Mohamed Abdulkhaleq
...............................
☀ الذي تغير أنه : ليس في القوم (عُـمَـر) ☀
------------------------------------------------
1* كان رضي الله عنه يخرج ليلاً في شوارع المدينة و الأزقة لايتلَصَّصُ على رَعِـيَّـتِهِ و لكن يتعَـسَّس ليتفقَّد أحوالهم! ..
- و في ليلة إذْ به يسمع أعرابية في خِبائها تناجي زوجها الغائب و تنشد في اشتياقها إليه شعراً :
لقد طال هذا الليل و اسوَدَّ جانبه.. و أرَّقَـني إذ لا حبيبٌ أُلاعِـبَه.
فلولا الذي فوق السَّماوات عرشُهُ .. لزعزع من هذا السرير جوانبه.
- فيقترب أمير المؤمنين ثم يسألها من خلف الدار: ما بكِ يا أختاه؟.
-فترد الأعرابية : لقد ذهب زوجي إلى ساحات القتال منذ أشهر و إني أشتاق إليه.
* فيرجع أمير المؤمنين إلى دار ابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها و يسألُها: كم تصبر المرأة على فراق زوجها؟!..
- و تستحي الابنة و تخفض رأسها فيخاطبها متوسلاً: إن الله لا يستحي من الحق، و لولا أنه شيء أريد أن أنظر به في أمر الرعية لما سألتكِ!
- فتجيب الابنة: أربعة أشهر أو خمسة أو ستة.
- ويعود الفاروق إلى داره و يكتب لأمراء الأجناد: (لاتحبسوا الجيوش فوق أربعة أشهر)..
ويصبح الأمر قانوناً يحفظ للمرأة أهم حقوقها.
تابع مسار القانون لم يصغه الجهاز التنفيذي للدولة بل صاغه المجتمع (الـعرابية و حفصة) و اعتمده الجهاز التنفيذي للدولة لينظم به المجتمع.
*هكذا تَشكَّل ( قانون المرأة )*
------------------------------------------------------------------
2* و الفاروق ذاته رضي الله عنه يواصل التجوال المسائي مُـتَـفَـقِّـداً (و ليس مُـتَـلَـصِّـصاً) و إذ بطفل يصدر أنيناً حزيناً، فيقترب من الدار و
يسأل عَـمّـا به؟!..
- فترد أم الطفلة: (إني أفطمه يا أمير المؤمنين)
- حدث طبيعي، أُم تفطم طفلها و لذا يصرخ، و لكن أمير المؤمنين لا يمضي إلى حال سبيله؛ بل يحاور أُم الطفل، و يكتشف أن الأم فطمت
طفلها قبل موعد الفطام لحاجتها لمائة درهم كان يصرفها بيت مال المسلمين لكل طفل بعد الفطام.
- فيرجع الفاروق إلى منزله لا لينام "إذ أنين ذاك الطفل لم يبارح عقله و قلبه" فيصدر أمراً: (بصرف المائة درهم للطفل منذ الولادة و ليس بعد
الفطام).
- و يصبح الأمر قانوناً يحفظ (حقوق الأطفال و يحميهم من مخاطر الفطام المبكر)..
- لو لم يحاور الفاروق تلك المرأة لما أصدر قانوناً يحمي حق الطفل في الرضاعة الكاملة.
*و هكذا تَشكَّل (قانون الطفل)*
------------------------------------------------------------------
3* و كان الفاروق رضي الله عنه يحب أخاه زيداً ، و كان زيدٌ قد قُتل في حروب الردة..
و ذات نهار بسوق المدينة يلتقي الفاروق وجهاً لوجه بقاتل زيد -و كان قد أسلم و صار فرداً في رعيته-،
- فيخاطبه الفاروق غاضباً: (و الله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح)!!!..
- فيسأله الأعرابي متوجساً: (و هل سينقص ذاك من حقوقي يا أمير المؤمنين)؟!.
- و يُطمئنه الفاروق أمير المؤمنين: (لا).
- فيغادره الأعرابي بمنتهى اللامبالاة قائلاً: (إنما تَـأْسَى على الـحُبِّ النِّـساء)..
أي مالي أنا و حبك إذ ليس بيني و بينك غير (الحقوق و الواجبات) !!
* لم يغضب أمير المؤمنين، و لم يزُجْ به في السِّجن، بل كظم غضبه بالرغم من جَرأة الأعرابي و سخريته و واصل التجوال!..
لم يفعل ذلك إلا إيماناً بحق هذا الأعرابي في التعبير..
و بفضل كظم غضبه و هو في قمة السلطة، و بفضل شجاعة هذا الأعرابي.. *تَشكَّل في المجتمع (قانون حرية التعبير)*.
------------------------------------------------------------------
4* ثم جاءت امرأة، تلك التي جردته ذات جمعة من لقب أمير المؤمنين حين قالت: (أخطأت يا عمر).. و كانت هذه بمثابة نقطة نظام، امرأة من
عامة الناس ترفض (قانون تحديد المهور) الذي صاغه الفاروق عمر!.. لم يكابر أمير المؤمنين، و لم يزج بالمرأة في السجون، و لم يأمر بجلدها بل
اعترف بالخطأ بالنص الصريح (أخطأ عمر و أصابت امرأة)، ثم سحب قانونه و ترك للمجتمع أمر (تحديد المهور) حسب الاستطاعة.
------------------------------------------------------------------
5*و روى المؤرخون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعروف بشدته و قوة بأسه كان يعد موائد الطعام للناس في المدينة ذات يوم فرأى رجلا يأكل بشماله فجاءه من خلفه، و قال: يا عبدالله كل بيمينك..
- فأجابه الرجل: يا عبدالله إنها مشغولة..
- فكرر عمر القول مرتين فأجابه الرجل بنفس الإجابة!!!..
- فقال له عمر: وما شُغلها؟..
- فأجابه الرجل: أُصيـبَـت يوم مؤتَـة فعَجَزَت عن الحركة..
- فجلس إليه عمر و بكى و هو يسأله: و مَن يوضئك.. و مَن يغسل لك ثيابكَ.. و مَن و مَن و مَن... ؟!
و مع كل سؤال ينهمر دمعه!!!.. ثم أمر له بـ "خادم" و "راحلة" و "طعام" و هو يرجو العفو منه لأنه آلمه بملاحظته على أمر لم يكُن يعرف أنه لا حيلة له فيه!!!..
* هذه هي حقوق المجاهدين في سبيل الله الحافظين للأرض و العِرض*
------------------------------------------------------------------
- هكذا تُصنع القوانين، حسب حاجات المجتمع و طموحاته و ثقافاته، و ذلك بالغوص في قاع المجتمع الـمُستهدَف بتلك القوانين..
فالمجتمع هو مصدر القوانين و ليس السلطة (بما لا يخالف كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم)..
* لم يتغير الناس ولا الحياة ..
و لكن الذي تغير أنه:
☀ليس في القوم (عمر) .. ليس في القوم عمر