الله عز وجل في ذلك، وليأخذ الناس بما
جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يرويه لهم من الحديث، قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء) وإحسان
الوضوء يكون بإسباغه، وذلك بكونه يتأكد من كون الماء جاء على جميع أعضاء
الوضوء بحيث لم يترك شيئاً لم يصل إليه الماء، ثم أيضاً يأتي به بثلاث
غسلات ولا يزيد على ذلك.
إذاً: فإحسان الوضوء هو كون الإنسان يأتي به
مستوعباً لا يترك موضعاً أو شيئاً من أعضاء الوضوء لم يصل إليه الماء، ثم
يغسل أعضاءه ثلاث مرات، هذا هو إسباغ الوضوء.
قوله: (ثم خرج إلى الصلاة
لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له بها درجة، ولم يضع رجله اليسرى إلا حط
الله عنه بها سيئة) والأحاديث التي تقدمت تدل على هذا، ومنها: قوله صلى
الله عليه وسلم: (لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها
خطيئة)؛ فكلما رفع الإنسان قدمه فإن الله تعالى يرفع له بها درجة، وكلما
وضعها حط الله تعالى عنه بها خطيئة، ولا بد من رفع ووضع، فالرفع فيه رفع
درجات والوضع فيه حط خطايا، وذلك فضل من الله عز وجل.
قوله: (فليقرب
أحدكم أو ليبعد) يعني: فليقرب بيته أو يبعد من المسجد، والمسافة كلما زادت
كان أعظم، وهذا مثل الحديث الذي تقدم (أن الأبعد فالأبعد إلى المسجد أعظم
أجراً).
قوله: (فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له) يعني: لو أتى المسجد وصلى جماعة فإنه يغفر له.
قوله:
(فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي) يعني:
إن فاتته بعض الصلاة صلى ما أدرك وأتم ما بقي، وهذا معناه: أنه يصلي معهم
ما أدرك وما بقي فإنه يتمه بعد الصلاة.
وهذا فيه دليل على أن ما يقضيه
المسبوق بعد السلام هو آخر صلاته؛ لأنه قال: (أتم ما بقي) يعني: أن ما
يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته وما يقضيه بعد سلام الإمام هو آخر
صلاته، وسيأتي في بعض الأحاديث: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وهو
دليل على أن ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته وليس أول صلاته.
وقوله: (كان
كذلك) يعني: غفر له؛ لأنه خرج من بيته متوضئاً يريد الصلاة، وهذا فيما إذا
لم يكن ذلك تكاسلاً وعادة، فإذا كان الإنسان حريصاً على الصلاة ولكن حصل
أن فاتته الصلاة فإنه يعذر، وأما أن يكون الإنسان عادته أن يتكاسل ويتأخر
عن الصلاة فهذا لا ينبغي، فالإنسان عليه أن يحرص على أن يذهب إلى المساجد
وأن يبكر إليها.
وهذا يدلنا على فضل الذهاب إلى المساجد وأن فيه الأجر
العظيم من الله، وسواء أدرك الصلاة كلها أو أدرك بعضها أو لم يدرك شيئاً
ولكنه صلى في المسجد، فإنه بذلك يحصل الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله
سبحانه وتعالى.

(77/20)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة)
قوله: [حدثنا محمد بن معاذ بن عباد العنبري].
محمد بن معاذ بن عباد العنبري صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود.
[حدثنا أبو عوانة].
هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يعلى بن عطاء].
يعلى بن عطاء ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن معبد بن هرمز].
معبد بن هرمز مجهول، أخرج له أبو داود.
[عن سعيد بن المسيب].
سعيد بن المسيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
[حضر رجل من الأنصار الموت].
الصحابة
رضي الله عنهم المجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لأنهم كلهم عدول ولا يحتاجون
بعد تعديل الله عز وجل وثنائه عليهم إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين،
بل يكفيهم شرفاً وفضلاً ما جاء في فضلهم من النصوص، ومن كونهم تشرفوا بصحبة
الرسول صلى الله عليه وسلم ورأوا طلعته وسمعوا حديثه عليه الصلاة والسلام،
فلهم ذلك الفضل ولهم تلك الميزة التي تميزوا بها على غيرهم، لذا كان
المجهول فيهم في حكم المعلوم؛ بخلاف غير الصحابة فإن المجهول فيهم جهالته
تؤثر.

(77/21)

شرح سنن أبي داود [078]
المشي
إلى المساجد من أجل أداء الصلاة في جماعة من فضائل الأعمال، فقد وردت في
ذلك أحاديث عدة تبين الأجر العظيم والثواب الجزيل في ذلك؛ لذا على المسلم
أن يحافظ على صلاة الجماعة في المسجد؛ ليزداد بذلك أجراً وثواباً.

(78/1)

ما جاء فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها
(78/2)

شرح حديث: (من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها.
حدثنا
عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن محمد -يعني: ابن
طحلاء - عن محصن بن علي عن عوف بن الحارث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد
الناس قد صلوا أعطاه الله جل وعز مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من
أجرهم شيئاً)].
أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة: باب فيمن
خرج يريد الصلاة فسبق بها، يعني: فاتته وصلى الناس قبل أن يصلي، والمراد:
أنه يؤجر ويثاب على ذلك؛ لأن إسباغه الوضوء، ثم خروجه من بيته يريد الصلاة
لا تخرجه إلا الصلاة يرفع له بكل خطوة يخطوها درجة، ويحط عنه بها خطيئة،
فإذا أدرك الناس وصلى معهم حصل ما ذهب إليه، وإن فاتته فإنه على نيته وقصده
وحرصه ورغبته، لكن هذا فيما إذا لم يكن ذلك عن تقصير منه وتهاون، بأن يكون
حريصاً على الصلاة وإنما حصل أن فاتته، فإنه يؤجر على ذلك؛ لأن ذهاب
الإنسان وإيابه كل ذلك يؤجر عليه.
وأورد في ذلك أبو داود حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من توضأ فأحسن الوضوء،
ثم راح ووجد الناس قد صلوا) يعني: ذهب؛ لأن (راح) بمعنى السير في الرواح
الذي هو المساء، وهو يقابل الغدو، وتأتي بمعنى: ذهب، مثل قوله عليه الصلاة
والسلام: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه) يعني: من ذهب.
وقوله:
(أعطاه عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)
يعني: أن الله يتفضل عليه بنيته وقصده ورغبته وحرصه على الإتيان إلى
الصلاة، فالصلاة وإن فاتته وإن سبق بها فإن الله تعالى يثيبه ويأجره على
ذلك مثل ما يأجر الذين حضروا، وهذا فيما إذا لم يكن هناك تقصير أو إهمال أو
عدم اهتمام.

(78/3)

تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة].
عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد].
عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد يعني: ابن طحلاء].
محمد بن طحلاء صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن محصن بن علي].
محصن بن علي مستور، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن عوف بن الحارث].
عوف بن الحارث مقبول، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
والحديث
وإن كان في إسناده من تكلم فيه إلا أنه جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل
عليه، ومنها بعض الأحاديث التي تقدمت في الدرس الماضي؛ فإنها شاهدة له
ودالة على ما دل عليه.
وبالمناسبة القصد الحسن يؤجر الإنسان عليه، ولكن
ما اشتهر من أن: (نية المرء خير من عمله) هذا ورد فيه حديث ضعيف: (نية
المرء خير من عمله) ولكن كون النية والقصد الحسن يؤجر الإنسان عليه هذا لا
شك فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات).
وأيضاً
ثبت في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في غزوة تبوك: (إن
في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم؛
حبسهم العذر) يعني: أنهم معكم بنياتهم وقصدهم وحرصهم ورغبتهم وتأسفهم
وتألمهم؛ لكونهم لم يتمكنوا من أن يخرجوا لقلة الظهر، ولعدم قدرتهم على
ذلك، فهذا الحديث هو مثل تلك الأحاديث التي فيها أن الإنسان بقصده ورغبته
يؤجر على ذلك، وكذلك بالإضافة إلى ذلك في هذا الحديث ذهابه وخطواته
واستعداده بالتوضؤ وإحسان الوضوء يأجره الله تعالى مثل أجر من صلى.

(78/4)

ما جاء في خروج النساء إلى المسجد
(78/5)

شرح حديث أبي هريرة: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد.
حدثنا
موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله
مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات)].
أورد أبو داود رحمه الله باب خروج
النساء إلى المسجد، يعني: حكمه، وهل يخرجن أو لا يخرجن؟ وهل يؤذن لهن أو
لا يؤذن لهن؟ والحكم: هو أنه يؤذن لهن بالشروط التي لا بد منها، وهي: أن
يكن -كما جاء في هذا الحديث- تفلات، يعني: ليس معهن رائحة طيبة، وإنما
يذهبن بهيئتهن التي كن عليها دون تطيب وتجمل، فلا يخرجن متجملات، ولا يخرجن
متطيبات، ولا يحصل بهن فتنة، ومن الشروط أن يؤمن عليهن في خروجهن من أن
ينالهن أذى أو يتسببن في إيذاء الناس أو يؤذيهن أحد من الناس.
فالحكم في
هذا أنه يؤذن لهن كما جاءت بذلك الأحاديث، ولكن بالشروط المعتبرة التي
منها ما جاء في الحديث الأول من هذه الأحاديث: (ولكن ليخرجن وهن تفلات)
يعني: ليس معهن رائحة طيبة، وإنما يخرجن بروائحهن المعتادة التي ليس فيها
التطيب، وإنما يخرجن بهيئتهن بدون تجمل وتطيب، فالمقصود بالتفلة: أنها غير
متطيبة، فتخرج بالرائحة التي هي عليها دون أن تتطيب.
وأيضاً يجب ألا
تختلط مع الرجال، وألا تزاحم الناس؛ ولهذا جاء أنه كان لهن باب يدخلن إلى
المسجد منه بحيث لا يدخلن مع الرجال ولا يدخل الرجال معهن، يعني: أنهن كن
يعتزلن الرجال ويتميزن عنهم ولا يخالطنهم.
فإذاً: الحكم هو أنه يؤذن لهن كما جاءت بذلك النصوص، لكن بالشروط والقيود التي دلت عليها النصوص.
أورد
أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن وهن تفلات).
وقوله:
(لا تمنعوا) هذا خطاب للأولياء: الأزواج وغير الأزواج، فإذا كانت المرأة
مزوجة فوليها زوجها، وإذا كانت غير مزوجة فوليها أبوها ومن يليه ممن هو من
أوليائها أو هو المسئول عنها، فالخطاب للرجال الذين هم الأزواج أو غيرهم من
الأولياء الذين يتولون أمور النساء.
ثم لما نهى الرجال عن منع النساء
من الذهاب إلى المساجد وجه الخطاب للنساء بأن يخرجن بالهيئة التي ينبغي أن
يخرجن عليها، وهي أن يكن تفلات فقال: (وليخرجن وهن تفلات) يعني: لا يمنعن
ولهن الخروج، لكن بشرط: أن يكن تفلات.
وقوله: (لا تمنعوا إماء الله) الإماء: جمع أمة، والمراد النساء.
وقوله:
(لا تمعنوا إماء الله مساجد الله) استدل به بعض أهل العلم على أن المرأة
لا تمنع من الحج والعمرة؛ لأن المسجد الحرام داخل تحت قوله: (لا تمنعوا
إماء الله مساجد الله) ولكن لا شك أن هذا بالنسبة للفرض المتعين الذي هو
العمرة والحج في العمر مرة واحدة، فهذا أمر واجب على المرأة وليس للإنسان
أن يمنعها، وأما كثرة الذهاب، وكونها كلما أرادت الحج والعمرة لا تمنع،
ويستدل لذلك بعموم الحديث فهذا فيه إشكال؛ لأن هذا يترتب عليه سفر، ويترتب
عليه كونها تغيب عنه مدة طويلة، ولكن كونها تذهب إلى المسجد وترجع، وتصلي
وترجع هذا أمره سهل، لكن كونها كلما أرادت أن تسافر إلى العمرة أو تسافر
إلى الحج أنها لا تمنع، فنعم لا تمنع من الفرض، ولكن بالنسبة للنفل فهذا
يرجع إلى الزوج ويرى ما فيه المصلحة؛ لأن هذا شيء يتعلق بسفر، ويتعلق
بتفويت مصالح وفوائد له، وكذلك أيضاً قد يترتب على ذلك إخلال بأمور لا بد
منها كالغيبة عن الأولاد وما إلى ذلك.
فالحديث واضح في أن ذلك في غير سفر، لكن بالنسبة للحج الواجب والعمرة الواجبة فليس له أن يمنعها.

(78/6
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:01 pm

اقتباس :


تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي].
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو ابن سلمة بن دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن عمرو].
محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
أبو
سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في
عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب
الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.

(78/7)

شرح حديث ابن عمر: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)
قال
المصنف رحمه الله: [حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا
إماء الله مساجد الله)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي
الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله
مساجد الله) وهو مثل اللفظ المتقدم إلا أن فيه زيادة: (وليخرجن وهن تفلات).

(78/Cool

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد هو ابن زيد بن درهم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
عبد
الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة
الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث رواة إسناده كلهم ممن خرج لهم أصحاب الكتب الستة.

(78/9)

شرح حديث: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون
أخبرنا العوام بن حوشب حدثني حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن
خير لهن)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير
لهن) أرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن بيوتهن خير لهن، وصلاتهن في بيوتهن
خير لهن، وأفضل من صلاتهن في المساجد، ولكن إذا طلبن المساجد يؤذن لهن بشرط
أن يخرجن وهن تفلات، يعني: غير متجملات ولا متطيبات، ولا مختلطات بالرجال.
فالرسول
صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو الأفضل والأكمل، وإلى ما هو الأخير لهن
بعد أن أرشد إلى النهي عن منعهن، وأنه يؤذن لهن، ولكن مع ذلك بين أن
بيوتهن خير لهن، ولكن إن طلبن الذهاب إلى المسجد فإنه يؤذن لهن.

(78/10)

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا يزيد بن هارون].
يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا العوام بن حوشب].
العوام بن حوشب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني حبيب بن أبي ثابت].
حبيب بن أبي ثابت ثقة كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر قد مر ذكره.
وهذا الإسناد كالذي قبله رجاله أخرج لهم أصحاب الكتب الستة، إلا عثمان بن أبي شيبة لم يخرج له الترمذي.

(78/11)

شرح حديث: (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير وأبو معاوية
عن الأعمش عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال النبي
صلى الله عليه وسلم: (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل) فقال ابن له:
والله! لا نأذن لهن فيتخذنه دغلاً، والله! لا نأذن لهن، قال: فسبه وغضب،
وقال: أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائذنوا لهن) وتقول: لا نأذن
لهن؟!].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (ائذنوا للنساء إلى المساجد في الليل)، وهذا مثل الذي
قبله، إلا أن فيه التقييد بالليل، والأحاديث التي تقدمت مطلقة وعامة تشمل
الليل والنهار، لكن هذا الذي فيه ذكر الليل يكون فيه إشارة إلى الستر، ولكن
الأحاديث التي مضت مطلقة وتشمل الليل والنهار، ولا بأس بالإذن لهن، ولكن
خروجهن والإذن لهن بالليل يكون أولى؛ لأنه يكون فيه ستر سواءً كان في
العشاء أو الفجر، وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنهن كن يخرجن وهن
متلفعات بمروطهن في صلاة الفجر ما يعرفهن أحد من الغلس.
قوله: (فقال ابن لـ ابن عمر) قيل: إنه بلال وقيل: واقد.
قوله:
(والله! لا نأذن لهن فيتخذنه دغلاً) يعني: ريبة أو وسيلة إلى الوقوع في
أمر محرم، فغضب عليه عبد الله بن عمر وسبه وقال له: (أقول قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (ائذنوا للنساء) وتقول: والله! لا نأذن لهن؟!) وجاء في
بعض الروايات أنه ما كلمه حتى مات، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وإن
كان هذا محفوظاً فلعل أحدهما مات بعد وقت وجيز من الحادثة أو من الواقعة
التي جرت بينهما.
وفي هذا دليل على الحث على اتباع السنن والتحذير من
مخالفتها، والإنكار الشديد على من يحصل منه المخالفة للسنن ومعارضة
الأحاديث، وكذلك أيضاً فيه تأديب الرجل لولده ولو كان كبيراً، وكذلك الهجر
حيث يكون فيه مصلحة لاسيما إذا كان من الوالد أو ممن له شأن ومنزلة فإنه
يكون في ذلك فائدة ومصلحة.

(78/12)

تراجم رجال إسناد حديث: (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو معاوية].
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر قد مر ذكره.

(78/13)

باب التشديد في ذلك
(78/14)

شرح أثر عائشة: (لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المسجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد في ذلك.
حدثنا
القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن
عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لو أدرك رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعه نساء بني
إسرائيل) قال يحيى: فقلت لـ عمرة: أمنعه نساء إسرائيل؟ قالت: نعم.
].
أورد
أبو داود هذه الترجمة: باب التشديد في ذلك، يعني: فيما يتعلق بذهاب النساء
إلى المساجد، ومعلوم أنه لا بد من الاحتياط في ذهاب النساء إلى المساجد،
وأن يكن ملتزمات بآداب الإسلام، وأن يخرجن بالهيئة التي هي ليس فيها رائحة
طيبة ولا لباس حسن، وألا يخالطن الرجال، وأن يكون دخول النساء من باب واحد
وما إلى ذلك من الأمور التي جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
اتصاف النساء بها وهن خارجات إلى المسجد، لكن إذا حصل خروج عن هذه الآداب
وعدم التزام بهذه الآداب فعند ذلك يسوغ المنع، وفي ذلك يكون التشديد في
مسألة النساء وعدم تركهن يقدمن على شيء يحصل بسببه مضرة عليهن وعلى غيرهن.
أورد
أبو داود رحمه الله أثر عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (لو أدرك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني
إسرائيل) يعني: من الذهاب إلى المساجد، وقول عائشة رضي الله تعالى هذا
سببه: أنها رأت من بعض النساء شيئاً من ذلك، ولا يعني أن كل النساء يكن
كذلك.
وهذا الذي قالته عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها محمول على من
لهن حق المنع، أما من تخرج وهي تفلة ومحتشمة ومتأدبة وملتزمة بأحكام
الإسلام فهذه هي التي جاء الإذن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والرسول ما أذن لكل امرأة؛ ولهذا قال: (وليخرجن وهن تفلات) ولم يقل: النساء
يخرجن كيف كن.
فـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها رأت جانب الخلل الذي حصل
من بعضهن فقالت: لو حصل كذا، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم
شريعته مستمرة ودائمة، وأحكام هذه الشريعة دائمة مستمرة، ولكن بالتفصيل
المعروف: فمن هي أهل للخروج تخرج، ومن ليست أهلاً للخروج تمنع؛ لأنها غير
ملتزمة.
إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلق ولم يمنع، ولكن جاء
عنه تشريع وجاء عنه حكم فيه تفصيل، وهو الإذن في حق من تستحق الإذن، والمنع
في حق من تستحق المنع.
وعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ما قالته
مبني في حق من تستحق المنع، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل
على أنها تمنع، وذلك لوجود القيد الذي يدل على ذلك حيث قال: (وليخرجن وهن
تفلات) فإذا خرجن متطيبات متجملات يفتن الناس، فعند ذلك يحصل منعهن.
وقوله: (قال يحيى: فقلت لـ عمرة: أمنعه نساء بني إسرائيل؟ قالت: نعم).
يحيى هو ابن سعيد الأنصاري وعمرة: هي لـ عمرة بنت عبد الرحمن.
وهذا
الكلام مبني على أنه من عمرة وهي تابعية، ولكن الأثر جاء عن عائشة:
(لمنعنه كما منعت نساء بني إسرائيل) ولكن يحيى بن سعيد سأل عمرة فقالت:
نعم، وهي لم تقله من عندها، وإنما قالته عن عائشة رضي الله تعالى عنها
وأرضاها.

(78/15)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:02 pm

اقتباس :

تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المسجد)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب مر ذكره.
[عن مالك].
مالك
بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه والإمام المشهور، أحد أصحاب
المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب
الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرة بنت عبد الرحمن].
عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
[أن عائشة].
عائشة
أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي من أوعية السنة
وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

(78/16)

شرح حديث: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى أن عمرو بن عاصم حدثهم قال:
حدثنا همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في
حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها)].
أورد أبو داود
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي يبين فيه النبي صلى الله
عليه وسلم أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وقد سبق أن
مر حديث: (وبيوتهن خير لهن) وهذا الحديث فيه تفصيل: أنه كلما كانت المرأة
أستر وأبعد عن الظهور والبروز كان أفضل لها، يقول عليه الصلاة والسلام:
(صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها) والكلام كله يتعلق بالبيت،
وأنه كلما كان أبعد وأخفى وأستر للمرأة فإنه يكون أفضل.
قوله: (صلاة
المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها) والمراد بالحجرة: المكان الذي
يحتجر حول البيت يعني: مثل الصحن أو المكان الفاضي، ولكنه داخل السور وتحت
البنيان، وفيه يعني: أنه مكان مكشوف، ولكنه ليس داخل البيت، فصلاتها في
بيتها خير من صلاتها في حجرتها، يعني: إذا كان البيت له حوش ومكان مكشوف
فصلاتها في داخل البنيان أحسن من صلاتها داخل السور في الحوش أو في المكان
المكشوف المحتجر الذي هو تابع للبيت ومن جملته.
فهذا هو المقصود
بالحجرة، وليس المقصود بها الغرفة التي هي داخل البيت، وإنما المقصود:
المحتجر الذي يكون في البيت تدخل منه وتشرع عليه الأبواب.
قوله:
(وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) المخدع: هو البيت الصغير أو
المكان الذي يكون في أقصى البيت والذي يتخذ لحفظ الأشياء، ويميز على غيره
بكونه يكون في مكان بعيد من الباب، وهذا معناه: أن المرأة كلما كانت أبعد
في بيتها كان أفضل من بروزها، ومعنى هذا أن كل هذه الأمور أحسن من صلاتها
في المسجد، يعني: إذا كانت هذه الأمور في داخل البيت وبعضها أولى من بعض
فإن ذلك يدل على أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد؛ فلهذا قال:
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن) ثم يكون التفصيل في
البيت: كلما كانت أبعد كانت أستر، وكلما كانت بعيدة عن الأنظار كان ذلك
أفضل لها.

(78/17)

تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها)
قوله: [حدثنا ابن المثنى].
هو
محمد بن المثنى العنزي أبو موسى البصري الملقب الزمن ثقة، أخرج له أصحاب
الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون
واسطة.
[أن عمرو بن عاصم حدثهم].
عمرو بن عاصم صدوق في حفظه شيء، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام].
همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مورق].
مورق العجلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الأحوص].
هو عوف بن مالك ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله].
عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(78/18)

شرح حديث: (لو تركنا هذا الباب للنساء)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن
نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لو تركنا هذا الباب للنساء) قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.
قال أبو داود: رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع قال: قال عمر.
وهذا أصح].
أورد
أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) هذا يفيد بأن النساء لا يختلطن مع الرجال
إذا ذهبن إلى المسجد، وأنهن يدخلن من باب يخصهن أو أبواب تخصهن، وهذا من
الاحتياط والتشديد في خروج النساء، وأنهن إذا خرجن يخرجن بهذه الهيئة وهذا
الوصف الذي هو الابتعاد عن الرجال وعن مخالطتهم حتى في الدخول إلى المسجد،
بل وإذا دخلن المسجد يبتعدن عن الرجال كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي
هريرة مرفوعاً: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء
آخرها، وشرها أولها) فهن يبتعدن عن الرجال، وكلما كانت المرأة أبعد عن
الرجال كان أفضل وأعظم أجراً لها، وكان ذلك الصف الذي تكون فيه خير الصفوف
إذا كان هو أبعد الصفوف عن الرجال.
قوله: (قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات).
يعني: لالتزامه وامتثاله لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
قوله: [قال أبو داود: رواه إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: قال عمر.
وهذا أصح].
يعني:
أن الحديث جاء من طريق أخرى عن نافع يرويه عن عمر موقوفاً عليه، فهذا يكون
فيه انقطاع؛ لأن نافعاً لم يدرك عمر رضي الله تعالى عنه، ولكن الحديث
الأول صحيح.

(78/19)

تراجم رجال إسناد حديث: (لو تركنا هذا الباب للنساء)
قوله: [حدثنا أبو معمر].
هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوارث].
عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
أيوب بن أبي تميمة السختياني مر ذكره.
[عن نافع عن ابن عمر].
نافع وابن عمر مر ذكرهما.
قوله: [قال أبو داود: رواه إسماعيل بن إبراهيم].
إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب عن نافع قال: قال عمر].
أيوب
ونافع قد مر ذكرهما، وعمر هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير
المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة،
والفضائل الكثيرة فرضي الله عنه وأرضاه.

(78/20)

باب السعي إلى الصلاة
(78/21)

شرح حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السعي إلى الصلاة.
حدثنا
أحمد بن صالح حدثنا عنبسة أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب
وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها
تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا).
قال أبو
داود: وكذا قال الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي
حمزة عن الزهري: (وما فاتكم فأتموا)، وقال ابن عيينة عن الزهري وحده:
(فاقضوا) وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وجعفر بن ربيعة عن
الأعرج عن أبي هريرة: (فأتموا) وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وأبو قتادة وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قالوا: (فأتموا)].
أورد
أبو داود رحمه الله هذه الترجمة باب السعي إلى الصلاة، والسعي: هو بمعنى
الذهاب، وهذا أمر مطلوب، ويأتي بمعنى الجري والعدو والإسراع، وهذا هو الذي
جاء ما يدل على منعه والنهي عنه، ومما جاء بمعنى الذهاب قوله تعالى:
{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9]، وليس المقصود أنهم يسعون
أي: يذهبون ويجرون، وإنما معناه: أنهم يتركون البيع والشراء، ويتجهون إلى
الصلاة، يتركون الاشتغال بالتجارة الدنيوية، ويتجهون إلى التجارة الأخروية.
والسعي
يأتي بمعنى العدو، وهذا هو الذي ترجم له أبو داود وأورد الأحاديث التي
فيها النهي عن الذهاب إليها سعياً، والأمر بالذهاب إليها مشياً بدون سعي.
أورد
أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما
أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا).
قوله: (إذا أقيمت الصلاة) هنا عبر
بالإقامة؛ لأن هذا هو الذي قد يقتضي السعي، أو قد يجعل بعض الناس يتجه إلى
السعي من أجل أن يدرك الصلاة؛ لأن الصلاة قد قامت وهو يريد أن يدرك الركعة،
أو يريد أن يدرك ما يدرك من الصلاة، فيقول عليه الصلاة والسلام: (إذا
أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون) والسعي هنا هو ضد المشي؛ لأن
المشي معناه: المشي بتؤدة، والسعي: جري وعدو وركض، وهذه الهيئة منع منها
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون)
فالمقصود هنا: الإتيان إليها مشياً بهدوء وسكينة ووقار وعدم إسراع.
قوله: (فما أدركتم فصلوا) أي: الذي تدركونه منها صلوه مع الإمام.
قوله: (وما فاتكم فأتموا) والذي سبقتم به أتموه بعد انتهاء الإمام.
أورد
أبو داود الروايات الكثيرة، والأحاديث المتعددة التي أشار إليها عن عدد من
الصحابة، وكذلك روايات عدد كبير من العلماء يروون بلفظ: (وما فاتكم
فأتموا)، ومن هذه الرواية التي عليها أكثر الرواة استدل بعض العلماء على أن
ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه المسبوق بعد فراغ إمامه هو آخر
صلاته.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو آخر
صلاته، وما يقضيه بعد سلام إمامه هو أول صلاته، وثمرة الخلاف هو: أنه على
القول بأن ما أدركه يكون أول صلاته فبعدما يفرغ مع الإمام ويصلي ما فاته
بعد ذلك لا يجهر بالقراءة على اعتبار أن الذي سبق به يكون هو الأول، وعلى
هذا القول إذا كان بقي عليه ركعتان في الصلاة الرباعية كالعشاء -وهي جهرية-
فإنه عندما يقوم يقضي الركعتين الفائتتين لا يجهر؛ لأن ما يقضيه هو آخر
صلاته وليس أول صلاته؛ لقوله: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا).
فقوله:
(فأتموا) معناه: أن ما يتمه هو آخر الصلاة؛ لأن الذي أدركه أولاً هو
أولها، والإتمام يكون للشيء الذي له أول، وهذا معناه: أنه بدأ بأوله ثم
يأتي بآخره ليتمه، فالأول أول، والآخر آخر، وإن كان آخر الصلاة هو بالنسبة
للإمام فهو أول الصلاة بالنسبة للمسبوق، فالركعتان الأخيرتان من الصلاة
الرباعية هي آخر الصلاة للإمام وهي أول الصلاة للمسبوق.
وذهب بعض أهل
العلم إلى أن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته، وما يقضيه المسبوق هو أول
صلاته، ويستدلون على ذلك بما جاء في بعض الروايات: (اقضوا) أي: يقضون ما
سبقوا به، والذي سبقوا به هو أول الصلاة، فيأتون بالذي سبقوا به بعد سلام
الإمام وهو أول صلاتهم، والذي أدركوه مع الإمام هو آخر صلاتهم.
وإذا
كانت الصلاة جهرية فيجهر بالقراءة؛ لأن هذا يعتبر أول صلاته على هذا القول،
لكن أكثر الروايات على: (أتموا) وهي أرجح من رواية: (فاقضوا) ولكن يمكن أن
تحمل رواية: (اقضوا) على ما يوافق رواية: (أتموا)؛ لأن (قضى) تأتي على
معانٍ كثيرة، فتأتي بمعنى: التمام، وتأتي بمعنى: الفراغ من الشيء، وتأتي
بمعنى: قضاء الشيء الذي فات، والحديث مخرجه واحد، ولكنه جاء بهذين اللفظين،
فيمكن أن تحمل: (اقضوا) على ما يوافق (أتموا)، وأن المقصود من ذلك الإتمام
الفراغ من الصلاة مع الإمام، ومعنى الفراغ من الصلاة: أن الذي يأتي به بعد
ذلك هو ما يكون به من إنهاء صلاته، وليس المقصود من ذلك أن الشيء الذي
سُبق به يقضيه، فالقضاء يأتي بمعنى فعل الشيء أصلاً، ويأتي بمعنى الفراغ،
ويأتي بمعنى قضاء الفائت، وما دام أن الروايات الكثيرة كلها بلفظ: (أتموا)
فيمكن أن تفسر كلمة: (اقضوا) بما يوافق: (أتموا) وعلى هذا لا يكون بين
الروايتين اختلاف، ويكون القول الذي تدل عليه الأدلة هو: أن ما يدركه
المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه المسبوق بعد سلام إمامه هو آخر صلاته،
ومما يدل على أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته أن هذا هو المتصل بتكبيرة
الإحرام، وتكبيرة الإحرام إنما تكون في أول الصلاة ولا تكون في آخرها.

(78/22)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عنبسة].
عنبسة بن خالد الأيلي صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود.
[أخبرني يونس].
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني سعيد بن المسيب].
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قد مر ذكره.
وأبو هريرة قد مر ذكره.
وعلى
هذا فالإسناد فيه تابعيان من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين:
أحدهما متفق على عده في الفقهاء السبعة وهو سعيد بن المسيب، والثاني مختلف
في عده في الفقهاء السبعة وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن.
وقوله: [قال: أبو داود كذا قال: الزبيدي].
يعني:
أنه قال في روايته عن الزهري مثل ما قال يونس بن يزيد الأيلي والرواية
التي من طريق يونس بن يزيد الأيلي هي بلفظ: (وما فاتكم فأتموا) فكثيرون
رووا عن الزهري مثل ما روى يونس بن يزيد الأيلي بلفظ: (أتموا) ومنهم
الزبيدي وهو محمد بن الوليد الحمصي الزبيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة
إلا الترمذي.
[وابن أبي ذئب].
محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وإبراهيم بن سعد].
إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومعمر].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وشعيب بن أبي حمزة].
شعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري: (وما فاتكم فأتموا)].
يعني:
أن كل هؤلاء رووه عن الزهري كما رواه عنه يونس بن يزيد بلفظ: (أتموا) فهذا
يدل على أن ما قد يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته.
[وقال: ابن عيينة عن الزهري وحده: (فاقضوا)].
يعني: أن ابن عيينة انفرد بروايته عن الزهري بلفظ: (فاقضوا)، ويمكن أن تحمل على ما يوافق لفظ (أتموا).
[وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وجعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة: (فأتموا)].
أورد
المصنف الحديث عن أبي هريرة من طريقين، وكلاهما بلفظ: (أتموا) يعني: مثل
الذي جاء عن الزهري، وهذه طرق غير طرق الزهري، فالأولى عن الزهري، وكل
الذين رووا عن الزهري متفقون على (أتموا) إلا ابن عيينة فإنه قال: (اقضوا)،
وأيضاً جاء من طرق أخرى ليست من طريق الزهري عن أبي هريرة بلفظ: (أتموا).
قوله: [وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة].
محمد بن عمرو هو ابن علقمة الذي مر ذكره، وأبو سلمة مر ذكره.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة مر ذكره.
[وجعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة].
جعفر بن ربيعة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
عبد الرحمن بن هرمز المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو قتادة وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قالوا: (فأتموا)].
يعني:
أنه جاءت أحاديث عن ثلاثة من الصحابة غير أبي هريرة وهم ابن مسعود وأبو
قتادة وأنس، فهؤلاء أيضاً يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:
(فأتموا)، فهذه شواهد لحديث أبي هريرة.

(78/23)

شرح حديث (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن سعد بن
إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما
سبقكم).
قال أبو داود: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة: (وليقض) وكذا
قال أبو رافع عن أبي هريرة، وأبو ذر روي عنه: (فأتموا واقضوا) واختلف فيه].
أورد
أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، ولكنه بلفظ: (فاقضوا) وقد ذكرنا أن
ذلك يحمل على ما يوافق: (أتموا) وأن هذا هو الأولى، وهو الذي فيه الجمع
بين الروايات.

(78/24)

تراجم رجال إسناد حديث: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
هو هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
شعبة بن الحجاج البصري ثم الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة].
قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

(78/25)

طرق أخرى لحديث: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم) وتراجم رجال أسانيدها
[قال أبو داود: وكذا قال: ابن سيرين عن أبي هريرة: (ليقض)].
يعني:
أن رواية ابن سيرين مثل رواية أبي سلمة إلا أنها بلفظ: (وليقض) بدل
(واقضوا) وهي مثلها في المعنى، وكذلك في اللفظ، إلا أن تلك بلفظ الأمر،
وهذه بلفظ الفعل المضارع المسبوق بلام الأمر.
وابن سيرين هو محمد بن سيرين المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة].
هو
نفيع الصائغ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، روى عن أبي هريرة
أيضاً مثل ما روى ابن سيرين، ومثل ما روى أبو سلمة بلفظ القضاء.
[وأبو ذر روي عنه: (فأتموا) و (اقضوا) واختلف فيه].
أي:
أن أبا ذر رضي الله عنه جاء عنه بلفظ: (أتموا) وجاء عنه بلفظ: (اقضوا)
واختلف في حديث أبي ذر، فجاء عنه: (اقضوا) وجاء عنه: (أتموا).
وأبو ذر هو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(78/26)

الأسئلة
(78/27)

حكم الإخبار عن الله عز وجل بأنه عاقل أو ذكي ونحو ذلك

السؤال
من المعلوم أن الله جل وعلا لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به
رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن مجال الإخبار أوسع، فهل يخبر عن الله جل
وعلا بأنه ذكي أو عاقل أو لبيب كذا؟

الجواب
لا، لا يجوز أن يؤتى بأي وصف أو بأي شيء يضاف إلى الناس ثم يضاف إلى الله
عز وجل، ويقال: إنه على ما يليق به، والإخبار هو مثل أن يقال: نوه الله
بكذا، أو أشاد الله بكذا، أو أثنى الله على كذا، ونحو ذلك، أما أن تؤخذ
الأوصاف الحسنة التي يتصف بها الناس، ثم تضاف إلى الله عز وجل ويخبر بها
عنه -حتى ولو قيل: إنها على ما يليق به- فلا يصلح أن يعبر بمثل هذه
العبارات، وإنما يسكت عنها.

(78/28)

حكم قول: علماء العقيدة

السؤال
من المعلوم أن جانب العقيدة جانب مهم، فما حكم من يقول في أثناء التدريس
وسرد الأقوال: قال علماء العقيدة أو علماء العقيدة يقولون كذا؟

الجواب
التعبير باللفظ العام هذا ليس بواضح، إلا إذا كان المقصود به علماء
السلف، ويكون ذلك من الشيء الذي هو معروف من عقيدة السلف، ومن الأمور
المتفق عليها والتي لا يختلف فيها السلف، فمثل هذا يصح أن يقال: إن هذه
عقيدة السلف، وإن السلف اتفقوا على كذا، هذا لا بأس به، وأما إذا قال: قال
علماء العقيدة، أو علماء العقيدة يقولون، فهذا الإطلاق لا يصح؛ لأن هناك
عقائد ضالة، وعقائد سليمة، فكلمة (علماء العقيدة) هذه فيها ما فيها، فكل
يعتقد عقيدة ويقال: إنه عالم في عقيدته، لكن ليس كل عقيدة حق، بل العقيدة
الحقة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما سوى ذلك
فهو من محدثات الأمور، كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم
فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من
بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).

(78/29)

حكم الحج من غير تصريح بالحج من ولاة الأمر

السؤال
هل يجوز أن يحج الرجل دون تصريح للسفر إلى الحج، ويحتج بأن الحجاج يحتاجون إلى من يعلمهم أمور دينهم، وخاصة إذا كان من طلبة العلم؟

الجواب
لا ينبغي للإنسان أن يخالف التعليمات التي تصدر من ولاة الأمور، والتي
يرون فيها المصلحة في ضبط الحجاج، ولكنه إذا كان فيه نفع فيمكن أن يتقدم
إلى الجهة المسئولة بالطريقة التي يمكنه أن يتقدم بها من أجل أن يسمحوا له
من أجل هذه المهمة.

(78/30)

حكم منع الرجل المرأة من الذهاب إلى المسجد لصلاة التراويح

السؤال
هل يجوز للرجل أن يمنع المرأة من الذهاب إلى المساجد لصلاة التراويح؟

الجواب
الحديث عام، ولا يتعلق بتراويح ولا بغير تراويح، فيمكن لها أن تخرج
للتراويح وأن تخرج للجماعة، ويمكن أن تخرج لتصلي فيه ركعتين في الضحى،
ومطلق التراويح هي كغيرها، فلا تمنع النساء من الذهاب إلى المساجد، لا
للتراويح ولا لغير ذلك.

(78/31)

بيان الأولى للمرأة التي أدت فريضة الحج

السؤال
المرأة إذا أدت فريضة الحج هل الأفضل لها أن تبقى مع أبنائها أم تذهب لأداء الحج مرة أخرى؟

الجواب
بقاؤها مع أبنائها حيث يكونون بحاجة إليها لا شك أنه أولى.

(78/32)

تفضيل صلاة النافلة في البيت على صلاتها في المسجد

السؤال
هل صلاة المرأة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد النبوي؟

الجواب
نعم, فإذا كانت قادرة على الصلاة في المسجد النبوي ولكنها تركت ذلك من
أجل أن تحصل الأفضل فإنها تحصل على ذلك، والرجل لو جاء وصلى ثم ذهب وصلى
النافلة في بيته مع قدرته على الصلاة في المسجد النبوي فإنه يحصل أكثر من
الصلاة في المسجد النبوي، والنبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل؛ لأنه
كان يصلي في بيته النافلة ثم يخرج وتقام الصلاة، ثم إذا صلى انصرف إلى بيته
وصلى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه الراتبة في البيت، وهو في المسجد
النبوي الذي قال فيه: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا
المسجد الحرام) وقال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا
المكتوبة).

(78/33)

شرح سنن أبي داود [079]
جاء
الشرع الحنيف بالحث والتأكيد على صلاة الجماعة، وجاء الوعيد الشديد في حق
من يتركها، ومما يبين أهميتها أنه جاء الأمر بالصلاة مع الجماعة لمن كان قد
صلى وتكون في حقه نافلة.

(79/1)

ما جاء في الجمع في المسجد مرتين
(79/2)

شرح حديث: (أن رسول الله أبصر رجلاً يصلي وحده)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجمع في المسجد مرتين.
حدثنا
موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن سليمان الأسود عن أبي المتوكل عن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلى
وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟)].
أورد الإمام أبو داود
السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [باب في الجمع في المسجد
مرتين]، والمقصود من هذه الترجمة: أن تكرر الجماعة في المسجد سائغ إذا لم
يكن المقصود من الجماعة الثانية أن تتأخر عن الجماعة الأولى، وأنها لا تصلي
معها بل تصلي وحدها.
أما إذا أرادت ذلك فهذا لا يجوز، وعلى هذا فالجمع
في المسجد مرتين أو إقامة جماعتين في المسجد سائغ إن كانت الجماعة الثانية
جاءت من غير قصد، وإنما كان السبب هو فوات الصلاة، وأن الذين جاءوا متأخرين
سبقوا في الصلاة، فإذا جاءوا وقد سلم الإمام فلهم أن يصلوا جماعة ثانية في
المسجد، وإذا كانت الجماعة الثانية لا تريد أن تصلي مع الجماعة الأولى بل
تريد أن تصلي وحدها؛ فهي تتأخر عن الصلاة لكي تقيم جماعة ثانية فهذا لا
يجوز؛ لما فيه التفرق والاختلاف وعدم الاجتماع.
وقد كانت من حسنات الملك
عبد العزيز رحمة الله عليه: أنه لما تولى على الحجاز، وكانت مكة يُصلى
فيها أربع جماعات: الحنفية يصلون على حدة، والمالكية على حدة، والشافعية
على حدة، والحنابلة على حدة، ولكل مقام حول الكعبة، فيقال: هذا مقام
الحنفي، وهذا مقام الشافعي، وهذا مقام الحنبلي، وهذا مقام المالكي، وتقام
هذه الجماعة والذين يتبعون المذهب الآخر لا يصلون معها، وإنما ينتظرون
جماعتهم، وهكذا، فكان من أعظم حسنات الملك عبد العزيز رحمه الله أنه أنهى
هذا التفرق، وجمع الناس على إمام واحد، فالجماعة المذمومة هي التي قصدها
التفرق وعدم صلاة بعضهم وراء بعض، ومن المعلوم أن التفرق غير سائغ، ولو كان
الأئمة الأربعة موجودين في زمن واحد لصلى واحد منهم إماماً والباقون
مأمومين، وليس كل واحد يصلي وحده.
فإذاً: هذا العمل الذي كان يحصل من
بعض الأتباع من التفرق، وعدم صلاة بعضهم وراء بعض هو من التفرق المذموم
الغير جائز، وعلى هذا فإن كانت الجماعة الثانية مقصودها أنها لا تريد أن
تصلي مع الجماعة الأولى فهذا لا يجوز، وإن كان الذين جاءوا للصلاة كانوا
يريدون الجماعة الأولى ولكنهم سبقوا وفاتتهم الصلاة فلهم أن يصلوا جماعة
ثانية، وهذا هو الذي ترجم له أبو داود، ومراده: إقامة الجماعة الثانية التي
يسوغ إقامتها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الرجل
مع الرجل خير من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أفضل، وكلما كان أكثر فهو أحب
إلى الله عزوجل) فكلما كانت الجماعة أكثر فهو أفضل، وعموم ذلك يدل على جواز
إيجاد الجماعة الثانية إذا لم يكن مقصودها عدم الصلاة مع الجماعة الأولى.
وقد
أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده -يعني: بعد ما صلى
الناس- فقال: من يتصدق على هذا فيصلي معه؟) يعني: من يتصدق عليه فيصلي معه
فيحصل له أجر الجماعة بوجود ذلك الذي صلى معه؟ وسمى ذلك صدقة؛ لأن فيه
إحساناً إليه، وزيادة في ثوابه وأجره؛ لأن صلاته في الجماعة أعظم من صلاته
لو صلى وحده.
إذاً في إيجاد الجماعة بالصلاة معه صدقة عليه، وإحسان إليه بكونه يضاعف أجره، ويزيد ثوابه.
وقوله:
(إن الرسول صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده) يفهم من هذا أنه بدأ
بالصلاة، ودل هذا على أن الجماعة يمكن أن توجد ولو لم تكن من أولها، بل
يمكن أنه بعد الدخول فيها تكون الجماعة، فكون واحد يصلي ثم يأتي إنسان
ويدخل معه ويصلي معه جماعة لا بأس بذلك، وهذا الحديث يدل على هذا، ويدل
عليه أيضاً فعل ابن عباس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نام عند
خالته ميمونة وقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ودخل في الصلاة، فقام
ابن عباس وتوضأ وجاء وصلى عن يساره فأداره عن يمينه، فالرسول صلى الله عليه
وسلم ابتدأ الصلاة وهو وحده، ثم دخل معه ابن عباس فصارت جماعة، فهذا يدلنا
على أنه لا يلزم أن الجماعة لا تكون إلا من بدايتها، وأنها من أولها، بل
يمكن أن تكون بعد بدايتها كما يرشد إلى ذلك هذا الحديث، وكما ثبت في
الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم في الليل
في بيت خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وفي
الحديث أيضاً: أن أقل الجماعة اثنان؛ لأنه قال: (من يتصدق على هذا فيصلي
معه) فيدل هذا على أن الجماعة أقلها اثنان؛ لأن صلاة رجل واحد مع واحد تكون
جماعة.
وأقل الجماعة اثنان عند الفقهاء، كما أن أقل الجمع عند الفرضيين
اثنان أيضاً، والله عز وجل يقول: {فإن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ} [النساء:11]، وأقل عدد يحجب الأم من الثلث إلى السدس هو اثنان،
ولا يلزم أن يكونوا ثلاثة، بل إذا وجد اثنان حجباها، وأقل الجمع في الفقه
وفي الصلاة اثنان: إمام ومأموم، وهذا الحديث يدل على ذلك؛ لأنه قال: (من
يتصدق على هذا فيصلي معه).
والحديث فيه دليل على ما ترجم له المصنف من
أنه يمكن أن تقام جماعة إذا كان ليس مقصوداً الاختلاف، وتبويب أبي داود
رحمه الله على ذلك واستشهاده بالحديث يبين أنه يرى أن الجماعة يمكن أن تقام
مرتين في مسجد واحد؛ لأنه ترجم وأورد الحديث الدال على الترجمة، فبعض أهل
العلم قال: إنه إذا انتهت الجماعة فإن كل واحد يصلي وحده ولا يصلون جماعة،
وهذا الحديث حجة عليهم، وكذلك الحديث الآخر الذي قال فيه عليه الصلاة
والسلام: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أزكى من
صلاة الاثنين، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل).
وهذا الحديث
الذي هنا واضح الدلالة على جواز إقامة جماعة ثانية فيما إذا كان الذين
حضروا للصلاة قد فاتتهم الصلاة وسبقوا بها، فلهم أن يجمعوا، وإذا كان النبي
صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إقامة الجماعة ولو عن طريق التصدق؛ فإن هذا
يدل على أنه إذا لم تكن هناك حاجة إلى الصدقة فإن الجماعة سائغة، فلو جاء
اثنان لا يقال لكل واحد: صل على حدة وأنت صل على حدة، فإن الرسول صلى الله
عليه وسلم أرشد أن يحسن إلى من كان واحداً فإذا جاء اثنان وصليا مع بعض
فليسا بحاجة إلى صدقة.
فهذا الحديث واضح الدلالة على جواز إقامة الجماعة
الثانية في المسجد، لكن كما قلت: إذا لم يكن مقصود ذلك هو التخلف عن
الجماعة الأولى، وإنما كان الذين جاءوا حريصين على الصلاة، ولكن فاتتهم
الصلاة وسبقوا بها فلهم أن يقيموا جماعة ثانية، وأن يصلوا جماعة ثانية،
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إيجاد الجماعة ولو عن طريق
الصدقة فكيف لا يسوغ لمن كانوا جماعة فاتتهم الصلاة أن يصلوا جماعة ويرشدون
إلى أن كل واحد يصلي على حدة؟! وفي الحديث: جواز صلاة المتنفل خلف
المفترض؛ لأن ذاك الذي يصلي مفترض، وهذا الذي يصلي معه ويتصدق عليه متنفل،
ويجوز أن يكون المتنفل هو الإمام، ويجوز أن يكون المفترض هو الإمام؛ لأن
صلاة المفترض خلف المتنفل جاءت السنة بها، وصلاة المتنفل خلف المفترض جاءت
السنة بها، فصلاة المفترض خلف المتنفل يدل عليها هذا الحديث، ويدل عليها
حديث الرجلين اللذين كانا في مسجد الخيف بعد صلاة الصبح، وكانا قد صليا في
رحالهما وجاءا فجلسا في المسجد، وفيه صلاة المتنفل خلف المفترض، وأما صلاة
المفترض خلف المتنفل فيدل عليها فعل معاذ الذي كان يصلي مع النبي صلى الله
عليه وسلم صلاة العشاء في المسجد النبوي، ثم يذهب إلى قومه ويصلي تلك
الصلاة، فهو إمام وهم مأمومون، فتصح صلاة المفترض خلف المتنفل، وصلاة
المتنفل خلف المفترض.

(79/3)

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أبصر رجلاً يصلي وحده)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وهيب].
هو وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان الأسود].
سليمان الأسود صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن أبي المتوكل].
هو أبو المتوكل الناجي هو علي بن داود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو
سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
مشهور بكنيته أبي سعيد وبنسبته الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس
وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة
أجمعين.

(79/4)

ما جاء فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم
(79/5)

شرح حديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم.
حدثنا
حفص بن عمر حدثنا شعبة أخبرني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن
أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام
شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما، فجيء بهما
ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا،
فقال: لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه؛
فإنها له نافلة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب فيمن صلى في
منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم، يعني: أن الإنسان إذا صلى وحده أو صلى مع
جماعة، ثم جاء وأدرك الجماعة تصلي فإنه يصلي معهم، فتكون الأولى له فريضة
والثانية نافلة؛ لأنه أدى الفرض بصلاته الأولى سواء كان وحده أو في جماعة،
لكنه إذا وجد جماعة تصلي فيشرع له أو يسن له أن يصلي معهم، ولا يجلس في
المسجد والناس يصلون؛ لأن هذه الهيئة مستنكرة، ومن يفعلها يساء به الظن،
فكون الناس يصلون وهو جالس هذا شيء لا ينبغي.
وأورد أبو داود رحمه الله
حديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان ذلك في منى في مسجد الخيف في حجة الوداع، فلما فرغ صلى الله عليه وسلم
من صلاته وإذا برجلين قد جلسا في ناحية المسجد لم يصليا مع الناس فدعا
بهما، أي: طلب أن يأتيا، فأتي بهما ترتعد فرائصهم، يعني: أنهما خشيا وخافا
أن يحصل لهما شيء خطير، وكان عليه الصلاة والسلام مهيباً مع رفقه وقربه من
الناس وسهولته وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، فكان أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم يهابونه، كما جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح
مسلم أنه قال: إنه ما ملأ عينه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً
وهيبة له عليه الصلاة والسلام، فهذان الرجلان جيء بهما ترتعد فرائصهما،
والفرائص هي في الدابة بين الكتف والجنب، يعني: أنها تتحرك وتضطرب ممن يحصل
له خوف وذعر.
قوله: (فأتي بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن
تصليا معنا؟ قالا: إنا صلينا في رحالنا) صلاتهما في الرحال يحتمل أن يكون
كل واحد صلى وحده، أو أنهما صليا مع بعض، أو أنهما صليا جماعة مع من كان
معهما في الخيام؛ لأنهم كانوا ينزلون في منى حجاجاً، ومن المعلوم أن الحجاج
يصلون جماعات كثيرة، وكل مجموعة يصلون مع بعض، والرسول صلى الله عليه وسلم
كان يؤم الناس ويصلي بهم في مسجد الخيف فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقوله: (قالا: إنا صلينا في رحالنا) المقصود بالرحل هنا: المنزل.
فقال
عليه الصلاة والسلام: (لا تفعلوا) يعني: إذا حصل أنكم صليتم في رحالكما
وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه، وهذه الصلاة التي تصليانها تكون نافلة؛
لأن الفريضة هي الأولى، فإذا دخل الوقت وصلى الإنسان الفرض سواء كان وحده
أو في جماعة فهذا هو الفرض، وما يأتي بعد ذلك يكون نافلة.
والحديث مطلق
يدل على أن أي صلاة يمكن أن تعاد بدون استثناء، وبعض أهل العلم استثنى
المغرب والفجر والعصر وقال: إن المغرب ثلاثية، والعصر لا يصلى بعدها،
والصبح لا يصلى بعدها، لكن الحديث -كما سيأتي في الراوية الثانية- كان في
صلاة الصبح، ومعنى هذا: أنه ولو كان وقت نهي فإن هذه مستثناة لأن لها سبب،
وهو وجود الجماعة، فدل هذا على أن إعادة الجماعة الثانية بعد صلاة الفجر لا
بأس بها؛ لأنه جاء في السنة ما يدل على ذلك، فيكون قوله صلى الله عليه
وسلم (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع
الشمس)، يخص منه ماله سبب، وهذه الصلاة هي ذات سبب؛ لأن السبب هو وجود
الجماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد هذين الرجلين وأنكر عليهما
كونهما كانا جالسين لم يصليا معه الفجر، وأنه كان عليهما أن يدخلا معه في
الصلاة.
فإذاً: هذا الإرشاد بقوله: (إذا صليتما وأتيتما والإمام لم يصل
فصليا معه تكن لكما نافلة) تدخل جميع الصلوات تحت هذا الإطلاق، سواءً كانت
بعدها نهي كالصبح والعصر، أو ثلاثية كالمغرب، والحديث جاء في صلاة بعدها
وقت نهي، فدل ذلك على استثناء مثل هذه الصلاة من النهي.
والحديث فيه أيضاً صلاة المتنفل خلف المفترض كما ذكرنا.

(79/6)

تراجم رجال إسناد حديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يعلى بن عطاء].
يعلى بن عطاء ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن جابر بن يزيد بن الأسود].
جابر بن يزيد بن الأسود صدوق، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبيه].
هو يزيد بن الأسود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.

(79/7)

طريق أخرى لحديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما وتراجم رجال إسنادها
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يعلى بن
عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله
عليه وسلم الصبح بمنى، بمعناه)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى،
وفيه بيان أن تلك الصلاة هي صلاة الصبح، وأنها كانت بمنى، والباقي بمعناه،
يعني: بمعنى الحديث المتقدم، ولم يسق لفظه وإنما أحال على الحديث المتقدم،
وقال: بمعناه، وأتى بالشيء الجديد، وهو أن الصلاة هي صلاة الصبح، وأنه كان
بمنى، يعني: في حجة الوداع.
قوله: [حدثنا ابن معاذ].
ابن معاذ هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه].
هؤلاء قد مر ذكرهم.

(79/Cool

شرح حديث: (إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا معن بن عيسى عن سعيد بن
السائب عن نوح بن صعصعة عن يزيد بن عامر رضي الله عنه قال: (جئت والنبي صلى
الله عليه وسلم في الصلاة، فجلست ولم أدخل معه في الصلاة، قال: فانصرف
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى يزيد جالساً، فقال: ألم تسلم يا
يزيد؟! قال: بلى يا رسول الله! قد أسلمت، قال: فما منعك أن تدخل مع الناس
في صلاتهم؟ قال: إني كنت قد صليت في منزلي، وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال:
إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة،
وهذه مكتوبة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث يزيد بن عامر رضي الله عنه
أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وكان قد صلى في منزله، وكان يظن
أنهم قد صلوا، فوجدهم يصلون فجلس؛ لأنه قد صلى وأدى ما عليه، ولم يعرف
الحكم، ولما انصرف الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال: (مالك يا
يزيد! ألم تسلم؟) يعني: ألست من المسلمين والمسلم يصلي مع الناس ولا يتأخر
عن الصلاة ولا تكون له هيئة تغاير هيئة الناس؟ وهذا فيه أن الذي يكون في
المسجد جالساً والناس يصلون أنه يساء به الظن؛ ولهذا أنكر عليه وقال: (ألم
تسلم يا يزيد؟!) أي: كيف تكون جالساً والناس يصلون؟ فقال: يا رسول الله!
إني قد صليت في منزلي، وكنت ظننت أنكم قد صليتم، فقال عليه الصلاة والسلام:
[(إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك
نافلة) يعني: أن هذه التي أدركتها تكون لك نافلة والسابقة مكتوبة، ويحتمل
العكس، وإذا كانت الثانية هي النافلة والأولى هي المكتوبة فلا إشكال؛ لأن
هذا مطابق للحديث الذي قد مر؛ ولأن الإنسان عندما يصلي بنية الفرض فصلاته
قد أداها ووجد منه أداء الصلاة، فتكون الثانية نافلة، أما أن تكون الثانية
هي المكتوبة والأولى هي النافلة فهذا لا يستقيم من جهة أن الإنسان قد صلى
الفرض وقد أدى ما عليه.
فإذا كان المقصود بالنافلة هي الثانية والمكتوبة
هي التي صلاها من قبل فلا إشكال، وهو مطابق للحديث المتقدم، وإن كان العكس
فإنه يكون فيه مخالفة للحديث السابق.
وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم،
ولو كان صحيحاً فإن ذلك مقدم عليه، لكن كون النافلة هي الثانية والمكتوبة
هي الأولى فإن اللفظ محتمل، فيرد المحتمل إلى الواضح الجلي، ويرد المتشابه
إلى المحكم، وبذلك تتفق الأحاديث ولا يكون بينها اختلاف، ويكون الحديث يشهد
له ما تقدم، فإذا كان المقصود أن الثانية هي النافلة والأولى هي الفريضة
فإن الحديث يصح للأحاديث الأخرى التي دلت على ذلك، وإن كان في إسناده من هو
متكلم فيه.

(79/9)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم)
قوله: [حدثنا قتيبة].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معن بن عيسى].
معن بن عيسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن السائب].
سعيد بن السائب ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن نوح بن صعصعة].
نوح بن صعصعة مستور، أخرج له أبو داود.
[عن يزيد بن عامر].
يزيد بن عامر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود.

(79/10)

شرح حديث أبي أيوب: (ذلك له سهم جمع)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على ابن وهب قال:
أخبرني عمرو عن بكير أنه سمع عفيف بن عمرو بن المسيب يقول: حدثني رجل من
بني أسد بن خزيمة أنه سأل أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: (يصلي
أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة، فأصلي معهم فأجد في
نفسي من ذلك شيئاً؟ فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: ذلك له سهم جمع)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أيوب
الأنصاري رضي الله عنه، وفيه أنه قال له رجل: إني أصلي في منزلي، ثم أجد
الجماعة فأصلي معهم فيكون في نفسي شيء؟ يعني: من كونه أعاد الصلاة، فقال
أبو أيوب رضي الله عنه: (سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك
له سهم جمع)].
يعني: له نصيب من هذه الصلاة التي صلاها مع الجماعة، وفسر بتفسيرات أخرى، لكن هذا هو أقربها.

(79/11)

تراجم رجال إسناد حديث أبي أيوب: (ذلك له سهم جمع)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[قرأت على ابن وهب].
ابن وهب هو عبد الله المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرني عمرو].
عمرو هو ابن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع عفيف بن عمرو بن المسيب].
عفيف بن عمرو بن المسيب مقبول، أخرج له أبو داود.
[حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة].
رجل من بني أسد بن خزيمة مبهم، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[أنه سأل أبا أيوب الأنصاري].
أبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(79/12)

ما جاء فيمن صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟
(79/13)

شرح حديث: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟]:
حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب ع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:04 pm

اقتباس :

شرح حديث: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟]:
حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن سليمان
بن يسار -يعني: مولى ميمونة - قال: أتيت ابن عمر رضي الله عنهما على البلاط
وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ قال: قد صليت، إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)].
أورد أبو داود
رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: [باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة
أيعيد؟] يعني: هل يعيد أو لا يعيد؟ وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر
رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن سليمان بن يسار مولى ميمونة قال: أتيت ابن
عمر على البلاط وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ يعني: أنه كان على البلاط
لم يصل وهم يصلون، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا
تصلوا صلاة في يوم مرتين) وهذا ظاهره يخالف ما تقدم من الأحاديث التي فيها
أن الإنسان يصلي مع الجماعة مرة ثانية، وتكون له نافلة، والأولى هي
الفريضة، وعلى هذا فيحمل ما جاء في حديث ابن عمر على ما إذا كان المقصود أن
الإنسان يصليها ويكررها من غير أن يكون لها سبب، أما ما جاء في الأحاديث
المتقدمة فهي إعادة الجماعة بسبب، أما أن يصلي الظهر ثم يذهب يصلي الظهر
مرة ثانية، ثم يصلي مرة ثالثة، وهكذا فلا، وإنما إذا صلى ثم وجد ناساً
يصلون يصلي معهم.
فإذاً: تلك التي لها سبب يصليها الإنسان، والأحاديث
حيث أمكن التوفيق بينها يوفق بينها، فيقال: إن الصلاة إذا كانت ذات سبب كأن
يكون وجد الجماعة تصلي فيصلي معها ولا بأس بذلك، وإن لم يكن هناك سبب
وإنما يريد أن يكرر الصلاة فهذا لا يجوز، وليس للإنسان أن يصلي الصلاة
مرتين، فلا يصلي الظهر مرتين على أنها فريضة، لكن حيث تكون هناك جماعة
وهناك سبب اقتضى ذلك فيصلي، وتكون الأولى هي الفريضة، والثانية هي النافلة،
وعلى هذا فالتوفيق بين حديث ابن عمر هذا وبين ما تقدم من الأحاديث محمول
على أن المقصود بما في الأحاديث السابقة ما كان له سبب، وهذا على ما ليس له
سبب.
ومن المعلوم أن هذه جماعة ثانية، لكن لعل ابن عمر لم تبلغه تلك
الأحاديث التي فيها أن الجماعة تعاد ولكن لسبب، وعلى أن الثانية نافلة
وليست فريضة.

(79/14)

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين)
قوله: [حدثنا أبو كامل].
هو أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حسين].
هو حسين بن ذكوان المعلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب].
عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن سليمان بن يسار].
سليمان بن يسار ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال: أتيت ابن عمر].
هو
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين
بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(79/15)

ما جاء في جماع الإمامة وفضلها
(79/16)

شرح حديث: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في جماع الإمامة وفضلها.
حدثنا
سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن
بن حرملة عن أبي علي الهمداني قال: سمعت عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله
ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب جماع الإمامة وفضلها].
ويصلح
أن يكون: جِماع أو: جُمّاع، والمقصود من ذلك: ما يجمع الأبواب المتعلقة
بالإمامة، وهذه طريقة أبي داود رحمة الله عليه؛ فإنه يجمع الأحاديث التي
تتعلق بموضوع واحد، ولكن يجعلها تحت أبواب متعددة، مثل ما ذكرنا في كتاب
الطهارة أنه لم يجعله كتباً، وإنما جعل للوضوء باباً، ولغسل الجنابة باباً،
وللحيض باباً، وجعل كل ما يتعلق بالطهارة كتاباً واحداً، ولم يكرر الكتب،
ولكنه جعل كل مجموعات متصلة مع بعض، كالأبواب المتعلقة بغسل الجنابة جعلها
مع بعض، والأبواب المتعلقة بالحيض مع بعض، والأبواب المتعلقة بالوضوء مع
بعض، وهكذا في الصلاة ذكر أولاً المواقيت، ثم ذكر بناء المساجد وما يتعلق
بها وأحكامها، ثم ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالجماعة وفضل الجماعة، ثم بعد ذلك
ذكر الأذان، ثم ذكر الجماعة وفضلها، ثم ذكر بعد ذلك التشديد في ترك
الجماعة، ثم ذكر هنا ما يتعلق بالإمامة، ثم بعد ذلك سيذكر ما يتعلق بما
يصلى من اللباس، والسترة وما يتعلق بها والذي يصلى عليه.
فهنا عبر بقوله: [جماع الإمامة وفضلها]، يعني: ما يتعلق بالإمامة وما يتعلق بفضلها.
وهذا
الباب أورد تحته حديثاً عاماً، والأحاديث التي ستأتي في الأبواب القادمة
هي أحاديث خاصة محددة معينة، وهنا ذكر حديثاً يجمع شيئاً عاماً في الإمامة،
وكذلك في فضل الإمامة.
قوله: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، وإن
انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم) يعني: أن الخلل والنقص يكون عليه
وليس عليهم من النقص شيء، ولكن إن حصل إحسان فهو له ولهم، ومثل ذلك ما جاء
في الأحاديث في الأمراء: (يصلون لكم؛ فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا
فلكم وعليهم) وكذلك الأثر الذي جاء عن عثمان رضي الله عنه، فقد ذكر البخاري
في صحيحه: أنه رضي الله عنه لما حوصر في داره وصار يصلي بالناس واحد من
أولئك الذين خرجوا عليه جاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة،
وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فماذا تأمرنا؟ فقال: (الصلاة من خير ما
يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم).
وقوله:
(يصلون لكم؛ فإن أحسنوا فلكم ولهم) يعني: أن الإحسان مشترك والفضل مشترك،
(وإن أساءوا فلكم وعليهم) يعني: لكم الثواب ولكم الأجر وعليهم إثم ما
أساءوا وقصروا ونقصوا.
أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم) وليس المقصود
بذلك الوقت فقط، وإنما كل ما يتعلق بما هو مطلوب في الصلاة، فإن وجد منه
إحسان فالإحسان له ولهم، وإن وجد منه نقص وخلل سواء يتعلق بالوقت أو بغيره
فعليه ولا عليهم.
وقوله: (فعليه ولا عليهم) يعني: أن ذلك النقص عليه هو
وليس عليهم منه شيء، بل هم ليس لهم إلا الخير وإن وجدت إساءة فهي تخصه
وتقتصر عليه ولا تتعداه إلى غيره.

(79/17)

تراجم رجال إسناد حديث: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري].
هو سليمان بن داود المهري المصري أبو الربيع ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب].
ابن وهب تقدم ذكره، ويحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن حرملة].
عبد الرحمن بن حرملة صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي علي الهمداني].
أبو علي الهمداني هو ثمامة بن شفي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قال: سمعت عقبة بن عامر].
هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(79/18)

كراهة التدافع على الإمامة
(79/19)

شرح حديث: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية التدافع على الإمامة.
حدثنا
هارون بن عباد الأزدي حدثنا مروان حدثتني طلحة أم غراب عن عقيلة امرأة من
بني فزارة مولاة لهم عن سلامّة بنت الحر رضي الله عنها أخت خرشة بن الحر
الفزاري قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أشراط
الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماماً يصلي بهم)].
أورد أبو داود
رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في كراهية التدافع على الإمامة]،
والمقصود من ذلك: أن الناس يجتمعون ثم يريدون من بعضهم أن يصلي بهم.
وكل منهم يمتنع؛ إما لعدم معرفته بأحكام الإمامة، أو لما عنده من نقص في ذلك هذا هو المقصود بالتدافع.
وقد
أورد أبو داود حديث سلامة بنت الحر أخت خرشة بن الحر رضي الله تعالى عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل
المسجد لا يجدون إماماً يصلي بهم) يعني: أن كل واحد يصلي ثم يمضي ولا يتقدم
من يصلي بهم إماماً.
وقوله: (من أشراط الساعة) أشراط جمع شرط، والشرط هو: العلامة، يعني: أن هذا من علامات الساعة.
والحديث غير ثابت؛ لأن فيه مجهولين، ولكن من يكون أقرأ من غيره إذا طلب منه أن يتقدم فعليه أن يتقدم.

