فتاوى خاطئة ليس لها أساس من الدين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ثمة فتاوى خاطئة ليس لها أساس من الدين
يعدّ الدكتور عبد الحي عزب، العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية، من فقهاء الأزهر المتميّزين، إذ سبق أن شغل منصب رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة والقانون، ونظراً لعلمه الغزير فقد وقع اختيار الأزهر عليه ابتداءً من أول تموز/يوليو 2014 رئيساً لجامعة الثقافة الإسلامية بكازاخستان، من هنا تأتي أهمية الحوار معه حول العديد من القضايا التي تهم المرأة والأسرة في رمضان، حيث وضع النقاط على الحروف بطريقة سهلة ومبسّطة بعيدة عن التعقيد.
- الشعوب العربية مجاملة بطبعها هل يجوز في المناسبات السعيدة مثل شهر رمضان والأعياد أن يتم تبادل القبلات بين الأقارب من غير ذوي المحارم؟
الإسلام لا يمنع المجاملات، لكنه وضع ضوابط لها حتى لا تتحول من الحلال إلى الحرام، لأن التساهل في المجاملة أمر مرفوض شرعاً، لأنها قد تكون مدخلاً للشيطان وقد قال الله تعالى: «وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ» آية 168 سورة البقرة، وبالطبع لا مانع شرعاً من قبلات المجاملات بين الجنس الواحد، في حين تحرّم بين الجنسين من غير ذوي المحارم، وهذه القبلات البريئة لا تؤثر في صحة الصيام.
- لكن المجاملة قد تكون من خلال نوايا طيبة وسليمة وليس فيها شهوة حتى لو وصل الأمر إلى حد السلام باليد والقبلات البريئة، فما الحكم؟
رغم اهتمام الإسلام بموضوع النية، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»، لكن الرسول نهى أن تصل المجاملة إلى حد القبلة حتى لو تم إطلاق تسمية «بريئة» عليها، بل يجب اجتناب ما فيه شك أو شبهة ريبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
- هل تباح هذه القبلات بين المحارم من النساء والرجال خلال الصيام في نهار رمضان؟
لا مانع شرعاً من القبلات البريئة الخفيفة بين المحارم، إلا أنه يجب الاحتراز قدر الإمكان إذا كانت المرأة الصائمة أو محارمها في سن المراهقة والشباب، أو كانوا ممن لا يخشون الله بشكل كافٍ، مما قد يجعل هذه القبلات مدخلاً للشيطان وفتنته حتى بين المحارم، وما تعرضه وسائل الإعلام عن المخالفات الشرعية بين المحارم والتي تصل إلى درجة ارتكاب الخطيئة، إنما بسبب التساهل المفرط، ولهذا فإنه من باب سد الفتنة الامتناع عن هذه القبلات، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، لكن يظل منع القبلات بين المحارم في سن المراهقة أو الشباب استثناءً من قاعدة إباحة القبلات بين المحارم، إذا أمنوا الفتنة ولم يكن في نفوسهم مرض.
مقاطعة الأرحام
- هل يجوز شرعا مقاطعة الأقارب وذوي الرحم إذا كانوا مستهترين بفريضة الصوم؟ وهل يعد الابتعاد عنهم «قطيعة رحم» أم لا؟
أرى أنه من الأفضل العكس، وهو التقرب إليهم وبيان خطأ ما يفعلونه وتقديم النصيحة المخلصة لهم، والدعاء في أوقات الاستجابة بأن يشرح الله صدورهم، ويهديهم إلى الصلاة والصوم وأداء كافة الفروض الدينية، فهذا حق المسلم على المسلم، فما بالنا إذا كان هذا المسلم قريباً فله حق الإسلام وحق الرحم، فهنا يثاب الحريص على صلة الرحم وليس قاطعها، حتى لو كانوا من المستهترين بأداء الفريضة، بل إن الرحم توجب النصح اللين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم».
- ما هو جزاء من يصبر على إيذاء أقاربه حتى في شهر رمضان؟
ثوابه عظيم عند الله وبين الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه»، ومعنى «يُنسأ له في أثره» أي يبارك له في عمره ويوفقه الله إلى مزيد من الطاعات التي تدخله الجنة في الآخرة. ويكفي الحريص على صلة الرحم أن يكون ممن يصلهم الله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذاك لك» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأوا إن شئتم: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ. أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» الآيات من 22-24 سورة محمد.
الملابس السوداء
- أفتى أحد المشايخ بأن الصائمة التي ترتدي «ملابس سوداء» صيامها أكثر ثواباً لأنها أقل فتنة للرجال، فهل هذا صحيح شرعاً؟
هذه فتوى متشددة وضالة ولا أصل لها في الشرع أو العقل، وربما من أصدرها كان غاضباً من انتشار التبرج أو حتى ما يمكن أن نطلق عليه «الحجاب المتبرج»، ولهذا فإن مسألة الملابس السوداء وزيادة ثواب الصيام لا أصل لها في الدين، الذي وضع شروطاً للباس الشرعي، أهمها تغطية جميع البدن عدا الوجه والكفين، وألا يكون زينة في نفسه، كأن تكون ألوانه صارخة لافتة لأنظار الرجال، وألا يصف ولا يشف وألا تلبس حذاءً بكعب عالٍ وتضرب به الأرض ليحدث صوتاً يسمع الرجال ليروا زينتها، ولهذا فقد خالفت الآية: «... وَلاَ يَضْرِبْنَ بـِأَرْجُلِهـِنَّ لِيُعْلـَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهـِنَّ» آية 31سورة النور.