تمت إضافة 6 صور جديدة من قبل Mohammed Haffz.
أمس الساعة 09:15 مساءً ·
رسالة الى القائد المعلم في ذكرى رحيله
=====================
كتب الأستاذ ربيع الحسينى :
----------------------------
سلام عليك سيدي الرئيس
يا ريس النهارده وبعد أن بلغت من العمر ما بلغت .. إلا أننى أشعر انى محتاج أن احكى لك عن يوم لم تراه أنت ولم تعرف عنه شيئا .. في اليوم ده يا ريس انا كنت طفل زي كل الاطفال .. لا يعنيه أي شىء في الدنيا إلا اللعب واللهو .. وأحيانا المذاكرة التى كانت تفرض علي فرضا من والدتي ( خالتي ) وقتها ياريس انا مكنتش اعرف عنك اى حاجه غير انى باشوفك في التلفزيون الابيض والاسود ..أو باسمع حليم وصباح وأم كلثوم بيغنوا باسمك في الراديو ... وصورتك الكبيرة الضخمة موجودة في غرفة ( الصالون) ، وفي المدرسه كان اسمك بابا جمال ..وكانت صورك فى كل المحلات اللي بندخلها .. وفي الشوارع على كل الجدران .. حتى لما كنا بنروح السينما القريبة من البيت يوم الجمعه كان لازم أشوفك في الاخبار اللى كانت بتتعرض قبل الفيلم .. أحببتك يا رجل ، وكان حبك بداخلى وارثيا .. ليس من أهلي فقط ، ولكن كان من كل الشعب ..
خلينى أحكى لك عن اليوم اللي انت مشفتوش وانا منسيتهوش .. انا اتربيت فى بيت زي أي بيت مصري وقتها .. مش أغنيا ولا حاجه ..ناس بسيطه زى كل الناس .. بنتجمع كلنا في غرفه واحده مظلمه يتسرب اليها الضوء المنتشر من لمبة الصاله الوحيده توفيرا للكهرباء .. نسمع مع والدى ( زوج خالتى ) قرءان الساعه 8 وبعده نشره الأخبار .. كان " الحاج علي" بيحب يقعد على كرسى اشتراه من مزاد كان بيتميز ان حجمه كبير ووثير ..الراجل الصعيدى اللى جاء من اقاصي الصعيد سعيا وراء لقمة العيش في الشركة المصرية للملاحة البحرية ..او كااانت شركه عبود باشا .. اللى اتأممت وأصبحت الشركه ملك المصريين العاملين بها والمشاركين في أرباحها .. ايوه يا ريس بعد ما كان بيطفح الدم عشان ملاليم .. بقا بيبقبض مراتب محترم وأخر السنه كان له نصيب من ارباح الشركه .وده غير كوبونات الكسوه بتاعه الشتا مره وبتاعة الصيف مره حسب عدد افراد الاسره..
يومها يا ريس طالت فقرة تلاوة القرءان .. لم تنقطع يا ريس .. وكان في الفواصل الأناشيد الوطنية .. أو عزف للموسيقات العسكرية .. كنت صغير بس ملاحظ التوتر اللى شوفته في عيون والدي ووالدتي .. ومره واحده لقيت والدتي بتقوم من مكانها بعد فترة سكوت طويله وبتبص لاختنا الكبيره سعاد الله يرحمها .. وبتقول لها : جمال جرى له حاجه يا سعاد .. بنبص لبعض ومحدش بينطق .. والحاج علي بيولع سيجارة من سيجارة.. لحد ما المذيع قال : أيها السادة ..السيد محمد انور السادات نائب رئيس الجمهورية يلقى عليكم بيانا هاما ... وسمعته بيقول كلام كتير مستوعبتش منه إلا جملة : مات رجل من أشجع الرجال .. مات جمال عبد الناصر .. واللي ما أنساهوش أبدا من يومها منظر شنب الحاج علي فوق شفايفه وهو بيهتز وعينيه المخنوقة وهو بيحاول يحوش الدموووع .. وغصب عنه الدموع فرت من عينه .. ياااااااااااااه ..أنا عمري ما شوفت في عيون الحاج علي دموع حتى يوم وفاه جدتى اللي هي والدته .. أمي صرخت بعزم ما فيها ، وأختى سعاد بتصرخ ... وفجأه حسيت ان شارعنا كله بيصرخ .. وعلت أصوات الصريخ .. اسكندريه كلها بتصرخ..