(79/20)

تراجم رجال إسناد حديث: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد)
قوله: [حدثنا هارون بن عباد الأزدي].
هارون بن عباد الأزدي مقبول، أخرج له أبو داود.
[حدثنا مروان].
هو
مروان بن معاوية ثقة يدلس أسماء الشيوخ، وتدليس أسماء الشيوخ هو: أن يذكر
شيوخه بصيغ مختلفة، فقد يتوهم أن الشخص الذي يذكره غير معروف مع أنه معروف،
وذلك لأنه ذكره بغير ما اشتهر به، وهذا نوع من أنواع التدليس؛ لأن هناك
تدليس الشيوخ وتدليس الإسناد، فتدليس الشيوخ ليس فيه سقوط أحد، ولكنه يذكر
شيخه بغير ما اشتهر به، كأن يذكر اسمه واسم جده، أو اسمه وكنيته، أو اسم
أبيه إذا كان مشهوراً بغير نسبته إلى أبيه، فهذا يسمى تدليس الشيوخ، وكان
مروان بن معاوية هذا معروفاً بتدليس الشيوخ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب
الكتب الستة.
[حدثتني طلحة أم غراب].
طلحة أم غراب لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود وابن ماجة.
[عن عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم].
عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم، يعني: مولاة لبني فزارة، وهي أيضاً لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود وابن ماجة.
[عن سلامة بنت الحر].
سلامة بنت الحر صحابية، أخرج لها أبو داود وابن ماجة.
والمرأتان اللتان دونها كل منهما لا يعرف حالها، فالحديث غير صحيح.

(79/21)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:06 pm

اقتباس :


الأسئلة
(79/22)

الواجب على المسلم من معرفة الله تعالى

السؤال
ما هو حد المعرفة المجملة الصحيحة لله تعالى؟

الجواب
الإنسان يتعلم من أمور دينه ومن العقيدة ما لابد منه، ومن الأشياء التي
يمكن أن يقال: إنها تناسب أن تكون جواباً لهذا السؤال أن الإنسان يطلع على
كتاب الأصول الثلاثة وأدلتها؛ لأن هذا كتاب مختصر يشتمل على الأمور التي لا
بد منها، وهو مبني على أصول ثلاثة هي: معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد
صلى الله عليه وسلم التي هي موضوع سؤال القبر، فالإنسان يسأل في قبره عن
ربه ودينه ونبيه، وهذا الكتاب الصغير الحجم العظيم النفع العظيم الفائدة
يبين هذه الأصول الثلاثة بالأدلة.

(79/23)

بيان أن الصلاة في جماعة ثانية أفضل من الصلاة منفرداً

السؤال
رجل تطهر في بيته ثم خرج للصلاة في المسجد فوجد الجماعة قد صلوا، ثم
أنشأت جماعة ثانية فلم يصل معهم بل صلى منفرداً، فهل يكون له أجر الصلاة مع
الجماعة لحديث: (فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك)؟

الجواب
يرجى له ذلك، لكن كونه يجد أناساً يصلون جماعة عليه أن يصلي معهم؛ لأنه
أمكن وجود الجماعة، والإنسان يصلي وحده إذا لم تكن هناك جماعة؛ ولهذا
الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إيجاد الجماعة، وقال في الذي يصلي
وحده: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟) وكونه يصلي مع الناس جماعة خير له
وأولى، وإن كان يحصل الأجر بنيته وقصده، وكونه يجد الجماعة ولا يصلي معهم
هذا ليس بطيب.

(79/24)

حكم لبس المرأة بدلة خاصة ليلة عرسها

السؤال
ما الحكم الشرعي فيما جرت عليه عادة النساء في ليلة عرس إحداهن من لبسها
بدلة تكون خاصة بتلك المناسبة من كونها بيضاء مزخرفة كبيرة الحجم؟

الجواب
إذا كان ذلك ليس معروفاً عن الكفار، وليس مما اختص به الكفار أو مما جاء
عن الكفار فلا بأس بأن تلبس المرأة ما شاءت من أجل التجمل لزوجها، سواء كان
في أول ليلة أو في غير ذلك.

(79/25)

حكم الصلاة فوق سقف المسجد

السؤال
ما حكم صلاة الجماعة فوق سقف المسجد؟ وهل يعتبر هذا داخل المسجد؟ وهل تصح صلاته؟

الجواب
نعم تصح، وأي مانع يمنع من ذلك؟ فالإنسان له أن يصلي في سطح المسجد وفي
البدروم إذا كان هناك بدروم تحت المسجد، كل ذلك لا بأس به، وكله يقال له
مسجد؛ لأن سقف المسجد مسجد وله حكم المسجد.

(79/26)

وقت غسل الجمعة

السؤال
هل غسل الجمعة يبتدئ بعد صلاة الفجر أم بعد الإشراق؟

الجواب
سبق أن مر بنا أن أبا داود ذكر أنه إذا طلع الفجر واغتسل الإنسان يوم
الجمعة فيجزئه عن غسل الجمعة ولو كان غسله عن جنابة، وهذا يعني أنه يبدأ من
طلوع الفجر؛ لأن اليوم يبدأ بالفجر، وأبو داود ذكر هذا من فقهه؛ لأنه أشار
إلى ذلك بقوله: إذا اغتسل المرء بعد طلوع الفجر يوم الجمعة أجزأه عن
الجمعة ولو كان قد أجنب، يعني: أنه لو أجنب وطلع الفجر وعليه جنابة واغتسل
بعد طلوع الفجر فإنه يجزئه عن غسل الجنابة وعن غسل الجمعة.
والحاصل: أن وقت غسل الجمعة يبدأ من طلوع الفجر؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر.

(79/27)

جواز الهجر إن وجدت المصلحة لذلك

السؤال
بعض الناس لا يرون هجر أهل البدع والمعاصي في هذا الوقت، وقالوا: إن ذلك كان في زمن التشريع فقط، فما هو الحق؟

الجواب
ليس بصحيح أن زمن التشريع هو زمن الهجر فقط وبعد ذلك لا يكون هجراً، بل
تتبع المصلحة والفائدة في الهجر، فإذا كان يترتب عليه مصلحة وفيه فائدة
فينبغي أن يفعل، وهذا في كل وقت وفي كل حين.

(79/28)

الموقف مما تتردد فيه النفس

السؤال
في الحديث: (الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) هل هذا لكل شخص، أم لأهل العلم والتقوى؟

الجواب
الإنسان إذا تردد في شيء ونفسه لم تكن مطمئنة إليه فعليه أن يسأل أهل
العلم إذا كان ليس بعالم، وأما إذا كان من أهل العلم وكان عنده معرفة وتردد
في شيء هل هو سائغ أو غير سائغ؟ وهل هو مباح أو غير مباح؟ فليتركه إذا كان
من أهل العلم، وأما إذا كان من غيرهم فعليه أنه يسأل، ولكنه إذا كان هناك
شيء ما اطمأنت إليه النفس ولا ارتاح إليه الإنسان، وفيه شيء من المحاذير،
فتركه أولى كما جاء في الحديث الذي ذكره النووي في كتاب رياض الصالحين: (لا
يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس)
وفي الحديث الآخر: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
وبعض الناس يمكن أنه
يتردد في شيء سائغ لا إشكال فيه، وقد يكون متفقاً عليه، ولكن لجهله لا يعرف
الحكم الشرعي فيكون في نفسه منه شيء، وهذا لا عبرة به.

(79/29)

شرح سنن أبي داود [080]
لما
للإمامة من علو رتبة في الدين فلا يقدم لها إلا من كان يتصف بالعلم في
الدين، فيختار لها أقرأ القوم وأعلمهم بالسنة؛ فإن كانوا في ذلك سواء
فأكبرهم سناً.

(80/1)

من أحق بالإمامة؟
(80/2)

شرح حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب من أحق بالإمامة: حدثنا أبو الوليد الطيالسي
حدثنا شعبة أخبرني إسماعيل بن رجاء سمعت أوس بن ضمعج يحدث عن أبي مسعود
البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب
الله وأقدمهم قراءة، فإن كانوا في القراءة سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن
كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً، ولا يُؤَمُّ الرجلُ في بيته ولا
في سلطانه، ولا يُجلَس على تكرمته إلا بإذنه) قال شعبة: فقلت لـ إسماعيل:
ما تكرمته؟ قال: فراشه].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب من أحق
بالإمامة] يعني: من هو الذي يكون أولى وأحق من غيره بأن يكون إماماً للناس
يصلي بهم؟ وقد أورد أبو داود رحمه الله أحاديث تتعلق ببيان من هو الأولى،
ومحصلها: أنه يقدم الأقرأ، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، ثم الأكبر
سناً.
وقد أورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث عقبة بن عمرو الأنصاري
البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب
الله).
قيل: إن المراد بالأقرأ: هو الذي يكون أكثر حفظاً وأخذاً للقرآن،
وقيل: هو الذي يكون أحسن قراءة، وفي الحديث الذي سيأتي بعد هذا الحديث:
(ثم أعلمهم بالسنة)، والمراد بذلك: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان
الأحكام الشرعية، مثل أحكام الصلاة، والأمور المطلوبة في الصلاة، بحيث يكون
على علم بها، ولو حصل له شيء من السهو أو نحوه فإنه يعرف أحكام الصلاة.
وقال
بعض أهل العلم: إن قوله: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) لا يكون المقصود
من ذلك من يكون أكثر حفظاً وإن كان لا يعلم شيئاً من السنة، ولا يعرف شيئاً
من الأحكام، حيث إن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يُعنون بكتاب
الله عز وجل حفظاً وتدبراً وتأملاً وفقهاً وتعلماً وتعليماً، فقد ثبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عثمان بن عفان كما في البخاري أنه
قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
وجاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه أنه قال: (كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتجاوزهن حتى نتعلم
معانيهن والعمل بهن، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً).
ومعنى هذا: أنهم
كانوا يُعنون بمعرفة القرآن وما اشتمل عليه القرآن، وكذلك أيضاً العلم
بالسنة وبأحكام الشريعة، بل كانوا رضي الله عنهم وأرضاهم يتناوبون في رعاية
الإبل وفي العمل في بساتينهم، كما كان يتناوب عمر رضي الله عنه وجاره
الأنصاري، وكما جاء عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: (كنا
نتناوب رعاية الإبل)، فالذين لا يذهبون لرعي الإبل يكونون في مجلس النبي
صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء الغائب فإنهم يعلمونه ما تعلموه من النبي صلى
الله عليه وسلم.
فكانوا يهتمون بالقرآن وبالسنة وبالفقه في الدين، وقد
قال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وعلى هذا:
فإن السنة وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا التفصيل، فيقدم
الأقرأ إذا كان عالماً بالسنة، وعنده علم بأحكام الصلاة، وأما إذا لم يكن
عنده علم بالأحكام وإنما كان مجرد قارئ أو حافظ وليس متمكناً ولا عالماً
بأحكام الصلاة، وليس عنده الفقه والعلم، فمن كان عنده شيء من القرآن ولكن
عنده الفقه في السنة والعلم بالأحكام الشرعية وبأحكام الصلاة بالذات يقدم
على غيره، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم أبا
بكر رضي الله عنه مع أن المشهور أن أقرأ الصحابة هو أبي بن كعب؛ لأن
الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كلهم كانوا يُعنون بالقراءة وبفهم القرآن
وبالعلم بالسنة، فكان أبو بكر رضي الله عنه هو المقدم على غيره في ذلك، وإن
كان بعض الصحابة قد اشتهر بالقراءة كـ أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه.
ومنهم
من قال: إن تقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه فيه إشارة إلى خلافته،
وإلى أنه الأحق بالأمر من بعده؛ ولهذا ذكر ذلك عمر رضي الله عنه يوم
السقيفة حيث قال: (رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا أفلا
نرتضيك لأمر دنيانا؟!) وعلى هذا: فإن الأحق هو الأقرأ إذا كان عنده علم
بالسنة وبأحكام الصلاة وبالفقه، ولكنه إذا كان مجرد حافظ وليس عنده علم
بالسنة فإن من يكون أقل منه حفظاً وجمعاً للقرآن وهو عالم بالسنة يكون
مقدماًً على ذلك الذي هو مجرد حافظ وليس عنده فقه في الدين ولا معرفة
بالسنن.
قوله: [(يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة)].
كلمة:
(أقدمهم قراءة) هذه جاءت في بعض الروايات، ولكن الذي جاء في بعضها:
(أقدمهم هجرة)، وهذا إنما يكون بعد الدرجة الثانية التي هي العلم بالسنة
كما جاء ذلك مبيناً في الحديث الذي سيأتي، وهو أيضاً في صحيح مسلم، فإنه
ذكر الترتيب على هذا الوجه العلم بالقراءة، ثم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، ثم
الأكبر سناً.
وكذلك أورده أبو داود بعد ذلك، فتكون القراءة أولاً، ثم السنة ثانياً، ثم الهجرة ثالثاً، ثم التقدم في السن رابعاً.
قوله: [(فإن كانوا في القراءة سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة)].
وهنا
لم يذكر العلم بالسنة، ولعل سبب عدم ذكره: أن الصحابة رضي الله عنهم
وأرضاهم كانوا يرون أن الاشتغال بالقرآن يكون معه الاشتغال بالسنة، وأنهم
كانوا يعنون بالقرآن وبالسنة، وأنهم كانوا لا يتجاوزن العشر الآيات من
القرآن إلا بعد أن يتعلموا معانيهن والعمل بهن، فليسوا مجرد قراء يحفظون
دون أن يكونوا متفقهين، ودون أن يكونوا فاهمين، ودون أن يكون عندهم علم
بالأحكام الشرعية، بل كانوا يحفظون ويتفقهون في الدين، ويعرفون ما تقتضيه
الآيات وما جاءت به السنن مما هو تفسير للآيات وبيان لها؛ لأن السنة تفسر
القرآن وتبّينه، وتدل عليه وتوضحه.
فهذا سبب عدم ذكر السنة، مع أنه قد جاء في الرواية التي بعدها، وقد يكون عدم ذكر السنة حصل من بعض الرواة.
قوله: [(فإن كانوا في القراءة سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة)].
أي:
من كان أسبق في الهجرة والانتقال من بلد الشرك إلى بلاد الإسلام فإنه يكون
مقدماً على غيره؛ وذلك لسبقه ولهذا كان المهاجرون رضي الله عنهم وأرضاهم
لهم ميزة على غيرهم من الأنصار؛ لأنهم جمعوا بين الهجرة والنصرة، فالأنصار
عندهم النصرة فقط وليس عندهم الهجرة، فإذا كانوا مهاجرين فيكون أقدمهم هجرة
هو المقدم على غيره في الأحقية بإمامة الناس في الصلاة، فإن كانوا في
الهجرة سواء فيقدم أكبرهم سناً، وذلك لاحترام الكبير وتوقيره ما دام أنه
مساوٍ لغيره في الأمور السابقة، وإنما حصل تفضيله لأجل السن، حيث يقدم
الأكبر، ومعلوم أن تقديم الكبير قد جاءت فيه نصوص كثيرة، فقد كان النبي صلى
الله عليه وسلم يقول للصغير الذي يريد أن يتحدث قبل الكبير: (كبّر)، يعني:
دع الكبير يتكلم قبلك.
قوله: [(ولا يؤم الرجل في بيته)].
إذا كان
الرجل في منزله فهو أحق وأولى بالإمامة من غيره إذا كان عنده علم بأحكام
الصلاة، وعنده حفظ شيء من القرآن، ويستطيع أن يؤم الناس ويقرأ القراءة
السليمة، فما دام في بيته فهو المقدم، ولكنه إذا قدم غيره فله ذلك، ولا
يلزم أن يكون هو الذي يصلي بالناس، ولكن الأحقية هي له.
قوله: [(ولا في سلطانه)].
يعني:
أن الوالي هو الذي يكون الأحق بالإمامة، فهو أحق من غيره حيث يكون أهلاً
لذلك، وحيث يكون متمكناً من الإمامة فإنه يكون أولى من غيره ما دام أنه هو
السلطان؛ ولهذا كان الولاة هم الذين يتولون الصلاة في الجُمع والجماعات،
وكذلك في الأعياد كانوا يؤمون الناس، والأمراء كانوا يتقدمون الناس ويصلون
بهم، وقد جاء في الأحاديث ما يتعلق بالصلاة وراء الأمراء، فالوالي هو
المقدم على غيره وهو الأحق.
قوله: [(ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه)].
التكرمة:
مكان الرجل الذي قد هيأه للجلوس، أو الفراش الذي فُرش، فهو الأحق في وضع
الناس بها وإجلاس الناس عليها، فما كل إنسان يأتي ويختار له مكاناً دون أن
يكون الرجوع في ذلك إلى صاحب المكان؛ لأنه قد يكون هناك أماكن يريد أن يخص
بها بعض الناس، وهذا حقه، فله أن يُقدّم وله أن يؤخر من شاء، فلا يجلس على
تكرمته إلا بإذنه؛ لكيلا تكون الأمور فوضى، إلا إذا قال له صاحب البيت:
تفضل اجلس في هذا المكان.
فإنه يأتي ويجلس في المكان الذي يجلسه فيه.
قوله: [قال شعبة فقلت لـ إسماعيل: ما تكرمته؟ قال: فراشه].
التكرمة هي الفراش الذي يتخذه شيئاً ليكرم به من يريد، ويخص به من يخص، والله أعلم.

(80/3)

تراجم رجال إسناد حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني إسماعيل بن رجاء].
إسماعيل بن رجاء ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[سمعت أوس بن ضمعج].
أوس بن ضمعج ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي مسعود البدري].
هو
عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، مشهور بكنيته، وقد يحصل التباس بينه وبين ابن مسعود، فـ ابن مسعود
مشهور بنسبته إلى أبيه، وكنيته أبو عبد الرحمن، وأما عقبة بن عمرو فكنيته
أبو مسعود؛ ولهذا فإن كثيراً من الطبعات التي طبع فيها بلوغ المرام وكذلك
شروحه يأتي فيها هذا الحديث الذي معنا، فيكتبون ابن مسعود بدل أبي مسعود.
حديث عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(80/4)

طريق ثانية لحديث: (يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة بهذا الحديث قال فيه: (ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه)].
أورد
أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: (ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه)،
أي: الرجل الذي هو صاحب السلطان لا ينبغي أن يؤمه رجل آخر في مكان سلطانه.
قوله: [حدثنا ابن معاذ].
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
أي: حدثهم شعبة بالإسناد المتقدم، وقد مرّ ذكره.
[قال أبو داود: وكذا قال يحيى القطان عن شعبة: (أقدمهم قراءة)].
يعني:
أن هذا الذي جاء عن شعبة قد جاء أيضاً عن يحيى القطان وفيه قال: (أقدمهم
قراءة)، وهو كما جاء في الرواية المتقدمة، ولكن الحديث الذي سيأتي فيه أنه
لما ذكر السنة قال: (أقدمهم هجرة) ولم يقل: (أقدمهم قراءة)، وإنما الذي فيه
أنه قال: (أقدمهم هجرة)، هو المناسب، بخلاف قوله: (أقدمهم قراءة)، فإنها
مع قولة: (أقرؤهم لكتاب الله) بينهما شيء من التماثل أو التداخل.
فالذي
يبدو أن الصواب: (أقدمهم هجرة)، وليس: (أقدمهم قراءة)، ولكن ذكر القراءة
معناه: أن يكون الإمام أسبق في القراءة، وعلى هذا فقد يكون الأقدم قراءة هو
الأصغر سناً، لكن أغلب الروايات فيها: (أقدمهم هجرة) كما جاء في صحيح
مسلم، وليس فيه ذكر الأقدم في القراءة، وكذلك عند أبي داود كما سيأتي.
قوله: [وكذا قال يحيى القطان].
هو يحيى بن سيعد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(80/5)

طريق ثالثة لحديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) وتراجم رجال إسنادها
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الله بن نمير عن
الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج الحضرمي قال: سمعت أبا مسعود رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قال (فإن كانوا في
القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة) ولم
يقل: (فأقدمهم قراءة)].
يعني: أن هذه رواية ثانية ليس فيها ذكر:
(وأقدمهم قراءة) ولكن فيها ذكر السنة قبل الهجرة وبعد القراءة، وفي صحيح
مسلم هذا الترتيب، وفيه بعد ذلك: (فأكبرهم سناً).
وقد أورد أبو داود
رحمه الله حديث عقبة بن عمرو من طريق أخرى، وفيه ذكر الأقدم قراءة ثم
الأعلم بالسنة، ثم من يكون أقدم هجرة، ولم يقل: (أقدمهم قراءة) والحديث سبق
أن مرت الإشارة إليه.
[قال أبو داود: رواه حجاج بن أرطأة عن إسماعيل قال: (ولا تقعد على تكرمة أحد إلا بإذنه)].
ثم
ذكر أبو داود رحمه الله الحديث من طريق الحجاج بن أرطأة عن إسماعيل أنه
قال: (ولا تقعد على تكرمة أحد إلا بإذنه)، يعني: أنه نهى الرجل أن يقعد على
تكرمة أحد إلا بأن يأذن له في أن يجلس في المكان المتميز أو المكان الذي
قد يكون خصصه له أو لأحد من الناس، فله أن يقدم ويؤخر في فراشه وفي المكان
الذي هيأه لإكرام الناس من يشاء.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الله بن نمير].
عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج الحضرمي قال: سمعت أبا مسعود].
إسماعيل بن رجاء وأوس بن ضمعج وأبو مسعود قد مر ذكرهم.
وقوله: [قال أبو داود: رواه حجاج بن أرطأة].
الحجاج بن أرطأة صدوق كثير الأخطاء والتدليس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

(80/6)

شرح حديث عمرو بن سلمة في قصة إمامته بقومه
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أيوب
عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: (كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا
النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا، وكنت غلاماً حافظاً، فحفظت من ذلك
قرآناً كثيراً، فانطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر
من قومه، فعلمهم الصلاة، فقال: يأمكم أقرؤكم.
وكنت أقرأهم لما كنت
أحفظ، فقدموني، فكنت أؤمهم وعلى بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت
عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصاً
عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين
أو ثمان سنين)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي
الله عنه، وفيه أنهم كانوا في مكان على ممر طريق الناس الذين يذهبون إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم ويرجعون، وعندما يرجع الناس من عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان هو ممن يستقبلهم، فكان يتعلم القرآن من هؤلاء الذين
يمرون بهذا الماء وبهذا المكان.
وذكر هنا أن أباه وجماعة من قومه ذهبوا
وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات: أنه ذهب
مع أبيه، وأنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهم، وكان مما
علمهم أنه يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله، فنظروا وإذا عمرو بن سلمة هو أكثرهم
حفظاً وأكثرهم قراءة، فقدموه إماماً لهم وعمره سبع أو ثمان سنوات، وكان رضي
الله عنه عليه بردة إذا تكشفت ظهر شيء من عورته، وجاء في البخاري أنها
كانت تنحسر لضيقها أو لصغرها، فكانت تتقلص فتبدوا عورته، وفي بعض الروايات
أنه كان فيها فتق، وكانت موصلة، يعني: ليست قطعة واحدة، وإنما هي قطع خيط
بعضها ببعض، فكان عندما يسجد يظهر شيء من عورته، فقالت امرأة: واروا عنا
سوءة قارئكم، فاشتروا له قميصاً عمانياً، يعني: مصنوع في عمان، وهي من بلاد
البحرين أو قريبة من البحرين، قال: فما فرحت بشيء بعد الإسلام أشد مني
فرحاً بهذا القميص.
وقيل: إن السبب في فرحة أنه كان قبل ذلك غير مرتاح
إلى ذلك اللباس الذي عليه، لضيقه ولعدم كماله، ولكونه يحتاج إلى أنه يمسكه
حتى لا يسقط.
وقيل: إن سبب فرحه لكونه كان صغيراً، والصغار يفرحون
بالألبسة الجديدة، وقيل غير ذلك، وقد يكون فرحه من جهة كونه ساتراً سالماً
مما كان يحصل من ذلك اللباس الأول الذي كان فيه ذلك الفتق أو كان فيه ذلك
الصغر الذي ينحسر وتبدو العورة، قد يكون هذا هو أقرب الأسباب في كونه فرح
بذلك.
وقوله: (فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع أو ثمان سنين) قالوا: وهذا فيه
دليل على إمامة الصبي المميز، أي: أنه يؤم الناس إذا كان أحفظ من غيره،
وإذا كان أعلم من غيره فإنه يقدم على غيره في الإمامة، وبعض أهل العلم قال
بجواز ذلك مطلقاً في الفرائض والنوافل استناداً إلى هذا الحديث، وبعضهم
خصصه بالنوافل دون الفرائض، وبعضهم لم يجز ذلك.
وفي إمامة الصبي للناس
دليل على ائتمام المفترض بالمتنفل؛ لأن الصغير صلاته نافلة؛ لأنه ليس
مكلفاً وليس من أهل التكليف؛ وحجه لو حج قبل البلوغ يكون نافلة، وإذا بلغ
فإنه يحج حجة الإسلام، ولا تغنيه تلك الحجة التي حجها في حال صغره وقبل
بلوغه.
فهذا من الأدلة التي يستدل بها على ائتمام المفترض بالمتنفل، ومن
ذلك أيضاً حديث معاذ رضي الله عنه في قصه صلاته بقومه صلاة العشاء كما
سيأتي، أي: أنه كان يصلي بهم صلاة العشاء وهو متنفل وهم مفترضون، وهذا
الحديث الذي هنا هو مثل ما جاء في حديث معاذ في أن المفترض يصلي خلف
المتنفل.
والحديث دليل على أن الصبي المميز إذا كان أعلم من غيره أو كان
مقدماً على غيره في القراءة والعلم أنه يقدم في الصلاة، وأن إمامته صحيحة.
عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: (كنا بحاضر)].
يعني: في مكان يقيمون فيه يقال له: حاضرة أو حاضر، وقد جاء في بعض الروايات: أنهم كانوا على ماء يمر به الناس.
وقوله: [(كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا)].
يعني: إذا أتوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله:
[(إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا وكنت غلاماً حافظاً)].
يعني:
أنه كان يستقبلهم، وكانوا يخبرونه بما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيحفظه من يحفظ، وكان هذا الغلام حافظاً وحريصاً، فكان يأخذ منهم،
فحفظ قرآناً كثيراً كما جاء عنه أنه قال: حفظت قرآناً كثيراًً؛ أي: بسبب
هذا التلقي للركبان الذين كانوا يأتون من عند النبي صلى الله عليه وسلم
مارين بمائهم الذي هم فيه.
قوله: [(فانطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه فعلمهم الصلاة)].
وجاء في بعض الروايات أنه وفد مع أبيه؛ ولهذا قالوا عنه: إنه صحابي صغير؛ لأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(فعلمهم الصلاة فقال: يؤمكم أقرؤكم وكنت أقرأهم لما كنت أحفظ، فقدموني فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء)].
ذكرها
هنا أنها صغيرة، وجاء في بعض الروايات أنها كانت موصلة، يعني: ليست قطعة
واحدة، وإنما كانت مخيطة قطعة مع قطعة، وهذا يدل على ما كانوا عليه من
الحاجة ومن قلة ذات اليد.
وقوله: [(فكنت إذا سجدت تكشفت عني)].
يعني:
يحصل انحسارها، كمن كان عليه إزار، والإزار قد يكون قصيراً فيتكشف لابسه،
وذلك لا يؤثر في الصلاة ما دام أن هذه ضرورة، وأنه انكشاف غير مقصود، وأن
ذلك الانكشاف يزول بجر القميص أو جر الإزار.
قوله: [(فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم)].
يعني: غطوها، فاشتروا له قميصاً.
قوله: [(فاشتروا لي قميصاً عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين)].

(80/7)

تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن سلمة في قصة إمامته بقومه
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[أخبرنا أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن سلمة].
هو عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله تعالى عنه صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
والحديث أخرجه البخاري.

(80/Cool

طريق ثانية لحديث عمرو بن سلمة في قصة إمامته بقومه، وتراجم رجال إسنادها
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا عاصم الأحول عن
عمرو بن سلمة بهذا الخبر قال: (فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق، فكنت
إذا سجدت خرجت استي)].
هذا يفيد بأن تلك البردة مع كونها صغيرة -كما في
الحديث السابق- فهي أيضاً كانت موصلة، يعني: أنها قطع خيط بعضها مع بعض،
وكان فيها فتق، يعني: ثقب، فكان تبدو عورته أو شيء من عورته من هذا الفتق
أو من أسفل هذه البردة، كما جاء في البخاري أنه كان إذا سجد تقلصت، يعني:
انكمشت لضيقها.
قوله: [حدثنا النفيلي].
النفيلي هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عاصم الأحول] هو عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن سلمة].
هو عمرو بن سلمة قد مر ذكره.

(80/9)

طريق ثالثة لحديث عمرو بن سلمة في قصة إمامته بقومه، وتراجم رجال إسنادها
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة حدثنا وكيع عن مسعر بن حبيب الجرمي
حدثنا عمرو بن سلمة عن أبيه رضي الله عنهما: (أنهم وفدوا إلى النبي صلى
الله عليه وسلم، فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا: يا رسول الله! من يؤمنا؟
قال: أكثركم جمعاً للقرآن أو أخذاً للقرآن، قال: فلم يكن أحداً من القوم
جمع ما جمعته، قال: فقدموني وأنا غلام وعلي شملة لي، فما شهدت مجمعاً من
جرم إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا).
قال: أبو
داود: ورواه يزيد بن هارون عن مسعر بن حبيب الجرمي عن عمرو بن سلمة أنه
قال: (لما وفد قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم) لم يقل: عن أبيه].
أورد
أبو داود الحديث عن عمرو بن سلمة الجرمي من طريق أخرى، وفي بعض الطرق أنه
قال: عن أبيه، وفي بعضها: أنه لم يقل: عن أبيه، وإنما ذكر الرواية عن نفسه،
والذي في البخاري أنها عنه لا عن أبيه، وما ذكر عن أبيه إلا في بعض الطرق،
وهذه الطريق التي ذكرها أبو داود فيها أنه عن أبيه، وأيضاً جاء من هذه
الطريق التي هي عن مسعر بن حبيب الجرمي أنه لم يقل فيها: عن أبيه، وإنما عن
عمرو بن سلمة نفسه، وأكثر الروايات التي في البخاري وفي غيره عنه لا عن
أبيه.
وقوله: [(أنهم وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما أردوا أن
ينصرفوا قالوا: يا رسول الله! من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعاً للقرآن أو أخذاً
للقرآن.
فلم يكن أحد من القوم جمع ما جمعته، قال: فقدموني وأنا غلام وعلي شملة لي)].
الشملة هي البردة التي تقدم وصفها.
وقوله: [(فما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم)].
وهذا فيه أنه كان إمامهم في الفرائض والنوافل؛ لأنه قال: (ما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم) أي: أنه كان يؤمهم دائماً.
وقوله: [(وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا)].
أي: كان يصلي بهم الفرائض ويصلي على جنائزهم.

(80/10)

تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن سلمة من طريق رابعة
قوله: [حدثنا قتيبة].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر بن حبيب الجرمي].
هو مسعر بن حبيب الجرمي ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عمرو بن سلمة عن أبيه].
عمرو
بن سلمة قد مر ذكره، وأبوه هو سلمة بكسر اللام ابن قيس ويقال: نفيع، ويقال
غير ذلك الجرمي البصري صحابي له وفادة، وهو والد عمرو، أخرج له البخاري
وأبو داود والنسائي.
وقوله: [قال أبو داود: ورواه يزيد بن هارون].
هو يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر بن حبيب عن عمرو بن سلمة لم يقل فيه: عن أبيه].
مسعر بن حبيب وعمرو بن سلمة مر ذكرهما.

(80/11)

حكم إمامة الصبي غير المحتلم في الجمعة
ذكر بعضهم أن الشافعي رحمه الله يقول: يؤم الصبي غير المحتلم إذا عقل الصلاة إلا في الجمعة.
وأنا لا أعلم شيئاً يخصصها، بل الجمعة وغير الجمعة كلها سواء؛ ولهذا قال: (ما شهدت جمعاً إلا كنت إمامهم).

(80/12)

شرح أثر ابن عمر: (لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي حدثنا أنس -يعني: ابن عياض - ح
وحدثنا الهيثم بن خالد الجهني المعنى حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا
العصبة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة
رضي الله عنه، وكان أكثرهم قرآناً).
زاد الهيثم: (وفيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهما).
أورد
أبو داود رحمه الله أثر ابن عمر رضي الله تعالي عنهما أن المهاجرين
الأولين لما قدموا المدينة نزلو العصبة أو العصبة بضم العين وقيل بفتحها
وقيل بسكون الصاد، وهي مكان في المدينة في جهة قباء.
وقوله: (قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم).
يعني: أن هؤلاء هاجروا أولاً، وتقدموا الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [(فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآناً)].
وسبب
إمامته بهم أنه كان أكثرهم قرآناً، وهذا فيه دليل على تقديم الأقرأ، ومن
المعلوم أن الأقرأ عند الصحابة هو الذي يكون أقرأ وأعلم بالسنة، يعني: عنده
قراءة وعلماً ليس مجرد قراءة فقط دون أن يكون عنده علم.
وقوله: [زاد الهيثم: (وفيهم عمر بن الخطاب وأبو سلمة بن عبد الأسد)].
الهيثم هو ابن خالد.
والمقصود
أنه كان مولى، ومع هذا كان يؤمهم وفيهم من هو من مشهوري الصحابة ومن أهل
الأنساب فيهم، ولكن كان يؤمهم وهو مولى لأنه كان أقرأهم لكتاب الله عز وجل،
ومثل هذا ما جاء في صحيح مسلم في قصة ابن أبزى الذي خلفه أميراً لـ عمر بن
الخطاب رضي الله عنه على مكة، فلقي عمر رضي الله عنه ذلك الأمير فسأله: من
وليت على أهل مكه؟ قال: وليت عليهم ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل
من الموالي؟! قال: وليت عليهم مولى؟! قال إنه عالم بكتاب الله عارف
بالفرائض، فعند ذلك قال عمر: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله
يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).

(80/13)

تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر: (لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة)
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا أنس يعني ابن عياض].
أنس بن عياض ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا الهيثم بن خالد الجهني].
الهيثم بن خالد الجهني ثقة، أخرج حديثه أبو داود.
[المعنى].
يعني: أن الشيخين روايتهم متفقة في المعنى وإن اختلفت في اللفظ.
[حدثنا ابن نمير].
عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين
بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(80/14)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:07 pm

اقتباس :

شرح حديث: (إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما سناً)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل ح وحدثنا مسدد حدثنا
مسلمة بن محمد المعنى واحد عن خالد عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لصاحب له: (إذا حضرت
الصلاة فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركم سناً) وفي حديث مسلمة قال:
(وكنا يومئذٍ متقاربين في العلم) وقال في حديث إسماعيل: قال خالد قلت لـ
أبي قلابة: فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين].
أورد أبو داود حديث
مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه أنه جاء مع صاحب له إلى الرسول صلى
الله عليه وسلم، ولما أرادوا الانصراف قال لهما صلى الله عليه وسلم: (إذا
حضرت الصلاة فأذنا وأقيما)، يعني: أنه أمرهما بأن يوجد فيهما الأذان، وذلك
بأن يؤذن واحد منهما، وليس معناه أنهم كلهم يؤذنون، إلا أن يكون المقصود أن
واحداً يؤذن والثاني يتابعه، يعني: يقول مثل ما يقول، فتكون الإضافة
إليهما جميعاً لاعتبار أن واحداً يؤذن وواحداً يتابعه ويقول مثل ما يقول،
كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سمتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن).
فقوله:
(أذنا) يعني: يؤذن واحد منكم وليس كلكم تؤذنون؛ لأن الذي يؤذن هو واحد
وليس الكل، فما دام أنهم مع بعض وأنهم رفقاء بعضهم مع بعض فيؤذن واحد منهم،
ويمكن أن التثنية المقصود بها أنه يوجد الأذان، أو أن واحداً يؤذن والثاني
يجيبه ويقول مثل ما يقول.
وقوله: (ثم أقيما) أي: واحد يقيم والثاني
يجيبه، قالوا: وهذا مما يستدل به على أن الإقامة مثل الأذان يجاب فيها
المؤذن كما يجاب في الأذان؛ لأنها كلها ذكر لله عز وجل، والنبي صلى الله
عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) فيتابع في
الأذان ويتابع في الإقامة، وعلى هذا فيقال في قوله: (ثم أقيما) ما قيل في
قوله: (أذنا) يعني: يؤذن واحد منكم ويقيم، واحد منكم، أو واحد يؤذن والثاني
يتابعه وواحد يقيم والثاني يتابعه.
وقوله: (ثم ليؤمكما أكبركما سناً)
هذا ليس فيه تعرض لكثرة القراءة، ولا للعلم بالسنة، قيل: لعل السبب في ذلك
أن هذه قضية خاصة في اثنين، وكانا قد تعلما من الرسول صلى الله عليه وسلم
سوياً، والرسول يعرف بأنهم متساويان، ولهذا أرشد إلى تقديم الأكبر، ومعنى
هذا: أن القراءة هي المقدمة، والعلم بالسنة مقدم، والهجرة مقدمة، ولكن هذين
الاثنين لعل حالهما كانت متفقة أو متماثلة، والرسول صلى الله عليه وسلم
يعرف ما عندهما، وقد جاءا إليه وتعلما منه ثم ذهبا إلى قومهما فقال لهما
النبي صلى الله عليه وسلم ما قال.
وقوله: [وفي حديث مسلمة قال: (وكنا يومئذ متقاربين في العلم)].
يعني: أن هذا هو السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقدم أكبرهما، وقيل: إن هذا فيه إدراج.
وقوله: [وقال في حديث إسماعيل: قال خالد: قلت لـ أبي قلابة: فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين].
يعني:
أنه ما ذكر يؤمهم أقرؤهم كما جاء في الأحاديث الأخرى، والسبب أنهما كانا
متقاربين، فمن أجل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤمكما أكبركما
سناً).

(80/15)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما سناً)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـ ابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا مسدد حدثنا مسلمة بن محمد].
مسلمة بن محمد لين الحديث، أخرج له أبو داود.
[المعنى واحد عن خالد].
هو خالد بن مهران المشهور بـ الحذاء أو الملقب الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة].
هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك بن الحويرث].
مالك بن الحويرث رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(80/16)

شرح حديث: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قراؤكم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن عيسى
الحنفي حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قراؤكم)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم).
وقوله:
(ليؤذن لكم خياركم) يعني: من يكونوا ذا أمانة وفضل؛ وذلك أن الأذان
مسئولية ويترتب عليه أحكام ومن ذلك دخول الوقت، وكون الناس يصلون في الوقت
يحتاج إلى أمانة، وكذلك أيضاً يترتب عليه الإفطار والإمساك عند أذان الفجر،
وعند أذان المغرب، وكل ذلك أمانة؛ ولهذا قال: (خياركم) وقال: (وليؤمكم
قراؤكم) يعني: من يكونوا أقرأ، وهذا مطابق لقوله: (أقرؤكم لكتاب الله) الذي
تقدم في الأحاديث السابقة.

(80/17)

تراجم رجال إسناد حديث: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قراؤكم)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا حسين بن عيسى الحنفي].
حسين بن عيسى الحنفي ضعيف، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا الحكم بن أبان].
الحكم بن أبان صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
عبد
الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد
العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
والحديث في إسناده حسين بن عيسى وهو ضعيف.

(80/18)

شرح سنن أبي داود [081]
لصلاة
الجماعة فضل عظيم، وهي تقتضي إماماً ومؤتمين، وتستدعي أحكاماً يحتاج إليها
المؤمنين، وأحكام الإمامة قد جاءت مبينة في كثير من الآثار النبوية، التي
أوضحت من تجوز خلفه الصلاة ومن أحق بالإمامة، وهل تؤم المرأة غيرها، ونحو
ذلك من الأحكام.

(81/1)

ما جاء في إمامة النساء
(81/2)

شرح حديث أم ورقة في إمامتها أهل دارها
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب إمامة النساء: حدثنا عثمان بن أبي شيبة
حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع حدثتني جدّتي وعبد
الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل رضي الله عنها (أن النبي صلى
الله عليه وسلم لما غزا بدراً، قالت: قلت له: يا رسول الله! ائذن لي في
الغزو معك أمرض مرضاكم؛ لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: قري في بيتكي، فإن
الله تعالى يرزقك الشهادة.
قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت
القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذناً، فأذن
لها، قال: وكانت قد دبرت غلاماً لها وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها
بقطيفة لها حتى ماتت، وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس فقال: من كان عنده من
هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب في
المدينة).
حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي حدثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن
جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث رضي الله
عنها بهذا الحديث والأول أتم قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها) قال
عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً.
].
أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [باب في إمامة النساء]، يعني: كون النساء يصلين جماعة ويؤم بعضهن بعضاً.
وقد
أورد أبو داود رحمه الله حديث أم ورقة بنت الحارث بن عبد الله وفي الطريق
الأولى بنت الحارث بن نوفل أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تذهب
معه في الغزو تمرض المرضى، فأمرها بأن تقر في دارها، وأخبرها أن الله تعالى
سيرزقها الشهادة، فكان يقال لها: الشهيدة، وكانت دبرت غلاماً لها وجارية،
أي: علقت عتقهما بوفاتها، وذلك بأن قالت: هما أحرار بعد موتي، وهذا هو
التدبير، فالتدبير هو: تعليق العتق بالموت، والمدبر هو: الذي علق السيد
عتقه بموته، فيكون في حياته في ملكه، وعندما يموت فإنه يعتق، ولكن في حدود
الثلث؛ لأن الإنسان ليس له أن يكون له من ماله بعد موته إلا ما كان في حدود
الثلث، ولكن هذا الغلام والجارية استعجلا موتها، فتسببا في موتها من أجل
أن يحصل لهما العتق، فغماها في قطيفة، يعني: كتما أنفاسها بأن لفا قطيفة
على رأسها فماتت بسبب ذلك، ثم إنهما هربا، فأمر عمر رضي الله عنه من وجدهما
أن يحضرهما، فوجدا فصلبا، فكانا أول مصلوب في المدينة، وكانت استأذنت
النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤم أهل دارها، فأذن لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم بذلك، وأن تتخذ مؤذناً، وكان ذلك المؤذن شيخاً كبيراً.
وهذا
الحديث يدل على إمامة المرأة للنساء وصلاتها للنساء، وقد جاءت روايات وآثار
متعددة عن ابن عباس وعائشة وأم سلمة أن إمامة النساء تقف وسطهن، يعني: لا
تتقدم عليهن.
فالحديث يدل على إمامة المرأة للنساء، ويدل أيضاً على
اتخاذ المؤذن في ذلك، ولكن الحديث فيه من تكلم فيه بسبب الجهالة، وهو عبد
الرحمن بن خلاد وكذلك جده الوليد بن عبد الله بن جميع، لكن ذكر الحافظ في
بلوغ المرام أن ابن خزيمة صححه، والحديث صححه أيضاً الشيخ الألباني، ولكن
الحديث في إسناده ذلك الشخص الذي تكلم فيه وهو عبد الرحمن بن خلاد وقد قال
عنه الحافظ في التقريب: مجهول، فلا أدري ما وجه تصحيح هذا الحديث وفي سنده
هذا الرجل المجهول، ولكن الحديث إذا صح فإنه يدل على إمامة النساء، والآثار
التي وردت تدل على أن المرأة تؤم النساء، ولكن الإشكال هو في اتخاذ
المؤذن؛ لأن كون المرأة تؤم النساء وتقف في وسطهن قد جاء ذلك عن ابن عباس
في مصنف عبد الرزاق، وكذلك جاء عن أم سلمة وعائشة أن المرأة تصلي بالنساء
وتقف وسطهن.
لكن اتخاذ المؤذن ووجود الأذان في البيت، وأن هذا الذي يؤذن
لا أدري هل يصلي وراء المرأة، أو يصلي مع النساء أو الرجال يصلون مع
النساء، والأصل أن الرجال هم الذين يؤمون النساء والنساء لا تؤم الرجال،
ففيه إشكال، ولا أدري ما وجه تصحيحه، وأما قضية إمامة المرأة للنساء فهذه
قد جاء عن ابن عباس وعن غيره ما يدل عليه.

(81/3)

تراجم رجال إسناد حديث أم ورقة في إمامتها أهل دارها
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا وكيع بن الجراح].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع].
الوليد بن عبد الله بن جميع صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثتني جدتي].
جدته هي ليلى بنت مالك لا تعرف، أخرج لها أبو داود.
[وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري].
عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري مجهول الحال، أخرج له أبو داود وحده.
[عن أم ورقة بنت نوفل].
أم ورقة بنت نوفل أو بنت الحارث بن عبد الله صحابية، أخرج حديثها أبو داود وحده.
وهذا الإسناد فيه مجهولان في طبقة واحدة، والطريق الثانية فيها عبد الرحمن بن خلاد وحده.
وقوله: [حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي].
الحسن بن حماد الحضرمي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا محمد بن فضيل].
هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث].
هؤلاء قد مر ذكرهم.

(81/4)

ما جاء في الرجل يؤم القوم وهم له كارهون
(81/5)

شرح حديث: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون: حدثنا
القعنبي حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد عن عمران بن
عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يقول (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوماً وهم له
كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً -والدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته- ورجل
اعتبد محررة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: [باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون].
وهذا
ورد فيه هذا الوعيد محمول على ما إذا كانت الكراهية من أجل الدين، وأنه
تقدم من غير اختيارهم أو فرض عليهم، أما إذا كان من أجل شيء في النفوس
بينهم وبينه، أو بين بعضهم وبينه فإن هذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر إذا كان
من أجل الدين، ومن أجل عدم ارتياح إليه في دينه؛ لكونه يتصف بفسق أو ببدعة
أو ما إلى ذلك، فهذا هو الذي له هذا الذنب، وأما إذا كان من أجل شحناء
وعداوة دنيوية وليس لها أساس من الدين وليست مبنية على دين فإن هذا لا
يؤثر.
وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
قال: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: رجل تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل
أتى الصلاة دباراً)، أي أنه يكون من عادته أنه يتخلف عن الصلاة ولا يأتي
إلى المسجد إلا إذا فرغ الناس، فيأتي ليصلي وحده، ويمكن أن يكون ذلك إما
كسلاً أو لكونه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، وكل هذا مذموم، فالدبار فسر
بأنه يأتيها متأخراً ويكون ذلك من عادته، أما أن يحصل ذلك منه في بعض
الأحيان فهذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر هو أن يكون من عادته أنه يتهاون في
شأن الصلاة، أو أنه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، بل يريد أن يصلي في المسجد
وحده، بحيث لا يصلي وراء الإمام أو مع تلك الجماعة القائمة.
وقد ذكرنا
فيما مضى أن وجود جماعة ثانية لا يجوز إذا كان المقصود منه عدم الصلاة مع
الجماعة الأولى أو متابعة الجماعة الأولى، وأن المقصود هو الانفراد عنهم،
وأما إذا كان ذلك ليس مقصوداً وإنما كان يريد أن يصلي في المسجد ولكنه
فاتته الصلاة، وكان يريد ألا تفوته، فهذا يمكن أن يصلي معه غيره سواء كان
عن طريق الصدقة بأن يصلى معه بعض من صلى، أو أن يكونوا اثنين فأكثر ويصلون
جماعة ثانية، كل ذلك لا بأس به.
والحاصل: أن من يأتي الصلاة دباراً هو الذي من عادته أن يتأخر عن الصلاة بحيث يأتي بعدما يصلي الناس.
وقيل: إن المقصود بذلك الذي يأتيها في آخر وقتها ويؤخرها حتى يخرج وقتها، أو يؤخرها بحيث يكاد وقتها يخرج فيكون في ذلك تفريط.
وقوله:
(ورجل اعتبد محرره) وفي بعض نسخ أبي داود: (محررة) وكلمة (محررة) ليس
المقصود بها المرأة فقط، وإنما المقصود: النسمة أو النفس، فيشمل العبيد
والإماء، الذكور والإناث.
وقوله: (محرره) الضمير يرجع إلى المعتق وليس
تاء التأنيث، وإنما هو هاء الضمير مضاف ومضاف إليه، واعتباده محرره يكون
بأن يعتقه ويكتم عتقه، أو يعتقه ثم ينكر عتقه، أو يعتقه ولكنه يتسلط عليه
ويجبره بأن يخدمه ويستخدمه، فيكون في ذلك كله استعباد المحرر، بمعنى أنه
يعتقه ويكتم عتقه، أو أنه أعتقه وأنكر أنه أعتقه، أو أنه استخدمه بالقوة
والقهر والغلبة والقسر، وكل هذه أمور محرمة.
والحديث فيه من تكلم فيه،
والشيخ الألباني قال: إنه ضعيف إلا الشطر الأول منه، وهو قوله: (من أم
قوماً وهم له كارهون) ولكن لا شك أن هؤلاء كلهم مذمومون، سواء الذي اعتبد
المحرر، أو الذي أتى الصلاة دباراً، أو الذي أمَّ قوماً وهم له كارهون.
وقوله:
(لا يقبل الله صلاة) يعني: أنه لا تقبل له تلك الصلاة التي يصليها، بمعنى:
أنه يحرم أجرها أو يحرم ثواب تلك الإمامة أو الجماعة التي صلاها، وهذا
بالنسبة لمن صلى وأم الناس، وأما ذاك الذي أتى دباراً واعتبد محرره، فظاهره
أنها لا تقبل، ولكن الحديث غير صحيح، ولا أدري ما وجه تصحيح القسم الأول
منه، فيمكن أن يكون التصحيح لشواهد ولأمور أخرى خارجة عما جاء في الحديث،
وإلا فإن الحديث طريقه واحدة، إلا أن القسم الأول يمكن أنه صحح لشيء من
الشواهد والأمور الأخرى التي هي غير هذا الحديث، ولعل الألباني صححه من أجل
هذا.

(81/6)

تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم].
عبد الله بن عمر بن غانم وثقه ابن يونس وغيره، وأخرج حديثه أبو داود وحده.
[عن عبد الرحمن بن زياد].
هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عمران بن عبد المعافري].
عمران بن عبد المعافري ضعيف أيضاً، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة
الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب
الستة.
والحديث فيه ضعيفان يروي أحدهما عن الآخر.

(81/7)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:09 pm

اقتباس :


ما جاء في إمامة البر والفاجر
(81/Cool

شرح حديث: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إمامة البر والفاجر.
حدثنا
أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن
مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً، وإن عمل
الكبائر)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب إمامة البر والفاجر]،
وإمامة البر هي الأصل، وإمامة الفاجر على خلاف الأصل، والمقصود هنا: ما حكم
إمامة الفاسق؟ هل تسوغ أو لا تسوغ؟
و
الجواب
أن الحديث الذي ورد في هذا ضعيف، ووردت أحاديث أيضاً ضعيفة تتعلق بإمامة
الفاجر، ولكن الذي ورد في الإمامة فيما يتعلق بأئمة الجور، حيث جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن
أساءوا فلكم وعليهم) وعثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر في داره وصار
يصلى بالناس رجل من الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه، فجاءه رجل وقال:
يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة فماذا
تأمرنا؟ قال: (يابن أخي! الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن
معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم) وهذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه، حيث
بوب: [باب إمامة المفتون والمبتدع]، وأورد هذا الأثر عن عثمان.
والأحاديث
التي فيها التنصيص على البر والفاجر ضعيفة، لكن الأصل عند العلماء أن من
صحت صلاته صحت إمامته، فمن كان مسلماً وصلاته صحيحة فتصح إمامته، بمعنى: أن
الإنسان لا يعيد الصلاة.
ومن يكون فاسقاً أو مبتدعاً بدعة غير مكفرة لا
يجوز أن يقدم في الصلاة أو أن يختار لإمامة الناس، ولكنه لو تقدم أو حصل
أنه تقدم وصلى الناس وراءه فلا يعيدون الصلاة، وصلاتهم صحيحة؛ لأنه هو نفسه
صلاته صحيحة ما دام أنه مسلم ولم يصل إلى حد الكفر.
فمن صحت صلاته صحت
إمامته، ولكنه لا يختار ليكون إماماً من يكون فاسقاً، وإنما الشأن فيما إذا
وجدت الصلاة، أو كان إماماً راتباً، ولا يتمكن الإنسان من الصلاة في مسجد
آخر، فإذا صلى وراءه فإن الصلاة تصح، والأحاديث التي وردت في ذلك ضعيفة،
لكن الذي ورد فيما يتعلق بأئمة الجور يدل على أنهم يصلون، وأن صلاة من
وراءهم تكون صحيحة، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (يصلون لكم فإن
أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) وقول عثمان رضي الله عنه:
(الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب
إساءتهم) أخرجه البخاري في باب إمامة المفتون والمبتدع.
وقوله: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر) يعني: وإن حصل من هذا الإمام الفاجر الكبائر.

(81/9)

تراجم رجال إسناد حديث: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح].
هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني معاوية بن صالح].
هو معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن العلاء بن الحارث].
العلاء بن الحارث صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن مكحول].
مكحول هو الشامي، وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي هريرة].
هو
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
والحديث في إسناده مكحول وهو لم يلق أبا هريرة، ففيه انقطاع.
وهذا
الانقطاع بين مكحول وبين أبي هريرة هو سبب ضعفه، لكن الحديث وإن كان
ضعيفاً إلا أن القاعدة المعروفة عند العلماء هي: أن من صحت صلاته صحت
إمامته، والأحاديث وردت في الصلاة خلف أئمة الجور، ومن الذين حصل منهم
التقدم في الناس كذلك الرجل الذي كان من الخارجين على عثمان رضي الله عنه،
حيث قال فيه عثمان رضي الله عنه: (إن الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن
أحسنوا فأحسن معهم).
يعني: صل معهم.

(81/10)

ما جاء في إمامة الأعمى
(81/11)

شرح حديث: (أن النبي استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب إمامة الأعمى: حدثنا محمد بن عبد الرحمن
العنبري أبو عبد الله حدثنا ابن مهدي حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس
رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس
وهو أعمى)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب إمامة
الأعمى]، وأورد حديث أنس بن مالك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن
أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى) يعني: استخلفه في المدينة، وذلك وقع في غزوة
من الغزوات، حيث خلفه وجعله يصلي بالناس وهو أعمى، وهذا يدل على إمامة
الأعمى، وأنه لا بأس بذلك ولا مانع منها.
وقد مر أن ابن أم مكتوم كان
مؤذناً، والأذان كما هو معلوم يحتاج إلى أمانة، ويحتاج إلى معرفة الوقت،
ولكن الأعمى إذا كان له من يرشده ويخبره ممن يثق به فلا بأس بأن يؤذن وهو
أعمى، ويصلي وهو أعمى.

(81/12)

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري أبو عبد الله].
هو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الصمد العنبري أبو عبد الله ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا ابن مهدي].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عمران القطان].
عمران القطان صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(81/13)

ما جاء في إمامة الزائر
(81/14)

شرح حديث: (من زار قوماً فلا يؤمهم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب: إمامة الزائر: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا
أبان عن بديل حدثني أبو عطية مولى منا قال: كان مالك بن حويرث رضي الله
عنه يأتينا إلى مصلانا هذا، فأقيمت الصلاة، فقلنا له: تقدم فصله، فقال لنا:
قدموا رجلاً منكم يصلي بكم، وسأحدثكم لمَ لا أصلي بكم؟ سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: (من زار قوماً فلا يؤمهم، وليؤمهم رجلاً منهم)].
أورد
أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب إمامة الزائر، يعني: إمامة
الزائر للناس، ومن المعلوم أن صاحب المنزل هو أولى بالإمامة من غيره إذا
كان أهلاً للإمامة، وكذلك هو مقدم على الزائر وأولى منه، ولكن إذا احتيج
إلى تقديم الزائر فلا بأس بذلك ولا مانع يمنع منه، ولكن كون صاحب المنزل هو
الذي يصلي فإن هذا هو الأولى، وأما كون غيره يصلي ويتقدم للصلاة إذا احتيج
إلى ذلك فلا بأس بهذا.
أورد أبو داود حديث مالك بن الحويرث يرويه عنه
أبو عطية، وأبو عطية هذا قال عنه الحافظ: مقبول، إلا أنه ذكر عن ابن خزيمة
أو غيره أنه صحح حديثه، ولكن ما ذكر عن أحد توثيقه، وإنما ذكر في التقريب
أنه مقبول، والمقبول يحتاج إلى متابعة، والحديث صححه الألباني، ولا أدري ما
وجه تصحيحه، وفي إسناده ذلك الرجل المقبول أو المجهول أبو عطية، وعلى هذا
فإن إمامة الزائر جائزة، ولا شك أن الإمام الراتب وكذلك صاحب المنزل أولى
من غيره وهو الأحق من غيره، وقد سبق أن مر حديث: (لا يؤم الرجل والرجلَ في
بيته ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) ويمكن أن يكون قوله:
(إلا بإذنه) يرجع إلى هذه الأمور المتقدمة كلها.
قوله: (فأقيمت الصلاة، فقلنا له: تقدم فصله)].
الهاء في قوله: (فصله) هاء السكت.
قوله: [(فقال لنا: قدموا رجلاً منكم يصلي بكم)].
يعني: أنه لا يريد أن يصلي بهم؛ لأنه زائر.
قوله: [(وسأحدثكم لمَ لا أصلي بكم؟! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من زار قوماً فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم)].
والحديث
في إسناده هذا الشخص المتكلم فيه، وإذا صح فإنه يحمل على أنه خلاف الأولى،
لا أنه لا يجوز وأن ذلك حرام لا يسوغ، بل هو جائز وسائغ، والحديث الذي
فيه: (ولا يؤم الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا
بإذنه) يدل على أن الإنسان إذا أذن فلا بأس بذلك.

(81/15)

تراجم رجال إسناد حديث: (من زار قوماً فلا يؤمهم)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم هو الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان].
هو أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن بديل].
هو بديل بن ميسرة العقيلي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثني أبو عطية].
أبو عطية مولى لبني عقيل، قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.
[قال: كان مالك بن حويرث يأتينا].
مالك بن حويرث رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

(81/16)

ما جاء في الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم
(81/17)

شرح أثر حذيفة في صلاته بالناس على دكان
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم:
حدثنا أحمد بن سنان وأحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي المعنى قالا: حدثنا
يعلى حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن همام (أن حذيفة رضي الله عنه أمَّ الناس
بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود رضي الله عنه بقميصه فجبذه، فلما فرغ من
صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين
مددتني)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب الإمام يقوم مقاماً أرفع
من مكان القوم]، يعني: أن الإمام يكون على مكان مرتفع ويكون المأمومون على
مكان منخفض، وهذا فيما إذا كان ذلك مقصوداً، بمعنى: أن الإمام يكون له
مكان مرتفع خاص به؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
الإمام يتخذ مكاناً عالياً، وإنما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى
مرة من المرات أو في بعض الأحيان على مكان مرتفع على درجات المنبر ورجع
القهقرى، وذلك ليعلموا وليشاهدوا كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم، وإذا كان
الإمام ومعه بعض المأمومين في مكان متساوٍ ثم كان بعض المأمومين في مكان
منخفض كأن يكونوا في بدروم أو في مسجد عدة طوابق وصلى الإمام ومن معه في
الدور الأعلى وغيرهم صلى في الأدوار التي تحت فلا بأس بذلك؛ لأن هذا تدعو
الحاجة إليه، فكون الإمام ومعه بعض المأمومين يكونون في مكان عالٍ وبعضهم
في مكان منخفض لا بأس بذلك، وإنما المحذور أن يكون الإمام له مكان مرتفع
خاص به يصعد عليه ويصلي بالناس وهم تحته، هذا هو الذي يدل عليه هذا الحديث،
أما أن يكون الإمام ومعه مأمومون في مكان مستوٍ ثم يأتي مأمومون آخرون
بعدما يمتلئ المسجد فيصلون في السطح أو في الدور الأسفل فلا بأس بذلك ولا
مانع منه وقوله: [(أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود
بقميصه)].
يعني: على مكان مرتفع؛ وذلك أنه ارتفع فوق ذلك المكان والمأمومون في مكان منخفض عنه، فجبذه أبو مسعود رضي الله عنه.
وقوله: [(فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون على ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددتني)].
يعني: حين جذبت بقميصي تذكرت ذلك، ومعنى هذا: أنه شيء معلوم عندهم، لكنه نسي ذلك.

(81/18)

تراجم رجال إسناد أثر حذيفة في صلاته بالناس على دكان
قوله: [حدثنا أحمد بن سنان].
أحمد بن سنان ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة.
[وأحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي].
أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي ثقة، أخرج له أبو داود وحده.
[حدثنا يعلى].
هو يعلى بن عبيد الطنافسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن همام].
هو همام بن الحارث النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن حذيفة].
حذيفة
رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب
الكتب الستة، وأبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري أخرج له أصحاب
الكتب الستة.

(81/19)

شرح حديث: (إذا أمَّ الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا حجاج عن ابن جريج
أخبرني أبو خالد عن عدي بن ثابت الأنصاري حدثني رجل أنه كان مع عمار بن
ياسر رضي الله عنه بالمدائن فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار وقام على دكان يصلي
والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة رضي الله عنه فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى
أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من
مقامهم) أو نحو ذلك؟ قال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي].
أورد أبو
داود رحمه الله حديث حذيفة وحديث عمار رضي الله تعالى عنهما وفيه: أن
عماراً رضي الله عنه صلى بالمدائن على مكان مرتفع فوق المأمومين، فجذبه
حذيفة، وفي هذا الحديث أن حذيفة هو الجاذب، وفي الحديث الأول أنه هو
المجذوب؛ لأنه جذبه أبو مسعود وهو كان يعلم ذلك؛ لأنه قال: قد ذكرت حين
مددتني، فالحديث هو عن حذيفة وهو عن أبي مسعود، وهنا جاء أيضاً عن عمار وعن
حذيفة، وهو مثل الذي قبله يدل على ما دل عليه، ومقتضاه هو نفس مقتضى
الحديث السابق.
وقوله: (حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن
فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم
حذيفة فأخذ على يديه)] يعني: أنه لم يقف، وإنما تبعه واستسلم ورجع.
قوله:
[فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم
تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أم الرجل القوم فلا يقم في
مكان أرفع من مقامهم، أو نحو ذلك، قال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذت على
يدي)].
وهذا فيه أن الإمام لا يتخذ له مكاناً أو يخصص له مكاناً عالياً مرتفعاً يصلي فيه فوق الناس، والناس وراءه منخفضون وإنما يكون مثلهم.

(81/20)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أمَّ الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم)
قوله: [حدثنا أحمد بن إبراهيم].
هو أحمد بن إبراهيم الدورقي وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا حجاج].
هو حجاج بن محمد المصيصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني أبو خالد].
يحتمل أن يكون أبو خالد الدالاني وإلا فمجهول، والدالاني صدوق كثير الخطأ، أخرج له أصحاب السنن.
أما هذا الرجل المجهول فأخرج له أبو داود وحده.
[عن عدي بن ثابت الأنصاري].
عدي بن ثابت الأنصاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني رجل].
وهو مجهول، وفي المبهمات قال: كأنه همام ولعله يقصد همام بن الحارث النخعي الذي في الإسناد الأول، والحديث صحيح ثابت.
[أنه كان مع عمار بن ياسر].
حذيفة مر ذكره، وعمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(81/21)

ما جاء في إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة
(81/22)

شرح حديث: (أن معاذاً كان يصلي مع رسول الله العشاء ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة:
حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان
حدثنا عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن معاذ بن
جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يأتي قومه فيصلي
بهم تلك الصلاة).
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر
بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (إن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله
عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة
وهي: [باب إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة] يعني: أنه صلى الفرض من
قبل، ثم بعد ذلك صلى بالناس إماماً، فهو متنفل وهم مفترضون.
أورد أبو
داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه
وسلم صلاة العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة) يعني: الصلاة
التي صلاها مع الرسول صلى الله عليه وسلم هي الفرض، ومن المعلوم أنه يؤدي
الفرض أولاً ثم يذهب ويصلي بقومه تلك الصلاة وهو متنفل، وهو دليل على جواز
ائتمام المفترض بالمتنفل، وسبق أن مر أن من أدلته قصة عمرو بن سلمة وهو أنه
كان يصلي بهم وهو صغير وهو متنفل وهم مفترضون.
وبعض العلماء قال: إن
الصلاة التي صلاها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النافلة وهذه هي
الفريضة، ولكن هذا بعيد جداً؛ لأن معاذاً رضي الله عنه لم يكن ليترك الفرض
في هذا المسجد مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خير المساجد بعد المسجد
الحرام، وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو خير البشر عليه الصلاة
والسلام، ثم يدخر صلاة الفرض بأن يصليها مع قومه، بل الذي لا إشكال فيه أن
صلاته بهم وهو متنفل وهم مفترضون، فيصح ائتمام المفترض بالمتنفل.

(81/23)

تراجم رجال إسناد حديث: (أن معاذاً كان يصلي مع رسول الله العشاء ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة].
هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عجلان].
محمد بن عجلان صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبيد الله بن مقسم].
عبيد الله بن مقسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن جابر بن عبد الله].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار].
عمرو بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمع جابر بن عبد الله].
جابر مر ذكره.

(81/24)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:14 pm

اقتباس :


الأسئلة
(81/25)

وجه قول المحشي: في إسناده رجل مجهول.
على الحديث الأول في باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم

السؤال
استشكل تحشية المحشي على الحديث الأول في [باب الإمام يقوم مكاناً أرفع
من مكان القوم] قال: في إسناده رجل مجهول، والإسناد أحمد بن سنان وأحمد بن
الفرات، وهو مسلسل بالرواة إلى آخره، فما وجه قوله هذا؟

الجواب
الظاهر أنه وهم، والذي فيه مجهول هو الذي بعده، أما هؤلاء فليس فيهم
مجهول، بل كلهم معروفون، فالذي يبدو أنها جاءت خطأً في الموضع الأول.

(81/26)

حكم شراء الكفن من المدينة النبوية للتبرك

السؤال
هل يجوز شراء الكفن من المدينة، علماً بأن الناس في بلدي طلبوا مني أن أشتري لهم كفناً من المدينة؟

الجواب
الكفن الموجود في المدينة جاء من خارج المدينة، فكونه يشتري كفناً من
المدينة أو لا يشتري كفناً ليس هناك ميزة؛ لأن الكفن في المدينة ليس من
نتاجها، وليس هناك شيء يدل على ذلك، وليس المهم أن يأخذ الشخص كفناً من
المدينة أو غيرها وإنما المهم أن يقدم عملاً صالحاً؛ لأن هذا هو الذي
ينفعه، وهذا هو الذي يجده أمامه.

(81/27)

شرح سنن أبي داود [082]
على
المأموم أن يتابع الإمام، وألا يسابقه أو يوافقه أو يتأخر عنه، وإذا كان
المأموم واحداً فإنه يقف عن يمين الإمام مساوياً له لا متقدماً عليه ولا
متأخراً عنه.

(82/1)

ما جاء في الإمام يصلي من قعود
(82/2)

شرح حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يصلي من قعود.
حدثنا
القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ركب فرساً فصُرع عنه، فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو
قاعد، وصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: إنما جُعل الإمام ليؤتم به،
فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا
قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا
جلوساً أجمعون)].
قوله: [باب الإمام يصلي من قعود].
يعني: الإمام إذا
صلى قاعداً كيف يصلي وراءه المأمومون؟ هل يصلون قعوداً أو يصلون قياماً؟
هذه المسألة اختلف فيها العلماء: فمنهم من قال: يصلون قعوداً أخذاً بحديث
أنس هذا وغيره من الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وصلى
معه جماعة من أصحابه قعوداً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل
الإمام ليؤتم به) وفي آخر الحديث قال: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً
أجمعون).
ومن أهل العلم من قال: إذا صلى قاعداً فإنهم يصلون قياماً ولا
يصلون قعوداً، واستدلوا على ذلك بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في آخر صلاة صلاها بأصحابه، فإنه صلى بهم وهو جالس، وكان أبو بكر رضي الله
عنه قد بدأ الصلاة، ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم معه وهو في أولها،
فصار رسول الله عليه الصلاة والسلام هو الإمام وهو جالس، وأبو بكر عن يمينه
قائم، والناس قيام، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكبر ويكبر أبو بكر
بتكبيره، والناس يتّبعون تكبير أبي بكر رضي الله عنه.
قالوا: فهذه آخر
صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في الأحاديث الصحيحة
كحديث أنس وغيره من أنه صلى قاعداً وصلى وراءه قوم قعوداً، يكون المتأخر من
الأحاديث ناسخاً للمتقدم.
ومعنى هذا أن الإمام إذا صلى قاعداً فالذين
وراءه يصلون قياماً ولا يصلون قعوداً؛ استناداً إلى ما جاء عنه صلى الله
عليه وسلم أنه في آخر صلاة صلّاها بأصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وهو
جالس وصلوا وراءه قياماً.
ومن أهل العلم من ذهب إلى الجمع بين
الأحاديث، بأنه إذا كان بدأ الصلاة قاعداً فإنهم يصلون وراءه قعوداً، وهذا
هو الذي تدل عليه الأحاديث التي أوردها أبو داود في هذا الباب، كحديث أنس
وعائشة وغيرهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعداً وصلى وراءه قوم
قعوداً)، وأما إذا كانوا قد دخلوا في الصلاة وهم قيام، وإمامهم صلى قاعداً،
كما جاء في قصة صلاته صلى الله عليه وسلم حيث جاء الرسول صلى الله عليه
وسلم، وكبّر وصار هو إمام الناس، فالقيام في الركعة الأولى حصل مع أبي بكر
رضي الله عنه وهو إمامهم، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس عن
يسار أبي بكر، وصار يكبّر، وأبو بكر يكبّر بتكبيره، والناس يكبرون بتكبير
أبي بكر.
وبهذا جمع بعض أهل العلم بين هذه الأحاديث.
والذي ينبغي أن
الإمام إذا كان لا يستطيع أن يصلي بالناس إلا وهو جالس، فإن الأولى في حقه
أن يمكّن غيره من الصلاة ويصلي هو وراءه قاعداً، فيكون في هذا احتياط في
الدين وخروج من الخلاف.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام ركب فرساً فصرع عنه فجُحِش شقه الأيمن)].
يعني: أنه حصل له خدش أو حك وتألم منه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يستطع بسبب ذلك أن يصلي قائماً.
وجاء
في بعض الروايات: (أنه انفكت قدمه) كما سيأتي، ويمكن أن يكون الاثنان حصلا
جميعاً، وأن تكون القصة واحدة، وإنما أحد الرواة ذَكَر بعض ما حصل، والآخر
ذكر بعض ما حصل، فيكون كل ما جاء في الروايات قد حصل.
ومنهم من قال: إنهما واقعتان، الأولى: التي فيها ذكر انفكاك القدم، والثانية: التي فيها أن شقه الأيمن قد جُحش، أي: خدش.
قوله: [(فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعوداً)].
يعني:
أن الصحابة صلوا بصلاته صلى الله عليه وسلم وهو قاعد، وصلوا وراءه وهم
قعود، وقد جاء في بعض الروايات أنه أشار إليهم أن يجلسوا، وقال: (إن كدتم
أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رءوس ملوكهم وهم جلوس).
فالشاهد: أنه أشار إليهم أن يجلسوا فجلسوا، وكانوا يصلون بصلاته وهو قاعد وهم قعود.
قوله: [(فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به)].
أي:
فلما فرغ من صلاته قال لهم: (إنما جُعل الإمام ليؤتّم به) يعني: أن
المقصود من الإمام أنه يؤتم به ويقتدى به، ثم بيّن عليه الصلاة والسلام
كيفية الاقتداء بالإمام فقال: (فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)، أي: إذا صلى
الإمام قائماً، فصلّوا أنتم معه قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا معه
قعوداً.
قوله: [(وإذا ركع فاركعوا)].
أي: بعد أن يأخذ في الركوع
فتابعوه، ولا تسبقوه ولا تتأخروا عنه، ولا توافقوه بأن يكون ركوعكم مع
ركوعه في آن واحد، بل هو يتقدمكم، بحيث تركعون معه إذا أخذ في الركوع
واستقر في الركوع، وليس المقصود أنه إذا فرغ من الركوع.
فإذاً: على
الإنسان إذا كان يرى الإمام قد استقر راكعاً فإنه يتابعه، وإذا كان لا يراه
وسمع صوته قد انقطع بالتكبير، فإنه يهوي إلى الركوع.
قوله: [(وإذا رفع فارفعوا)].
أي:
وإذا رفع من الركوع فارفعوا، وهو كالركوع، فلا تسابقوه ولا توافقوه ولا
تتأخروا عنه؛ لأن أحوال المأمومين مع الإمام في الائتمام أربع حالات:
مسابقة، وتأخر، وهذان متقابلان، وقد نُهي عنهما.
ثم موافقة: وهي أن توافق حركة المأموم حركة الإمام، بحيث لا يسبق أحدهما الآخر، وهذه منهي عنها.
الحالة الرابعة: المتابعة، وهي المشروعة التي بيّنها صلى الله عليه وسلم بقوله: (وإذا ركع فاركعوا).
قوله: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)].
يعني:
أنهم يفعلون مثل ما يفعل الإمام، فيكبرون كما يكبر، ويركعون كما يركع،
ويسجدون كما يسجد، ويقولون مثل ما يقول بالنسبة للتكبير، مثل: تكبيرة
الإحرام وتكبيرات الانتقال؛ لأن كل أحوال الصلاة في الانتقال ليس هناك إلا
التكبير، إلا عند الرفع من الركوع فإنه يقول فيه الإمام والمنفرد: سمع الله
لمن حمده، وأما المأموم فيقول: ربنا ولك الحمد؛ لأنه عليه الصلاة والسلام
قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) ومعناه: أنتم
تقولون شيئاً، وهو يقول شيئاً آخر، فلا توافقوه فيما يقول في هذه الحالة،
وهذا هو الذي يدل عليه هذا الحديث، والدلالة واضحة.
وبعض أهل العلم قال:
إن المأموم يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقول: ربنا ولك الحمد، ويستدل على
ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلّوا كما رأيتموني أصلي)، وهو يقول:
سمع الله لمن حمده، فمن وراءه يقول: سمع الله لمن حمده.
فنقول: لكن
الرسول صلى الله عليه وسلم قد بيّن في هذا الحديث أن المأموم لا يقول: سمع
الله لمن حمده، حيث أنه ذكر ما يفعله الإمام وما يفعله المأموم، وما يقوله
الإمام وما يقوله المأموم، ولم يذكر أن المأموم يقول كما يقول الإمام عند
قول: سمع الله لمن حمده، وإنما يقول المأموم: ربنا ولك الحمد، وهذا الذي
يقتضيه الحديث، وهو نصّ في المقصود والمطلوب.
وأما حديث: (صلّوا كما
رأيتموني أصلي)، وهو الذي استدل به بعض أهل العلم على أن المأموم يقول: سمع
الله لمن حمده، فأخرج منه ذلك بهذا البيان، مثل قول الرسول صلى الله عليه
وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) لكن عند قوله: حي على
الصلاة، حيّ على الفلاح جاء أنه لا يقول مثلما يقول المؤذن، وإنما يقول: لا
حول ولا قوة إلا بالله، فهذا من جنس الأول، فهو مستثنى بقوله صلى الله
عليه وسلم: (فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد).
قوله: [(وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)].
وهذا سبقت الإشارة إليه وهو المقصود من الترجمة.

(82/3)

تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب
المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب
الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس
بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد
السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وابن شهاب
من صغار التابعين، وأنس رضي الله عنه من صغار الصحابة، ولذلك يوجد من صغار
التابعين من يروي عن بعض صغار الصحابة؛ لأن صغار التابعين أدركوا صغار
الصحابة الذين تأخرت وفاتهم.

(82/4)

شرح حديث: (إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ووكيع عن
الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: (ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً
بالمدينة فصرعه على جِذم نخلة، فانفكت قدمه فأتيناه نعوده، فوجدناه في
مشربة لـ عائشة يسبِّح جالساً، قال: فقمنا خلفه فسكت عنا، ثم أتيناه مرة
أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالساً، فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا، قال:
فلما قضى الصلاة قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا صلى الإمام
قائماً فصلّوا قياماً، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها)].
أورد
أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وفيه أن الرسول صلى الله
عليه وسلم صرعه فرسه على جذم نخلة، يعني: على أصلها أي جذعها، فانفكت قدمه،
وهذا فيه أن القدم انفكت، والحديث الأول فيه: أن شقه الأيمن جُحش، يعني:
خُدش، وعرفنا أن كلاً من الراويين ذكر شيئاً مما حصل للرسول صلى الله عليه
وسلم.
ومن أهل العلم من قال: يحتمل أن تكون واقعتين مختلفتين.
في هذا
الحديث أنهم جاءوا ووجدوه يسبّح، يعني: يصلي نافلة؛ لأن النافلة يقال لها:
سُبحة، ومنه الحديث الذي فيه: (ولم يسبّح بينهما)، يعني: أنه بين الصلاتين
التي يُجمع بينهما كالظهر والعصر، أو المغرب والعشاء لم يكن يتنفل بينهما.
قوله: [(يسبح جالساً)] يعني: يصلي جالساً.
قوله: [(فقمنا خلفه)]، أي: يصلون.
قوله: [(فسكت)]، يعني: لم ينههم عن ذلك.
قوله:
[(ثم أتيناه مرة أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالساً، فقمنا خلفه فأشار إلينا
فقعدنا، فلما قضى الصلاة قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا
صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً)] يعني: تابعوا الإمام في جلوسه وفي قيامه.
قوله: [(ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها)].
يعني:
أنهم يقومون على رءوسهم وهم جلوس، وقد جاء في صحيح مسلم: (إن كدتم آنفاً
أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على رءوس ملوكهم وهم قعود).
وهذا فيه
دليل على أن القيام على الرؤساء والملوك لا يجوز، إلا فيما إذا كان يحضره
العدو من أجل يرى هيبة احتفائهم بالإمام واهتمامهم بالإمام؛ لأن هذا حصل في
صلح الحديبية لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً والمغيرة بن
شعبة قائم على رأسه.
فهذا يدل على أنه إذا حصل مثل ذلك لا بأس به، ولكن كونه يتخذ ذلك ديدناً وطريقة فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر هذا.
وهو
يدل على أن الإمام إذا صلى قاعداً فالناس يصلون وراءه قعوداً، وجاء أنه في
المكتوبة، أما بالنسبة للنافلة فقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت
عنهم، فجاء أنهم صلوا بعده الصلاة جلوساً في المكتوبة، والمكتوبة أهم من
النافلة، مع أن النافلة يجوز أن تصلى عن قعود ولو كان الإنسان قادراً، وقد
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الجالس على النصف من صلاة
القائم) يعني: إذا جلس وهو يقدر على القيام.
إذاً: فكون الرسول صلى الله
عليه وسلم صلى بهم جالساً في المكتوبة وهي أهم من النافلة دل ذلك على صحة
ذلك، وفيه الكلام الذي ذكرته فيما مضى من أن بعض أهل العلم ذهب إلى أنهم
يصلون جلوساً وبعضهم قال: يصلون قياماً، وبعضهم يقول: يفصل بين بدئهم
الصلاة قياماً وبدئهم الصلاة جلوساً، فإذا بدءوا الصلاة جلوساً يستمرون
جلوساً، وإذا بدءوا الصلاة قياماً يتمون الصلاة قياماً تبعاً للإمام.

(82/5)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ووكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سفيان].
هو طلحة بن نافع وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم.

(82/6)

شرح حديث: (وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم المعنى عن
وهيب عن مصعب بن محمد عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبروا، ولا
تكبّروا حتى يكبّر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع
الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، قال مسلم: ولك الحمد، وإذا
سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى
قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون).
قال أبو داود: اللهم ربنا لك الحمد، أفهَمَني بعض أصحابنا عن سليمان].
أورد
أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وهذه قضية عامة ما بعدها كله
تفسير لها.
ثم إن متابعة الإمام والائتمام إنما يكون في التقدم والتأخر
والركوع والسجود، وكذلك في الجلوس والقيام، وأما الأمور الأخرى التي هي سنن
ومستحبات فالإنسان يفعل السنة، وسواء فعلها الإمام أو لم يفعلها، فإذا كان
بعض الأئمة لا يرفع يديه عند التكبير عند الركوع والرفع منه والقيام من
التشهد الأول فالمأموم له أن يرفع يديه؛ لأن هذه سنة سنها رسول الله صلى
الله عليه وسلم، والإمام لا ينبغي له أن يتركها، فمثل هذه الأمور لا يقال:
إن الإنسان يتابع إمامه؛ لأن هذا يلزم منه أنه يعرف طريقة إمامه قبل أن
يصلي وراءه، وهل يفعلها أو لا يفعلها.
فإذاً: المتابعة إنما تكون بالقيام والقعود والركوع والسجود وما إلى ذلك.
قوله:
[(فإذا كبر فكبروا)] يعني: إذا كبر الإمام للإحرام أو كبر للانتقال عند كل
خفض ورفع فإنه يكبر بتكبيره المأموم، إلا عند الرفع من الركوع فإن الإمام
يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، وكذلك أيضاً
الإمام يقول: ربنا ولك الحمد.
فإذاً: المفهوم من قوله: (إذا كبر فكبروا)
يعني: أنهم لا يسبقونه وأنهم يكبرون وراءه، فأكد ذلك بقوله: (ولا تكبروا
حتى يكبر) وهو لو لم يأت بهذه الجملة لكان قوله: (إذا كبر فكبروا) كافياً،
لكن هذا زيادة تأكيد، ولهذا بعض الأحاديث التي مرت: (إذا ركع فاركعوا) وليس
فيها: (ولا تركعوا حتى يركع) وكذلك: (وإذا سجدوا فاسجدوا) وليس فيها: (ولا
تسجدوا حتى يسجد) يعني: أن هذا من باب التأكيد.
قوله: [(وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع)].
نعم مثله.
قوله: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، قال مسلم: ولك الحمد)].
أي:
أن قوله: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد) من
طريق سليمان بن حرب شيخه الأول، وقوله: (اللهم ربنا ولك الحمد) من طريق
مسلم بن إبراهيم.
قوله: [(وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)].
هذه الجملة الأخيرة هي محل الشاهد للترجمة.
[قال أبو داود: (اللهم ربنا لك الحمد، أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان)].
يعني:
لما ذكر أبو داود الحديث من طريق شيخيه: سليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم،
وكان قد أخذ عن شيخيه لفظ الحديث كاملاً، إلا أنه في روايته عن سليمان بن
حرب شيخه الأول لم يضبط لفظ: (اللهم ربنا لك الحمد)، إما أن يكون ما سمعها،
أو أنه سمع منه ولكنه لم يفهمه فأفهمه بعض أصحابه الذين كانوا يتلقون معه
من شيخهم سليمان بن حرب، وقال: إنه قال كذا، وهذا من الاحتياط والتوقي
والإتقان والعناية من أبي داود رحمه الله.

(82/7
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:16 pm

اقتباس :


تراجم رجال إسناد حديث: (وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومسلم بن إبراهيم].
مسلم بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى].
يعني: المعنى واحد، والألفاظ مختلفة.
[عن وهيب].
هو وهيب بن خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مصعب بن محمد].
مصعب بن محمد لا بأس به، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي صالح].
هو أبو صالح ذكوان السمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو
عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد
السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه
الأحاديث الثلاثة التي مرّت عن أنس، وعن جابر، وعن أبي هريرة، هؤلاء
الثلاثة كلّهم من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم.

(82/Cool

شرح حديث (وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) من طريق أخرى
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن آدم المصيصي حدثنا أبو خالد عن
ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، بهذا الخبر، زاد (وإذا قرأ
فأنصتوا).
قال أبو داود: وهذه الزيادة: (إذا قرأ فأنصتوا) ليست بمحفوظة، الوهم عندنا من أبي خالد].
أورد
أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيها
زيادة: (وإذا قرأ فأنصتوا) قال أبو داود: وهذه الزيادة غير محفوظة والوهم
فيها عندنا من أبي خالد الذي هو أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان شيخ شيخه،
ولكن المنذري تعقب هذا وقال: إن هذا فيه نظر؛ لأن أبا خالد الأحمر قد توبع
على ذلك، وقد جاء من حديث آخر غير هذا الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (وإذا قرأ فأنصتوا)، وقد جاء عن مسلم رحمه الله أنه سئل عن حديث
سليمان بن طرخان التيمي الذي فيه: (وإذا قرأ فأنصتوا) أليس هذا بصحيح؟
فقال: نعم صحيح، قالوا: لماذا لم تضعه في الصحيح، قال: ليس كل حديث صحيح
وضعته، فهو حكم بصحته وأشار إلى ذلك في صحيحه عندما سئل عنه، وكما هو معلوم
أن البخاري ومسلماً لم يلتزما أن يخرجا كل حديث صحيح، وما أكثر الأحاديث
الصحيحة التي لم يخرجها الشيخان.
وعلى هذا فالحديث من حديث أبي هريرة
وغيره، وجاء أيضاً من حديث أبي خالد، وقد توبع جاء من طريق سليمان بن طرخان
التيمي الذي حكم مسلم بصحته، وقال: إنه صحيح، ثم أيضاً هو المطابق للفظ
القرآن: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204] فالإنصات مطلوب، من الإنسان عندما
يقرأ الإمام في الصلاة، ولكن يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فإن الصحيح أن
المأموم يقرأ الفاتحة، والإمام يقرأ السورة، وهذه مستثناة؛ لأن النبي صلى
الله عليه وسلم أشار إلى ذلك لما قال: (ما لي أنازع القراءة لا تفعلوا إلا
بفاتحة الكتاب) يعني: لا تقرءوا والإمام يقرأ إلا بفاتحة الكتاب، فهذا يدل
على أن فاتحة الكتاب مستثناة، وأما غير فاتحة الكتاب فعلى المأموم أن ينصت
ولا يقرأ شيئاً.

(82/9)

تراجم رجال إسناد حديث (وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا محمد بن آدم المصيصي].
هو محمد بن آدم المصيصي الجهني وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[حدثنا أبو خالد].
هو أبو خالد الأحمر واسمه سليمان بن حيان وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن زيد بن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح عن أبي هريرة].
أبو صالح وأبو هريرة قد مر ذكرهما.

(82/10)

شرح حديث (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بيته وهو جالس، فصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا،
فلما انصرف قال: إنما جُعل الإمام ليؤتّم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع
فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلّوا جلوساً)].
أورد أبو داود حديث عائشة
وهو مثل ما تقدم من الأحاديث في ائتمام المأمومين بالإمام ومتابعتهم له
وعدم مسابقتهم له، وأنه إذا صلى جالساً يصلون جلوساً.
وعائشة من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذاً: مر بنا أربعة رواة في هذا الباب كلهم من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(82/11)

تراجم رجال إسناد حديث (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً)
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي مر ذكره.
[عن مالك].
مالك مر ذكره.
[عن هشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها.
قوله: [(صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته)].
الذي يبدو أنها المشربة التي في بيتها؛ لأن المشربة هي الحجرة والغرفة.

(82/12)

شرح حديث: (اشتكى النبي فصلينا وراءه وهو قاعد)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب
المعنى أن الليث حدثهم عن أبي الزبير عن جابر قال: (اشتكى النبي صلى الله
عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يكبر ليسمع الناس تكبيره) ثم
ساق الحديث].
أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما قال: [(اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو
بكر يكبر ليسمع الناس تكبيره)] يعني: هذا الذي يبدو أنه المتعلق بصلاته في
بيته، وليس الذي فيه أنه لما كان مريضاً؛ لأن هذا الحديث الذي هو عن جابر
فيه أنهم يصلون جلوساً، وأما حديث صلاته في مرض موته فقد صلوا وراءه قياماً
ولم يصلوا وراءه جلوساً، فالذي يبدو أن هذا الذي حصل كان في بيته، وجابر
رضي الله عنه سبق أنه روى الحديث لكن ليس فيه ذكر أبي بكر.

(82/13)

تراجم رجال إسناد حديث: (اشتكى النبي فصلينا وراءه وهو قاعد)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ويزيد بن خالد بن موهب].
يزيد بن خالد بن موهب ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[المعنى أن الليث حدثهم].
هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله وقد مر ذكره.

(82/14)

شرح حديث: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبدة بن عبد الله أخبرنا زيد -يعني ابن
الحباب - عن محمد بن صالح حدثني حصين من ولد سعد بن معاذ عن أسيد بن حضير:
(أنه كان يؤمهم، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فقالوا: يا
رسول الله! إن إمامنا مريض، فقال: إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً).
قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بمتصل].
أورد
أبو داود رحمه الله حديث أسيد بن حضير رضي الله عنه وفيه: أنه كان مريضاً
وكان إمام قومه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم زارهم وقالوا: إن إمامنا
مريض، فقال: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً).
[قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بمتصل].
أي:
أن حصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ لم يدرك أسيد بن حضير فيكون
فيه انقطاع بين حصين هذا وبين أسيد بن حضير، لكن الحديث مطابق للأحاديث
المتقدمة فهو ثابت من غير هذا الطريق.

(82/15)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً)
قوله: [حدثنا عبدة بن عبد الله].
هو عبدة بن عبد الله الصفار وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[أخبرنا زيد يعني ابن الحباب].
زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن صالح].
هو محمد بن صالح الأزرق وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
أو محمد بن صالح بن دينار التمار مولى الأنصار.
أنا رأيت في تهذيب التهذيب أن زيد الحباب من شيوخه وكذا في تحفة الأشراف.
[حدثني حصين من ولد سعد بن معاذ].
حصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن أسيد بن حضير].
أسيد بن حضير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(82/16)

ما جاء في الرجلين يؤم أحدهما الآخر كيف يقومان
(82/17)

شرح حديث أنس: (أقامني عن يمينه على بساط)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان.
حدثنا
موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس: (أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم دخل على أم حرام فأتوه بسمن وتمر، فقال: ردّوا هذا في وعائه وهذا
في سقائه؛ فإني صائم، ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً، فقامت أم سليم وأم
حرام خلفنا، قال ثابت: ولا أعلمه إلا قال: أقامني عن يمينه على بساط)].
أورد أبو داود باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان.
يعني: موقف المأموم من الإمام كيف يكون؟
و
الجواب
أنه يكون عن يمينه مساوياً له ومسامتاً له ومحاذياً له، ولا يكون عن يساره ولا يكون وراءه، هذا هو الحكم.
أورد
أبو داود حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم زار أم
حرام بنت ملحان خالة أنس بن مالك رضي الله عنه فقدمت له تمراً وسمناً فقال:
ردوا هذا في وعائه).
يعني: التمر.
قوله: [(وردوا هذا في سقائه)] يعني: السمن.
قوله: [(ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً فقامت أم سليم وأم حرام خلفنا)].
يعني: أن أم حرام خالته صلت خلفهم كذلك أم سليم، وأنس رضي الله عنه صف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه.
قوله: [(قال ثابت: ولا أعلمه إلا قال: أقامني عن يمينه على بساط)].
يعني: أن موقف المأموم إذا كان واحداً يكون عن يمين الإمام، يكنّ صفاً وحدهن وراءهم.
وهذا الحديث يدل على جواز صلاة الجماعة في التطوع في بعض الأحيان وليس دائماً.

(82/18)

تراجم رجال إسناد حديث أنس: (أقامني عن يمينه على بساط)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا ثابت].
هو ثابت بن أسلم البناني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس وقد مر ذكره، وهذا الحديث من الرباعيات وهي أعلى ما يكون عند أبي داود.

(82/19)

شرح حديث أنس: (أن رسول الله أمّه وامرأة منهم فجعله عن يمينه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عبد الله بن
المختار عن موسى بن أنس يحدث عن أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أَمَّهُ وامرأة منهم، فجعله عن يمينه والمرأة خلف ذلك)].
أورد أبو داود
حديث أنس وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمه وامرأة منهم فكان أنس عن
يمينه والمرأة وراءهم) يعني: خلفهم صفاً وحدها، وهذا يدل على ما دل عليه
الحديث السابق على أن المأموم إذا كان واحداً يكون عن يمين الإمام، وأن
النساء يكن خلفهم، حتى وإن كانت امرأة واحدة فإنها تكون صفاً وحدها، ولا
تصف بجوار الرجال، حتى لو صلى رجل وامرأة فإنها تكون صفاً وراءه ولا تكون
بجواره، ولو كانت زوجته ولو كانت قريبته.
واستدل بعض أهل العلم بهذا
الحديث على أن المرأة لا يجوز أن تكون إمامة للرجال، وذلك أنها إذا لم يؤذن
لها بأن تكون صفاً معهم وقد يكونون من أقاربها، فمن باب أولى أنها لا تؤم
الرجال.

(82/20)

تراجم رجال إسناد حديث أنس: (أن رسول الله أَمّه وامرأة منهم فجعله عن يمينه)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن المختار].
عبد الله بن المختار لا بأس به وهي بمعنى صدوق، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[عن موسى بن أنس].
هو موسى بن أنس بن مالك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[يحدث عن أنس].
أنس قد مر ذكره.
هذا
الحديث في كون المرأة تكون صفاً وحدها يدل على أن قوله: (لا صلاة لمنفرد
خلف الصف) يكون في حق الرجال ولا يكون في حق النساء، بل المرأة تصلي وحدها
صفاً.

(82/21)

شرح حديث ابن عباس: (فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمينه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبد الملك بن أبي
سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال: (بِتُّ في بيت خالتي ميمونة، فقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فأطلق القربة فتوضأ ثم أوكأ القربة ثم
قام إلى الصلاة، فقمت فتوضأت كما توضأ، ثم جئتُ فقمت عن يساره فأخذني
بيمينه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمينه فصليت معه)].
أورد أبو داود
حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: أنه بات عند خالته ميمونة، وأن النبي
صلى الله عليه وسلم قام من الليل وأخذ ماء من القربة وتوضأ وشرع في الصلاة،
فقام ابن عباس وتوضأ وجاء وصف بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة
اليسار، فأداره الرسول صلى الله عليه وسلم عن يمينه، فهذا يدل على أن موقف
المأموم إذا كان واحداً يكون عن يمين الإمام، ويدل أيضاً على أن أقل
الجماعة اثنان، ويدل أيضاً على جواز صلاة النافلة جماعة، ويدل أيضاً على
أنه لا يلزم نية الإمامة عند بدء الدخول في الصلاة؛ لأن ابن عباس رضي الله
عنهما بعدما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة جاء ودخل معه، ولم
يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ناوياً أن يكون إماماً؛ لأن نية الإمامة ما
جاءت إلا بعدما وجد المأموم، وقبل ذلك لم يكن هناك مأموم وإنما دخل رسول
الله عليه الصلاة والسلام في الصلاة منفرداً، ثم وجدت الإمامة بعد ذلك لما
جاء المأموم، وأيضاً يدل على أن مثل تلك الحركة لا تؤثر.
كذلك يجوز التحول من مأموم إلى إمام، كإنسان فاتته الصلاة فوجد مسبوقاً يقضي الركعات التي فاتته فدخل معه.

(82/22)

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمينه)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك بن أبي سليمان].
عبد الملك بن أبي سليمان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.

(82/23)

شرح حديث ابن عباس من طريق أخرى
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه القصة قال: (فأخذ برأسي أو بذؤابتي
فأقامني عن يمينه)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم إلا أنه قال: (أخذ برأسي أو بذؤابتي) يعني: شعر رأسه.
قوله: [(فأقامني عن يمينه)] يعني: حوله من جهة اليسار إلى جهة اليمين.

(82/24)

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس من طريق أخرى
قوله: [حدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا هشيم].
هو هشيم بن بشير الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر].
هو جعفر بن إياس المشهور بـ ابن أبي وحشية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس قد مر ذكره.
هذا
يدل على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم صغارهم وكبارهم من
الحرص على معرفة السنن ومعرفة أحكام الشريعة ومتابعتهم الرسول صلى الله
عليه وسلم؛ ليعرفوا أفعاله حتى يتبعوه وحتى يسيروا على نهجه صلى الله عليه
وسلم، وابن عباس رضي الله عنهما مع كونه صغيراً فهو ممن كثر حديثه عن رسول
الله، وكذلك أنس.

(82/25)

شرح سنن أبي داود [083]
جاءت
الأحاديث بجواز مصافة الصبي المميز في الصلاة، أما المرأة فلا يجوز لها أن
تصف مع الرجال ولو كانت مع محارمها، ولو كانت مع رجل واحد فإنها تصف خلفه،
أما بالنسبة للإمام فإنه بعد أن يسلم ينحرف إلى جهة المأمومين ويستقبلهم
بوجهه، كذلك يستحب للإمام أن يتحول عن مكان الفريضة عند أداء النافلة، أما
المأموم فعليه أن يتابع الإمام ولا يسابقه ولا يتأخر عنه ولا يوافقه.

(83/1)

كيفية قيام الثلاثة في الصلاة
(83/2)

شرح حديث: (وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون.
حدثنا
القعنبي عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: (أن
جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه، ثم
قال: قوموا فلأصل لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس
فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم
وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثم انصرف صلى الله عليه وسلم)].
قوله: [باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون].
يعني: إذا كان المصلون ثلاثة كيف يصفون وراء الإمام؟ وإذا كان معهم نساء يصلين وراءهم.
أورد
أبو داود حديث أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم زار جدته مليكة وهي أم
سليم وهي جدة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أم أنس بن مالك رضي الله عنه،
فقدمت له طعاماً فأكل ثم قال: (قوموا فلأصلِّ لكم، فصلى بهم ركعتين، وكان
أنس واليتيم وراءه، والعجوز من ورائهم) وهذا فيما إذا كانوا ثلاثة فإنهم
يكونون خلف الإمام، حيث يصفّون صفّاً والنساء يكن من ورائهم.
وفي هذا
الحديث دليل على مصافة الصبي المميز، وأنه يمكن أن يكون مع واحد صفاً،
والمرأة إن كانت واحدة فهي تصف وراءهم، ولا تصف المرأة بجوار الرجال ولو
كانوا من ذوي محارمها، بل لو كان هناك رجل واحد وامراة وصليا جماعة فإن
الرجل يكون في الأمام والمرأة تكون وراءه ولا تصف عن يمينه، وإنما الذي يصف
عن يمينه الرجل.

(83/3)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:17 pm

اقتباس :

تراجم رجال إسناد حديث: (وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس
بن مالك رضي الله عنه هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد
السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا
الحديث من الرباعيات التي هي من أعلى الأسانيد عند أبي داود؛ لأن بين أبي
داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهم: القعنبي ومالك
وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وأنس بن مالك.

(83/4)

شرح حديث: (ثم قام فصلى بيني وبينه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله فعل)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن
هارون بن عنترة عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: (استأذن علقمة
والأسود على عبد الله وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية
فاستأذنت لهما فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبينه ثم قال: هكذا رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فَعَلْ)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه وفيه: أنه جاء إليه الأسود وعلقمة ودخلا عليه فصلى بهما
وكان بينهما، يعني: أن الإمام صار بين المأمومَيْن؛ لأن ابن مسعود جعل
واحداً عن يمينه والثاني عن شماله، وهذا يخالف ما تقدّم من الأحاديث التي
فيها أن الجماعة إذا كانوا ثلاثة فيتقدمهم واحد منهم، والاثنان يكونان
وراءه، حتى لو كان أحد الاثنين صبياً مميزاً فإنه يكون صفاً ويعتد به في
الصف.
وهذا الذي في الحديث مخالف لما تقدم، لكن حمله العلماء على واحد
من أمرين: الأول: إما أنه كان المكان ضيقاً، وليس هناك مجال لأن يتقدم
الإمام ويتأخر المأمومون.
الثاني: أن ذلك مما كان أولاً ثم نُسخ، مثل:
التطبيق الذي جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهو كون الإنسان في ركوعه لا
يجعل اليدين على الركبتين، وإنما يجمعهما ببعض ويجعلهما بين الفخذين، فهذا
يُسمى التطبيق، وقد جاء فيه أحاديث صحيحة ولكنه منسوخ، فيحتمل أن يكون هذا
مما أخذه أولاً ثم نسخ.
وعلى هذا لا يكون هناك مخالفة في صف الاثنين
وراء الإمام، بل السنة هي أن الاثنين فأكثر يصفون وراء الإمام، وما جاء
مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على أن المكان ضيق، أو أن الذي
أخذه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نسخ كما نُسخ التطبيق.

(83/5)

تراجم رجال إسناد حديث: (ثم قام فصلى بيني وبينه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله فعل)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا محمد بن فضيل].
هو محمد بن فضيل بن غزوان وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هارون بن عنترة].
هارون بن عنترة لا بأس به، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن عبد الرحمن بن الأسود].
هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه هو الأسود بن يزيد بن قيس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[استأذن علقمة والأسود على عبد الله].
هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(83/6)

ما جاء في الإمام ينحرف بعد التسليم
(83/7)

شرح حديث: (صليت خلف رسول الله فكان إذا انصرف انحرف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام ينحرف بعد التسليم.
حدثنا
مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود
عن أبيه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم، فكان إذا انصرف
انحرف)].
قوله: [باب الإمام ينحرف بعد التسليم].
أي: ينحرف إلى جهة
المأمومين ويستقبلهم بوجهه، ولا يبقى إلى جهة القبلة إلا بمقدار ما يقول:
أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم! أنت السلام، ومنك السلام،
تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
وهذا هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا: فالانصراف لا يكون بعد التسليم مباشرة.
والحكمة في هذا تظهر في عدة أمور ذكرها العلماء وهي: أولاً: القبلة إنما هو من أجل الصلاة، ولما فرغت الصلاة انتهت المهمّة.
ثانياً:
لو استمر الإمام إلى جهة القبلة فقد يأتي البعض متأخراً والإمام مستقبل
القبلة فيظن أن الصلاة ما فُرغ منها، ولكنه بانصرافه وباتجاهه إلى
المأمومين يُعلم بأن الصلاة قد انتهت.
والسنة قد جاءت عن رسول الله عليه
الصلاة والسلام بالكيفية التي ذكرنا، فيقتدي الإمام بالنبي الكريم عليه
الصلاة والسلام فيما جاء به.
أورد أبو داود حديث يزيد بن الأسود رضي
الله عنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا انصرف
انحرف) أي: إذا انصرف من الصلاة فإنه ينحرف إلى جهة المأمومين.
والانصراف يطلق على الفراغ من الصلاة، كما في الحديث: (لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف) يعني: ولا بالسلام.
وقد
جاء أنه كان يقول قبل أن ينحرف: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله،
اللهم! أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام).

(83/Cool

تراجم رجال إسناد حديث: (صليت خلف رسول الله فكان إذا انصرف انحرف)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني يعلى بن عطاء].
يعلى بن عطاء ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم، وأصحاب السنن.
[عن جابر بن يزيد بن الأسود].
جابر بن يزيد بن الأسود صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبيه].
هو يزيد بن الأسود وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي.

(83/9)

شرح حديث: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحببنا أن نكون عن يمينه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا أبو أحمد الزبيري
حدثنا مسعر عن ثابت بن عبيد عن عبيد عن البراء بن عازب قال: (كنا إذا صلينا
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، فيُقبِل علينا
بوجهه صلى الله عليه وسلم).
ثم أورد أبو داود حديث البراء بن عازب وفيه
أنهم كانوا يحبون أن يكونوا عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة،
وقصدهم من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقبل
عليهم؛ لأنه كان إذا سلَّم انصرف إلى جهة اليمين، بمعنى أنه ينحرف إلى جهة
يساره فيكون أول من يرى الذين هم عن يمينه.
وهذا الحديث فيه: أنه كان ينصرف إلى جهة المأمومين، وهذا محل الشاهد من الترجمة.

(83/10)

تراجم رجال إسناد حديث: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحببنا أن نكون عن يمينه)
قوله: [حدثنا محمد بن رافع].
هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا أبو أحمد الزبيري].
هو محمد بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مسعر].
هو مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت بن عبيد].
ثابت بن عبيد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبيد].
هو عبيد بن البراء بن عازب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن البراء بن عازب].
البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(83/11)

حكم الإمام يتطوع في مكانه
(83/12)

شرح حديث: (لا يصل الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يتطوع في مكانه.
حدثنا
أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا عبد العزيز بن عبد الملك القرشي حدثنا عطاء
الخراساني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
يصلِّ الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول).
قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة].
قوله: [باب الإمام يتطوع في مكانه].
يعني:
أنه لا يتطوع في موضع المكتوبة، وإنما عليه أن يتحول إلى مكان آخر، ولكنه
عند الحاجة لا بأس بذلك، وكذلك المأموم، فإنه عند الحاجة يتطوع في مكان
المكتوبة، ولكن التحول أولى؛ لأنه قد جاء ما يدل على ذلك؛ ولأن فائدة ذلك:
أن تشهد له البقاع والأماكن المتعددة، فإن البقاع تشهد على ما يحصل عليها،
ومما جاء في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}
[الزلزلة:4] يعني: تشهد على ما فُعِلَ على ظهرها من خير أو شر.
وكذلك جاء في العيدين أن الإنسان يذهب من طريق ويعود من طريق آخر، قالوا: ليشهد له الطريق الذي خرج منه والطريق الذي رجع منه.
أورد
أبو داود حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (لا يصل الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول).
يعني: لا يصلي النافلة في مكان الفريضة حتى يتحول إلى مكان آخر.
والحديث هذا الذي أورده المصنف فيه انقطاع، وفيه أيضاً مجهول.

(83/13)

تراجم رجال إسناد حديث: (لايصل الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول)
قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع].
هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا عبد العزيز بن عبد الملك القرشي].
وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[حدثنا عطاء الخراساني].
عطاء الخراساني وهو صدوق يَهِم كثيراً ويرسل ويدلس، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
وهذا الحديث مرسل؛ لأن عطاءً لم يدرك المغيرة، ولهذا قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة.
وقالوا: إنه ولد في السنة التي مات فيها المغيرة.
وعلى هذا فالحديث فيه مجهول وفيه انقطاع.
[عن المغيرة بن شعبة].
المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(83/14)

الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر ركعة
.

(83/15)

شرح حديث: (إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإمام يُحْدِث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة.
حدثنا
أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن
بن رافع وبكر بن سوادة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: (إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته،
ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة)].
قوله: [باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه من آخر الركعة].
يعني:
إذا انتهى من الركعة الأخيرة سواء كانت ثانية أو ثالثة أو رابعة، فإذا حصل
منه حدث أو كلام بعد ذلك فمعناه أن صلاته تّمّت، وكذلك الذين دخلوا معه من
أول الصلاة تكون صلاتهم قد تمّت، أما من كان مسبوقاً فإنه يقوم ويقضي ما
فاته.
وفيه: أن التشهد ليس بلازم، وكذلك الصلاة على الرسول صلى الله
عليه وسلم، ومن المعلوم أن التشهد ركن، وأن الصلاة على النبي صلى الله عليه
وسلم في التشهد ركن من أركان الصلاة، ولكن الذي جاء عن الأحناف أنه إذا
فرغ من التشهد فأحدث قبل أن يُسلّم فإن صلاته صحيحة، ولكن الحديث الذي
سيأتي بعد هذا يدل على أنه لا ينتهي من الصلاة إلا بالتسليم، وأنه لو أحدث
قبل أن يُسلّم فصلاته باطلة، وأن عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة؛ لأن الصلاة
لا تتم إلا بالتسليم، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فكما لا يدخل في الصلاة إلا بالتكبير،
فلا تنتهي الصلاة إلا بالتسليم.
وهذا الحديث ضعيف ولا يُعَوّل عليه.

(83/16)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم].
هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن عبد الرحمن بن رافع].
عبد الرحمن بن رافع ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[وبكر بن سوادة].
بكر بن سوادة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وفي
الإسناد عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف، وفيه عبد الرحمن
بن رافع، لكن لا يؤثر؛ لأنه مقرون بثقة، والحديث لم يأت عنه وحده، وإنما
جاء عنه وعن بكر بن سوادة، وبكر بن سوادة ثقة، فهو الذي يعوّل عليه، ولكن
الإشكال في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، فإنه ضعيف ولا يحتج به.

(83/17)

شرح حديث: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن
ابن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها
التسليم)].
أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله
عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (مفتاح الصلاة الطهور) يعني: الطهور
أول أعمالها؛ لأنه لابد لمن أراد الصلاة أن يبدأ بالوضوء وهو شرط من شروط
الصلاة، كما في الحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)،
وهذا الطهور هو الماء أو ما يقوم مقامه الذي هو التيمم.
قوله:
[(وتحريمها التكبير)] يعني: أن الإنسان قبل أن يقول: الله أكبر ويدخل في
الصلاة فإنه يحل له الأكل والشرب والكلام والالتفات، فإذا قال: الله أكبر،
حرمت عليه الأشياء التي كانت حلالاً له قبل تكبيرة الإحرام، وهذا مثله لو
أن الإنسان أحرم بحج أو عمرة فإنه تحرم عليه الأشياء التي كانت حلالاً له
قبل ذلك الإحرام.
قوله: [(تحريمها التكبير)] يدلنا على أن الصلاة لا
يدخل فيها إلا بالتكبير، وأنه لا يجوز أن يؤتى بلفظ آخر غير التكبير، فلا
يجوز أن يقول: الله أجل، أو الله أعظم، أو الله أكرم وما إلى ذلك؛ لأن
الرسول صلى الله عليه وسلم حصر ذلك بلفظ: الله أكبر، كما في الحديث: (إذا
كبّر -يعني: الإمام- فكبروا).
قوله: [(وتحليلها التسليم)].
يعني:
الخروج والفراغ منها يكون بالتسليم، وأما قبل التسليم فإن الإنسان لا زال
في الصلاة, وهذا يعارض ما تقدم في الحديث السابق الذي هو غير صحيح، وكذلك
يعارض ما جاء عن الحنفية: أنه إذا لم يبق إلا التسليم وقد أتى المصلي
بالتشهد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وحصل أنه أحدث فإن صلاته
تكون قد تمت وهي صحيحة، وأن بوسعه أن يخرج منها بغير التسليم.
فهذا الحديث حجة عليهم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (وتحليلها التسليم).

(83/18)

تراجم رجال إسناد حديث: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
قد مرّ ذكره.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو الثوري، وقد مرّ ذكره.
[عن ابن عقيل].
هو
عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب وهو صدوق في حديثه لين، وحديثه
أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن محمد بن الحنفية].
هو محمد بن علي بن أبي طالب، المشهور بـ ابن الحنفية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي].
هو
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين،
صاحب المناقب الجمّة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند
أصحاب الكتب الستة.

(83/19)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:19 pm

اقتباس :

ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام
(83/20)

شرح حديث: (لا تبادروني بركوع ولا بسجود)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام.
حدثنا
مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز
عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
تبادروني بركوع ولا بسجود، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا
رفعت؛ إني قد بدنت)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب ما يؤمر به المأموم من متابعة الإمام.
يعني: كونه يأتي بالأفعال بعد الإمام.
الحالات
التي تكون بين الإمام والمأموم من حيث متابعته أربع حالات: مسابقة, وتخلف،
وموافقة، ومتابعة, فهذه الأربع الحالات تجري من المأموم مع الإمام، فإما
أن يسابق المأموم الإمام أو يتخلف عنه أو يتابعه أو يوافقه، والمسابقة
والتخلف والموافقة كلها لا تفعل، وقد قال العلماء: إن المسابقة والتخلف
محرمة؛ لأنها تنافي الائتمام، وأما الموافقة فهي مكروهة وأما المتابعة فهي
سنة.
والمسابقة: هي أن يركع قبل ركوع الإمام.
والتخلف: أن يتخلف عن الإمام بأن يفرغ الإمام من الركوع وهو لم يركع.
والموافقة: النزول مع الإمام تماماً لا يتقدم ولا يتأخر.
المتابعة:
بعدما يشرع الإمام في الركن ويستقر فيه يتابعه فيه، بمعنى أنه إذا استقر
راكعاً يبدأ بالركوع ولا يركع معه بحيث يساويه، ولا يتأخر عنه ولا يسابقه,
بل يتابعه، فهذه هي السنة.
أورد أبو داود حديث معاوية بن أبي سفيان رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبادروني بركوع ولا سجود)
يعني: لا تسبقوني ولا تفعلوا مثل ما أفعل معي مباشرة، بل إذا أخذت في
الركوع فاركعوا؛ لأن الجزء الذي يسبقهم فيه في الأول هم يتأخرون فيه عندما
يرفع فيكون مقدار ركوعهم هو مقدار ركوعه تماماً، فلا يزيد الإمام على
المأمومين بشيء؛ لأنه استقر راكعاً في الركوع وهم جاءوا بعده، لكنه عندما
يرفع هم باقون في الركوع، فصار المقدار الذي فعلوه بعدما رفع يقابل الشيء
الذي تقدمهم به، فصار مقدار ركوعهم هو مقدار ركوعه تماماً، فمعنى هذا: أنني
إذا ركعت وأنتم جئتم بعدي أنا أرفع وتجيئون بعدي، فيكون مقدار ركوعكم مثل
مقدار ركوعي.
قوله: [(فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت)].
يعني:
أنتم إذا فعلتم هذا الفعل لأجل أن يحصل لكم مثل ما يحصل لي، فالذي سبقتكم
به عند الركوع يعوضه بقاؤكم عندما أرفع فتكونون قد ركعتم مثل ما ركعت؛
لأنني سبقتكم في البداية وأنتم تأخرتم عني في النهاية، وهذا التأخر ليس
تأخراً طويلاً، وإنما هو بمقدار شروع الإمام في الركن الذي وراءه.
قوله: [(إني قد بدنت)].
فسر بأنه قد طعن في السن، أو أنه قد زاد لحمه.

(83/21)

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تبادروني بركوع ولا بسجود)
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد مر ذكره.
[حدثنا يحيى].
مر ذكره.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني محمد بن يحيى بن حبان].
محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن محيريز].
هو: عبد الله بن محيريز وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن أبي سفيان].
معاوية بن أبي سفيان، أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(83/22)

شرح حديث: (أنهم كانوا إذا رفعوا رءوسهم من الركوع مع رسول الله قاموا قياماً)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال:
سمعت عبد الله بن يزيد الخطمي يخطب الناس قال: حدثنا البراء وهو غير كذوب
(أنهم كانوا إذا رفعوا رءوسهم من الركوع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قاموا قياماً، فإذا رأوه قد سجد سجدوا)].
وحديث البراء بن عازب رضي الله
عنه مثل حديث معاوية، أنهم كانوا إذا صلوا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورفع رأسه من الركوع قاموا قياماً, وإذا قاموا قياماً لا ينتقلون من
القيام إلى السجود إلا إذا وصل إلى الأرض وسجد عليها، عند ذلك يلحقونه،
ومعنى هذا أنه سبقهم في القيام ثم سبقهم في السجود، فكان مقدار قيامهم مثل
مقدار قيامه كما قلنا في الركوع في الحديث السابق.

(83/23)

تراجم رجال إسناد حديث: (أنهم كانوا إذا رفعوا رءوسهم من الركوع مع رسول الله قاموا قياماً)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو: عمرو بن عبد الله الهمداني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن يزيد الخطمي].
عبد الله بن يزيد الخطمي، وهو صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
البراء بن عازب رضي الله عنه قد مر ذكره.

(83/24)

شرح حديث: (كنا نصلي مع النبي فلا يحنو أحد منا ظهره حتى يرى النبي يضع)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب وهارون بن معروف المعنى قالا:
حدثنا سفيان عن أبان بن تغلب قال أبو داود: قال زهير: حدثنا الكوفيون أبان
وغيره عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء رضي الله عنه قال:
(كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحنو أحد منا ظهره حتى يرى
النبي صلى الله عليه وسلم يضع)].
أورد أبو داود حديث البراء من طريق
أخرى، وفيه: أن الواحد منهم إذا صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحنو
ظهره إلا إذا وضع الرسول صلى الله عليه وسلم ظهره واستقر في الركوع، فإذا
استقر في الركوع فإنهم يتبعونه ولا يفعلون مثل فعله في الزمن وفي الوقت، بل
يتأخرون عنه قليلاً وهذا هو المتابعة، فيستمرون واقفين حتى يستقر في
الركوع، وهذا فيما إذا كان الإمام يرى، أما إذا كان لا يرى وانقطع صوته
فإنهم ينتقلون إلى الركوع إذا كان قد ركع.

(83/25)

تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نصلي مع النبي فلا يحنو أحد منا ظهره حتى يرى النبي يضع)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب].
هو أبو خيثمة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[وهارون بن معروف].
هارون بن معروف ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود.
[المعنى].
أي: أنهما متفقان في المعنى مختلفان في اللفظ.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبان بن تغلب].
أبان بن تغلب ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[قال زهير: حدثنا الكوفيون أبان وغيره].
يعني: أن لفظ زهير: حدثنا الكوفيون أبان وغيره، فهو ذكر أبان وغيره ولكنهم أبهموا، وأبان هو الذي نص عليه، وأيضاً ذكر أنهم كوفيون.
[عن الحكم].
هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
البراء رضي الله عنه قد مر ذكره.

(83/26)

شرح حديث: (أنهم كانوا يصلون مع رسول الله فإذا ركع ركعوا)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع حدثنا أبو إسحاق -يعني:
الفزاري - عن أبي إسحاق عن محارب بن دثار قال: سمعت عبد الله بن يزيد رضي
الله عنه يقول على المنبر حدثني البراء رضي الله عنه: (أنهم كانوا يصلون مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن
حمده لم نزل قياماً حتى يروه قد وضع جبهته بالأرض، ثم يتبعونه صلى الله
عليه وسلم).
].
أورد أبو داود حديث البراء من طريق أخرى، وفيه
متابعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم يركعون إذا ركع، ويسجدون إذا
سجد، وإذا سجد لا يسجدون حتى يصل إلى الأرض ويضع جبهته عليها.

(83/27)

تراجم رجال إسناد حديث: (أنهم كانوا يصلون مع رسول الله فإذا ركع ركعوا)
قوله: [حدثنا الربيع بن نافع عن أبي إسحاق يعني: أبو إسحاق الفزاري].
الربيع بن نافع مر ذكره، وأبو إسحاق الفزاري هو: إبراهيم بن محمد بن الحارث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو سليمان بن أبي سليمان، نص عليه في تحفة الأشراف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محارب بن دثار].
محارب بن دثار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال سمعت عبد الله بن يزيد يقول: حدثني البراء].
عبد الله بن يزيد والبراء قد مر ذكرهما.

(83/28)

ما جاء في التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله
(83/29)

شرح حديث: (أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله.
حدثنا
حفص بن عمر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (أما يخشى أو ألا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه والإمام
ساجد أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار)].
أورد أبو داود
رحمه الله هذه الترجمة في التشديد في ذلك، يعني: في عدم المتابعة وحصول
المسابقة، فإذا لم توجد المتابعة وجدت المسابقة، فذلك لا يجوز، وورد فيه
تحذير ووعيد شديد.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أما
يخشى أو ألا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد أن يحول الله رأسه رأس
حمار، أو صورته صورة حمار)، يعني: ألا يخشى أن يعاقبه الله عز وجل بأن يحول
صورته إلى هذه الهيئة الكريهة لحيوان وصف صوته بأنه أنكر الأصوات، فهذا
الفعل ذنب، وكونه يكون على هذه الهيئة الكريهة فهذه عقوبة من الله عز وجل،
وهذا يدل على أن المسابقة لا تجوز لا في الرفع ولا في الخفض؛ ولهذا بوب أبو
داود رحمه الله فقال: باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله.
يعني:
سواء كان في قيام أو في نزول، في خفض أو رفع، فالمسابقة لا تجوز لا في
كونه وهو يسجد أو يركع، ولا في كونه يقوم من الركوع أو يقوم من السجود أو
يقوم من الركعة، بل تجب متابعة الإمام وعدم مسابقته, وقد ورد هذا الوعيد في
المسابقة للإمام.

(83/30)

تراجم رجال إسناد حديث: (أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد].
حفص بن عمر وشعبة قد مر ذكرهما، ومحمد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

(83/31)

إذا سبق المأموم الإمام له أن يرجع
ومن
سبق إمامه ولم يرجع وتابعه فإن صلاته لا تصح؛ ولهذا قال بعض أهل العلم:
الذي يسابق الإمام إنه لن يخرج من الصلاة إلا بالتسليم؛ لأنه مهما سابقه لن
ينصرف إلا إذا انصرف الإمام، وما دام أنه مرتبط بالإمام، ولن يخرج من
الصلاة إلا إذا خرج الإمام، فحصول ذلك منه ماله وجه ولا مبرر، ويقول بعض
العلماء: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت.
بمعنى: أنك ما صليت وحدك، ولا
صليت مع الجماعة، فإذا كان الشخص سبق إمامه ثم رجع وتبعه فهذا ليس فيه
إشكال، لكن إذا كان حصل هذا الفعل فهذا ينافي الائتمام.
والتحويل الوارد في قوله: (يحول الله رأسه رأس حمار) تحويل حقيقي.

(83/32)

ما جاء فيمن ينصرف قبل الإمام
(83/33)

شرح حديث: (أن النبي حضهم على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن ينصرف قبل الإمام.
حدثنا
محمد بن العلاء حدثنا حفص بن بغيل المرهبي حدثنا زائدة عن المختار بن فلفل
عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم حضهم على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا
قبل انصرافه من الصلاة)].
قوله: [باب فيمن ينصرف قبل الإمام] الانصراف
قبل الإمام يحتمل أن يراد به الانصراف من الصلاة بالسلام، وكما هو معلوم
هذا مثل بقية الأركان إذا سلم قبل الإمام فعليه أن يرجع إلى الصلاة، ويسلم
بعد ما يسلم الإمام إذا كان سلم ناسياً، وأما التعمد فإنه لا يجوز.
وإما
أن يراد به انصراف الناس قبل أن ينصرف الإمام، يعني: كونهم يبادرون
بالانصراف قبل أن ينحرف الإمام ويقوم من مقامه، وقالوا: إن هذا كان المقصود
منه أن النساء كانت تصلي معهم فيؤمرون بأن يبقوا حتى تنصرف النساء ثم
ينصرفوا مع الإمام، فالإمام يتأخر في الانصراف، وهم ينصرفون إذا انصرفت
النساء، قالوا: إن هذه هي الحكمة في ذلك، وعلى هذا فإن الانصراف يحتمل بأن
يكون الانصراف من السلام، وهذا لا يجوز؛ لأنه داخل تحت قوله: (لا تسبقوني
بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف)، ويحتمل المعنى الثاني: وهو أنهم لا
ينصرفون قبل الإمام فيما إذا كان معهم نساء حتى تنصرف النساء، ولا يحصل
الاختلاط بين الرجال والنساء.
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه.
قوله:
[(ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة)] فقوله: [(من الصلاة)] هذا قد
يبين أو يرجح أن المقصود هو الانصراف من الصلاة بالسلام.
ولا ينبغي
للمأموم أن يقوم بعد تسليم الإمام مباشرة، وإنما يمكث ولو فترة وجيزة بحيث
ينصرف الإمام إلى المأمومين ويتجه إليهم، وهو لا يبقى إلا مقدار قوله:
أستغفر الله! أستغفر الله! أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام
تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

(83/34)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:20 pm

اقتباس :


تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي حضهم على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حفص بن بغيل المرهبي].
حفص بن بغيل تصغير بغل المرهبي، وهو مستور، أخرج له أبو داود.
[حدثنا زائدة].
هو زائدة بن قدامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المختار بن فلفل].
المختار بن فلفل، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أنس].
أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره.

(83/35)

الأسئلة
(83/36)

وجه عدم حصول الوعيد في قوله: (أما يخشى أحدكم أن يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)

السؤال
بالنسبة لحديث أبي هريرة في الوعيد فيمن سابق الإمام، فإن كثيراً من الناس يفعلون ذلك ولا يحصل لهم الوعيد في الدنيا؟

الجواب
المهم أن الوعيد موجود، والله على كل شيء قدير، وهو قال: (أما يخشى)
ومعلوم أنه ما دام أنه توعد بهذا الوعيد الواجب هو عدم المسابقة.

(83/37)

حكم الدخول مع الإمام في التراويح بنية تحية المسجد

السؤال
هل يجوز الدخول مع الإمام بنية تحية المسجد وهو يصلى بالناس التراويح؟

الجواب
أي نعم، الإنسان إذا دخل المسجد لا يذهب يصلي تحية المسجد، ثم بعد ذلك يدخل مع الإمام، وإنما يدخل مع الإمام وتكون تحية المسجد.

(83/38)

حكم قطع النافلة عند الإقامة

السؤال
في الحديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) فهل يجوز قطع صلاة النافلة؟ ومتى يكون؟

الجواب
إذا كان في آخرها يتمها خفيفة، وإذا كان في الركعة الأولى أو في أول
الركعة الثانية، فإنه يقطعها، أما إذا كان في آخرها فإنه يتمها؛ لأن إتمامه
إياها لا يتعارض مع الفرض؛ لأنه سينتهي قبل فراغ المؤذن من الإقامة.

(83/39)

معنى قوله: (قوموا فلأصل لكم)

السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: في أول الحديث: (قوموا فلأصل لكم) هل هم أصلاً طلبوا منه الصلاة؟

الجواب
يحتمل أن يكونوا طلبوه لهذا الغرض، وأنه أراد أن يلبي غرضهم، ويحتمل أن
يكون أراد أن يعلمهم، وأن تكون النساء اللاتي لا يرينه ولا يحصل لهن الوقوف
وراءه في الصلاة، بحيث إنه يحصل لهن مشاهدته عليه الصلاة والسلام وهو يصلى
بالناس والعدد قليل؛ لأنه ليس بينهن وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا
شخصان أحدهما كبير والآخر صغير.

(83/40)

معنى قوله: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)

السؤال
ما معنى حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)؟

الجواب
المقصود إذا صلى الإنسان عند الإقامة، وأما إذا كان قد دخل الإنسان في
الصلاة فإنه يقطعها إذا كان في أولها بدون سلام، وإن كان في آخرها فإنه
يتمها خفيفة.

(83/41)

معنى قول أنس: (فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء)

السؤال
ما معنى قول أنس رضي الله عنه: (فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء)؟

الجواب
هذا فيه أن الافتراش يقال له: لبس، وأن اللبس يطلق على أكثر مما هو غالب
في الاستعمال وهو لبس الثياب، والجلوس أو الافتراش يقال له: لبس.
قوله:
(قد اسود من طول ما لبس) يعني: استعمل حتى حصل منه قسوة، فهو نضحه بالماء
حتى يلينه، ويحتمل أن يكون فيه وسخ من طول الاستعمال، فيريد أن يصلي الرسول
صلى الله عليه وسلم على شيء نظيف ليس فيه وسخ.

(83/42)

حكم الاصطفاف بالطفل غير المميز

السؤال
ما حكم الاصطفاف بالطفل غير المميز؟

الجواب
إذا كان غير مميز لا يصف به، ولا يكون معهم في صف واحد.

(83/43)

حكم الصلاة فوق السطح العلوي من المسجد الحرام

السؤال
هل تجوز الصلاة فوق السطح من المسجد الحرام علماً بأن السطح العلوي في مكة أعلى من الكعبة؟

الجواب
قضية أن الناس يستقبلون الكعبة سواء كانوا أعلى منها أو أخفض منها، فإنه يجوز ولو كانوا أعلى منها.

(83/44)

حكم إكمال الدعاء وقد تحول الإمام إلى ركن آخر

السؤال
من كان يدعو بدعاء وتحول الإمام إلى ركن آخر من أركان الصلاة هل يقطع الدعاء أم يكمله ثم يدرك الإمام؟

الجواب
الدعاء كما هو معلوم إذا كان طويلاً لا يكمله، وإذا كان قصيراً أو بقي له كلمتان أو ثلاث فإنه يأتي بها وذلك لا يؤخره.

(83/45)

حكم بيع ماء زمزم

السؤال
ما حكم بيع ماء زمزم؟

الجواب
الإنسان إذا ملك الماء له أن يبيعه، فإذا أتى به بسيارته أو حازه في حوضه أو في خزانه فله أن يبيعه.

(83/46)

حكم الاصطفاف عن يمين ويسار الإمام عند الضيق

السؤال
هل يستفاد من فعل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع علقمة والأسود وذلك
أنه صلى واحد عن يمينه وواحد عن يساره، فهل يجوز للناس أن يصفوا الصف الأول
عن يمين ويسار الإمام مع ضيق المكان وخاصة في الحج؟

الجواب
إذا امتلأ المكان واحتاج الناس إلى أن يصفوا عن يمين ويسار الإمام فلا بأس.

(83/47)

حكم الانصراف قبل الإمام في المسجد الذي ليس فيه نساء

السؤال
بالنسبة للانصراف قبل الإمام في بلادنا النساء لا يصلين في مساجدنا، فهل يجوز لنا أن ننصرف قبل الإمام؟

الجواب
نعم، فالإمام إذا كان يطول فليس بلازم أن يبقى المأموم حتى ينصرف، كأن
يبقى الإمام إلى ما بعد طلوع الشمس مثلاً إذا صلى الفجر، فأنتم لستم ملزمين
بمتابعته، ولكن المقصود من ذلك هو الانصراف من الصلاة كانصراف الإمام إلى
جهة المأمومين، بحيث إن الإنسان لا يسلَّم ويقوم مباشرة.

(83/48)

حكم إخراج الأرز بقشوره في زكاة الفطر

السؤال
هل يجوز إخراج الأرز الذي ما زالت القشور عليه باقية ولم تنق في زكاة الفطر؟

الجواب
لا، ما يجوز حتى ينقى ويكون صافياً، كذلك السنبل كونه يبقى في سنبله ليس
للإنسان أن يخرجه في الزكاة، وإنما يخرج شيئاً قد أخرج من سنبله، أما إذا
كانت أشياء قليلة وما إلى ذلك فهذا أمره سهل.

(83/49)

كيفية انصراف الإمام إلى المأمومين

السؤال
الإمام إذا انحرف إلى المأمومين: هل يعطي القبلة ظهره أو ينحرف انحرافاً يسيراً؟

الجواب
الذي يبدو أنه يعطي القبلة ظهره، فيستدبر القبلة ويستقبل الناس.

(83/50)

حد الاشتراك في الأضحية في السفر والحضر

السؤال
هل اشتراك سبعة رجال في الأضحية في البقرة وسبعة رجال في الإبل يجوز في الحضر أو أنه خاص بالسفر؟

الجواب
الأضحية والهدي كلها يشترك فيها، فالبقرة تجزئ عن سبعة، والبدنة تجزئ عن سبعة وسواء كان الناس في حضر أو سفر.

(83/51)

حكم وضع اليدين على الصدر بعد الركوع

السؤال
هل وضع اليدين على الصدر بعد الركوع سنة؟

الجواب
نعم، جاء ما يدل عليه، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً
في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى)، وأحوال المصلي أربعة: فهو إما قائم،
وإما راكع، وإما ساجد، وإما جالس، فهذه أحوال المصلي في الصلاة، والقيام
يكون قبل الركوع وبعده, والجلوس يكون بين السجدتين وفي التشهد الأول
والأخير.
وقوله: (إذا كان قائماً في الصلاة) يشمل ما قبل الركوع وما
بعده وبعض أهل العلم يقول: إنه لا يضع يديه بعد الركوع؛ لأن الذين وصفوا
صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ما تعرضوا للتنصيص على وضع اليمنى
بعد اليسرى بعد الركوع، لكن مادام أنه جاء حديث عام يدل بعمومه على دخول
ذلك فإنه يكون سنة.

(83/52)

عدم حاجة الصحابة إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين

السؤال
قول عبد الله بن يزيد الخطمي عن البراء: (وهو غير كذوب) هل يعتبر توثيقاً؟

الجواب
هذا ليس تعديلاً ولا توثيقاً، فالصحابة رضي الله عنهم عدول، ولا يحتاجون
إلى تعديل أحد، ولكن المقصود من هذا هو التأكيد بأن الذي أخبركم عنه صادق،
وثقوا بأن الكلام الذي يحدثكم به حق وصدق، وهذا من جنس قول الصحابي: حدثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، أي: هو صادق مصدوق ولو
لم يخبر بذلك.

(83/53)

مقدار البقاء إذا انصرف الإمام إلى المأمومين

السؤال
إذا انصرف الإمام إلى المأمومين هل هناك مقدار معين للبقاء؟

الجواب
لا، لكن يأتي بالذكر بعد الصلاة والتسبيح، وبعد ذلك إن شاء أن يبقى بقي، وإن شاء أن يقوم قام.

(83/54)

يعامل الناس بالظاهر ويترك الباطن إلى الله

السؤال
هناك من يقول: إن شروط لا إله إلا الله شروط صحة، باعتبار اعتقاد العبد
لها فيما بينه وبين ربه؛ لأن أغلبها شروط قلبية، وعلينا بالظاهر، وهي شروط
كمال باعتبار حفظ كونها سبعة وتعلم أدلتها ومعرفتها بالتفصيل، فما رأيكم في
هذا؟

الجواب
الناس مالهم إلا
الظاهر، ولا يعرفون إلا الظاهر، فالمسلم بما ظهر لهم منه يحكمون عليه،
والبواطن علمها عند الله؛ فقد يكون الإنسان يظهر الإسلام ويبطن الكفر
كالمنافقين الذين كفرهم كفر اعتقاد، وهم في الدرك الأسفل من النار، فالناس
لهم الظاهر، والباطن علمه عند الله عز وجل، لكن هذه الشروط يتفاوت الناس
فيها، وليس كلهم فيها سواء، فالناس متفاوتون في درجة التصديق واليقين
وغيرهما.