في وقت واحد .. رجاله وستات وأطفال اكبر مننا عارفين قيمة جمال عبد الناصر أكتر مننا .. أبواب الشقق اتفتحت على بعض .. طنط كرامانس وجوزها لويز في بيتنا بيبكوا .. كل الناس بتحضن بعض وتبكي .. خرجت للشارع لقيت خالي صابر جاى على العجلة بتاعته وهو ساكن بعدنا بكام شارع .. جريت عليه محسش بيا .. دخل البيت وانا وراه .. ولقيته رمى نفسه على كرسى وبقا يعيط بصوت عالي .. أمى واختى معرفش امتى لحقوا يلبسوا أسود .. كل الناس في البلكونات لابسين اسود .. هو ايه اللى بيحصل .. ؟؟ استيعابي للموضوع كان ضعيف .. عم جندى البقال قفل محله .. ايه ده ؟؟ كل المحلات بتقفل ..كل الناس بتصرخ .. صوت زمارة القطارات من محطة مصر القريبه مننا لا تنقطع... وكأن سائقيها يصرخون بها ..محمد وحسن ومصطفى اخواتي ( ولاد خالتى ) واقفين على باب الشارع باصين للسما ..يومها ياريس فى عز الليل أمى قررت نيجى لك القاهرة .. رحنا محطة مصر لقيناها ولا يوم الحشر ، و لقينا كل القطارات اتغير مسارها للقاهرة فقط ... يومها يا ريس لقينا عدد الناس اللى فوق القطارات اكتر من للى جواها .. يومها ياريس الزحمة في الشوارع شايله صورتك وكأنه يوم الحشر .. يومها ياريس بس استوعبت اننا ضعنا .. لما فشلنا نركب أي حاجة توصلنا للقاهرة عشان نحضر الجنازة .. .. ورجعنا .. مشيت مع الولاد اللي من سني في الشارع نهتف ونقول : عاش جمال عبد الناصر والناس يبصوا لنا ويبكوا .. نفسهم يقولوا لنا عبد الناصر مات يا ولاد ومش قادرين ينطقوها ....
.
وكبرت يا ريس .. سنين طويله ذكراك لا تفارقنا .. كبرت يا ريس وعرفت دلوقت معنى مقولة المناضل الفلسطيني أبو إياد اللي قال يوم وفاتك : "كل المصائب تهون مع الأيام و تصغر ؛ إلا مصيبة موت جمال عبد الناصر ؛ فإنها تكبر مع الأيام "..الشيطان الاعظم . . كبرت يا ريس وعرفت انك كنت على حق لما قلت " لو رأيتم امريكا راضية عني فأعلموا أنني على خطأ ".. كبرت يا ريس وشوفتهم بيهدموا انجازاتك .. بيهدموا مشاريعك وأحلامك ...كبرت يا ريس ودلوقت بألاقي ناس بتشتمك .. بتحاول تقلل من قدرك .. لأنك كنت الشوكة في ضهر الاستعمار .. بينتقموا منك بعد وفاتك ب 45 سنة .. بينتقموا منك عشان حميتنا من الاخوان المتأسلمين .. بينتقموا منك عشان كنت زعيم للأمة العربية .. والله ما هانت الأمة إلا بوفاتك فهُنّا على العالم كله ، وأهانونا من وضعوا يدهم في يد أمريكا .
.
الى كل من يشكك في شعبيتك يا ريس وبيقول إنك كنت مكروه من الشعب ، طاب يبصوا كده على مواليد الخمسينات والستينات والسبعينات ويشوفوا كام واحد متسمي على اسمك "جمال " أو" ناصر" ..أو على اسم ابنك الكبير خالد ..دا فيه ناس سموا ابنهم اسم مُركّب "جمال عبد الناصر " شوفت يا ريس شعبك كان بيكرهك إزاي !!
..اللي بيقولوا إنه كان شعب مقهور مرعوب من ديكتاتور .. اذهبوا لليوتيوب وشاهدوا جنازة جمال عبد الناصر ..فهى أعظم استفتاء على شعبية رجل مات ...هل كل الملايين دي كانت لسه مرعوبة من راجل مات أو بينافقوه وهو ميت ؟؟ انت كنت عامل لهم ايه عشان يحبوك كل الحب ده ؟؟.
.
وأخيرا يا ريس ..رغم مرور 45 سنة من طفولتي بقولها : عاااش جمال عبد الناصر .. عاش جمال عبد الناصر .. عااش جمال عبد الناصر ..
.
يعيش جمال عبد الناصر
يعيش جمال حتى فى موته
ماهو مات فعاش عبد الناصر