(83/55)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:24 pm

اقتباس :


حكم طاعة أمراء الجماعات الإسلامية

السؤال
ما حكم إيجاب طاعة أمراء الجماعات الإسلامية، وإلزام الأفراد بآراء الأمير وتقاس طاعته على طاعة أمير السفر؟

الجواب
أمير السفر كما هو معلوم يطاع في حدود السفر فيما يتعلق بالنزول والمسير،
وكون أحدهم يريد أن ينصرف أو يذهب يميناً أو شمالاً، فيستأذن الأمير, وإذا
كان بعض المسلمين في بلاد كافرة وكونوا جماعة أو جماعات فمادام أنهم كونوا
جماعة وجعلوا لهم رئيساً فيسمعوا له ويطيعوا، إذا قال: اذهب للمكان
الفلاني وأد فيه العمل الفلاني، فإنه يسمع له ويطيع، وإذا كان لا يستطيع،
يقول: والله أنا عندي شغل، أرسل غيري، أنا لا أستطيع، أما إذا لم يجد السمع
والطاعة في حدود ما هو سائغ فما فائدة كونه رئيساً لهم؟ فكونه يصبح رئيساً
لهم أو مديراً فإنهم يسمعون له ويطيعون.

(83/56)

حكم الجلوس على الحرير

السؤال
هل يجوز الجلوس على الحرير باعتبار أن اللبس يكون على البدن؟

الجواب
لا يجوز افتراش الحرير كما لا يجوز لبسه.

(83/57)

وزن العبد وأعماله يوم القيامة

السؤال
هل يوزن العبد يوم القيامة أو توزن أعماله؟

الجواب
جاء أن الأعمال توزن، وأن الصحائف توزن كما جاء في حديث البطاقة، وجاء أن
العبد يوزن كما جاء في حديث ابن مسعود: (لهما في الميزان أثقل من جبل
أحد).

(83/58)

فضل التبكير للصلاة في المسجد النبوي

السؤال
هل الأفضل للإنسان أن يصلي في المسجد النبوي وإن فاتته بعض الركعات، أم أنه يصلي في مسجد لا تفوته أي ركعة؟

الجواب
الأفضل له أنه يأتي إلى المسجد النبوي مبكراً ويصلي الركعات كلها.

(83/59)

حكم الذكر بين السجدتين

السؤال
هل الذكر بين السجدتين مستحب أو واجب؟

الجواب
لا، هو واجب، وبعض العلماء يقول: إنه مستحب مثل أذكار السجود والركوع.

(83/60)

أفضل أنواع النسك لمن اعتمر في أشهر الحج

السؤال
من أتى بعمرة في أشهر الحج وأراد الحج فما هو الأفضل أن يفعل من أنواع النسك؟

الجواب
الأولى للإنسان عندما يحرم ذاهباً للحج أن يكون متمتعاً دائماً وأبداً،
فهذا هو الأولى والأفضل، سواء أتى بعمرة في أشهر الحج أو لم يأت، فإذا أتى
بعمرة لا بأس أن يأتي بعمرة ثانية وهي عمرة التمتع إذا كان قد سافر إلى
بلده.

(83/61)

شرح سنن أبي داود [084]
الصلاة
عبادة عظيمة لها هيئتها وشكلها الخاص، ولذا جاء الأمر بستر العورة
والعاتقين في الصلاة، وجاء النهي عن الصلاة إذا كان العاتقان مكشوفين، لكن
يعفى عنه عند عدم القدرة على ثياب تسترهما.

(84/1)

جماع أبواب ما يُصلى فيه
(84/2)

شرح حديث: (أولكلَّكم ثوبان؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب جماع أبواب ما يصلى فيه.
حدثنا
القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الصلاة في ثوب واحد، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: أَوَلكُلَّكُمْ ثوبان؟!)].
أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب جماع أبواب ما يصلى فيه.
يعني:
أن هذه الأبواب التي ستأتي تتعلق بالثياب التي يصلى فيها، والمقصود من ذلك
ما هو واجب متعين، وما هو أكمل، وما هو أفضل، والواجب المتعين هو ستر
العورة، وهي: من السرة إلى الركبة، والكمال يكون في اللباس الذي يكون به
الزينة، ويكون به ستر العورة وغير ذلك، وقد قال الله عز وجل: {يَا بَنِي
آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] ففسر ذلك
بأنه عند كل صلاة، وكما ذكرت: المتعين هو ستر العورة، وفي حال السعة
والتمكن يأتي الإنسان بما هو أكمل وأتم، من غير إسراف وتجاوز للحد، وقد
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل
عن الصلاة في ثوب واحد، فقال: أو لكلكم ثوبان؟!) يعني: أنه لو كانت الصلاة
في الثوب الواحد غير سائغة فمن الذي يتمكن من أن يحصل ثوبين؟! ومعنى هذا:
أن الصلاة في الثوب الواحد سائغة، وأنه لا بأس بها، ولكن الأكمل هو أن يكون
على الإنسان ثوبان، كإزار ورداء، أو سراويل وقميص، أو قطعتان يضم بعضهما
إلى بعض فيلتحف بهما، فيتزر ببعضهما في نصفه الأسفل، ويجعل أطرافهما على
كتفيه ومنكبيه.
فالصلاة في الثوب الواحد سائغة، والمراد بالثوب: القطعة
من القماش، كالإزار والرداء، فإنهما ثوبان، والثوب الواحد: القطعة من
القماش التي يلفها الإنسان على وسطه بمثابة الإزار، ويجعل أطرافها على
كتفيه، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصلاة في الثوب الواحد قال:
(أو لكلكم ثوبان؟!) يعني: لو كان لازماً أن الإنسان لا يصلي إلا في ثوبين
فمن الذي يملك ثوبين؟ وهذا يدل على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم
وأرضاهم من قلة ذات اليد، وقلة السعة في المال؛ ولهذا لما سأل رجل رسول
الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال قال: (أو لكلكم ثوبان؟) يعني: أن
الصلاة في الثوب الواحد سائغة، ولكن إذا أمكن أن يصلى في ثوبين فإن هذا هو
المتعين، وهذا هو الذي لا بد منه، وأما إذا كان الإنسان لا يستطيع إلا أن
يأتزر بإزار فقط يستر به عورته فالله عز وجل يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ويقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا
إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].

(84/3)

تراجم رجال إسناد حديث: (أو لكلكم ثوبان؟)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو
مالك بن أنس، وهو إمام دار الهجرة، المحدث المشهور الإمام، أحد أصحاب
المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب
الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب].
سعيد
بن المسيب، تابعي مشهور، ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين،
أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو من الستة الذين لا
خلاف فيهم؛ لأن الفقهاء السبعة متفق على عد ستة منهم في الفقهاء السبعة،
وواحد مختلف فيه، وسعيد بن المسيب من الستة الذين هم متفق على عدهم في
الفقهاء السبعة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسى، صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، فرضي
الله تعالى عنه وأرضاه.

(84/4)

شرح حديث: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء)].
أورد أبو داود
رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصل أحدكم
في الثواب الواحد ليس على منكبيه منه شيء) يعني: أنه إذا صلى في ثوب واحد
متزراً به فإنه يجعل طرفيه على منكبيه إذا أمكن ذلك، أما إذا كان الثوب لا
يكفيه إلا للإتزار فإنه يأتزر به فقط، ولا يجعل على كتفيه منه شيئاً، لكن
مع القدرة والسعة ومع إمكان أن يكون على عاتقيه منه شيء، أو على منكبيه منه
شيء فإنه يجعل على منكبيه منه شيئاً، وفي حال الضيق وعدم السعة وكون ذلك
الثوب لا يكفي إلا إزاراً فإنه يأتزر به، والله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].
وفي حال السعة اختلف العلماء
في مقتضى هذا الحديث على قولين: الأول: قول الجمهور أن هذا ليس للتحريم،
وإنما هو للكراهة، يعني: أنه لو صلى مع القدرة وليس على عاتقيه منه شيء فإن
الصلاة صحيحة.
الثاني: ذهب الإمام أحمد وبعض أهل العلم إلى أن الواجب
هو أن يُغطى الكتفان مع القدرة، وأن النهي للتحريم وليس للتنزيه، ولكنهم
متفقون على صحة الصلاة مع العجز ومع عدم القدرة على استعمال الثوب الواحد
الذي لا يكفي أن يجعل منه على العاتقين أو على الكتفين شيء، فإن ذلك سائغ،
وهذا الشيء هو المقدور عليه، والله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا
اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ويقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا
وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

(84/5)

تراجم رجال إٍسناد حديث: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن عيينه المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
هو
عبد الله بن ذكوان المدني وكنيته: أبو عبد الرحمن ولقبه: أبو الزناد، وهو
لقب على صيغة الكنية وليس كنية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هو: عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، اشتهر بلقبه الأعرج وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.

(84/6)

شرح حديث: (إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا مسدد حدثنا
إسماعيل المعنى عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى
أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه)].
أورد أبو داود حديث أبي
هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو مثل الذي قبله: (إذا صلى أحدكم في ثوب-
يعني: واحد- فليخالف بطرفيه على عاتقيه) يعني: يأتزر به، ويجعل أطرافه على
عاتقيه، بحيث يكون أسفله وأعلاه كل منهما مستور؛ لأن هذا هو الأكمل
والأفضل، وهو واجب عند بعض أهل العلم مع القدرة على ذلك، وغير واجب مع
العجز؛ لأن العجز يسقط الوجوب.
قوله: [(فليخالف بطرفيه على عاتقيه)].
يعني: يجعل الذي يأتي من الجهة اليمنى يذهب إلى اليسرى والذي يكون في الجهة اليسرى يذهب إلى اليمنى هذه هي المخالفة.

(84/7)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى].
مسدد مر ذكره.
ويحيى هو ابن سعيد القطان البصري، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا مسدد حدثنا إسماعيل].
(ح)
وهي للتحول من إسناد إلى إسناد، ومسدد يروي عن إسماعيل، وهو إسماعيل بن
إبراهيم بن مقسم المشهور بـ ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى].
وهذه
كلمة يستعملها أبو داود رحمه الله عندما يذكر طريقين فيذكر بعدها هذه
الكلمة (المعنى) يعني: أن هاتين الطريقين متفقتان في المعنى مختلفتان في
الألفاظ، فالمعنى واحد والألفاظ مختلفة، فهذا هو معنى هذه الكلمة أي: أن
الطريق الأولى والطريق الثانية معناهما واحد ولكن ألفاظهما مختلفة.
[عن هشام بن أبي عبد الله].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة قد مر ذكره.

(84/Cool

حكم ستر أحد العاتقين
وجاءت
رواية بالإفراد (على عاتقه) لكن لا يعني ذلك: أنه لا يجب إلا ستر عاتق
واحد؛ فإن الإمام أحمد يرى وجوب ستر العاتقين، ولا يكفي ستر العاتق الواحد،
وأما بالنسبة لصلاة المضطبع فهي صحيحة عند الإمام أحمد لأن أحد العاتقين
مستور.

(84/9)

شرح حديث: (رأيت رسول الله يصلي في ثوب واحد ملتحفاً)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يحيى بن
سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد ملتحفاً مخالفاً بين طرفيه على
منكبيه)].
أورد أبو داود حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه أنه قال:
(رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد ملتحفاً) يعني: ملتفاً به
(مخالفاً بين طرفيه على منكبيه) يعني: طرفي الثوب؛ لأنه متزر ببعضه،
والطرفان قد خالف بينهما على منكبيه، وهو مثل حديث أبي هريرة المتقدم الذي
فيه: (إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه على منكبيه) فهو بمعنى
الحديث المتقدم.

(84/10)

تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يصلي في ثوب واحد ملتحفاً)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي أمامة بن سهل].
هو
أبو أمامة بن سهل بن حنيف، واسمه: أسعد، وهو معدود في الصحابة؛ لأن له
رؤية، ولكن ليس له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب
الكتب الستة.
[عن عمر بن أبي سلمة].
عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله
صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو
صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

(84/11)

شرح حديث: (أوكلكم يجد ثوبين)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي حدثنا
عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: (قدمنا على نبي
الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال: يا نبي الله! ما ترى في الصلاة في
الثوب الواحد؟ قال: فأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاره طارق به
رداءه فاشتمل بهما، ثم قام فصلى بنا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن
قضى الصلاة قال: أوكلُّكم يجد ثوبين؟)].
أورد أبو داود حديث طلق بن علي
اليمامي رضي الله عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله
رجل: هل يصلي الرجل في ثوب واحد، فأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاره
فطارق به على ردائه، يعني: جعلهما مع بعض كأنهما ثوب واحد، قوله: [فاشتمل
بهما] يعني: بالاثنين، وهذا معناه: أنه جعلهما بمثابة الثوب الواحد، بمعنى:
أنه جعل هذا ملتصقاً بهذا أو مطبقاً على هذا، يعني: هما ثوبان ولكن كأنهما
ثوب واحد من جهة وضع بعضهما على بعض، فلم يجعل واحداً إزاراً والآخر
رداءً، وإنما طرق هذا على هذا ثم اشتمل بهما وقال: (أوكلكم يجد ثوبين؟)،
يعني: ليس كل شخص يجد ثوبين، ولو كانت الصلاة بالثوب الواحد لا تجوز فمن
منكم يجد ثوبين؟ وذلك لقلة ما بأيديهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا
معناه: أن الإنسان إذا كان عنده ثوبان فيستعملهم، وإذا كان لا يوجد عنده
إلا ثوب واحد فيكفيه؛ قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
[التغابن:16] وإن كان الثوب الواحد لا يكفي إلا لستر عورته فيستر به عورته،
وإن كان يكفي لستر العورة وزاد ما يلفه على الكتفين أو على أحد منهما فعل
ذلك.

(84/12)

تراجم رجال إسناد حديث: (أو كلكم يجد ثوبين)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي].
مسدد مر ذكره، وملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر الحنفي صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن.
[حدثنا عبد الله بن بدر].
هو عبد الله بن بدر الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[عن قيس بن طلق].
هو قيس بن طلق بن علي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبيه].
هو طلق بن علي الحنفي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.
وهذا
الإسناد رجاله كلهم حنفيون يماميون إلا شيخ أبي داود وهو مسدد، وملازم
يروي عن جده عبد الله بن بدر؛ لأن اسمه: ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر.

(84/13)

ما جاء في الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي
(84/14)

شرح حديث: (لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي.
حدثنا
محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد
رضي الله عنهما قال: (لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأمثال الصبيان، فقال قائل: يا معشر
النساء! لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجال)].
أورد أبو داود رحمه الله
هذه الترجمة، وهي: باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلي، يعني: أنه إذا لم
يكن عنده إلا إزار واحد، وليس عنده رداء فإنه يعقد طرفيه في عنقه ثم يصلي،
وهذا مثل ما تقدم من أنه إذا كان الثوب واحداً فإن الإنسان يجعل على طرفيه
منه شيئاً، وإذا كان ضيقاً ولا يمكن وضعه على العاتقين إلا بالعقد من وراء
الرأس فيعقده؛ لأنه لو وضعه على منكبه لسقط؛ لأنه لا يستقر إلا بالعقد،
ولا يبقى على الكتفين إلا بالعقد، فيعقده حتى يكون على أكمل هيئة.
وقد
أورد أبو داود رحمه الله حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (رأيت
الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر) إلى آخر الحديث.
قوله: [(رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر)].
يعني:
سبب ضيق الأزر جعلهم يعقدون أزرهم في أعناقهم كالصبيان، وليس معنى ذلك أن
الأزر طويلة بحيث يتزر ببعضها، ثم يبقى منها شيء كثير على الكتفين، وإنما
الأزر قصيرة، وهم يشدونها على الوسط، ولا يبقى منها إلا قليل لا يستقر
بوضعه على الكتف، فيحتاجون إلى عقده من وراء الرأس والرقبة حتى يبقى
ثابتاً.
قوله: [(فقال قائل منهم: يا معشر النساء لا ترفعن رءوسكن)].
يعني: إذا صلين مع الرجال.
قوله: [(حتى يرفع الرجال رءوسهم)] يعني: حتى لا تنكشف عورة أحد منهم فيطلعن عليها.

(84/15)

تراجم رجال إسناد حديث: (لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر)
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري].
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث, وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حازم].
هو سلمة بن دينار أبو حازم الأعرج المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن سعد].
هو
سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكنيته: أبو العباس ويقال: إنه ليس في
الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا اثنان هما: سهل بن سعد هذا وعبد الله بن
عباس رضي الله تعالى عنهما.

(84/16)

ما جاء في الرجل يصلي في ثوب واحد بعضه على غيره
(84/17)

شرح حديث عائشة: (أن النبي صلى في ثوب واحد بعضه علي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يصلي في ثوب واحد بعضه على غيره.
حدثنا
أبو الوليد الطيالسي حدثنا زائدة عن أبي حصين عن أبي صالح عن عائشة رضي
الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد بعضه علي)].
أورد
أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب الرجل يصلي في ثوب واحد بعضه على غيره،
يعني: أنه قد اتزر به وطرف منه يكون على غيره ممن هو نائم أو جالس بجواره.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد طرفه علي).
قوله:
[(طرفه علي)] هذا هو المقصود بقوله في الترجمة: بعضه على غيره، وجاء في
بعض الروايات: (وهي حائض) وهذا يدل على أن الصلاة بجوار الحائض أو بقربها
صحيحة، فكون الإنسان يصلي بقرب الحائض أو بعض ثوبه يمس الحائض لا بأس بذلك،
وفيه دليل على أن ثياب الحائض طاهرة إلا المكان الذي فيه النجاسة، أو ما
وقع فيه نجاسة؛ لأن كون عائشة بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يصلي، وبعض ثوبه وقع عليها يدل على طهارة ثيابها إلا ما كان فيه نجاسة
الدم، فهذا هو الذي يعتبر نجساً، والترجمة معقودة لكون الإنسان يصلي في ثوب
واحد وطرفه على غيره، والذي حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طرف
ثوبه الذي كان يصلي فيه كان على عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهي بجواره.

(84/18)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:26 pm

اقتباس :

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى في ثوب واحد بعضه علي)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زائدة].
هو زائدة بن قدامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حصين].
هو: عثمان بن عاصم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
هو
أبو صالح ذكوان السمان، اسمه: ذكوان ولقبه: السمان ويقال: الزيات وكنيته
أبو صالح وهو مشتهر بكنيته، وهو مدني ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة
أم المؤمنين رضي الله تعالى عنه وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من
أوعية السنة وحفظتها، وقد أنزل الله براءتها في قرآن يتلى، ومع ذلك كانت
تتواضع لله عز وجل وتقول: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى في
آيات تتلى)، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة، والستة هم: أبو هريرة وابن عمر
وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وامرأة واحدة هي: أم المؤمنين عائشة رضي
الله تعالى عنها وأرضاها.

(84/19)

الأسئلة
(84/20)

سبب حمل النهي في حديث: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد) على الكراهة

السؤال
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد) قلتم: إن الجمهور حملوه على الكراهة، فما هو الصارف لذلك؟

الجواب
لا أعلم له صارفاً إلا أن يكون الحديث الذي فيه أن الرسول طابق بين الثوبين ووضع على عاتقة منها شيئاً.

(84/21)

جواز الصلاة وأحد العاتقين مكشوف دون كراهة

السؤال
هل يكفي أن يصلي الرجل وعلى أحد عاتقيه شيء أم لابد من تغطية العاتقين؟

الجواب
إذا صلى الرجل وعلى أحد العاتقين شيء يكفي، ولا يلزم تغطية العاتقين جميعاً.

(84/22)

اختصاص الله بالكبرياء والعظمة

السؤال
جاء في الحديث القدسي: (العظمة إزاري والكبرياء ردائي) هل يستدل بهذا على إثبات صفة الإزار والرداء؟

الجواب
لا، هذا لا يثبت منه صفه الإزار ولا الرداء، وإنما هذا فيه بيان اختصاص
الله عز وجل واتصافه بهما، يعني: مثلما أن الإنسان يستعمل الإزار والرداء،
فالله عز وجل موصوف بالكبرياء والعظمة وهما إزاره ورداؤه، لكن لا يقال: إن
من صفات الله الإزار أو الرداء، وإنما يقال: العظمة والكبرياء إزاره
ورداؤه، وهذا من جنس قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الأنصار (الأنصار
شعار، والناس دثار)، معناه: قربهم منه، والتصاقهم به كالتصاق الشعار
بالإنسان، والناس الذين وراءهم مثل الثوب، فالمقصود من ذلك التشبيه، وليس
المقصود من ذلك أن الله عز وجل له إزار ورداء، وأن من صفاته الإزار
والرداء، وإنما اختص الله عز وجل بالعظمة والكبرياء، وأنه اتصف بهما، وأنه
لا يشاركه فيهما أحد، فهذا هو الذي يوصف الله تعالى به، ولكن لا يجوز أن
يقال: إن الله عز وجل من صفاته الإزار، ومن صفاته الرداء، ويوضح ذلك حديث:
(الأنصار شعار، والناس دثار) ومعلوم أن الأنصار ليسوا شعاراً، وإنما هذا
تشبيه لقربهم منه، والتصاقهم به، كما يحصل من الشعار الملاصق بالجسد،
فالأنصار مثل الشعار، وغيرهم كالدثار، وهو الذي وراء الشعار.

(84/23)

وجوب الاهتمام بالتاريخ الهجري

السؤال
بمناسبة العام الهجري الجديد نرجو أن تنبهوا الطلاب إلى أهمية التاريخ
بالهجري، وهل ينبغي لطالب العلم أن يؤرخ بالتاريخ الإفرنجي؛ فبعضهم يقول:
إن التاريخ الإفرنجي منضبط؟

الجواب
كيف ينضبط والتاريخ الهجري لا ينضبط؟! والأحكام الشرعية أنيطت به, وعمر
رضي الله عنه جعل التاريخ به، والمسلمون تابعوه على ذلك وعملوا به، فكون
الإنسان المسلم يستعمل التاريخ الإسلامي لا شك في ذلك، ولا نقول: إنه أولى
من تاريخ النصارى بل هو المتعين, فتاريخ النصارى للنصارى، وتاريخ المسلمين
للمسلمين، ومعلوم أن الناس من قديم الزمان كانوا يستعملون التاريخ الهجري،
وهو منضبط، ولا إشكال في ذلك, وإنما الفرق: هل يكون الشهر تسعة وعشرين
يوماً أو ثلاثين؟ والأمر في ذلك سهل.

(84/24)

حكم الدعاء عند نزول المطر وبعد ركعتي الطواف وبعد الصلاة خلف مقام إبراهيم

السؤال
هل هناك أدلة تدل على استحباب الدعاء في المواطن التالية: عند نزول المطر، وبعد ركعتي الطواف، وبعد الصلاة خلف مقام إبراهيم؟

الجواب
من الأدعية التي وردت عند نزول المطر: (سبحان من سبح الرعد بحمده،
والملائكة من خيفته)، فالأشياء التي وردت يؤتى بها، أما كون الإنسان يسأل
الله له شيئاً أو يسأل الله أن يغفر له أو يسأله كذا لا نعلم شيئاً يدل
عليه، وأما كونه يدعو بالأدعية الخاصة بالمطر وبنزول المطر فلا بأس؛ لأن
هذا هو مكانه.
وأما بعد ركعتي الطواف: فالإنسان يدعو، لكن لا نعلم دعاءً معيناً في ذلك، وإنما يدعو الإنسان بما شاء من خيري الدنيا والآخرة.
وكذلك
بعد الصلاة خلف مقام إبراهيم، فالإنسان يدعو، لكن لا نعلم نصاً على هذا؛
لأن هذا من المواطن المطلقة، والإنسان ينبغي له أن يدعو في هذا المكان، لكن
ليس متعيناً؛ لأنا لا نعلم شيئاً يدل على هذا، وأما أنه توجد أدلة تدل على
الاستحباب فلا نعلم دليلاً يدل على هذا، ولكن هذا من الأمور المطلقة التي
للإنسان أن يدعو وله ألا يدعو، ولكن كون الإنسان يدعو أولى له.
وبعض
الناس بعد ركعتي الطواف يقعدون عند المقام ويرفعون أيديهم داعين، ولا نعلم
شيئاً يمنع من هذا، ولا نعلم شيئاً يدل على الدعاء ورفع اليدين في هذا
المكان، فهذه من الأماكن المطلقة التي يمكن للإنسان أن يدعو ويرفع يديه
ويمكن ألا يرفع يديه, لأننا لا نعلم شيئاً يدل عليه، والمواضع المطلقة التي
لم يرد فيها نفي ولا إثبات يكون الأمر فيها واسعاً، فإن رفع الإنسان يديه
لا بأس، وإن لم يرفعهما لا بأس.
وأما كونه مستحب فلا أعلم شيئاً يدل عليه، ولكن كون الإنسان يدعو لا بأس بذلك، ولا نعلم شيئاً يمنعه.

(84/25)

حكم الدعاء عند نهاية الدرس وآخر الخطبة

السؤال
ما حكم الدعاء في نهاية الدرس وفي آخر الخطبة؟

الجواب
لا أعلم شيئاً يدل عليه، لكن دعاء الخطيب في خطبته، والمتكلم بعد كلامه
لا بأس به، وقد جاء عن بعض السلف ما يدل على ذلك، وقد جاء في البخاري في
آخر كتاب الإيمان حديث جرير بن عبد الله البجلى أنه لما توفي المغيرة بن
شعبة وهو أمير على الكوفة قام وخطب الناس وقال: (يا أيها الناس! استغفروا
لأخيكم، واصبروا حتى يأتيكم أمير، ثم قال: أستغفر الله لي ولكم ونزل)، فدعا
له ولهم بالمغفرة ونزل.
وبالنسبة للخطباء أنهم دائماً يختمون الخطبة
الأولى بقول: أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه
هو الغفور الرحيم، لا أعلم شيئاً يدل على الالتزام به، لكن كما هو معلوم
أن الدعاء في آخر الخطبة الأولى وكذلك الثانية لا نعلم شيئاً يمنع منه.

(84/26)

حكم فعل الساتر بين الرجال والنساء في المسجد أو المصلى

السؤال
قول القائل: في الحديث: (يا معشر النساء! لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع
الرجال)، أليس هذا فيه دليل على عدم لزوم وضع الحائل الساتر بين الرجال
والنساء في المسجد أو في المصلى؟

الجواب
نعم، هو ليس بلازم، ولكن كونه يوجد لا شك أن هذا أتم وأكمل، هذا إذا كانت
المساجد فيها سعة، ولكن حيث تكون المساجد ضيقة فليس بلازم، لكن إذا أمكن
أن يكون النساء أماكن خاصة تختص بهن، ولا يرين الرجال ولا الرجال يرونهن
لاسيما مع وجود مكبرات الصوت التي تصل إليهن وكأنهن مع الرجال لا شك أن هذا
هو الأولى والأكمل.

(84/27)

حكم انكشاف العورة في الصلاة

السؤال
هل في حديث سهل بن سعد الأخير دليل على أن انكشاف العورة من الأسفل لا يضر المصلي؟

الجواب
الإنسان عليه أن يستر عورته على قدر طاقته، وإن حصل انكشاف غير مقصود
بسبب ضيق الحال فإنه لا يؤثر، وهذا من جنس الذي مر في حديث عمرو بن سلمة
الجرمي الذي كان يصلي بالناس، وكان عليه إزار فيه فتق أو شق فكان ينكشف شيء
من عورته، فقالت امرأة: غطوا عنا عورة إمامكم، فاشتروا له قميصاً فسر به
وفرح.

(84/28)

ضابط المباح وفيما يكون

السؤال
هل يمكن الإطلاق على أن العبادة يوجد فيها حكم الإباحة استدلالاً بحديث
(صلوا قبل المغرب وفي الثالثة قال: لمن شاء) وقد استدل به بعض الأصوليين في
باب الإباحة يعني: على أن هناك عبادة مباحة؟

الجواب
المباح: هو الذي يستوي طرفاه، وهنا حكم هذه الصلاة فيه تخيير وليس فيه
إلزام، ولكن من صلى لا شك أنه أفضل ممن لم يصل، ومن صلى حصل أجراً، ومن لم
يصل ليس عليه إثم، ولكنه فاته خير كثير، فالقضية ليس هناك تساوٍ بين
الطرفين، والمباح يتساوى فيه الطرفان: الفعل والترك، والعبادة الفعل فيها
مقدم على الترك.

(84/29)

صلاة الرجال والنساء في مسجد النبي من دون حاجز

السؤال
الحديث الذي فيه نهي النساء عن رفع رءوسهن قبل الرجال لكيلا يقع نظرهن
على عورات الرجال، هل يصح أن يستدل به على أن مسجد الرسول صلى الله عليه
وسلم لم يكن منفصلاً بالستار؟

الجواب
نعم, هذا يدل على أنه لم يكن يوجد حاجز؛ ولهذا جاء في الحديث: (خير صفوف
الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) لأن شر
الصفوف قريب من شر الصفوف، فالصف الأول للنساء يلي آخر صفوف الرجال، فهذا
شر الصفوف، وما كان أبعد فهو خير، وهو الصف الأول للرجال وآخر الصفوف
للنساء، فهذا يدل على أنه لم يكن يوجد حاجز، ومن المعلوم أن عدم وجود
الحواجز أنه إذا كثر الرجال اختصوا بالمسجد، والنساء لا يكون لهن نصيب في
المسجد، فلو امتلأ من الرجال فهم أحق به، لكن إذا جعلت أماكن خاصة للنساء
تأتي إلى هذه الأماكن، فسواء امتلأ المسجد أو لم يمتلئ فإنهن يجدن مكاناً.

(84/30)

حكم تقدم المأموم على الإمام عند ضيق المكان

السؤال
في فجر يوم النحر بمزدلفة صلينا مع الإمام بالمشعر الحرام، وكنا متقدمين عن الإمام إلى جهة القبلة، فما حكم صلاتنا؟

الجواب
لا تجوز صلاة المأموم قدام الإمام ولا تصح، والذي يظهر أن مثل هذا عليه أن يعيد مادام أنه صلى أمام الإمام.

(84/31)

وجوب إتمام العمرة على من بدأ فيها

السؤال
أجهل أعمال العمرة حتى لبس الإحرام، فعلمني بعض الناس ذلك ثم ذهبت إلى
مكة إلا أنني عدلت عن دخول الحرم المكي وأداء العمرة فماذا علي الآن؟

الجواب
الذي دخل في عمرة يجب عليه أن يكملها إذا كان قد نوى العمرة، ودخل بها،
فعليه أن يكملها؛ لقول الله عز وجل: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
لِلَّهِ} [البقرة:196] ولا يجوز للإنسان أن يتخلى عن العمرة أو الحج بعد
الدخول فيها, وإذا كان الإنسان قد اعتمر بعد ذلك فقد فعل الشيء الذي كان قد
تركه، وإذا لم يعتمر فعليه أن يذهب ويعتمر، وإذا كان متزوجاً فعليه أن
يذبح شاة؛ لكونه جامع وهو متلبس بنسك، ولو عقد بعد رجوعه من الحرم فلا يصح
عقده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم ولا ينكح) والعقد لا يصح
في حال الإحرام، وإذا وجد العقد يعاد، أما الأولاد فهم أولاد شرعيون؛ لأنه
نكاح فيه شبهة.

(84/32)

وقت قول (الصلاة خير من النوم)

السؤال
عندنا بعض الناس في المساجد يقولون: الصلاة خير من النوم حتى في الأذان
الأول في صلاة الصبح، وعندما يسمع الناس النداء بهذه الكيفية في رمضان
يتركون السحور ظناً منهم بأن الوقت قد حان، فهل هذا صحيح؟

الجواب
التفاوت بين الناس لا يجوز، فإذا كان الناس كلهم على طريقة واحدة يأتون
بقول: الصلاة خير من النوم في الأذان الأول ويفعلون هذا، فالأمر في ذلك
سهل، ولكن إذا كان المعتاد عندهم أن قول: الصلاة خير من النوم في الأذان
الثاني، ثم يأتي أناس ويقولونها في الأذان الأول ويشوشون عليهم ليس لهم
ذلك.

(84/33)

حكم جلسة الاستراحة

السؤال
ما حكم جلسة الاستراحة في الركعة الأولى والثالثة مع أن هذه الاستراحة لا يتحملها بعض الناس ككبار السن؟

الجواب
يبين لهم أن هذه هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت من حديث أبي
حميد ومن حديث مالك بن الحويرث: (أنه كان صلى الله عليه وسلم يجلس بعدما
يقوم من الوتر)، يعني: إذا قام من الأولى أو من الثالثة جلس قليلاً، فيكون
قيامه عن جلوس لا عن سجود؛ فلا يقوم من السجود واقفاً، وإنما يجلس قليلاً
ثم يقوم من جلوس، فيبين لهم أن هذه هي السنة، وأن هذه الجلسة قصيرة لا
يطولها، إذا كان يطولها فهذا لا يصلح، وهي جلسة قصيرة ليس فيها دعاء ولا
ذكر.
وقد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي حميد الساعدي ومن حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنهما.
وكون
المأموم يجلس للاستراحة دون الإمام ليس فيه مخالفة للإمام؛ لأنها جلسة
قصيرة جداً لا يترتب عليها مخالفة، فالإنسان يأتي بجلسة الاستراحة سواءً
فعلها الإمام أو لم يفعلها.
وأما بالنسبة لتكبير الانتقال فإنه يقوم من الاستراحة مكبراً.

(84/34)

حكم رمي الجمار ليلة الثاني عشر لأجل التعجل

السؤال
هل ثبت ما ينص على صحة من يرمي الجمار ليلة اليوم الثاني عشر من أيام التشريق لأجل التعجل؟ وهل هذا يجزئ عن الرمي لليوم الثاني؟

الجواب
التعجل: هو الرمي بعد الزوال من اليوم الثاني عشر، فإذا كان رميه قبل
الزوال من الليلة المتقدمة فلا يجوز؛ لأن الرمي قبل الزوال لا يجوز لا في
الليل ولا في النهار.
وأما بعد الزوال فهو وقت الرمي، وإذا رمى بعد
الغروب من ليلة الثالث عشر تعين عليه أن يبقى ويبيت، ويرمي الجمار بعد
الزوال من اليوم الثالث عشر.

(84/35)

شرح سنن أبي داود [085]
أرشد
النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة في الثوبين عند السعة، فإن لم يجد
العبد إلا ثوباً فليستر به عورته، ونهى عن الاشتمال في الصلاة كاشتمال
اليهود، وعن إسبال الإزار، وشدد في النهي عن الإسبال، وقد جاء الوعيد على
الإسبال في غير الصلاة، وفي الصلاة من باب أولى.

(85/1)

ما جاء في الرجل يصلي في قميص واحد
(85/2)

شرح حديث: (يا رسول الله إني رجل أصيد أفأصلي في القميص الواحد؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يصلي في قميص واحد.
حدثنا
القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن موسى بن إبراهيم عن سلمة بن
الأكوع رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إني رجل أصيد، أفأصلي في
القميص الواحد؟ قال: نعم وأزرره ولو بشوكة)].
أورد أبو داود رحمه الله
تعالى هذه الترجمة، وهي: باب في الرجل يصلي في قميص واحد، يعني: ليس معه
شيء آخر، كأن يكون ليس معه إزار أو سراويل، ولاشك أن القميص إذا كان معه
سراويل أو معه أزار فإنه يحصل به كمال التستر، ولكن إذا لم يكن معه شيء
فإنه يكفي.
وقد أورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث سلمة بن الأكوع، أنه
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إني رجل أصيد، أفأصلي في الثوب
الواحد؟ قال: نعم، وأزرره ولو بشوكة).
والمقصود من قوله: (وأزرره ولو
بشوكة) يعني: أنه إذا كان جيبه واسعاً فإنه يزرره حتى لا تبدو عورته من جهة
جيبه؛ لأنه لو ركع أو خفض رأسه وجيبه واسع فإن عورته ترى من جهة جيبه،
ولكنه إذا أزرره بشيء ولو كان بشوكة فإن ذلك يكون به ستر العورة، وعدم
الاطلاع عليها من جهة الجيب، هذا هو المقصود من قوله: (وأزرره ولو بشوكة)؛
لأنه يكون بذلك ستر العورة من جهة الجيب فلا ترى، يعني: فيما إذا خفض
الإنسان رأسه أو كان راكعاً، فإنه إذا كان جيبه واسعاً فسترى عورته من جهة
جيبه.
ومعنى هذا: أن الصلاة في القميص الواحد سائغة، وأنه لا بأس بها،
ولكن إذا كان معه -أي: القميص- شيء يزيده في الستر كالإزار والسراويل فلاشك
أن هذا هو الأكمل والأفضل، وإذا لم يجد إلا قميصاً واحداً، والجيب ضيق،
ولا تبدو العورة منه فلا إشكال، وإن كان واسعاً قد تبدو منه العورة فإنه
يزره ولو بشوكة، كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(85/3)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:29 pm

اقتباس :


تراجم رجال إسناد حديث: (يا رسول الله! إني رجل أصيد أفأصلي في القميص الواحد؟)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد].
هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن موسى بن إبراهيم].
موسى بن إبراهيم مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سلمة بن الأكوع].
سلمة بن الأكوع رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(85/4)

شرح حديث جابر بن عبد الله: (إني رأيت رسول الله يصلي في قميص)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا يحيى بن أبي
بكير عن إسرائيل عن أبي حومل العامري -قال أبو داود: كذا قال، الصواب أبو
حرمل - عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال: أمنا جابر بن عبد
الله رضي الله عنهما في قميص ليس عليه رداء، فلما انصرف قال: (إني رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في قميص)].
أورد أبو داود رحمه الله
حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: (أمنا جابر بن عبد الله في قميص ليس عليه
رداء، فلما انصرف قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في
قميص).
يعني: أن الصلاة بالقميص الواحد سائغة، وهذا الحديث مثل الذي
قبله، وكذلك الأحاديث المتعددة في ذكر الصلاة بالقميص، والقميص كما هو
معلوم من أحسن الألبسة وأسبغها؛ لأنه يغني عن الإزار والرداء، ولكن إذا كان
معه إزار أو سراويل لا شك أنه يكون أكمل في التستر.
وجابر رضي الله عنه
أمهم في قميص ليس عليه رداء، والمقصود أنه ليس معه شيء آخر، والرداء يكون
على القميص يستر جيبه سواء كان ضيقاً أو واسعاً، ولا شك أن وجود شيء مع
القميص يكون أكمل، ولكن القميص يكفي إذا كان ساتراً.

(85/5)

تراجم رجال إسناد حديث: (إني رأيت رسول الله يصلي في قميص)
قوله: [حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع].
محمد بن حاتم بن بزيع ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يحيى بن أبي بكير].
يحيى بن أبي بكير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حومل العامري قال أبو داود كذا قال، والصواب أبو حرمل].
أي: أ، الراوي عنه قال: أبو حومل بالواو، والصواب: أبو حرمل بالراء، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر].
هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة.
[عن أبيه].
أبوه
هو عبد الرحمن بن أبي مليكة يروي عن جابر، وذكر أيضاً أنه مجهول، ومحمد بن
عبد الرحمن بن أبي بكر قال عنه الحافظ: لين الحديث، وقبل ذلك أبو حرمل
مجهول، فالإسناد ضعيف، ولو كان هؤلاء قد سلموا فإن أبا حرمل وحده كافٍ في
تضعيف الحديث، لكن الحديث متنه صحيح ومعناه صحيح؛ لأن الصلاة في قميص واحد
جاء ما يدل عليها، لكن الإسناد هذا غير صحيح.
[عن جابر].
هو جابر بن
عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس،
وجابر، وعائشة رضي الله عنهم وأرضاهم.
وفي الحديث الذي قبله: (أزرره ولو
بشوكة) فيه: موسى بن إبراهيم مقبول، والشيخ الألباني حسن الحديث، والذي
يبدو أن الأحاديث التي تتعلق بالصلاة في القميص الواحد كثيرة، والقميص هو
من أستر الألبسة، فكلها يشهد بعضها لبعض.
وقوله: (أزرره ولو بشوكة)،
يعني: إذا كان الجيب واسعاً تظهر منه العورة فيزرر ولو بشوكة، أما إذا كان
الجيب ضيقاً لا تظهر منه العورة فإنه لا يحتاج إلى أن يزر، وإنما يبدو أن
سلمة بن الأكوع كان يصيد، والصائد يحتاج إلى شيء واسع من الثياب، ولا يحتاج
إلى شيء يعيقه في الحركة، فقال: (أزرره ولو بشوكة)، يعني: حيث يكون
واسعاً.

(85/6)

إذا كان الثوب ضيقاً يتزر به
(85/7)

شرح حديث: (إذا كان واسعاً فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقاً فاشدده على حقوك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا كان الثوب ضيقاً يتزر به.
حدثنا
هشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ويحيى بن الفضل السجستاني
قالوا: حدثنا حاتم -يعني ابن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن
عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: أتينا جابراً -يعني ابن عبد الله -
قال: (سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فقام يصلي، وكانت عليّ
بردة ذهبت أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لي، وكانت لها ذباذب، فنكستها، ثم
خالفت بين طرفيها، ثم تواقصت عليها لا تسقط، ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، فجاء ابن
صخر حتى قام عن يساره، فأخذنا بيديه جميعاً حتى أقامنا خلفه، قال: وجعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقني وأنا لا أشعر، ثم فطنت به، فأشار إليّ
أن أتزر بها فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه سلم قال: يا جابر! قال: قلت
لبيك يا رسول الله! قال: إذا كان واسعاً فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقاً
فاشدده على حقوك)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب إذا كان الثوب ضيقاً يتزر به.
يعني:
أنه إذا كان الثوب ضيقاً قصيراً لا يكفي أن يجعل طرفيه على الكتفين بحيث
يغطيهما أو يغطي أحدهما، فإنه يكتفي بأن يشده على وسطه ويتزر به فقط، ولو
انكشف المنكبان؛ لأنه لا يقدر إلا على هذا اللباس القصير الذي لا يكفي إلا
للاتزار، وليس معه سعة بحيث يغطى بها المنكبين، هذا هو المقصود من هذه
الترجمة، أنه إذا كان الثوب ضيقاً فإنه يتزر به فقط، وإذا كان واسعاً يجعل
شيئاً منه على كتفيه.
وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله
تعالى عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، وكان عليّ بردة
أردت أن أخالف بين طرفيها) يعني: على كتفيه فلم تبلغ، يعني: ما كفت لأن تصل
إلى هذا الحد وهذا المقدار؛ لضيقها ولقصرها، وكان لها ذباذب، يعني: أهداب؛
لأن هذه الأهداب تتذبذب بالهواء أو بالحركة، فقيل لها: ذباذب، فنكسها وجعل
الذباذب تكون في الأعلى، ثم خالف بين طرفيها وتواقص، يعني: لفها عليه حتى
تصل إلى وراء العنق أو وراء الكتفين، وعمل هذه الهيئة، فالرسول صلى الله
عليه وسلم رآه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فجاء وصف عن يساره،
فأداره رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه، فجاء ابن صخر -وهو جبار -
فصف عن يساره، فأخذ بأيديهما ودفع بهما فجعلهما يذهبان ويكونان صفاً، فدل
هذا على أن المأموم الواحد يكون عن يمين الإمام، وأنه إن صف عن يساره فإنه
يديره عن يمينه، ولا يتركه عن يساره مع خلو يمينه، بل يديره إلى اليمين،
وإذا كانوا أكثر من واحد فإنهم يكونوا صفاً وراء الإمام، فإما أن يتقدم
الإمام حيث يكون هناك سعة، أو يتأخران ويكونان وراءه.
قوله: [(وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقني وأنا لا أشعر)].
أي:
جعل ينظر إلى هذه الهيئة التي فيها تواقص، وكونه قد انحنى من أجل هذه
البردة حتى تصل إلى المنكبين، وجعل ينظر إليه وهو لا يشعر، ففطن له جابر
رضي الله عنه، يعني: تنبه أنه يرمقه وينظر إلى هذه الهيئة.
قوله: [(فأشار إلى أن أتزر به)].
يعني: أنه أشار إليه بأن يتزر به فقط ولا يتوشح به.
ثم
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا جابر! قلت: لبيك يا رسول الله! قال:
إذا كان الثوب واسعاً فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقاً فاشدده على حقوك).
يعني:
أنه أمره أن يتزر به، ويشده على وسطه إلى الأسفل، يعني: من السرة وما
تحتها، فيشده بحيث يغطي السرة؛ لأن العورة من السرة إلى الركبة، فيستر ما
تحت السرة إلى الركبة وما نزل عن ذلك، بحيث لا يصل إلى حد الإسبال الذي
يتجاوز الكعبين.
ومحل الشاهد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
له: (إذا كان واسعاً فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقاً فاشدده على حقوك)،
يعني: اتزر به فقط، ولا يحتاج إلى أنك تخالف بين طرفيه، وتعمل هذه الهيئة
التي هي التواقص، بحيث يتمايل أو يلوي عنقه، أو يلم بعضه إلى ما فوق
الكتفين.

(85/Cool

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان واسعاً فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقاً فاشدده على حقوك)
قوله: [حدثنا هشام بن عمار].
هشام بن عمار صدوق، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي].
سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ويحيى بن الفضل السجستاني].
يحيى بن الفضل السجستاني مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[قالوا: حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل].
حاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة].
يعقوب بن مجاهد أبو حزرة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود.
[عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت].
عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وقد مر ذكره.

(85/9)

شرح حديث: (إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو قال: قال عمر رضي الله عنه: (إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم
يكن إلا ثوب واحد فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود)].
أورد أبو داود
رحمه الله حديث ابن عمر يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يعزوه
إلى عمر يعني: شك هل يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو ينسبه إلى عمر
رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
قوله: [(إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما)].
يعني: لأن هذا أكمل وأستر، والثوبان إزار ورداء، أو قميص وسراويل، أو قميص ورداء، يعني: أن يكون هناك قطعتان.
قوله: [(فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به)].
يعني: حيث يكون ضيقاً يتزر به فقط، وإذا كان واسعاً يخالف بين طرفيه كما سبق أن مر في الأحاديث.
قوله: [(ولا يشتمل اشتمال اليهود)].
قيل: إن اشتمال اليهود هو: أن يتوشح به، أي: يجلل بدنه الثوب ويسبله من غير أن يرفع طرفيه.

(85/10)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
عبد
الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من
الصحابة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم.
[أو قال: قال عمر].
هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمير
المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة،
والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

(85/11)

حكم ما يحصل في الإحرام من إسدال طرفي الرداء
قوله
في الحديث: (ولا يشتمل اشتمال اليهود) الآن يحصل في الإحرام أن الشخص يسدل
طرفي الرداء ولا يلفه على الكتف بمعنى أنه يجعله كالشماغ مسدلاً ولا يضم
طرفيه فهل هذا منهي عنه؟ الذي يبدو أن هذا ليس فيه بأس، والذي يبدو أن
اليهود لا يضعونه على الكتفين، وإنما يجلل أحدهم به بدنه ويسبله، ولا يجعل
أطرافه ترجع إلى كتفيه.
وفي الإحرام أحياناً الإنسان لا يلف الرداء؛ إما
لحر وإما لعذر آخر، فيخلي الطرفين، والمهم أن يكون فوق الكتفين؛ لأن
الإسبال إذا كان يترتب عليه سقوط لا يجوز، وذلك عندما ينكشف الكتفان، وكونه
يلفه على كتفيه يكون هذا سبباً في عدم السقوط؛ لأنه لو سقط انكشف، وهذا هو
السدل المنهي عنه في الصلاة، وهو أن يكون على الكتفين رداء، ويسدل بحيث
يكون عرضة للسقوط، ولكنه إذا لف الطرف على الكتف فلا بأس، ولا يكون عرضة
للسقوط.
وهذا الالتحاف الذي ذكر من فعل اليهود لا أدري هل هو مثل هذه
الهيئة التي يفعلها المحرم، أم أنه يلتحف أحدهم به على جسده من تحت
المنكبين، ويرسله ولا يلف أطرافه على الكتفين.
الحاصل: أن المحرم يكون
عليه إزار ورداء، فلا يسبل الرداء وهو يصلي، بل يلفه على الكتفين؛ لأن هذا
أمكن في عدم السقوط؛ لأنه لو سقط انكشف العاتقان، وقد جاء أن الإنسان لا
يصلي في الثوب الواحد وليس على عاتقه منه شيء.
كذلك الجبة لها أكمام،
والإنسان يدخل يديه في أكمام الجبة، والجبة مثل المشلح، يعني: توضع على
الكتفين ولها أكمام، والمشلح كذلك له أكمام، ولا شك أنه إذا أدخل يديه في
أكمامه لا ينشغل به؛ لأنه إذا كانت يداه من الداخل والكم من خارج فإنه
ينشغل به من ناحية كونه يظل يمسكه أو يرده وما إلى ذلك.

(85/12)

شرح حديث: (نهى رسول الله أن يصلى في لحاف لا يتوشح به)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي حدثنا سعيد
بن محمد حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح حدثنا أبو المنيب عبيد الله العتكي
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يصلى في لحاف لا يتوشح به، والآخر أن تصلي في سراويل وليس
عليك رداء)،].
أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في لحاف لا يتوشح به)].
واللحاف:
هو الذي يلتحف به الإنسان في نومه، ومعلوم أن اللحف إذا كانت طاهرة وليس
فيها نجاسة فإنها تستعمل، وإذا كانت فيها نجاسة فلا يجوز استعمالها، وهذا
هو التوفيق بين ما جاء في كونه يصلى في اللحف أو لا يصلى في اللحف، يعني:
أن المنع حيث تكون فيها نجاسة أو عرضة للنجاسة، والإباحة حيث تكون سليمة
ولا نجاسة فيها، وقوله: (نهى أن يصلى في لحاف لا يتوشح به)، معناه: أنه
يجعل شيئاً منه على كتفيه.
قوله: [(والآخر أن تصلي في سراويل وليس عليك رداء)].
يعني:
أنه ليس على كتفه منه شيء؛ لأن السراويل تكون على النصف الأسفل، والكتفان
لا نصيب لهما مع السراويل؛ لأن السراويل لا يكون شيء منها على الكتفين،
فكون الإنسان يصلي في سراويل فقط وليس على عاتقيه شيء نهى عن ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم، بل يصلي في سراويل وعليه رداء، فإذا لبس سراويل وعليه
رداء، أو صلى في سراويل وعليه قميص حصل المقصود، لكن لا يصلي في سراويل
دون أن يكون على كتفيه شيء؛ لأن السراويل مثل الإزار الضيق الذي يتزر به
الإنسان، ويجوز للإنسان أن يستعمله حيث لا يقدر إلا عليه، وإذا كان الإنسان
لا يقدر إلا على السراويل فإنه يصلي بالسراويل ولو لم يكن عليه شيء مادام
أنه لم يحصل إلا هذا، كالإنسان الذي لا يحصل إلا إزاراً ضيقاً يتزر به، ولا
يبقى منه شيء يصل إلى كتفيه.
فالحاصل: أن السراويل لا يصلى فيهما وحدهما مع القدرة على أن يضاف إليهما قميص أو رداء.

(85/13)

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله أن يصلى في لحاف لا يتوشح به)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي].
محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا سعيد بن محمد].
سعيد بن محمد صدوق، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح].
أبو تميلة يحيى بن واضح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو المنيب عبيد الله العتكي].
هو عبيد الله بن عبد الله العتكي، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن بريدة].
هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(85/14)

ما جاء في الإسبال في الصلاة
(85/15)

شرح حديث: (من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الإسبال في الصلاة.
حدثنا
زيد بن أخزم حدثنا أبو داود عن أبي عوانة عن عاصم عن أبي عثمان عن ابن
مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أسبل
إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام).
قال أبو داود: روى هذا جماعة عن عاصم موقوفاً على ابن مسعود، منهم حماد بن سلمة وحماد بن زيد وأبو الأحوص وأبو معاوية].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب الإسبال في الصلاة.
والمراد
بالإسبال: نزول الثياب عن الكعبين، هذا هو الإسبال، وهو الذي جاء التحذير
منه، ومن ذلك حديث: (من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه)، وهو حرام مطلقاً
في الصلاة وفي غير الصلاة.
لكن كون الإنسان يفعله في العبادة، ويؤدي
العبادة وهو مرتكب لهذا الذنب لاشك أن في ذلك خطورة، ومن المعلوم أن
الإسبال مطلقاً في جميع الأحوال حرام لا يجوز، وسواء كان في القميص أو في
الإزار أو في المشلح أو في الجبة أو في السراويل أو في أي لباس يلبس، فلا
يجوز للرجل أن يسبل ثيابه، ولا أن ينزل شيئاً من ثيابه عن الكعبين، بل يكون
حد ما يصل إليه وينزل إليه هو الكعبان، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما
أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار)، فهذا يدلنا على تحريم الإسبال،
وهو محرم في الصلاة وفي غير الصلاة، ولكنه إذا كان في الصلاة يكون الأمر
أخطر؛ لأن الإنسان يتلبس بعبادة، ومع ذلك هو مرتكب لمعصية وواقع فيها، ففي
الوقت الذي هو متلبس بالعبادة هو واقع في المعصية، ومرتكب لها.
قوله: [(من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام)].
المقصود من هذا أن من أسبل إزاره في صلاته خيلاء أنه متكبر ومتصف بهذا الوصف الخبيث الذي هو التكبر.
وقوله: (في حل ولا حرام)، فسر بعدة تفسيرات، منها: ليس من الله في حل في أن يحل له الجنة أو يحول بينه وبين السوء، أو ما إلى ذلك.
فالمقصود
من ذلك ذمه، وأنه ارتكب أمراً خطيراً، وهو أمر خطير في جميع الأحوال
لاسيما إذا كان الإنسان في الصلاة، فإن ذلك يكون في غاية الفظاعة والخبث.
ثم
ذكر أبو داود رحمه الله أنه جاء مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
من طريق ابن مسعود، وأن جماعة رووه عنه موقوفاً، ومن المعلوم أن مثل ذلك
الموقوف في حكم المرفوع؛ لأن مثل هذا الكلام لا يقال من قبيل الرأي وإنما
يصار فيه إلى التوقيف؛ لأن ما يتعلق بالوعيد وبالأمور التي فيها بيان عقاب
فإنه لا يكون من قبيل الرأي.
فعلى كل: جاء مرفوعاً وجاء موقوفاً، والموقوف في حكم المرفوع، ولا تنافي بين الوقف والرفع.

(85/16)

تراجم رجال إسناد حديث: (من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام)
قوله: [حدثنا زيد بن أخزم].
زيد بن أخزم ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو داود].
هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي عوانة].
هو وضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم].
هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عثمان].
أبو عثمان هو: عبد الرحمن بن مل النهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: روى هذا جماعة عن عاصم موقوفاً على ابن مسعود منهم حماد بن سلمة].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[وحماد بن زيد وأبو الأحوص].
حماد بن زيد مر ذكره، وأبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو معاوية].
أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(85/17)

شرح حديث: (وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى عن
أبي جعفر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما رجل يصلي
مسبلاً إزاره إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ، فذهب
فتوضأ ثم جاء، ثم قال: اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ، ثم جاء، فقال له رجل: يا
رسول الله! ما لك أمرته أن يتوضأ ثم سكتَّ عنه؟ فقال: إنه كان يصلي وهو
مسبل إزاره، وإن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره)].
أورد أبو
داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (بينما رجل يصلي
مسبلاً إزاره إذ قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ، وإن الله
لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره)].
هذا يدلنا على خطورة إسبال الإزار
والثياب، ولكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده أبو جعفر المؤذن الأنصاري، وقد
قيل: إنه مجهول، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، ولا يعتمد على
من كان كذلك إلا إذا توبع، فالحديث ضعيف، وقيل: إن الرسول صلى الله عليه
وسلم أمره بأن يتوضأ لعله يتفكر في حاله ولعل طهارته للظاهر تكون سبباً
لطهارة الباطن، وأن يحصل الانتقال من طهارة الظاهر إلى طهارة الباطن، وهو
السلامة من الخيلاء والكبر؛ لأن الإسبال يكون بسبب الخيلاء والكبر، ولكن
الحديث غير صحيح، وكون إسبال الثياب من الكبائر هذا جاء في الأحاديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء ما يدل على ذم الإسبال مطلقاً، وقد سبق
أن مرت الإشارة إلى ما حصل من عمر رضي الله عنه في مرض موته، وأنه لما
جاءه الشاب الذي أثنى عليه، ثم ذهب وإذا ثوبه يمس الأرض، فقال: (ردوا عليّ
الغلام، ثم قال له: ارفع ثوبك؛ فإنه أتقى لربك وأبقى لثوبك).

(85/18)

تراجم رجال إسناد حديث: (وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان].
هو أبان بن يزيد العطار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي جعفر].
هو
أبو جعفر المؤذن الأنصاري المدني، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب
المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة.
[عن عطاء بن يسار].
عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق فرضي الله تعالى عنه وأرضاه.

(85/19)

الأسئلة
(85/20)

حكم من صلى ساتراً من السرة إلى الركبة مع القدرة على ستر العاتق

السؤال
العلماء يقولون: العورة من السرة إلى الركبة، فلو أن إنساناً ستر هذا الموضع فقط، مع قدرته على الباقي ما حكم صلاته؟

الجواب
جاء في الحديث: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد وليس على عاتقه منه شيء)،
فصلاة الشخص ساتراً من السرة إلى الركبة مع عدم القدرة ليس فيه إشكال، وأما
مع القدرة فهنا الإشكال من ناحية تغطية الكتفين.
وأما كون ستر العورة
من شروط الصلاة فالعلماء يقصدون أن هذا هو الشيء الواجب، وأنه لا أقل منه،
أما أزيد منه وأكثر فهذا شيء مطلوب، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31].
والجمهور يشترطون الستر من السرة إلى الركبة، والإمام أحمد يرى الستر من السرة إلى الركبة وزيادة عليه العاتق.
فعند الحنابلة لابد من زيادة على هذا الشرط، لا يكفي أن يقال: من السرة إلى الركبة.
فلو
صلى الإنسان وستر ما بين السرة إلى الركبة فقط مع القدرة على ستر العاتق
فلا شك أن من قال: يعيد الصلاة أنه متعين عنده، وأنه من شرط صحة الصلاة،
وأنه يكون تابعاً لستر العورة.

(85/21)

حكم قضاء الصلاة على من تاب من ترك الصلاة

السؤال
أنا شاب امتن الله علي بالهداية قبل ثلاث سنوات، وكنت قبل هذه السنوات الثلاثة لا أصلي ولا أصوم، فهل يلزمني قضاء الصلاة والصوم؟

الجواب
لا يلزمك صلاة ما مضى، وإنما عليك أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً، وتندم
على ما مضى، واحرص في المستقبل على ألا تعود، وحافظ على الفرائض، وأكثر من
النوافل، واجتهد في طاعة الله عز وجل، والتوبة تجب ما قبلها.

(85/22)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:30 pm

اقتباس :


حكم من مس ذكره نسياناً

السؤال
ما حكم من مس ذكره نسياناً؟

الجواب
إذا مسه من غير ساتر فإنه ينتقض وضوءه، سواء كان ناسياً أو متعمداً.

(85/23)

حكم مصافحة المبتدع ومقابلته لأجل النصيحة

السؤال
نريد أن نزور مبتدعاً لننصحه، فهل يجوز لنا أن نقابله أو نصافحه، أو ندعوه بلقب الأستاذ؟

الجواب
نعم يجوز، فمادام أنك تريد نصحه فصافحه وادعه بلقب الأستاذ.

(85/24)

حكم هجر بعض الطلاب لأمر منكر

السؤال
إذا قام بعض الطلاب السلفيين بهجران بعض الطلاب فماذا نفعل؟

الجواب
إذا كان الهجر بسبب أمر منكر فقبل الهجران ينبغي النصح، والحرص على
التوجيه، والهجران لا يصار إليه إلا إذا ترتبت عليه فائدة، أما إذا لم
تترتب عليه فائدة فوجوده مثل عدمه.

(85/25)

حكم ذبح الهدي في اليوم الثالث عشر بعد صلاة العشاء

السؤال
شخص ذبح هديه في آخر أيام التشريق في اليوم الثالث عشر بعد صلاة العشاء، فهل هديه هذا صحيح؟

الجواب
على كل هو قضاء وليس بأداء، إذ كان الواجب عليه أن يذبحه في وقت الأداء،
وما دام أنه فعل، فإنه يصح ولكنه قضاء وليس بأداء، ولا أقول: إن حجه يكون
باطلاً، ولكنه قصر في عدم الإتيان به في الوقت المشروع، وما دام أنه قد
فعل، فإنه يصح قضاءً.

(85/26)

ضعف الحديث الدال على أن على الحاج أن يصلي أربعين صلاة في مسجد النبي

السؤال
صلينا الفجر في جامع آخر في المدينة غير المسجد النبوي، ونحن حجاج، فهل يحسب لنا أجر أربعين صلاة في المسجد النبوي؟

الجواب
أصلاً الصلاة الأربعين ليست بلازمة، فلا يلزم الإنسان أن يصلي أربعين
صلاة في المسجد النبوي، والحديث الذي ورد في هذا ضعيف، ولكن صلاتك في
المسجد النبوي الصلاة الواحدة بألف صلاة.
فإذا صليت أي صلاة في المسجد
النبوي فهي بألف صلاة، وكونك صليت في مسجد آخر وما تمكنت من الصلاة في
المسجد النبوي ليس عليك شيء، وما كنت تظنه من أن فيه أربعين ليس هناك شيء
يدل على ثبوت الأربعين.

(85/27)

حكم من أخذ المسبحة بغير إذن صاحبها بحجة أنها ليست سنة

السؤال
وجدت سبحة نسيها صاحبها في المسجد عدة أيام، فأخذتها لأنها ليست من السنة ولم أخبره، فهل فعلي صحيح؟

الجواب
كان الأولى لك أن تتركها ولا تأخذها، وكونك أخذتها ولم تخبره فكأنك أخذتها منه، وما دمت تعرف صاحبها فأرجعها إليه.

(85/28)

حكم رمق الإنسان غيره في الصلاة

السؤال
كيف نجمع بين الحديث: (وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقني)، وبين
الاختلاس الذي يختلسه الشيطان من المصلي عندما ينظر عن يمينه ويساره؟

الجواب
هذا الحديث ليس فيه دلالة على أنه كان يرمقه وهو في الصلاة، وإنما يكون في غير الصلاة، وليس معناه أنه حصل الفعل في نفس الصلاة.

(85/29)

ضابط الحركة الجائزة في الصلاة

السؤال
ما هو ضابط الحركة في الصلاة، وما هي الحركة التي تبطل بها الصلاة؟

الجواب
الحركة للحاجة لا بأس بها، مثل هذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم
من كونه أولاً: أدار جابر من جهة اليسار إلى جهة اليمين، ثم أرسل الاثنين
وراءه، فهذه الحركة من أجل الصلاة لا بأس بها.
وليس هناك مقدار معين
يقال فيه: إن من فعل كذا فإنه تبطل به الصلاة، ولكن الشيء الذي يكون فيه
حركات كثيرة وعدم إقبال على الصلاة فهذا هو الذي تبطل به الصلاة؛ لأن هذا
معناه: أن الإنسان غير ساكن في الصلاة، وأما تحديده بثلاث كما يقوله بعض
الناس فليس عليه دليل.

(85/30)

حكم إعادة الصلاة لأجل أن الأذان وقع قبل الوقت مع أن الصلاة أديت بعد دخول الوقت

السؤال
هناك أشخاص مؤذنهم أذن قبل المغرب بخمس عشرة دقيقة، ولكن الصلاة كانت بعد
دخول الوقت: فهل صلاتهم صحيحة، حيث إن الإمام أخبرهم بأن يعيدوا صلاتهم؟

الجواب
تعاد الصلاة إذا كان الأذان حصل خطأً حيث قدم عن وقته، والصلاة أديت في
وقتها، فلا تعاد الصلاة، وإنما تعاد لو كانت أديت قبل وقتها، فلو كانوا
صلوا قبل الغروب يعيدونها؛ لأنهم صلوا في غير الوقت.
وأما كون الأذان
أخطأ فيه المؤذن، وأذن قبل الوقت فلا يدل على إعادة الصلاة، مادام أن
الصلاة صليت في الوقت، وكان ينبغي أن يعاد الأذان عند دخول الوقت، فإنه إذا
كان في فلاة فالأمر في ذلك سهل، ولكن إذا كانوا في مكان وقد يسمعهم الناس
في البيوت فيبنون على هذا الأذان، فيصلون قبل الوقت، فيترتب على ذلك مضرة،
فكان المناسب أو المتعين أن يعاد الأذان، وأما الصلاة مادام أنها حصلت في
الوقت فلا تعاد؛ لأنه لو وجدت الصلاة بدون أذان وإقامة صحت ولا تعاد.

(85/31)

تقديم الجماعة الثانية على صلاة الجنازة

السؤال
شخص دخل المسجد وقد فاتته الجماعة، فوجد جماعة أخرى، ووجد الإمام يصلي
على الجنازة، فهل الأولى أن يدخل مع الجماعة ثم يصلي على الجنازة؟

الجواب
الجماعة كما هو معلوم تفوت، والجماعة هذه هي الصلاة المكتوبة، فإذا كان
صلاته في الجنازة تؤدي إلى فوات الجماعة، فإنه يترك صلاة الجنازة ويصلي مع
الجماعة.
فلا ينبغي للإنسان أن يتشاغل بصلاة الجنازة التي هي فرض كفاية، ويترك صلاة الجماعة التي هي واجبة عليه.

(85/32)

حكم لبس ثوبين في الصلاة

السؤال
هل لبس ثوبين من ثيابنا الحالية أفضل من لبس ثوب واحد؟

الجواب
كون الإنسان يلبس قميصين لا بأس به، ولكن كونه يلبس قميصاً وسراويل، أو
قميصاً وإزاراً، أو مع الفنيلة والسراويل أولى من كونه يلبس ثوبين بدون أن
يكون عليه إزار، وبدون أن يكون عليه سراويل؛ لأن هذا سبب في انكشاف العورة،
ولكن إذا كان عليه ثوب وسراويل فانكشاف العورة مأمون أكثر.
وإذا كان في برد يحصل بلبسه ثوبين دفء فلا بأس.

(85/33)

حكم الصلاة في ثياب تشف البشرة

السؤال
تعلمون الآن أن كثيراً من الناس يلبس هذه الثياب المعروفة، ويلبس أحياناً
سراويل قصيرة دون الركبة، وربما تشف هذه الثياب لون البشرة، فما حكم
الصلاة؟

الجواب
إذا كانت الثياب
تشف البشرة، وكانت غير ساترة، فلا تصح الصلاة مع ذلك، وإنما على الإنسان أن
يلبس سراويل كافية تغطي ما بين السرة والركبة، وإذا لبس عليها شيئاً
شفافاً لا يضر، وأما كونه تبدو العورة من وراء هذا الشفاف، فهذا الشفاف
وجوده مثل عدمه، لكن إذا لبس سراويل طويلة تغطي ما بين السرة والركبة ثم
لبس الشفاف فلا بأس.
وإذا صلى بدون فنيلة فشف الثياب عن العاتق فلا بأس بذلك.

(85/34)

شرح سنن أبي داود [086]
من
شروط الصلاة: ستر العورة، ويختلف حد العورة بين الرجل والمرأة، فالمرأة في
الصلاة لا يجوز لها أن تكشف غير وجهها وكفيها، فعليها أن تحرص على الستر
الكامل في الصلاة، وخاصة إذا بلغت سن المحيض، وأما الرجل فعورته من السرة
إلى الركبة.

(86/1)

في كم تصلي المرأة؟
(86/2)

شرح أثر أم سلمة: (تصلي في الخمار والدرع السابغ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كم تصلي المرأة.
حدثنا
القعنبي عن مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة رضي
الله عنها: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: (تصلي في الخمار والدرع
السابغ الذي يُغيَّب ظهور قدميها)].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: باب في كم تصلي المرأة.
يعني:
من الثياب، والمقصود من هذه الترجمة: أن المرأة تصلي بما يستر جسمها من
الثياب، وتغطي رأسها وسائر جسمها، حتى قدميها وكفيها، وإنما تكشف وجهها،
وهذا هو الذي عليها أن تفعله، وليس هناك مقدار من الثياب أو عدد من الثياب
يجب عليها أن تلبسه، ولكنها تلبس ما يغطي رأسها من خمار ودرع بحيث يغطي
جسدها كله حتى قدميها، هذا هو المراد من هذه الترجمة.
وقد أورد أبو داود
رحمه الله الحديث عن أم سلمة وهو من بعض الطرق موقوفاً عليها، ومن بعضها
مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن المرأة تلبس خماراً ودرعاً
يغطي جسدها حتى ظهور قدميها.
وهذا الذي أورده أبو داود في الأول أثر
موقوف، وفيه: أن أم محمد بن زيد بن قنفذ سألت أم سلمة رضي الله تعالى عنها
عما تصلي به المرأة، فقالت: تصلي في خمار ودرع يغيب ظهور قدميها، يعني:
يغطي ظهور قدميها، وهذا هو المطلوب من المرأة، لكن لو صلت وقد بدت قدماها
أو كفاها لا يقال: إن عليها الإعادة؛ لأنه لم يثبت حديث عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم يدل على أن ذلك لازم ومتعين، ولكن كونها تكون متسترة، وآخذة
بما هو أحوط لها في دينها، وبما هو أسلم وأريح لها في نفسها؛ فهذا هو الذي
عليها أن تفعله، لكن لو صلت وقد بدت قدماها أو كفاها فإن صلاتها صحيحة؛
لأنه لم يثبت في تغطية ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(86/3)

تراجم رجال إسناد أثر أم سلمة: (تصلي في الخمار والدرع السابغ)
قوله: [حدثنا القعنبي].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو
مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب
المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب
الستة.
[عن محمد بن زيد بن قنفذ].
هو محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أمه].
أمه مستورة، أخرج حديثها أبو داود وحده.
[عن أم سلمة].
هي هند بنت أبي أمية، وهي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(86/4)

شرح حديث: (إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مجاهد بن موسى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا
عبد الرحمن بن عبد الله -يعني ابن دينار عن محمد بن زيد بهذا الحديث قال:
عن أم سلمة رضي الله عنها: (أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي
المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور
قدميها)].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، والأول موقوف على أم سلمة
من كلامها، وأما هذا فهو مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن
الذي سئل هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، سألته أم سلمة، والذي أجاب
بذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجاب بأن المرأة تصلي بخمار وبدرع
يغطي ظهور قدميها.

(86/5)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)
قوله: [حدثنا مجاهد بن موسى].
هو مجاهد بن موسى الخوارزمي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عثمان بن عمر].
عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن عبد الله -يعني ابن دينار -].
عبد الرحمن بن عبد الله صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن محمد بن زيد].
محمد
بن زيد وأمه وأم سلمة مر ذكر هؤلاء الثلاثة، وهذا الإسناد فيه بالإضافة
إلى أم محمد بن زيد عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وهو صدوق يخطئ.

(86/6)

ترجيح الوقف في حديث: (إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها)
[قال
أبو داود: روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل
بن جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة رضي
الله عنها، لم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم، قصروا به على أم
سلمة رضي الله عنها].
ذكر أبو داود رحمه الله أن الطريق التي تقدمت فيها
أن الحديث مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يروي عن محمد بن
زيد في الطريق السابقة هو عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وهو صدوق يخطئ،
فهو الذي جاء من طريقه رفع الحديث عن أم سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وأما غيره فإنهم رووه موقوفاً على أم سلمة، ولم يبلغوا به رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الذين رووه موقوفاً منهم مالك، ومعلوم أن
الطريقة السابقة التي قبل هذه هي عن مالك وهي موقوفة، ولكنه أشار إلى أن
مالكاً في الطريق السابقة جاء عنه موقوفاً، وجاء عن غيره، أي: عن غير مالك
مثل ما جاء عن مالك، يعني: من أنه موقوف على أم سلمة، وإنما الذي رفعه من
طريقه هو عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وكل من الإسنادين الموصول
والموقوف فيه أم محمد بن زيد، وهي مستورة، كما قال الحافظ ابن حجر.
قوله: [روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر].
بكر بن مضر ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[وحفص بن غياث].
حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وإسماعيل بن جعفر].
إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وابن إسحاق].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة لم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم].
يعني:
أنهم وقفوا عند أم سلمة، ولم يبلغوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون
موقوفاً؛ لأن الطرق كلها تدور على محمد بن زيد عن أمه، وأمه مستورة، والحكم
بأنها مستورة هذا من الحافظ، وفي النسخة الثانية هذا الكلام غير موجود،
وإنما هو عند أبي الأشبال، ووضعه بين قوسين.
فأولئك سكتوا وما ذكروا
درجة لها، وأبو الأشبال ذكر ذلك، ولكن جعله بين قوسين، وهذا على الاصطلاح
الذي ذكره في المقدمة، فإنه ذكر أنه يدخل بعض الأشياء إذا وقف عليها من
كلام الحافظ في غير التقريب.
والشيخ الألباني في التعليق على المشكاة
قال: إنه لا يثبت من حيث الإسناد لا من الطريق المرفوعة ولا من الطرق
الموقوفة، فكلها غير ثابتة من حيث الإسناد، ولعل السبب هو تلك المرأة.
يقول
أبو الأشبال: والزيادات التي من عندي هي أصلاً من نص كلام الحافظ أو المزي
من التهذيبين أو تحفة الأشراف أو النكت إذا مست الحاجة إلى زيادتها بين
القوسين، وأحياناً أبين مصدرها في التعليق، وتركت أكثرها؛ لأن مصدرها
التهذيبان.
يعني: أنها مأخوذة من تهذيب الكمال أو تهذيب التهذيب.

(86/7)

ما جاء في المرأة تصلي بغير خمار
(86/Cool

شرح حديث: (لا يقبل الله صلاة حائض بغير خمار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المرأة تصلي بغير خمار.
حدثنا
محمد بن المثنى حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا حماد عن قتادة عن محمد بن
سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صلاة حائض بغير خمار).
قال أبو داود: رواه سعيد -يعني ابن أبي عروبة - عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب المرأة تصلي بغير خمار.
يعني:
أنه لا يجوز أن تصلي بغير خمار كاشفة رأسها، وإنما عليها أن تصلي بالخمار؛
لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تقبل صلاة المرأة إذا كانت
بالغة إلا بخمار.
وأورد أبو داود حديث عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار).
والمقصود
بالحائض البالغ التي بلغت سن المحيض وليس المقصود به الحائض في وقت الحيض؛
لأن الحائض لا يجوز لها أن تصلي، ولا يجوز لها أن تصوم في أيام حيضها،
ولكنها تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.
إذاً: فالمقصود من قوله صلى الله
عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض) يعني: بالغ؛ لأن الحيض من أسباب
البلوغ، وكذلك أيضاً إذا بلغت المرأة بدون الحيض بأن أكملت خمس عشرة سنة،
فإنها تكون قد بلغت بذلك، وصارت مكلفة، ولكن ذكر الحيض لأن المرأة إذا حصل
منها الحيض في أي سن وفي أي وقت ولو كان في وقت مبكر قبل إتمام الخامسة
عشرة فإنها تكون مكلفة، وتكون بذلك قد بلغت وصارت من أهل التكليف، وأنه يجب
عليها أن تغطي رأسها وألا تصلي إلا وقد لبست الخمار على رأسها، والخمار:
هو ما يغطى به الرأس، وكذلك ما يغطى به الوجه؛ لأن التخمير: هو التغطية،
وقيل له: خمار؛ لأنه يغطى به الرأس، فقوله: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا
بخمار) يعني: بالغ، فلا يقبل الله صلاة بالغ إلا بخمار، ومعناه: أنه لا تصح
صلاتها إلا إذا غطت رأسها بخمار.

(86/9)

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يقبل الله صلاة حائض بغير خمار)
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى].
هو
محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب: الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب
الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فإنهم رووا عنه مباشرة وبدون
واسطة، وكانت وفاته سنة (252هـ)، قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهو من
صغار شيوخ البخاري، ويوافقه في سنة الوفاة، وكونه أيضاً من شيوخ البخاري
الصغار: محمد بن بشار ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فإن هؤلاء الثلاثة ماتوا
في سنة واحدة، وهي سنة (252هـ) قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وهم متفقون
في سنة الوفاة، وفي كونهم من شيوخ أصحاب الكتب الستة جميعاً.
[حدثنا حجاج بن المنهال].
الحجاج بن المنهال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن سيرين].
هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صفية بنت الحارث].
صفية بنت الحارث صحابية، وقال ابن حبان: هي من ثقات التابعين، وحديثها أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
والصحابة
رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم يكفي الواحد منهم شرفاً أن ينص على أنه صحب
النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحتاج إلى توثيق الموثقين، وتعديل المعدلين،
بل يكفي أن يذكر أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وقول ابن حبان: هي من
ثقات التابعين، أي: ليست صحابية، فينص عند الاختلاف على كونه ثقة أو غير
ثقة، لكن حيث يكون صحابياً يكفي أن يطلق عليه ذلك الوصف العظيم الذي من ظفر
به فقد ظفر بالخير الكثير في هذه الحياة الدنيا، وهو التشرف برؤية النبي
صلى الله عليه وسلم وصحبته، والنظر إليه، وسماع كلامه، وسماع صوته صلى الله
عليه وسلم، فإن هذا مما اختص به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي
الله تعالى عنهم وأرضاهم، فلا يذكرون عن الشخص إذا كان صحابياً كلاماً قيل
فيه: كذا وقيل فيه: كذا ولا يقال فيه إلا: إنه صحابي، وحيث قيل له: صحابي
يكفي، ولا يضاف إلى ذلك شيء إلا إذا كان شيئاً يتميز به بعض الصحابة على
بعض، كأن يكون بدرياً أو يكون ممن شهد الحديبية؛ فإنهم ينصون على ذلك،
فيقولون: هذا صحابي من أهل بيعة الرضوان، أو صحابي شهد بدراً، أو صحابي
كذا، وإلا فإنهم يكتفون بكلمة: صحابي.
[عن عائشة].
عائشة أم المؤمنين
رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها،
وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،
ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

(86/10)

طريق أخرى لحديث: (لا يقبل الله صلاة حائض بغير خمار)
[قال أبو داود: رواه سعيد -يعني ابن أبي عروبة - عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم].
ذكر
أبو داود طريقاً أخرى علقها، وهي مرسلة، يعني: لم يذكر فيها الصحابي،
وإنما هي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحسن البصري، وإسناد
الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم منه يعتبر مرسلاً؛ لأن المرسل عند
المحدثين هو الذي يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتعريفه
بأنه: هو الذي قال فيه التابعي: قال رسول الله، أحسن من قول من قال:
المرسل هو: من سقط منه الصحابي؛ لأن سقوط الصحابي لا يؤثر؛ لأنه لو كان ما
سقط منه إلا الصحابي فإن ذلك لا يؤثر، وإنما الذي يخشى أن يكون سقط مع
الصحابي رجل آخر غير صحابي، وعند ذلك يكون التأثير، فالمرسل عند المحدثين
هو ما قال فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أنه أرسله
وأضافه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وأما في اصطلاح الفقهاء
-ويأتي كثيراً استعماله عند المحدثين- فهو: رواية الراوي عمن لم يلقه، أو
لم يدرك عصره، فيقال: فلان يرسل، معناه: أنه يسند الحديث إلى شخص لم يلقه
ولم يدرك عصره، أي: أنه يوجد سقط، وهذا أعم وأوسع من المرسل في اصطلاح
المحدثين، فالمحدثون قصروه على قول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم كذا.
وأما اصطلاح الفقهاء فهو: ما تكون فيه رواية الراوي عمن لم
يدركه، وسواء كان في أعلى الإسناد أو وسطه، إذ لا يقتصر السقوط على أعلى
الإسناد.
قوله: [رواه سعيد يعني ابن أبي عروبة].
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
قتادة مر ذكره.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة فقيه يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(86/11)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:32 pm

اقتباس :


شرح حديث: (فإني لا أراها إلا قد حاضت أو لا أراهما إلا قد حاضتا)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب
عن محمد أن عائشة رضي الله عنها نزلت على صفية أم طلحة الطلحات، فرأت بنات
لها فقالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل وفي حجرتي جارية، فألقى
لي حقوه وقال لي: شقيه بشقتين، فأعطي هذه نصفاً، والفتاة التي عند أم سلمة
نصفاً، فإني لا أراها إلا قد حاضت، أو لا أراهما إلا قد حاضتا).
قال أبو داود: وكذلك رواه هشام عن ابن سيرين].
أورد
أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أنها دخلت على صفية أم
طلحة الطلحات ورأت عندها بنات فقالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل
وعندي جارية، فأعطاني حقوه وقال: شقه بشقتين، فأعطي هذه نصفاً وأعطي الفتاة
التي عند أم سلمة نصفاً؛ فإني لا أراها إلا قد حاضت، أو لا أراهما إلا قد
حاضتا).
والجارية قيل: هي التي لم تبلغ، والمقصود من إيراد الحديث هو:
أن النبي عليه الصلاة والسلام ظن أنهما قد بلغتا وقد حاضتا، فأعطاهما حقوه
-وهو الإزار الذي يشد على الحقو- وقال: اقطعيه بينهما قطعتين، وأعطي كل
واحدة منهما قطعة، حتى تستعمله في صلاتها؛ لأن المرأة لا تصلي إلا بخمار
إذا كانت قد بلغت كما مر في الحديث السابق، (لا يقبل الله صلاة حائض إلا
بخمار).

(86/12)

تراجم رجال إسناد حديث: (فإني لا أراها إلا قد حاضت أو لا أراهما إلا قد حاضتا)
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد].
هو محمد بن عبيد بن حساب الغبري البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو
محمد بن سيرين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو لم يدرك عائشة،
ففي السند انقطاع بين محمد بن سيرين وبين عائشة؛ لأنه يحكي عن عائشة وهو لم
يدركها، ففيه انقطاع، ولهذا الألباني ذكر هذا الحديث في الضعيفة، ولعله من
أجل هذا الانقطاع الذي بين محمد بن سيرين وبين عائشة، لكن هذا الحديث
معناه مطابق للحديث السابق من جهة: أن الحائض تحتاج إلى أنها تغطي رأسها
كما الحديث السابق، لكن هذا من حيث الإسناد فيه انقطاع.
[قال أبو داود: وكذلك رواه هشام، عن ابن سيرين].
لا أدري من هشام هذا، هل هو ابن حسان أو الدستوائي.
وعلى كلٍ فكلاهما ثقة.

(86/13)

ما جاء في السدل في الصلاة
(86/14)

شرح حديث: (أن رسول الله نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في السدل في الصلاة.
حدثنا
محمد بن العلاء وإبراهيم بن موسى عن ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان عن
سليمان الأحول عن عطاء قال إبراهيم: عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه).
قال أبو داود: رواه عسل عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة)].
أورد
المصنف رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب السدل في الصلاة، والسدل في الصلاة
فسر بأنه: ترك الثياب مرسلة ومسدلة دون أن يلفها أو يخالف بينها، وذلك
فيما إذا كان الإنسان عليه إزار ورداء، فلا يضم أحد طرفيه على كتفيه أو
يلمهما بين يديه عندما يصلي وهو قائم، أو لا ينصب على كتفه حيث يكون
راكعاً؛ لأن ذلك عرضة للسقوط إذا كان قد أسدل الأطراف، فينكشف العاتق أو
تنكشف المناكب، وقد (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل في الثوب
الواحد ليس على عاتقه منه شيء)، فسدل الرداء، وعدم ضم بعضه إلى بعض يكون
عرضة لسقوطه وانكشاف المنكب الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كشفه في
الصلاة، هذا أقرب التفاسير التي قيلت في معنى السدل.
لكن لو كان الإنسان
عليه قميص، وعلى القميص رداء فلا يؤثر السدل هنا؛ لأنه لا يترتب عليه شيء؛
لأن المنكبين قد غطيا بالقميص سواء وجد الرداء أو لم يوجد.
قوله: [(وأن يغطي الرجل فاه)].
يعني:
أن يصلي متلثماً قد غطى فاه، فينبغي للمصلي أن يكون كاشفاً وجهه، وإذا
غطاه لحاجة أو لأمر اقتضى ذلك فلا بأس به، أما أن يغطيه من غير حاجة فقد
جاء النهي عن ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(86/15)

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
هو: محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وإبراهيم بن موسى].
إبراهيم بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن المبارك].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[الحسن بن ذكوان].
الحسن بن ذكوان صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن سليمان الأحول].
سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو ابن أبي رباح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال إبراهيم: عن أبي هريرة].
إبراهيم هو الشيخ الثاني من شيوخ أبي داود، يعني: أن هذا لفظ إبراهيم، وليس لفظ الشيخ الأول الذي هو محمد بن العلاء.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.
[قال أبو داود: رواه عسل عن عطاء، عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة)].
ذكر المصنف طريقاً أخرى رواها عسل، عن عطاء، عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة).
وعسل تميمي، وهو ضعيف، أخرج حديثه أبو داود والترمذي.
[عن عطاء، عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهما.

(86/16)

شرح أثر ابن جريج: (أكثر ما رأيت عطاءً يصلي سادلاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: (أكثر ما رأيت عطاءً يصلي سادلاً).
قال أبو داود: وهذا يضعف ذلك الحديث].
أورد
المصنف هذا الأثر المقطوع الذي ينتهي به الإسناد إلى عطاء، والمقطوع عند
المحدثين هو: المتن الذي ينتهي الإسناد فيه إلى من دون الصحابي، فالمتن إذا
انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: مرفوع، وإن انتهى إلى
الصحابي قيل له: موقوف، وإن انتهى إلى من دون الصحابي قيل له: مقطوع.
والمقطوع غير المنقطع؛ لأن المنقطع من صفات الإسناد، كسقوط راوٍ بين راويين مثلاً، وأما المقطوع فهو من صفات المتن.
قال ابن جريج: (أكثر ما رأيت عطاءً يصلي سادلاً).
وقال أبو داود: وهذا يضعف هذا الحديث؛ لأن عطاءً هو الذي يروي الحديث، ومع ذلك كان يسدل.
والصواب:
أن هذا لا يضعف الحديث؛ لأنه يمكن أن يكون سدل، وعنده شيء يغطي به منكبيه
كالقميص، كأن يسدل رداءً فوق القميص، أو أنه كان يفعل شيئاً آخر، وكما يقول
العلماء: العبرة بما روى الراوي لا بما رأى، فإنه يعول على ما أضافه إلى
رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يعول على رأيه.

(86/17)

تراجم رجال إسناد أثر ابن جريج: (أكثر ما رأيت عطاءً يصلي سادلاً)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع].
محمد بن عيسى بن الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي في (الشمائل)، والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا حجاج].
هو ابن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
وقد مر ذكره.

(86/18)

الأسئلة
(86/19)

مدى صحة قصة إساف ونائلة

السؤال
ذكر محمد بن إسحاق في كتابه السيرة: أن إسافاً ونائلة كانا بشرين، فزنيا
داخل الكعبة، فُمسخا حجرين، فنصبتهما قريش تجاه الكعبة؛ ليعتبر بهما الناس،
فلما طال عهدهما عُبدا، ثم حولا إلى الصفا والمروة، فنصبا هنالك، فكان من
طاف بالصفا والمروة يستلمهما، هل هذا الكلام صحيح؟

الجواب
صحة هذه القصة تنبني على النظر في الأسانيد إذا وجدت، وهل هي سليمة أو
لا؟ فلا أدري هل هذا الذي ذكره محمد بن إسحاق مروي بإسناد أو أنه بدون
إسناد.

(86/20)

حكم من حج مفرداً، ثم أحرم بالعمرة بعد الانتهاء من مناسك الحج

السؤال
رجل حج مفرداً، ثم أحرم بالعمرة بعد الانتهاء من مناسك الحج، وبعد أيام التشريق اعتمر، فما حكم عمله؟

الجواب
لو اعتمر قبل الحج لكان متمتعاً، ولكان ذلك أتم وأكمل، وحيث لم يحصل ذلك،
وإنما حصل هذا الذي ذكره، فنسأل الله أن يتقبل منه، ولكن في المستقبل
ينبغي له أن يدخل مكة معتمراً.

(86/21)

كيفية التعامل مع بعض الدعاة وطلبة العلم المخالفين بعد نصحهم

السؤال
كيف نتعامل مع بعض الدعاة وطلاب العلم المسبلين ثيابهم، أو الذين يلبسون البنطلون بعد قيام الحجة عليهم؟

الجواب
على الإنسان أن ينصح ويكرر النصح، ولا ييئس من ذلك، وكذلك ينظر مَن مِن
الناس يكون له منزلة عند هذا الشخص؛ حتى ينصحه لعله يستفيد، هذا هو الذي
ينبغي أن يعامل به الإنسان.

(86/22)

حكم متابعة الإمام إذا زاد ركعة خامسة

السؤال
دخلت المسجد والناس يصلون صلاة رباعية، وقد فاتتني ركعة واحدة، وصلى الإمام بهم خمس ركعات، فهل أزيد ركعة معه، أم لا؟

الجواب
الركعة التي زادها الإمام ليست معتبرة لا في حقه ولا في حق غيره، وليس للإنسان المسبوق أن يعتبرها، بل يأتي بركعة أخرى سواها.

(86/23)

حكم إخراج زكاة الفطر خارج البلد

السؤال
هل يجوز لي إخراج زكاة الفطر خارج البلد الذي أسكن فيه؟

الجواب
الأصل أنها تخرج في المكان الذي يكون فيه الإنسان، وإن حصل أن أخرجت إلى
مكان آخر فلا بأس، مثل إنسان يوكّل آخر في يوم العيد أن يخرج زكاة الفطر
نيابة عنه، فيجوز ذلك، لكن الأولى أن تكون في البلد الذي يكون فيه الإنسان.

(86/24)

حكم إمامة من يخطئ في قراءة الفاتحة

السؤال
هل يجوز أن أصلي خلف من يقرأ فاتحة الكتاب ويقرأ: (مالكَ يومَ الدين)؟

الجواب
لا يجوز أن يكون مثل هذا إماماً، وإنما الصواب: (مالكِ يومِ الدين)،
فلابد من قراءة الفاتحة وإتقانها، لاسيما ممن يكون إماماً، فعليه أن
يتقنها، وأن يضبطها، وليس له أن يكون مقصراً فيها لا لنفسه خصوصاً، ولا
لكونه إماماً يصلي بالناس، فمثل هذا لا يصلح أن يكون إماماً، فينبغي للسائل
أن يبين له، وأن يُعلّم، وإذا كان مولىّ من غيره فعليه أن يسعى إلى إبداله
بمن يتقن القراءة، وبمن لا يحصل منه مثل هذا الخطأ في القراءة.

(86/25)

حكم التفريق بين الحرة والأمة في كشف الرأس في الصلاة

السؤال
ما هو الدليل على التفريق بين الحرة والأمة من حيث إن الحرة لا يجوز لها
أن تكشف رأسها في الصلاة، والأمة يجوز لها كشف رأسها في الصلاة؟

الجواب
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) يدل بعمومه
على التسوية بين الحرائر وغير الحرائر، فلم يفرق بين حرة وأمة، فظاهره يدل
على التعميم، ولا أعلم شيئاً يدل على أن المرأة يختلف حكمها من حيث كونها
حرّة أو أمة، والأحكام الأصل فيها التساوي إلا إذا جاء شيء يدل على
التفريق.

(86/26)

حكم التزين لصلاة الجمعة بمشلح

السؤال
هل الأفضل للإنسان أن يصلي الجمعة بمشلح؟

الجواب
الأفضل للإنسان أن يلبس ما فيه كمال الزينة، وذلك في الجمعة وغير الجمعة،
وكذلك أيضاً إذا خصت الجمعة بشيء، مثلما جاء في قصة عمر أنه طلب من الرسول
صلى الله عليه وسلم أن يشتري الحلة التي كانت تباع عند المسجد؛ ليتخذها
رسول الله صلى الله عليه وسلم للجمعة وللوفود، وكذلك للعيدين، فهذا يدل على
أن الجمعة يستحب أن الإنسان يتجمل فيها.
فإذا كان لُبس المشلح يظهر من الجمال، ومن كمال الهيئة، فإنه ينبغي عليه أن يكون كذلك.

(86/27)

حكم انكشاف شيء من قدم المرأة أو شعرها في الصلاة

السؤال
هل تبطل صلاة المرأة بانكشاف شيء من قدمها أو شعرها في الصلاة؟

الجواب
أما فيما يتعلق بالنسبة للقدم فلا نعلم شيئاً يدل على البطلان، وأما
بالنسبة لانكشاف الرأس، فإذا حصل شيء غير مقصود ولم تعلم به من خروج بعض
الشعر فصلاتها صحيحة.

(86/28)

بيان عدم نقض القيء للوضوء

السؤال
هل القيء ينقض الوضوء؟ وهل هو طاهر أو نجس؟

الجواب
لا أعلم شيئاً يدل على أنّ القيء ينقض الوضوء، ولا أعلم شيئاً يدل على نجاسته.

(86/29)

حكم إطلاق لفظ (سيدنا) على النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال
بالنسبة لتسييد الرسول صلى الله عليه وسلم خارج الصلاة، أيهما أفضل التسييد أو ترك ذلك؟

الجواب
الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم -وهم خير الناس- ما كانوا يستعلمون كلمة
(سيدنا)، وكلمة (سيدي)، وإنما يوجد هذا عند المتأخرين، ولم يكن معروفاً عند
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدليل على هذا أنك إذا قرأت (صحيح
البخاري) أو (صحيح مسلم) أو (سنن أبي داود) أو (جامع الترمذي) أو (سنن
النسائي) أو (مسند الإمام أحمد) الذي فيه أربعون ألف حديث أو غير ذلك، فإنك
تجد الصحابي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ولا تجد أنه
قال: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
وإنما يذكرون وصفه
عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وقد قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري):
(إن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكنيته حسن، وذكره بوصف الرسالة أحسن)،
فكانوا يذكرونه بوصف الرسالة، وبوصف النبوة صلى الله عليه وسلم، ولم يكونوا
يقولون: (سيدنا)، مع أنه سيدهم، وسيد الأولين والآخرين، وسيد الناس أجمعين
عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد الناس يوم
القيامة ولا فخر)، وقال: (أنا سيد الناس يوم القيامة)؛ وهو أيضاً سيد الناس
في الدنيا، لكنه نص على الآخرة؛ لأنه يظهر سؤدده على الجميع من لدن آدم
إلى الذين قامت عليهم الساعة، فقد ذكر حديث الشفاعة العظمى، ثم ذكر قيامه
مقاماً يحسده عليه الأولون والآخرون، وذكر أنه يكون سيدهم عليه الصلاة
والسلام، فقال: (أنا سيد الناس يوم القيامة).
وأما ما يفعله بعض الناس
من كونهم لا يسمعون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويقولون: سيدنا، ولا
يسمعون ذكر صحابي من الصحابة إلا ويقولون: سيدنا، فهذا اللفظ لم يكن من
ألفاظ الصحابة، ولهذا من قرأ كتب العلم وكتب الحديث لا يجد ذلك مع كثرتها
وكثرت أحاديثها.
إذاً: فهذا من الأشياء الجديدة، ومن المعلوم أن الرسول
صلى الله عليه وسلم هو سيدنا وسيد الخلق أجمعين، ولكن هل شرع لنا أن نقول
هذا؟ وهل ينبغي لنا أن نفعل شيئاً ونلتزمه ولم يفعله السلف ولم يلتزموه؟
فهم أسبق الناس إلى كل خير، وأحرص الناس على كل خير.

(86/30)

حكم السجود على العمامة أو الطاقية ونحوها

السؤال
إذا غطى جبين المصلي الشعر أو الطاقية، فما حكم هذا الفعل؟ وهل يلزم إلصاق الجبين على الأرض مباشرة دون حائل؟

الجواب
الجبهة والأنف هي التي توضع على الأرض، والإنسان عليه ألا يغطي جبهته،
لكن إذا كانت هناك عمامة أو طاقية غطت بعض الرأس، أو بعض الجبهة، وسجد على
الجبهة، وعلى بعض العمامة أو بعض الطاقية فإن ذلك لا يؤثر.

(86/31)

حكم إرخاء طرفي العمامة أو الشماغ في الصلاة

السؤال
العمامة أو الشماغ الذي يلبسه بعضهم عند الصلاة يرخون طرفيه عند الركوع، هل هذا يعد من السدل؟

الجواب
لا، ليس هذا منه؛ لأن السدل إنما يكون في شيء يترتب عليه مضرة، كالإنسان
الذي يكون عليه رداء، فيتعرض بسبب ذلك للسقوط، أما إذا كان على الإنسان
قميص، وعليه غتره، وعليه مشلح ولم يمسك أطرافها، أو لم يلف أطرافها، أو لم
يجمع بعضها إلى بعض فإن ذلك لا يؤثر.

(86/32)

حكم تغطية الرأس في الصلاة للنساء الكبيرات

السؤال
بعض النساء الكبيرات يتساهلن في تغطية الرأس عند الصلاة خاصة في البيوت،
فيلبسن ما يغطي الرأس، ولكن أحياناً يظهر بعض الشعر والأذن، فهل يدخلن في
حديث عائشة رضي الله عنها: (لا يقبل الله صلاة حائض بغير خمار)؟

الجواب
لا شك أنهن داخلات في ذلك؛ لأن هؤلاء قد كبرن وتجاوزن المحيض، والمقصود
من ذلك التي بلغت، وكل من تجاوزت البلوغ وما بعد ذلك ولو أيست فإن عليها أن
تغطي رأسها بخمار في الصلاة، لكن إذا انكشف شيء من الرأس أو من أطراف
الرأس فإنّه لا يبطل الصلاة.

(86/33)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:34 pm

اقتباس :


حكم تكرار بعض الآيات في الصلاة الجهرية

السؤال
هل يجوز للإمام في الفريضة أن يكرر بعض الآيات في الصلاة الجهرية؟

الجواب
جاء هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم في النوافل، وأما بالنسبة للفريضة فلا أدري، ولا أعلم شيئاً في هذا.

(86/34)

حكم تلفيق عدة آيات في الفريضة أو النافلة

السؤال
هل يجوز تلفيق عدة آيات في الفريضة أو النافلة، مثال ذلك: أن يقرأ إمام
في الصلاة ثم يقف ولم يجد أحداً يفتح عليه، فينتقل من الموضع الذي يقرأ فيه
إلى موضع آخر؟

الجواب
إذا لم
يجد أحداً يفتح عليه فإنه يركع، ولو كان في أول القراءة، ولا يدخل نفسه في
أشياء غير واضحة، وإنما ينتهي بالركوع، فينبغي له أن يقدم على قراءة ما
يتقنه ويحفظه، ولا يقرأ ما لا يتقنه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم صلى
بالناس الفجر مرة وقرأ فيها بـ (المؤمنون) ولما وصل إلى قصة موسى وهارون
أصابته سعلة فركع صلى الله عليه وسلم، وكان يريد أن يواصل، لكن عندما جاءه
السعال قطع المواصلة وركع صلى الله عليه وسلم.

(86/35)

حكم الانتقال من موضع إلى موضع آخر في القرآن في الركعة الواحدة

السؤال
شخص يسأل ويقول: أنا في قيام الليل أقرأ أول البقرة، ثم أنتقل إلى آية
الكرسي، ثم بعد ذلك أنتقل إلى آخر البقرة؛ لأن هذا هو الذي أحفظه، فهل يجوز
هذا؟

الجواب
لا ينبغي له أن يفعل بالركعة الواحدة هكذا، وإنما في ركعة يفعل كذا، ثم في ركعة ثانية يذهب إلى المكان الآخر الذي يريد.
أما كونه في نفس الركعة يقفز من آية إلى آية فلا يفعل هذا.

(86/36)

حكم رفع الصوت بأذكار الصباح أو المساء

السؤال
هل الأفضل لمن يأتي بأذكار الصباح والمساء أن يرفع صوته أو يخفضه؟

الجواب
الذي يبدو أن الإنسان يخفض صوته ولا يرفعه.

(86/37)

حكم إلقاء الكلمات والنصائح في العقيقة، وحكم قصر الدعوة إلى العقيقة على السلفيين فقط

السؤال
أردت أن أدعو أحد المشايخ لإلقاء كلمة للمدعوين في العقيقة، فأنكر عليّ
بعض طلبة العلم، فهل يجوز أن أقتصر الدعوة على السلفيين فقط دون غيرهم؟

الجواب
العقيقة لحم قليل، ولا يستفيد منه إلا القليل، وكون الإنسان يدعو أناساً
طيبين، وأناساً أتقياء -على حسب علمه- هو الأولى، كما جاء في الحديث: (لا
تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي).
وأما التزام إحضار المشايخ
والمحاضرين في هذه المناسبات فليس بوارد، لكن لو فُعل في بعض الأحيان
انتهازاً لفرصة معينة للتذكير أو للتنبيه على بعض الأمور بمناسبة الاجتماع
فلا بأس بذلك.

(86/38)

شرح سنن أبي داود [087]
الصلاة
أمرها عظيم، وشأنها جليل، فهي وقوف بين يدي العظيم الجليل، ومناجاة للرحمن
الرحيم؛ لذلك فلا يليق فيها كثرة العبث والحركة، ولا السهو والغفلة، ولا
غير ذلك مما ينافي الخشوع والذل والانكسار؛ ولذلك فقد وضع الشرع لها آداباً
وسنّ لها سنناً، وأحاطها بأحكام تحفظ لها مكانتها، حتى ينتفع بها المصلي
في دنياه وآخرته.

(87/1)

حكم الصلاة في شعر النساء
(87/2)

شرح حديث عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو لحفنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة في شُعُر النساء.
حدثنا
عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا الأشعث عن محمد -يعني ابن سيرين - عن
عبد الله بن شقيق عن شقيق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو لحفنا).
قال عبيد الله: شك أبي].
قوله: [باب الصلاة في شُعُر النساء].
الشُعُر: جمع شعار، وهو ما يلي الجسد كالإزار ونحوه، وكذلك ما يوضع على الفراش، أو ما يلتحف به مما يكون له اتصال ومباشرة للجسد.
وقد
أورد أبو داود حديث عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا
يصلي في شعرنا أو لحفنا)، وهذا شكٌ من معاذ بن معاذ العنبري والد عبيد الله
بن معاذ.
وقد جاء ما يدل على جواز الصلاة فيها، ويكون الترك مبنياً على
ما إذا كان فيها شيء من النجاسة، وجواز استعمالها فيما إذا تحقق من أنها
ليس فيها شيء من النجاسة.
إذاً: مدار الحكم على حصول النجاسة فيها من عدمه، فإن كان فيها نجاسة فلا يصلي فيها، وإن كانت خالية من النجاسة فإنه يصلي فيها.

(87/3)

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا أو لحفنا)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ].
هو عبيد الله بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثني أبي].
أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأشعث].
هو أشعث بن عبد الملك الحمراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد يعني ابن سيرين].
محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن شقيق].
هو عبد الله بن شقيق العقيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، ومسلم، وأصحاب السنن.
[عن شقيق].
شقيق
غير موجود في الموضع الأول، وعبد الله بن شقيق يروي عن عائشة، ويروي عمن
هو متقدم على عائشة، فما أدري كيف جاء قوله: (عن شقيق)؟! وشقيق هو ابن
سلمة، وكنيته أبو وائل، وهو مخضرم، ولا يوجد ذكر شقيق في (تحفة الأشراف)،
فلفظة (شقيق) في السند زائدة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين، الصديقة
بنت الصديق، من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال عبيد الله: شك أبي].
يعني: أن الشك الذي في الحديث: (شُعُرنا أو لحفنا) حصل من معاذ بن معاذ العنبري كما ذكر ذلك ابنه عبيد الله.

(87/4)

الرجل يصلي عاقصاً شعره
(87/5)

شرح حديث: (ذلك كفل الشيطان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يصلي عاقصاً شعره.
حدثنا
الحسن بن علي، حدثنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، حدثني عمران بن موسى، عن
سعيد بن أبي سعيد المقبري يحدث عن أبيه أنه رأى أبا رافع مولى النبي صلى
الله عليه وسلم ورضي الله عنه مر بـ حسن بن علي رضي الله عنهما وهو يصلي
قائماً، وقد غرز ضفره في قفاه، فحلها أبو رافع، فالتفت الحسن إليه مغضباً،
فقال أبو رافع: أقبل على صلاتك ولا تغضب، فإني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: (ذلك كفل الشيطان) يعني: مقعد الشيطان، يعني: مغرز ضفره].
قوله: [باب الرجل يصلي عاقصاً شعره].
أي: أنه قد فتله حتى صار ضفائر، وجعله وراءه، وهذا هو المقصود بعقص الشعر، أي: فتله وليّه وعدم تركه على هيئته منتشراً غير معقوص.
وقد
جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنع من ذلك، وأن
الإنسان لا يفعل هذه الهيئة، قيل: إن السر في المنع هو أن شعر الإنسان يسجد
معه، بحيث إذا ترك فإنه يصل إلى الأرض ما يصل منه، بخلاف ما إذا كان
مفتولاً ملوياً مجتمعاً في قفاه فإنه لا يسجد مع الإنسان منه شيء، وقد جاء
في الحديث: (أمرت أن أسجد على سبعة آراب، ولا أكف ثوباً ولا شعراً).
وقد
أورد المصنف حديث أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن حسن بن
علي رضي الله تعالى عنهما كان يصلي وقد غرز شعره في قفاه، أي: أنه فتله
وجمعه في قفاه، فجاء أبو رافع وهو يصلي، وجعل يحله، أي: يفك هذا العقد،
والحسن يصلي، فلما رأى الحسن رضي الله عنه هذا الذي يحرك رأسه، ويقوم بحل
شعر رأسه، التفت مغضباً، فقال له أبو رافع: أقبل على صلاتك ولا تغضب، أي:
استمر في صلاتك ولا تغضب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذلك كفل
الشيطان) أي: مقعد الشيطان.
وفي هذا دليل على منع مثل هذا العمل في
الصلاة، وسواء فُعل ذلك في الصلاة، أو كان مفعولاً قبلها ثم جاءت الصلاة
وهو على هذه الهيئة، وإضافته إلى الشيطان يدل على منعه، وعدم جوازه.
وقد
جاء في هذا الحديث: أنّ أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم مر بـ حسن
بن علي، وكُتب: (عليهما السلام)، وهذه العبارة (عليهما السلام) ذكرها
الحافظ ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، وقال: إن
هذا من عمل نساخ الكتب، وليس من عمل المؤلفين والمصنفين.
ومعنى ذلك: أن الناسخ عندما ينسخ الكتاب ويأتي ذكر علي يكتب: (عليه السلام)، فهو من عمل النساخ، وليس من عمل المصنفين.
وقال
رحمه الله تعالى أيضاً: إنّ الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يعاملون معاملة
واحدة، أي: أنهم يترضى عنهم جميعاً، ولا يخص أحد منهم بعبارة أو بدعاء خاص
يميز به على غيره.
وقال: ومثل ذلك: (كرم الله وجهه) أيضاً، أي: أن هذه العبارة تقال في حق علي رضي الله عنه، وهذا أيضاً من عمل النساخ.
إذاً:
العلماء يستعملون الترضي في حق الصحابة رضي الله عنهم، والترحم على من
بعدهم، وهذا هو الغالب على استعمال سلف هذه الأمة، ويجوز العكس بأن يترضى
عن غير الصحابة، ويترحم على الصحابة، لكن الذي غلب في الاستعمال هو أن
يقال: (رضي الله عنهم) في حق الصحابة، مثلما يغلب على استعمال الناس (رحمه
الله) على الميت، مع أنها تصح أن تقال للحي والميت، فالأصل هو الترضي عن
الصحابة، والترحم على من بعدهم، ويجوز العكس.
ثم قال ابن كثير -بعد ذكره
أن العمل السابق من عمل النساخ-: ولا يخص أحد من الصحابة بشيء يتميز به،
وإنما يعاملون معاملة واحدة في الترضي عنهم.
قوله: (مر بـ حسن بن علي
رضي الله عنهما وهو يصلي قائماً وقد غرز ضفره في قفاه)] ضفره: جمع ضفيرة،
وقوله: في قفاه، يعني: في مؤخر رأسه.
قوله: [(فحلها أبو رافع)]، أي: حلّ
هذا الشيء الذي قد رُبط وجُمع، فحله أبو رافع والحسن يصلي، وعندما أحسّ
الحسن هذا الذي يحرك رأسه من الخلف التفت وعليه الغضب، فقال له أبو رافع:
أقبل على صلاتك ولا تغضب، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا كفل
الشيطان) أي: هذه الهيئة، وفسرها بعض الرواة بأنها مقعد الشيطان، أي: مكان
جلوس الشيطان.

(87/6)

تراجم رجال إسناد حديث: (ذلك كفل الشيطان)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحلواني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عمران بن موسى].
عمران بن موسى مقبول، أخرج حديثه أبو داود والترمذي.
[عن سعيد بن أبي سعيد المقبري].
سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع].
هو أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث معناه كمعنى الحديث الذي بعده، فكل منهما يشهد للآخر.

(87/7)

شرح حديث: (إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن عمرو بن
الحارث أن بكيراً حدثه أن كريباً مولى ابن عباس حدثه أن عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معكوف من ورائه، فقام
وراءه فجعل يحله، وأقر له الآخر، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: (مالك
ورأسي؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما مثل هذا
مثل الذي يصلي وهو مكتوف)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى
عنه أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي وقد عقص شعر رأسه فجاء إليه وجعل
يحله وعبد الله يصلي، فلم يحرك ساكناً، ولم يردّه، بل تركه يحله، ولما فرغ
من صلاته أقبل عليه وقال له: مالك ورأسي؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: (إنما مَثل هذا مَثل الذي يصلي وهو مكتوف) أي: كالذي جمعت
يداه وراء ظهره وشدتا، فهذا حينما لم يترك شعره حتى يسجد معه صار كمثْل
الذي قد أخذت يداه من وراء ظهره وشدتا فصار مكتوفاً.
وهو الحديث يدل على منْع مثل هذا العمل، كما أن الحديث السابق يدل أيضاً على منع مثل هذا العمل.
وسواء جعله ضفائر وجمعه وراءه أو جمعه وحزمه من ورائه.
وبعض
الناس قد يطيل الشعر ويضع الطاقية فتجمع الشعر إلى الخلف، فإذا سجد فإنه
يسجد على الجبهة، ولا تسجد معه ناصيته؛ لأنه جمعها في الطاقية، فالذي يظهر
من مقتضى الحديث أنه لا يجمعه؛ بل يرسله ويتركه، ولكن هذا يختلف عن ذاك
الذي جمع شعره كله وراءه، فالشعر من ورائه منتثر.
قوله: [فقام وراءه
فجعل يحله، وأقر له الآخر] أي: أن عبد الله بن الحارث ترك ابن عباس يحله،
ولم يذهب يدافعه، ولما فرغ وانتهى من الصلاة أقبل عليه وقال له: مالك
ورأسي؟ بينما نجد أن الحسن في الحديث السابق كان مغضباً، وهذا تركه يحله
واستمر في صلاته حتى فرغ منها ثم التفت وقال: مالك ورأسي؟

(87/Cool

تراجم رجال إسناد حديث: (إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف)
قوله: [حدثنا محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن الحارث].
عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كريب].
هو كريب مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد
العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله
عليه وسلم.

(87/9)

الصلاة في النعل
(87/10)

شرح حديث: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة في النعل.
حدثنا
مسدد حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثني محمد بن عباد بن جعفر عن ابن سفيان عن
عبد الله بن السائب رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه
وسلم يصلي يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره)].
حدثنا الحسن بن علي حدثنا
عبد الرزاق وأبو عاصم قالا: أخبرنا ابن جريج قال سمعت محمد بن عباد بن جعفر
يقول: أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن المسيب العابدي وعبد الله بن
عمرو عن عبد الله بن السائب رضي الله عنهما أنه قال: (صلى بنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين، حتى إذا جاء ذكر
موسى وهارون أو ذكر موسى وعيسى - ابن عباد يشك أو اختلفوا- أخذت رسول الله
صلى الله عليه وسلم سعلة فحذف فركع، وعبد الله بن السائب حاضر لذلك)].
قوله:
[باب الصلاة في النعل]، الصلاة في النعل سائغة، وقد جاءت فيها سنة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، لكن ذلك حيث لا يترتب عليه مضرة وأذى، كأن تكون
الأماكن التي يصلى فيها مفروشة ونظيفة، فإن المشي عليها بالنعل يؤثر فيها،
وتظهر آثار النعل على الفراش، فيكون في ذلك مضرة، وأما إذا كان المكان الذي
يصلي فيه ترابياً، أو كان الإنسان في سفر؛ فله أن يصلي في النعال، وقد
جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لا يبالغ في ذلك
بحيث إنه يمشي بها على الفرش النظيفة وفي الأماكن النظيفة، أو يصلي فيها
بالنعال فيكون في ذلك تأثير على تلك الأماكن، ومن المعلوم أن الناس في
منازلهم وفي أماكن أخرى لا يدخلون بنعالهم في مجالسهم المفروشة، ولا يجلسون
عليها بنعالهم، بل يخلعون النعال قبل الدخول، فكذلك بالنسبة للمساجد
المفروشة لا تستعمل فيها النعال؛ حتى لا تؤثر فيها فيظهر عليها أثر المشي
بالنعال، ويكون في ذلك توسيخ لها.
وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم
بالنعال، وصلى بدون النعال، أي: صلى حافياً ومنتعلاً صلى الله عليه وسلم،
فالحاصل أن السنة جاءت بالصلاة بالنعال، لكن لا يقال: إنه يصلى فيها على كل
حال، ولا يقال: إنها تترك في كل حال، وإنما يصلى بها حيث لا يترتب على ذلك
ضرر، ولا يصلى بها إذا ترتب على ذلك ضرر.
وقد أورد أبو داود رحمه الله
حديث عبد الله بن السائب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى بهم يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره)، وهذا ليس فيه دلالة على وضع
النعال عن اليسار في الصلاة، ولكن فيه ذكر وضع النعال عن اليسار، وذلك حيث
لا يكون في اليسار أحد، وأما إذا كان الإنسان في الصف، وكان عن يمينه وعن
يساره آخرون فلا يجعل نعاله عن يساره، وإنما يجعلها بين رجليه، كما سيأتي
في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجعلها عن يساره حيث لا يكون
عن يساره أحد.
فالحديث ليس فيه نص على الصلاة بالنعال، ولكن فيه دليل
على الدخول بالنعال إلى المكان الذي يصلى فيه، وأن الرسول صلى الله عليه
وسلم جعل النعال عن يساره، ففيه بيان موضع النعل، وأنه يكون على اليسار،
لكن هذا حيث يكون اليسار خالياً، وأما إن كان مشغولاً بالناس فإنه لا
يجعلها عن يساره؛ لأنه سوف يؤذي بها جاره، ولكن يجعلها بين رجليه كما جاء
بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في الباب الذي بعد
هذا.
والحديث الذي بعده ليس فيه ذكر النعال، وهما حديث واحد إلا أن
أحدهما مختصر والآخر مطول، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم
الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين) أي: سورة: ((قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ)) فلما وصل إلى قول الله عز وجل في قصة موسى وهارون: {ثُمَّ
أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ} [المؤمنون:45]، أو موسى وعيسى وقد
ذكرت قصة عيسى بعد موسى بقليل، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى
الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ
وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون:49 - 50]، فإما أنه وصل إلى ذكر موسى وهارون،
أو إلى ذكر موسى وعيسى، والآيات متصل بعضها ببعض، فلما وصل إليها أصابته
سعلة فترك المواصلة وركع، أي: أنه كان يريد أن يواصل، ولكن لما جاء السعال
قطع المواصلة وحذف، أي: ترك الاستمرار في القراءة وركع صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وعبد الله بن السائب حاضر لذلك) أي: في هذه الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل فيها ما ذُكر.
وهذا
فيه دليل على أن الإنسان إذا كان يقرأ في الصلاة ثم عرض له عارض يقتضي
التخفيف أو الاقتصار على ما قد تمّ فإنه يقف ولا يواصل، وقد جاء في الحديث:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما كان يريد التطويل في الصلاة فيسمع بكاء
الصبي فيخفف؛ شفقة على أمه)، ومثل ذلك أيضاً ما إذا كان الإنسان يقرأ ولم
يتقن القراءة، ولم يستطع أن يواصل فهنا يقف إذا التبس عليه القرآن، وليس
عنده من يفتح عليه.
قوله: [ابن عباد يشك أو اختلفوا] أي: شك ابن عباد في كونه ذكر موسى وهارون، أو موسى وعيسى عليهم السلام.

(87/11)

تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج حدثني محمد بن عباد بن جعفر].
ابن جريج مر ذكره، وهو محمد بن عباد بن جعفر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن سفيان].
هو أبو سلمة بن سفيان؛ وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن عبد الله بن السائب].
عبد الله بن السائب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الحسن بن علي].
هو الحسن بن علي الحلواني، وقد مر ذكره.
[عن عبد الرزاق وأبي عاصم].
عبد الرزاق مر ذكره، وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الله بن المسيب العابدي].
عبد الله بن المسيب العابدي صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود.
[وعبد الله بن عمرو].
عبد الله بن عمرو القاري، وليس عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأبو داود.
[عن عبد الله بن السائب].
عبد الله بن السائب مر ذكره.

(87/12)

شرح حديث: (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن زيد عن أبي
نعامة السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال:
(بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن
يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلاته قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت
نعليك فألقينا نعالنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل صلى
الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً -أو قال: أذى- وقال: إذا جاء
أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه، وليصلِّ
فيهما)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وعليه نعلاه إذ
خلعهما وجعلهما عن يساره، فخلع الصحابة نعالهم اقتداء برسول الله صلى الله
عليه وسلم، فلما فرغ من صلاته قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ قالوا:
رأيناك ألقيت نعلك ففعلنا كما فعلت، فقال: إن جبريل أتاني وقال لي: إن
فيهما قذراً أو أذى فخلعتهما)، فقد بين صلى الله عليه وسلم السبب في خلعهما
أثناء الصلاة.
والحديث واضح الدلالة على الترجمة من جهة أنه صلى فيهما،
ولأن فيهما قذراً وأذى جاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره
بذلك وهو في الصلاة فخلعهما.
وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا
صلى وفي ثوبه نجاسة، وعلم بها في أثناء الصلاة؛ فإن تمكن من التخلص من ذلك
الثوب الذي فيه النجاسة بدون أن تظهر عورته، وبدون أن يتكشف؛ فإنه يخلعه
ويواصل الصلاة، وإن كان ذلك لا يتأتى إلا بأن يقطع الصلاة، كأن يكون ذلك
اللباس لا يمكن خلعه وهو في الصلاة، أو أنه يترتب على ذلك انكشاف العورة؛
فإنه يقطع الصلاة.
وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا صلى وعليه
نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد فراغ الصلاة فإن صلاته صحيحة؛ لأن النبي صلى
الله عليه وسلم لم يستأنف الصلاة لما أُخبر بأن نعليه فيهما أذى؛ بل واصل،
فهذا الذي كان قبل الإخبار اعتبر ولم يلغ، فدل هذا على أن الإنسان إذا صلى
وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد فراغ الصلاة فإن الصلاة صحيحة، فإذا صح
بعضها ولم تُعد فكذلك لو لم يعلم إلا بعد انتهائها فإنها تكون صحيحة.
وأيضاً
فيه دليل على أنه إذا تذكر في أثناء الصلاة أن في ثوبه نجاسة وأمكن إزالة
ذلك الثوب كأن تكون في الغترة، أو في المشلح، أو السراويل وعليه قميص،
وأمكن أن يتخلص من ذلك الذي فيه نجاسة وعورته مستورة فعل، وهذا يختلف عما
لو صلى الإنسان وهو على غير وضوء، فإذا صلى وهو على غير وضوء ثم تذكر بعد
ذلك فإنه يجب عليه أن يتوضأ، وأن يعيد الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه
وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).
وفيه دليل
أيضاً على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ لأنه لو كان يعلم
الغيب لم يَخْفَ عليه ما في نعليه حتى يحتاج إلى أن ينبهه الوحي بذلك،
فالرسول صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على بعض الغيب، ولم يُطلعه على كل
غيب، والذي يعلم كل غيب هو الله سبحانه وتعالى {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]، فهذا
الحديث مما يستدل به على أن علم الغيب من خصائص الله سبحانه وتعالى.
وقد
جاءت أحاديث كثيرة تدل على ما دل عليه هذ الحديث من أن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب، ومن ذلك حديث: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)،
أي: بعد موته صلى الله عليه وسلم، وكذلك في قصة الإفك وما حصل لـ عائشة،
فقد بقي النبي صلى الله عليه وسلم أياماً كثيرة وهو متألم متأثر، وكان يأتي
إليها ويقول لها: (يا عائشة! إن كنت قد ألممت بذنب فتوبي إلى الله
واستغفريه)، ثم أنزل الله براءتها بعد ذلك في آيات تتلى من كتاب الله عز
وجل، وكذلك في قصة ضياع عقد عائشة، فقد كانوا في سفر، وجلسوا يبحثون عنه
حتى جاء وقت الصلاة وقد نفد عليهم ماؤهم، فنزلت آية التيمم، فتيمموا وصلوا،
فلما أرادوا الارتحال بعدما يئسوا من العقد أثاروا الجمل الذي كانت تركب
عليه عائشة فإذا العقد تحته، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب
لدلهم على مكانه، ولما مكثوا يبحثون عنه حتى نفد عليهم الماء، والأحاديث في
ذلك كثيرة.
قوله: (فإن رأى في نعليه قذراً أو أذىً فليمسحه) أي: في
الأرض، (وليصل فيهما)، وليس معنى هذا أن الإنسان لابد أن يصلي فيهما، فقد
يصلي فيها وقد لا يصلي، ولكن إذا أراد أن يصلي بهما فليصل بهما وهو يعلم
أنهما نظيفتان.

(87/13)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي نعامة السعدي].
هو عبد الله بن عبد ربه، وقيل: عمرو، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبي نضرة].
هو المنذر بن مالك وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(87/14)

شرح حديث: (إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى يعني ابن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا
قتادة حدثني بكر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، قال:
(فيهما خبث) قال في الموضعين: خبث].
يعني: أنه بهذا الإسناد إلا أن هذا مرسل، وفيه أنه قال: (فيهما خبث) بدل الأذى والقذر، وذلك في النعلين.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان].
هو أبان بن يزيد العطار، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني بكر بن عبد الله].
هو المزني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(87/15)

شرح حديث: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مروان بن معاوية
الفزاري عن هلال بن ميمون الرملي عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه رضي الله
عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خالفوا اليهود فإنهم لا
يصلون في نعالهم ولا خفافهم)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث شداد بن
أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود فإنهم
لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم) أي: بأن تصلوا في نعالكم وخفافكم، وليس
ذلك على سبيل الدوام، ولكن في بعض الأحيان، فالمهم أن يوجد ذلك فإن فيه
مخالفة لليهود.
وقد ذكرنا أن ذلك حيث تكون الأماكن التي يصلى فيها لا
تؤثر فيها الصلاة بالنعال كأن تكون ترابية، وأما إذا كانت مفروشة فقد ذكرنا
أن الإنسان لا يعمل على تقذيرها، ولا على إظهارها بالمظهر الذي لا يليق،
فيمكن أن يفعل ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يتيسر له ذلك،
وبدون أن يترتب على ذلك أذى.

(87/16)

تراجم رجال إسناد حديث: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مروان بن معاوية الفزاري].
مروان
بن معاوية الفزاري ثقة يدلس تدليس الشيوخ، والتدليس منه ما هو في الإسناد،
وهو رواية الراوي عمن سمع منه مالم يسمعه منه موهماً أنه سمعه منه، وأما
تدليس الشيوخ فهو أن يسمي شيخه، أو يصفه، أو يكنيه، أو ينسبه بما لا يعرف
ولا يشتهر به، فهذا يسمى تدليس الشيوخ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب
الستة.
[عن هلال بن ميمون الرملي].
هلال بن ميمون الرملي صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن يعلى بن شداد بن أوس].
يعلى بن شداد بن أوس صدوق أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة.
[عن أبيه].
أبوه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(87/17)

شرح حديث: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً) وتراجم رجاله
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا علي بن المبارك عن
حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً)].
أورد أبو داود
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما (أنه رأى النبي صلى الله
عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً) أي: أنه كان يصلي أحياناً هكذا وأحياناً
هكذا.
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا علي بن المبارك].
علي بن المبارك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حسين المعلم].
هو حسين بن ذكوان المعلم، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب].
عمرو بن شعيب صدوق أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
أبوه
هو شعيب بن محمد وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) و
(جزء القراءة) وأصحاب السنن، ويروي شعيب بن محمد هنا عن جده عبد الله بن
عمرو بن العاص، عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه صحابي ابن صحابي،
وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد
الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس.

(87/18)

إذا خلع المصلي نعليه فأين يضعهما؟
(87/19)

شرح حديث: (إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما؟ حدثنا
الحسن بن علي حدثنا عثمان بن عمر حدثنا صالح بن رستم أبو عامر عن عبد
الرحمن بن قيس عن يوسف بن ماهك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره
فتكون عن يمين غيره، إلا ألاّ يكون عن يساره أحد، وليضعهما بين رجليه)].
قوله:
[باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما؟] أي: إذا لم يصل فيهما فأين
يضعهما؟ وقد جاءت الأحاديث بأنه إذا لم يكن عن يساره أحد فإنه يضعهما عن
يساره ولا يضعهما عن يمينه، وإن كان يساره مشغولاً بأن كان بجواره أحد فإنه
لا يجعلهما عن يساره، بل يجعلهما بين قدميه؛ لأنه لو جعلهما عن يساره
صارتا عن يمين غيره، فآذى بهما غيره.
وإذا كان هناك أماكن مخصصة للأحذية
فتوضع فيها، وكذلك بين السواري إذا كان المسجد فيه سواري؛ لأن بين السواري
ليس محلاً للصلاة إلا عند الضرورة حيث يمتلئ المسجد فإنه يصلى بين
السواري.

(87/20)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحلواني، وقد مرّ ذكره.
[حدثنا عثمان بن عمر].
عثمان بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا صالح بن رستم أبو عامر].
صالح بن رستم أبو عامر صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن قيس].
هو عبد الرحمن بن قيس العتكي، وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن يوسف بن ماهك].
يوسف بن ماهك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] هو أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وقد مر ذكره.

(87/21)

شرح حديث: (إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحداً)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية وشعيب بن
إسحاق عن الأوزاعي حدثني محمد بن الوليد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن
أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلى
أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحداً، ليجعلهما بين رجليه، أو ليصل
فيهما)].
ذكرنا أنه إذا كان ليس معه أحد، أو لم يكن عن يساره أحد فإنه
يجعل نعليه عن يساره، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا
كان عن يساره أحد فإنه لا يجعلها عن يساره؛ لأنه لو جعلها عن يساره فستكون
على يمين غيره، فسيؤذي بهما غيره، لذلك فليجعلهما بين رجليه، أو ليصل
فيهما، وإذا كان في المسجد أماكن مخصصة للأحذية كالأحواض الموجودة في هذا
المسجد فليجعلها فيها، أو تجعل بين السواري إذا كان هناك سوارٍ ليس بينها
صفوف، فالمهم أن الإنسان لا يؤذي بهما أحداً كما جاء في حديث أبي هريرة رضي
الله عنه في هذا الباب.
وقوله هنا: (أو ليصل فيهما)، وقوله في الحديث
السابق: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً)، يبين أن
الأمر في ذلك واسع.

(87/22)

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحداً)
قوله: [حدثنا عبد الوهاب بن نجدة].
عبد الوهاب بن نجدة ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[وشعيب بن إسحاق].
شعيب بن إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الأوزاعي].
هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني محمد بن الوليد].
هو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن سعيد بن أبي سعيد].
هو المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو
عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر
أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو واحد من سبعة
أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكثرهم حديثاً،
وهم ستة رجال، وامرأة واحدة.

(87/23)

شرح سنن أبي داود [088]
اهتم
الشرع الحنيف بالصلاة، فأمر بالطهارة لها، وأمر بطهارة محلها، ونظافة
مكانها، وطهارة اللباس لها، وقبل ذلك أمر بطهارة قلب صاحبها؛ فديننا دين
الطهارة والنقاء ظاهراً وباطناً.

(88/1)

الصلاة على الخمرة
(88/2)

شرح حديث ميمونة: (كان رسول الله يصلي وأنا حذاءه، وأنا حائض
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على الخُمرة.
حدثنا
عمرو بن عون أخبرنا خالد عن الشيباني عن عبد الله بن شداد حدثتني ميمونة
بنت الحارث رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي وأنا حذاءه، وأنا حائض، وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على
الخُمرة)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: الصلاة على الخمرة.
والخمرة
فسرت بأنها: مصلى يتخذ من سعف النخل وخوصه، ومن خيوط تشد بها، وقيل: لا
فرق بين الخمرة والحصير، وقيل: إن الخمرة أصغر من الحصير، بحيث يسجد عليها
الإنسان بيديه ورأسه، وليست كالحصير الذي يكون شاملاً للإنسان كله، بحيث
يقف عليه، ويسجد عليه.
وأورد في ذلك حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية
رضي الله عنها، أنها كانت تكون بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يصلي، وهي حائض وربما وقع ثوبه عليها.
وهذا مثل الحديث الذي سبق أن مر
في الترجمة السابقة في الرجل يصلي وبعض ثوبه على غيره، وعائشة رضي الله
عنها أخبرت بأنها كانت تكون حائضاً، وتكون بجواره صلى الله عليه وسلم وهو
يصلي في ثوب وطرفه عليها، تعني: أنه وقع عليها اتفاقاً، وهو دالٌ على أن
الصلاة بجوار الحائض، وكذلك قراءة القرآن لا بأس بهما، ولا مانع منهما،
ويدل أيضاً على أن اتصال أو وقوع بعض الثوب الذي يكون على المصلي على
الحائض لا يؤثر؛ لأن المحذور في الحائض هو النجاسة الموجودة كالدم، وأما
إذا كانت النجاسة غير موجودة فجسدها وثيابها الأصل فيها الطهارة.
قالت:
(وكان يصلي على الخمرة)، سميت خمرة لأنها تستر ما بين المصلي وبين الأرض،
وتغطي وتستر ما تحتها، وأصل هذه المادة تدل على التغطية، فسمي الخمار
خماراً لكونه يغطي الرأس، وسميت الخمر خمراً لكونها تغطي العقل، وكذلك
الخمرة؛ لأنها تغطي الأرض، وكذلك تخمير الإناء، أي: تغطيته، وكذلك المحرم
لا يخمر رأسه ووجهه، يعني: لا يغطيه، فهذه المادة تدل على التغطية.
والمقصود بالخمرة ما يصلي عليها المصلي، وتكون حائلاً بينه وبين الأرض.
وفي
هذا الحديث دليل على جواز الصلاة على حائل بين المصلي وبين الأرض، سواء
كان من الخوص، أو من القماش، أو ما إلى ذلك، فكل ذلك سائغ، ولا بأس به.

(88/3)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:35 pm

اقتباس :


تراجم رجال إسناد حديث ميمونة: (كان رسول الله يصلي وأنا حذاءه، وأنا حائض)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون].
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خالد].
هو ابن عبد الله الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشيباني].
هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن شداد].
عبد الله بن شداد ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره العجلي من كبار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ميمونة بنت الحارث] هي ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(88/4)

الصلاة على الحصير
(88/5)

شرح حديث أنس في صلاة النبي على حصير
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة على الحصير.
حدثنا
عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك
رضي الله عنه قال: (قال رجل من الأنصار: يا رسول الله! إني رجل ضخم -وكان
ضخماً- لا أستطيع أن أصلي معك، وصنع له طعاماً ودعاه إلى بيته، فصلَّ حتى
أراك كيف تصلي فأقتدي بك، فنضحوا له طرف حصير كان لهم، فقام فصلى ركعتين.
قال فلان بن الجارود لـ أنس بن مالك: أكان يصلي الضحى؟ قال: لم أره صلى إلا يومئذٍ)].
أورد أبو داود رحمه الله باب الصلاة على الحصير.
والحصير
هو: ما يتخذ من خوص النخل، وكل فراش صُنع من خوص النخل يقال له: حصير،
والصلاة عليه سائغة، وكل شيءٍ طاهر يجوز استعماله فإنه تجوز الصلاة عليه،
سواء كان من خوص النخل، أو من القماش، أو من الصوف، أو من القطن، أو من أي
شيء.
وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً من
الأنصار قال: يا رسول الله! إني رجل ضخم، لا أستطيع أن أصلي معك، وجاء في
جملة اعتراضية: وكان ضخماً، أي: أن أنس بن مالك رضي الله عنه عندما حكى قول
الرجل أخبر أنه كان ضخماً كما قال، أي: أنه يشق عليه المشي والحركة
والذهاب إلى المسجد للصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فطلب منه أن يأتي
ويطعم عنده طعاماً، ويصلي حتى يراه فيصلي مثل صلاته، فجاء إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ووضعوا له طرف حصير ونضحوه، أي: رشوه بالماء، ولعل
الرش ليلين، فربما كان قاسياً، فإذا أصابه الماء لان وخف، فصلى عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وقال فلان بن الجارود: قلت لـ أنس: (أكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قال: لم أره صلى إلا يومئذٍ) أي: أنه
لم يره صلى الضحى إلا يومئذٍ، وهذا إخبار من أنس رضي الله عنه عن علمه،
وعن مشاهدته، وهذا لا ينفي أنه كان يصلي الضحى، فهي غالباً تكون في البيوت،
وتكون خفية، ولا يطلع عليها كل أحد، فأخبر أنس عما شاهده وعاينه، فلم يره
يصلي الضحى إلّا هذه المرة فقط.
وصلاة الضحى قد جاءت فيها أحاديث كثيرة
ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما، ومنها: حديث
أبي هريرة المتفق على صحته، قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث:
ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام).
وكذلك
حديث أبي الدرداء في (صحيح مسلم) قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم
بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد).
وكذلك
الحديث الذي جاء في الصحيح، والذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل
سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس فتعدل بين اثنين صدقة …
وفي آخره قال: ويجزئ عن ذلك ركعتان من الضحى)، يعني: هذه الصدقات التي تكون
على الإنسان يحصل أداؤها بصلاة ركعتي الضحى.
وكذلك الحديث الآخر الذي
في الصحيح لما سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن صلاة الأوابين قال:
(صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) يعني: حين تشتد الرمضاء، وذلك في شدة
حرارة الشمس في الضحى، ففي هذا الوقت حيث تتأثر أولاد البهائم من المشي
عليها؛ لشدة حرارتها.
فكل هذه الأحاديث تدلنا على سنية صلاة الضحى وثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدل على فضيلتها.

(88/6)

تراجم رجال إسناد حديث أنس في صلاة النبي على حصير
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ].
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي].
أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن سيرين].
أنس بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس
بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم خدمه عشر
سنين منذ أن قدم المدينة إلى أن توفاه الله، وهو واحد من سبعة أشخاص عرفوا
بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن
عباس، وأبو سعيد، وأنس، وجابر، وأم المؤمنين عائشة، هم ستة رجال وامرأة
واحدة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.
وفلان بن الجارود قيل: إنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود.

(88/7)

شرح حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا المثنى بن سعيد
الذارع حدثنا قتادة عن أنس بن مالك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور
أم سليم رضي الله عنها، فتدركه الصلاة أحياناً فيصلي على بساط لنا، وهو
حصير ننضحه بالماء)].
أورد المصنف حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم -وهي: أم أنس بن مالك رضي الله
عنه-، فتدركه الصلاة، فيضعون له حصيراً لهم ينضحونه، أي: يرشونه بالماء؛ كي
يلين ويسهل وتذهب شدته وقساوته، فيصلي عليه.
وهذا الحديث دال على ما
دلت عليه الأحاديث السابقة من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على الحصير،
وأنه لا بأس أن يصلي الإنسان على حائل يكون بينه وبين الأرض إذا كان هذا
الحائل طاهراً، ومما يجوز استخدامه، بخلاف ما إذا كان الحائل غير طاهر، أو
كان طاهراً إلّا أنه مما لا يسوغ استعماله كالحرير، فلا يجوز الصلاة عليه
في هذه الحالة.
ومثال ما يجوز استعماله حائلاً: بالصوف والقطن وعسب النخل ونحوها.

(88/Cool

تراجم رجال إسناد حديث: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا المثنى بن سعيد الذارع].
المثنى بن سعيد الذارع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قتادة].
هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
أنس قد مر ذكره.

(88/9)

شرح حديث: (كان رسول الله يصلي على الحصير والفروة المدبوغة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة وعثمان بن أبي
شيبة بمعنى الإسناد والحديث قالا: حدثنا أبو أحمد الزبيري عن يونس بن
الحارث عن أبي عون عن أبيه عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الحصير والفروة المدبوغة).
والحصير قد مرّ ذكره، وهو الذي يتخذ من خوص النخل.
والفروة المدبوغة هي: الجلد الذي دُبغ.
والصلاة
على الجلد المدبوغ تجوز إذا كان الجلد مما يجوز ويسوغ استعماله، وذلك إذا
كان جلداً للحيوان المأكول كالإبل والبقر والغنم، فإنه يطهر بالدباغ، ويصح
استعماله، وقد جاء في الحديث: (أيما إيهاب دبغ فقد طهر) وأما جلود السباع
وما إلى ذلك فقد جاء ما يدل على النهي عنها، وعن استعمالها.
وهذا يدل أيضاً على جواز الصلاة على الأشياء الطاهرة التي يسوغ استعمالها.
وهذا الحديث في إسناده رجلان متكلم فيهما: أما الأول فوصف بالضعف، وأما الثاني فوصف بالجهالة.

(88/10)

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يصلي على الحصير والفروة المدبوغة)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة].
وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[وعثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[بمعنى الإسناد والحديث].
هذا
مثل كلمة أبي داود التي يقولها أحياناً: (بمعناه)، يعني: أن الشيخين
اللذين روى عنهما معنى حديثيهما واحد، والألفاظ مختلفة، وقوله هنا: بمعنى
الإسناد والمتن، أي: أن الإسناد واحد، والمتن واحد، إلا أن هناك فرقاً في
صيغ الأداء، وكذلك في لفظ المتن.
[حدثنا أبو أحمد الزبيري].
هو محمد بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس بن الحارث].
يونس بن الحارث ضعيف، أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي عون].
هو محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن أبيه].
أبوه هو عبيد الله بن سعيد الثقفي، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود.
[عن المغيرة بن شعبة].
لـ مغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(88/11)

بيان ما تجوز عليه الصلاة وما لا تجوز
والحديث
ضعيف من حيث الإسناد، لكن ذكْر الحصير وردت أحاديث بمعناه، كما تقدم،
وكذلك الفروة المدبوغة، وهذه الأشياء طاهرة، وكل طاهر يصلى عليه، أما لو
كان ممنوعاً منه كالحرير وغيره فلا يجوز الصلاة عليه.
ولا يصلح استعمال
شيء مع وجود فرش وسجاد يصلي عليه الناس، فكون الإنسان يأتي بشيء يختص به،
أو شيء يعتقد فيه خصوصية، أو ميزة، لاسيما مثلما يحصل من بعض أهل البدع
كالرافضة الذين يأتون بالحصر، ويصلون عليها، فإن هذا غير سائغ، وفعل
الرافضة لهذا يعتبر من أخف ما عندهم وأسهله، وإلا فعندهم البلاء الكثير،
والشر العريض.
وقوله: (تدركه الصلاة) يحتمل أن يكون المقصود بها الفريضة، ويحتمل أن يكون المقصود سنة الضحى تدركه وهو في ذلك البيت الذي دُعي إليه.
والخطابي يقول: فأما ما يتخذ من أصواف الحيوان وشعورها فإنه كان يكرهه.
ولا
يظهر لي وجه ذلك؛ لأن كل شيء طاهر يمكن أن يصلى عليه، سواء كان من حيوان،
أو من شجر، أو غيرهما، فكل شيء غير ممنوع منه شرعاً فإنه تجوز الصلاة عليه.

(88/12)

ما جاء في الرجل يسجد على ثوبه
(88/13)

كنا نصلى مع رسول الله في شدة الحر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يسجد على ثوبه.
حدثنا
أحمد بن حنبل حدثنا بشر -يعني ابن المفضل - حدثنا غالب القطان عن بكر بن
عبد الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض
بسط ثوبه فسجد عليه)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب
الرجل يسجد على ثوبه، يعني: الذي يلبسه، وذلك عند الحاجة، وأما السجود على
شيء منفصل كالسجاد وكالقماش فقد مرّ في الترجمتين السابقتين ما يدل على
ذلك، لكن المقصود هنا ثوبه الذي هو عليه، وإلا لو أنه أتى بثوب وفرشه وصلى
عليه فهو من جنس ما تقدم من ذكر الحصير والخمرة والفروة المدبوغة، وإنما
المقصود هنا ثوبه الذي عليه.
والثوب يستعمل غالباً في الشيء الذي لم
يخط، أي: الذي ليس فيه خياطة، فالقطعة من القماش تسمى ثوباً، وهذا يأتي
كثيراً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد
ليس على عاتقه منه شيء)، يعني: قطعة من القماش، فهو يطلق على غير المخيط،
وقد يطلق على المخيط، لكن إطلاقه على غير المخيط أكثر في الاستعمال.
والمقصود
من ذلك: أنه يسجد عليه للحاجة، كأن يأخذ طرفه ويضعه أمامه حتى يسجد عليه؛
من أجل السلامة من حرارة الشمس التي لا يتمكن الإنسان معها من الاطمئنان
والارتياح في السجود، فلا بأس بذلك، ولا مانع منه.
ولهذا أورد أبو داود
رحمه الله هذا الحديث عن أنس (أنهم كانوا يصلون مع الرسول صلى الله عليه
وسلم في شدة الحر، وإذا لم يستطع أحدهم أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه
فسجد عليه)].
ومعنى ذلك: أنهم صلوا في الرمضاء، أو في الشمس، وليس في
الظل؛ لأنهم لو صلوا في الظل فليس هناك إشكال، فإنهم يسجدون على شيء ليس
فيه حرارة، وإنما الكلام في السجود في الرمضاء، أو في مكان مكشوف، تصل إليه
الحرارة بحيث لو وضع الإنسان جبهته فإنها تتأثر.
فكان الواحد منهم إذا
لم يتمكن من السجود بدون حائل بسط ثوبه، وسجد عليه، وهذا لا يكون إلّا إذا
كان الثوب واسعاً، كما جاء في الحديث: (إذا كان الثوب ضيقاً فاتزر به، وإذا
كان واسعاً فالتحف به)، فإذا كان واسعاً فليلتحف به، وليخالف بين أطرافه،
وقد ينزل طرف من الأطراف فيضعه تحت جبهته، ويسجد عليه؛ حتى يسلم من حرارة
الشمس، وحتى يتمكن من السجود والاطمئنان عليه.
وفي هذا دليل على أن العمل اليسير في الصلاة للحاجة لا بأس به، فإنّ أخذ الثوب ووضعه تحت الجبهة عمل، وهذا لا بأس به.

(88/14)

تراجم رجال إسناد حديث: (كنا نصلي مع رسول الله في شدة الحر)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، وهو إمام من أئمة المذاهب الأربعة المشهورة عند أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بشر يعني ابن المفضل].
بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وكلمة:
(يعني ابن المفضل) زادها أبو داود أو من دونه، وليست من قول أحمد؛ لأن
أحمد لا يحتاج إلى أن يقول هذه الكلمة، بل يذكر شيخه كما يريد، والإمام
أحمد إنما ذكر شيخه بلفظ: بشر فقط دون أن ينسبه، ولكن أبا داود أو من دون
أبي داود هو الذي زاد كلمة: (ابن المفضل) للتوضيح والتعريف، وكلمة (يعني)
هذه فعل مضارع، وفاعلها ضمير مستتر يرجع إلى الإمام أحمد بن حنبل تلميذ بشر
بن المفضل.
وليس لمن دون التلميذ أن يضيف شيئاً أكثر مما قال التلميذ
بدون أن يبين؛ لأنه لو أضافه بدون أن يأتي بكلمة (يعني) لظُّن هذا من كلام
التلميذ، والتلميذ إنما قال: بشر فقط، ولم يقل: بشر بن المفضل، فمن دونه هو
الذي أتى بها، وأتى بكلمة (يعني) حتى يتبين بها أن هذا الكلام ليس من
التلميذ، ولكنه ممن دون التلميذ أتى به توضيحاً وبياناً لهذا الشخص الذي
ذكر مهملاً غير منسوب.
[حدثنا غالب القطان].
غالب القطان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكر بن عبد الله].
هو المزني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

(88/15)

حكم السجود على الثوب
وقد
كان السجود على الثوب في هذا الحديث للحاجة، وهي شدة الحر، فإذا فُعل هذا
الفعل أحياناً ولو بدون هذا العذر فلا بأس، كأن يقع الشماغ أو الثوب بسبب
الهواء أو غيره على الأرض، أو الطاقية نفسها إن كان جعلها على جبهته، فكل
هذا لا بأس به، ولا مانع من السجود على أي شيء طاهر يسوغ استعماله.
والكلام
هنا في المتصل؛ باعتبار أنه يحتاج إلى أنه يضعه، وإما ذاك المنفصل عنه
فإنه يضعه من الأصل، ولا يحتاج إلى أنه يتحرك في الصلاة من أجله، مثل
السجاد؛ فلو أتى إنسان بسجاده ووضعها أمام الصف وصلى عليها، فليس هناك حاجة
إلى حركة.
لكن إذا لم يكن هناك سجادة، ولا شيء يقي الإنسان من حرارة
الشمس، فإنه عندما يصل إلى الأرض ويضع جبهته فإنه لا يطمئن في صلاته؛ بسبب
الحرارة، فلا بأس أن يضع طرف ثوبه الذي عليه.

(88/16)

الأسئلة
(88/17)

هل حكم القول بأن القرآن قديم

السؤال
هل نقول: إن القرآن قديم؟

الجواب
لا يقال عن القرآن بأنه قديم، ولكن يقال عن كلام الله بأن نوعه قديم،
بمعنى: أن الله لم يكن غير متكلم ثم تكلم، بل هو متكلم بلا ابتداء، ويتكلم
بلا انتهاء، فنوع كلامه قديم، وآحاده حادثة.
فالكلام الذي كلم الله به
موسى عليه السلام حصل في زمن موسى، وسمع موسى كلام الله من الله، فهذا من
آحاد الكلام التي وجدت في زمن موسى، والكلام الذي سمعه رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الله ليلة المعراج حصل ليلة المعراج، وسمعه عندما تكلم اللله
به في ليلة المعراج، لذلك عند أهل السنة: أن نوع الكلام قديم، وأن آحاده
حادثة، وكلام الله القرآن من آحاد الكلام، لكن لا يوصف بإنه قديم.

(88/18)

حكم من قال: إنه كافر بالسلفية

السؤال
ما رأي فضيلتكم فيمن يقول: إنه كافر بالسلفية؟

الجواب
هذا جهل وتطاول على الحق، وإذا كان يقصد أنّ استعمال هذه الكلمة لا
ينبغي، وأنّه لا ينبغي للإنسان أن يقول: أنا سلفي، فالأمر في ذلك أسهل، وإن
كان يقصد بذلك أنه كافر بمنهج السلف وبطريقتهم، وبالحق الذي كانوا عليه،
فهذا كفر بالكتاب والسنة، وبما كان عليه سلف هذه الأمة.

(88/19)

الفرق بين السراويل والبنطلون

السؤال
هل السراويل المذكورة في الأحاديث التي مرت بنا هي ما نسميه اليوم بالبنطلون، أو بينهما فرق؟

الجواب
البنطلون هو من جنس السراويل، إلّا أنّه ضيق يحجم الجسم، ويظهر الأجزاء ويبرزها.
والسراويل -كما هو معروف فيها- أنها واسعة، ولا يصل الأمر فيها إلى أن تظهر أجزاء الجسم مثلما تظهر في البنطلونات الحديثة.

(88/20)

حكم مؤاكلة شارب الخمر والدخان

السؤال
هل يجوز أكل الطعام مع شارب الدخان، أو شارب الخمر؟

الجواب
إذا كانت الخمر موجودة فلا يجوز؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يأكل على مائدة
يدار فيها الخمر، أو يكون فيها الخمر، وأما أن يأكل الإنسان مع شخص من
أصحاب المعاصي فلا بأس في ذلك، ولكن عليه أن يقوم بنصحهم، ويحذرهم من مغبة
ما وقعوا فيه من المعاصي، ويبين لهم خطورة ذلك.

(88/21)

المراد من قوله تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب)

السؤال
ما المراد بقوله تعالى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]، وما المراد بالحجاب؟

الجواب
الحجاب كما هو معلوم هو ما يفصل الإنسان عن غيره، كأن يكون من وراء جدار،
أو من وراء ساتر، وأيضاً يكون الحجاب بتغطية الوجوه، هذا هو الذي يقال له:
حجاب، وهذه الآية هي التي استدل بها على اتخاذ الحجاب.

(88/22)

كيفية التعامل مع النساء في بلاد الكفر

السؤال
ما هي النصيحة لمن يعيش في بلاد الكفار في التعامل مع النساء؟

الجواب
التعامل مع النساء -كما هو معلوم- يكون بابتعاد الرجل عنهن، وعدم اختلاطه
بهن، وعدم الاقتراب منهن، وإذا اضطر إلى مخاطبة الواحدة منهن كأن تكون
موظفة في مطار، أو في شيء يمر به، فإنه يعاملها بحدود ما لابد له منه، ودون
أن ينظر إليها، أو أن يسترسل معها في الكلام، وإنما يتكلم معها بحدود
الشيء الذي هو بحاجة إليه، ولا يجوز للرجل إن يصافح النساء، ولا أن ينظر
إليهن، وهذا في بلاد الكفار وبلاد المسلمين على السواء.

(88/23)

حكم تَرْكُ الزوجة مدّة طويلة

السؤال
ما الحكم في ترك الزوجة مدة تزيد على نصف سنة؟

الجواب
إذا حصل اتفاق بين الرجل وزوجته على أن يغيب عنها مدة فهذا ليس فيه
إشكال، وأما إذا كانت تمانع من ذلك ولا توافق عليه فإذا كان مضطراً لجلب
الرزق وما إلى ذلك، فهذه ضرورة، ولكن لا يغيب عنها الغيبة الطويلة، وإذا لم
تكن هناك ضرورة فليس للإنسان أن يغيب عن أهله من غير حاجة، ومن غير أمر
يقتضي تلك المدة التي يحصل على أهله ضرر فيها.

(88/24)

كيفية زكاة الدين

السؤال
إذا استعار أحد مبلغاً من المال، وجعله رأس ماله في التجارة، فمن الواجب
عليه الزكاة هل هو الدائن أو المدين؟ وكيف يكون إخراج الزكاة؟

الجواب
هذا الفعل لا يسمى استعارة؛ فإن الاستعارة هي أخذ عين ينتفع بها ويرجعها،
وذلك كأن يستعير قدحاً، أو يستعير إناءً، أو يستعير خيمة، أو يستعير
فراشاً، فينتفع به، ثم يرجع عينه، فهذا استفاد من منفعتها وأرجعها، وأما
النقود فلا تستعار؛ لأن عينها تتلف، فلا يعقل أن يستعيرها ثم يرجعها كما
كانت، فما الفائدة من استعارتها إذن؟! وقد تكون الاستعارة من أجل أن يدلس،
فيوهم أن عنده مالاً، وما هو إلّا مال عارية عنده، وأما استعمال المال،
وحصول الاستفادة منه فإن ذلك لا يكون إلّا عن طريق القرض.
فالإنسان إذا
اقترض مالاً وجعله رأس ماله في التجارة فهو من عروض التجارة، فإنه يزكي ما
عنده من نقود متوفرة عن سلع قد بيعت، وتقوّم السلع التي لم تبع، ويضم ما
قوم إلى النقود المتوفرة، ويخرج ربع العشر، وذلك إذا حال عليها الحول من
أول ما بدأ التجارة.
وإما الدائن الذي وجبت عليه الزكاة، فإذا كان الشخص
الذي اقترض منه مليئاً بحيث إنه إذا طلب منه حقه فإنه يعطيه إياه فإنه
يزكيه وكأنه موجود عنده، وإذا كان المقترض ليس عنده قدرة على إعطائه حقه
فإنه يزكيه إذا قبضه لعام واحد، وليس لكل السنوات التي مضت، فالمعسر إذا
أنظر فلا يزكي الإنسان على ماله الذي عند ذلك المعسر؛ لأنه قد لا يأتي،
ولكن المال الذي يزكى هو المال الذي عند الموسر، فهذا المال كأنه عنده، ولو
طلبه لأعطي إياه.
ولا يقال: إنّ هذا مال واحد زكي عليه مرتين، لأننا
نقول: الكلام هنا على أن هذا مال لإنسان، وهذا مال لإنسان، فهذا يعتبر من
ماله، وهذا يعتبر من ماله، فزكى كل واحد منهما عن ماله.

(88/25)

كيفية معاملة أفراد جماعة التبليغ

السؤال
إذا التقينا ببعض أفراد جماعة التبليغ في أثناء خروجهم فماذا نفعل؟ هل يجوز لنا أن نصافحهم ونقابلهم؟

الجواب
نعم، صافحهم، وقابلهم، وانصحهم، وادعهم إلى أن يعتنوا بالتوحيد، وبالشيء
الذي أرسل الله من أجله الرسل، وأنزل من أجله الكتب، وأن يحرصوا على تعلم
العلم النافع، وأن يتكلموا بعلم، فلا مانع من مصافحتهم، ونصحهم، وتوجيههم،
وإرشادهم.

(88/26)

حكم تسمية علم التوحيد بعلم الكلام وإنكار الخلاف العقدي بين أهل السنة والشيعة

السؤال
وجدت في كتاب (الفقه الإسلامي وأدلته) للدكتور وهبة الزحيلي، في المجلد
الأول: أنه يسمي علم التوحيد بعلم الكلام، ويقول: إن اختلاف الشيعة
الإمامية مع أهل السنة لا يرجع إلى العقيدة أو الفقه، وإنما يرجع إلى ناحية
الحكومة والإمامة، فهل هذا الكلام من كلام أهل السنة؟

الجواب
ليس هذا الكلام من كلام أهل السنة والجماعة، وأصحاب العقائد المنحرفة يسمون علم التوحيد بعلم الكلام.
وأما
قضية الخلاف مع الشيعة، وأنه ليس اختلافاً في العقائد، فهذا الكلام غير
صحيح، فأهل السنة والجماعة يختلفون مع الشيعة في كثير من العقائد، وفي أمور
مختلفة، فالشيعة عندهم أنّ الحق هو ما جاء من عند الأئمة، ويقولون: إن كل
شيء لم يأتِ به الأئمة فهو باطل، فأهل السنة في وادٍ، وهم في وادٍ آخر،
فكيف يقال هذا الكلام؟!

(88/27)

حكم ترك صلاة الجماعة بسبب ضخامة الجسم

السؤال
هل ضخامة الجسم من الأمور التي يعذر بها الشخص عن صلاة الجماعة؟

الجواب
إذا كان الإنسان يتضرر من المشي لضخامة جسمه فإنه يعذر، وأما إذا كان لا يتضرر من ذلك فلا يعذر، بل يصلي جماعة مع الناس.

(88/28)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:36 pm

اقتباس :


حكم الصلاة بجوار الحائض

السؤال
إذا صلى الرجل بجوار حائض والدم ينزل منها، لكنها متحفظة، فهل في ملامستها محذور؟

الجواب
ليس هناك محذور؛ لأن المحذور هو ملامسة النجاسة، وأما إذا لمس جسدها أو ثيابها فلا يؤثر.

(88/29)

معنى حديث أنس في نفي علمه بصلاة الضحى

السؤال
قول أنس رضي الله عنه: (لم أره صلى إلا يومئذٍ) يعني: الضحى، هل يدل على
النقل المطلق، وأنه غير مقيد بعدد، أم يدل أن النقل مقيد بدليل هذا الحديث
وأنه ما صلى إلا لأجل أن يقتدي به الأنصاري؟

الجواب
قول أنس: (ما رأيته صلى إلا يومئذ)، يعني: أنه ما رآه صلى الضحى إلا
يومئذ، هذا هو معنى الكلام، وهذا النفي هو بناء على علمه ومشاهدته، وهو لا
ينفي ما ثبت في الأحاديث الأخرى التي فيها حثه وترغيبه على صلاة الضحى.
ونفي أنس عام، ولم يقيده، فهذا يدل على أنه ينفي علمه بذلك مطلقاً.

(88/30)

حكم طرد الذي يترك الصلاة من البيت

السؤال
هل من حق الوالد أن يخرج ولده من بيته لكونه تاركاً للصلاة؟

الجواب
نعم، من حقه أن يخرجه، لكن ينبغي عليه أن يجتهد في نصحه، وفي إنقاذه، وفي
صلاحه وسلامته؛ لعل الله أن يهديه، وإلا فمن حقه أن يخرجه.

(88/31)

حكم الأكل والشرب قائماً أو ماشياً

السؤال
ما حكم الشرب أو الأكل قائماً أو ماشياً؟

الجواب
الأصل في الأكل والشرب أن يكون جالساً، ويجوز قائماً، فقد جاء عن النبي
صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وفعل ذلك علي رضي الله عنه؛ ليبين أن
ذلك سائغ، وأنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن المعروف من هديه
ومن عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يشرب جالساً، ولكنه فعل ذلك قائماً
في بعض الأحيان، فدل على جوازه، وأما ما جاء من النهي عن الشرب قائماً
فيحمل على التنزيه لا على التحريم.

(88/32)

حكم لبس النعال المصنوعة من جلود الحيوانات غير مأكولة اللحم

السؤال
هل يجوز لبس النعال المصنوعة من جلد الحيوان غير مأكول اللحم؟

الجواب
الحديث الذي ورد في عدم استعمال جلود السباع يدل على أنها لا تستعمل،
وإنما تستعمل إذا كانت مصنوعة من جلد الحيوان مأكول اللحم، وما كان يطهره
الدباغ، وهو الذي مات بدون تذكية، وأما الحيوان الذي لا يؤكل فالتذكية
وجودها مثل عدمها، وذبيحته ميتة.
والله تعالى أعلم.

(88/33)

شرح سنن أبي داود [089]
لقد
حرص الشرع على صلاح الباطن والظاهر، ومن ذلك أمره بتسوية الصفوف في الصلاة
والتراص فيها، وبين أن عدم ذلك يؤدي إلى اختلاف القلوب، فباستقامة الجوارح
تستقيم القلوب، وهذا يدل على أن دين الإسلام يهتم بالظاهر والباطن، ويربط
بينهما.

(89/1)

ما جاء في تسوية الصفوف
قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفريع أبواب الصفوف.
باب تسوية الصفوف.
حدثنا
عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير قال: سألت سليمان الأعمش عن حديث
جابر بن سمرة في الصفوف المقدمة، فحدثنا عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة
عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون كما
تصف الملائكة عند ربهم جل وعز؟ قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال:
يتمون الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف)].
الإمام أبو داود رحمه الله
لا يكثر من ذكر الكتب، وإنما يجمع الأبواب المتعلقة بالطهارة كلها ويجعلها
تحت كتاب واحد وهو كتاب الطهارة، ولا يميز الحيض بكتاب، ولا غسل الجنابة
بكتاب، ولا التيمم بكتاب.
ولكنه عندما يذكر الموضوعات المختلفة فإنه
يجمع أحاديث الموضوع الواحد مع بعض، فيجعل أحاديث الجنابة مع بعض، وأحاديث
الحيض مع بعض، وأحاديث التيمم مع بعض وهكذا، وكذلك لما جاء عند كتاب الصلاة
جعل كل ما يتعلق بالصلاة كتاباً واحداً، ولكنه يذكر الموضوعات المختلفة
على حدة، فيجمع الأحاديث المتعلقة بكل موضوع على حدة، كما سبق أن مر بنا
أنه جعل الأوقات على حدة، وبناء المساجد على حدة، والإمامة على حدة، وما
يصلى به على حدة وهكذا.
وهنا ذكر الأبواب المتعلقة بالصفوف، فقال: تفريع
أبواب الصفوف، ثم قال: باب تسوية الصفوف، يعني: أن باب تسوية الصفوف من
الأبواب المتعلقة بالصفوف، وتسوية الصفوف تكون بإكمال الصف الأول فالأول،
ولا ينشأ الصف الثاني إلا بعد اكتمال الصف الأول، ولا ينشأ الثالث إلا بعد
اكتمال الثاني، ولا ينشأ الرابع إلا بعد اكتمال الثالث وهكذا.
وفي الصف
الواحد تكون التسوية فيه بالتساوي، بحيث يكون كل واحد بحذاء الذي بجواره
فلا يتقدم ولا يتأخر عنه، وأيضاً ألّا تكون في الصفوف فرج، فلا بد من
التراص في الصفوف.
والعبرة في التسوية والتراص هي جهة الإمام، فمن كان
عن يمين الإمام فالتقارب إلى جهة اليسار، ومن كان عن يسار الإمام فالتقارب
إلى جهة اليمين.
أورد المصنف عدة أحاديث تتعلق بتسوية الصفوف، أولها:
حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام
قال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: وكيف يصفون؟ قال: يتمون
الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف) أي: يتمون الصف الأول ثم الذي يليه
وهكذا، ثم لابد من التراص في الصفوف والتقارب بينها.

(89/2)

شرح حديث: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفريع أبواب الصفوف.
باب تسوية الصفوف.
حدثنا
عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير قال: سألت سليمان الأعمش عن حديث
جابر بن سمرة في الصفوف المقدمة، فحدثنا عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة
عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تصفون كما
تصف الملائكة عند ربهم جل وعز؟ قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال:
يتمون الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف)].
الإمام أبو داود رحمه الله
لا يكثر من ذكر الكتب، وإنما يجمع الأبواب المتعلقة بالطهارة كلها ويجعلها
تحت كتاب واحد وهو كتاب الطهارة، ولا يميز الحيض بكتاب، ولا غسل الجنابة
بكتاب، ولا التيمم بكتاب.
ولكنه عندما يذكر الموضوعات المختلفة فإنه
يجمع أحاديث الموضوع الواحد مع بعض، فيجعل أحاديث الجنابة مع بعض، وأحاديث
الحيض مع بعض، وأحاديث التيمم مع بعض وهكذا، وكذلك لما جاء عند كتاب الصلاة
جعل كل ما يتعلق بالصلاة كتاباً واحداً، ولكنه يذكر الموضوعات المختلفة
على حدة، فيجمع الأحاديث المتعلقة بكل موضوع على حدة، كما سبق أن مر بنا
أنه جعل الأوقات على حدة، وبناء المساجد على حدة، والإمامة على حدة، وما
يصلى به على حدة وهكذا.
وهنا ذكر الأبواب المتعلقة بالصفوف، فقال: تفريع
أبواب الصفوف، ثم قال: باب تسوية الصفوف، يعني: أن باب تسوية الصفوف من
الأبواب المتعلقة بالصفوف، وتسوية الصفوف تكون بإكمال الصف الأول فالأول،
ولا ينشأ الصف الثاني إلا بعد اكتمال الصف الأول، ولا ينشأ الثالث إلا بعد
اكتمال الثاني، ولا ينشأ الرابع إلا بعد اكتمال الثالث وهكذا.
وفي الصف
الواحد تكون التسوية فيه بالتساوي، بحيث يكون كل واحد بحذاء الذي بجواره
فلا يتقدم ولا يتأخر عنه، وأيضاً ألّا تكون في الصفوف فرج، فلا بد من
التراص في الصفوف.
والعبرة في التسوية والتراص هي جهة الإمام، فمن كان
عن يمين الإمام فالتقارب إلى جهة اليسار، ومن كان عن يسار الإمام فالتقارب
إلى جهة اليمين.
أورد المصنف عدة أحاديث تتعلق بتسوية الصفوف، أولها:
حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام
قال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: وكيف يصفون؟ قال: يتمون
الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف) أي: يتمون الصف الأول ثم الذي يليه
وهكذا، ثم لابد من التراص في الصفوف والتقارب بينها.

(89/3)

تراجم رجال إسناد حديث: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي].
هو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سألت سليمان الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، لقبه الأعمش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سألته عن حديث جابر بن سمرة في الصفوف المقدمة، فحدثنا عن المسيب بن رافع].
يعني: ساق الأعمش الإسناد، إلى جابر بن سمرة.
والمسيب بن رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن تميم بن طرفة].
هو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن جابر].
جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(89/4)

شرح حديث: (والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن زكريا بن
أبي زائدة عن أبي القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: (أقبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه، فقال: أقيموا صفوفكم
ثلاثاً، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم، قال: فرأيت الرجل
يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه)].
أورد
المصنف حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله
عليه وسلم أقبل عليهم بوجهه)، يعني: عندما أراد الصلاة أقبل عليهم بوجهه،
وقال: (أقيموا صفوفكم ثلاثاً)، يعني: كررها ثلاثاً.
قوله: (والله!
لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم)، فهذا فيه دليل على وجوب تسوية
الصفوف؛ لأنّ هذا العقاب وهذا الوعيد الشديد لا يكون إلّا على أمر لازم
وواجب.
قوله: [قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة
صاحبه، وكعبه بكعب صاحبه]، يعني: أن كل واحد يقرب من صاحبه حتى يلتصق به،
وحتى يكون متصلاً به، فلا يكون بين شخص وآخر فجوة، وإنما تكون الصفوف
متراصة، ومتقاربة، ويتصل بعضها ببعض.
وكما ذكرت سابقاً أنّ العبرة هي
جهة الإمام، فيتقارب الناس إلى جهة الإمام، فإذا كان الإمام في جهة فلا
يذهبون إلى جهة أخرى ويبتعدون عن الإمام، وإنما يتقاربون إلى جهة الإمام،
ويتراصون في جهته.
قوله: [والله لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين
قلوبكم] يعني: أن المخالفة في الظاهر تكون سبباً في المخالفة في الباطن،
ومن المعلوم أن القلوب إذا اختلفت وتنافرت فإنه يحصل بذلك الشر الكثير.

(89/5)

تراجم رجال إسناد حديث: (والله لتقيمنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زكريا بن أبي زائدة].
هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قاسم الجدلي].
هو حسين بن أبي الحارث وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[قال: سمعت النعمان بن بشير].
النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(89/6)

الصفة الصحيحة للتسوية في الصف
ما
يفعله كثير من الناس من جعل التسوية هي إلصاق أطراف الأصابع فغير صحيح؛
لأن الأرجل تتفاوت في الطول والقصر، فإذا ألصق شخص أصابعه مع أصابع غيره،
وكانت رجل هذا طويلة، ورجل هذا قصيرة، فإنها ستتقدم ساق هذا عن ساق هذا،
والمطلوب أن تتساوى السوق والركب والمناكب وأن تكون متحاذية.
فلو كانت
العبرة بأطراف القدمين فإن من كانت رجله طويلة وصف بجواره من رجله قصيرة،
وجعل أطراف الأصابع بجنب أطراف الأصابع فإن الذي رجله قصيرة سيكون متقدماً
على من رجله طويلة، ولكن حيث يكون الكعب محاذياً للكعب، والمنكب محاذياً
للمنكب، والساق محاذياً للساق فسيكون هناك التساوي في الصف.

(89/7)

شرح حديث: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهوكم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سماك بن
حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي
الصفوف كما يقوم القدح، حتى إذا ظن أن قد أخذنا ذلك عنه وفقهنا أقبل ذات
يوم بوجهه إذا رجل منتبذ بصدره، فقال: لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين
وجوهكم)].
أورد المصنف رحمه الله حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما،
وأنه صلى الله عليه وسلم كان يسوي الصفوف كما يسوي القدح، والقدح هو الخشب
الذي يكون به النصل، وهو من وسائل الحرب، وتكون هذه القداح متساوية ومتصلاً
بعضها ببعض، وليس فيها تقدم ولا تأخر، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم
يسوي الصفوف كهذه الهيئة.
فقد نبههم حتى ظن أنهم قد فهموا، فإذا برجل
منتبذ صدره، يعني: قد بدا وخرج من بين الناس، فالصف متساوٍ إلا هذا الذي
بدا صدره، فعند ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لتسوُّن صفوفكم، أو ليخالفن
الله بين وجوهكم).
والمخالفة بين الوجوه قيل: تكون بالمخالفة بين القلوب
والوجهات، وقيل: تكون تلك المخالفة والعقوبة من جنس الحديث الذي سبق أن
مر: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو
صورته صورة حمار) يعني: أنه يعاقب فيجعل على هيئة غريبة تخالف ما عليه
الناس، فتكون المخالفة في الوجوه إما بهذا، أو بالمخالفة بين القلوب
والوجهات كما في الحديث المتقدم: (لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين
قلوبكم)، فتكون المخالفة في الظاهر سبباً في اختلاف البواطن، وتفاوت القلوب
وتنافرها وعدم استقامتها وتآلفها.

(89/Cool

تراجم رجال إسناد حديث: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو التبوذكي المنقري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن سلمة بن دينار وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم، وأصحاب السنن.
إذا روى موسى بن إسماعيل عن حماد غير منسوب، فالمراد به حماد بن سلمة كما مر بنا ذلك كثيراً.
[عن سماك بن حرب].
هو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم، وأصحاب السنن.
[قال: سمعت النعمان بن بشير].
رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.
قوله:
[(حتى إذا ظن أن قد أخذنا ذلك عنه وفقهنا، أقبل ذات يوم بوجهه)] ليس فيه
دلالة على أن الإمام إذا رأى من المأمومين معرفة بهذا الحكم ألا يكرر عليهم
ذلك في كل صلاة، بل يكرر ذلك، لكن لكونه يستقبلهم بوجهه ويسوي بينهم كما
يسوى القداح لا يفعله دائماً، ولكن كونه يقول: أقيموا صفوفكم، أو استووا،
هذا يقوله باستمرار؛ لأن فيه تنبيهاً لهم وبياناً لهذا الأمر المطلوب.
ولكن هذه الهيئة الذي كان يفعلها عليه الصلاة والسلام في بعض الأحيان، وهي: أنه يسوي الصفوف كما تسوى القداح لم يكن يفعلها دائماً.

(89/9)

شرح حديث: (كان رسول الله يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: حدثنا [هناد بن السري وأبو عاصم بن جواس الحنفي
عن أبي الأحوص عن منصور عن طلحة اليامي عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء
بن عازب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى
ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا، ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وكان يقول:
إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأُوَل)].
أورد المصنف حديث البراء
بن عازب رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخلل الصف من
ناحية إلى ناحية) يعني: من ناحية اليمين إلى ناحية اليسار؛ حتى يستوي
المناكب والأقدام فيكونون متساوين.
قوله: [يمسح صدورنا ومناكبنا] أي:
حتى تكون متساوية بحيث لا يكون هناك تقدم ولا تأخر، فإذا كان أحدهم متقدماً
دفعه بصدره، وإذا كان متأخراً قدمه بمنكبه؛ حتى يكون الصف متساوياً.
قوله: [لا تختلفوا فتختلف قلوبكم]، وهذا مثل ما تقدم في الأحاديث.
قوله:
[وكان يقول: إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأُوَل]، وهذا يدلنا على
فضل الصفوف الأوَل، وأن الصف الأوّل هو خير الصفوف ثم الثاني ثم الثالث
وهكذا، فكل صف خير من الذي وراءه، والصف الأول هو خير الصفوف كما قال ذلك
رسول الله عليه الصلاة والسلام: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير
صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) والحديث في (صحيح مسلم).
والصلاة من الله عز وجل هي الثناء على المصلى عليه، وأما صلاة الملائكة فهي الدعاء.

(89/10)

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية)
قوله: [حدثنا هناد بن السري].
هو هناد بن السري أبو السري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن.
[وأبو عاصم بن جواس الحنفي].
هو أحمد بن جواس وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[عن أبي الأحوص].
هو سلام بن سليم الحنفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة اليامي].
هو طلحة بن مصرف اليامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن عوسجة].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن].
[عن البراء بن عازب].
البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقد
سبق أن مر بنا حديث جابر بن سمرة، وحديث النعمان بن بشير، وهؤلاء الثلاثة
صحابة أبناء صحابة، فـ جابر بن سمرة صحابي، وأبوه صحابي، والنعمان بن بشير
صحابي، وأبوه صحابي، والبراء بن عازب صحابي، وأبوه صحابي.

(89/11)

شرح حديث: (كان رسول الله يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا خالد بن الحارث
حدثنا حاتم يعني ابن أبي صغيرة عن سماك قال: سمعت النعمان بن بشير أنه قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا إذا قمنا للصلاة، فإذا
استوينا كبر)].
أورد المصنف رحمه الله تعالى حديث النعمان بن بشير رضي
الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسوي صوفهم إذا قاموا للصلاة،
فإذا رأى أن قد استووا كبر ودخل في الصلاة، فهذا يدل على أن الإمام لا يدخل
في الصلاة إلّا بعد تسوية الصفوف، وهو يدل أيضاً على عدم صحة ما نقل عن
الحنفية من أن الإمام يدخل في الصلاة عند قول المقيم: قد قامت الصلاة، وقبل
أن ينهي الإقامة، فإنّ الحديث واضح الدلالة على أنه لا يكبر إلا بعد
انتهاء الإقامة وتسوية الصفوف، وليس التكبير عند قول المقيم: قد قامت
الصلاة.

(89/12)

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ].
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا خالد بن الحارث].
هو خالد بن الحارث البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حاتم يعني ابن أبي صغيرة].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك، قال: سمعت النعمان بن بشير].
وقد مر ذكرهما.

(89/13)

شرح حديث: (أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي حدثنا ابن وهب ح
وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث وحديث ابن وهب أتم عن معاوية بن صالح عن
أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن عبد الله بن عمر قال قتيبة: عن أبي
الزاهرية عن أبي شجرة لم يذكر ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي
إخوانكم -لم يقل عيسى: بأيدي إخوانكم- ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل
صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله).
قال أبو داود: أبو شجرة: كثير بن مرة.
قال
أبو داود: ومعنى: (لينوا بأيدي إخوانكم): إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل
فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف].
أورد المصنف
رحمه الله حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب) أي: أن يكون منكب كل
إنسان محاذياً لمنكب الذي بجواره، والمعتبر كما ذكرت هو جهة الإمام.
قوله: (وسدوا الخلل) يعني: لا تتركوا فرجاً بين الصفوف، وإنما اجعلوا الصفوف متراصة متقاربة.
قوله:
(ولينوا بأيدي إخوانكم) فسر اللين بأيدي الإخوان بإنه إذا طلب منه أحد أن
يتقدم لكونه متأخراً فإنه يلين ويتقدم، وإذا كان متقدماً وطلب منه أن يتأخر
فإنه يتأخر، وإذا كان في الصف فجوة وطلب منه أن يقرب إلى جهة جاره فإنه
يقرب، فكل تلك المعاني تدخل تحت قوله: [(لينوا بأيدي إخوانكم)] والمراد أن
يتحرك إذا طلب منه، وأن يتعاون مع إخوانه في تسوية الصفوف.
وفسر المصنف
رحمه الله اللين بأن الإنسان إذا أراد أن يدخل في الصف إذا كانت فيه فرجة
أو أراد أن يدخل بين شخصين من أجل أن يصل الصف فإن على هذين الشخصين أن
يلينا له، وأن يمكناه من الدخول، وألا يمنعاه ولا يحولا دون الوصول إلى ما
يريد.
قوله: (ولا تذروا فرجات للشيطان)، أي: لا تتركوا فرجات بينكم، فإن
الشيطان يدخل من خلالها، ويعجبه ذلك؛ لأن هذا يخالف تسوية الصفوف الذي أمر
الله تعالى به، والذي أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك يؤدي إلى
أن الله يخالف بين وجوهكم وقلوبكم، وهذه من الأشياء التي يريدها الشيطان
ويحبها.
قوله: (ومن وصل صفاً وصله الله)، أي: أن يقرب بعضهم من بعض،
وإذا كانت هناك فرجة في الصف فإنه يدخل فيها ويسدها، فكل هذا من وصل
الصفوف.
قوله: (ومن قطع صفاً قطعه الله)، أي: يتسبب في قطع الصف، فالأول
يوصله الله بالثواب، والثاني يقطعه من الثواب، أو يحصل له الإثم، أو
يعاقبه بضرر يحصل له كما جاء في الحديث (أو ليخالفن الله بين قلوبكم) فتكون
هناك منافرة بين القلوب، فهذه عقوبة للقلب، أو تكون عقوبة للوجه كما في
الرواية الأخرى، فتحصل مخالفة بين الوجوه.

(89/14)

تراجم رجال إسناد حديث: (أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل)
قوله: [حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي].
وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح، وحدثنا قتيبة بن سعيد].
قوله
(ح) تعني: تحول من إسناد إلى إسناد، وقتيبة بن سعيد هو قتيبة بن سعيد بن
جميل بن طريف البغلاني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحديث ابن وهب أتم].
يعني:
الإسناد الأول، فإن أبا داود رحمه الله ذكر هذا الحديث من طريقين: من طريق
عيسى بن إبراهيم الغافقي، عن ابن وهب، ومن طريق قتيبة بن سعيد، عن الليث،
وطريق ابن وهب -وهي الطريقة الأولى- أتم.
[عن معاوية بن صالح].
هو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن].
[عن أبي الزاهرية].
هو حدير بن كريب الحمصي وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن كثير بن مرة].
وهو: ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمر].
هو
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي،
وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال: قتيبة، عن أبي الزاهرية، عن أبي شجرة، لم يذكر ابن عمر].
يعني: قتيبة الشيخ الثاني في الإسناد الآخر يقول: عن أبي الزاهرية.
وقد مر ذكره، عن أبي شجرة.
وقد
ذُكر في الإسناد الأول باسمه: كثير بن مرة، وذُكر هنا في الإسناد الثاني
بكنيته: أبي شجرة، والإسناد الأول متصل، والإسناد الثاني مرسل، فإنه لم
يذكر ابن عمر، وإنما هو عن أبي شجرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(89/15)

معنى قوله: (لينوا بأيدي إخوانكم)
[قال
أبو داود: ومعنى (لينوا بأيدي إخوانكم): إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل
فيه، فينبغي أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف].
فهذا من
المعاني التي تدخل تحت قوله: (لينوا بأيدي إخوانكم)، وليس قصراً عليها، لأن
منه أيضاً كما ذكرت إذا كان الإنسان متقدماً فطلب منه أن يتأخر فيتأخر، أو
كان متأخراً فطلب منه أن يتقدم فيتقدم، أو كان في فجوة فيُطلب منه أن
يقترب حتى يسدها فليستجب، أو إذا أراد أن يدخل بين من أمامه حتى يسد فرجة
فليتُرك، أو أن يكون هناك سعة فيريد أنه يدخل، فكل هذا يدخل تحت قوله:
(لينوا بأيدي إخوانكم).
وتفسير أبي داود تفسير بالمثال، وليس حصراً للين
في ذلك، وهذا ما يسمونه التفسير بالمثال، يعني: أن يذكر مثالاً من الأمثلة
التي تندرج تحت هذا اللفظ.
وهذا الكلام في الصلاة وقبل الصلاة، فلا
يجوز للإنسان أن يمتنع، بل عليه وإن كان في الصلاة أن يقترب إذا كان هناك
فجوة في الصف، وإذا كان متأخراً فعليه أن يتقدم، وإذا كان متقدماً فعليه أن
يتأخر، فإن ذلك من مصلحة الصلاة، ومن الأشياء المأمور بها في الصلاة.
وبعض
الناس إذا أراد أن يتقدم إلى سد فرجة مثلاً فإنه يمشي مشية معينة، فيسحب
رجله سحباً؛ لأنها إذا ارتفعت عن الأرض فقد يؤدي ذلك إلى بطلانها بزعمهم،
ولا نعلم في ذلك دليلاً، ولكن كون الإنسان يمشي بهدوء فهذا شيء مطلوب، فلا
يتقدم بسرعة، ولا يقفز قفزاً، بل يمشي بهدوء.

(89/16)

شرح حديث: (رصوا صفوفكم وقاربوا بينها)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبان، عن قتادة،
عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رصوا صفوفكم،
وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل
من خلل الصف كأنه الحذف).
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:
(رصوا صفوفكم) يعني: تقاربوا فيها وتراصوا فيها كما يتراص البنيان، وكما
يتقارب البنيان، فإذا أنتم فعلتم هذا التقارب والتراص الذي يكون فيه كل
واحد ملتصقاً بالذي جواره فإنها لا تكون هناك فجوة، ولا تكون هناك فرج أو
خلل بين الصفوف.
قوله: (وقاربوا بينها) يعني: قاربوا بين الصفوف بحيث لا يكون هناك صف بعيد عن صف، ولا تكون هناك فجوة كبيرة بين الصف والصف.
قوله:
(وحاذوا بالأعناق) يعني: أن هذا التراص وهذا التقارب يكون بالمحاذاة
بالأعناق والمناكب والأكعب والساق، فلا يكون بأطراف القدمين فقط، ولا أن
يحاذي الإنسان ببطنه بطن الذي قبله، لا، وإنما يكون بالمناكب والأعناق
والأكعب وهكذا.
قوله: (فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل
الصف كأنه الحذف) المقصود بالحذف: صغار البهائم والغنم التي تدخل؛ لأنها
صغيرة ولطيفة وخفيفة، ومعنى هذا: أن الإنسان لا يدع فرجة بين الصفوف يدخل
منها الشيطان؛ لأن الشيطان يريد من الناس ألا يتبعوا السنة، وألا يمتثلوا
ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر
بالتراص والتقارب في الصفوف، فعدم ذلك يعجب الشيطان؛ لأن فيه مخالفة لما
جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن الشياطين تدخل من الخلل أو
الفجوات التي تكون بين الصفوف كأنها صغار الغنم.

(89/17)

تراجم رجال إسناد حديث: (رصوا صفوفكم قاربوا بينها)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو الفراهيدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان].
هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
أنس
بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين،
وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما
وضع الحبل الممتد من طرف الصف إلى طرفه لإقامة الصف فما نعلم له وجهاً،
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعله، وإنما كان يأمر بتسوية الصفوف
وتقاربها.
وكذلك وضع اللصقة من أول الصف إلى آخره، أو ما إلى ذلك فليس
له وجه، لاسيما اللصقة التي يمكن أن تنخلع بحيث تلتصق رجل المصلي بالفراش،
فينشغل الإنسان بذلك في صلاته.

(89/18)

شرح حديث: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي وسليمان بن حرب قالا:
حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)].
أورد أبو
داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة).
المقصود بالصف هنا الجنس، أي: الصفوف.
قوله:
(فإن تسوية الصف من تمام الصلاة) قد يستدل به بعض أهل العلم على أن
التسوية غير واجبة، ولكن الأحاديث التي فيها بيان العقوبة، والتحذير من أن
الشيطان يجد خلالاً بين الصفوف يدل على الوجوب.
فقوله: (من تمام الصلاة)
لا يعني أن التسوية غير واجبة، وإنما يعني أن هذا فيه زيادة في الأجر
والثواب، وأنَّ الإنسان يأتي بالشيء الواجب ويثاب عليه، لا أنه أمر مستحب.

(89/19)

تراجم رجال إسناد حديث (سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي].
هو هشام بن عبد الملك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وسليمان بن حرب].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة، عن أنس].
وقد مر ذكرهما.

(89/20)

شرح حديث: (استووا وعدلوا صفوفكم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن مصعب بن
ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة أنه
قال: صليت إلى جنب أنس بن مالك يوماً فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟
فقلت: لا والله! قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده عليه
فيقول: استووا وعدلوا صفوفكم)].
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه،
أنّ محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة فيقول: (صليت إلى جنب أنس بن
مالك فقال: أتدري لما صنع هذا العود؟ قلت: لا والله! قال: إن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يضع يده عليه، ويقول: استووا، وعدلوا صفوفكم) جاء معناه
في أحاديث متقدمة، وكذلك في أحاديث ستأتي بعد، كقوله: (سووا صفوفكم)،
وقوله: (استووا)، وقوله: (عدلوا صفوفكم) فكل هذه الأحاديث فيها أمر بتسوية
الصفوف، وأما ذكر العود الذي كان يضع يده عليه فلا أدري ما المراد بوضع يده
عليه.
وهذا الحديث في إسناده شخصان متكلم فيهما، ولكن قوله: (استووا،
وعدلوا صفوفكم) جاء معناه في أحاديث عديدة ثابتة، فمعناه صحيح وإن كان هذا
الإسناد غير ثابت.

(89/21)

تراجم رجال إسناد حديث (استووا وعدلوا صفوفكم)
قوله: [حدثنا قتيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل].
قتيبة مر ذكره وحاتم بن إسماعيل صدوق يهم، أخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير].
وهو لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة].
هو مقبول، أخرج حديثه أبو داود.
فهذا الحديث فيه محمد بن مسلم بن السائب، وفيه مصعب بن ثابت، وهما ضعيفان.
[عن أنس].
وقد مر ذكره.

(89/22)

شرح حديث: (اعتدلوا سووا صفوفكم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد، حدثنا حميد بن الأسود، حدثنا مصعب
بن ثابت، عن محمد بن مسلم، عن أنس بهذا الحديث قال: (إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه، ثم التفت فقال: اعتدلوا،
سووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره، فقال: اعتدلوا، سووا صفوفكم)].
أورد أبو
داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يأمر بتسوية الصفوف فيقول: (اعتدلوا سووا صفوفكم) يعني: من جهة اليمين
ومن جهة الشمال، وهو مثل الذي قبله.

(89/23)

تراجم رجال إسناد حديث: (اعتدلوا سووا صفوفكم)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج أحاديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حميد بن الأسود].
هو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن.
[حدثنا مصعب بن ثابت، عن محمد بن مسلم، عن أنس].
وقد مر ذكر الثلاثة.

(89/24)

شرح حديث: (أتموا الصف المقدَّم، ثم الذي يليه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، حدثنا عبد
الوهاب يعني ابن عطاء، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من نقص
فليكن في الصف المؤخر)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
وفيه: أن كل صف يتم قبل أن ينشأ الصف الذي وراءه، وإذا كان هناك نقص فليكن
في الصف المؤخر، أي: أنه لا ينشأ الصف الثاني والصف الأول لم يكتمل، ولا
ينشأ الثالث والصف الثاني لم يكتمل، بل يكمل كل صف، وإن كان هناك نقص فليكن
في الصف الأخير، ومن جاء بعد ذلك فليتم هذا الصف، وإن بقي الأمر بدون
إتمام فإنه يكون في المؤخر، فهذا من تسوية الصفوف.

(89/25)

تراجم رجال إسناد حديث: (أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه)
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري].
هو صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[حدثنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء].
هو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد].
هو سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة، عن أنس].
قد مر ذكرهما.

(89/26)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:38 pm

اقتباس :

شرح حديث: (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن بشار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا جعفر بن
يحيى بن ثوبان، أخبرني عمي عمارة بن ثوبان، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة).
قال أبو داود: جعفر بن يحيى من أهل مكة].
أورد
أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(خياركم ألينكم مناكب في الصلاة) يعني: أنه إذا طلب منه أن يتقدم تقدم،
وإذا طلب منه أن يتأخر تأخر، وإذا طلب منه أن يقرب قرب، وهذا في الصلاة كما
هو ظاهر في الحديث.
وهذا من جنس قوله: (لينوا بأيدي إخوانكم)، وفيه بيان فضل من يكون كذلك، وأن هذا مما يمدح عليه، ويعتبر صاحبه من الخيار.

(89/27)

تراجم رجال إسناد حديث (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة)
قوله: [حدثنا ابن بشار].
هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عاصم].
هو أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر بن يحيى بن ثوبان].
هو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة.
[عن عمه عمارة بن ثوبان].
هو مستور، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن
ابن عباس] هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه
وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم.

(89/28)

الأسئلة
(89/29)

حكم وصل الصف المقطوع بجدار أو منبر

السؤال
قد يتحرج الإنسان من أن يتقدم إلى الصف المقدم إذا كان مقطوعاً بسبب جدار أو منبر أو نحو ذلك، فهل يبقى في صفه المؤخر؛ لأنه أتم؟

الجواب
لا، ليس كذلك، بل عليه أن يتقدم، ووجود منبر يقطعه لا يعني ذلك أنه
يُترك، بل عليه أن يتقدم، ولو قطع بالمنبر، فإن مثل ذلك لا يؤثر.

(89/30)

حكم رد السلعة بعيب حدث لها بسبب التقادم

السؤال
رجل اشترى كمية من العطور من رجل آخر، وتعاقدا على أن يعطيه الثمن بعد
مدة كانت معلومة بينهما، وذهب الرجل المشتري بالعطور وبدأ يبيع للناس حتى
حصل له ربح منها، وبعد مدة من الزمن وقبل حلول المدة اكتشف المشتري أن
العطور المتبقية لديه قد ذهب ريحها بخلاف ما كانت في الأول، ولم يبين
البائع الأول للمشتري ذلك، ثم جاء البائع بعد حلول المدة يطلب ثمنه، فرفض
المشتري، وقال له: إنه قد وجد عيباً في العطور، وطلب منه أن يأخذ العطور
المتبقية والفلوس التي حصل عليها من العطور التي باعها، فما حكم هذا العقد؟
وهل عمل المشتري هذا صحيح؟ وهل يلزمه أن يدفع له النقود؟

الجواب
لا أدري هل ذهاب الرائحة كان بسبب تقادم العهد، وطول المدة؟ فإذا كان هذا
بسبب طول مدة بقائه عند المشتري فليس على البائع شيء؛ لأن ذلك العيب إنما
هو بسبب تأخر بقائه عند المشتري.

(89/31)

شرح سنن أبي داود [090]
للصلاة
في الجماعة جملة من الأحكام الشرعية التي تخصها، ومن ذلك كراهة الصلاة بين
السواري، وأن يكون أولو الأحلام والنهى خلف الإمام للفتح عليه ولسد حاجة
الاستخلاف، وأن يكون الإمام محاذياً لوسط الصف، وما يتعلق بصلاة المنفرد
خلف الصف، واتخاذ السترة، وغير ذلك من الأحكام الشرعية العملية التي ينبغي
للمسلم معرفتها.

(90/1)

شرح حديث أنس في اتقائهم الصلاة بين السواري
قال المصنّف رحمه الله تعالى: [باب الصفوف بين السواري.
حدثنا
محمد بن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن يحيى بن هانئ، عن عبد
الحميد بن محمود أنه قال: صليت مع أنس بن مالك رضي الله عنه يوم الجمعة
فدفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس: (كنا نتقي هذا على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم)].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب الصفوف بين السواري].
والسواري
هي: الأعمدة التي تكون في المسجد، والصف بينها لا يجوز؛ لأنها تقطع
الصفوف، لكن إذا كان المسجد قد امتلأ، واستكملت الصفوف بالمصلين، واحتاج
الناس إلى أن يصفوا بين السواري فلهم ذلك، لكن لا يصف المرء منفرداً بين
العمودين، وإنما يصف اثنان فأكثر؛ حتى لا يكون المصلي وحده منفرداً.
إذاً:
فالصلاة بين السواري لا تسوغ؛ لأنها تقطع الصفوف، ولكنها تجوز عند الحاجة
إليها، وذلك عند امتلاء المسجد، واحتياج الناس إلى ذلك كما هو الحال في
المسجد الحرام والمسجد النبوي في موسم الحج، حيث يكثر الناس، ويمتلأ
المسجد، ويحتاج الناس إلى أن يصفوا بين السواري، فإن ذلك سائغ ولا بأس به.
وكذلك
إذا صلى الإنسان منفرداً متنفلاً، أو مفترضاً منفرداً قد فاتته الصلاة،
فإذا صلى بين ساريتين إلى سترة فإنه لا بأس بذلك، والنبي صلى الله عليه
وسلم قد صلى في الكعبة بين عمودين، فإذا صلى المنفرد بين عمودين فلا بأس
بذلك؛ لأن المحذور هو تقطع الصفوف، والمنفرد ليس له شأن في هذا، ولكن كونه
يصلي إلى عمود أو سارية يجعلها سترة له هو الأولى.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الحميد بن محمود أنهم كانوا يدفعون من بين السواري، فإما أن يتقدموا وإما أن يتأخروا.
قوله:
[فدفعنا إلى السواري] يعني: عما بين السواري، وقوله: [فتقدمنا أو تأخرنا]
أي: تقدموا إلى ما قبل السواري، أو تأخروا إلى ما بعد السواري من الصفوف،
ولم يمكَّنوا من أن يصفوا بين السواري؛ لأنها تقطع الصفوف، لكن هذا حيث
يكون المسجد فيه سعة، ولا يحتاج الناس إلى الصلاة بين السواري.
ثم روى
عن أنس قوله: [(كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)] يعني:
كنا نتقي أن نصف بين السواري، وإنما نصف في الصفوف المتصلة التي لا تكون
بين السواري.

(90/2)

تراجم رجال إسناد حديث أنس في اتقائهم الصلاة بين السواري
قوله: [حدثنا محمد بن بشار].
هو الملقب بندار، البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو ابن مهدي، البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنَّه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن هانئ].
يحيى بن هانئ ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن عبد الحميد بن محمود].
عبد الحميد بن محمود صدوق ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أنس].
أنس رضي الله عنه هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد
يكون الصف طويلاً فيه المائة أو أكثر من ذلك، ولكنه بين السواري، فإذا صف
الناس في الصف الطويل المكون من مائة أو مائة وخمسين رجلاً وفي طرفه عمود
يقطع، فهل يدخل في الكراهة؟

الجواب
مادام أن هناك صفوفاً وراء هذين العمودين، وصفوفاً أمامها، فلا ينبغي أن
يصف بين العمودين، أو في المكان الذي يقطعه العمودان، وإنما يكون الصف
قبلهما أو بعدهما.

(90/3)

شرح حديث: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر.
حدثنا
ابن كثير، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، عن
أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم:
(ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)].
أورد
أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف
وكراهية التأخر] يعني: من الذي يستحب أن يكون وراء الإمام في الصف الذي
يلي الإمام، بحيث يكون وراءه مباشرة؟ والمقصود أنه يكون في هذا المكان ذوو
الأحلام والنهى، ومن يكون من البالغين العقلاء، ومن أهل العلم والمعرفة؛
لأنه إذا كان وراء الإمام من كان كذلك فإنه يفتح عليه إذا حصل منه خطأ في
القراءة، وكذلك -أيضاً- لو احتيج إلى الاستخلاف فيكون ذلك الذي يليه صالحاً
للاستخلاف إذا طرأ على الإمام شيء في صلاته وأراد أن يقدم أحداً مكانه،
فإذا كان الذي يليه من ذوي الأحلام والنهى، ومن أصحاب العقول، ومن أصحاب
العلم والمعرفة، فإنه يتقدم ويكمل الصلاة، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، فإنه
يتقدم وهو لا يحسن الإمامة، ولا يحسن القراءة، فينبغي أن الذي يليه يكون
كبيراً، وعاقلاً، وفاهماً، وعنده علم ومعرفة؛ فإن ذلك فيه عدة فوائد.
ولهذا
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي عليه
الصلاة والسلام قال: [(ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)] يعني الكبار
البالغين، فالأحلام قيل: المراد بأهلها من بلغوا الحلم، وهم الذين تجاوزوا
الصغر وصاروا من المكلفين.
والنُهى: جمع نُهية، وهي: العقل، وسمي العقل
نُهية لأنه ينهى صاحبه عما لا ينبغي، وتأتي الأحلام أيضاً بمعنى العقول،
كما في قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ
قَوْمٌ طَاغُونَ} [الطور:32].
ثم قال صلى الله عليه وسلم: [(ثم الذين
يلونهم، ثم الذين يلونهم)]، يعني أن يلي الإمام من يكونون صالحين للإمامة،
ومن يكون عندهم علم ومعرفة ليفتحوا على الإمام إذا حصل منه خطأ في القراءة،
ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وهكذا.
وقوله: [وكراهية التأخر]،
يعني: التأخر عن إتمام الصفوف الأول، بحيث ينشأ الصف الثاني قبل اكتمال
الأول، أو الثالث قبل اكتمال الثاني، وهكذا، فهذا من التأخر.

(90/4)

تراجم رجال إسناد حديث (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)
قوله: [حدثنا ابن كثير].
هو: محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان].
هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، مر ذكره.
[عن الأعمش].
هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن عمير].
هو: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي معمر].
هو: عبد الله بن سخبرة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مسعود].
هو: عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

(90/5)

شرح حديث: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا خالد، عن
أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم مثله، وزاد: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وإياكم وهيشات
الأسواق)].
أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وهو مثل الذي
قبله: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين
يلونهم)، وفيه زيادة: [(ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)] أي: لا تختلفوا فتختلف
قلوبكم، وذلك بعدم تسوية الصفوف، وحصول التقدم والتأخر في الصف، وكذلك
التأخر عن الصفوف الأُول.
وقوله: [(وإياكم وهيشات الأسواق)] المقصود به:
اللغط والكلام الذي لا قيمة له مما يكون في الأسواق، وكذلك الكلام الذي لا
يليق، فإن هذا هو المقصود بهيشات الأسواق، فيمنع ذلك في المساجد؛ لكون
الأسواق فيها رفع للأصوات، وفيها اللغط، وفيها الكلام الذي لا ينبغي، وكل
هذا مما تنزه وتصان عنه المساجد.
وكذلك بالنسبة للأسواق، فينبغي على من
كان في السوق أن يجتنب الأشياء التي لا قيمة لها، وأن يجتنب الأشياء التي
لا تنبغي، والأشياء التي يحاسب عليها الإنسان، فعلى الإنسان أن يصون المسجد
عما لا ينبغي، وأن لا يعامل المساجد معاملة الأسواق، وكذلك -أيضاً- ينبغي
له أن يبتعد عن اللغط وما لا ينبغي وإن كان في السوق، وأما المسجد فينبغي
أن ينزه عما في السوق مما يذم أو يحمد.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: (أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله
أسواقها)، وذلك أن المساجد محل ذكر الله عز وجل، ومحل الصلاة والعبادة،
وأما الأسواق فهي محل اللغط والكلام الذي لا ينبغي، فكانت المساجد أحب
البقاع إلى الله عز وجل، والأسواق أبغض البقاع إلى الله عز وجل.

(90/6)

تراجم رجال إسناد حديث (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو: مسدد بن مسرهد، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع].
هو: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خالد].
هو: ابن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي معشر].
هو: زياد بن كليب، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن إبراهيم].
هو: ابن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة].
هو: ابن قيس بن يزيد النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو: ابن مسعود الهذلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(90/7)

شرح حديث: (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام،
حدثنا سفيان، عن أسامة بن زيد، عن عثمان بن عروة، عن عروة، عن عائشة رضي
الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته
يصلون على ميامن الصفوف)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة [(إن
الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)] يعني أن ميامن الصفوف أفضل من
مياسرها، وأنها أولى من مياسرها، وهذا الحديث فيه ضعف، ولكن كون الإنسان
يصلي في يمين الصف لا شك أنه هو الأولى؛ لعموم الأدلة التي وردت عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه التيمن، واستعمال اليمين، وتقديم اليمين،
واختيار اليمين، وهذا في كل ما من شأنه الإكرام، وكل ما كان من الأمور
الطيبة، وكذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرصون على أن
يكونوا في ميامن الصفوف؛ حتى إذا انصرف الرسول صلى الله عليه وسلم من صلاته
يقابلهم بوجهه صلى الله عليه وسلم.
فالخلاصة أن الحديث فيه ضعف، ولكن
تدل على أفضلية ميامن الصفوف على مياسرها عمومات الأدلة التي تدل على أن
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن.

(90/Cool

تراجم رجال إسناد حديث (إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف)
[حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
هو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا معاوية بن هشام].
معاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد)، ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا سفيان، عن أسامة بن زيد].
سفيان هو: الثوري مر ذكره، وأسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عثمان بن عروة].
عثمان بن عروة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن عروة].
هو: عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي من
أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم، وهم ستة رجال، وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي أم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

(90/9)

مقام الصبيان من الصف
(90/10)

شرح حديث: (ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مقام الصبيان من الصف.
حدثنا
عيسى بن شاذان، حدثنا عياش الرقام، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا قرة بن خالد،
حدثنا بديل، حدثنا شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم قال: قال أبو مالك
الأشعري رضي الله عنه: (ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال:
فأقام الصلاة، وصف الرجال، وصف خلفهم الغلمان، ثم صلى بهم، فذكر صلاته، ثم
قال: هكذا صلاة، قال عبد الأعلى: لا أحسبه إلا قال: صلاة أمتي].
أورد
أبو داود رحمه الله [باب مقام الصبيان من الصف] والمقصود من هذه الترجمة
والحديث الذي أورده تحتها أن الصبيان يصفون وراء الرجال، وذلك للحديث الذي
أورده أبو داود وفيه كلام، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو
الأحلام والنهى)، ولما جاء عن ابن عباس أنه قال: (ما كنا نعرف انقصاء صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير) قيل: لأنه كان مع الصبيان، وصف
الصبيان يكون متأخراً.
وكذلك يكون الحكم في الجنائز عندما يكون فيها
كبار وصبيان ونساء، فإنه يقدم الكبار، ثم الصبيان، ثم النساء وراءهم، وهكذا
بالنسبة للصفوف في الصلاة، فيكون الرجال أولاً ثم الصبيان، ثم النساء
وراءهم، وهذا فيما إذا لم يترتب على ذلك مضرة بأن يحصل منهم لعب وتشويش وما
إلى ذلك، وإلا فإنهم إذا صفوا وهم مميزون مع الناس فلا بأس بذلك، لكن لا
يكونون في الصفوف المتقدمة، ولا يكونون قريبين من الإمام؛ لأن هذا يخالف ما
جاء عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى).
وقد
أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه
قال: [ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقام الصلاة، وصف
الرجال، وصف خلفهم الغلمان] يعني: جعل الرجال يصفون في الصفوف الأول،
والغلمان يصفون وراءهم، وقال: [هكذا صلاة] من غير إضافة.
قال عبد الأعلى: [لا أحسبه إلا قال: صلاة أمتي].
وقوله: [(صلاة أمتي)] يعني أنهم يصفون بهذه الطريقة: الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء وراءهم إذا كان معهم نساء.

(90/11)

تراجم رجال إسناد حديث (ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا عيسى بن شاذان].
عيسى بن شاذان ثقة، أخرج له أبو داود وحده.
[حدثنا عياش الرقام].
هو عياش بن الوليد الرقام، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الأعلى].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قرة بن خالد].
قرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا بديل].
هو ابن ميسرة العقيلي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا شهر بن حوشب].
شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، وحديثه أخرجه البخاري في (الأدب المفرد)، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن غنم].
عبد الرحمن بن غنم قيل: إنه معدود في الصحابة، وقيل: من ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[عن أبي مالك الأشعري].
أبو مالك الأشعري رضي الله عنه حديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
وفي سند هذا الحديث شخص متكلم فيه، وهو شهر بن حوشب.

(90/12)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:40 pm

اقتباس :


صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول
(90/13)

شرح حديث: (خير صفوف الرجال أولها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول.
حدثنا
محمد بن الصباح البزاز، حدثنا خالد وإسماعيل بن زكريا، عن سهيل بن أبي
صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها،
وشرها أولها)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب صف النساء، وكراهية
التأخر عن الصف الأول]، يعني: في حق الرجال؛ لأنه ورد في بعض الأحاديث ذكر
كراهية التأخر، والنساء يؤخرن عن الرجال، وصفوفهن تكون مؤخرة عن صفوف
الرجال، ولو كانت هناك امرأة واحدة فإنها تصف وحدها، كما جاء في حديث أنس:
(صففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز خلفنا)، بل إن الرجل إذا صلى ومعه امرأة
فإنها تصف وراءه، ولا تصف بجواره؛ لأن صفوف النساء مؤخرة عن صفوف الرجال،
ولا يصاف الرجل امرأة، وكذلك المرأة لا تصاف رجلاً، وإنما تصاف المرأة
المرأة، أو تكون صفاً وحدها.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة
[(خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها
أولها)]، فكان خير صفوف الرجال أولها لقربه من الإمام، ولبعده عن النساء،
وكان شر صفوف الرجال آخرها لبعده وتأخره عن الإمام، ولقربه من النساء، وكان
خير صفوف النساء آخرها لبعده عن الرجال، وكان شرها أولها لقربه من الرجال،
فقد تحصل فتنة.
وكون خير صفوف النساء آخرها هذا فيما إذا كانت الصفوف
متصلة، أو أن الرجال ليس بينهم وبين النساء فاصل، لكن إذا وجد مصلى خاص
بالنساء، فلا الرجال يرون النساء، ولا النساء يرين الرجال، فإن تقدمهن في
الصفوف الأول هو الأولى؛ لأن المحذور قد زال بوجود التميز والانفصال،
فالمحذور يكون حيث يرى الرجال النساء والنساء يرين الرجال.
فإذا وجد ما
يحجز بينهما فإن النساء يتقدمن في الصفوف الأول، ولا يكن في الصف الآخر،
فالمحذور قد زال، والذي يخشى منه -وهو فتنة الرجال بالنساء وفتنة النساء
بالرجال- قد زال، فيتقدمن والحالة هذه كما لو صلين جماعة وحدهن، فإن الصفوف
المتقدمة من صفوف النساء حيث يصلين وحدهن أولى وخير من الصفوف المتأخرة.

(90/14)

تراجم رجال إسناد حديث (خير صفوف الرجال أولها)
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز].
محمد بن الصباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وإسماعيل بن زكريا].
هو الخلقاني، صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهيل بن أبي صالح].
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو أبو صالح ذكوان السمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.

(90/15)

شرح حديث: (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرزاق، عن عكرمة
بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة، رضي الله عنها أنها
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (لا يزال قوم يتأخرون عن
الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار)].
هذا الحديث يتعلق بالشق الثاني
من الترجمة السابقة، فقد قال: [باب صفوف النساء، وكراهية التأخر عن الصف
الأول]، يعني: في حق الرجال، وليس في حق النساء؛ لأنّ كراهية التأخر عن
الصف الأول إنما هو في حق الرجال، وكذلك في حق النساء إذا صلين وحدهن،
فإنهن يتقدمن إلى الصف الأول ولا يتأخرن.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث
عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [(لا يزال
قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار)] يعني أنهم يعاقبون،
فيكون الجزاء من جنس العمل، حيث تأخروا ولم يقوموا بواجب تسوية الصفوف،
وإكمال الصف الأول فالأول، فترتب على ذلك أن يؤخرهم الله في النار، وأن
يعاقبهم في النار، فيكون هذا التأخر سبباً في تأخر الثواب عنهم، وفي وقوعهم
في النار، وتأخرهم عمَّن يتقدم إلى الجنة، لكن من المعلوم أن كل من دخل
النار وهو ليس من الكفار إنه لابد من أن يصل إلى الجنة، ولا يخلد في النار
إلا الكفار الذين هم أهلها.

(90/16)

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين].
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة بن عمار].
عكرمة بن عمار صدوق يغلط، وروايته عن يحيى بن أبي كثير مضطربة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يحيى بن أبي كثير].
يحيى بن أبي كثير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
هو
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة
السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه
أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.
وهذا الحديث ضعيف، إلّا أنه وردت أحاديث بمعناه، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله).
وهذا
الحديث هو في التأخر عن الصف الأول، وأما التخلف عن الجماعة فقد ورد فيه
وعيد شديد ليس هذا مجال ذكره، فالحديث هنا هو عن التأخر عن الصف الأول،
فترى الرجل يأتي المسجد ولكنه لا يبالي أين يصف، فيصف كيفما اتفق، والأصل
-كما عرفنا- أنه لا ينشأ الصف الثاني إلا بعد اكتمال الصف الأول، ولا ينشأ
الصف الثالث إلا بعد اكتمال الثاني، ولا ينشأ الرابع إلا بعد اكتمال
الثالث، وهكذا.

(90/17)

شرح حديث: (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من قبلكم)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن عبد الله
الخزاعي حدثنا أبو الأشهب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم: (تقدموا
فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز
وجل)].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى
في بعض أصحابه تأخراً فقال: [(تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا
يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل)] يعني أنّ الجزاء من جنس العمل،
أي: تأخروا فأخروا عن دخول الجنة، وأخروا في النار، ولكن عرفنا من قبل أن
من دخل النار ولم يكن كافراً لابد من أن يخرج منها وأن يدخل الجنة، ولا
يبقى في النار أبداً إلا الكفار الذين هم أهلها، فلا سبيل لهم إلى الخروج
منها.

(90/18)

تراجم رجال إسناد حديث (تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من قبلكم)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن عبد الله الخزاعي].
محمد بن عبد الله الخزاعي ثقة، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا أبو الأشهب].
هو جعفر بن حيان العطاردي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي نضرة].
هو المنذر بن مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد].
هو: سعد بن مالك بن سنان، مشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(90/19)

مقام الإمام من الصف
(90/20)

شرح حديث: (وسطوا الإمام وسدوا الخلل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مقام الإمام من الصف.
حدثنا
جعفر بن مسافر، حدثنا ابن أبي فديك، عن يحيى بن بشير بن خلاد، عن أمه أنها
دخلت على محمد بن كعب القرظي فسمعته يقول: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه
أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وسطوا الإمام، وسدوا الخلل)].
أورد
أبو داود [باب مقام الإمام من الصف] أي: أين يقف الإمام من الصف؟ هل يقف
في وسطه، أو في طرفه من جهة اليمين، أو من جهة الشمال؟ والجواب أنه يكون في
وسط الصف ولا يكون في الطرف؛ لأنه إذا توسط سمعه من على اليمين ومن على
الشمال، وإذا كان في الطرف فإنه لا يسمعه من كان في الجهة المقابلة، وكذلك
إذا توسط الإمام فإنه يقتدي به من يكون حوله من جهة اليمين وجهة الشمال،
بخلاف ما إذا كان في الطرف فإنه لا يشاهده ولا يراه إلا من كان في ذلك
الطرف.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [(وسطوا الإمام، وسدوا الخلل)].
قوله: [(وسطوا الإمام)] أي: اجعلوه في الوسط عند الاصطفاف.
وهذا
الحديث فيه ضعف؛ إذ فيه مجهولان، لكن معناه صحيح، والرسول صلى الله عليه
وسلم عندما كان يصلي لم يكن يصلي في الطرف، وإنما كان يصلي في الوسط، وكذلك
المساجد عندما تبنى فإن محاريبها تكون في وسطها، ولا تكون في أطرافها.
وأما قوله: [(سدوا الخلل)] فقد جاء في أحاديث عديدة، وقد مر بعضها في (باب تسوية الصفوف).

(90/21)

تراجم رجال إسناد حديث (وسطوا الإمام وسدوا الخلل)
قوله: [حدثنا جعفر بن مسافر].
جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن أبي فديك].
هو: محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن بشير بن خلاد].
يحيى بن بشير بن خلاد مجهول الحال، أخرج حديثه أبو داود.
[عن أمه].
وهي مجهولة، أخرج حديثها أبو داود.
[عن محمد بن كعب].
هو القرظي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وقد مر ذكره.

(90/22)

الرجل يصلي وحده خلف الصف
(90/23)

شرح حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً صلى وحده خلف الصف بالإعادة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الرجل يصلي وحده خلف الصف.
حدثنا
سليمان بن حرب وحفص بن عمر، قالا: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن هلال بن
يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد) قال سليمان بن حرب:
الصلاة].
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب: الرجل يصلي وحده
خلف الصف] يعني: ما حكم صلاته؟ أي أن ذلك لا يجوز، وصلاته غير صحيحة كما دل
عليه هذا الحديث على خلاف بين أهل العلم في ذلك، لكن الحديث الذي أورده
أبو داود دال على أن صلاته غير صحيحة؛ لأنه أمره بالإعادة، وما ذلك إلا
لعدم إجزاء الصلاة، ولو كانت مجزئة لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم
بالإعادة.
وقد اختلف أهل العلم في صلاة المنفرد خلف الصف: فمنهم من أجاز
ذلك، وقال: إن حديث أبي بكرة الذي سيأتي دال على ذلك؛ لأنه ركع قبل الصف،
فما دام أن بعض أجزاء الصلاة وقع وهو منفرد، وصح منه ذلك، فإن صلاته كلها
تكون كذلك؛ لأن جزءاً من أجزائها قد اعتُبر مع وقوعه دون الصف، فتكون
الصلاة كلها صحيحة ومعتبرة، قالوا: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة
إنما هو من أجل الاستحباب، وذلك جمع بينه وبين حديث أبي بكرة.
وقال بعض أهل العلم: إن صلاته خلف الصف وحده لا تجوز، وإذا فعل ذلك فإن صلاته لا تصح، وعليه أن يعيدها؛ لظاهر الحديث.
وأما
حديث أبي بكرة رضي الله عنه فقالوا: إنه دبّ راكعاً وأدرك الركوع وراء
الإمام في الصف، وعلى هذا فلم يحصل شيء مستقل في ركوعه دون الصف، ولكنه فعل
ذلك خشية أن تفوته الركعة فركع ودب، فليس فيه ما يدل على أنه حصل الرفع من
الركوع قبل أن يصل أبو بكرة رضي الله عنه إلى الصف.
وعلى هذا فلا يجوز
للإنسان أن يصلي خلف الصف، إلا إذا كان لا يستطيع أن يصلي إلا بهذه
الطريقة، كأن يكون الناس الذين يصلون في هذا المسجد محصورين، وقد حضروا
جميعهم، فلم يبق أحد حتى ينتظره، ولو لم يصل مع الجماعة فإنها تفوته، ولم
يكن متأخراً عن الجماعة، بل جاء إليها، وإذا تيسر للإنسان أن يدخل ويصلي عن
يمين الإمام فإن هذا يكون مناسباً؛ لأنه بذلك يكون صف بجوار الإمام، ولا
بأس بذلك عند الحاجة إليه.
لكن لو كان الإنسان غير مفرط ولا مقصر، وصلى
وحده مضطراً إلى ذلك فإن صلاته تصح والحالة هذه، أما إذا كان هناك تقصير أو
تفريط، وصلى الإنسان وحده مع إمكانه أن يدخل في الصف فإن صلاته تكون
حينئذٍ باطلة، وعليه الإعادة.

(90/24)

تراجم رجال إسناد حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً صلى وحده خلف الصف بالإعادة
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحفص بن عمر].
وهو النمري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، مر ذكره.
[عن عمرو بن مرة].
عمرو بن مرة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال بن يساف].
هلال بن يساف ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن راشد].
هو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن وابصة].
وهو: وابصة بن معبد، صاحب رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
وجاء حديث آخر عن غير وابصة دال على ما دل عليه حديث وابصة.

(90/25)

الرجل يركع دون الصف
(90/26)

شرح حديث: (زادك الله حرصاً ولا تعد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الرجل يركع دون الصف.
حدثنا
حميد بن مسعدة، أن يزيد بن زريع حدثهم حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن زياد
الأعلم، حدثنا الحسن أن أبا بكرة رضي الله عنه حدث أنه دخل المسجد ونبي
الله صلى الله عليه وسلم راكع، قال: فركعت دون الصف، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)].
أورد أبو داود رحمه الله [باب:
الرجل يركع دون الصف]، يعني: ما حكم ذلك؟ هل ذلك سائغ أم غير سائغ؟ والذي
دل عليه الحديث الذي أورده أبو داود أن الإنسان لا يفعل ذلك؛ لأن النبي صلى
الله عليه وسلم أقر أبا بكرة رضي الله عنه، ولكنه قال: [(ولا تعد)] يعني:
لا تعد إلى مثل هذا، فدل هذا على أن الإنسان يمشي وعليه السكينة حتى يصل
إلى الصف ثم يركع، فما أدركه صلاه، وما لم يدركه فإنه يتمه، كما قال صلى
الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم
فصلوا وما فاتكم فأتموا)، فلا يأت الإنسان وهو يسعى، وإنما يأتي ماشياً،
ويستمر ماشياً حتى يصل إلى الصف، فإن ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه من
الركوع فإنه يكون قد أدرك الركعة، وإلا فإنه يقضي ما فاته بعد سلام الإمام.
وأورد
المصنف حديث: أبي بكرة قال: دخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع،
فركعت دون الصف، فقال عليه الصلاة والسلام: [(زادك الله حرصاً ولا تعد)].

(90/27)

تراجم رجال إسناد حديث (زادك الله حرصاً ولا تعد)
قوله: [حدثنا حميد بن مسعدة].
حميد بن مسعدة صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
[أن يزيد بن زريع حدثهم].
يزيد بن زرع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي عروبة].
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زياد الأعلم].
هو زياد بن حسان الأعلم، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكرة].
هو نفيع بن الحارث، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(90/28)

طريق أخرى لحديث: (زادك الله حرصاً ولا تعد) وتراجم رجال إسنادها
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا زياد
الأعلم، عن الحسن أن أبا بكرة رضي الله عنه جاء ورسول الله راكع، فركع دون
الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال:
(أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ فقال: أبو بكرة: أنا، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصاً ولا تعد).
قال أبو داود: زياد الأعلم: زياد بن فلان بن قرة، وهو ابن خالة يونس بن عبيد].
أورد أبو داود حديث.
أبي بكرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
قد مر ذكره.
[حدثنا حماد، عن زياد الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة].
حماد هو ابن سلمة، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن زياد الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة].
قد مر ذكرهم.
قوله: [قال أبو داود: زياد الأعلم: زياد بن فلان بن قرة، وهو ابن خالة يونس بن عبيد].
في (التقريب): زياد بن حسان بن قرة.
فما
أدري كيف جاءت كلمة (فلان) هذه، وهل المراد أنه أبهم اسمه وذكر جده؟ إذ قد
يذكر الشخص إذا كان غير معروف وكان الذي بعده معروفاً فيقال: (ابن فلان)
أي: بدلاً من أن يسميه يأتي بكلمة (فلان)، وكملة (وفلان) يؤتى بها لكل أحد،
فيقال: (فلان بن فلان) وهي كناية عن الشخص الذي يبهم اسمه.

(90/29)

تفريع أبواب السترة
(90/30)

شرح حديث: (إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفريع أبواب السترة.
باب
ما يستر المصلي: حدثنا محمد بن كثير العبدي، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن
موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من
مر بين يديك)].
يقول المصنّف رحمه الله: [تفريع أبواب السترة].
أي:
سترة المصلي التي يتخذها أمامه سترة له، و (أل) في السترة عوض عن المضاف
إليه، أي: سترة المصلي، وهي تكون شيئاً شاخصاً أمام المصلي كعمود ثابت، أو
عصا يغرزها في الأرض، أو أي شيء بارز يجعله أمامه؛ ليكون سترة يمنع المرور
بين يدي المصلي، وأما المرور وراءه فيجوز.
ثم قال المصنّف رحمه الله:
[باب ما يستر المصلي] يعني: ممَّ تكون السترة؟ أو من أي شيء تكون السترة؟
أو بماذا تكون السترة؟ والمقصود أن السترة تكون بأي شيء شاخص، أو بأي شيء
بارز يلفت نظر من يريد أن يمر، فإذا رآه عرف أن هذه سترة تمنع من المرور
بين يدي المصلي.
فإذا أراد أحد أن يمرّ بين السترة وبين المصلي فإنه يرده ويمنعه كما جاء في الحديث.
والسترة
إما أن تكون عموداً، أو جداراً، وهذه من الأشياء الثابتة المستقرة، أو
تكون من الأشياء المتحركة أو المتنقلة، كالحجر الكبير، أو العصا التي تغرز،
أو الدابة ونحوها، فكل هذا تصلح أن تكون سترة.
وقد أورد أبو داود حديث
طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: [(إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من مر بين يديك)].
ومؤخرة
الرحل: هي العود الذي يستند إليه الراكب عندما يوضع الرحل فوق البعير،
فيكون وراء محل الراكب عود مرتفع قليلاً أقل من الذراع يستند إليه الراكب،
فالسترة مثل مؤخرة الرحل، فيقول: [(إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل فلا
يضرك من مر بين يديك)].
والمقصود بقوله: [(إذا جعلت بين يديك)] يعني:
أمامك، (فلا يضرك من مر بين يديك) أي: من وراء السترة، وليس المقصود أنه
يمر بينه وبين السترة؛ لأن السترة إنما جعلت من أجل أن لا يمر أحد بينه
وبينها.
فإذا جعل الإنسان بين يديه مثل مؤخرة الرحل فلا يضره من مر بين
يديه، أي: بعد السترة، فتكون السترة هي الحد الفاصل الذي لا يمكن لأحد أن
يمر بينه وبينها، ومن مر من ورائها فله ذلك.
ويكفي في ارتفاع السترة أن يكون ربع متر أو أقل من ذلك، فمؤخرة الرحل أقل من الذراع.

(90/31)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:41 pm

اقتباس :


تراجم رجال إسناد حديث (إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير العبدي].
محمد بن كثير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسرائيل].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك].
هو ابن حرب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
[عن موسى بن طلحة].
موسى بن طلحة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه طلحة بن عبيد الله].
هو
أبيه: طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله تعالى عنه، أحد العشرة المبشرين
بالجنة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث واحد، فقال
عليه الصلاة والسلام: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة،
وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة،
وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيده بن
الجراح في الجنة) فهؤلاء عشرة أشخاص سردهم النبي صلى الله عليه وسلم في
حديث واحد، وبشرهم بالجنة.
وقيل لهم: العشرة لإنهم سُردوا في حديث واحد،
وليس لإن شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة مختصة بهؤلاء العشرة
ومقصورة عليهم، بل هناك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من شهد له
بالجنة سواهم، كـ ثابت بن قيس بن شماس، وعكاشة بن محصن، والحسن والحسين
وفاطمة وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاءت أحاديث تشهد
لكل واحد من هؤلاء بالجنة، وكذلك غيرهم ممن ثبتت شهادة النبي صلى الله عليه
وسلم له بالجنة، ولكن اشتهر هؤلاء بلقب العشرة؛ لأنهم سردوا في حديث واحد،
وبشروا بالجنة.
وطلحة بن عبيد الله الذي معنا في هذا الإسناد رضي الله
تعالى عنه وأرضاه هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب
الستة.

(90/32)

شرح أثر: (آخرة الرحل ذراع فما فوقه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء أنه قال: آخرة الرحل ذراع فما فوقه].
أورد
أبو داود إسناداً إلى عطاء بن أبي رباح، فهو مقطوع؛ لأن المتن الذي ينتهي
إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع، والمتن الذي ينتهي إلى الصحابي يقال
له: موقوف، والمتن الذي ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له:
مرفوع.
وهذا المتن من قول عطاء بن أبي رباح، فهو مقطوع، قال: [آخرة
الرحل ذراع فما فوقه]، قلت: وقد تكون أقل من ذراع، والمقصود وجود شيء شاخص
وبارز يشاهده ويعاينه المارة، فيعلمون أنه سترة أمام هذا الذي يصلي،
فيبتعدون عن المرور بينه وبينها.
والسترة -كما هو معلوم- يتخذها الإمام والمنفرد، وأما المأموم فلا يتخذها؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين.

(90/33)

تراجم رجال إسناد أثر: (آخرة الرحل ذراع فما فوقه)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي].
هو الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا عبد الرزاق].
هو ابن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(90/34)

شرح حديث: (كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي، حدثنا ابن نمير، عن عبيد
الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه، فيصلي إليها،
والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثَمَّ اتخذها الأمراء)].
أورد
أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنها: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
إذا خرج إلى العيد أخذ حربة)] وهي العصا التي في آخرها حديدة، فتغرز في
الأرض ليتخذها الإنسان سترة، وهذا يبين لنا أن السترة قد تكون غليظة
وسميكة، وقد تكون خفيفة ودقيقة، فإن العصا دقيقة، ومؤخرة الرحل أسمك منها
وأمتن، وأسمك من ذلك عمود السارية التي يقوم عليها بناء المسجد مثلاً، فكل
ذلك يقال له: سترة، واتخاذ العنزة أو الحربة يدل على أن أي شيء شاخص ولو
كان خفيفاً ودقيقاً يحصل به المقصود؛ لأن المقصود هو تنبيه من يريد أن يمر
إلى أن هذه سترة، فعليه أن لا يمرّ بين المصلي وبينها، وإنما يمر من ورائها
إذا أراد أن يمر.
وكذلك إذا لم يكن هناك سترة فعلى الإنسان أن يترك
مقدار ثلاثة أذرع من قدم المصلي، وليمشِ من وراء ذلك؛ لأن المصلي إذا لم
يتخذ سترة فإنه لا يملك ما أمامه من الفضاء، فيجوز للمار أن يمرّ إذا ترك
مقدار ثلاثة أذرع من قدمه.
قوله: [(كان إذا خرج يوم العيد يأمر بالحربة
فتوضع بين يديه)] يعني: تغرز في الأرض، [(فيصلي إليها والناس وراءه)] أي أن
الإمام هو الذي يتخذ السترة، وأما المأمومون فلا يتخذون سترة؛ لأن سترة
الإمام سترة للمأمومين، ولا بأس بالمرور بين الصفوف، ولكن لا ينبغي أن يمر
بينها إلا لحاجة، كأن يريد أن يذهب إلى فرجة، أو يصل صفاً، وأما إذا لم يكن
هناك حاجة فلا يمر؛ لأن هذا فيه تشويش على المصلين، فالسترة إنما هي
للإمام، وليست للمأمومين، وكذلك يتخذ السترة -أيضاً- المصلي المنفرد، وأما
المأموم فإنه لا سترة له تخصه، بل سترة الإمام هي سترة له.
قوله: [(وكان
يفعل ذلك في السفر)] يعني أنه يأخذ العنزة فيغرزها أمامه ويصلي إليها
صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فكان يفعل ذلك في العيد لأنه يخرج إلى
الفضاء، وكذلك في السفر حيث يصلي في فضاء، فتتخذ العصا بين يديه، ويصلي
إليها صلى الله عليه وسلم، وأما في الحضر فإنه يصلي إلى جدار، أو إلى عمود،
أو إلى شيء شاخص في المساجد أو البيوت.
قوله: [فمن هنا اتخذها الأمراء]
يعني أنهم اتخذوها لصلاة العيد، ويحتمل هذا أنهم اتخذوا حربته صلى الله
عليه وسلم، أو أنهم كانوا يتخذون أيّ حربة.

(90/35)

تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا ابن نمير].
ابن نمير هو عبد الله بن نمير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل
المشهور، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم:
ابن عمر وابن عمرو وابن عباس وابن الزبير، وهو -أيضاً- أحد السبعة
المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن
عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى
عنهم وعن الصحابة أجمعين، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله: المكثرون في
رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كـ الخدري وجابر وزوجة
النبي

(90/36)

شرح حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء الظهر والعصر وبين يديه عنزة
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عون بن أبي
جحيفة عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم
بالبطحاء -وبين يديه عنزة- الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، يمر خلف العنزة
المرأة والحمار)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي جحيفة وهب بن عبد
الله السوائي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في بطحاء
مكة الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، وكان يصلي إلى عنزة، وهي: العصا التي في
رأسها حديدة.
قوله: [يمر خلف العنزة المرأة والحمار] يعني أن ذلك لا
يؤثر، فمرور المار من وراء السترة -سواءٌ أكان امرأة، أم حماراً، أم كلباً،
أم غير ذلك لا يؤثر في الصلاة شيئاً.

(90/37)

تراجم رجال إسناد حديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر وبين يديه عنزة
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي [حدثنا شعبة].
شعبة هو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عون بن أبي جحيفة].
عون بن أبي جحيفة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه هو: أبو جحيفة، وهو: وهب بن عبد الله السوائي رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا
من الأسانيد الرباعية التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود، فبينه وبين
النبي صلى الله عليه وسلم أربعة، وهذا أعلى ما يكون عنده، ومثله مسلم
والنسائي، فهؤلاء الثلاثة ليس عندهم أعلى من الرباعيات، وأما البخاري فعنده
اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، بين البخاري وبين رسول الله صلى عليه وسلم
فيها ثلاثة أشخاص: صحابي، وتابعي، وتابع تابعي، ومعنى هذا أن شيخ البخاري
يكون من أتباع التابعين في الأحاديث الثلاثيات، وأما الترمذي فعنده حديث
واحد ثلاثي، وأما ابن ماجة فعنده خمسة أحاديث ثلاثية، وكلها بإسناد واحد،
وذلك الإسناد ضعيف.

(90/38)

الأسئلة
(90/39)

حكم جذب المنفرد خلف الصف امرأ من الصف ليصلي بجانبه

السؤال
قال النووي في (مجموعه): إذا لم يجد الداخل فرجة ولا سعة فالصحيح أنه
يستحب أن يجذب إلى نفسه واحداً من الصف، ويستحب للمجذوب مساعدته.
فما صحة هذا القول؟

الجواب
ورد في هذا حديث ضعيف، وهو حديث الاجترار، ولكنه حديث ضعيف لم يثبت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا استطاع أن يصف بجوار الإمام فلاشك في
أنه أولى.

(90/40)

حكم من صلى منفرداً خلف الصف ثم صف بجواره آخرون

السؤال
من ركع وحده خلف الصف ورفع ثم تلاحق به المأمومون بعد ذلك فما حكم ركعته؟

الجواب
مقتضى الحديث السابق أنها لا تعتبر صلاته؛ لأنه أمره بالإعادة، فقد يكون
من القياس أن الجزء الذي فعله وحده كما لو فعل الصلاة كاملة كذلك، أي أنه
يقضي ما صلاه منفرداً.
فالقياس على مسألة ما لو صلى الصلاة كلها منفرداً
فيعيد أنه إذا حصل شيء منها يعامل معاملة الكل، فمعنى هذا أنه يقضي هذا
الذي فعله وحده.
ولا يقال: إن أبا بكرة لم يأمره النبي صلى الله عليه
وسلم بإعادة ما صلاه قبل الصف منفرداً، فإنا نقول: ليس هناك شيء يبين أنه
ما أدرك الإمام وهو راكع، فقد مشى ودب وهو راكع، ودخل في الصف، فليس هناك
شيء يفيد بإنه أتى بالركوع قبل أن يصل، وأنه وصل إلى الصف وقد قام الإمام،
ولو كان الأمر كذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعد)، يعني أنه لا
يجوز ذلك الفعل، لكنه أقره في هذه المرة، بمعنى أنه لا يفعله مرة ثانية،
والنهي هنا للتحريم.
والمعروف في هذا اللفظ والذي ضبطه العلماء أنه: (لا
تَعُد) من العود، وقال بعضهم: إنه (لا تَعْدُ) من العَدْو، وقال بعضهم:
(لا تُعِد) من الإعادة، لكن المشهور والمعروف هو الأول.
ولو كان المقصود
الإعادة لما احتاج إلى أن يقول إلى أن يقول: (لا تعد)، وإنما يقول له:
(أعد) إذا كان الأمر يتطلب ذلك، لكن قوله: [(زادك الله حرصاً)] معناه أنك
أديت ما عليك، لكن لا تكرر هذا الفعل مرّة أخرى.

(90/41)

شرح سنن أبي داود [091]
الصلاة
شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وقد شرعت لها أحكام خاصة تزيد من رفعة
قدرها وتحقق المراد منها، ومن تلك الأحكام: اتخاذ السترة، فقد شرع للمصلي
أن يتخذ سترة في صلاته وأن يدنو منها ليمر المار بعدها فلا يقطع عليه
صلاته، وتتخذ السترة من شاخص كجدار أو عمود، ويصح أن يستتر بعصا، فإن لم
يجد فله أن يخط خطاً ويجعله سترة لصلاته.

(91/1)

خط المصلي بين يديه إذا لم يجد عصا
(91/2)

شرح حديث الخط بين يدي المصلي
قال رحمه الله تعالى: [باب الخط إذا لم يجد عصا.
حدثنا
مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا إسماعيل بن أمية حدثني أبو عمرو بن محمد
بن حريث أنه سمع جده حريثاً يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصا،
فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطاً، ثم لا يضره ما مر أمامه)].
أورد أبو داود -رحمه الله-[باب الخط إذا لم يجد عصا].
فقوله:
[باب الخط] يعني: في الأرض إذا لم يجد عصا يغرزها، والمقصود بذلك أنه يخط
خطاً في الأرض، فمن يأتي ويرى الخط يعلم أن هذه سترة، وأن المصلي جعل هذا
بين يديه سترة حتى يتنبه من يراه فلا يمر بين يديه، وإنما يمر من وراء ذلك
الخط.
وأورد أبو داود -رحمه الله- حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً).
يعني
بذلك شيئاً ثابتاً كجدار أو عمود، فإن لم يجد فلينصب عصا في الأرض ويغرزها
بحيث تكون منتصبة قائمة، فمن يراها يعلم أنها سترة للمصلي، ومعنى هذا أن
السترة بالعصا تتخذ حيث لا يوجد شيء ثابت كالجدار وكالعمود يصلي الإنسان
إليه، فإن لم يكن هناك شيء ثابت يجعله سترة له فلينصب عصا، فإن لم يجد
فليخط خطاً مقوساً كأنه محراب، وهذا أحسن ما قيل في تفسيره، وقيل: إنه يكون
خطاً مستطيلاً بحيث يعرف من يراه أنه سترة، ولكن المشهور في تفسيره أنه
الخط المقوس الذي يكون أمام المصلي كأنه محراب.
قوله: [(فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطا ثم لا يضره ما مر أمامه)].
أي: ثم لا يضره ما مر أمام الخط، يعني وراء الخط، وليس أمامه بينه وبين السترة.

(91/3)

تراجم رجال إسناد حديث الخط بين يدي المصلي
قوله: [حدثنا مسدد].
مسدد هو ابن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا بشر بن المفضل].
بشر بن مفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسماعيل بن أمية].
إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو عمرو بن محمد بن حريث].
أبو عمرو بن محمد بن حريث مجهول، أخرج له أبو داود وابن ماجة، وجده حريث كذلك مجهول، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة.
[عن أبي هريرة].
أبو
هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.
والحديث في إسناده رجلان
مجهولان، ومن أجل ذلك ضعفه بعض أهل العلم، ولكن بعضهم صححه كـ ابن حبان،
وكذلك حسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، وكذلك صححه غير ابن حبان وابن
حجر.
ومن المعلوم أن وجود الخط لا شك أن فيه تنبيهاً للمار بين يدي
المصلي بحيث يتنبه إلى أن هذا الخط اتخذه المصلي سترة حيث لم يجد شيئاً
شاخصاً، والحافظ في بلوغ المرام ذكره وقال: إنه صححه ابن حبان.
قال: ولم يصب من قال: إنه مضطرب، بل هو حديث حسن.
وفي
عون المعبود عزى تصحيحه إلى غير ابن حبان، فالذي يظهر أن الإنسان عندما لا
يجد شيئاً شاخصاً يجعله أمامه كحجر كبير أو عصا أو غير ذلك فإنه يخط خطاً
في الأرض ويصلي إليه.

(91/4)

شرح حديث الخط بين يدي المصلي من طريق أخرى
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا علي -يعني ابن
المديني - عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن أبي محمد بن عمرو بن حريث عن
جده -رجل من بني عذرة- عن أبي هريرة عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أنه
قال، فذكر حديث الخط، قال سفيان: لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث، ولم يجيء
إلا من هذا الوجه.
قال: قلت لـ سفيان: إنهم يختلفون فيه.
فتفكر ساعة ثم قال: ما أحفظ إلا أبا محمد بن عمرو.
قال سفيان: قدم ههنا رجل بعدما مات إسماعيل بن أمية فطلب هذا الشيخ أبا محمد حتى وجده فسأله عنه فخلط عليه.
قال أبو داود: [وسمعت أحمد بن حنبل سئل عن وصف الخط غير مرة فقال: هكذا.
عرضاً مثل الهلال، قال أبو داود: وسمعت مسدداً قال: قال ابن داود: الخط بالطول.
قال أبو داود: وسمعت أحمد بن حنبل وصف الخط غير مرة فقال: هكذا -يعني بالعرض- حورا دورا مثل الهلال، يعني: منعطفا].
أورد
أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله يتعلق بالخط،
وأن الإنسان يتخذه عندما لا يجد شيئاً ثابتاً ولا متنقلاً كالعصا، وبعد ذلك
ذكر أبو داود أن سفيان بن عيينة قال: [لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث،
ولم يجئ إلا من هذا الوجه].
فقيل له: [إنهم يختلفون فيه.
فتفكر ساعة ثم قال: ما أحفظ إلا أبا محمد بن عمرو].
هذا معناه أنهم يختلفون في الشخص الذي روي عنه، فتفكر سفيان ساعة ثم قال: [(ما أحفظ إلا أبا محمد بن عمرو)].
قوله: [قال سفيان: قدم ههنا رجل بعدما مات إسماعيل بن أمية].
إسماعيل هو الراوي عن أبي محمد بن عمرو، فمعناه أن التلميذ مات قبل الشيخ، والرجل الذي قدم غير معروف عندي.
وقوله: [(فطلب هذا الشيخ أبا محمد حتى وجده فسأله عنه فخلط عليه)].
أي أن أبا محمد خلط في الحديث فلم يضبطه حين سأله عنه ذلك الرجل القادم.

(91/5)

كلام سفيان بن عيينة في الراوي أبي محمد بن عمر
(91/6)

وصف الخط الذي يخط سترة للمصلي
قوله: [قال أبو داود: وسمعت أحمد بن حنبل سئل عن وصف الخط غير مرة فقال: هكذا.
عرضاً مثل الهلال].
هذا فيه أن الإمام أحمد يقول بالخط، ولهذا وصفه بأنه يكون عرضاً كالهلال، يعني: كالمحراب بين يدي المصلي.
قوله:
[قال أبو داود: وسمعت مسدداً قال: قال ابن داود: الخط بالطول] معنى ذلك
أنه يخطه أمامه طولاً، فيكون الذي أمام المصلي هو طرف الخط؛ لأنه يكون
مستطيلاً إلى جهة الأمام ليس معترضاً كما في التفسير الأول الذي جاء عن
الإمام أحمد، وإنما يكون مستطيلاً وطرفه إلى جهة المصلي، والطرف الآخر في
الجهة الأمامية المقابلة.
قوله: [قال أبو داود: وسمعت أحمد بن حنبل وصف الخط غير مرة فقال: هكذا -يعني بالعرض- حوراً دوراً مثل الهلال].
أي: عرضاً مثل الهلال.
وقوله:
(حوراً دوراً) يعني أنه مائل منعطف مستدير كالهلال، فلا فرق بين هذا
التفسير والتفسير الأول؛ لأنه أخبر أنه منحنٍ ومنعطف وليس مستقيماً بالطول،
وإنما فيه انعطاف كالهلال.

(91/7)

تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لذكر الخط
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس].
محمد بن يحيى بن فارس هو الذهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا علي -يعني ابن المديني -].
هو علي بن عبد الله بن المديني، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إسماعيل بن أمية عن أبي محمد بن عمرو بن حريث].
هؤلاء مر ذكرهم.
وأما أبو محمد بن عمرو بن حريث فقد اختلف في اسمه، ولهذا قيل لـ سفيان: (إنهم يختلفون فيه).
وقال سفيان: (ما أحفظ إلا أبا محمد بن عمرو).
فعكس الاسم، ففي الإسناد: أبو عمرو بن محمد، وهنا أبو محمد بن عمرو، فهم يختلفون في كنيته واسمه.
[قال ابن داود].
في
إحدى النسخ أن ابن داود هو عبد الله بن داود الخريبي، وعبد الله بن داود
الخريبي هو من طبقة شيوخ أبي داود، وليس المراد أبا داود الطيالسي، وإنما
هو عبد الله بن داود الخريبي، فأبوه داود، وأبو داود الطيالسي أبوه داود،
وذاك سليمان وهذا عبد الله.
وعبد الله بن داود الخريبي ثقة، أخرج له
أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قال الكلمة المشهورة: ليس هناك آية أشد على
أصحاب جهم من قول الله عز وجل: {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}
[الأنعام:19] قال: لأن من بلغه القرآن فكأنما سمع كلام الله من الله.
ونقلها عنه الحافظ ابن حجر، وذكرتها في الفوائد المنتقاة من فتح الباري.
والحديث
الذي معنا فيه مجهولان، وقد صححه ابن حبان وحسنه ابن حجر في البلوغ، ولا
أعرف سبب التصحيح، فهل لكونه قد عرف المجهولان أم أن هناك شيئاً آخر، وكذلك
الإمام أحمد كما يبدو من التفسير، وقد ذكر عنه في (عون المعبود) وعن شخص
آخر أنهما صححا الحديث.

(91/Cool

شرح حديث وضع القلنسوة سترة بين يدي المصلي
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان بن
عيينة قال: رأيت شريكاً صلى بنا في جنازة العصر فوضع قلنسوته بين يديه.
يعني: في فريضة حضرت].
ذكر
عن شريك -وهو ابن عبد الله القاضي النخعي الكوفي - أنه صلى بهم في جنازة
العصر -يعني: في فريضة حضرت- فوضع قلنسوته بين يديه، والقلنسوة نوع مما
يتخذ فوق الرأس من الألبسة، أي أنه اتخذها سترة، وهذا فيه أن السترة تكون
من شيء شاخص ولو كان نازلاً، ومن المعلوم أن الخط أخفض وأنزل من القلنسوة،
وكذلك العصا إذا كانت معترضة فهي أخفض من القلنسوة، والقلنسوة أرفع.

(91/9)

تراجم رجال إسناد حديث وضع القلنسوة سترة بين يدي المصلي
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد الزهري].
هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري المخرمي، من نسل المسور بن مخرمة، وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا سفيان بن عيينة قال: رأيت شريكاً].
سفيان
بن عيينة مر ذكره، وشريك هو ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، صدوق كثير
الخطأ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
وهو غير شريك
بن عبد الله بن أبي نمر، فـ شريك هذا متقدم يروي عن أنس، وهو الذي روى عن
أنس الحديث الطويل في الإسراء الذي فيه أغلاط عديدة جاءت من طريقه.

(91/10)

الصلاة إلى الراحلة
(91/11)

شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بعير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة إلى الراحلة.
حدثنا
عثمان بن أبي شيبة ووهب بن بقية وابن أبي خلف وعبد الله بن سعيد قال
عثمان: حدثنا أبو خالد قال: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بعير)].
أورد أبو داود
رحمه الله [باب الصلاة إلى الراحلة]، أي: كون الراحلة باركة ومعقولة أمام
المصلي فيصلي إليها ويتخذها سترة، ولا بأس بذلك، وهذا يدلنا على أن الستر
تكون من الأشياء الثابتة ومن الأشياء المتنقلة، سواءٌ أكانت من العصيِّ أم
كانت من الحيوانات، كل ذلك يجوز أن يتخذ سترة.
وأورد حديث ابن عمرSmile أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بعير) يعني أنه بعير بارك يصلي
إليه، وهذا لا ينافي ما جاء من النهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأن إبل
المعاطن غير الراحلة التي تكون مع الإنسان في سفره، وتكون باركة معقولة
بعقالها فيصلي إليها ويتخذها سترة، وعلة النهي عن الصلاة في المعاطن قيل:
هي لرائحتها أو ما فيها من رائحة البول ورائحة تعطين الإبل فيها، وقيل:
لأنها مأوى الشياطين.
وقيل: لأنها خلقت من الشياطين.
وقيل: لأنها قد تأتي فتزعج الإنسان الذي يصلي إذا كان يصلي في معاطنها.
فالصلاة
إلى البعير لا تنافي النهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأن المقصود هنا كون
البعير معقولاً وصلى إليه وجعله سترة، وأما الأماكن التي تبرك فيها وتتمرغ
فيها وتأوي إليها بعدما تشرب الماء وتعطن فيها فمنهي عن الصلاة فيها.

(91/12)

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بعير)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[ووهب بن بقية].
وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[وابن أبي خلف].
هو محمد بن أحمد بن أبي خلف، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود.
[وعبد الله بن سعيد].
عبد الله بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: عثمان].
يعني أن اللفظ هو لفظ عثمان الشيخ الأول.
قال: [حدثنا أبو خالد].
أبو خالد هو سليمان بن حيان الأحمر، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(91/13)

إذا صلى إلى سارية أو نحوها أين يجعلها منه
(91/14)

شرح حديث (ما رأيت رسول الله يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها أين يجعلها منه.
حدثنا
محمود بن خالد الدمشقي حدثنا علي بن عياش حدثنا أبو عبيدة الوليد بن كامل
عن المهلب بن حجر البهراني عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها رضي
الله عنه قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا
عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا)].
أورد أبو داود [باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها أي يجعلها منه].
يعني:
هل يجعلها أمامه رأساً أو ينحرف عنها قليلاً إلى جهة اليمين أو إلى جهة
اليسار؟ قوله: [سارية] يعني كون الإنسان يتخذ العمود سترة.
وقول المقداد
بن الأسود [(عود)] يعني: كالعصا [(ولا شجرة)] أي: كونه يصلي إلى شجرة،
يعني بذلك شيئاً ثابتاً كالعمود، وفي الحديث دليل على أن الإنسان لا يصمد
إلى السترة ويجعلها أمامه رأساً بل ينحرف عنها، ولكن الحديث في إسناده
مجاهيل، فهو غير ثابت، والأمر في ذلك واسع، فإن صمد إليها أو جعلها أمامه
رأساً أو انحرف عنها يميناً أو شمالاً كل ذلك لا بأس به؛ لأن السترة أمامه،
وتكون علامة على أنها سترة، فمن يأتي يمر من ورائها ولا يمر بين المصلي
وبينها.

(91/15)

تراجم رجال إسناد حديث (ما رأيت رسول الله يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن)
قوله: [حدثنا محمود بن خالد الدمشقي].
محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا علي بن عياش].
علي بن عياش ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو عبيدة الوليد بن كامل].
أبو عبيدة الوليد بن كامل لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن المهلب بن حجر البهراني].
المهلب بن حجر البهراني مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود].
ضباعة بنت المقداد وهي مجهولة لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود والنسائي.
[عن أبيها].
هو
المقداد بن الأسود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث فيه مجهولان ولين الحديث.

(91/16)

الصلاة إلى المتحدثين والنيام
(91/17)

شرح حديث (لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام.
حدثنا
عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله
بن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: قلت له -يعني:
لـ عمر بن عبد العزيز -: حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث)] قوله: [باب
الصلاة إلى المتحدثين والنيام] يعني بيان حكمها.
والمقصود أنه لا يصلى
إلى المتحدثين ولا النيام؛ لأن المتحدث يشغل المصلي، والنائم قد يحصل منه
اضطراب ويحصل منه تحرك، وقد يحصل منه أشياء في نومه لا يعلمها، فيكون في
ذلك تشويش على المصلي.
لكن جاء حديث عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي مادة قدميها في قبلته، فإذا أراد أن يسجد
غمزها فكفت قدميها) فهذا يدل على أنه لا بأس بالصلاة خلف النائم، أو خلف
المضطجع، وأنه يكون أمام المصلي، وأنه لا بأس بذلك، ولكن الأولى عدمه إذا
أمكن؛ لأنه -كما هو معلوم- قد يحصل من الإنسان في صلاته في نومه أشياء لا
تنبغي، وقد يتحرك ويضطرب، وقد يحصل منه كلام في نومه، وقد يحصل منه خروج
ريح لها صوت وما إلى ذلك من الأشياء، أما من حيث الجواز فهو جائز؛ لما جاء
في قصة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
فالنائم عرفنا وجه عدم الصلاة
وراءه، والمتحدث كذلك، لكن بالنسبة للنائم -كما عرفنا- جاء حديث عائشة أنها
كانت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مضطجعة نائمة والبيوت يومئذ ليس
لها مصابيح، فإذا سجد غمزها فكفت رجليها، وإذا قام مدتهما.
أما استقبال
الرجل في الصلاة، مثل إنسان مستقبل القبلة وجاء شخص في الصف الثاني يصلي
وأصبح في الظاهر كأنه مستقبلاً له فما نعلم أن شيئاً يمنع من هذا، إذا لم
يكن هناك حديث ولا كلام وإنما هو جالس أمامه مستقبل القبلة أو مستدبرها.

(91/18)

تراجم رجال إسناد حديث (لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي].
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن].
عبد الملك بن محمد بن أيمن مجهول، أخرج له أبو داود.
[عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق].
عبد الله بن يعقوب بن إسحاق مجهول الحال، أخرج له أبو داود والترمذي [عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي].
قوله: [عمن حدثه] يعني بذلك شخصاً مبهماً.
[عن محمد بن كعب القرظي].
محمد بن كعب القرظي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما].
هو
أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة
المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر بن عبد العزيز
ليس من رجال الإسناد، ولكن محمد بن كعب حدثه عن ابن عباس بهذا الحديث.
فالحديث
فيه مجهولان، وفيه مبهم غير مسمى، والحديث حسنه الألباني، لكن لا أدري ما
وجه تحسينه إلا إذا كان له شواهد، وقد ورد على خلافه فيما يتعلق بالنائم
حديث عائشة!

(91/19)

شرح سنن أبي داود [092]
يشرع
للمصلي أن يتخذ سترة أمامه وأن يدنو منها بحيث يكون بين موضع سجوده وبينها
ممر عنز، ويجوز للمار أن يمر بين يديه من وراء السترة، ولا يجوز له أن يمر
بينه وبينها، كما لا يجوز له أن يمر بين يديه ولو لم يكن له سترة، وللمصلي
أن يدفعه بيديه إن مر، فإن أبى فليقاتله.

(92/1)

الدنو من السترة
(92/2)

شرح حديث (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الدنو من السترة.
حدثنا
محمد بن الصباح بن سفيان أخبرنا سفيان، ح: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وحامد
بن يحيى وابن السرح قالوا: حدثنا سفيان عن صفوان بن سليم عن نافع بن جبير
عن سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلى
أحدكم إلى سترة فليدن منها؛ لا يقطع الشيطان عليه صلاته).
قال أبو داود: ورواه واقد بن محمد عن صفوان عن محمد بن سهل عن أبيه، أو عن محمد بن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال بعضهم: عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد رضي الله عنهما.
واختلف في إسناده].
قوله: [باب الدنو من السترة].
المصلي
يضع سترة إذا كان إماماً أو منفرداً ويدنوا منها، فلا يجعل السترة ثم يكون
بينه وبينها مسافة طويلة، وإنما يكون بينه وبينها مقدار ما بينهوبين موضع
سجوده، بحيث إذا سجد يكون رأسه عندها، فلا تكون الفجوة واسعة بينه وبينها،
وإنما يدنوا منها ويكون قريباً منها، وذلك بحيث تكون عند رأسه إذا سجد،
فهذا هو الدنو من السترة.
وذلك لأن الإنسان إذا دنا من السترة حصل له
قصود منها، بخلاف ما إذا كانت بعيدة، فليس له ذلك، ولا يحجز المسافة
الطويلة بالسترة، وإنما يكون قريباً منها.
وقد أورد أبو داود رحمه الله
حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه قال: [(إذا صلى
أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته)].
وقوله: [(لا
يقطع الشيطان عليه صلاته)] أي: أنه يشوش عليه صلاته بسبب عدم وجود السترة،
أو بسبب وجود المسافة الطويلة بينه وبينها فيتسبب في نقصانها.
وهذا فيه الدلالة على الدنو من السترة، وأن المصلي يكون قريباً منها ولا يكون بعيداً عنها.

(92/3)

تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها)
قوله: [حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان].
محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[أخبرنا سفيان].
هو ابن عيينة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة].
قوله: [ح] للتحول من إسناد إلى إسناد.
وعثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[وحامد بن يحيى].
حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود وحده.
[وابن السرح].
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قالوا: حدثنا سفيان عن صفوان بن سليم].
صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع بن جبير].
نافع بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن أبي حثمة].
سهل بن أبي حثمة صحابي رضي الله عنه، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم] يعني: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
لأن عبارتي (يبلغ به) و (يرفعه) كلتاهما بمعنىً واحد.
[قال
أبو داود: ورواه واقد بن محمد عن صفوان عن محمد بن سهل عن أبيه، أو عن
محمد بن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم] قوله: [ورواه واقد بن محمد].
هو صدوق ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن صفوان].
صفوان مر ذكره.
[عن محمد بن سهل عن أبيه] أبوه هو سهل بن أبي حثمة، وقد مر ذكره.
قوله:
[أو عن محمد بن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم] معناه أنه مرسل ليس أبوه
بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يرفعه محمد بن سهل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال بعضهم: عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد].
سهل بن سعد لعله الساعدي، وهو صحابي آخر.
قوله: [واختلف في إسناده].
هذا
الكلام الذي مر هو من الاختلاف في إسناد الحديث، ولكن ذلك لا يؤثر؛ فإن
الحديث في الدنو من السترة وكون المصلي يدنو منها ثابت، ولا يؤثر هذا
الاختلاف في الإسناد.

(92/4)

شرح حديث (كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي والنفيلي قالا: حدثنا عبد العزيز
بن أبي حازم قال: أخبرني أبي عن سهل رضي الله عنه أنه قال: (وكان بين مقام
النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز).
قال أبو داود: الخبر للنفيلي].
أورد أبو داود حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: (كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز).
يعني
أنه كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين السترة ممر عنز، ومعناه
أنه مقدار يسير على قدر سجوده، وهذا فيه إشارة إلى الدنو من السترة, لكونه
لم يكن بينه وبين القبلة -أي: السترة- إلا ممر عنز، فمعناه أنه قريب منها.
قوله: [قال أبو داود: الخبر للنفيلي].
النفيلي
هو الشيخ الثاني لـ أبي داود، فشيخه الأول القعنبي، وشيخه الثاني النفيلي،
والخبر سياقه للنفيلي، أي: ليس هذا سياق شيخه الأول وإنما سياق شيخه
الثاني الذي هو النفيلي.

(92/5)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:43 pm

اقتباس :


تراجم رجال إسناد حديث (كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز)
قوله: [حدثنا القعنبي].
القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[والنفيلي].
هو عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم].
عبد العزيز بن أبي حازم صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرني أبي].
أبوه هو سلمة بن دينار أبو حازم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل].
هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(92/6)

ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه
(92/7)

شرح حديث (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه.
حدثنا
القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبي
سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم يصلي فلا
يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو
شيطان)] أورد أبو داود هذه الترجمة [ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين
يديه].
يعني: ما يؤمر به المصلي من الدرء عن المرور بين يديه بحيث يدرأ
من مر بين يديه، فمعناه أنه يمنعه ويحول بينه وبين المرور إذا مرَّ بينه
وبين السترة، أما إذا كان من وراء السترة فإن له ذلك، فالرسول صلى الله
عليه وسلم كان يصلي إلى السترة فيمر من ورائها من يمر، فالممنوع هو المرور
بينه وبين سترته، أما المرور من وراء السترة فلا بأس به ولا مانع منه.
قوله:
[(إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحد يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع)]
يعني: يمنعه بالتي هي أحسن قدر ما يستطيع؛ لأنه قد يكون ساهياً أو غافلاً،
فإذا مدّ الإنسان يده يتنبه، وبدون ذلك قد لا ينتبه، ولكنه إذا مد الإنسان
يده له تنبه فيبتعد عن المرور بين يدي المصلي، فهو يدرؤه ما استطاع، أي:
بأسهل شيء، وذلك بأن يمد يده حتى يتنبه.

(92/Cool

المقصود بالمقاتلة في حديث السترة وعلتها
قوله:
[(فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان)] يعني أنه إذا رده ومع ذلك لم يحصل
امتناعه فليقاتله، أي: يدفعه بقوة، وليس المقصود من المقاتلة أنه يعمل على
قتله، وإنما يدفعه بقوة، ففي أول مرة يدرأ بسهولة؛ لأنه قد يكون غافلاً،
ولكنه إذا رأى أنه ليس بساهٍ وإنما هو منتبه ولكنه يريد أن يقطع فليقاتله
فإنما هو شيطان؛ لأن هذا هو عمل الشيطان، ومن المعلوم أن الإنس فيهم شياطين
والجن فيهم شياطين، وشياطين الجن يكونون مع الإنسان، وما من إنسان إلا
ومعه قرين من الجن وقرين من الملائكة، ولهذا جاء في بعض الروايات: (فإن معه
القرين) يعني القرين من الجن، فيكون هو الذي يدفعه إلى ذلك، وهو الذي
يجعله يقدم على ذلك.
إذاً: فمنع المصلي من يمر بين يديه يكون أولاً
بالتي هي أحسن، وذلك بأن يمد يده حتى ينبهه، فقد يكون غافلاً فيتذكر
فيتنبه، فإن رآه غير غافل ولا لاه ولكنه عازم على أن يمر بين يديه فإنه
يدفعه بقوة وبشدة، وعلل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [(فإنه
شيطان)] يعني: هذا الذي أقدم وحصل منه المخالفة وحصل منه الإصرار على
ارتكاب الأمر المحرم هو شيطان، فإما أن يكون المراد أنه شيطان من شياطين
الإنس، أو أنه معه القرين من الجن الذي يدفعه ويسول له الأمر المنكر ويرغبه
في الأمر المنكر حتى يقدم عليه وحتى لا يحصل منه الابتعاد عما لا ينبغي.

(92/9)

تراجم رجال إسناد حديث (إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك].
مالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن أبي سعيدالخدري].
عبد الرحمن بن أبي سعيد ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو
سعد بن مالك بن سنان الخدري، صحابي مشهور بكنيته أبي سعيد، ونسبته الخدري،
وهو أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم.
ولفظ الحديث يقتضي أنه لا يدع أحداً يمر بين يديه، سواءٌ أكان له
سترة أم لم يكن سترة، ولا يدع أحداً ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً حتى
الأطفال والحيوانات.

(92/10)

شرح حديث (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو خالد عن ابن
عجلان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه رضي الله عنه أنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة
وليدن منها) ثم ساق معناه] أورد هنا حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو مثل
ما تقدم فيه الدنو من السترة وأن الإنسان يصلي إلى سترة، ومع ذلك يدنو من
السترة ولا يكون بعيداً منها.
وقوله: [(فليصل إلى سترة)] أمر حمله بعض العلماء على الوجوب، وبعضهم قال: إن ذلك للاستحباب.
وذلك لأنه جاء في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير جدار.

(92/11)

تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو خالد].
هو سليمان بن حيان الأحمر، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه].
قد مر ذكر الثلاثة.

(92/12)

شرح حديث (من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين قبلته أحد فليفعل)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي ثم أخبرنا أبو
أحمد الزبيري أخبرنا مسرة بن معبد اللخمي -لقيته بالكوفة- قال: حدثني أبو
عبيد حاجب سليمان قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي فذهبت أمر بين
يديه فردني، ثم قال: حدثني أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: (من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين قبلته أحد
فليفعل)] أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين قبلته أحد
فليفعل) ومعناه أنه يمنع من يمر بينه وبين السترة.

(92/13)

تراجم رجال إسناد حديث (من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين قبلته أحد فليفعل)
قوله: [حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي].
أحمد بن أبي سريج الرازي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ثم أخبرنا أبو أحمد الزبيري].
أبو أحمد الزبيري شيخ لـ أحمد بن أبي سريج، ولعل قوله: (ثم أخبرنا) يعني أنه معطوف على شيء محذوف، أي أخبرنا بكذا ثم أخبرنا بكذا.
فذكر
الشيء على ما جاء عليه وأبقى اللفظ للإشارة إلى أن هناك شيئاً متقدماً،
مثل قوله: (وأخبرنا) فهي تأتي في بعض الروايات عن فلان قال: (وأخبرنا)
فتكون الواو عاطفة على شيء محذوف، أي: على شيء متقدم، وكذلك هنا قوله: (ثم
أخبرنا) يدل على أن (ثم) عاطفة على شيء متقدم.
والقائل: (ثم أخبرنا) هو أحمد بن سريج، وليس أبا داود.
وأبو أحمد الزبيري هو محمد بن عبد الله بن الزبير، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا مسرة بن معبد اللخمي].
مسرة بن معبد اللخمي صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود.
[حدثني أبو عبيد حاجب سليمان].
أبو عبيد حاجب سليمان ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي].
عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو سعيد الخدري].
مر ذكره.

(92/14)

شرح حديث (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان -يعني ابن
المغيرة - عن حميد -يعني ابن هلال - قال: قال أبو صالح: أحدثك عما رأيت من
أبي سعيد وسمعته منه؟ دخل أبو سعيد على مروان فقال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن
يجتاز بين يديه فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان).
قال أبو داود: قال سفيان الثوري: يمر الرجل يتبختر بين يدي وأنا أصلي فأمنعه ويمر الضعيف فلا أمنعه].
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وهو مثل الذي قبله في كون المار بين يدي المصلي يدفع، وإن أبى فليقاتله.
وأما
قول سفيان فغريب؛ لأن لفظ الحديث عام في المنع من المرور ودرء المار، ولا
فرق بين متبختر وضعيف، وإنما الإنسان يمنع الجميع، بل يمنع الصغار ويمنع
الحيوانات.

(92/15)

تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سليمان -يعني ابن المغيرة -].
سليمان بن المغيرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد -يعني ابن هلال -].
حميد بن هلال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال: [قال أبو صالح].
هو ذكوان السمان، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أحدثك عما رأيت من أبي سعيد].
قد مرَّ ذكره.

(92/16)

ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي
(92/17)

شرح حديث (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي.
حدثنا
القعنبي عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن
زيد بن خالد الجهني أرسله إلى أبي جهيم رضي الله عنهما يسأله ماذا سمع من
رسول الله صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي، فقال أبو جهيم: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه
لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه).
قال أبو النضر: لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [(باب ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي)].
يعني:
ما ينهى عنه المار؛ لأن الأحاديث التي تقدمت هي للمصلي، وأنه يَدرأُ
ويَمنع، وأما هذا فنهي للمار، وأنه لا يجوز له أن يمر، وبيان خطورة ذلك،
وأنه لو يعلم ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر
بين يدي المصلي، ومعنى ذلك أنه لو يعلم المار ماذا عليه من الإثم لكان
وقوفه لينتظر هذا الذي يصلي ليفرغ من صلاته مدة طويلة خيراً له من أن يمر
بين يدي المصلي.
قوله: [قال أبو النضر: لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة].
يعني
أربعين سنة، أو أربعين شهراً، أو أربعين يوماً، وكل ذلك صعب، حتى لو كان
أربعين دقيقة، فكونه يجب أن يقف هذه المدة لا شك في أنها كثيرة في حق إنسان
يريد أن يتجاوز، وكونه يقف مدة طويلة يكون خيراً له من أن يمر بين يدي
المصلي إنما هو لأن المرور خطير يؤدي إلى إثم عظيم على الإنسان المار،
فأبهم، ولو كان المراد يوماً ليس شهراً ولا سنة فمعنى ذلك أنه شيء كثير
وأنه شيء عظيم، فإذا كان وقوفه هذه المدة خيراً من أن يمر فمعنى هذا أن
المرور في غاية الخطورة، فهذا فيه تحذيرٌ وتنفير من المرور بين يدي المصلي.

(92/18)

تراجم رجال إسناد حديث (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله].
أبو النضر هو سالم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بسر بن سعيد].
بسر بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم].
المعنى
أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم، وزيد بن خالد ليس من رجال الإسناد،
وإنما بسر يروي عن أبي جهيم، وكان زيد بن خالد هو الذي أرسله يسأل، ومعنى
هذا أن بسراً سمع من أبي جهيم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو
جهيم صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

(92/19)

الأسئلة
(92/20)

حكم وضع العصا ملقاة على الأرض معترضة سترة للمصلي

السؤال
لو أن المصلي ألقى العصا إلقاءً بدلاً من أن يغرزها سترة له في الصلاة، فما الحكم؟

الجواب
هي أوضح من الخط، ولكن كونه يجعلها مغروزة أولى، وإن ألقاها معترضة أو
مستطيلة ورأسها قريبٌ منه فإنها حينئذٍ مثل الخط أو أوضح من الخط.

(92/21)

حكم السترة

السؤال
ما حكم السترة؟

الجواب
السترة قال بوجوبها بعض العلماء، وأكثر العلماء قالوا إنها مستحبة وليست بواجبة.

(92/22)

حكم اتخاذ الخط سترة مع وجود الشاخص

السؤال
هل يجوز اتخاذ الخط مع وجود العصا والشاخص؟

الجواب
لا ينبغي أن يتخذ المصلي الخط إلا عند عدم وجود شيء شاخص، سواء أكان ثابتاً أم متنقلاً كالعصا.

(92/23)

نشأة المحاريب وحكم اتخاذها في المساجد

السؤال
هل كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم محراب في زمنه؟ وما حكم اتخاذ المحاريب في المساجد؟

الجواب
ما نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ محراباً، ولكن السلف اتخذوا
المحاريب، وفيها فائدة، وهي علامة القبلة واتجاه القبلة، وكذلك تحديد مكان
الإمام، بحيث يبدأ الناس منه من جهة اليمين ومن جهة الشمال، ولا بأس بذلك.

(92/24)

حكم محاذاة صفوف النساء صفوف الرجال مع الفاصل بينهم

السؤال
ما حكم محاذاة صفوف النساء لصفوف الرجال إذا كان يفصل بينهم فاصل؟

الجواب
ليس هناك بأس إذا كان بينهم جدار أو ساتر، فالنساء يصلين في المكان الخاص
بهن والرجال من وراء الساتر بجوارهن، فلا بأس بذلك ولا مانع منه؛ لأنه ليس
هناك مسافة، فالنساء مستقلات بالمكان الخاص بهن، والرجال مستقلون بالمكان
الخاص بهم.

(92/25)

حكم الدراسة في المدارس والجامعات التي بها اختلاط

السؤال
ما توجيهكم لمن يدرس العلوم الدنيوية في المدارس أو الجامعات التي يكون بها اختلاط؟

الجواب
لا يجوز للإنسان أن يدرس في المدارس التي فيها اختلاط، اللهم إلا إذا كان
مضطراً لذلك، وليبتعد عن النساء؛ لأن الرجل يمكن أن يبتعد عن النساء، وأما
المرأة فإنها لا تستطيع أن تبتعد؛ لأن الرجال أنفسهم يقربون منها ويتصلون
بها ويؤذونها، فلا يجوز لها أن تدرس في المكان المختلط، بخلاف الرجل فإنه
يستطيع أن يبتعد عن المرأة، فإذا كان يستطيع أن يدرس من غير أن يكون هناك
اختلاط فلا شك في أن هذا خير، وإن لم يكن هناك إلا الاختلاط فإنه يدرس ولكن
يبتعد عن النساء.
أما المرأة فإنه لا يجوز لها أن تدرس مع الاختلاط؛
لأنها لا تستطيع أن تتخلص من الرجال، ولا تستطيع أن تبتعد عن الرجال؛ لأن
الخبثاء من الرجال يضايقونها ويتصلون بها ويقربون منها ويؤذونها ويفعلون
معها ما لا ينبغي أن يفعل، ففرق بين الرجل والمرأة، فالرجل إذا وجد دراسة
فيها اختلاط يبتعد إن لم يجد مكاناً غير مختلط، وبإمكان الرجل أن يبتعد عن
المرأة، أما المرأة فلا يجوز لها ذلك، ولا تدرس دراسة فيها اختلاط؛ لأن
الرجال يقربون من النساء ويؤذون النساء ويعاكسونهن.

(92/26)

حكم الاستدلال بأقوال المنحرفين عن المنهج السلفي فيما يوافق الدين

السؤال
ما حكم أخذ أقوال بعض المنحرفين عن المنهج السلفي فيما يوافق بعض المسائل في الدين؟

الجواب
لا حاجة إلى كون الإنسان يبحث عن أقوال من عندهم انحراف، فيكفيه أقوال
الذين لا انحراف عندهم، ويكفيه ما جاء من النصوص، فإذا كانت المسألة فيها
نصوص فالمعول عليه النصوص، ولا حاجة إلى ذكر أقوال من عندهم انحراف، لا
سيما إذا كانوا من أهل البدع الذين لا يعتد بمخالفتهم في الإجماع، ووجود
خلافهم مثل عدمه، فلا يلتفت إلى مثل هؤلاء، وإنما يعول على كلام أهل العلم
الذين هم على منهج السلف وعلى طريقة السلف، سواءٌ أكانوا من المحدثين أم من
الفقهاء، كما قال الطحاوي في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة: (وعلماء
السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين أهل الخبر والأثر وأهل الفقه
والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل).
وقد يقال: هل إيراد بعض أقوال هؤلاء المنحرفين في بعض الكتب يجعلها لا تصلح للقراءة؟
و
الجواب
لا يقال: إنها لا تصلح للقراءة، ولكن الكتب التي تعنى بذكر أقوال العلماء
المحققين وأقوال العلماء الذين هم على سلامة وهم مراجع في العلم لا شك في
أنها أولى من غيرها، ولكن لا يقال: لا تقرأ بعض الكتب التي تذكر بعض
الأقوال لبعض المخالفين إذا كانوا من أهل البدع، فلا تترك هذه الكتب، وإنما
يستفاد منها مع الحذر مما فيها من الأمور التي لا تنبغي.

(92/27)

مخالفة اليهود في صوم يوم عاشوراء وبم تتحقق

السؤال
هل يجب في صوم يوم عاشوراء تحقيق المخالفة لليهود فيه وذلك بصوم يوم
التاسع معه، أم أن هذه المخالفة مستحبة؟ وهل يمكن أن تحصل المخالفة بصوم
يوم بعده، أم أنه يقتصر على ما ورد في الحديث: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن
التاسع)؟

الجواب
لا شك في أن
صيام التاسع والعاشر هو الذي ينبغي، ولكن إذا لم يصم المسلم التاسع فإن
المخالفة تكون بأن يضيف إلى العاشر يوماً بعده، وبذلك تحصل المخالفة، لكن
كون الإنسان يقصد التاسع مع العاشر هذا هو الذي يتفق مع النص، وهذا هو الذي
عزم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم.

(92/28)

ما يفعله المصلي بعد قيام من اتخذه سترة

السؤال
إذا كانت سترة المصلي رجلاً جالساً ثم قام الرجل وأصبحت المسافة بين
المصلي والسترة بعيدة، فما هي المسافة المشروعة للمصلي أن يمشيها ليدنو من
السترة؟

الجواب
إذا كان سيمشي
خطوتين أو نحو ذلك والسترة قريبة منه فإنه يخطو، وإلا فإنه يبقى، ولكن لا
يجوز لأحد أن يمر دون ثلاثة أذرع ابتداءً من قدم المصلي، ومن أراد أن يمر
من بعد الثلاثة الأذرع فله ذلك.

(92/29)

أشرطة يتهجم فيها على الصحابة رضي الله تعالى عنهم

السؤال
انتشرت أشرطة في قصص الأنبياء وفضائل الصحابة لأحد الوعاظ، وفيها تهجم على الصحابة، فما قولكم في هذا الواعظ وفي أشرطته؟

الجواب
من يتهجم على الصحابة ويجر الوبال والضرر على نفسه؛ لأن غيبة الناس غير
سائغة وحرام ومن الكبائر، فكيف إذا كانت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم الذين هم خير الناس، والذين جعلهم الله واسطة بين الناس وبين رسول
الله صلى الله عليه وسلم؟! فما عرف الناس كتاباً وسنة إلا عن طريق الصحابة،
وما عرفوا الهدى وما عرفوا النور الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى
النور إلا عن طريق الصحابة، فالذي يتكلم فيهم يجني على نفسه ويجر البلاء
على نفسه، وكيف يتكلم في خير الناس وفي أفضل الناس الذين ما كان مثلهم
قبلهم، ولا يكون بعدهم مثلهم، فهم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، فأمة
محمد صلى الله عليه وسلم هي خير أمة أخرجت للناس، وخير هذه الأمة أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم، ولهذا يقول العلماء:
إذا عرف أن الشخص صحابي فإنه لا يحتاج إلى شيء أكثر من كلمة صحابي؛ لأن
الصحبة شرف عظيم، من حصلت له فقد ظفر بخير كثير، ولهذا لا يحتاجون إلى
توثيق وتعديل، بل إذا عرف أن الشخص صحابي فيكفيه أن يقال: إنه صحابي.
والمجهول
فيهم في حكم المعلوم، بخلاف غيرهم، فإنه لا بد من معرفة الرواة حتى يعول
على أحاديثهم أو لا يعول على أحاديثهم، أما الصحابة فسواء عرفوا أو جهلوا
فالمجهول منهم في حكم المعلوم.
ولهذا فالأشرطة التي فيها كلام في
الصحابة لا يجوز اقتناؤها، ولا يجوز الاشتغال بها؛ لأن فيها بلاء وفيها
قدحاً في خير القرون، وقد قال أبو زرعة الرازي رحمة الله عليه: إذا رأيتم
من ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلموا أنه زنديق.
وذلك
أن الكتاب حق والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب
والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة.
فالشخص الذي كلامه غير سليم لا
يجوز الاشتغال بكلامه ولا الالتفات إليه؛ لأن أهل السنة والجماعة طريقتهم
أن تكون ألسنتهم سليمة وقلوبهم سليمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه
الله- في (العقيدة الواسطية): (ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم
وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فهذا من أصول أهل السنة
والجماعة، القلوب سليمة والألسنة سليمة، القلوب سليمة من الغل والحقد
والغيظ والألسنة سليمة من القدح والذم والشتم والعيب، ولهذا ذكر الله عز
وجل في سورة الحشر ثلاث آيات، آية في المهاجرين، وآية في الأنصار، وآية في
الذين يأتون بعدهم مستغفرين لهم سائلين الله أن لا يجعل في قلوبهم غلاً لهم
فقال تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)) يعني: من بعد
المهاجرين والأنصار ((يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) فهذه سلامة الألسنة، الألسنة سليمة
نظيفة لا تذكرهم إلا بخير ولا تتحرك إلا بالثناء عليهم والدعاء لهم {وَلا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:10] وهذه سلامة
القلوب من الغل والحقد والغيظ، فهذه هي أصول أهل السنة والجماعة في
الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
ويقول الطحاوي في عقيدة أهل السنة
والجماعة: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حبهم)،
أي: نحبهم فلا نبغضهم، ومع حبنا لا نتجاوز الحدود، فقوله: (ونحب أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم) يخرج طرف الجفاء وجانب الجفاء، فنحن نحب فلسنا
مبغضين ولسنا جفاة، بل نحن محبون، ولما كان الحب ينقسم إلى قسمين: حب
باعتدال وحب بغلو وإفراط قال: (ولا نفرط في حبهم).
إذاً: خرج الطرفان المذمومان، طرف الإفراط وطرف التفريط، طرف الغلو وطرف الجفاء.
قال:
(ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حبهم، ونبغض من
يبغضهم وبغير الخير يذكرهم) فمن ذكرهم بغير الخير فنحن نبغضه، ومن ذكرهم
بسوء فنحن نبغضه، قال: (وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان)
لأنهم هم الذين جاءوا بالدين، فما عرفنا الدين إلا عن طريق الصحابة، فحبهم
دين وإيمان؛ لأن الإيمان والدين ما عرفا إلا عن طريق الصحابة، والحق ما
عرف إلا عن طريق الصحابة، والنور الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه
وسلم وقال عنه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي
أَنزَلْنَا} [التغابن:8] ما عرفه الناس إلا عن طريق الصحابة رضي الله عنهم
وأرضاهم.
فلا يلتفت إلى الكلام الذي فيه نيل من الصحابة، والفتن التي
كانت في أيام أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- قد صان الله منها أيدينا؛
لأننا ما كنا في زمانهم حتى نشارك فيها، فقد صان الله منها أيدينا، فنسأله
أن يصون عنها ألسنتنا، فالذي بقي معنا هو الألسنة، فالأيدي سلمت لأنها ما
وجدت في ذلك الزمان حتى تشارك وحتى يكون لها نصيب من تلك الفتنة، فنسأله
تعالى أن يصون عنها ألسنتنا.
فهذه طريقة أهل السنة والجماعة، لا أن يقوم
الإنسان ليفتح فاه ويحرك شفتيه ويحرك لسانه في أصحاب الرسول صلى الله عليه
وسلم، بل سائر الناس لا يتكلم الإنسان فيهم، فمن كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، فكيف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورضي الله عنهم وأرضاهم، الذين هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى
الله عليه وسلم؟! فنحن لا نريد أن نسمع شيئاً من التكلم في الصحابة بما لا
ينبغي، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، سواء سمعنا أو ما سمعنا.

(92/30)

حكم سماع الأشرطة التي فيها ذكر الفتنة بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم

السؤال
لو قال قائل: نحن نسمع هذه الأشرطة التي تتحدث عن تلك الفتنة من باب معرفة التاريخ فهل له وجه، أو يقال بالمنع؟

الجواب
ليس للإنسان أن يسمع كل شيء، وإذا أراد أن يسمع فليسمع كلام أهل العدل
وأهل الإنصاف وأهل العلم وأهل الفهم، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر
(العقيدة الواسطية): (وما قيل عن الصحابة أو أضيف إلى الصحابة فمنه ما هو
كذب، ومنه ما هو ضعيف لا يثبت، والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون
مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ
له أجر واحد وخطؤه مرفوض).
فهذا هو الكلام الجميل، فليس كل ما قيل يسلم
به، إذ إن بعض الناس عندما يسمع الشيء ولو كان ليس له صحة يكون ذلك سبباً
في كونه ينحاز عن شخص إلى شخص، أو يقع في قلبه شيء على شخص من أصحاب الرسول
صلى الله عليه وسلم، والواجب محبة الصحابة جميعاً وموالاتهم جميعاً
والثناء عليهم جميعاً، مع معرفة أنهم متفاوتون في الفضل، لكن القدر المشترك
هو أنهم يحبون ويتولون ويذكرون بالجميل اللائق بهم، ولا يذكرون إلا بالخير
ولا يذكرون بسوء، هذا هو الواجب.
فالكلام الذي قاله شيخ الإسلام ابن
تيمية في آخر (الواسطية) هو الكلام الذي عليه نور، والكلام الذي هو الحق،
فما ذكر من أشياء أضيفت إليهم منه ما هو كذب، وبعض الناس لا يعرف الكذب،
وإنما يسمع الكلام ثم يقع في نفسه بغض أو ميل عن شخص إلى شخص، ومن ذلك
المذكور ما هو ضعيف، ومنه ما فيه زيادة، والصحيح منه هم فيه معذورون، ولهذا
فمن عقائد أهل السنة والجماعة الكف عما شجر بين الصحابة، لكن إذا عرف
الإنسان الحقيقة وعرف المنهج الصحيح فيمكن أنه يطلع ويترك الشيء الذي لم
يثبت والذي ليس له قيمة، والذي يصح أن يعتذر فيه عن خير الأمة وأفضل هذه
الأمة، فيلتمس لهم أحسن الأعذار ويخرج كلامهم على أحسن المخارج، ولا يجوز
للإنسان أن يسمع كلاماً ثم يحصل في قلبه شيء على أحدهم، بل الواجب محبة
الجميع، وموالاة الجميع، والترضي عن الجميع، وإحسان الظن بالجميع، وأن يذكر
الجميع بالخير، ولا يذكرون بسوء.
وقد يقال: هل لا يصلح أن نعمل محاضرات
عامة أو دروساً عامة فيما شجر بين الصحابة في أشرطة تسجل وتباع للعالم
والجاهل وتنشر بين الناس؟ وأقول: العامة إذا سمعوا شيئاً فغالباً لا يعقلون
ولا يفهمون ما يصح وما لا يصح وما ينبغي وما لا ينبغي، وأما أهل العلم
فإنهم إذا عرفوا أو إذا كان عندهم قدرة على معرفة ما يصح وما لا يصح فإن
الواحد منهم يتحاشى مما لا يصح، ويبقى الصحيح فيلتمس فيه الأعذار.

(92/31)

المرور أمام المصلي ونقصان أجره

السؤال
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فليخطط خطاً ثم لا يضره ما مر
أمامه) فهل المرور أمام المصلي ينقص من أجره أخذاًَ من مفهوم المخالفة في
الحديث؟

الجواب
لا شك أن ذلك فيه تشويش وفيه انشغال عن الصلاة، ففيه مضرة.

(92/32)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:45 pm

اقتباس :


كيفية اتخاذ المصلين الستر حال كونهم في مكان مزدحم

السؤال
كيف يفعل المصلون في منزل ليس فيه سعة؟ فإذا صلى المصلون إلى الجدار فهل يجوز للباقين أن يجعلوا هؤلاء المصلين سترةً لهم؟

الجواب
لا شك في أن الصف الأول يكون سترة للصف الثاني، فالمصلون يكملون الصف
الأول، ثم يبدءون بالصف الثاني، فيكون المصلي إلى الجدار سترة لمن خلفه.

(92/33)

حكم القود في دفع المار بين يدي المصلي إذا مات

السؤال
إذا دافع المصلي شخصاً وقاتله فمات فهل عليه القود؟

الجواب
ليس له أن يدفعه دفعاً يموت به.

(92/34)

عدد مرات دفع المار بين يدي المصلي

السؤال
كم عدد مرات الدفع للمار بين يدي المصلي؟

الجواب
يدفعه بقوة، ثم يتركه إذا لم يستطع دفعه، لكن لا يلحقه ولا يذهب يقاتله
المقاتلة التي تنهي حياته فيخرج من هذه الحياة بسبب هذا الفعل الذي فعله.

(92/35)

حكم صلاة المقاتل من مر أمامه

السؤال
إذا قاتل المصلي المار بين يديه هل تبطل صلاته؟

الجواب
لا تبطل صلاته، بل هو مأمور بهذا، لكن المصلي لا يذهب بعده ليقاتله،
وإنما يدفعه في مكانه، فإذا امتنع دفعه بقوة، وإن ذهب تركه وشأنه ولا يلحقه
ليقاتله.

(92/36)

حكم دفع المار عند الزحام الشديد

السؤال
إذا وجد الإنسان زحمة شديدة في المسجد فهل يجوز له أن يتساهل في المرور بين يديه؟

الجواب
لا يجوز، اللهم إلا إذا كان المار مضطر، كما إذا أراد قضاء الحاجة ولا
يستطيع أن يصبر، فمثل هذا يذهب وهو معذور إذا ما وجد مندوحة إلا المرور،
أما إذا وجد مندوحة ليخرج من صف إلى صف آخر ليس فيه أحد يصلي فهذا هو الذي
ينبغي.
وعلى كل حال فإن على المصلي أن يدفع المار بين يديه ويرده، والمار إذا كان مضطراً فله أن يمر.

(92/37)

حكم النفث في الماء بعد قراءة الأدعية

السؤال
ما حكم النفث في الإناء بعد قراءة بعض الأدعية وبعض الآيات للاستشفاء به؟

الجواب
إذا كان الإناء فيه ماء فلا بأس بذلك، أما كونه ينفث في إناء خال فهذا لا
يفعل، وإنما إذا أراد المرء أن ينفث فلينفث في ماء إذا كان سينقل إلى شخص
آخر يستفيد منه، فينفث في ماء أو في شيء سائل يمسك النفث ويختلط به.

(92/38)

السترة في الحرمين

السؤال
هل صحيح أن الإنسان في الحرمين لا يحتاج إلى سترة ولا يمنع المار بين يديه؟

الجواب
ليس هذا بصحيح، بل الذي ينبغي أن المصلي عندما يصلي في أي مكان من المسجد
الحرام والمسجد النبوي يصلي إلى سترة، ولكن إذا كان عند المطاف وكان هناك
زحام شديد فإن الطائفين أولى من المصلين، فالطائفون أولى من غيرهم وأحق من
غيرهم؛ لأن الطائف ليس له مكان يطوف فيه إلا حول الكعبة، وأما المصلي فإنه
يجد أماكن مختلفة أو متعددة في المسجد، فيترك المطاف للطائفين، وهم أحق من
المصلين.
فلا يجوز للمصلين أن يصلوا في المطاف مع شدة الزحام؛ لأن الطائفين أولى به من المصلين، ولا يفعل هذا غالباً إلا أناس مخذولون.

(92/39)

ما يباح النظر إليه من المخطوبة

السؤال
ما الذي يجوز أن ينظر إليه الخاطب من مخطوبته؟

الجواب
ينظر إلى وجهها وإلى يديها، فالشيء الذي يظهر غالباً هو الذي ينظر إليه، ولا ينظر إلى شيء أكثر من ذلك.

(92/40)

حكم الطعن في فتاوى كبار العلماء

السؤال
يوجد بعض الإخوة يطعنون في فتاوى المشايخ الكبار حول كيفية التعاون مع الجماعات الإسلامية، فهل من نصيحة لهؤلاء الإخوة؟

الجواب
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتحابين فيه، وأن يوفقنا جميعاً لما
يرضيه، وأما قضية المشايخ الكبار الذين هم القدوة وهم المرجع فهؤلاء لا
يطعن فيهم إلا إنسان ضر نفسه، فقد قال الإمام الطحاوي في عقيدة أهل السنة
والجماعة: (وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين أهل الخير
والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على
غير السبيل).
فالعلماء الكبار الذين يرجع إليهم في الفتوى ويرجع إليهم
في العلم إذا تُكلِّم فيهم وإذا قُلِّل من شأنهم فمن الذي يرجع إليه بعدهم؟
ومن العوض عنهم؟! ومن البديل؟! هل الجهلة الذين عندهم استكبار هم الذين
يرجع إليهم؟! إن هذا قطعٌ لطريق العلم، وقطعٌ للطريق الموصل إلى الحق وإلى
الهدى؛ لأن العلم ومعرفة الحق والفتاوى إنما يكون ممن هم أهل لذلك وممن هم
مراجع في ذلك، أما إذا نيل منهم أو تكلم فيهم فمعنى هذا أنه تقليل من شأنهم
وتحقير لفتاواهم، ومعنى ذلك أن الناس يرجعون إلى جهلة وإلى أناس ليسوا
بذوي علم في أمور دينهم، وعند ذلك يحصل الضلال والإضلال.

(92/41)

صحة نسبة كتاب الروح لابن القيم رحمه الله تعالى

السؤال
هل تصح نسبة كتاب (الروح) لـ ابن القيم؟

الجواب
نعم تصح، وكتاب (الروح) لـ ابن القيم هو أسلوبه ولكنه -كما هو معلوم- في
أمور منامية وحكايات غريبة، ولعله كان تأليفه في أول أمره وفي بداية أمره،
والكتاب لا شك في أنه له، وليس لغيره، وإنما هو له، ولكن الذي يبدو -والله
أعلم- أن تأليفه متقدم، وهناك ما يوضح هذا المعنى: فإنه لما جاء عند الكلام
على النفس والروح، وذكر معنى النفس ومعنى الروح، وأن النفس يراد بها الدم
قال: وفي الحديث: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه).
مع
أنه في كتاب (زاد المعاد) قال: وأول من حفظ عنه في الإسلام أنه عبر بعبارة
(ما لا نفس له سائلة) إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده.
ففي كتاب الروح حكى ذلك حديثاً، وفي كتاب (زاد المعاد) قال: إن أول من عبر بهذه العبارة إبراهيم النخعي.

(92/42)

شرح سنن أبي داود [093]
الصلاة
في الإسلام خطرها عظيم وشأنها كبير، والمصلي واقف بين يدي ربه يناجيه، فهو
بحاجة إلى الابتعاد عن كل ما يشغله في صلاته ويحول بينه وبينها، ومن هنا
شرع للمصلي دفع المار بين يديه، وجاءت نصوص تفيد أن المرأة والكلب والحمار
تقطع الصلاة بمرورها، ولكنها محمولة على النقصان والتشويش لا على الإبطال.

(93/1)

ما يقطع الصلاة
(93/2)

شرح حديث (يقطع صلاة الرجل الحمار والكلب الأسود والمرأة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقطع الصلاة: حدثنا حفص بن عمر حدثنا
شعبة، ح: وحدثنا عبد السلام بن مطهر وابن كثير -المعنى- أن سليمان بن
المغيرة أخبرهم عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله
عنه، قال حفص: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقطع صلاة الرجل)،
وقال عن سليمان: قال أبو ذر: (يقطع صلاة الرجل -إذا لم يكن بين يديه قيد
آخرة الرحل- الحمار والكلب الأسود والمرأة) فقلت: ما بال الأسود من الأحمر
من الأصفر من الأبيض؟! فقال: يا ابن أخي! سألت رسول الله صلى الله عليه
وسلم كما سألتني فقال: (الكلب الأسود شيطان)].
يقول الإمام أبو داود
رحمه الله: [باب ما يقطع الصلاة] أي: ما الذي يقطع الصلاة؟ أو: ما الذي ورد
بأنه يقطع الصلاة؟ والذي ورد في الأحاديث الصحيحة المرأة والحمار والكلب،
وفي بعض الروايات: الكلب الأسود.
وهذه الثلاثة ورد عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنها تقطع الصلاة، فمن أهل العلم من قال: إن قطعها، بمعنى
أنه يستأنفها، وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم
على أنه لا يحصل القطع بمرور شيء، ولكن هذه الأشياء التي ورد أنها تقطع
الصلاة يكون فيها تشويش على المصلي ونقصان للخشوع في الصلاة بسبب ما يحصل
له مما يمر بين يديه، وهذه الأنواع الثلاثة هي المرأة، والحمار، والكلب.
وقد
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (يقطع صلاة الرجل -إذا لم يكن بين يديه قيد آخرة الرحل- الحمار
والكلب الأسود والمرأة)].
وقوله: [(قيد آخرة الرحل)] القيد هو القدر يعني: قدر آخرة الرحل.
أي:
سترة، يعني: فإذا كان له سترة ومر من دونها حصل القطع، وإن كان مر من
ورائها فإنه لا يؤثر، وإذا لم يكن له سترة ومر من مكان بعيد فإن ذلك
-أيضاً- لا يؤثر.
ثم إن عبد الله بن الصامت سأل أبا ذر رضي الله تعالى
عنه عن الكلب الأسود وتمييزه عن غيره من الكلاب فأخبره أنه سأل النبي صلى
الله عليه وسلم عنه فأجابه بأن الكلب الأسود شيطان، وفسر بأن المقصود من
ذلك أن الشياطين تتصور وتتمثل على هيئة الكلاب السود.
والمقصود من ذلك
-كما قاله جمهور أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أنه يحصل
التشويش ويحصل إضعاف الخشوع وانشغال الإنسان في صلاته بسبب ما شاهده وما مر
بين يديه من هذه الأصناف الثلاثة.

(93/3)

تراجم رجال إسناد حديث (يقطع صلاة الرجل الحمار والكلب الأسود والمرأة)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحدثنا عبد السلام بن مطهر].
عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج حديثه البخاري وأبو داود.
[وابن كثير].
هو محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن سليمان بن المغيرة].
سليمان بن المغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد بن هلال].
حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن الصامت].
عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي ذر].
هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

(93/4)

بيان طريقي رواية حديث (يقطع صلاة الرجل الحمار والكلب الأسود والمرأة)
قوله: [قال حفص: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم].
يعني
أن حفصاً الذي هو شيخه الأول في إسناده الأول رفعه إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم حيث قال: عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [وقال عن سليمان قال أبو ذر].
يعني
أن الطريق الثاني الذي فيه محمد بن كثير وفيه عبد السلام بن مطهر فيه أن
الحديث موقوف على أبي ذر، وليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمشايخ
أبي داود ثلاثة: حفص وابن كثير وعبد السلام بن مطهر، فـ حفص يروي عن شعبة،
والآخران يرويان عن سليمان بن المغيرة، ولذلك في النسخة الهندية (وقالا عن
سليمان: قال أبو ذر).

(93/5)

شرح حديث (يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا قتادة قال:
سمعت جابر بن زيد يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما -رفعه شعبة - قال:
(يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب).
قال أبو داود: وقفه سعيد وهشام وهمام عن قتادة عن جابر بن زيد على ابن عباس].
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب).
وهذا
فيه بيان أن المقصود بالمرأة التي تقطع هي الحائض، والمقصود بالحائض
البالغة، فمعناه أن الصغيرة لا تكون كذلك، وإنما يكون ذلك في شأن الحائض،
وهي البالغة، والمرأة البالغة يقال لها: حائض، وفي الحديث: (لا يقبل الله
صلاة حائض إلا بخمار).
يعني: صلاة امرأة بالغة.
وهنا قال: (يقطع
الصلاة المرأة الحائض والحمار)، وإنما خصت الحائض -أي: المرأة البالغة- لأن
الفتنة تكون في المرأة التي قد بلغت، أما البنت الصغيرة فلا يكون فيها
فتنة، ولعل السبب في ذلك هو ما يحصل من التشويش في فكر الإنسان وهو في
صلاته عندما تمر به امرأة بين يديه فينشغل بها أو يفتتن بها، فذكر المرأة
الحائض إشارة إلى أن النصوص التي وردت في ذكر المرأة وهي مطلقة يراد بها من
كانت حائضاً؛ لأن الفتنة إنما تكون فيمن كانت بالغة، ومن المعلوم أن
المقصود بالحائض البالغ.

(93/6)

تراجم رجال إسناد حديث (يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة حدثنا قتادة].
شعبة مر ذكره، وقتادة هو ابن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال سمعت: جابر بن زيد].
هو جابر بن زيد أبو الشعثاء، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[يحدث عن ابن عباس].
هو
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد
العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن
النبي صلى الله عليه وسلم.
[رفعه شعبة].
أي: رفعه شعبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجماعة وقفوه على ابن عباس.
[قال أبو داود: وقفه سعيد].
هو سعيد بن أبي عروبة.
[وهشام].
هو هشام الدستوائي.
[وهمام].
هو همام بن يحيى العوذي.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدودسي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [عن قتادة عن جابر بن زيد على ابن عباس].
يعني: وقفوه على ابن عباس ولم يرفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(93/7)

شرح حديث (إذا صلى أحدكم إلى غير سترة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم البصري
حدثنا معاذ حدثنا هشام عن يحيى عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه
قال: -أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال-: (إذا صلى أحدكم إلى غير
سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة،
ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفة بحجر).
].
أورد أبو داود حديث
ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته
الكلب والحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة ويجزئ عنه إذا مروا بين
يديه على قذفة بحجر).
قوله: (ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه على قذفة
بحجر) معناه أنهم إذا مروا وبينه وبينهم مسافة فإنهم لا يقطعون صلاته؛ لأن
الإنسان الذي ليس له سترة لا يكون كل ما أمامه ولو كان بعيداً قاطعاً
لصلاته، وإنما يقطع أحد هؤلاء صلاته إن مر دون مقدار ثلاثة أذرع أمام
المصلي.
ومعنى (قذفة حجر) بمسافة قصيرة، فلو قذفت حجراً فإنه يجزئ إذا مروا من وراء موضع سقوطه.
والقطع
لا يكون مقصوراً على ما إذا لم يكن له سترة، بل لو كان له سترة ومروا بيته
وبينها حصل القطع، وأما إذا مروا من ورائها فليس هناك إشكال، وإذا كان
المصلي ليس له سترة ومروا من وراء مسافة بعيدة فإن ذلك لا يؤثر، وإنما يؤثر
إذا كان المرور قريباً منه، وكذلك إذا كان له سترة وحصل المرور بينه وبين
السترة.

(93/Cool

تراجم رجال إسناد حديث (إذا صلى أحدكم إلى غير سترة)
قوله: [حدثنا محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم البصري].
هو محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم البصري، وهو ابن أبي سمينة، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود.
[حدثنا معاذ].
هو معاذ بن هشام، صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
قد مر ذكره.

(93/9)

كلام أبي داود على الحديث وبيان نكارته
[قال
أبو داود: في نفسي من هذا الحديث شيء، كنت أذاكر به إبراهيم وغيره فلم أر
أحداً جاء به عن هشام ولا يعرفه، ولم أر أحداً جاء به عن هشام، وأحسب الوهم
من ابن أبي سمينة -يعني محمد بن إسماعيل البصري مولى بني هاشم-، والمنكر
فيه ذكر المجوسي، وفيه (على قذفة بحجر) وذكر الخنزير، وفيه نكارة، قال أبو
داود: ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة، وأحسبه
وهم؛ لأنه كان يحدثنا من حفظه].
ذكر أبو داود أن في نفسه من الحديث
شيئاً، وأن الإشكال فيه من جهة شيخه محمد بن إسماعيل البصري بن أبي سمينة
مولى بني هاشم، قال: إنه كان يحدث من حفظه.
وفيه -أيضاً- شك في رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال: [أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].
وفيه -أيضاً- يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو مدلس ويرسل، فاجتمع فيه عدة أمور.
وأبو داود رحمه الله جعل الحمل فيه على شيخه محمد بن إسماعيل، وقال: إنه ما أحد رواه غيره، وإنه كان يحدث من حفظه.
فيظن أنه قد وهم في ذلك.
قوله: [في نفسي من هذا الحديث شيء، كنت أذاكر به إبراهيم وغيره فلم أر أحدًا جاء به عن هشام ولا يعرفه].
لا أدري من هو إبراهيم هذا الذي كان يذاكره أبو داود، وهشام هو الدستوائي الذي مر في الإسناد.
ثم
إنه ذكر فيه الكلب والحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة، والحمار
والكلب جاء ذكرهما في أحاديث أخرى، لكن هذا الحديث فيه ذكر أشياء زائدة على
ما جاء، فهو غير صحيح من جهة كون أبي داود يقول: إن الحمل فيه على شيخه
محمد بن إسماعيل.
ومن جهة الشك في رفعه إلى رسول صلى الله عليه وسلم،
ومن كون إسناده فيه يحيى بن أبي كثير وهو مدلس وقد عنعن، وفي المتن نكارة،
وهي ذكرا الخنزير والمجوسي.
وكذلك قوله: (على قذفة بحجر) فإذا كانت
الرمية بعيدة فهذا واضح أنه في غاية النكارة، لكن إذا كان المقصود بقذفة
الحجر بمقدار ثلاثة أذرع فهذا قد جاء ما يدل عليه.

(93/10)

شرح حديث (اللهم اقطع أثره)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن
سعيد بن عبد العزيز عن مولى لـ يزيد بن نمران عن يزيد بن نمران قال: رأيت
رجلا بتبوك مقعدا فقال: (مررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على
حمار وهو يصلي فقال: (اللهم! اقطع أثره) فما مشيت عليها بعد).
].
أورد
أبو داود حديث رجل مقعد في تبوك روى عنه يزيد بن نمران، يقول: إن سبب كونه
مقعداً أنه مر بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وهو يصلي
فقال: (اللهم! اقطع أثره) فحصل له أن حيل بينه وبين المشي فصار مقعداً لا
يتمكن من المشي، فقطع الله أثره، أي سيره ومشيه على قدميه، حيث قطعه الله
فصار مقعداً على هذه الهيئة التي رآها يزيد بن نمران.
هذا الرجل المقعد
هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الإشكال في الحديث من جهة أن
فيه مجهولاً، وأيضاً من جهة المعنى، فهو غير مستقيم من جهة أن الرسول صلى
الله عليه وسلم يدعو عليه بهذا الدعاء، وأن الله تعالى يقطع أثره ويحصل له
ذلك بمجرد مروره، ففي متنه شيء بالإضافة إلى كون إسناده فيه من هو مجهول،
وهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(93/11)

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اقطع أثره)
قوله: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري].
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[حدثنا وكيع].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي البصري الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن عبد العزيز].
سعيد بن عبد العزيز هو الشامي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
[عن مولى لـ يزيد بن نمران].
قيل اسمه سعيد.
مجهول أخرج له أبو داود.
[عن يزيد بن نمران].
يزيد بن نمران ثقة، أخرج له أبو داود.

(93/12)

طريق ثانية لحديث (قطع الله أثره) وتراجم رجال إسنادها
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا كثير بن عبيد -يعني المذحجي - حدثنا أبو
حيوة عن سعيد بإسناده ومعناه، زاد: فقال: (قطع صلاتنا قطع الله أثره).
قال أبو داود: ورواه أبو مسهر عن سعيد قال فيه: (قطع صلاتنا)].
قوله: [حدثنا كثير بن عبيد -يعني المذحجي -].
كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أبو حيوة].
هو شريح بن يزيد، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سعيد بن عبد العزيز].
[قال أبو داود: ورواه أبو مسهر عن سعيد قال فيه: (قطع صلاتنا)].
أبو مسهر هو عبد الأعلى بن مسهر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(93/13)

طريق ثالثة لحديث (قطع الله أثره) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني.
ح:
وحدثنا سليمان بن داود قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني معاوية عن سعيد بن
غزوان عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج فإذا هو برجل مقعد فسأله عن أمره فقال
له: سأحدثك حديثاً فلا تحدث به ما سمعت أني حي، (إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة فقال: هذه قبلتنا، ثم صلى إليها، فأقبلت وأنا
غلام أسعى حتى مررت بينه وبينها فقال: قطع صلاتنا قطع الله أثره).
فما قمت عليها إلى يومي هذا].
أورد
أبو داود الحديث من طريق أخرى عن ذلك الرجل المقعد في تبوك، وفيها أنه كان
غلاماً يسعى، وليس أنه كان على حمار، وقال: (قطع صلاتنا قطع الله أثره)،
قال: فما قمت عليها إلى يومي هذا.
يعني أن الله قطع أثره فما كان له أثر
وراءها، أي: انتهى مشيه وانقطع وصار مقعداً، وهو مثل الذي قبله، فالمتن
فيه نكارة من جهة كون النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليه بهذا الدعاء
ويعاقبه بهذه العقوبة لمجرد أنه حصل منه ذلك المرور.
وقوله: [سأحدثك حديثاً لا تحدث به ما سمعت أني حي].
هذا مما يزيده غموضاً، فكيف لا يحدث به؟! قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني].
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود.
[وحدثنا سليمان بن داود].
هو سليمان بن داود المصري، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني معاوية].
هو معاوية بن صالح بن حدير، صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد بن غزوان].
سعيد بن غزوان مستور، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه].
هو غزوان الشامي، وهو مجهول، أخرج له أبو داود.

(93/14)

سترة الإمام سترة من خلفه
(93/15)

شرح حديث (فجاءت بهمة تمر بين يديه فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب سترة الإمام سترة من خلفه.
حدثنا
مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن الغاز عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده رضي الله عنه أنه قال: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية
أذاخر فحضرت الصلاة- يعني: فصلى إلى جدر- فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت
بهمة تمر بين يديه، فما زال يدارئها حتى لصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه)
أو كما قال مسدد].
أورد أبو داود هنا [باب سترة الإمام سترة من خلفه]،
ومعناه أن من خلفه لا يحتاج إلى سترة؛ لأن المأمومين سترة الإمام سترة لهم،
وعلى هذا فالذي يتخذ السترة هو الإمام والمنفرد، الإمام الذي يصلي بالناس
والمنفرد الذي يصلي وحده، هذان هما اللذان يتخذان السترة، وأما المأمومون
فلا يتخذون سترة؛ لأن سترة الإمام سترة لهم.
وأورد أبو داود حديث عبد
الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا في سفر مع النبي
صلى الله عليه وسلم وأنه صلى إلى جدار.
قوله: (هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر).
الثنية فجوة بين الجبلين.
قوله: (فحضرت الصلاة) -يعني: فصلى إلى جدر-.
يعني: إلى جدار، أي: اتخذه سترة له.
قوله:
(فجاءت بهمة) وهي الصغيرة من أولاد الغنم، سواءٌ أكانت من الضأن أم من
المعز، فالرسول صلى الله عليه وسلم جعل يدرؤها ويريد أن يمنعها من أن تأتي
أمامه، حتى قرب من ذلك الجدار فمرت من ورائه، فما مكنها من أن تأتي أمامه،
فمرت من ورائه، وهذا هو وجه الشاهد لكون سترة الإمام سترة للمأمومين، إذ
إنها مرت أمام المأمومين من وراء الإمام، وذلك لا يضر؛ لأن سترة الإمام
سترة لهم، والرسول صلى الله عليه وسلم منع هذه البهمة، وهذا يدل على أن
المصلي يمنع ما يمر بين يديه، سواءٌ أكان إنساناً أم حيواناً.

(93/16)

شرح حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فذهب جدي يمر بين يديه فجعل يتقيه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر قالا: حدثنا
شعبة عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فذهب جدي يمر بين يديه فجعل يتقيه)].
أورد
أبو داود حديث ابن عباس، وهو مثل الذي قبله، فرسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يصلي فمر جدي -وهو الصغير من أولاد الغنم- فجعل يتقيه، أي: يدرؤه
ويمنعه.

(93/17)

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يصلي فذهب جدي يمر بين يديه فجعل يتقيه)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب].
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحفص بن عمر].
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا شعبة].
مر ذكره.
[عن عمرو بن مرة].
هو عمرو بن مرة الهمداني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن الجزار].
يحيى بن الجزار صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره.

(93/18)

من قال المرأة لا تقطع الصلاة
(93/19)

شرح حديث (كنت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال المرأة لا تقطع الصلاة.
حدثنا
مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة عن عائشة رضي الله
عنها أنها قالت: (كنت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة) قال شعبة:
أحسبها قالت: (وأنا حائض).
قال أبو داود: رواه الزهري وعطاء وأبو بكر
بن حفص وهشام بن عروة وعراك بن مالك وأبو الأسود وتميم بن سلمة كلهم عن
عروة عن عائشة، وإبراهيم عن الأسود عن عائشة، وأبو الضحى عن مسروق عن
عائشة، والقاسم بن محمد وأبو سلمة عن عائشة لم يذكروا: (وأنا حائض)].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في [باب: من قال المرأة لا تقطع الصلاة].
والحديث
الذي مر فيه أن المرأة تقطع الصلاة، وهذا فيه أن المرأة لا تقطع الصلاة،
وهو يدل على أن المقصود بالقطع ليس إبطال الصلاة، بل المراد ما قاله أكثر
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين، كما ذكر
ذلك الترمذي في جامعه أن أكثر الصحابة وأكثر أهل العلم من الصحابة ومن
التابعين لا يرون قطع الصلاة بمرور شيء، فـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهي في قبلته أمامه فتمد رجليها، فإذا
سجد غمزها فكفت رجليها، فكون رجليها أمامه، وكونها معترضة أمامه وهو مستمر
في الصلاة، وإذا سجد غمزها فكفت رجليها لضيق المكان يدل على أن المرأة لا
تقطع الصلاة.
وأما زيادة: (وأنا حائض)، فهي غير ثابتة؛ لأن شعبة قال: [أحسبها قالت: وأنا حائض).
ثم إن أبا داود ذكر الذين رووه غير شعبة -وهم كثيرون- لم يذكروا زيادة (وأنا حائض).
فهذا
القيد أو هذا الوصف غير ثابت، ومعنى ذلك أن المرأة في جميع أحوالها إذا
حصل منها مثل ذلك فإنه لا يحصل قطع الصلاة بذلك، أعني كونها تمتد أمام
الرجل وهو يصلي.

(93/20)

تراجم رجال إسناد حديث (كنت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم].
سعد بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي الصديقة بنت الصديق، من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(93/21)

الرواة المخالفون لما شك فيه شعبة وتراجمهم
قوله:
[قال أبو داود: رواه الزهري وعطاء وأبو بكر بن حفص وهشام بن عروة وعراك بن
مالك وأبو الأسود وتميم بن سلمة كلهم عن عروة عن عائشة، وإبراهيم عن
الأسود عن عائشة، وأبو الضحى عن مسروق عن عائشة، والقاسم بن محمد وأبو سلمة
عن عائشة لم يذكروا: (وأنا حائض)] يقصد أبو داود رحمه الله تعالى أن
الإسناد الذي جاء عن عروة من طريق شعبة فيه شك، حيث قال: (أحسبها قالت:
وأنا حائض)، ثم ذكر أن هؤلاء الكثيرين الذين رووه لم يذكروا هذا القيد وهو
كونها حائضاً، فدل على أن هذا القيد لا عبرة به، وأن المرأة في جميع
أحوالها إذا كانت كذلك فهذا شأنها، ولا يختص ذلك بكونها حائضاً، بل في حالة
كونها حائضاً وكونها غير حائض.
قوله: [رواه الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعطاء].
هو عطاء بن أبي رباح، ثقة، أخرج له أصحاب الستة.
[وأبو بكر بن حفص].
هو أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، اسمه عبد الله، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وهشام بن عروة].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعراك بن مالك].
عراك بن مالك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو الأسود].
هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وتميم بن سلمة].
تميم بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[كلهم عن عروة].
عروة مر ذكره.
[وإبراهيم عن الأسود].
أي: إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وكل منهما ثقة، أخرج لهما أصحاب الكتب الستة.
وهذه طريق أخرى غير طريق عروة.
قوله: [وأبو الضحى عن مسروق عن عائشة].
أبو الضحى هو مسلم بن صبيح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع، ثقة، أخرج له أصحاب الستة.
[والقاسم بن محمد].
هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
[وأبو سلمة].
هو
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال
الثلاثة في السابع منهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(93/22)

شرح حديث (أن رسول الله كان يصلي صلاته من الليل وهي معترضة بينه وبين القبلة)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن
عروة عن عروة عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاته
من الليل وهي معترضة بينه وبين القبلة راقدة على الفراش الذي يرقد عليه،
حتى إذا أراد أن يوتر أيقظها فأوترت)].
أورد أبو داود رحمه الله تعالى
هنا حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاته
من الليل وهي معترضة على فراشه في قبلته، فإذا أراد أن يوتر أيقضها.

(93/23)

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله كان يصلي صلاته من الليل وهي معترضة بينه وبين القبلة)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس].
هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير].
هو زهير بن معاوية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة].
هؤلاء جميعاً مر ذكرهم.

(93/24)

شرح حديث (لقد رأيت رسول الله يصلي وأنا معترضة بين يديه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: سمعت
القاسم يحدث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (بئسما عدلتمونا بالحمار
والكلب! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بين يديه
فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي ثم يسجد)].
أورد أبو داود هنا
حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مثل الحديث الأول أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يصلي وهي معترضة في قبلته، فإذا أراد أن يسجد غمزها فكفت رجليها
فيسجد عليه الصلاة والسلام.
وفي أول الحديث أنها قالت: (بئسما عدلتمونا بالحمار والكلب)، أي: ساويتمونا بالحمير والكلاب في قطع الصلاة.

(93/25)

الأسئلة
(93/26)

حكم شراء جلود الأنعام قبل دبغها

السؤال
هل يجوز شراء جلود الأنعام قبل دبغها، سواءٌ أذبحت بطريقة شرعية أم كانت ميتة؟

الجواب
نعم يجوز شراؤها؛ لأنها أما طاهرة وإما أن يطهرها الدباغ، فكون الإنسان يشتريها من أجل أن يدبغها لا بأس به.
وهي إذا ذبحت بطريقة شرعية طاهرة، والميتة هي التي يطهرها الدباغ، فشراؤها -سواءٌ أكانت مذبوحة أم ميتة من أجل دبغ جلدها- لا بأس به.

(93/27)

زيادة ابن خزيمة (تعاد الصلاة) في قطع الصلاة بمرور المرأة والحمار والكلب

السؤال
جاءت رواية في صحيح ابن خزيمة بلفظ: (تعاد الصلاة) بشأن مرور المرأة
والحمار والكلب الأسود بين يدي المصلي، فهل هذه الرواية ترجح قول من قال:
تعاد الصلاة، وليس المعنى أنه ينقص الأجر؟

الجواب
هذه الرواية في صحيح ابن خزيمة لا أدري بثبوتها، لكن أكثر الصحابة رضي
الله عنهم وأرضاهم -وكذلك التابعون- يرون ذلك ليس قطعاً للصلاة، بحيث تعاد،
وإنما معناه نقص الخشوع وحصول التشويش على الإنسان في صلاته، ويدل على عدم
القطع ما جاء في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي
مضطجعة نائمة على فراشها معترضة بين يديه، فإذا سجد غمزها فكفت رجليها.

(93/28)

حكم قول (وإياك) للقائل جزاك الله خيراً

السؤال
ما حكم قول القائل: (وإياك) لمن قال له: جزاك الله خيراً؟

الجواب
هذا لا بأس به، فقوله: (وإياك) معناه: وأنت جزاك الله خيراً.
فهو كلام صحيح لا بأس به.

(93/29)

الثناء بقول (جزاك الله ألف خير)

السؤال
ما حكم قول من يقول عند الثناء: جزاك الله ألف خير؟

الجواب
إذا قال: (جزاك الله خيراً) كفى، فإذا حصل له الخير من الله عز وجل كفاه، أما قول (ألف خير) فمن الألفاظ المحدثة.

(93/30)

حكم السترة

السؤال
هل السترة واجبة أم ركن أم سنة؟

الجواب
الركن جزء من الماهية، فالأركان تكون داخل الصلاة، ولا تكون خارجة عنها،
والشرط يكون خارجاً عن الماهية، مثل استقبال القبلة، وأما السترة فقد قال
بعض أهل العلم بوجوبها، وجمهورهم قالوا باستحبابها.

(93/31)

حكم التهنئة في أول العام

السؤال
ما الحكم في قول الرجل لمن يقابله عند بداية العام الجديد: كل عام وأنتم بخير؟

الجواب
هذا لا ينبغي، فلا تنبغي التهنئة بأول العام، لكن إذا أحد دعا وقال: جعله
الله عام خير أو نحو ذلك فلا بأس بذلك، أما أن يتخذ أوله موسماً من
المواسم التي يهنأ بها فلا نعلم دليلاً يدل عليه.

(93/32)

حمل حديث قطع المرأة والحمار والكلب الصلاة على الحقيقة

السؤال
ألا يمكن حمل القطع في حديث قطع المرأة والحمار والكلب الأسود على الحقيقة، وهو أنه تستأنف الصلاة، وما هو الصارف؟

الجواب
قال أبو داود رحمه الله في آخر تفريع أبواب السترة: إذا تنازع الخبران عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده.
يعني أنه يحصل الترجيح بذلك، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرهم على أنه لا يقطع الصلاة شيء.

(93/33)

أفضل شروح أبي داود غير عون المعبود

السؤال
ما هو أحسن شرح لسنن أبي داود غير (عون المعبود)؟

الجواب
هناك شرح طيب لكنه غير كامل، وهو (المنهل العذب المورود) وهو لمصري من
أهل السنة يدعى السبكي، وهو من المتأخرين، وقد توفي في سنة ثلاثمائة وألف
للهجرة.

(93/34)

قول الإمام النووي في المار بين يدي من ليس له سترة

السؤال
قلتم: إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة فلا يجوز المرور بين يديه.
لكن قال الإمام النووي في مجموعه: إذا لم يكن بين يديه سترة فالأصح أنه ليس له الدفع لتقصيره بترك السترة؟

الجواب
المصلي حين ينبه المار في المسافة القريبة منه لا حرج عليه ولو لم يكن
هناك سترة؛ لأن المار عليه أن يترك مقدار ثلاثة أذرع ويمشي من ورائها، فلو
لم يكن للمصلي سترة فإنه يمشي المار من وراء ثلاثة أذرع ابتداءً من قدم
المصلي.

(93/35)

حكم التفريق بين مرور المرأة أمام المصلي واعتراضها في قبلته

السؤال
هل يؤخذ من حديث عائشة التفريق بين كون المرأة نائمة عند ابتداء الصلاة
وكونها تمر بين يدي المصلي، وكذلك الحكم بقطع الصلاة بالمرور أمام المصلي
دون الجلوس أمامه؟

الجواب

النتيجة واحدة، فالحكم هو بكون المرأة أمام المصلي، سواءٌ أكانت مارة أم
كانت معترضة، فكون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى وعائشة أمامه يدل على أنه
سائغ.
ويمكن أن يقال: إن هذا للحاجة.
أي: كونها تعترض في قبلته هو
لكون المكان ضيقاً، وأما إذا كان هناك سعة أو صلى في مسجد ورأى إنساناً فلا
يصل وراءه ويتخذه سترة، بل يستتر بشيء آخر كعمود أو جدار.

(93/36)

الجمع بين أحاديث قطع المرأة الصلاة وأحاديث عدم قطعها

السؤال
كيف نوفق بين الأحاديث التي تدل على أن المرأة تقطع الصلاة والأحاديث التي تدل على أنها لا تقطع الصلاة؟

الجواب
يحمل قطع الصلاة الذي ورد على أنه ليس المراد به القطع الذي يجب به
استئناف الصلاة، وإنما هو قطع فيه تشويش وفيه شغل للذهن ونقص من أجر
الصلاة.

(93/37)

التخطي فوق كتب العلم الشرعي

السؤال
هل يجوز للمرء أن يخطو من فوق كتب أهل العلم؟

الجواب
لا يجوز له أن يتخطاها.

(93/38)

حكم زيارة مدائن صالح

السؤال
ما حكم زيارة مدائن صالح لغرض المشاهدة والترويح على النفس؟

الجواب
هذا لا ينبغي، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما مر بها أسرع فكيف بالإنسان
يقصدها؟! قلا يشغل المرء باله بهذه الآثار التي لما مر عليها الرسول صلى
الله عليه وسلم أسرع، أما المرور بها في طريق سفر فإن الرسول صلى الله عليه
وسلم قد مر بها في الطريق، ولكنه أسرع.

(93/39)

تحية المسجد عند تكرر الدخول إليه

السؤال
إذا تكرر دخول وخروج المسلم من المسجد فهل يشرع له أن يصلي تحية المسجد في كل مرة؟

الجواب
نعم، فإذا خرج ثم رجع فإنه يصلي التحية.

(93/40)

حكم صلاة المنفرد خلف الصف

السؤال
هل لا تصح صلاة المنفرد خلف الصف إذا كان الصف كاملاً؟

الجواب
إذا كان عدد المصلين محصوراً، وعرف أنهم لا يزيدون، وأنه دائر بين أمرين:
إما أن يصلي مع الناس وإما أن يصلي وحده فإنه يصلي مع الناس؛ لأن هذا هو
الذي يستطيعه، وهو مأمور بصلاة الجماعة، ولكن إذا تمكن من أن يدخل ويصلي عن
يمين الإمام فهذا هو الأولى، وإن كان الأمر لا يتم إلا بكونه يصلي وحده
وليس هناك أحد ينتظره فإنه يصلي وتصح صلاته.

(93/41)

المتأخر وصلاته عن يمين الإمام

السؤال
إذا دخل المتأخر وصلى عن يمين الإمام فماذا يفعل من جاء متأخراً؟ هل يصف وحده، أو يصف عن يمين الإمام؟

الجواب
يصف مثل الذي صف قبله عن يمين الإمام، ولا يصلي وحده.

(93/42)

شرح سنن أبي داود [094]
وردت
جملة من الأحاديث تدل على قطع مرور المرأة والحمار والكلب صلاة المرء، كما
أن هناك أحاديث أخرى تفيد أنه لا يقطع الصلاة شيء، وللعلماء في ذلك كلام
وخلاف ينبغي معرفته.

(94/1)

من قال الحمار لا يقطع الصلاة
(94/2)

شرح حديث (أقبلت راكباً على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلي بالناس بمنى)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة حدثنا عثمان
بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن
ابن عباس رضي الله عنهما قال (جئت على حمار).
ح: وحدثنا القعنبي عن مالك
عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال: (أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى
الله عليه وآله سلم يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت
فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك أحد)].
قوله: [باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة].
ذكر
فيما مضى الأحاديث التي فيها أن المرأة والحمار والكلب الأسود يقطعون
الصلاة، ثم ذكر بعد ذلك [باب من قال المرأة لا تقطع الصلاة] وهنا ذكر [باب
من قال إن الحمار لا يقطع الصلاة].
وأورد حديث ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما أنه قال: [أقبلت راكباً على أتان] والأتان أنثى الحمار، والحمار يقال
للذكر والأنثى، والأتان اسم لأنثى الحمار، فجاء وهو راكب على الأتان حتى
كان بين يدي بعض الصف، فنزل ودخل في الصف وترك الأتان ترتع، أي: أطلقها
وتركها ترعى، وكان ذلك بمنى في حجة الوداع، قال: [وقد ناهزت الاحتلام]
يعني: قد قاربت البلوغ.
والحديث ليس واضح الدلالة على أن الأتان مرت بين
يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما فيه أنها مرت بين يدي بعض الصف، ومن
المعلوم أن سترة الإمام سترة للمأمومين، فمرور نحو هذه بين المأمومين لا
يؤثر، وإنما الذي يؤثر المرور بين الإمام وسترته وبين المنفرد وسترته، فهذا
هو الذي يكون فيه التأثير.
وأما بالنسبة للصف وكونه يمر بين يدي الصف
أو بعض الصف -سواءٌ أكان المار حماراً أم غيره- فإن ذلك لا يؤثر شيئاً؛ لأن
العبرة بالإمام، والإمام لم يثبت في هذا الحديث أنه مر بين يديه شيء، لا
حمار ولا غيره.
فهذا الحديث -في الحقيقة- يصلح لأن يكون تحت الترجمة السابقة، وهي أن سترة الإمام سترة للمأمومين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل





تاريخ التسجيل : 31/12/1969

الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر Empty
مُساهمةموضوع: رد: الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر   الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر I_icon_minitimeالأحد مارس 03, 2013 1:48 pm

اقتباس :

(94/3)

تراجم رجال إسناد حديث (أقبلت راكباً على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلي بالناس بمنى)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا سفيان بن عيينة].
هو سفيان بن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله].
هو
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة
السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد
العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
[ح: وحدثنا القعنبي].
قوله: (ح) هو للتحول من إسناد إلى إسناد.
والقعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك].
هو
مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث الفقية، الإمام المشهور، أحد أصحاب
المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب
الستة.
[عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس].
هؤلاء قد مر ذكرهم.

(94/4)

التعليق على قول مالك: (وأنا أرى ذلك واسعاً إذا قامت الصلاة)
[قال
أبو داود: وهذا لفظ القعنبي وهو أتم، قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعاً إذا
قامت الصلاة] قوله: [قال أبو داود: وهذا لفظ القعنبي وهو أتم قال].
يعني أن هذا السياق الذي ساقه أبو داود هو بلفظ القعنبي، وهو شيخه في الإسناد الثاني.
وقوله: [قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعاً إذا قامت الصلاة].
مقصود
مالك رحمه الله تعالى غير ظاهر؛ إذ إن المراد في الحديث هو إذا قامت
الصلاة، وإذا كان الناس يصلون، وأما إذا لم يدخلوا في الصلاة فليس هناك
إمام ولا مأموم ولا سترة.
ثم إن كان مراده الدخول بين يدي الصف فهذا هو مقتضى الحديث، وأما إذا كان يقصد أن حصول ذلك واسع بين يدي الإمام فهذا فيه إشكال.

(94/5)

شرح حديث ابن عباس (جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورسول الله يصلي)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن منصور عن الحكم
عن يحيى بن الجزار عن أبي الصهباء أنه قال: تذاكرنا ما يقطع الصلاة عند ابن
عباس رضي الله عنهما فقال: (جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فنزل ونزلت، وتركنا الحمار أمام الصف
فما بالاه، وجاءت جاريتان من بني عبد المطلب فدخلتا بين الصف فما بالى
ذلك)].
أورد أبو داود حديث ابن عباس، وهو مثل الذي قبله، ففيه دلالة على
أن سترة الإمام سترة للمأمومين، وأنه لا يؤثر المرور بين يدي الصف، سواء
أكان من حمار أم من جارية أم من غيرهما، وإنما المحذور هو المرور بين يدي
الإمام وسترته.
والحديث فيه أن ابن عباس رضي الله عنه جاء هو وغلام من
بني عبد المطلب على حمار فنزل وترك الحمار بين يدي الصف، يعني الصف الذي
وراء الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(فما بالاه)] يعني: ما اكترث لذلك.
ولاشك
في أن ذلك لا يؤثر لكونه بين يدي الصف؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين،
وإنما الذي يؤثر المرور بين الإمام وسترته، أو المرور بين المنفرد وسترته،
أما المأمومون فإن سترة الإمام سترة لهم.

(94/6)

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورسول الله يصلي)
قوله: [حدثنا مسدد].
هو مسدد بن مسرهد البصري، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة].
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم].
هو الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن الجزار].
يحيى بن الجزار صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الصهباء].
هو صهيب، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن ابن عباس].
قد مر ذكره.

(94/7)

طريق ثانية لحديث (جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورسول الله يصلي) وتراجم رجال إسنادها
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وداود بن مخراق
الفريابي قالا: حدثنا جرير عن منصور بهذا الحديث بإسناده، قال: (فجاءت
جاريتان من بني عبد المطلب اقتتلتا فأخذهما) قال عثمان: (ففرع بينهما) وقال
داود: (فنزع إحداهما عن الأخرى فما بالى ذلك)].
أورد أبو داود الحديث
من طريق أخرى، وفيه أن الجاريتين من بني عبد المطلب اقتتلتا، أي: اختلفتا
وتنازعتا وتضاربتا، فنزع إحداهما عن الأخرى وفرق بينهما وما بالى ذلك، أي:
ولم يؤثر ذلك على صلاته ولم يكترث به.
وهذا إنما يتعلق بمرور المرأة،
ولا تعلق له بمرور الحمار، وقد سبق في الباب الذي قبل هذا أن عائشة كانت
رجلاها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فإذا أراد أن يسجد
غمزها فكفت رجليها.
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.
[وداود بن مخراق الفريابي].
داود بن مخراق صدوق، أخرج له أبو داود وحده.
[حدثنا جرير].
هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
منصور مر ذكره.

(94/Cool

من قال الكلب لا يقطع الصلاة
(94/9)

شرح حديث (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال الكلب لا يقطع الصلاة.
حدثنا
عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي عن جدي عن يحيى بن أيوب عن
محمد بن عمر بن علي عن عباس بن عبيد الله بن عباس عن الفضل بن عباس رضي
الله عنهما قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا
ومعه عباس، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين
يديه، فما بالى ذلك)].
أورد أبو داود [باب من قال: الكلب لا يقطع
الصلاة] وأورد حديث الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يصلي، وكان هناك حمارة وكلبة تعبثان، أي: حصل منهما عبث بين
يديه، فما بالى بذلك، أي أن ذلك لم يؤثر، وهذا فيه ذكر الحمار والكلب، لكن
الحديث ليس بصحيح، بل هو ضعيف.

(94/10)

تراجم رجال إسناد حديث (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا)
قوله: [حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث].
عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثني أبي] أبوه هو شعيب بن الليث، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن جدي].
هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أيوب].
يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عمر بن علي].
محمد بن عمر بن علي صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[عن عباس بن عبيد الله بن عباس].
عباس بن عبيد الله بن عباس مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي.
[عن الفضل بن عباس].
الفضل بن عباس هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

(94/11)

من قال لا يقطع الصلاة شيء
(94/12)

شرح حديث (لا يقطع الصلاة شيء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: من قال لا يقطع الصلاة شيء.
حدثنا
محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد رضي
الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقطع الصلاة شيء،
وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه
الترجمة، وهي [باب من قال لا يقطع الصلاة شيء] يعني: مطلقاً، فأي مار بين
يدي المصلي لا يقطع صلاته، وأورد حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: [(لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم فإنما هو
شيطان)].
يعني: الذي يحاول المرور ادرءوه وحاولوا منعه من المرور، وإذا
لم ينفع فيه الدرء فإنه شيطان، كما مر في بعض الأحاديث: (فليقاتله فإنه
شيطان) وفي بعضها أنه قال: (معه قرين) أي: القرين من الجن.
كما جاء في الحديث: (ما منكم من أحد إلا وله قرين من الجن وقرين من الملائكة).

(94/13)

تراجم رجال إسناد حديث (لا يقطع الصلاة شيء)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] هو محمد بن العلاء بن كريب، أبو كريب البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو أسامة].
هو حماد بن أسامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجالد].
هو مجالد بن سعيد، ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي الوداك].
هو جبر بن نوف، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سعيد].
هو
سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث
ضعفه الألباني، وصنيع أبي داود في آخر الحديث يشعر أنه ثابت عنده؛ فإنَّه
قال: (إذا تنازع الخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى ما عمل
به أصحابه من بعده) وقد حكى الترمذي وغيره أن أكثر أهل العلم من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أن الصلاة لا يقطعها شيء.

(94/14)

شرح حديث (ادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا
مجالد حدثنا أبو الوداك قال: مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه وهو يصلي فدفعه، ثم عاد فدفعه -ثلاث مرات-، فلما انصرف قال: إن
الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا ما
استطعتم فإنه شيطان).
قال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده].
أورد
أبو داود حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه مر بين يديه شاب وهو يصلي فدفعه،
فأراد أن يمرَّ فدفعه، وقال أبو سعيد رضي الله عنه: [إن الصلاة لا يقطعها
شيء، ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا ما استطعتم فإنه
شيطان)] يعني: ادرءوا من يحاول أن يمر بين يدي المصلي -سواءٌ أكان إماماً
أم منفرداً- فإنه شيطان، وقال أبو سعيد: إنه لا يقطع الصلاة شيء.
ثم إن
أبا داود -رحمه الله- أتى بجملة من الكلام فيما يتعلق بشأن تعارض الأحاديث
في قطع الصلاة، فقد جاءت أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الصلاة
يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود، وجاءت أحاديث بأنه لا يقطعها شيء،
فقال: [إذا تنازع الخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني اختلفا
وتعارضا- نظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده].
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرهم على أن الصلاة لا يقطعها شيء، كما حكى ذلك الترمذي وغيره.

(94/15)

تراجم رجال إسناد حديث (ادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد].
عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مجالد حدثنا أبو الوداك قال: مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري].
قد مر ذكر الثلاثة.

(94/16)

شرح سنن أبي داود [095]
من
الأحكام العملية المتعلقة بالصلاة رفع اليدين إلى الأذنين أو إلى المنكبين
فيها، وهو ثابت بجملة من النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وله
مواطن في الصلاة يفعل فيها، ولذا ينبغي للمسلم أن يهتم بمعرفة هذا الحكم
الشرعي وتطبيقه ليحوز الأجر والثواب من الله تعالى.

(95/1)

رفع اليدين في الصلاة
(95/2)

شرح حديث (رأيت رسول الله إذا استفتح الصلاة رفع يديه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أبواب تفريع استفتاح الصلاة.
باب رفع اليدين في الصلاة.
حدثنا
أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: (رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله سلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي
منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع) وقال سفيان مرة:
(وإذا رفع رأسه) وأكثر ما كان يقول: (وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا
يرفع بين السجدتين)].
أورد أبو داود هذه الترجمة العامة، وهي [أبواب
تفريع استفتاح الصلاة] ويقصد بذلك الأعمال التي تكون في أول الصلاة؛ لأنه
سيأتي بعد ذلك تفريع أبواب الركوع والسجود.
ومعنى ترجمة الباب أنه كأنه
يريد استفتاح الصلاة، يعني الأعمال التي تكون في أول الصلاة وفي بداية
الصلاة وفي الدخول في الصلاة، وما يتبع ذلك إلى حين الركوع والسجود.
ثم أورد أبو داود رحمه الله أول هذه الأبواب، وهو [باب رفع اليدين في الصلاة].
ويعني
بذلك عندما يريد المصلي أن يكبر أي تكبيرة أو يفعل غير التكبيرة؛ لأن
الرفع من الركوع فيه تسميع وليس فيه تكبير، والمقصود من ذلك رفع اليدين حذو
المنكبين أو إلى الأذنين، هذا المقصود برفع اليدين، والإمام البخاري رحمه
الله ألف في ذلك جزءاً خاصاً سماه (جزء رفع اليدين) يعني: في الصلاة.
وهو الذي يرمز له بحرف الياء.
وهنا
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه كان يرفع يديه في
ثلاثة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع.
فأورد
المصنف حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع،
وإذا رفع رأسه من الركوع يعني أنَّ هذه المواطن الثلاثة كان النبي عليه
الصلاة والسلام يرفع فيها، ودل هذا على أن السنة هي رفع اليدين عند تكبيرة
الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع عندما يقول: (سمع الله لمن
حمده).
وقوله: [ولا يرفع بين السجدتين].
يعني به عندما يقوم من السجدة إلى الجلوس، فهذه الحالة ما كان يرفع بعدها.

(95/3)

تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله إذا استفتح الصلاة رفع يديه)
قوله: [حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل].
هو
أحمد بن محمد بن حنبل، الإمام المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب
الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان عن الزهري].
سفيان هو ابن عيينة، وقد مرَّ ذكره هو والزهري.
[عن سالم].
هو
سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة فقيه، وأحد فقهاء المدينة السبعة في عصر
التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وهم سالم بن عبد الله
بن عمر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن
هشام.
فهؤلاء الثلاثة اختلف في السابع منهم على ثلاثة أقوال.
[عن أبيه].
هو
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة
الأربعة من الصحابة، وهم عبد الله بن عمر، عبد الله بن عباس، عبد الله بن
الزبير، عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(95/4)

شرح حديث (كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المصفى الحمصي حدثنا بقية حدثنا
الزبيدي عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكون
حذو منكبيه، ثم كبر وهما كذلك، فيركع، ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى
يكونا حذو منكبيه، ثم قال: سمع الله لمن حمده.
ولا يرفع يديه في السجود، ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته)].
أورد
أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله
أنه يكبر في المواضع الثلاثة: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع
من الركوع.
وهذا في جميع أحوال الصلاة، وتكبيرة الإحرام في أول الصلاة، والركوع والرفع في جميع ركعات الصلاة.

(95/5)

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة رفع يديه)
قوله: [حدثنا محمد بن المصفى الحمصي].
محمد بن المصفى الحمصي صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد الحمصي، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الزبيدي].
هو محمد بن الوليد الزبيدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر].
قد مر ذكر هؤلاء جميعاً.

(95/6)

شرح حديث (صليت مع رسول الله فكان إذا كبر رفع يديه)
قال
المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي حدثنا
عبد الوارث بن سعيد حدثنا محمد بن جحادة حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر
قال: كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي.
قال: فحدثني وائل بن علقمة عن أبي -
وائل بن حجر - رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه
وآله سلم فكان إذا كبر رفع يديه.
قال: ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه وأدخل يديه في ثوبه.
قال:
فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع
رفع يديه ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود -أيضاً- رفع
يديه، حتى فرغ من صلاته).
قال محمد: فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله من فعله وتركه من تركه.
قال أبو داود: روى هذا الحديث همام عن ابن جحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود].
أورد
أبو داود -رحمه الله- حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، وهو مثل الذي
قبله في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند
تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع.
ثم اختلف عنه صلى
الله عليه وسلم في الرفع عند القيام من السجود بين السجدتين، فجاء في بعض
الطرق أنه كان يرفع يديه، وجاء في بعضها أنه كان لا يرفع يديه، وجاء في
حديث ابن عمر المتقدم أنه كان لا يرفع يديه بين السجدتين.
وقوله: [(كان إذا كبر رفع يديه.
قال: ثم التحف)] معناه أنه كان في ثوب، فيلتحف به وتصير يداه داخله.
قوله: [قال محمد: فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله من فعله وتركه من تركه].
يعني أنَّ هذا الذي ذكره في الحديث من الرفع في هذه المواطن هو صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(95/7

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الكتاب: شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» *أحوال القلب وعلاجه... للدكتور: عبدالرزاق العباد البدر-حفظه الله-***
» لإحسان حقيقته - فضله - طرقه للشيخ عبد المحسن العباد **
» الحلم سيد الأخلاق وكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خُلقًا "ـ
» تحميـــــل كتاب ((تفسير البغوي الكتاب : معالم التنزيل المؤلف : محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي [ المتوفى 516 هـ ]))**
» التوحيد حق الله على العباد.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: المنتدى الاسلامى :: السنة النبوية-
انتقل الى: