منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
المسيحية والمسيح والقول الفصل ** >

منتديات سيفن ستارز
عزيزى الزائر نتمنى ان تكون فى تمام الصحة والعافية نتمنا ان تسجل معنا وانشاء الله تفيدنا وتستفيد منا المدير العام لمنتديات سيفن ستارز
المسيحية والمسيح والقول الفصل ** >

منتديات سيفن ستارز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
ارجو من الساده الاعضاء القدامى تعديل بيانتهم الشخصية
ياجماعة انصحكم بالدخول على المنتدى بالمتصفع العملاق Mozilla Firefox
مشاركتك بالموضوعات تعنى أنك قرأت قانون المنتدى ، وأنك تتحمل المسئولية الأدبية والقانونية عن نشر هذا الموضوع او الردود
تتقدم منتديات سيفن ستارز بأحر التهانى القلبية للأخت رونى المحامية المشرفة على المنتدى القانونى وذلك بمناسبة الزواج السعيد نسأل الله لها التوفيق فى حياتها وألف مليون مبروك لها ولزوجها الأستاذ /حسين إبراهيم حسين وعقبال البكارى وحياة سعيدة ملؤها التراحم والمحبة والقرب من الله
على السادة الأعضاء الإلتزام بالأقسام النوعية للمنتدى عند تقديم مساهماتهم حيث يكون كل موضوع داخل القسم الخاص به حتى يعطى الشكل المطلوب مع سهولة الوصول إليه لكل متصفح .فالموضوعات الخاصة بالمرأة داخل منتدى المرأة .والموضوعات التى تتحدث عن الإسلام توضع فى المنتدى الإسلامى   ...وهكذا ..ونشكر لكم حسن العمل .كما نشكركم على الأداء الممتاز داخل المنتديات..كما نحذر من الخوض أو التطرق لما يمس الغير أو التهجم أو إذدراء الأديان أو الخوض فى موضوعات سياسيه..المنتديات  أصلاً ..منشأة لتبنى وجهة النظر الأجتماعيه والإسلاميه لأهل السنة والجماعة دون التقليل من الغير بل الإحترام المتبادل..وللجميع ودون تميز بجنس أو نوع أو دين أو لون وشكراً لكم جميعاً...
إدارة المنتديات...سيفن ستارز.

 

 المسيحية والمسيح والقول الفصل **

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالجمعة يونيو 17, 2011 5:25 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


المسيحية والمسيح والقول الفصل **


الحمل بالمسيح وولادته:



7- حملت العذراء البتول مريم بالسيد المسيح عليه السلام، وهو الأمر الذي اجتباها الله له، واختارها لأجله، ولقد فوجئت به، إذ لم تكن به عليمة، فبينما هي قد انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، أرسل الله إليها ملكاً تمثل لها بشراً سوياً {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} ، حملت السيدة مريم البتول بعيسى من غير أب، ثم ولدته. ولم تبين الآثار النبوية مدة الحمل. فلم يرد في الصحاح آثار تبين تلك المدة، ولو كانت مدة الحمل غريبة لذكرت، فليس لنا إذن إلا أن نفرض أن مدة الحمل كانت المدة الغالبة الشائعة بين الناس. وهي مدة تسعة أشهر هلالية.
ولما ولدته وخرجت به على القوم كان ذلك مفاجأة لهم، سواء في ذلك من يعرف نسكها وعبادتها، ومن لا يعرف، لأنها فاجأتهم بأمر غريب، وهي المعروفة بينهم بأنها عذراء ليس لها بعل، فكانت المفاجأة داعية الاتهام، لأنه عند المفاجأة تذهب الروية، ولا يستطيع المرء أن يقابل بين الماضي والحاضر، وخصوصاً أن دليل الاتهام قائم، وقرينته أمر عادي لا مجال للريب فيه عادة، ولكن سبحانه وتعالى رحمها من هذه المفاجأة، فجعل دليل البراءة من دليل الاتهام لينقض الاتهام من أصله، ويأتي على قواعده ويفاجئهم بالبراءة وبرهانها الذي لا يأتيه الريب، ليعيد إلى ذاكرتهم ما عرفوه في نسكها وعبادتها، ولذلك نطق الغلام، وهو قريب عهد بالولادة، أشارت إليه {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} .
8- نطق السيد المسيح في المهد، ليكون كلامه إعلاماً صريحاً ببراءة أمه وإنه لم يكن إلا عبد الله، ولد من غير أب،
ويروي ابن كثير: "عن ابن عباس أن عيسى ابن مريم أمسك عن الكلام بعد أن كلمهم طفلاً، حتى بلغ ما يبلغ الغلمان ثم انطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان، فأكثر اليهود فيه، وفي أمه من القول، وكانوا يسمونه ابن البغية، وذلك بقوله تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} ، ولم يذكر في الآثار الصحاح عن النبي عليه الصلاة والسلام حال عيسى عليه السلام في مرباه ونشأته، وكيف كان منه مما يكون إرهاصاً بنبوته، فليس لنا إلا أن نقول إنه قد تربى بما كان يتربى به أمثاله الذين ينشئون على التقى والمعرفة في بني إسرائيل، ويغلب على الظن أن يدون في ظهر منه وهو غلام، ما يدل على روحانيته، وما يدعو إليه بعد ذلك من حياة روحية، وسط قوم سيطرت عليهم المادة، وغلبت عليهم نزعاتهم، والاتجاه إليها.


الحكمة في كون المسيح ولد من غير أب:


9- لبد من أن نشير هنا أن ننتقل إلى بعثته عليه السلام إلى السبب الذي من أجله ولد عيسى عليه السلام من غير أب. فإنه لابد أن يكون ذلك لحكمه يعلمها الله جلت قدرته، وقد أشار إليها سبحانه في قوله تعالت كلماته: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} .
وإنا نتلمس تلك الآية الدالة في ولادة عيسى عليه السلام من غير أب، فنجد أنه يبدو أمام أنظارنا أمران جليان: أحدهما. أن ولادة عيسى عليه السلام من غير أب تعلن قدرة الله سبحانه وتعالى، وإنه الفاعل المختار المريد، وإنه سبحانه لا يتقيد في تكوينه للأشياء بقانون الأسباب والمسببات التي نرى العالم يسير عليها في نظامه الذي أبدعه الله والذي خلقه، فالأسباب الجارية لا تقيد إرادة الله، لأنه خالقها، وهو مبدعها ومريدها، فإن الأشياء لم تصدر عن الله جلت قدرته، كما يصدر الشيء عن علته، والمسبب عن سببه، من غير أن يكون للعلة إرادة في معلولها، بل كانت بفعله سبحانه وبإرادته التي لا يقيدها شيء مهما يكن شأنه، وخلق عيسى من غير أب هو بلا ريب إعلان لهذه الإرادة الأزلية، بين قوم غلبت عليهم الأسباب المادية، وفي عصر ساده نوع من الفلسفة، أساسها أن خلق الكون كان مصدره الأول، كالعلة عن معلولها، فكان عيسى آية الله على إنه سبحانه لا يتقيد بالأسباب الكونية، وأن العالم كله بإرادته، ولم يكن سبحانه بمنزلة العلة من المعلول: {تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} .
الأمر الثاني: أن ولادة المسيح عليه السلام من غير أب إعلان لعالم الروح بين قوم أنكروها، حتى لقد زعموا أن الإنسان جسم لا روح فيه، وإنه ليس إلا تلك الأعضاء والعناصر التي يتكون منها، فلقد قيل عن اليهود أنهم كانوا لا يعرفون الإنسان إلا جسماً عضوياً، ولا يقرون إنه جسم وروح، فقد قال رينان في سبب الحقد الذي تغلغل في النفس اليهودية: "لو كان الشعب الإسرائيلي يعرف التعاليم اليونانية التي كان من مقتضاها اعتبار الإنسان عنصرين مستقلين: أحدهما الروح، والآخر الجسد، وإنه تعذبت الروح في هذه الحياة لأنها تستريح في الحياة الثانية، لسرى عنه شيء كثير من عذاب النفس، واضطراب الفكر، بسبب ذله وخضوعه، مع ما كان يراه في نفسه من الامتياز الأدبي والديني عن الشعوب التي كانت تذله".
يقرر رينان في هذا أن اليهود ما كانوا يقولون كاليونان أن الإنسان جسم وروح، ولقد يؤيد هذا ما جاء في التوراة التي بأيديهم في تفسير النفس بأنها دم، فقد جاء فيها: "لا تأكلوا دم جسم ما، لأن نفس كل جسد هي دمه"، إذن لم يكن اليهود يعرفون الروح على إنها شيء غير الجسم. فلما جاء عيسى من غير أب. وكان إيجاده بروح من خلق الله، كما قال تعالى {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} كان ذلك الإيجاد الذي لم يكن العامل فيه سوى ملك من الأرواح نفخ في جيب مريم، فكان الإنسان من غير بذرة الإنسان وجرثومته. كان ذلك إعلاناً لعالم الروح بين قوم أنكروها، ولم يعرفوها، فكان هذا قارعة قرعت حسهم ليدركوا الروح، وكان آية معلمة لمن لم يعرف الإنسان إلا إنه جسم لا روح فيه، وهذه آية الله في عيسى وأمه عليهما السلام.



بعثة عيسى عليه السلام ومعجزاته



10- بعث عيسى عليه السلام ، ولم يرد في القرآن الكريم ، ولا في الآثار الصحاح بيان السن التي بعث عند بلوغها عليه السلام. ولكن ورد في بعض الآثار إنه بعث في سن الثلاثين ، وهي السن التي تذكر الأناجيل المعتبرة عند النصارى إنه بعث على رأسها ، ويصح لنا أن نفرض أنه بعث في هذه السن على هذا الأساس .
بعث عيسى عليه السلام يبشر بالروح . وعجز الملاذ التي استغرقت النفوس في تلك الأيام ، واستولت عليها ، ويبشر بعالم الآخرة ، ولقد أيده الله بمعجزات ، وأن ولادته نفسها معجزة ، كما جاء في الملل والنحل للشهرستاني ، فقد قال - رحمه الله - في ذلك : " كانت له آيات ظاهرة . وبينات زاهرة ، مثل أحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص ، ونفس وجوده وفطرته آية كاملة على صدقه ، وذلك حصوله من غير نطفة سابقة ".
ومعجزاته التي ذكرها القرآن الكريم تتلخص في خمسة أمور ، جاء ذكر أربعة منها في سورة المائدة في قوله تعالى : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي } ... إلى قوله تعالت كلماته : { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ }.
ويستبين من هذه الآيات الكريمة أربع معجزات :
الأولى : إنه يصور من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله ، أي أن الله سبحانه وتعالى خلق على يديه طيراً من الطين ، فالخالق هو الله سبحانه وتعالى ، ولكن جرى الخلق على يد عيسى ، وينفخ من روحه عليه السلام بإذن الله تعالى.

الثانية : إحياؤه عليه السلام الموتى بإذن الله جلت قدرته ، والمحيي في الحقيقة هو الله العلي القدير ، ولكن أجرى الأحياء على يد المسيح عليه السلام ، ليكون ذلك برهان نبوته ، ودليل رسالته.
الثالثة : إبراؤه عليه السلام الأكمه والأبرص ، وهما مرضان تعذر على العالم قديمه وحديثه العثور على دواء لهما ، والتمكن من أسباب الشفاء منهما ، ولكن عيسى بقدرة الله شفاهما ، وبرئ المريضان برقيته ، فكان ذلك دليلاً قائماً على رسالته عليه السلام.
الرابعة : إنزال المائدة من السماء بطلب الحواريين ، لتطمئن قلوبهم ، وليعلموا أن قد صدقهم.
وهناك خمسة ذكرت في سورة آل عمران ، وهي أنباؤه عليه السلام بأمور غائبة عن حسه ، ولم يعاينها ، فقد كان ينبئ صحابته وتلاميذه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. وقد ذكر الله تعالى في قوله في قوله تعالى حاكياًً عنه { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }.


الحكمة من كون معجزاته عليه السلام من ذلك النوع:



11- هذه معجزات عيسى عليه السلام، وهنا يتساءل القارئ: لماذا كانت معجزاته عليه السلام من ذلك النوع؟ يجيب عن ذلك ابن كثير في كتابه البداية والنهاية بقوله: "كانت معجزة كل نبي في زمانه بما يناسب أهل ذلك الزمان فذكروا أن موسى عليه السلام كانت معجزاته مما يناسب أهل زمانه، وكانوا سحرة أذكياء، فبعث بآيات بهرت الأبصار، وخضعت لها الرقاب، ولما كان السحرة خبيرين بفنون السحر وما ينتهي إليه. وعاينوا ما عاينوا من الأمر الباهر الهائل الذي لا يمكن صدوره إلا ممن أيده الله، وأجرى الخارق على يديه تصديقاً له أسلموا سراعا، ولم يتلعثموا: وهكذا عيسى ابن مريم بعث في زمن طبائعية الحكماء، فأرسل بمعجزات لا يستطيعونها ولا يهتدون إليها، وإني لحكيم إبراء الأكمه الذي هو أسوا حالاً من الأعمى والأبرص والمجذوم ومن به مرض مزمن، وكيف يتوصل أحد من الخلق إلى أن قيم الميت من قبره، وغير هذا مما يعلم كل أحد إنه معجزة دالة على صدق من قامت به، وعلى قدرة من أرسله،
وهكذا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعليهم أجمعين بعث في زمن الفصحاء البلغاء، فأنزل الله عليه القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. فلفظه معجزة تحدى به الأنس والجن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة، وقطع عليهم بأنهم لا يقدمون لا في الحال، ولا في الاستقبال، فلم يفعلوا، ولن يفعلوا، وما ذلك إلا لأنه كلام الخالق - عز وجل -، والله لا يشبهه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.


ما نراه حكمة صحيحة:



12- من هذا الكلام يستفاد أن معجزة المسيح كانت من نوع إبراء المرضى الذين يتعذر شفاؤهم وإحياء الموتى، لأن القوم كانوا على علم بالطب الطبيعي وكانوا فلاسفة في ذلك، فجاءت المعجزة من جنس ما يعرفون، ليكون عجزهم حجة عليهم، وعلى غيرهم ممن هم دونهم في الطب، ولكن رينان الفيلسوف المؤرخ الفرنسي يقرر أن اليهود ما كانوا على علم بالطب الطبيعي فيقول: "كانت صناعة الطب في المشرق في ذلك الزمان كما هي اليوم، فإن اليهود في فلسطين كانوا يجهلون هذه الصناعة التي وضعها اليونان منذ خمسة قرون قبل ذلك التاريخ، وكان قد ظهر قبل ذلك بأربعة قرون ونصف كتاب لأبقراط أبي الطب موضوعه العلة المقدسة يعني الهستريا، وفيه وصف هذه العلة، وذكر دوائها، إلا أن اليهود في فلسطين كانا يجهلون صدور هذا الكتاب، وكان في اليهودية في ذلك الزمان كثيرون من المجانين، وربما كان ذلك ناشئاً من شدة الحماسة الدينية.
فاليهود الذين بعث المسيح بين ظهرانيهم لم يكونوا على علم إذن بالطب، أو الطب الطبيعي على رأي ذلك الفيلسوف المؤرخ.
وفي الحق أن الذي نراه تعليلاً مستقيماً لكون معجزات السيد المسيح عليه السلام جاءت على ذلك النحو هو مناسبة ذلك النوع لأهل زمانه، لا لأنهم أطباء، فناسبهم لن يكون المعجزة مما يتصل بالشفاء والأدواء، بل لأن أهل زمانه كان قد سادهم إنكار الروح في أقوال بعضهم، وأفعال جميعهم، فجاء عليه السلام بمعجزة هي في ذاتها أمر خارق للعادة، مصدق لما يأتي به الرسول وهي في الوقت ذاته إعلان صادق للروح، وبرهان قاطع على وجودها، فهذا طين مصور على شكل طير، ثم ينفخ فيه فيكون حياً، ما ذاك إلا لأن شيئاً غير الجسم وبيس من جنسه فاض عليه، فكانت معه الحياة، وهذا ميت قد أكله البلى، وأخذت أشلاؤه في التحلل، وأوشكت أن تصر رميماً، أو صارت, يناديه المسيح عليه السلام، فإذا هو حي يجيب نداء من ناداه، وما ذاك إلا لأن روحاً غير الجسم الذي غيره البلى حلت فيه بذلك النداء، ففاضت عليه الحياة، وهكذا. فكانت معجزة عيسى عليه السلام من جنس دعايته، وتناسب أخص رسالته، وهو الدعوة إلى تربية الروح، والإيمان بالبعث والنشور، وأن هناك حياة أخرى يجازى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، إن خبرا فخبر، وإن شرا فشر. وهل ترى أن معجزة إحياء الموتى تسمح لمنكر الآخرة بالاستمرار في إنكاره أو تسمح لجاحد البعث والنشور أن يستمر في جحوده. وقد أسلفنا لك القول أن اليهود كان يسود تفكيرهم عدم الاعتراف بوجود الآخرة. وعدم الإيمان باليوم الآخر. إن لم يكن بالقول فبالعمل. فكان إحياء الموتى صوتاً قوياً يحملهم على الإيمان حملاً. ولكنهم كانوا بآيات الله يجحدون.


تلقي اليهود لدعوته:



13- بعث عيسى عليه السلام بتلك البينات، وأيد رسالته بتلك المعجزات وإنها باهرة تخرس الألسنة، وتقطع الطريق على منكري رسالته. لو كان الدليل وحده هو الذي يهدي النفوس الضالة، والقلوب الشاردة، ولكن القوم الذين بعث فيهم كانوا غلاظ الرقاب، قساة القلوب فكانت مهمته شاقة، إذ حاول هدايتهم، لأن منهم من علم الديانة رسوماً وتقاليد يتجهون إلى الأشكال والمظاهر منها. دون الاتجاه إلى لبها وغايتها. حتى لقد كان منهم من يحجم عن عمل الخير في يوم السبت زاعماً إنه داخل في عموم النهي عن العمل فيه، فإذا جاء المسيح داعياً إلى أن ينظروا إلى إصلاح القلب، يدل الأخذ بالمظاهر والأشكال فإنه لا شك يصدم هؤلاء فيما يألفون وفيما وجدوا سابقيهم.
واليهود قوم عكفوا على المادة، واستغرقتهم، واستولت على أهوائهم ومشاعرهم حتى لقد كان نساكهم وسدنة الهياكل عندهم، وقد فاتهم العمل على كسب المال من أبوابه الدنيوية - يجمعون المال من نذور الهياكل. والقرابين التي يتقرب بها الناس. ويحرصون على ذلك أشد الحرص. فكانوا يأخذون القرابين من أشد الناس حاجة وأفقرهم. فجاء المسيح وندد بهذا.
ولقد أتخذ بنو إسرائيل من تدينهم المزعوم بدين موسى والأنبياء من بعده - وزعمهم أن لهم منزلة دينية لا يساميهم فيها أحد - اتخذوا من هذا ما يصح أن يسمى أرستقراطية دينية؟ فزعموا أن لهم المكانة السامية. ولغيرهم المنزل الدون، ولو اعتنقوا الديانة اليهودية، وآمنوا برسالة موسى. فكانت هناك طائفة يقال لها السامرة، وكان الإسرائيليون يعاملون آحادها، كأنهم المنبوذون. فلما جاء عيسى عليه السلام. وسوى بين بني البشر في دعايته أنكروا عليه ذلك وناصبوه العداء.
ولقد كانوا يجعلون لأحبارهم وعلماء الدين فيهم المنزلة السامية والمكانة العالية دون الناس. فجاء المسيح وجعل الناس جميعاً سواء أمام ملكوت الله.


مناوأة اليهود له:


14- لكل هذا تقدم اليهود لمناوأة المسيح. وقليل منهم من اعتنق دينه وآمن به. وأخذوا يعملون على منع الناس من سماع دعايته. فلما أعيتهم الحيلة. ورأوا أن الضعاف والفقراء يجيبون نداءه، ويلتفون حوله مقتنعين بقوله - أخذوا يكيدون له. ويوسوسون للحكام بشأنه، ويحرضون الرومان عليه، ولكن الرومان ما كانوا يلتفتون إلى المسائل الدينية. والخلافات المذهبية بين اليهود، بل تركوا هذه الأمور لهم يسوونها فيما بينهم، واليهود يريدون أن يغروا الرومان بعيسى كيفما كان الثمن. فبثوا حوله العيون يرصدونه، ويتسقطون قوله بشأن الحكومة والحكام. عساهم يجدون كلمة له يتعلقون بها وينقلون بها للحاكم الروماني، فلم يجدوا لأن المسيح ما كان يدعو إلا إلى إصلاح الجانب النفسي الخلقي ولم يكن قد اتجه إلى إصلاح الحكومة بعد. ولما ضاقت بهم الحيلة كذبوا عليه، وانتهى الأمر إلى أن تمكنوا من حمل الحاكم الروماني على أن يصدر الأمر بالقبض عليه، والحكم عليه بالإعدام صلباً.


نهاية المسيح في الدنيا:

[b]بعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــده **

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالجمعة يونيو 17, 2011 5:26 pm

نهاية المسيح في الدنيا:

15- وهنا نجد القرآن الكريم يقرر أن الله لم يمكنهم من رقبته، بل نجاه الله من أيديهم: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} ، وبعض الآثار تقول أن الله ألقى شبهه على يهوذا، ويهوذا هنا هو يهوذا الاسخريوطي الذي تقول الأناجيل عنه إنه هو الذي دس عليه، ليرشد القابضين إليه، إذ كانوا لا يعرفونه، وقد كان أحد تلاميذه المختارين في زعمهم.
ولقد وافق هذا إنجيل برنابا موافقة تامة، ففيه: "ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع - سمع يسوع دنو جم غفير، فلذلك انسحب إلى البيت خائفاً، وكان الأحد عشر نياما، فلما رأى الله الخطر على عبده أمر جبريل وميخائيل ورفائيل وأذريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم فجاء الملائكة الأطهار، وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب، فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبح الله إلى الأبد ... ودخل يهوذا بعنف إلى الغرفة التي أصعد منها يسوع، وكان التلاميذ نياما، فأتى الله العجيب بأمر عجيب، فتغير يهوذا في النطق وفي الوجه، فصار شبيهاً بيسوع حتى أننا اعتقدنا أنه يسوع، أما هو فبعد أن استيقظ أخذ يفتش لينظر أين المعلم، لذلك تعجبنا، وأجبنا أنت يا سيدي معلمنا، انسيتنا الآن ... إلخ".
والأناجيل المعتبرة عند المسيحيين لم تختلف في شيء كاختلافهم في قصة الصلب، فلكل رواية بشأنها.



المسيح بعد نجاته:

16- لم يصلب المسيح بنص القرآن، ولكن شبه على القوم، لقوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} وقوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} وإذا كان المسيح عليه السلام لم يصلب، فما هي حاله بعد ذلك؟ اختلف في هذا الشأن مفسرو القرآن، عجلهم على أن الله سبحانه وتعالى رفعه بجسمه وروحه إليه، وأخذوا
بظاهر قوله تعالى في مقابل القتل، بل رفعه الله إليه، وببعض آثار قد وردت في ذلك، وفريق آخر من المفسرين، وهم الأقل عدداً، قالوا: إنه عاش حتى توفاه الله تعالى كما يتوفى أنبياءه، ورفع روحه إليه كما ترفع أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء، وأخذوا في ذلك بظاهر قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} ومن ظاهر قوله تعالى: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} ولكل من المختلفين وجهة هو موليها، ولا نريد أن ندخل في تفصيل حجج الفريقين وترجيح أحداهما على الأخرى، فلذلك موضع ليس هذا مقامه.
17- ويزعم بعض الناس أن المسيح عليه السلام قد هاجر إلى الهند، وإنه عاش فيها. حتى استوفى أجله، ومات هناك، وله قبر، ولقد جاء في تفسير المنار ما نصه: "وجد في بلدة سرى نكرا مقبرة فيها مقام عظيم يقال إنه مقام نبي جاء بلاد كثير من زهاء ألف وتسعمائة سنة، ويسمى يوز آسف ويقال أن اسمه الأصلي عيسى، وإنه نبي من بني إسرائيل، وإنه ابن ملك، وأن هذه الأقوال مما يتناقله أهل تلك الديار عن سلفهم، وتذكر في كتبهم، وإن دعاة النصرانية الذين رأوا ذلك المكان لم يسعهم إلا أن قالوا أن ذلك القبر لأحد تلاميذ المسيح أو رسله" هذا ما جاء في تفسير المنار، وقد ذكر أن نقله عن غلام أحمد القديانى الهندي، وهو راو يشك في صدقه.
هذا. وإن القرآن الكريم لم يبين ماذا كان من عيسى بين صلب الشبيه ووفاة عيسى أو رفعه على الخلاف في ذلك، ولا إلى أين ذهب، وليس عندنا مصدر صحيح يعتمد عليه، فلنترك المسألة: ونكتفي باعتقادنا اعتقادا جازماً أن المسيح لم يصلب، ولكن شبه لهم.



ما نزل بالمسيحيين من اضطهاد

19- هذا هو المسيح كما جاء في كتبهم وتعاليمهم ، ولا نريد أن نخوض في بيان خلافاتهم حوله ، ولا بيان اختلافهم في تفسير هذه العقيدة ، ولا في تفصيل مجملها قبل أن نبين ما نزل بالمسيحيين بعد المسيح ، ولكنا سارعنا إلى بيان اعتقادهم الذي استقروا عليه في المسيح ليوازن القارئ بين ما جاء في القرآن الكريم ، وما جاء في أناجيلهم وتعاليمهم .
ونعود بعد ذلك إلى ما يوجبه البحث العلمي ، وهو تتبع العقيدة في نموها ، وفي استقامتها أو انحرافها بعد صاحبها ، وتمهيداًً لذلك نبين ما نزل بالمسيحيين بعده ، لكي يستبين القارئ مقدار السند بين الديانة . وصاحبها مع هذه الأحداث ، وليعرف الفلسفة التي عاصرت المسيحية ومقدار اتصالهما
اتفقت المصادر شرقية وغربية ، دينية وغير دينية : على أن المسيحيين نزل بهم بعد المسيح بلايا وكوارث ، جعلتهم يستخفون بديانتهم ، ويفرون بها أحياناً ويصمدون للمضطهدين مستشهدين أحياناً أخرى ، وهم في كلتا الحالتين لا شوكة لهم ، ولا قوة تحميهم ، وتحمي ديانتهم وكتبهم ، وإنهم في وسط هذه الاضطهادات يذكرون إنه دونت أناجيلهم الأربعة التي يؤمنون بها ، ودونت رسائلهم !!
وأول اضطهاد نزل بالمسيحيين كان في عهد المسيح ، وانتهى بالخاتمة التي بيناها ، ولقد نزلت من بعده الشدائد بالمسيحيين بما يتفق مع هذا الابتداء . فلقد جاء قيصران بعد طيباروس الذي عاصر المسيح ، كانا شديدين على تلاميذه ، وقتلا منهم قتلا ذريعاً ، وفي زمن ثانيهما دون متى إنجيله بالعبرية ، وترجمه يوحنا صاحب الإنجيل إلى اليونانية ، على رواية ابن البطريق كما سنتبين ، ولم يكن الاضطهاد في عهد هذين القيصرين من الرومان فقط ، بل كان من اليهود أيضاً ، وإذا هم أمكن : وتنقيبهم عن العقيدة أدخل . لأنهم من الشعب ومخالطوهم ومعاشروهم ، فهم بداخلهم أعرف .
وأشد ما نزل من أذى كان في عهد شيرون (سنة 64م) وتراجان سنة 106م وديسيون (249 - 251م) ودقلديانوس (سنة 280م) ، فنيرون هاج الشر عليهم ، وأنزل البلاء والعذاب بهم . واتهمهم بأنهم الذين أحرقوا روما ، فأخذهم بجريرتها . وكانت السنوات الأربع الأخيرة عذاباً أليماً لهم . فقد تفنن هو وأشياعه في هذا العذاب ، حتى لقد كانوا يضعون بعضهم في جلود الحيوانات ويطرحونهم للكلاب فتنهشهم ، وصلبوا بعضهم ، وألبسوا بعضهم ثياباً مطلية بالقار ، وجعلوها مشاعل يستضاء بها ، وكان هو نفسه يسير في ضوء تلك المشاعل الإنسانية .
وفي عصر نيرون هذا دون إنجيل مرقس سنة 61 على رواية ، وكان بمصر وقد كتبه عنه بطرس وهو برومة وكتب أيضاً لوقا إنجيله في عهد هذا القيصر ، وفي ابتداء هذا الإنجيل ينص على إنه يراسل به تاوفيلس ، ليؤكد له صحة الكلام ، وتاوفيلس هذا رجل من عظماء الروم وأشرافهم ، وفي عصر هذا القيصر أو بعده دون يوحنا إنجيله .
وفي عهد تراجان نزلت بهم آلام ، لأنهم قد جرت عادتهم بالصلاة في الخفاء وهربا من الاضطهاد ، وقد أمر تراجان بمنع الاجتماعات السرية ، فأنزل بهم الذل والعذاب لذلك ، ولأنهم مسيحيون لا يدينون بدين القيصر .
جاء في كتاب تاريخ الحضارة " لقد كتب بلين - وكان والياً في آسيا - إلى الإمبراطور تراجان كتاباً يدل على الطريقة التي كان بها المسيحيون ، قال" جريت مع من اتهموا بأنهم نصارى على الطريقة الآتية وهو إني اسألهم إذا كانوا مسيحيين فإذا أقروا أعيد عليهم السؤال ثانية وثالثاً مهدداً بالقتل ، فإن أصروا أنفذت عقوبة الإعدام فيهم ، مقتنعاً بأن غلطهم الشنيع ، وعنادهم الشديد ، يستحقان هذه العقوبة ، وقد وجهت التهمة إلى كثيرين بكتب لم تذيل بأسماء أصحابها ، فأنكروا إنهم نصارى ، وكرروا الصلاة على الأرباب الذين ذكرت أسماءهم أمامهم ، وقدموا الخمور والبخور لتمثال أتيت به عمداً مع تماثيل الأرباب ، بل إنهم شتموا المسيح ، ويقال إن من الصعب إكراه النصارى الحقيقيين ، ومنهم من اعترفوا بأنهم نصارى ، ولكنهم كانوا يثبتون بأن جريمتهم في إنهم اجتمعوا في بعض الأيام قبل طلوع الشمس على عبادة المسيح على إنه رب ، وعلى إنشاد الأناشيد إكراماً له ، وتعاهدوا بينهم لا على ارتكاب جرم ، بل على ألا يسرقوا ، ولا يقتلوا ، ولا يزنوا ، وأن يوفوا بعهدهم ، ورأيت من الضروري لمعرفة الحقيقة أن أعذب امرأتين ذكروا إنهما خادمتا الكنيسة ، بيد إني لم أقف على شيء سوى خرافة سخيفة مبالغ فيها" .
وهذا الكتاب كاشف كل الكشف عما كان يحدث للنصارى في عهد ذلك القيصر من اضطهاد وتعذيب ، وتنقيب عن القلب وخبيئة النفس .
ولم ينقطع الاضطهاد بعد موت تراجان ، بل استمر ، وإن أخذت الرأفة بعض القياصرة ، خلف من بعده خلف ينزلون عذاباً مرا يزيل أثر كل رحمة سابقة كانت نسبية حتى جاء ديسيوس فأنزل بهم من البلاء ما تقشعر من هوله الأبدان ، ولنترك القلم لبطريرك الإسكندرية ، يصف بعض ما عاين من ديسيوس بعد أن ذاق بعض الرحمة من سابقه ، فهو يقول : "لم نكد نتنفس الصعداء ، حتى حلق بنا الخوف ، وحفنا الخطر ، عندما بدل ذلك الملك الذي كان أرق جانباً ، وأقل شراً من غيره ، وجاء مكانه ملك آخر ، ربما لا يجلس على كرسي المملكة حتى يوجه أنظاره نحونا فيعمل على اضطهادنا . وقد تحقق حدسنا ، عندما أصدر أمراً شديدا ، فعم الخوف الجميع ، وفر بعضهم وقد أبعد كل مسيحي من خدمة الدولة ، مهما يكن ذكاؤه ، وكل مسيحي يرشد عنه يؤتى به على عجل ويقدم إلى هيكل الأوثان ، ويطلب منه تقديم ذبيحة للصنم ، وعقاب من يرفض تقديم الذبيحة أن يكون هو الذبيحة, بعد أن يجتهدوا في حمله بالترهيب . . . . ومن ضعاف الإيمان من أنكر مسيحيته, واقتدى به البعض ، ومنهم تمسك بأذيال الفرار ، أو من زج به في غيابات السجون" .
وهكذا يقص ذلك القسيس ما نزل بهم مما انتهى به الأمر إلى فراره هو ، وقد كتب يعتذر عن ذلك إلى بعض من أبلوا بلاء حسناً ، ولم يلوذوا بالفرار .

ولم يكن البلاء مقصوراً على مصر ، بل كان يتتبع المسيحيين في الدولة الرومانية حيثما ثقفوا ، وأينما كانوا .
ولي بعد ديسيوس من أوقع البلاء وأنزله بالمسيحيين ، ولكن كان أشد هؤلاء وأبلغهم أذى وأنكأهم بطشاً - دقلديانوس الذي جاء إليهم ، بعد أن خف العذاب عنهم قليلاً ، وقد رجوا فيه خيراً ، وأملوا منه أن يكون عوناً ، لأن مدير خاصته مسيحي ، ولكنه كان أشد من غيره على المسيحيين ، وخصوصاً المصريين ، وذلك لأن المصريين رأوا أمماً تحللت من حكم الرومان ، ودكوا أغلاله ، فاقتدوا بهم ، ونزعوا إلى السير في طريق الحرية والاستقلال ، وساروا فيه ، وعقدوا الإمرة لواحد منهم ، فجاء دقلديانوس إلى مصر ، وأنزل بها البلاء ، وأزال استقلالها ، وأعاد فتحها ، وكانت كثرتها في ذلك الإبان مسيحية ، وقد أمر بهدم الكنائس ، وإحراق الكتب ، وأصدر أمراً بالقبض على الأساقفة والرعاة ، وزجهم في غيابات السجن ، وقهر المسيحيين وحملهم على إنكار دينهم ، وقد استشهد في هذا الوقت عدد كبير من الأقباط تجاوزت عدتهم أربعين ومائة ألف ، وعدهم بعض المؤرخين ثلاثمائة ألف ، ولكثرة ما استشهد من شهداء وما نزل من بلاء كانت ولاية دقلديانوس حادثاً ذا خطر في شأن مصر فجعلوه مبدأ تقويمهم ، وذلك في سنة 284 ميلادية .
وقد استمر البلاء ينزل من قياصرة الروم حتى جاء عهد قسطنطين . يمنا وبركة على المسيحيين ، لا على المسيحية كما سنبين .



موازنة بين المسيح في القرآن الكريم والمسيح في المسيحية الحاضرة

18- { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }. وتلك ديانته كما جاء بها ، ودعا إليها ، فما الذي عرض لها من بعده ، وما الذي أدخل عليها بعد أن رفع إلى ربه ؟ ... أول ما أدخل على هذه الديانة هو ما يتعلق بشخص المسيح عليه السلام ، ولنسارع في بيان اعتقادهم في المسيح بإيجاز ، ثم بعد ذلك نبين الأدوار التاريخية التي مرت بتاريخ المسيحيين. ومحاولين ما استطعنا أن نبين مصادر هذه الاعتقادات التي تتعلق بالمسيح ، ثم بقوانينهم الكنسية.
يعتقد المسيحيون أن الله سبحانه وتعالى أوصى آدم بألا يأكل من الشجرة ، فأكل منها بإغواء إبليس ، فاستحق هو وذريته العذاب ، ولكن الله سبحانه وتعالى رحمة منه بعبادة جسد كلمته ، وهي ابنه الأزلي تجسداً ظاهراً ، ورضي بموته على الصليب ، وهو غير مستحق لذلك ، لكي يكون ذلك فداء الخطيئة الأولى ، ولم يكن في استطاعة أحد أن يقوم بذلك الفداء سوى ابن الله وابن الإنسان معاً ، وكان ذلك الابن ، وهذا الفداء هو المسيح عيسى ولد مريم العذراء.
أرسل الله إليها ملاكه جبريل ، وبشرها بأن المسيح مخلص الدنيا يولد منها ، وإن الروح القدس يحل فيها ، فتلد الكلمة الأزلية ، وتصير والدة الإله. وقد ولد ببيت لحم ، إذ كان قد ذهب إليها يوسف النجار خطيب مريم الذي لم يتركها بعد أن حملت : لرؤيا رآها في منامه تمنعه من ذلك ، لأن بيت لحم بلده ، فذهب إليها ومعه مريم ليقيد اسمه في الإحصاء العام الذي أمر به الرومان.
ولد المسيح في خان قد نزل فيه يوسف ومريم ، ولفقرهما لم يجدا مأوى لهما في الخان سوى مكان الدواب. ولقد قمطته وأضجعته في مذود البقر .
وفي ليلة ميلاده ظهر ملاك لجماعة من الرعاة كانوا يحرسون قطعانهم في الحقول المجاورة لبيت لحم ، فرأوا بغتة جمهورا من الملائكة مسبحين قائلين " المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة " فترك الرعاة القطعان ، وذهبوا إلى المكان الذي دلهم عليه الملائكة ، فرأوا الطفل في المذود ، .... وهو يمجدون الله ، ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوا ، كما قيل لهم .
وقد ختن المسيح لما مرت ثمانية أيام من وقت ولادته ، وسمى يسوع . أي المخلص في زعمهم كما سماه الملاك عند التبشير به.

ولقد حدث بعد ولادته بأيام أن وفد إلى أورشليم جماعة من حكماء المجوس وعلمائهم ، قالوا إنه لاح لهم في السماء نجم عرفوا من مرآه بما أوتوا من علمهم وما عندهم من آثار ونبوات إنه نجم مولود جديد هو ملك اليهود المنبأ به فعزموا على الرحيل إليه ، ليسجدوا له ، وحملوا معهم هدايا من الذهب واللبان والمر . وكانوا في مسيرهم يسيرون والنجم الذي رأوه يهديهم إلى الطريق هم ومن معهم من خدم ، حتى جاءوا إلى المدينة ، وسألوا عن مكان الملك المولود ، فلما علم هيرودس ملك اليهود بأمرهم دعاهم إليه ، واستطلع طلعهم ، وتعرف أمرهم فقصوا عليه قصصهم وما ابتعثهم إلى الضرب في الأرض . والمجيء إلى أورشليم ، فسرى إلى نفسه الخوف على ملكه من هذا الوليد ، ثم دعا إليه كهنة اليهود وكتبتهم ، وسألهم أين يولد المسيح ، فقالوا : في بيت لحم اليهودية حسب النبوءات فقال للمجوس . اذهبوا إلى بيت لحم ، ومتى وجدتم الصبي فأخبروني لأسجد له ، قال ذلك ، وأخفى في نفسه أمراً لم يبده ، فذهبوا والنجم يتقدمهم ، ووجدوا الصبي يسوع وأمه ، فسجدوا له ، وقدموا هداياهم ، وفي هذا الوقت ظهر ملاك الرب في الحلم ليوسف ، وقال له قم وخذ الصبي وأمه ، وأهرب إلى مصر ، لأن هيرودس يطلب الصبي ليقتله ، ففعل كما أمر ، وخرجت الأسرة المقدسة إلى مصر وسافر المجوس إلى بلادهم من غير أن يعرجوا على هيرودس لأنهم نهوا عن العودة إليه بوحي أوحى إليهم في حلم ، فأخذه الغيظ ، واندفع فأمر بقتل جميع أطفال بيت لحم والبلاد التي تجاوره ممن لا يتجاوز سنة سنتين . زاعماً أن يسوع لابد أن يكون أحدهم .
رحلت الأسرة المقدسة إلى مصر ونزلوا حيث يوجد الدير المحرق ، كما يعتقدون ، وبعد أن قاموا بضعة أشهر واعتزموا الرحيل ، لأن ملك الرب ظهر ليوسف في الحلم ، وقال له : قم وخذ الصبي وأمه وعد إلى اليهودية ، لأن هيرودوس الذي كان يطلب نفس الصبي قد مات ، فقاموا واتجهوا إلى فلسطين ، ومروا في طريقهم بالمطرية ، واستظلوا بشجرة هناك تسمى شجرة العذراء. وفي بعض الآثار إنه لما دخلت مريم وابنها يوسف أرض مصر ، انكفأت أصنامها وتحطمت ، وكان ذلك إتماماً لنبوة أشعياء القائلة ، "هو ذا الرب راكب على سحابة وقادم إلى مصر ، فترتجف أوثان مصر من وجهه ، ويذوب قلب مصر داخلها " سفر أشعياء - 19 : 1.

ولما عادوا إلى فلسطين أقاموا في الناصرة . ولما بلغ يسوع الثلاثين من عمره عمد في نهر الأردن ، عمده يوحنا المعمدان ، ثم صام أربعين يوماً ، ولما شرع في التبشير ظهر له الشيطان يجربه . وقال له : أعطيك هذه الدنيا إن خررت وسجدت لي : فأجابه يسوع وقال : أذهب يا شيطان . ثم تركه إبليس . وإذا ملائكة قد جاءت وصارت تخدمه ، وبعد هذه التجربة صار في طريق التبشير . فلازمه حواريوه الاثنا عشر ، واختار معهم سبعين أرسلهم مثنى مثنى إلى قرى اليهود والجليل للتبشير . ثم أقام ثلاث سنوات يبشر ، ويأتي بالمعجزات المثبتة لألوهيته في زعمهم ، يشفى المريض ويفتح أعين العميان ، ويخرج الأرواح النجسة ... وينهر الرياح إذا ثارت ، والبحر إذا اصطخب بالأذى ، وقذف بالزبد ، فيهدآن .
ولما رأى اليهود أن الأمر يكاد يفلت من أيديهم تشاوروا لكي يصطادوه ، وتآمروا عليه ، وشكوه ظلماً ، وكذبوا عليه ، ثم أمسكوا به وأسلموه إلى بيلاطس حاكم فلسطين من قبل الرومان . فقضى عليه بالموت صلباً ، فصلب في زعمهم ودفن . وبعد أن مكث في القبر ثلاثة أيام قام في الفصح ، ومكث أربعين يوماً أرتفع بعدها إلى السماء أمام تلاميذه الذين عينهم لنشر ديانته ، إذ قال لهم : " أذهبوا إلى العالم ، وكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ، وعمدوهم باسم الأب والابن وروح القدس ".
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالجمعة يونيو 17, 2011 5:31 pm


أثر الاضطهادات في الديانة

20- هذه هي الاضطهادات التي قارنت المسيحية في نشأتها وفي تكوينها وليداً وفي تدرجها ، وفي عصر تدوينها ورواية كتبها ، وهي مع أسباب أخرى جعلت بعض العلماء يبحثون عن قيمة هذه الكتب ، وجعلت بعض علماء المسيحيين أنفسهم يعتذرون عن بعض الاضطراب في الأناجيل بأنها دونت في عصور اضطهاد المسيحية الأولى ، بل أن مناظريهم يقررون بأن تلك الاضطهادات كانت سبباً في فقد سندها المتصل بصاحب الشريعة . يقول الشيخ - رحمه الله - الهندي في كتابه إظهار الحق : "طلبنا مراراً من علمائهم التحول إلى السند المتصل فما قدروا عليه ، وأعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم ، فقال : أن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة ، وتفحصنا كتب الإسناد لهم ، فما رأينا فيها شيئاً غير الظن ، يقولون بالظن ، ويتمسكون ببعض القرائن . وقد قلت أن الظن في هذا الباب لا يغني شيئاً ، فما داموا لم يأتوا بدليل شاف ، وسند متصل فمجرد المنع يكفينا , وإيراد الدليل في ذمتهم لا في ذمتنا " . وفي الحق أن تلك الاضطهادات جعلت كل عمل يقومون به في شئونهم الدينية - وخاصة ما كان متصلاً ببيان الشريعة يقومون به سراً لا جهراً ، وفي خفية من العيون المتربصة ، والأعداء المترقبين ، والسرية يحدث في ظلمتها ما يجعل العقل غير مطمئن إلى ما يحكى عما يحدث فيها ، فيتظنن في كل ما يروى عنها ، ولا مانع من أن يدس على اجتماعاتها ما لم يجر فيها ، وينقل عن أشخاصهم ما لم يقولوه ، ويتسامع الجمهور أموراً ما حدثت في تلك الاجتماعات ، ولا قالها حاضروها ، فإذا جرى الشك والريب فيما دون من كتب المسيحية التي فقدت سندها بسبب هذا الاضطهاد ، والتي كتبت في ظلمة السرية ، يكون قد وقع حيث وجدت دواعيه ، وقامت شواهده .



الفلسفة الرومانية والمسيحية

21- ولقد كان من المسيحيين من يفرون بدينهم ، ومنهم من يظهر الوثنية ويبطن المسيحية ، ومنهم من دخل النصرانية وفي رأسه تعاليم الوثنية لم تخلع منه ولم تزايله ، وإن زايلها بعقله المدرك فعقله الباطن ما زال مستقراً لها ومكمناً تكمن فيه ، وهؤلاء لا شك أثر تفكيرهم في المسيحية التي لم يكن لها قوة تحميها ولا شكيمة تعقل النفوس إلى حظيرتها .
وإن التاريخ يروى لنا إنه في القرن الثاني ، والثالث ، والرابع الميلادي قد دخل الرومان والمصريون أفواجاً أفواجاً في المسيحية . فمن حق العلم أن نحكي ما كان يسيطر على هذه الأمم من أفكار ، وما كان يسود تفكيرها من منازع عقلية ودينية ، ولا نعتمد في ذلك إلا على ما أثبته تاريخ العلم والفلسفة ، وما أجمع عليه المؤرخون .
يحكى التاريخ أن مدينة الرومان لم تكن متناسقة تناسقاً اجتماعياً ، فلم يكن توزيع الثروة فيها توزيعاً يتحقق معه العدل الاجتماعي ، فبينما ترى ترفا ورخاء لمن أفاءت عليهم الدولة بالفئ والغنائم والأسلاب من الفتوح الرومانية ، ترى ألوف الألوف من الناس قد حرموا ما يتبلغون به في حياتهم ، فاستولى عليهم الإحساس بالظلم ، والسخط على الحياة ، والتململ بها ، والناس لا يشقون لآلامهم وحرمانهم بمقدار ما يشقون لسعادة غيرهم التي امتنعت عليهم ، وكذلك كانت آلام سواد الرومان ، ولولا الإيمان بحياة مستقبلية ، يستمتعون فيها بما حرموا منه في هذه الحياة ، لضاقت الصدور بما يجلجل في القلوب ، ولانفجرت في ثورة اجتماعية ، لكن توجت هذه النفوس إلى الإيمان بعالم علوي ، واعترف الإنسان بعجزه التام عن معرفة نفسه وإسعادها ، إذا اعتمد على تفكيره فقط ، لذلك رجعوا إلى الدين .
وفي هذا الوقت أراد الفلاسفة أن يحلوا فلسفتهم محل الأديان ، إذ أخذت التماثيل والأوثان تفقد قوة تأثيرها ، ولم يعد لها سلطان في تصريف سلوك الإنسان ، وفقدت معابدها ما كان لها من روعة وقوة ، فاعتور النفس الرومانية حينئذ عاملان ، كلاهما فيه قوة وبأس ، فشعورهم بالبأساء والآلام يجعلهم في حاجة إلى عزاء من الدين ، وسلوى باليوم الآخر ، وملاذ إلى حياة روحية ، والفلسفة - بما لها من سلطان العقل - لما وجدت الأوثان تسقط قيمتها أرادت أن تحل محلها ، حينئذ التحمت الفلسفة بالشعور الديني ، أو التقت الفلسفة والدين ، ولم يكن التقاؤهما عداوة وخصاماً ، بل كان محبة وسلاماً ، فكانت تلك الحال داعية اتصال بينهما ، لا داعية افتراق .
قال غندليند في ذلك : "أن الفلسفة استخدمت نظريات علوم اليونان لتهذيب الآراء الدينية ، وترتيبها ولتقدم الشعور الديني اللجوج فكرة في العالم تقنعه . فأوجدت نظماً دينية من قبيل ما وراء المادة تتفق مع الأديان المتضادة اتفاقاً يختلف قلة وكثرة" .
هذه كلمة ذلك الفيلسوف نقلها عنه صاحب كتاب المبادئ الفلسفية ، فما هذه الأديان المتضادة التي ألفت بينها الفلسفة ، وجعلت من نغماتها المختلفة نغمة واحدة مؤتلفة ؟

إن التاريخ يقص علينا أن الأديان التي كانت في بلاد الرومان ناشئة : الوثنية الرومانية ، واليهودية ، والمسيحية الناشئة ، فهل عملت الفلسفة على إيجاد ديانة تجمع بين المسيحية واليهودية ، وفيها وثنية ؟ وهل المسيحية التي تؤمن بالتوراة التي عند اليهود على اختلاف هين ، ويؤمن بالتثليث وألوهية المسيح وتقديس الصليب ، هي النظام الديني الجامع بين الأديان الثلاثة !! لنترك ذلك الآن . وقد وضعنا أمام القارئ المصباح الذي يرى به الطريق .


الأفلاطونية الحديثة وأثرها في النصرانية

22- ولنتجاوز رومة الرومان ولنعبر للبحر الأبيض ، ولنيمم شواطئه الجنوبية ، فهناك تجد مدينة الإسكندرية ومدرستها ، وفلسفتها التي كانت تشع على العالم كله بنور العلم ، وقد آوى إليها فلاسفة اليونان ، وتابعوا الفلسفة اليونانية ، والتي تراها تتجه اتجاهاً واضحاً إلى النواحي الدينية ، والبحث في منشئ الكون .
كان شيخ هذه المدرسة امنيوس المتوفى سنة 242 ، اعتنق في صدر حياته الديانة المسيحية . ثم ارتد عنها إلى وثنية اليونان الأقدمين ، وجاء من بعده تلميذه أفلوطين المتوفى سنة 270 وقد تعلم في مدرسة الإسكندرية أولاً ، ثم رحل إلى فارس والهند ، وهناك استقى ينابيع الصوفية الهندية, وأطلع على تعاليم بوذا وديانته ، وبراهمة الهند وديانتهم . وعرف آراء البوذيين في بوذا ، والبراهمة في كرشنة ، وقد عاد بعد ذلك إلى الإسكندرية ، وأخذ يلقي بآرائه على تلاميذه ، وجلها يتجه إلى تعرف ما وراء الطبيعة ، ومنشئ الكون .
ويلخص اعتقاده في منشئ الكون في ثلاث أمور :
(أولها) أن الكون قد صدر عن منشئ أزلي دائم لا تدركه الأبصار ، ولا تحده الأفكار ، ولا تصل إلى معرفة كنهه الإفهام .
(ثانيها) أن جميع الأرواح شعب لروح واحد وتتصل بالمنشئ الأول بواسطة العقل .
(ثالثها) أن العالم في تدبيره وتكوينه خاضع لهذه الثلاثة ، وهو تحت سلطانها ، فإنه منشئ الأشياء وهو مصدر كل شيء ، وإليه معاده لا ينصف بوصف من أوصاف الحوادث . فليس بجوهر ولا عرض ، وليس فكراً كفكرنا . . . ولا إرادة كإرادتنا ولا وصف له ، إلا أنه واجب الوجود ، يتصف بكل كمال يليق به ، يفيض على كل الأشياء بنعمة الوجود ، ولا يحتاج هو إلى موجود ، وأول شيء صدر عن هذا المنشئ في نظر أفلوطين هو العقل المصدر عنه كأنه يتولد منه ، ولهذا العقل قوة الإنتاج ، ولكن ليس مكن تولد عنه ، ومن العقل تنبثق الروح التي هي وحدة الأرواح ، وعن هذا الثالوث يصدر كل شيء ومنه يتولد كل شيء .
23- هذه هي فلسفة المعاصرين لنشأة الديانة المسيحية عندما أريد تحويلها ، وترى أن فلسفة الرومان ترمي إلى إيجاد ألفة بين الوثنية واليهودية ومسيحية المسيح عليه السلام ، كما ترى أن فلسفة الإسكندرية ترجع العالم في تكوينه وتدبيره إلى ثلاثة عناصر أو إلى ثالوث مقدس هو المنشئ الأول ، والعقل الذي تولد منه كما يتولد الولد من أبيه ، والروح الذي يتصل بكل حي ومنه الحياة . فإذا عبرنا عن المنشئ الأول بالأب ، وعن العقل المتولد عنه بالابن ، وعن الروح بروح القدس ، كما هو ثالوث النصارى الذي أخذ ببعضه مجمع نيقية ، وبكل المجامع التي جاءت من بعده ، لما خرجنا في التسمية عن الصواب ، وما كان فيها أي تسامح ، فذلك الثالوث في معناه هو ثالوث النصارى ، وإذا لم يختلف المسمى ، فلماذا يختلف الاسم ؟ .
وهنا يرد على النفس سؤال : أيهما أستقر ، وأيهما كان الينبوع ؟ هل أخذت الأفلاطونية الحديثة من النصرانية ، أم النصرانية الحاضرة هي التي أخذت عن الفلسفة ؟ إن الجواب عن هذا يقتضي تعرف السابق منهما ، فالسابق بلا ريب أستاذ اللاحق ، والزمن هو الذي يحكم ويفصل ، وسنجد فيما يلي من البحث أن مجمع نيقية هو الذي سار في تقرير هذا الثالوث ، ووضع الأساس لمن بعده ، أو بعبارة أدق قرر ألوهية الابن ، وأن جوهره هو جوهر الأب ، وقد جاء في قراره " أن الجامعة المقدسة ، والكنيسة الرسولية تحرم كل قائل بوجود زمن لم يكن ابن الله موجوداً فيه ، وإنه لم يوجد قبل أن يولد ، وإنه وجد من لا شيء ، أو من يقول أن الابن وجد من مادة أو جوهر غير جوهر الأب ، وكل من يؤمن إنه خلق ، أو من يقول إنه قابل للتغير " (1) .
------------
(1) اطلع زميلنا المرحوم الأستاذ الدكتور / محمد يوسف موسى الأستاذ بكلية أصول الدين سابقا على هذا الاستنباط التاريخي فقال : إنه يوافق ما استنبطه بعض المستشرقين ، ثم ترجمه ، وتفضل فأرسل إلينا نصَّ الترجمة وهاهي ذي ، ننشرها مع بحثنا شاكرين له - رحمه الله - فضل تعاونه :



محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالجمعة يونيو 17, 2011 5:34 pm


التثليث ليس من المسيحية بل من الفلسفة الإغريقية

1- كانت المشكلة الفلسفية التي واجهت أولاً الإغريق هي : "ما مبدأ كل شيء ؟" "وباجتهاد الفلسفة في الإجابة عن هذا السؤال إجابة محدودة ومقنعة شيئاً فشيئاً كان لنا تلك المذاهب الفلسفية التي تتابعت في تاريخ الفلسفة الإغريقية . هذه فلسفة بدأت طبيعية مع الفلاسفة الأيونيين ، ثم أخذت فكرة التوحيد في الظهور على أيدي سقراط ، وأفلاطون ، وأرسطو ، بحيث رأى هؤلاء أن المبدأ الذي صدر عنه العالم هو الله الواحد الذي لم يتغير ، على غموض في تعيين هذه الصفات ونحوها مما يصح أن يتصف بها .
ولكن بمقدار تبين هذه المعارف والمعلومات عن الله كانت تكبر الصعوبة الأساسية التي اصطدمت بها المذاهب التي سبق سقراط : كيف تصدر الأشياء عن مبدئها ؟ كيف يمكن أن يخرج الكثير - أي العلم - من الواحد ، والمتغير من الذي لا يتغير ؟ وإنه كلما قرب المبدأ الأول من الوحدة الحق بصيرورته روحياً ، ومن عدم التغير الحق بصيرورته كاملاً ، تتسع الهوة التي تفصله عن العالم وكثرته وتصير أكبر عمقاً ، كما يصبح عسيراً فهم كيف يبرز الله العالم للوجود ويحركه .
2- إذا كان الله واحداً وحدة مطلقة كيف يمكن أن يخلق الكثرة المختلفة دون أن يقبل في ذاته كثرة بأي وجه من الوجوه ؟
وإذا كان كماله المطلق يقتضي عدم التغير ، كيف تفهم إنه في وقت ما أوجد العالم دون أن يلحقه تغير ، مع إنه أنتقل من حالة عدم العمل إلى حالة العمل ؟ هنا تظهر عبقرية العقل الآري! الواحد البريء من التغير لا يمكن أن يصدر عنه العالم المتكثر المتغير مباشرة ، يجب إذن أن تتوسط بينهما وسائط أزلية متدرجة حسب نظام ميتافيزيقي .
3- كان أفلاطون أول من أدرك تلك المشكلة وأول من أدرك هذا الحل الذي وجب على العقل الإغريقي فيما بعد - بعد إنضاجه طويلاً - أن يجتمع نهائياً عليه ، أعني عقيدة ثلاثة أقانيم أو عقيدة التثليث - ص 70 - 71 .
4- هذا المذهب أو هذه العقيدة التي تمثلها عقل أفلاطون ، وأن أدركها إدراكاً فيه نوع غموض ، ليس إلا عقيدة التثليث المشهورة =

وهذا المجمع كان في سنة 325 بعد الميلاد ، والمسيحيون قبله كانوا على اختلاف كبير جداً ، ويكفي للدلالة على هذا الاختلاف أن الذين حضروا المجمع نيف وأربعون بعد الألفين ، وهم على آراء مختلفة ، ولم يجمع أعضاء هذا المجمع على نحلة واحدة ، أما عقيدتهم في الابن وقولهم إنه تولد عن المنشئ من غير زمن بينهما كما يقول الفلاسفة ، وإنه من جوهر أبيه ، كما يقولون لم تسد إلا بعد ذلك المجمع ، وسيأتي لذلك فضل بيان إن شاء الله تعالى ، وعلى ذلك يكون تثليث المسيحية كحقيقة مقررة متأخرا عن أفلوطين لأن أفلوطين توفى سنة 270 بعد الميلاد كما علمت ، والتثليث
------------
= ومن السهل إدراك الغرض منها : الاحتفاظ لله بالكمال المطلق والبراءة من التغير ، جعله يضع بينه وبين العالم وسيطين يعتبران دونه خارجين عنه ، وعلى نحو ما داخلين فيه ، أي تتضمنهما ذاته - صادرين عنه ، دون في الكمال ، ويجعلانه ممكناً أن يصدر عن الله العالم الكبير المتغير ، أو هذين الوسيطين العقل ، وثانيهما الروح الإلهية - ص 73 - 74 .
5- وهكذا كان التزاوج بين العقيدة اليهودية والفلسفة الإغريقية لم ينتج فلسفة فقط ، بل أنتج معها ديناً أيضاًَ ، أعني المسيحية التي تشربت كثيراً من الآراء والأفكار الفلسفية عن اليونان . ذلك أن اللاهوت المسيحي مقتبس من نفس المعين الذي كانت فيه الأفلاطونية الحديثة (يريد فلسفة أفلاطون التي كانت المعين الأصلي للفلسفة الأفلاطونية الحديثة) ولذا نجد بينهما (أي اللاهوت المسيحي والأفلاطونية الحديثة) . مشابهات كبيرة ، وإن افترقا أحياناً في بعض التفاصيل ، فإنهما يرتكزان على عقيدة التثليث ، والثلاثة الأقانيم واحدة فيهما - ص 93 .
6- أول هذه الأقانيم هو مصدر كل كمال ، والذي يحوي في وحدته كل الكمالات ، وهو الذي دعاه المسيحيون الأب . والثاني أو الابن هو الكلمة . والثالث هو دائماً الروح القدس - ص 92 - 94 .
وعلى إنه يجب أن يلاحظ (وهذا بعض ما يفرق اللاهوت المسيحي عن الأفلاطونية الحديثة) أن الأقانيم الثلاثة ليست في نظر هذا المذهب متساوية في الجوهر والرتبة . بينما هي متساوية عند المسيحية . فالابن الذي يتولد من الأب لا يمكن أن يكون أدنى منه كمالاً . وإلا صار من طبيعة الكامل أن يصدر اضطراب منه غير الكامل . وهذا حط من رتبته . وكذلك الروح القدس مساو للأب والابن - ص 49 .
كل هذه النقول من كتاب : "مقدمة (أو المدخل لدراسة) الفلسفة الإسلامية" تأليف المستشرق المعروف ليون جوتيه طبع باريس عام 1923 .

لم يتكامل إلا في آخر القرن الرابع ، والمتقدم أستاذ المتأخر كما يرجح العقل وكما يوجبه الظن الذي لا يعد من الإثم .
ولقد ترى ذلك الظن عند بعض علماء أوربا ، حتى شك بعضهم في حياة المسيح وقالوا إنه شخص خرافي لم يوجد ، أراد بعض فلاسفة الأفلاطونية الحديثة أن يفرضوه ، ليجعلوا من آرائهم ديانة يعتنقها العامة ، وتسود الكافة ، وقد تم لهم ما أرادوا ، ولكنا نحن المسلمين لا تقر ذلك كله ، لما فيه من إنكار وجود المسيح الذي نؤمن به ، ونزل بخبره الوحي الأمين وإن كنا نصدق لبه .



الكتاب المقدس لدى النصارى يشمل التوراة والأناجيل ، ورسائل الرسل

وتسمى التوراة (أسفارها الموسوية وغيرها) كتب العهد القديم ، وتسمى الأناجيل ، ورسائل الرسل كتب العهد الجديد ، فمن العهد القديم يعرفون أخبار العالم في عصوره الأولى ، وأجياله القديمة ، وشرائع اليهود الاجتماعية والدينية ، وتاريخ نشأتهم ، وحكوماتهم وحوادثهم ، والنبوات السابقة منذ هبوط الإنسان على هذه الأرض ، والبشارات بالنبيين اللاحقين ، وبالمسيح ، وفيها يجدون أدعية متوارثة تعين على أداء العبادات ، والقيام بالطقوس الدينية كمزامير داود ، ولنترك الكلام في التوراة وأسفارها فلذلك موضعه من الدراسة للديانة اليهودية ، بيد إنه يجب أن يلاحظ أن بعض الأسفار المعتبرة عند اليهود مرفوضة عند المسيحيين ، لعدم اعتقادهم بصحة الوحي فيها.

الأناجيل

25- أما كتب العهد الجديد فهي التي تعنينا في هذا البحث ، ويهمنا أن نجلي أمرها ، ونعرف حقيقتها ، وأولها الأناجيل.
والأناجيل المعتبرة عندهم أربعة : إنجيل متى ، وإنجيل مرقس ، وإنجيل لوقا ، وإنجيل يوحنا.
ومكان الأناجيل في النصرانية مكان القطب والعماد ، وإذا كانت شخصية المسيح وما حاطوها به من أفكار هي شعار المسيحية ، فإن هذه الأناجيل هي المشتملة على أخبار تلك الشخصية ، من وقت الحمل إلى وقت صلبه في اعتقادهم وقيامته من قبره بعد ثلاث ليال ، ثم رفعه بعد أربعين ليلة ، وهي بهذا تشتمل على عقيدة ألوهية المسيح في زعمهم ، والصلب والفداء ، أي إنها تشتمل على لب المسيحية في نظرهم بعد المسيح ومعناها.
وهذه الأناجيل الأربعة هي التي تعترف بها الكنائس ، وتقرها الفرق المسيحية وتأخذ بها ، ولكن التاريخ يروى لنا إنه كانت في العصور الغابرة أناجيل أخرى ، قد أخذت بها فرق قديمة ، وراجت عندها ، ولم تعتنق كل فرقة إنجيلها ، فعند كل من أصحاب مرقيون ، وأصحاب ديسان إنجيل يخالف بعضه هذه الأناجيل ، ولأصحاب مانى إنجيل يخالف هذه الأربعة ، وهو الصحيح في زعمهم ، وهناك إنجيل يقال له إنجيل السبعين ينسب إلى تلامس ، والنصارى ينكرونه ، وهناك إنجيل أشتهر باسم التذكرة ، وإنجيل سرن تهس ، ولقد كثرت الأناجيل كثرة عظيمة ، وأجمع على ذلك مؤرخو النصرانية ، ثم أرادت الكنيسة في آخر القرن الثاني الميلادي ، أو أوائل القرن الرابع أن تحافظ على الأناجيل الصادقة - في اعتقادها - فاختارت هذه الأناجيل الأربعة من الأناجيل الرائجة إبان ذلك.
ولقد يذكر بعض المؤرخين إنه لم توجد عبارة تشير إلى وجود أناجيل متى ومرقي ولوقا ويوحنا قبل آخر القرن الثالث. وأول من ذكر هذه الأناجيل الأربعة أرينيوس في سنة 209. ثم جاء من بعده كليمنس اسكندريانوس في سنة 216 ، وأظهر أن هذه الأناجيل الأربعة واجبة التسليم ، ولم تكتف الكنيسة باختيار هذه الأناجيل الأربعة ، بل أرادت الناس على قبولها لاعتقادها صحتها ، ورفض غيرها ، وتم لها ما أرادت فصارت هذه الأناجيل هي المعتبرة دون سواها.
ولقد كنا نود ونحن ندرس المسيحية وأدوارها في التاريخ أن نعرف هذه الأناجيل التي أهملت ، وما كانت تشتمل عليه. مما كان سبباً في رفضها ، وحمل الناس على تركها ، وخصوصاً أنها كانت رائجة. ويأخذ بها طوائف من المسيحيين ويتدينون هذه الديانة على مقتضاها ، فإن الإطلاع عليها يمكننا من معرفة اعتقاد الناس في المسيح ، وكيف كان ، خصوصا بين أولئك الذين قاربوا عصره ، وأدركوا زمانه ، ولقوا تلاميذه ، ونهلوا من مناهلهم ، وإذ ضن التاريخ بحفظ نسخ منها ، فقد كنا نود أن تطلعنا الكنيسة على ما اشتملت عليه مما يخالفها ، وما كان من سبب رفضها ، وترينا حجة الرفض ، لتكون دليلاً مغيراً لها على إنها بهذا أقامت ديانة المسيح ولم تغيرها ، ولكن ضن التاريخ علينا ، فطوى تلك الأناجيل ، وضنت الكنيسة فطوت تلك البيانات ، فلم يبق لنا إلا أن نكتفي من الدراسة مما بين أيدينا ، لعل فيه غناء إن أنعمنا النظر وأمعنا في الاستنباط وجعلنا لقضية العقل سلطاناً ، ومن بدهياته برهاناً.

الأناجيل لم يملها المسيح ولم تنزل عليه

26- وهذه الأناجيل الأربعة لم يملها المسيح ، ولم تنزل عليه هو بوحي أوحى إليه ، ولكنها كتبت من بعده - كما رأيت - وتشتمل على أخبار يحيى (يوحنا المعمدان) والمسيح ، وما كان منه ، وما أحاط بولادته من عجائب وغرائب ، وما كان يحدث منه من أمور خارقة للعادة ، ولا تحدث من سواه من البشر ، وما كان يحدث له من أحداث ، وما كان يجرى بينه وبين اليهود ، وما كان يلقيه من أقوال وخطب وأحاديث وأمثال ومواعظ ، وفيها قليل من الشرائع التي تتعلق بالزواج والطلاق ، ثم أخبار المؤامرة عليه ، واتهامه والقبض عليه ، ومحاكمته ، سواء أكانت تلك المحاكمة أمام اليهود ، ثم أمام الرومان ، ثم فيها الحكم عليه بالموت صلباً ، وصلبه بالفعل فيما يعتقدون ، وفيها أيضاً قيامته من قبره ، ومكوثه أربعين يوماً ، ثم رفعه إلى السماء. وفي الجملة هي تشتمل على أخبار المسيح وصلواته. وأقواله وعجائبه ، كم بدايته إلى نهايته في هذا العالم. وهذا - كما قلنا - لب المسيحية ومعناها ، لأن فيها النواة الأولى لألوهية المسيح ، وعقيدة النصارى فيه ، ولنتكلم على كل إنجيل من هذه الأناجيل تبين تاريخ تدوينه ، وتعرف بمؤلفه ، ومكانته من المسيح.



إنجيل متى

27- وقد كتبه متى ، وهو أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر ، ويسميهم المسيحيون رسلاً ، وقد كان قبل اتصاله بالمسيح من جباة الضرائب ، وكانوا يسمون في ذلك العهد عشارين ، ولقد كان جابيا للرومان في كفر ناحوم من أعمال الجليل بفلسطين ، وكان اليهود ينظرون للجباية نظر ازدراء ، لأنها تحمل صاحبها على الظلم ، أو على الأثل تحمله على العنف ، والعمل فيها معين للدولة الرومانية المغتصبة التي تحكم البلاد بغير رضا أهلها ، ولكن السيد المسيح اختاره تلميذاً من تلاميذه كما جاء في إنجيله ، ففي الإصحاح التاسع منه : "وفيما يسوع يجتاز من هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية ، واسمه متى ، فقال له : اتبعني ، فقام وتبعه ، وبينما هو متكئ في البيت إذا عشارون وخطاة كثيرون قد جاءوا ، واتكئوا مع يسوع وتلاميذه.

فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه : لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة ؟ فلما سمع يسوع قال لهم : لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب ، بل المرضى ، فاذهبوا وتعلموا ما هو ، إني أريد رحمة لا ذبيحة ، لأني لم آت لأدعو أبراراً ، بل خطاة إلى التوبة".
ولما صعد المسيح إلى ربه جال متى للتبشير بالمسيحية في بلاد كثيرة. ومات في سنة 70 ببلاد الحبشة على أثر ضرب مبرح أنوله به أحد أعوان ملك الحبشة. وفي رواية أخرى إنه طعن برمح في سنة 62 بالحبشة بعد أن قضى بها نحو ثلاث وعشرين سنة داعياً للمسيحية مبشراً بها ، فموطن دعايته كما يروي مؤرخو المسيحية هو الحبشة.
إنجيل متى كتب بالعبرية ولن يعرف إلا باليونانية وجهل المترجم :
28- وقد اتفق جمهورهم على إنه كتب إنجيله بالعبرية أو السريانية ، كما اتفقوا على أن أقدم نسخة عرفت شائعة رائجة كانت باليونانية ، ولكن موضع الخلاف في تاريخ تدوينه ، ومن الذي ترجمه إلى اليونانية ، فمن المتفق عليه منذ أكثرهم أن متى كتب إنجيله بالعبرانية ، وذلك لأنه كتبه لليهود ببشر بالمسيحية بينهم ، وليقرأه مؤمنوهم بها ، قال جيروم : "أن متى كتب الإنجيل باللسان العبري في أرض يهودية للمؤمنين من اليهود " وقال غيره " أن متى كتب الإنجيل باللسان العبري. وهو الذي أنفرد باستعمال هذا في تحرير العهد الجديد ".
وإذا انتقلنا إلى تاريخ تدوين هذا الإنجيل وترجمته نرى ميدان الخلاف فسيحاً ، فنجد ابن البطريق يذكر إنه دون في عهد قلوذيوس قيصر الرومان من غير أن يعين السنة التي كتب فيها.
ويذكر أن الذي ترجمه يوحنا ، فيقول في ذلك : "في عصر قلوديوس كتب متاوس (متى) إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس . وفسره من العبرانية إلى اليونانية يوحنا صاحب الإنجيل ".
وهنا نجده لم يعين السنة التي كتب فيها الإنجيل ، بل عين الملك الذي كتب في عهده ، وهذا الملك لم يكن هو الذي عاصر المسيح ، ولا الذي يليه. بل الذي عاصر المسيح وصلب - على زعمهم - في عهده طيباريوس ،

وولي من بعده غابيوس ، وملك أربع سنين وثلاثة أشهر ، ثم جاء من بعده قلوديوس وملك أربع عشرة سنة ، فيحتمل تدوين هذا الإنجيل أن يكون في آخر العشرة الرابعة من ميلاد المسيح ، ويحتمل أن يكون في أول أو آخر العشرة الخامسة أو أوائل السادسة. فكلام ابن البطريق يحتمل كل هذا ، وقال جرجس زوين اللبناني فيما ترجمه عن الفرنسية ، " أن متى كتب مشارته في أورشليم في سنة 39 للمسيح على ما ذهب إليه القديس أيونيموس ، والسبب في ذلك على ما ذهب إليه القديس ابيفانيوس أنه كتبه إما إجابة لليهود الذين آمنوا بالمسيح ، أو إجابة لأمر الرسل ، ولم يكتب إنجيله باليونانية بل العبرانية على زعم اوسيبيوس في تاريخه ، وقد وافق اسيبيوس القديس ايرنيموس ، إذ أن بانتيوس قد ذهب ليكرز بالإيمان المسيحي في الهند ، فوجد إنجيلاً لمتى الرسول مكتوباً بالعبرانية ، فجاء به إلى الإسكندرية ، وبقى محفوظاً في مكتبه قيصرية إلى أيامه ، لكن هذه النسخة العبرانية قد فقدت ، وبعد فقدها ظهرت ترجمتها في اليونانية " أ هـ. وفي هذا يعين الكاتب تاريخ السنة الذي دون فيها الإنجيل ، ولكن لا يعين المترجم . بل يذكر إنه غير معروف ، بينما نرى ابن البطريق يعين إنه يوحنا صاحب الإنجيل المسمى باسمه .
ويقول بالنسبة لتاريخ التدوين صاحب كتاب ( مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين ) : "أن متى بموجب اعتقاد جمهور المسيحيين كتب إنجيله قبل مرقس ولوقا ويوحنا ، ومرقس ولوقا كتبا إنجيلهما قبل خراب أورشليم . ولكن لا يمكن الجزم في أية سنة كتب كل منهم بعد صعود المخلص ، لأنه ليس عندنا نص إلهي على ذلك ".
وقال صاحب ذخيرة الألباب : " أن القديس متى كتب إنجيله في السنة 41 للمسيح باللغة المتعارفة يومئذ في فلسطين ، وهي العبرانية أو السبروكلدانية ... ثم ما عتم هذا الإنجيل أن ترجم إلى اليونانية . ثم تغلب استعمال الترجمة على الأصل الذي لعبت به أيدي النساخ الأيونيين ومسخته بحيث أضحى ذلك الأصل خاملاً ، بل فقيداً ، وذلك منذ القرن الحادي عشر".
وقال الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس ، مخالفاً جمهور المتقدمين في إنه بالعبرانية أو السربانية : " أن هناك من يقول إنه كتب باليونانية ، ثم يرجح إنه لف باليونانية مخالفاً بذلك إجماع مؤرخيهم . ثم يقول بالنسبة لتاريخ تدوينه : " ولا بد أن يكون هذا الإنجيل قد كتب قبل خراب أروشليم " ويظن البعض أن الإنجيل الحالي كتب ما بين سنة 60 وسنة 65". والحق أن باب الاختلاف في شأن التاريخ لا يمكن سده ، ولا يمكن ترجيح رواية ، ولا جعل تاريخ أولى من تاريخ بالإتباع ، وذلك يقول هورن : " ألف الإنجيل الأول سنة 37 أو سنة 38 أو سنة 41 أو سنة 43 أو سنة 48 أو سنة 61 أو سنة 62 أو سنة 63 أو سنة 64 من الميلاد". ونقول نحن : "يجوز غير ذلك ، والجمهور على إنه كتب بغير اليونانية ، ولكن لم يعرف غيرها ، ولم يعرف جمهرة المؤرخين من يكون المترجم ، وفي أي عصر ترجم ، وقد علمت أن ابن البطريق يذكر أن يوحنا هو الذي ترجمه إلى اليونانية ، ولكن لا نجد أحدا من المؤرخين أيده ، بل أن الكثيرين منهم يقولون : " إنه لم يعرف المترجم ".

أثر جهل تاريخ التدوين والمترجم

29- لا شك أن جهل تاريخ التدوين ، وجهل النسخة الأصلية التي كانت بالعبرية ، وجهل المترجم وحاله من صلاح أو غيره ، وعلم بالدين واللغتين التي ترجم عنها والتي ترجم إليها ، كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي ، ولئن تسامح الباحث في تاريخ التدوين ، وتاريخ الترجمة وملابساتها ، ليمنعنه المسلم من الاسترسال في التسامح ، حتى لا يرى أن السلسلة تكون كاملة إذا لم يعرف الأصل الذي ترجم ، فلقد وددنا أن نعرف ذلك الأصل ، لنعرف أكانت الترجمة طبق الأصل ، أم فيها انحراف ، ولنعرف أفهم المترجم مرامي العبارات ومعانيها ، سواء أكانت هذه المعاني تفهم بظاهر القول أو بإشاراته ، أم بلحن القول وتلويحاته ، أم بروح المؤلف وغرضه ، ومرماه الكلي من الكلام ، ولكن عز علينا العلم بالأصل ، ولقد كنا نتعزى عن ذلك لو عرفنا المترجم ، وإنه ثبت ثقة أمين في النقل ، عالم لا يتزيد على العلماء ، ففيه في المسيحية حجة فيها ، عارف للغتين فاهم لهما ، مجيد في التعبير بهما ، فعندئذ كنا نقول : ثقة روي عن ثقة بترجمته ، ونسدد الخلة بتلك الرواية ، ونرأب الثلمة بتلك النظرة ، ولكن قد امتنع هذا أيضاً ، فقال جمهرة علمائهم : أن المترجم لم يعرف ، فبقيت الثلمة من غير ما يرأبها.

محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالجمعة يونيو 17, 2011 5:38 pm


إنجيل مرقس

30- يقول المؤرخون أن اسمه يوحنا ويلقب بمرقس ، ولم يكن من الحواريين الاثني عشر الذين تتلمذوا للمسيح ، واختصهم بالزلفى إليه ، وأصله من اليهود ، وكانت أسرته بأورشليم في وقت ظهور السيد المسيح ، وهو من أوائل الذين أجابوا دعوته ، فاختاره من بين السبعين الذين نزل عليهم روح القدس في اعتقادهم من بعد رفعه ، وألهموا بالتبشير بالمسيحية ، كما ألهموا مبادئها. ويقول صاحب كتاب تاريخ الأمة القبطية : " وقد أجمعت تقاليد الطوائف المسيحية على أن الرب يسوع كان يتردد على بيته ، وإنه في هذا البيت أكل النصح مع تلاميذه ، وفي إحدى غرفه حل الروح القدس على التلاميذ ". وجاء في سفر الأعمال : " أن الرسل بعد صعود السيد المسيح كانوا يجتمعون في بيته " ولقد لازم مرقس خاله برنابا (وهو من الرسل) وبولس الرسول في رحلتها إلى أنطاكية وتبشيرهما بالمسيحية فيها ، ثم تركها بعد ذلك ، وعاد إلى أورشليم ، ثم التقى مرة أخرى بخاله ، واصطحبه إلى قبرص ، ثم افترقا ، فذهب إلى شمال أفريقية ودخل مصر في منتصف القرن الأول ، فأقام بها وأخذ يدعو إلى المسيحية التي كانت أخبارها قد سبقته إليها ، وقد وجد في مصر أرضاً خصبة لقبول دعوته ، فدخل فيها عدد كبير من المصريين ، وكان يسافر من مصر أحياناً إلى رومة وأحياناً إلى شمال أفريقية ، ولكن مصر كانت المستقر الأمين له ، فأستمر بها إلى أن ائتمر به الوثنيون ، فقتلوه بعد أن سجنوه وعذبوه ، وكان ذلك سنة 62 من الميلاد ، وقد جاء في كتاب مروج الأخبار في تراجم الأبرار أن مرقس كان ينكر ألوهية المسيح هو وأستاذه بطرس الحواري ، وقد جاء في ذلك الكتاب عن مرقس : " صنف إنجيله بطلب من أهالي رومية ، وكان ينكر ألوهية المسيح ".


اللغة التي كتب بها إنجيل مرقس وتاريخ تدوينه والاختلاف فيه وفي الكتاب :

31- وقد كتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية ، ولم نر أحداً من كتاب المسيحيين ناقض ذلك ، وقد ذكر الدكتور بوست في كتابه (قاموس الكتاب المقدس) إنه كتب الإنجيل باليونانية ، وشرح فيه بعض الكلمات اللاتينية وأخذ من ذلك إنه كتب في رومة. ويجئ مثله في تاريخ ابن البطريق ، خفيه : " وعصر تارون قيصر كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس عن مرقس في مدينة رومية ، ونسبه إلى مرقس ".
ونوجه نظر القارئ إلى ما قاله ابن البطريق من أن الذي كتب الإنجيل هو بطرس عن مرقس ، ونسبه إليه ، فكان بطرس راوي مرقس ، مع أن الأول رئيس الحواريين - كما يقول ابن البطريق - والثاني من تلاميذه ، كما جاء في كتاب مروج الأخبار في تراجم الأبرار. وإذا كان ذلك الإنجيل خلاصة علمه بالمسيحية ، فإذا رواه عنه أستاذه ، فقد روى هذا عن مرقس ما ألقاه عليه وعلمه ، وإن ذلك لغريب ، ولقد ذكر هذا الأمر صاحب مرشد الطالبين : " قد زعم إنجيل مرقس كتب بتدبير بطرس سنة 61 لنفع الأمم الذين كان ينصرهم بخدمته ". وقد ذكر الأمر بلفظ الزعم ، كأنه لا يصدقه ، وإنه لا يراه مقبولاً ، كما نراه غريباً ، ولكن هكذا يذكر الرواة . وبجوار هؤلاء الذين يقولون أو يزعمون أن إنجيل مرقس كتب بتدبير من بطرس ، وبولس ، فقد قرر الكاتب أرينيوس : " أن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس ".
وفي الحق أن ذلك الاختلاف ، وإن كان زمنياً في ظاهره ، هو في معناه ولبه ، اختلاف في شخص المحرر لهذا الإنجيل . فابن البطريق ، وهو من المؤرخين المسيحيين الشرقيين يقرر أن الذي كتبه هو بطرس عن مرقس ، ونسبه إليه ، وأرينيوس يقرر أن الذي كتبه هو مرقس من غير تدبير بطرس ، لأنه كتبه بعد موته. فمن الكاتب إذن ؟ ليس بين أيدينا ما ترجح به إحدى الروايتين على الأخرى!. ولنتجاوز هذا إلى تاريخ كتابة ذلك الإنجيل ، فنجدهم أيضاً قد اختلفوا في زمان تأليفه. وقد قال في ذلك هورن : " ألف الإنجيل الثاني سنة 56 وما بعدها إلى سنة 65 والأغلب إنه ألف سنة 60 أو سنة 63" ، ويقول صاحب كتاب المرشد الطالبين : إنه كتب سنة 61.


إنجيل لـــــــــوقــــــــــــــــا

32- يقولون : إن لوقا ولد في أنطاكية ، ودرس الطب ، ونجح في ممارسته ولم يكن من أصل يهودي ، ولقد رافق بولس في أسفاره وأعماله ، وجاء في رسائل بولس ما يشير إلى هذه الرفقة ، وتلك الأزمة. ففي الإصحاح الرابع من رسالته إلى كولوسي يقول : " ويسلم عليكم لوقا الطبيب الحبيب " ، وفي الإصحاح الرابع من رسالته الثانية إلى أهل تيموتاوس يقول : " لوقا وحده معي " ، وفي رسالته إلى أهل فليمون يقول : "مرقس وارسترخس وديماس ولوقا العاملون معي ". من هذا كله يفهم أن لوقا هذا هو الأنطاكي ، الطبيب ، ومثل هذا جاء في تاريخ ابن البطريق ، ويستنبط القس إبراهيم سعيد من كون لوقا طبيباً معاني كثيرة تسمو بإنجيله ، فيقول : " وكان لوقا طبيباً ، وهذه المهنة لها قيمتها الخاصة لأنها تلقي على حياة لوقا نورا ساطعاً ، فترينا إياه الرجل العلمي العملي المدقق المحقق ، الرقيق الأسلوب ، الجميل الديباجة ، لأن الرومان لم يسمحوا في وقتهم لأحد أن يتعاطى مهنة الطب ، إلا لمن جاز امتحانات عدة على جانب عظيم من الصعوبة والدقة والخطورة " ، ثم يبين : " أن كونه طبيباً قد سرد ولادة المسيح من غير أب سرداً طبيعياً هادئاً من غير محاولة التدليل على جوازه ، يؤخذ منه أن ذلك ليس ضد العلم ، وإن كان فوق متناول العالم ، وليس ضد الطبيعة ، وإنه فوق مجرى الطبيعة ". ويرجح - كما قال كثيرون - إنه ولد بأنطاكية ، ولكن الدكتور بوست يقرر إنه لم يكن أنطاكيا ، ويبين أن الذين يقولون إنه أنطاكي وعموا ذلك أو ظنوه من اشتباهه بلوكيوس ، فيقول : ظن بعضهم إنه (لوقا) مولود في أنطاكية إلا أن ذلك ناتج من اشتباهه بلوكيوس . وزعم بوست إنه كان رومانيا نشأ بايطاليا. ومهنة الطب التي نسب إليها ليست أيضاً موضع اتفاق ، لأن بين المؤرخين المسيحيين من يقرون إنه كان مصوراً .
ومن هذا يتبين أن الباحثين ليسوا على علم يقيني بمولد وصناعة كاتب هذا الأنجيل ، فمن قائل إنه انطاكي ولد بانطاكية ، ومن قائل إنه روماني ولد بايطاليا ، ومن قائل إنه كان طبيباً ، ومن قائل إنه كان مصوراً ، وكلهم يتفقون على إنه من تلاميذ بولس ورفقائه ، ولم يكن من تلاميذ المسيح ، ولا من تلاميذ حوارييه. ولبولس هذا شأن خطير في المسيحية كما سنبين.
من كتب لهم إنجيل لوقا ، ولغته ، واختلافهم حوله :
ويختلفون أيضاً في القوم الذين كتب لهم أولاً هذا الإنجيل . فالقس إبراهيم سعيد يقول : " إنه كتب لليونان ، وإنجيل متى كتب لليهود . وإنجيل مرقس يقول كتب للرومان ، وإنجيل يوحنا كتب للكنيسة العامة ".
وإنا نجد إنجيل لوقا يبتدئ بهذه الجملة : " إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا . كما سامها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين ، رأيت أيضاً ، إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس ، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به ". وثاوفيلس هذا يقول عنه ابن البطريق إنه من عظماء الروم ، فيقول في ذلك : " وكتب لوقا إنجيله إلى رجل شريف من علماء الروم يقال له تاوفيلا. وكتب إليه أيضاً الأبركسيس الذي هو أخبار التلاميذ : وهي الرسالة المسماة أعمال الرسل ، وهناك من يقول أن ثاوفيلس هذا كان مصرياً ، لا يونانياً ، فهو قد كتب للمصريين لا لليونانيين.
ويقول الدكتور بوست في تاريخه : " قد كتب هذا الإنجيل قبل خراب أورشليم وقبل الأعمال ، ويرجح إنه كتب في قيصرية في فلسطين مدة أمر بولس سنة 58 - 60 من الميلاد غير أن البعض يظنون إنه كتب قبل ذلك ". ومن هذا يفهم أن بوست يرجح إنه ألفه وبولس حي في الأسر ، ولكن يحقق العلامة لارون إنه حرر إنجيله بعد أن حرر مرقس إنجيله ، وذلك بعد موت بطرس ، وبولس. والواقع أن باب الخلاف في تاريخ تدوين هذه الإنجيل أوسع من ذلك ، فقد قال هورن : ألف الإنجيل الثالث سنة 53 أو سنة 63 أو سنة 64.
ولا نترك هذا الإنجيل من غير أن نقول أن الباحثين قد اختلفوا في شخصية كاتبه وفي صناعته ، وفي القوم الذين كتب لهم ، وفي تاريخ تأليفه ، ولم يتفقوا إلا على إنه ليس من تلاميذ المسيح ولا تلاميذ تلاميذه. وإلا على إنه كتب باليونانية.



إنجيل يـــــــوحنــــــــا

33- لهذا الإنجيل خطر وشأن أكثر من غيره في نظر الباحث ، لأنه الإنجيل الذي تضمنت فقراته ذكراً صريحاً لألوهية المسيح ، فهذه الألوهية يعتبر هو نص إثباتها وركن الاستدلال فيها . ولذلك كان لابد من العناية به ، إذا كان التثليث هو شعار المسيحية ، وهو موضع مخالفتها لديانات التوحيد ، وأساس التباين بين هذه الديانة وتلك الديانات.

ويقول جمهور النصارى : أن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الحواري ابن زيدى الصياد الذي كان يحله السيد المسيح ، حتى إنه استودعه والدته وهو فوق الصليب ، كما يعتقدون ، وقد نفى في أيام الاضطهاد الأولى ، ثم عاد إلى أفسس ، ولبث يبشر فيها ، حتى توفى شيخاً هرما.
هذه خلاصة ما جاء بكتاب مرشد الطالبين ، ولكن بجوار هؤلاء من محققي المسيحيين من أنكر أن يكون كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الحواري ، بل كتبه يوحنا آخر لا يمت إلى الأول بصلة روحية ، وأن ذلك الإنكار لم يكن من ثمرات هذه الأجيال ، بل ابتدأ في القرن الثاني الميلادي ، فإن العلماء بالمسيحية في القرن الثاني الميلادي أنكروا نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري ، وكان بين ظهرانيهم أرينيوس تلميذ بوليكارب تلميذ يوحنا الحواري ، ولم يرد عليهم بأنه سمع من أستاذه صحة تلك النسبة ، ولو كانت صحيحة لعلم بذلك حتماً تلميذه بوليكارب ، ولأعلم هذا تلميذه ازينيوس ، ولأعلن هذا تلك النسبة عندما شاع انكارها. ولقد قال استادلين في العصور المتأخرة : " إن كامنة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية ، ولقد كانت فرقة الوجين في القرن الثاني تنكر هذا الإنجيل وجميع ما أسند إلى يوحنا ، ولقد جاء في دائرة المعارف البريطانية التي اشترك في تأليفها خمسمائة من علماء النصارى ما نصه : " أما إنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض . وهما القديسان يوحنا ومتى ، وقد ادعى هذا الكاتب المزور في متن الكتاب إنه هو الحواري الذي يحبه المسيح ، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاقتها ، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري ، ووضعت اسمه على الكتاب نصا ، مع أن صاحبه غير يوحنا يقيناً ، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه ، وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم ليربطوا ، ولو بأوهى رابطة ، ذلك الرجل الفلسفي - الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني - بالحواري يوحنا الصياد الجليل ، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى لخبطهم على غير هدى".
هذا قول بعض الباحثين من كتابهم : " ومن البدهي أن يعد المتعصبون ذلك القول خروجاً على وجه المسيحية ، ولذلك قال أحد هؤلاء المتعصبين ، وهو الدكتور بوست رادا علة هؤلاء : وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل ، لكراهتهم تعليمه الروحي ، ولاسيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح ، غير أن الشهادة بصحته كافيه ، فإن بطرس يشير إلى آية منه (2 بط 1 : 14 قال يو 21 ، 18 ، واغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه. وكذلك الرسالة إلى ديو كنيتس وباسيلوس وجوستينس الشهيد وتانياس ، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني ، وبناء على هذه الشهادات ، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه ، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم ، وهذا الأمر يعسر تصديقه ، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً ، ولا يتصل إلى علم وعمق الأفكار والصلات الموجود فيه ، وإذا قابلناه بمؤلفات الآباء رأينا بينه وبينها بونا عظيماً ، حتى نضطر للحكم بأنه لم يكن منهم من كان قادراً على تأليف كذا ، بل لم يكن بين التلاميذ من يقدر عليه يوحنا إلا يوحنا ، ويوحنا ذاته لا يستطيع تأليفه بدون إلهام من ربه ".
وإذا نظرنا إلى هذا القول نظرة فاحصة كاشفة نقسمه قسمين ، قسم يعلن به الكاتب شدة إيمانه وتعصبه بما يشتمل عليه هذا الكتاب وتقديسه. وهو القسم الذي ذكره في عجز قوله ، وهو إنه لا يستطيع احد من الآباء ، بل لا يستطيعه أحد من الحواريين ، بل لا يستطيعه الكاتب نفسه إلا بالهام من ربه ، ويلحق بهذا الجزء ما سبقه مما يماثله ، فإن من الخطأ لأن يعد ذلك برهنه واحتجاجاً ، فإنه ليس فيه أية محاولة لها ، أما القسم الثاني فهو هل يصح أن يعتبر محاولة للاستدلال وهو ما ذكر في صدر قوله ، فإنه يقرر الاتفاق بين نص جاء فيه ، ونص جاء في رسالة بطرس الثانية ، فهو يقول : أن الفقرة الرابعة من الإصحاح الأول ونصها مع الفقرة التي قبلها : "13 - ولكني أحسبه حقاً ما دمت في هذا المسكن أن أنهضكم بالتذكرة - 14 - عالماً أن خلع مسكني قريب ، كما أعلن ربنا يسوع المسيح أيضاً " موافقة للفقرة الثامنة عشرة من الإصحاح الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا ونصها : " الحق الحق أقول لك لما كنت أكثر حداثة كنت تنطق ذلك ، وتمشي حيث تشاء ، ولكن متى شخت فإنك تمد يدك ، وآخر بمنطقك ، ويحملك حيث لا تشاء ".

ونحن لا نجد موافقة بين الفقرتين لا في اللفظ ولا في المعنى ، واستولى علينا العجب من إدعاء الموافقة ، ولا جامع بينهما ، فظننا أن هناك خطأ فيما كتبه الدكتور بوست ، وقلنا لعله يريد الرسالة الأولى لا الرسالة الثانية ، فرجعنا إلى الفقرة الرابعة عشرة من الإصحاح الأول من الرسالة الأولى ، فوجدنا نصها هي وما قبلها هكذا : " لذلك منقطوا أحقاء ذهنكم صاحين فألقوا رجامكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح كأولاد الطاعة ، ولا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم ". وهنا نجد بعضا من الموافقة في اللفظ ، والموافق في المعنى ، فرجحنا إنه أراد هذه الرسالة ، وسبق قلمه فدون الثانية بدل الأول ، وعلى ذلك نناقش القول على أساسها ، وأساس المناقشة ما نعرفه من أن المتأخر إن وافق قوله من سبقه يكون قوله شهادة للسابق ، ولا يكون قول السابق شهادة له ، وأيهما اسبق تدوينا رسالة بطرس أو إنجيل يوحنا ، وقد اتفق مؤرخو النصرانية على أن بطرس قتله نيرون ، ويقول في ذلك ابن البطريق : "وأخذ نارون قيصر لبطرس فصلبه منكما وقتله ، لأن بطرس قال له : إن أردت أن تصلبني منكساً لئلا أتشبه بسيدي المسيح ، فإنه صلب قائماً " ... وعاش بطرس بعد السيد المسيح اثنتين وثلاثين سنة ، فكان بطرس قتل بعد ميلاد المسيح بنحو 65 ، لأن المسيح صلب في اعتقادهم " وله ثلاث وثلاثون سنة ، يضاف إليها اثنتان وثلاثون سنة عاشها بعده بطرس. ومن المؤكد أن إنجيل يوحنا كتب بعد ذلك ، فقد كتب سنة 95 أو سنة 98 على ما أعتمد الدكتور بوست ، فإذا وجدنا اتفاقاً بين ما كتب في هذا الإنجيل ، وما جاء في رسالة بطرس يجب أن يكون كاتب هذا الإنجيل شاهدا لبطرس ، لا أن بطرس شاهد له ، وشهادة إنجيل يوحنا لا قيمة لها ، لأنها شهادة إنجيل في نظر من أنكروه مجهول غير معروف يحتاج إلى دليل ، فلا حجة في هذا الأمر ، وعلى ذلك يكون الأمر في غيره من الشهادات ، وسنبين عند مناقشة كتبهم كثيراً من أوجه النقد فيها.

تاريخ تدوين هذا الإنجيل وسبب تدوينه

34- ولقد اختلف المسيحيون في تاريخ تدوين هذا الإنجيل اختلافاً بينا. فالدكتور بوست يرجح إنه كتب سنة 95 أو سنة 98 وقيل سنة 96 ، ويقول هرون في تاريخ تدوين ذلك الإنجيل : ألف الإنجيل الرابع سنة 68 أو سنة 69 أو سنة 70 أو سنة 89 أو سنة 98 من الميلاد" إذن فليس هناك تاريخ محرر لتدوين هذا الإنجيل ، كما إنه ليس هناك بيان قد خلص من الشك بحقيقة كاتبه ، وقد علمت ما في ذلك.
ولقد قالوا إنه كتب لغرض خاص . وهو أن بعض الناس قد سادت عندهم فكرة أن المسيح ليس إلهاً ، وأن كثيرين من فرق الشرق كانت تقرر تلك الحقيقة ، فطلب إلى يوحنا أن يكتب إنجيلاً يتضمن بيان هذه الأُلوهية ، فكتب هذا الإنجيل ، وقد قاله جرجس زوين اللبناني فيما ترجمه : "أن شيرينطوس وأبيسون وجماعتهما لما كانوا يعلمون المسيحية بأن المسيح ليس إلا إنساناً. وإنه لم يكن قبل أمه مريم فلذلك في سنة 96 اجتمع عموم أساقفة آسيا وغيرهم عند يوحنا والتمسوا منه أن يكتب عن المسيح ، وينادى بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون ، وأن يكتب بنوع خصوصي لاهوت المسيح " قال يوسف الدبس الخوري في مقدمة تفسيره : (من تحفة الجبل) أن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها ، والسبب إنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح ، فطلبوا منه إثباته وذكر ما أهمله متى ومرقي ، ولوقا في أناجيلهم ، وقال صاحب مرشد الطالبين : إنه لا يوجد اتفاق بين العلماء بضبط السنة التي فيها كتب يوحنا إنجيله ، فإن بعضهم يزعم إنه كتبه في سنة 65 قبل خراب أورشليم ، وآخرون ممن يوجد فيهم بعض الأقدمين يرون بكتابته في سنة 98 ، وذلك بعد رجوعه من المنفى ، فالقصد بكتابته إبقاء بعض مسامرات المسيح الضرورية ذات التروي مما لم يذكره باقي الإنجيليين . وأفناء لبعض هرطقات مفسدة ، أشهرها معلمون كذبة في شأن ناسوت المسيح وموته ، وخاصة ترسيخ النصارى الأوائل في الاعتقاد بحقانية لاهوت وناسوت ربهم وفاديهم ومخلصهم ، وقد قيل أن يوحنا لم يؤلف إنجيله إلا بعد صلاة عامة قلبية مع التبعية لأجل أن يوحيه الروح القديس بذلك ".

ما يستنبط من سبب كتابته

35- من هذه النقول يستفاد أن كتاب النصارى يجمعون أو يكادون على أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا كتب لإثبات أُلوهية المسيح التي اختلفوا وشأنها ، لعدم وجود نص في الأناجيل الثلاثة يعينها ، وهنا لا يسع القارئ لتلك النقول إلا أن يستنبط أمرين : (احدهما) صريح وهو أن الأناجيل الثلاثة الأولى ليس فيها ما يدل على أُلوهية المسيح ، أو هي كانت كذلك قبل تدوين الإنجيل الرابع على الأقل ، وهذه حقيقة يجب تسجيلها ، وهي أن النصارى مكثت أناجيلهم نحو قرن من الزمان ليس فيها نص على أُلوهية المسيح ، (وثانيهما) أن الأساقفة اعتنقوا أُلوهية المسيح قبل وجود الإنجيل الذي يدل عليها ، ويصرح بها ، ولما أرادوا أن يحتجوا على خصومهم ، ويدفعوا هرطقتهم في زعمهم لم يجدوا مناصاً من أن يلتمسوا دليلاً ناطقاً يثبت ذلك ، فاتجهوا إلى يوحنا ، فكتب كما يقولون إنجيله الذي يشتمل على الحجة ، وبرهان القضية ، والبينة فيها على زعمهم ، وهذا ينبئ عن أن الاعتقاد بألوهية المسيح سابق لوجود نص في الكتب عليه ، وإلا ما اضطروا اضطراراً إلى إنجيل جديد طلبوه افتقدوه ، فلما لم يجدوا طلبوا من يوحنا أن يكتبه. ولكن الواقع أن رسائل الرسل التي كتبت عن قولهم قبل هذا الإنجيل ، فيها ما ينبئ عن أُلوهية المسيح ، ويعلنها ، فلم تكن فيها حجة لا تجعلهم في حاجة ماسة إلى إنجيل جديد ، وفيها غناء من البيان يغنيهم عن سواه أم لعل تلك الرسائل المشتملة على هذه الأُلوهية كتبت بعد هذا الإنجيل ليؤيدوه بها ، وليثبت ما أتى به ، ويرسخ في نفوس المسيحيين ، ثم نسبت إلى السابقين.
هذا تنبيه مجمل اضطرنا سياق البحث لبيانه قبل أوانه ، وفي غير مكانه ، وله في البحث موضع ، يغني فيه الإجمال عن التفصيل.

هذه الأناجيل لم تزل على عيسى عليه السلام

36- هذه هي الأناجيل التي ذكرناها كما كتب النصارى ، لا كما يعتقد غيرهم ، وسنلقي عليها نظرة علمية بعد الكلام في بقية الكتب ، ولكن يجدر بنا هنا أن ننبه إلى أن هذه الأناجيل ليست نازلة على عيسى عليه السلام في نظرهم ، وليست منسوبة له. ولكنها منسوبة لبعض تلاميذه ، ومن ينتمي إليهم ، وهي تشتمل على أخبار المسيح وقصصه ، ومحاوراته ، وخطبه وابتدائه ونهايته في الدنيا كما يعتقدون هم.



محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالجمعة يونيو 17, 2011 5:41 pm


إنجيل عيسى

لكن هل هناك إنجيل غيرها يعد إنجيل عيسى ؟ وهل في كتابات الباحثين من النصارى ما يدل على ثبوت هذا الإنجيل ، وإن كنا لا نجده ؟

نجد في هذه الأناجيل عبارات تذكر كلمة إنجيل أو بشارة (وهي ترجمة لكلمة إنجيل باليونانية) مضافة أحياناً إلى المسيح على إنه ابن الله ، وأحياناً إلى الله ، وأحياناً إلى ملكوت الله ، فنرى مثلاً في إنجيل متى في الإصحاح الرابع منه ما نصه : "وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ، ويكرز ببشارة الملكوت ، ويشفى كل مرض ، وكل ضعف في الشعب " ، وبشارة الملكوت هي ترجمة كلمة إنجيل باليونانية ، ونرى في إنجيل مرقس في الإصحاح الأول منه : "وبعد ما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله ، ويقول : قد كمل الزمان ، واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل"
وجاء في رسالة بولس إلى أهل رومية في الإصحاح الأول منها : "أولاً أشكر إلهي يسوع المسيح من جهة جميعكم ، إن إيمانكم ينادي به في كل العالم ، فإن الله الذي أعبده بروجي في إنجيل ابنه شاهد لي كيف بلا انقطاع أذكركم ..." ويجيء في رسالته الأولى إلى أهل كورنئوس في إصحاحها التاسع : "بصرت الضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء ، صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوماً ، وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل ، لأكون شريكاً فيه " ففي هذا كله نجد كلمة إنجيل أو كلمة بشارة (وهي ترجمة كلمة إنجيل باليونانية) مضافة إلى ملكوت الله ، كما في إنجيل متى ومرقس ، وإنجيل الابن كما في رسالة بولس إلى أهل رومية ، وكلمة الإنجيل من غير إضافة كما في إنجيل مرقس ، ورسالة بولس إلى أهل كورنئوس الأولى ، ولا شك أن الإنجيل المذكور في كل هذا ليس واحداً من هذه الأناجيل لأنها لا تضاف إلا إلى أصحابها باتفاق النصارى ، ولأن المسيح قد وعظ بهذا الإنجيل ، كما جاء في عبارة متى التي نقلناها ، ولم يكن واحداً من هذه الأناجيل قد وجد في عهده بالاتفاق ، وليس من المعقول أن يعظ بأقواله تلاميذه ، وهم بعد لا يزالون في دور التعلم ، ولأن هذا الإنجيل قد ذكر في هذه الأناجيل على إنه كان قائماً في عهد عيسى ، ولأنه ذكر من غير نسبة كما في إنجيل مرقس ورسالة بولس الأولى إلى أهل كورنئوس ، وليس واحد من هذه الأربعة تنصرف إليه كلمة إنجيل من غير نسبته إلى صاحبه ، ولأنه ذكر في رسالة بولس إلى أهل رومية منسوباً إلى المسيح الابن ، وليس واحد من هذه الأناجيل يستحق هذا الاسم. لهذا كله نقول : ليس هذا الإنجيل واحداً منها كما تقضى بذلك طبيعة السياق ، وكما يقضى بذلك العقل ، وإذا كان الأمر كذلك ، فهل لنا أن نفهم أن هناك إنجيلاً أصيلاً نزل على عيسى وكرز به على حد تعبيرهم ووعظ. ويعتبر الأصل لهذه الديانة ؟

أقوال علماء النصرانية في إنجيل عيسى

ولقد يمهد لذلك الرأي ، ويرشح له - أننا وجدنا من مؤرخي المسيحية الأحرار الذين لم يقيدهم في بحثهم إلا العلم والحقائق التاريخية من يصرحون بأنه كانت في القرن الأول رسالة تعتبر أصلاً لهذه الأناجيل فيما جاء به المسيح ، وخلاصة أحواله ، وهذا ترجمة ما قاله نارتن في كتاب له : "قال أكهارن في كتابه : إنه كان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال إنها هي الإنجيل الأصلي ، والغالب أن هذا الإنجيل كان للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذانهم ، ولم يروا أحواله بأعينهم. وكان هذا الإنجيل بمنزلة القلب ، وما كانت الأحوال المسيحية مكتوبة فيه على الترتيب".
إذن فهؤلاء الأحرار يقررون أنه كان هناك إنجيل يعد من المسيحية بمنزلة القلب ، ولكنه غير موجود ، فهل لنا أن نقول أن ذلك الإنجيل هو المشار إليه في أقوال متى ، ومرقس ، وبولس السابقة ، وهو الذي نزل على عيسى ، أهو إنجيله و إنجيل الله ؟ ليت ، وهل ينفع شيئاً ليت ، ليت هذا الإنجيل كان قائماً ، وحرصت الكنيسة على بقائه ، وقامت بحياطته ، ليكون فيصلاً بين المختلفين ، وحكماً بين الفرق والمفترقين ، وليكون قسطاس المجامع القديمة والحديثة التي حكمت حين الانشقاق ، وليكون مصدراً علمياً لمن يكتب في المسيحية الأولى ، ويتبعها في مدارجها في أحقاب الزمن ، وملابسات التاريخ.




إنجيل بـــرنــــابـــــــا

37- لقد كتبنا خلاصة ما بينه المسيحيون في أناجيلهم الأربعة ، واستنبطنا من نصوصها ما يدل على وجود إنجيل أصيل ، هي منه الفرع من الأصل ، على أن في ذلك كلاماً قد طويناه إلى موضعه من القول ، وقد أيدنا في استنباطنا بعض الأحرار المسيحيين ، واستنبطوا قريناً مما استنبطنا ، وقبل أن نغادر الكلام في الأناجيل إلى الكلام في الرسائل يجدر بنا أن نتكلم في إنجيل جديد قد كشف عنه البحث العلمي ، وقد حمل من الأمارات ما يدل على إنه في نشأته يمتد إلى أبعد أعماق التاريخ المسيحي ، وأبعد أغواره ، وهو يشبه الأناجيل القائمة في إنه قصة المسيح من ولادته إلى اتهامه. ويحكى محاوراته ، ومناقشاته وخطبه ، ولكن الكنيسة لم تعترف به وأنكرته ، فليس معتبراً عند المسيحيين مصدراً دينياً ، ولكنه متداول بين علماء الأمم الأوربية ، وقد اتجهوا إليه بالبحث والعناية ، والاهتمام ، ولم يمنعهم من ذلك إنكار الكنيسة له. ذلك الإنجيل هو إنجيل برنايا ، ومن الحق علينا أن ندرسه ، ونعرف رأي المسيحيين فيه ، وما يؤدي إليه النظر العلمي من غير أفتيات عليهم ولا تهجم ، ومن غير أن نقحم أنفسنا فيما ليس لنا من إملاء عقيدة على القوم في دينهم.

بـــــــرنـــــــــابـــــــــــا

38- جاء ذكر برنابا في رسالة أعمال الرسل التي ينسب تدوينها إلى لوقا. فقد جاء في الإصحاح الرابع من تلك الرسالة : " ويوسف الذي دعى من الرسل برنابا الذي يترجم ابن الوعظ : وهو لاوى قبرصي الجنس ، إذ كان له حقل باعه واتى بالدراهم ، ووضعها عند أرجل الرسل " ، وجاء في الإصحاح التاسع عند الكلام عن إيمان شاول - وهذا هو الذي أشتهر بعدئذ باسم بولس الرسول - إن برنابا هو الذي شهد له بالإيمان ، وهو نص ما جاء فيه : " ولما جاء شاول إلى أورشليم حاول أن يلتصق بالتلاميذ ، وكان الجميع يخافونه غير مصدقين إنه تلميذ ، فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل . وحدثهم كيف أبصر الرب في الطريق . وإنه كلمه ، وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع " ولقد ذكر ذلك السفر أيضاً إنه كانت ترسله الكنيسة للوعظ والهداية ، وفي الإصحاح الحادي عشر : " فسمع الخبر عنهم في آذن الكنيسة التي في أورشليم . فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية ، الذي لما أتى ، ورأى نعمة الله فرح ووعظ أن يثبتوا في الرب بعزم القلب . لأنه كان رجلاً صالحاً ، وممتلئاً من الروح القدس والإيمان ، فانضم إلى الرب جمع غفير ثم خرج برنابا إلى طرسوس ليطلب شاول ، ولما وجده جاء به إلى أنطاكية ..." ، ويزعمون أن الروح القدس خاطبه واختصه بالخطاب هو وبولس (شاول) من بين الأنبياء والمعلمين ، فقد جاء في الإصحاح الثالث عشر من رسالة الأعمال : " وكان في أنطاكية في الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون : برنابا وسمعان الذي يدعى نيجر.

ولوكيوس القيرواني ، ومنابن الذي تربى مع هيروكس رئيس الربع ، وشاول.
وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس : افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه ، فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما ، فهذا ، إذ أرسلا من الروح القدس انحدرا إلى سلوكية ، ومن هناك سافرا في البحر إلى قبرص . ولما سارا في سلاميس ناديا بكلمة الله في مجامع اليهود. وكان معهما يوحنا خادماً " وقد استمر برنابا وبولس مصاحبين في التبشير بالديانة المسيحية في قبرص . وحدثت على أيديهما المعجزات ، حتى زعم الناس أنهما الهان . وجاء فيه عن بيان وقع الخبر عليهما : فلما سمع الرسولان برنابا وبولس مزقا ثيابهما ، واندفعا إلى الجمع صارخين وقائلين : " أيها الرجال لماذا تفعلون هذا ؟ نحن بشر تحت آلام مثلكم . نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها ، الذي في الأجيال الماضية ترك جميع الأمم ، مع إنه لم يترك نفسه بلا شاهد".
ومن هذا كله يتبين أن رسالة الأعمال تشهد أن برنابا كان من الرسل في اعتقادهم ، الذين أخلصوا للدعوة إلى المسيحية ، حتى باع كل ما يملك ؟ وألقى بثمنه بين أيدي الرسل يتصرفون به في سبيل نشر الدعوة ، وينفقونه في حاجات الجميع. وإنه هو الذي شهد لبولس بالإيمان. وإن الكنيسة أرسلتهما مبشرين بالمسيحية في قبرص بعد أن ارسلت برنابا وحده إلى أنطاكية ، وأن برنابا كان رجلاً صالحاً ممتلئاً من الروح ، وأن الروح القدس خصه بعناية من بين الرسل والمعلمين كما يعتقدون.
وينص بولس في رسالته إلى أهل كولوسى في إصحاحها الرابع على أن مرقس صاحب الإنجيل ابن أخت برنابا : فيقول : "يسلم عليكم ارسترخص المأسور معي ، ومرقس ابن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله أن آتى إليكم فاقبلوه".
ولقد كان مرقس هذا يصاحب وبولس قي سفرهما للدعاية والوعظ. ولقد افترقا بسبب إرادة برنابا أن يصحبهما ابن أخته في الطواف في المدن التي سبقت إليها الدعاية ، ومخالفة بولس لذلك ، ولذلك جاء في رسالة الأعمال في إصحاحها الخامس عشر ما نصه : "ثم بعد أيام قال بولس لبرنابا : لنرجع ونعتقد إخواننا في كل مدينة في كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب ، كيف هم ؟ فأشار برنابا أن يأخذ معهما أيضاً يوحنا الذي يدعى مرقس ، وأما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما من بمفيلية ، ولم يذهب معهما للعمل لا يأخذانه معهما ، فحصل بينهما مشاجرة ، حتى فارق أحدهما الآخر ، وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرص ، وأما بولس فاختار سيلا ، وخرج مستودعاً من الأخوة إلى نعمة الله".
ولقد أشرنا إلى الصلة بين برنابا ومرقس صاحب الإنجيل عند الكلام في إنجيل مرقس ، ونقلنا من كتب المسيحيين ما يدل على أن مرقس هذا ، وهو حجة عندهم باتفاق ، كان ينكر أُلوهية المسيح ، وهو وأستاذه بطرس ، وقد نقلنا عن مروج الأخبار في تراجم الأبرار ما يدل على ذلك.

محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن المرجاوى
المدير العام
المدير العام
حسن المرجاوى


الجنس : ذكر عدد المساهمات : 4067
تاريخ الميلاد : 03/06/1963
تاريخ التسجيل : 06/11/2010
العمر : 60
المزاج مصر العربيه

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالجمعة يونيو 17, 2011 5:44 pm


هل برنابا من الحواريين الاثني عشر


39- هذا هو برنابا. قديس من قديسي المسيحيين باتفاقهم ، ورسول من رسلهم ، وركن من الأركان التي قامت عليها الدعاية للمسيحية الأولى ، وقد وجد إنجيل باسمه يدل على إنه كان من الحواريين الذين أختصهم المسيح بالزلفى إليه ، والتقرب منه ، وملازمته في سرائه وضرائه ، ولكن كتب المسيحيين غير هذا الإنجيل لا نعده من هؤلاء الحواريين وإن كانت تعده من الرسل الذين يبلغون مكانة الحواريين في هذا الدين بعد المسيح ، ومهما يكن من شيء في هذا الأمر ، وهو كونه من الحواريين أو ليس منهم ، فإن برنابا حجة عند المسيحيين ، وهو من الملهمين في اعتقاده ، فإن صحت نسبة هذا الإنجيل إليه كان ما يشمله حجة عليهم ، يدعوهم غلى أن يوازنوا بين ما جاء فيه وما جاء في غيره من كتبهم ، ويؤخذ بما هو أقرب إلى التصور والتصديق ، وأصح سنداً ، وأقرب بالمسيحية الأولى رحماً.
فلندرس الآن أقدم نسخة عرفت في العصر الحديث.
اتفق المؤرخون على أن أقدم نسخة عثروا عليها لهذا الإنجيل ، نسخة مكتوبة باللغة الإيطالية ، عثر عليها كريمر أحد مستشاري ملك بروسيا ، وذلك في سنة 1709 وقد انتقلت النسخة مع بقية مكتبة ذلك المستشارفي سنة 1738 إلى البلاط الملكي بفيينا ، وكانت تلك النسخة هي الأصل لكل نسخ هذا الإنجيل في اللغات التي ترجم إليها.
ولكن في أوائل القرن الثامن عشر ، أي في زمن مقارب لظهور النسخة الإيطالية وجدت نسخة اسبانية ترجمها المستشرق سايل إلى اللغة الإنجليزية ، ولكن لم يعلم من تلك النسخة وترجمتها إلا شذرات أشار إليها الدكتور هوايت في إحدى الخطب ، وقد قيل إن الذي ترجم النسخة الأسبانية إلى تلك اللغة مسلم نقلها من الإيطالية إلى الأسبانية.
ولقد رجح أن النسخة الإيطالية هي الأصل للنسخة الأسبانية ، وذلك إنها قد قدمت بمقدمة تذكر أن الذي كشف النقاب عن النسخة الإيطالية التي كانت أصلاً للنسخة الإسبانية راهب لاتيني اسمه فرامينو وإنه قص قصصها ، فيقول : "إنه عثر على رسائل لايريانوس وفيها رسالة يندد فيها بما كتبه بولس الرسوا. ويسند تنديده إلى إنجيل برنابا ، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا. وقد وصل إلى مبتغاة لما صار أحد المقربين إلى البابا سكتس الخامس. فإنه عثر على ذلك الإنجيل في مكتبة هذا البابا ، فأخفاه بين أردأنه ، وطالعه ، فاعتنق الإسلام" ويظهر أن تلك النسخة هي نفس النسخة التي عثر عليها سنة 1709.
ويقول في ذلك الدكتور سعادة مترجم الإنجيل إلى العربية : "إذا تحريت التاريخ وجدت أن زمن البابا سكتس المذكور نحو مغيب القرن السادس عشر. وقد علمت مما مر بك بيانه أن نوع الورق الذي سطر فيه إنما هو ورق إيطالي يمكن تعيين أصله من الآثار المائية التي فيه ، والتي يمكن اتخاذها دليلاً صادقاً على تاريخ النسخة الإيطالية والتاريخ الذي يحدسه العلماء "من كل ما تقدم بيانه يتراوح بين منتصف القرن الخامس عشر ، والسادس عشر ، وعليه فمن الممكن أن تكون النسخة الإيطالية هي عينها التي اختلسها فرامينو من مكتبة البابا على ما مرت الإشارة إليه".

الكلام في صحة تسمية هذا الإنجيل

40- أقدم نسخة معروفة إذن هي النسخة الإيطالية التي عثر عليها في فجر القرن الثامن عشر ، ولكن وجودها يمتد إلى منتصف القرن الخامس عشر أو أول القرن السادس عشر ، وقد وجدت في جو مسيحي خالص ، فلا مظنة لأن تكون مدخولة عليهم.
فأول من عثر عليها في خزانة كتبه رئيس ديني خطير. وكاشفها راهب ، ولما تداولتها الأيدي انتقلت إلى مستشار مسيحي من مستشاري ملك بروسيا ، ثم آلت إلى البلاط الملكي بفيينا فلا مظنة لأن تكون مدخولة عليهم ، وهي منسوبة لقديس من القديسين هو برنابا ولم يعرف بهذا الاسم سواه ، له مثل مكانته الدينية. ولقد كان وجود إنجيل له أمرا معروفاً بين العلماء بهذا الدين. فهذا فرامينو يقول إنه أطلع على رسالة لاربانوس يستنكر ما كتب بولس مستشهداً على استنكاره بإنجيل برنابا.
ويذكر التاريخ أن هناك أناجيل كثيرة حرمت قراءتها الكنيسة - كما أشرنا من قبل ، ويقول الدكتور سعادة : "يذكر التاريخ أمراً أصدره البابا جلاسيوس الأول الذي جلس على الأريكة البابوية سنة 492 ميلادية يعدد فيه أسماء الكتب المنهي عن مطالعتها ، وفي عدادها كتاب يسمى إنجيل برنابا ، ويذهب بعض العلماء المدققين إلى أن أمر البابا جلاسيوس المنوه عنه إنما هو برمته تزوير".
ولكن التاريخ اصح وأصدق من قول هؤلاء العلماء ، وإن كانوا محققين ، فأقول العلماء والمؤرخين تترى في تحريم قراءة أناجيل كثيرة. فإذا فعل ذلك البابا جلاسيوس فقد سار على سنة إسلامه ، وجرى على سنته من بعده أخلاف ، وإذا صح ذلمك الأمر - كما يشهد التاريخ ، وكما تنبئ عنه المقدمات والنتائج ، فإن إنجيل برنابا كان معروفاً متداولاً قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من قرنين.
وزعم الدكتور سعادة بأنه لو كان معروفاً في ذلك الإبان لعرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - واحتج به ، أو أخذ منه - زعم باطل - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، ولم يقم في البلاد التي سادتها المسيحية آمادا تمكنه من المعرفة والإطلاع ، ولأن مضى قرنين من الزمان بعد التحريم يجعل التحريم ينتج أثره ، فيخفي ما كان ذائعاً ، ويدفن ما كان معلوماً مشهوراً فمائتان من السنين تكفي لطمس الموجود ، وتعقبه آثار المفقود.

وإن المسيحيين يجدون فيما اشتمل عليه ذلك الإنجيل أخباراً دقيقة عن التوراة حتى لقد يقول الدكتور سعادة : "إنك إذا أعملت النظر في هذا الإنجيل وجدت لكاتبه الماماً عجيباً بأسفار العهد القديم لا تكاد تجد لها مثيلاً بين طوائف النصارى إلا في أفراد قليلين من الأخصائيين الذين جعلوا حياتهم وقفاً على الدين ، كالمفسرين ، حتى إنه لينذر أن يكون بين هؤلاء أيضاً من له إلمام بالتوراة يقرب من إلمام كاتب إنجيل برنابا".


ترجيح صدق النسبة في هذا الإنجيل

41- هذه بينات شاهدة - وإن لم تبلغ اليقين والجزم - بأن نسبة هذا الإنجيل إلى برنابا نسبة يرجح أن تكون صحيحة ، لأنه وجدت نسخته الأولى في جو مسيحي خالص ، وكان معروفاً قبل ذلك بقرون أن لبرنابا إنجيلاًَ ، وهو يدل على أن كاتبه على المام تام بالتوراة التي لا يعرفها الرجل المسيحي غير الاختصاصي في علوم الدين ، بل يندر من يعرفها من المختصين ، وإن برنابا كان من الدعاة الأولين الذين عملوا في الدعوة عملاً لا يقل عن عمل بولس ، كما تذكر رسالة أعمال الرسل ، فلابد أن تكون له رسالة أو إنجيل.
هذه بينات تشهد بأن الإنجيل الذي كشف وعرف صحيح النسبة ، ليس للمسلمين يد فيه ، وإن من ينحله للمسلمين كمن يحمل في يده شيئاً يظن في جملة اتهاماً له. فيسند ملكيته إلى غيره نفياً للتهمة عن نفسه. فهل يقبل منه ذلك النفي من غير حجة ولا دليل سوى أن فيه اتهاماً له ؟ وهل يقر القضاء ذلك النفي ؟.
قد يقول قائل : أن هذه البينات كلها مرجحة وليست يقينية ، ونحن نقول أن أكثر مسائل التاريخ ترجيح ، وليست يقينية جازمة ، فإذا كانت نسبة إنجيل برنابا إليه ظنية تقبل الإحتمال فانا نأخذ بذلك الظن ، لأنه المأخذ في أكثر مسائل التاريخ ، والاحتمال الذي لا ينشأ عن دليل لا يلتفت إليه ، بجوار الاحتمال الناشئ عن دليل ، ووجود ذلك الإنجيل بلغة مسيحية وبين ظهراني المسيحيين ، وفي مكاتبهم الخاصة دليل على أن المسلمين ليست لهم يد فيه ، ولذلك رجح جمهور المحققين إنه بيس لهم يد في إنشائه.

ولكن زعم بعضهم أن أصله عربي ، وهو زعم ليس له دليل ، وعلى مدعى ذلك الأصل أن يبرزه ، ويبين تاريخ تدوينه ، ومقدار نسبته.
ولكن الدكتور سعادة يزعم أن أصله عربي بدليل إنه وجد على النسخة الإيطالية تعليقات عربية ، وإنه صرح في التبشير باسم النبي ، مع أن المعهود في البشارات الرمز لا النص.
ونحن نرد الأول بأن وجود تعليقات عربية يدل فتخذ على أن بعض من قرأ هذه النسخة يعرف العربية على ضعف فيها لأنه مستقيم التعبير أحياناً قليلة ، وسقيم العبارة في أحيان كثيرة ، ومن الغريب أن يتخذ من التعليقات العربية دلالة على أصله الإسلامي ، ولا يتخذ من صلبه الإيطالي دليلاً على أصله المسيحي.
أما كون التبشير بالنبي - صلى الله عليه وسلم - صريحاً فيه وليس بتلميح فنحن لا نسلم بأن كل التبشيرات في الكتب الدينية تلميح. نعم بعضها رمز وتلميح ، ولكن معنى ذلك نفي الصريح ، وعلى فرض أن كل تبشير تلميح لا تصريح ، فالنص الإيطالي الذي بين أيدينا ترجمة لا نص ، وعسى أن يكون المترجم فهم المعنى ، فلم يسعفه في لغته التلميح ، فنطق بالتصريح كما يفعل المسيحيون في كثير مما ترجموا من كتب أصلها عبري.
ومن المؤكد أن ذلك الإنجيل لم يكن معروفاً عند المسلمين في غابرهم وحاضرهم ، لأن المناظرات بينهم وبين المسيحيين كانت قائمة في كل العصور ، ولم يعرف أن أحداً أحتج على مناظرة المسيحي بهذا الإنجيل ، مع إنه فيه الحجة الدامغة التي تفلح المسلم على المسيحي ، فدعوى وجود نسخة عربية كانت هي الأصل للنسخة الإيطالية ، فوق إنها لا دليل عليها مطلقاً ، ولو بطريق الوهم هي تناقض أخبار التاريخ الإسلامي مناقضة تامة ، وإلا أحتج المجادل عن الإسلام بها. ففيها أقوى دليل ، والتاريخ لم يحفظ ذلك ، وهذى سجلاته ليستنبطوها. وليعرفوا دخائلها ، فلن يجدوا شيئاً يمكن دعواهم ويثبت قضيتهم.

قيمة إنجيل برنابا من حيث ما أشتمل عليه

42- وإنجيل برنابا هذا يمتاز بقوة التصوير ، وسمو التفكير ، والحكمة الواسعة ، والدقة البارعة ، والعبارة المحكمة ، والمعنى المنسجم ، حتى إنه لو لم يكن كتاب دين لكان في الأدب والحكمة من الدرجة الأولى ، لسمو العبارة وبراعة التصوير.
ولماذا أنكره المسيحيون مع أن قوة النسبة فيه لا تقل عن قوة النسبة في كتبهم الأربعة كما ذكرنا ، إن لم تكن أقوى ؟ الجواب عن ذلك أن المسيحيين رفضوه لأنه خالف أناجيلهم ورسائلهم في مسائل جوهرية في العقيدة.
ولقد كنا نظن أن ظهور ذلك الإنجيل كان يحمل الكنيسة على التفكير من جديد في مصادر الدين ، لتعرف أي الكتب أقرب نسياً بالمسيحية الأولى ، أذلك الإنجيل بما خالف ، أم الرسائل والأناجيل التي توارثتها ؟ ولكنهم سارعوا إلى الرفض والإنكار. كما سبق أسلافهم إلى إنكاره من قبل.

مخالفة إنجيل برنابا لما عليه المسيحيون

والأمور التي خالف ذلك الإنجيل فيها ما عليه المسيحيون الآن تتلخص في أربعة أمور :
أولها : إنه لم يعتبر المسيح ابن الله ، ولم يعتبره إلهاً ، وقد ذكر ذلك في مقدمته فقال : "أيها الأعزاء أن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم ، والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى ، مبشرين بتعليم شديد الكفر. داعين المسيح ابن الله ، ورافضين الختان لذي أمر به الله به دائماً ، مجوزين كل لحم نجس ، الذين ضل في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى وهو السبب الذي لأجله اسطر ذلك الحق الذي رأيته".
ويقول في آخر الفصل الثالث والتسعين : "أجاب الكاهن أن اليهودية قد اضطربت لآياتك وتعليمك حتى أنهم يجاهرون بأنك أنت الله ، فاضطررت بسبب الشعب إلى أن آتي إلى هنا مع الوالي الروماني والملك هيرودس فنرجو من كل قلبنا أن ترضى بإزالة الفتنة التي ثارت بسببك ، لأن فريقاً يقول إنك الله. وآخر يقول إنك ابن الله ، ويقول فريق إنك نبي. أجاب يسوع : "وأنت يا رئيس الكهنة. لماذا لم تخمد الفتنة ، وهل جننت أنت أيضاً ، وهل أمست النبوات ، وشريعة الله نسياً منسياً ، أيتها اليهودية الشقية التي ضللها الشيطان" ولما قال يسوع هذا عاد فقال : "أني أشهد أمام السماء ، وأشهد كل ساكن على الأرض إني برئ من كل ما قال الناس عني من أني أعظم من بشر ، لأني بشر مولود من امرأة ، وعرضه لحكم الله ، أعيش كسائر البشر ، عرضه للشقاء العام".
ويقول في الفصل السبعين : "أجاب يسوع : وما قولكم أنت في ؟ أجاب بطرس : إنك المسيح ابن الله. فغضب حينئذ يسوع. وانتهره بغضب قائلاً : أذهب. وانصرف عني. لأنك أنت الشيطان ، وتريد أن تسئ إلى".
(الأمر الثاني) : أن الذبيح الذي تقدم به إبراهيم الخليل عليه السلام للفداء هو إسماعيل ، وليس بإسحق ، كما هو مذكور في التوراة ، وكما يعتقد المسيحيون. هذا نص ما جاء في إنجيل برنابا على لسان المسيح عليه السلام : "الحق أقول لكم إنكم إذا أمعنتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلموا خبث كتبنا وفقهائنا ، لأن الملاك قال : "يا إبراهيم. سيعلم العالم كله كيف يحبك الله ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله. حقاً يجب عليك أن تفعل شيئاً لأجل محبة الله. أجاب إبراهيم : ها هو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله ، فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلاً : "خذ ابنك بكرك واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة". فكيف يكون إسحق البكر ، وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين.
(الأمر الثالث) : هو كما يقال الدكتور سعادة "بك" : أن مسيا أو المسيح المنتظر ليس هو يسوع ، بل محمد. وقد ذكر محمداً باللفظ الصريح المتكرر في فصول ضافية الذيول ، وقال أنه رسول الله ، وإن آدم لما طرد من الجنة رأى سطوراً كتبت فوق بابها بأحرف من نور "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ولقد قال المسيح كما جاء في إنجيل برنابا : "أن الآيات التي يفعلها الله على يدي تظهر إني أتكلم بما يريد الله ، ولست لحسب نفسي نظير الذي تقولون عنه ، لأني لست أهلاً لأن أحل رباطات ، أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسياً الذي خلق قبلي. وسيأتي بعدي بكلام الحق. ولا يكون لدينه نهاية" وإنك لتجد في الفصلين الثالث والأربعين والرابع والأربعين كلاماً وافياً في التبشير بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لأن التلاميذ طلبوا من المسيح عليه السلام أن يصرح لهم به. فصرح بما يطن حقيقته ، ويبين ما له من شأن.
(الأمر الرابع) : أن هذا الإنجيل يبين أن المسيح عليه السلام لم يصلب ، ولكن شبه لهم. فألقى الله شبهه على يهوذا الأسخريوطي ، ويقول في ذلك برنابا : "الحق أقول أن صوت يهوذا ، ووجهه ، وشخصه بلغت من الشبه بيسوع أن أعتقد تلاميذه والمؤمنون به كافة إنه يسوع ، كذلك خرج بعضهم من تعاليم يسوع ، معتقدين أن يسوع كان نبياً كاذباً ، وإنما الآيات التي فعلها بصناعة السحر ، لأن يسوع قال إنه لا يموت إلى وشك انقضاء العالم ، لأنه سيؤخذ في ذلك الوقت من العالم".
ثم يبين أن يسوع طلب إلى الله أن ينزل إلى الأرض بعد رفعه ليرى أمه وتلاميذه ، فنزل ثلاثة أيام.
ثم يقول : "ووبخ كثيرين ممن اعتقدوا إنه مات" وقام قائلاً : "أتحسبونني أنا والله كاذبون ، لأن الله وهبني أن أعيش ، حتى قبيل انقضاء العالم ، كما قد قلت لكم ، الحق أقول لكم إني لم أمت ، بل يهوذا الخائن ، احذروا ، لأن الشيطان سيحاول جهده أن يخدعكم ، ولكن كونوا شهودي في كل إسرائيل ، وفي العالم كله ، لكل الأشياء التي رأيتموها وسمعتموها".
43- هذا هو إنجيل برنابا ، وما خالف فيه بقية الأناجيل من مسائل جوهرية ، وفي الحق إنه خالف المسيحية القائمة في خصائصها التي امتازت بها فإن تلك المسيحية امتازت بالتثليث ، وبنوة المسيح وألوهيته ، وكان هذا شعارها الذي بها تعرف ، وعلامتها التي بها تتميز ، وقد خالف كل هذا ، وإذا كانت مخالفته للمسيحية القائمة في ذلك الأمر الجوهري ثابتة - وهو ينسب إلى قديس من قديسيهم - فقد كان من الحق إذن أن يحدث ظهوره وكشفه بين ظهراني المسيحيين في مكاتب من لا يتهمون بالكيد للمسيحية ، ومن لا يتهمون بأنهم لا يرجون لها وقاراً - رجة فكرية عنيفة ، اهتزت بسببها المشاعر والمنازع ، فالكنيسة والمتعصبون من المسيحيين يرفضونه رفضاً باتاً ، مادام قد أتى بما لا يعرفونه هم ، ولا يعنون أنفسهم بدراسته دراسة علمية ، ينتهون فيها إلى نقضه جملة ، أو تبوله جملة ، أو قبول بعضه ، ورفض بعضه الذي يثبت بالدليل أن فيه مخالفة لتعاليم المسيح الصحيحة الثابتة بسند أقوى من سنده ، ومتنها أقرب إلى العقل والفكر من متنه.
ولكن العلماء الذين دأبهم التنقيب والبحث عكفوا على دراسته ، وموازنة نصوصه بالتوراة والأناجيل ورسائل رسلهم ، بل القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ، وانتهت دراسة جلهم بأنه بعيد أ ، يكون قد استقى من القرآن الكريم ، ومما هو مشهور عند المسلمين.
وإن أجل خدمة تسدى إلى الأديان والإنسانية ، أن تعني الكنيسة بدراسته ، ونقضه ، وتأتي لنا بالبينات الدالة على هذا النقض ، وتوازن بين ما جاء فيه وما جاء في رسائل بولس ، ليعرف القارئ والباحث أيهما أهدى سبيلاً ، وأقرب إلى الحق ، وأوثق به اتصالاً.

محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طارق
لاعب ذهبى
لاعب ذهبى



اسم العضو : طارق محمد حشيش
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 299
تاريخ الميلاد : 20/09/1965
تاريخ التسجيل : 30/05/2011
العمر : 58
المزاج رايق

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالأحد يونيو 19, 2011 3:26 pm


44- انتهينا في كلامنا السابق إلى ذكر الأناجيل وعرضها ، كما يقول المسيحيون ، وكنا في ذلك ناقلين ، ولم نعن في ذلك بالنقد ، فإن لذلك موضعه.
والآن ننتقل إلى القسم الثالث من مصادر المسيحية ، وهو رسائل رسلهم ، ويسمونها - ما عدا رسالة أعمال الرسل - الأسفار التعليمية ، كما يسمون الأناجيل ورسالة أعمال الرسل الأسفار التاريخية ، لأن الأناجيل تعني بشرح حياة السيد المسيح وحكاية أحواله ، وبعض أفواله ومواعظه ، أما الرسائل فإنها تعني بالناحية التعليمية التي تبين بها الديانة.


عدد الرسائل وكاتبوها



والرسائل اثنتان وعشرون رسالة : الأولى ، وتسمى أعمال الرسل ، وتنسب إلى لوقا صاحب الإنجيل ، وأربع عشرة كتبها بولس ، وهي رسالة أهل رومية وكورنثوس الأولى والثانية ، وغلاطية ، وأفسس ، وفيلينى ، وكولوسى ، وتسالونيكى الأولى والثانية ، وثيموثاوس الأولى وتيموثاوس الثانية ، وتيطس ، وفيلمون والعبرانيين ، ورسالة كتبها يعقوب ، ورسالتان كتبهما بطرس ، وثلاث رسائل كتبها يوحنا ، ورسالة كتبها يهوذا.
وهنا غير الاثنتين والعشرين رسالة أخرى يسمونها السفر النبوي وهي رؤيا يوحنا ، وهذه الرسالة في منحاها ومنهجها تخالف الرسائل السابقة ، فبينما الرسائل السابقة وعظية وتعليمية في جملتها ، وتتعرض كثيراً لذكر بنوى المسيح ، وتخليصه للعالم من خطيئته ، تجد رسالة رؤيا يوحنا اللاهوتي ، تعني ببيان أُلوهية المسيح وسلطانه في السماء وعلمه بحال الكنيسة والقوامين على المسيحية من بعده ، وهي تارة تصور الإله في عليائه كشيخ أشبب يشبه المسيح متمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب ، وعيناه كلهب نار ، وفي يده سبعة كواكب ، وسيف ماض ذو حدين يخرج من فيه ، (راجع الإصحاح الأول من الرؤيا).
وتارة تصور المسيح خروفاً قائماً كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين ، (راجع الإصحاح الخامس).
وتبين أن الناس يعرضون أمام الإله والمسيح "ويخرون ساجدين ، ثم تصور الملائكة وأحوالهم وأعمالهم ، وهكذا ...".
فهي رسالة تشرح سلطان المسيح في الملكوت وتبين أحوال الملائكة وخضوعهم للمسيح ولله.
45- وهذه الرسائل تشرح المسيحية الحاضرة بأكثر من الأناجيل ، وقد كتبت جميعها باليونانية ، كما يقول مؤرخوهم ، وللباحثين كلام كثير في شأن الرسائل ، وقوة سندها ، وقيمتها من حيث الاستدلال لهذا الدين ، ولكنا نرجئ القول في ذلك إلى الكلام في نقد مصادر المسيحية نقداً علمياً ، ونكتفي الآن بعرضها وذكرها ، محوطة بهالة من تقديسهم ، ومكلوءة بتقديرهم.
وقد ذكرنا موجزاً لتاريخ يوحنا ، وعرفنا القارئ به ، وهو صاحب الرؤيا ، وثلاث رسائل ، وبينا لوقا ، وهو صاحب رسالة أعمال الرسل ، فلنعرف الآن بكلمات موجزة القارئ ببطرس صاحب الرسالتين ، ويعقوب ويهوذا ، ولكل رسالة ، وبولس وله أربع عشرة كما ذكرنا.
فبطرس من حواريي المسيح ، وكان اسمه الأصلي سمعان ، وكان صياد سمك وقد جال بعد المسيح للتبشير ، فذهب إلى أنطاكية وغيرها ، ثم ذهب إلى رومة سنة 65 فقبض عليه وزج في السجن ، وحكم عليه بالموت صلباً في زمن نيرون على ما نوهنا. وقد طلب أن يصلبوه منكساً حتى لا يتشبه بالمسيح.
وقد علمت أن صاحب بروج الأخبار في تراجم الأبرار يخبر أن بطرس وتلميذه مرقص صاحب الإنجيل الذي كان يعبر عنه بابنه كلاهما كان ينكر ألوهية المسيح.



ترجمة يعقوب صاحب الرسالة



46- ويعقوب صاحب الرسالة هو يعقوب بن زبدى الصياد ، أخو يوحنا ، وكان حوارياً كأخيه ، ويقولون : إنه أول أسقف لكرسي أورشليم ، ويقول صاحب كتاب تاريخ الأمة القبطية : "كان لشهرته بالطهارة يعرف بيعقوب البار ، وقد أغتاظ منه رؤساء اليهود ، فحكموا عليه بالموت في مجمعهم ، فمات رجماً سنة 62 وكان قد كتب رسالته سنة 61م".


ترجمة يهوذا



47- وأما يهوذا ، وهو حواري ، ويقولون إنه يدعى لباوس ، ولقب تداوس وهذا الاسم الذي ذكر في إنجيل متى ، ولكن إنجيل برنابا يقرر أن يهوذا غير يهوذا الاسخريوطى الذي شهد على المسيح وخانه ، وغير تداوس ، ويقولون : إنه أخو يعقوب الصغير ، وعلى هذا يكون لزبدى الصياد ثلاثة من الحواريين ، ولكن متى لما ذكر يعقوب ويوحنا ذكر أمامها أنهما ولداً زبدى الصياد ، ولم يذكر أمام تداوس !! وعلى أية حال فليهوذا هذا رسالة منسوبة إليه ، وقد قالوا إنه مات شهيداً ببلاد العجم.



ترجمة بولس


48- بولس : ولننتقل الآن إلى الكلام في بولس والتعريف به ، وإن لبولس هذا لشأناً في المسيحية ، فهي تنسب إليه أكثر مما تنسب لأحد سواه ، فرسالته هي التي شرحتها ، وقد كان بنشاطه الجم ، وتطوائه في الأقاليم مشرقاً ومغرباً ، لا يستقر في مكان على نية الإقامة فيه ، بل على قصد في الرحيل إلى غيره - أشد دعاتها ، وقد تأثر المسيحيون خطاه ، وتعرفوا أخباره وأقواله ، ما دونه منها في رسالته ، وما ألقاه في الجموع وتناقلوه ، وإن لم يدونه هو وتأثروا أعماله فاحتذوا حذوه ، وسلكوا مسلكه ، واعتبروه القدوة الأولى ، فلابد إذن من العناية بتاريخه لنتعرف أكانت منزلته في المسيحية الأولى كمنزلته في المسيحية الحاضرة ، حتى يصلح أن يكون حلقة الاتصال بينهما ، وناقل الأولى إلى أهل الثانية ، ولنتبين إنه صادق النقل ، حتى تكون الأولى والثانية شيئاً واحداً ، وليستا شيئين مختلفين.

وأنا في حكاية بدايته ونهايته نعتمد على المصادر المسيحية وحدها ، كسنتنا فيما أسلفنا من القول ، حتى لا نتزيد عليهم ، ولكي نعرض الرجل كما هو عندهم.
في سفر أعمال الرسل تفصيل لحياة بولس ، وقد أخذت أعماله من ذلك السفر الشطر الأكبر. وقد جاء فيه أن مولده كان في طرسوس ، وتربى في أورشليم ، واسمه الأصلي شاول. وهذا نص الفقرة الثالثة من الإصحاح الثاني والعشرين حكاية عنه : "أنا رجل يهودي ولدت في طرسوس كيليكة ، ولكن ربيت في هذه المدينة" (أورشليم).
ولقد جاء إنه من الفريسيين الذين يقولون أن هناك قيامة يشاركون فيها ملك المسحي في الدنيا ، فقد جاء في الإصحاح الثالث والعشرين : "ولما علم بولس أن قسماً منهم صدوقيون ، والآخرون فريسيون" صرح في المجمع : "أيها الرجل الأخوة ، أنا فريسي ابن فريسي على رجاء قيامة الأموات, أنا أحاكم".
ونجد كتاب المسيحية متفقين على إنه من اليهود ، ولكن جاء في سفر أعمال الرسل أيضاً ما يدل على إنه روماني ، ففي آخر الإصحاح الثاني والعشرين منه ما نصه : "فلما مدوه للسياط قال بولس لقائد المائة الواقف : أيجوز لكم أن تجلدوا إنساناً رومانياً غير مقضي عليه ، فإذ سمع قائد المائة ذهب إلى الأمير وأخبره قائلاً : أنظر ما أنت مزمع أن تفعل ، لأن هذا الرجل روماني. فجاء وقال له : قل لي أنت روماني ؟ فقال نعم. فأجب الأمير : أما أنا فبمبلغ كبير اقتنين هذه الرعوية ، فقال بولس : أما أنا فقد ولدت فيها. وللوقت تنحى عنه الذين كانوا مزمعين أن يفحصوه ، واختشى الأمير لما علم إنه رماني ، لأنه قيده".
وهذان بلا ريب نصان متعارضان ، لعل أرجحهما إنه يهودي ، لأنه ذكر إنه روماني عندما رأى أن جسمه سيكوى بالسياط. فأعمل الحيلة ، عساه يجد مخرجاً ، فأدعى إنه روماني لينجو جلده ، وقد تم له ما أراد بتلك الحيلة التي احتلها في انتسابه ، وأصر عليها عندما روجع فيها.
ولكن لو اتخذنا من قرائن الأحوال دليلاً على كذب ادعائه الرومانية ، وإنه قالها خلاصاً واحتيالاً لورد مثل ذلك عندما قال إنه يهودي ، لأنه كان يخاطب جمعاً يهودياً عمل للقبض عليه.
ولقد صرح في سفر الأعمال إنه قال إنه فريسي ليوقع الخلاف بين الصدوقيين والفريسيين ، فقد جاء فيه عند ذكر إقراره بأنه فريسي. ولما علم بولس أن قسما منهم صدوقيون والآخر فريسيون ، إلخ. فهو ما صرح بهذا التصريح إلا ليوقع الفرقة بينهم ، وينجو من كيدهم بتدبير فريق منهم.
وقد تم له بعض ما أراد ، فاختلفوا وجرى بينهم نزاع شديد كما دلت على ذلك الفقرات التي ذكرت من بعد في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر الأعمال ، وإذن فلا نستطيع أن نستبين جنسه من هذا على وجه تطمئن إليه النفس.
49- ومهما يكن من أمر جنسه ، فقد كان بولس هذا في صدر حياته من أشد أعداء المسيحية ، وأبلغهم كيداً لها ، وأكثرهم إمعاناً في أذى معتنقيها ، كما يدل على ذلك ما جاء في سفر الأعمال في مواضع كثيرة منه.
ففي الإصحاح الثامن منه : "وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم ، فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل ، وحمل رجال أتقياء استفانوس ، وعملوا عليه مناحة عظيمة ، وأما شاول فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ، ويجر رجالاً ونساء ، ويسلمهم إلى السجن".
وجاء في أول الإصحاح التاسع : "أما شاول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب فتقدم إلى رئيس الكهنة وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناساًَ في الطريق رجالا أو نساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم".
ويجئ في ذلك السفر أيضاً اعترافه الصريح بذلك الماضي في مواضع متعددة أيضاً.
فمنها ما جاه في الإصحاح الثاني والعشرين مخاطباً اليهود : "كنت غيوراً لله ، كما أنتم جميعكم اليوم ، اضطهدت هذا الطريق ، حتى الموت ، مقيداً ومسلماً إلى السجون رجالاً ونساء ، كما يشهد لي أيضاً رئيس الكهنة وجميع المشيخة الذين إذا أخذت منهم رسائل للأخوة إلى دمشق ، ذهبت لأني بالذين هناك إلى أورشليم مقيدين لكي يعاقبوا".
ولكن سفر الأعمال يقول أن ذلك الرجل الذي كاد للمسيحية هذا الكيد وآذى أهلها ذلك الإيذاء ، قد انتقل من الجبت والطاغوت إلى المسيحية فجأة من غير مقدمات تقدمت ذلك الانتقال ، ولا تمهيدات مهدت له.
فيقول في الإصحاح التاسع : "في ذهابه حدث أنه أقترب إلى دمشق ، فبغتة أبرق حوله نور من السماء ، فسقط على الأرض ، وسمع صوتاً قائلاً له : شاول. شاول. لماذا تضطهدني ؟ فقال : من أنت يا سيدي ؟ فقال : أنا يسوع الذي أنت تضطهده ، صعب عليك أن ترفس مناخس ، فقال وهو مرتعد متحير : يا رب ماذا تريد أن أفعل ؟ فقال له الرب : قم وأدخل المدينة ، فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل".
ودخل بولس أو شاول في المسيحية ، وحاول أن يتصل بتلاميذ المسيح ، ولكنهم أوجسوا منه خيفة ، ولم يصدقوا إيمانه ، ولكن شهد له برنابا الذي حدثناك عنه بالإيمان ، وما حدث له في الطريق.
فقد جاء في الإصحاح التاسع أيضاً من السفر المذكور : "ولما جاء شاول حاول أن يلتصق بالتلاميذ ، وكان الجميع يخافونه غير مصدقين ، فأخذه برنابا ، وأحضره إلى الرسل ، وحدثهم كيف أبصر الرب ، وإنه كلمه ، وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع".
ومن ذلك الوقت صار بولس القوة الفعالة ، والحركة الدائبة في الدعاية للمسيحية ، كما ندل على ذلك عبارات سفر الأعمال ، وقد اصطحب في رحلاته برنابا ، حتى اختلفا كما ذكرنا في الكلام على برنابا - فلما اختلفا افترقا ، وهناك نجد حلقة مفقودة ، فلم يبين لنا سفر الأعمال على من تلقى مبادئ المسيحية التي أخذ يبشر بها ، والتي دونها في رسائله الأربع عشرة ، والتي يضيف إليها بعض الكتاب سفر الأعمال ، وينسبه إليه بدل نسبته إلى لوقا ؟ لم تبين لنا الكتب المسيحية على من تلقى مبادئ المسيحية ؟ ولعلهم يعتقدون أنه ليس في حاجة إلى التلقي ، لأنه انتقل من مرتبة الكافر المناوئ إلى مرتبة الرسل في المسيحية ، صار ملهماً ينطق بالوحي في اعتقادهم ، فلم يكن في حاجة إلى التعلم والدراسة ، لأن الوحي كفاه مؤونة الدرس وتعبه.
لقد أخذ بولس في التطواف في الأقاليم ينشئ الكنائس ، ويقوم بالدعاية ويلقي الخطب ، وينشئ الرسائل ، حتى كانت رسائله هي الرسائل التعليمية بما اشتملت عليه من مبادئ في الاعتقاد ، وبعض الشرائع العملية ، وقد قالوا أنه قتل في اضطهادات نيرون سنة 66 أو سنة 67 على الخلاف في ذلك.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع**

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طارق
لاعب ذهبى
لاعب ذهبى



اسم العضو : طارق محمد حشيش
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 299
تاريخ الميلاد : 20/09/1965
تاريخ التسجيل : 30/05/2011
العمر : 58
المزاج رايق

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالأحد يونيو 19, 2011 3:31 pm

صفات بولس


50- إن الذي يستخلص من أحوال وأقوال بولس التي دونت في رسائله وأعماله التي ذكرها سفر أعمال الرسل ، يتبين له أنه أمتاز بثلاث صفات جعلته في الذروة من الدعاة إلى المبادئ والعقائد :
الصفة الأولى : إنه كان نشيطاً دائم الحركة ذا قوى لا تكل ، وذا نفس لا تمل.
الصفة الثانية : إنه كان المعيا شديد الذكاء بارع الحيلة ، قوي الفكر يدبر الأمور لما يريد بدهاء الألمعي ، وذكاء الأروعي ، يسند السهام لغاياته ومآربه فيصيبها.
الصفة الثالثة : إنه كان شديد التأثير في نفوس الجماهير ، قوي السيطرة على أهوائهم ، قديراً على انتزاع الثقة به ممن يتحدث إليه.
وبهذه الصفات الممتازة ، وبهذه القدرة البارعة استطاع أن يجعل نفسه محور الدعاة للمسيحية ، وقطبهم ، وأن يفرض ما ارتآه على المسيحيين ، فيعتنقوه ديناً ، ويتخذوا قوله حجة زاعمين إنه رسالة أرسل بها ، وبهذه الصفات الباهرة استطاع أن يحمل صديقه برنابا على أن يصدقه في رؤيته المسبح ، واستطاع أن يحتل المنزلة الأولى بين التلاميذ ، وقد كان بلاؤهم ، وكيد الشيطان لهم. وبهذه الصفات التوبة استطاع أن يحملهم على نسيان ماضيه ، وأن يندغموا في شخصه حتى يصير هو كل شيء ، وهم لا يستطيعون رد قوله في الجماهير ، وحتى لقد صارت المسيحية الحاضرة مطبوعة بطابعه ، منسوبه إليه ، ولقد تعجب الذين أرسلوا الديانات وعرفوا أحوال رجالها ، وأدوارهم ، فيقولون : كيف ينتقل رجل من كفر بديانة إلى اعتقاد شديد بها طفرة ، من غير سابق تمهيد ، ولكن ذلك العجب يزول إن كان الانتقال مقصوراً على مجرد الانتقال من الكفر إلى الإيمان ، فإن لذلك نظائر وأشباها ، بل العجب كل العجب أن ينتقل شخص من الكفر المطلق بدين إلى الرسالة في الدين الذي كفر به ، وناواه وعاداه ، فإن ذلك ليس له نظير وليس له مشابه ، ولم يعهد ذلك في أنبياء ورسل قط ، وهذه توراة اليهود وأسفار العهد القديم التي يؤمن بها المسيحيون كما رووها ، وكما قالوها ليذكروا لنا رسولاً بعث من غير أن يكون في حياته الأولى استعداد لتلقي الوحي ، وصفاء نفس يجعله أهلاً للإلهام ؟ ولا يجعل الاتهام والتكذيب يغلبان على رسالته ، وإنه إذا لم يكن للرسالة أرهاصات قبل تلقيها ، لا يكون على الأقل قبلها ما ينافيها ويناقضها. ولكن بولس أبو العجب استطاع أن يتغلب على ذلك العجب في عصره ، وأن يفرض نفسه على المسيحيين من بعده ، وأن يحملهم على نسيان العقل عندما يدرسون أقواله وآراءه وتعاليمه.
بيد أن العقل يخترق بنوره الحجب ، ويزيل بضوئه كل أسداف الظلم ، ولو قاوم في سبيل ذلك براعة بولس وذكاءه ، ولذلك وجد في العصور المسيحية من كانوا يثيرون مناقشات قوية حول أقوال بولس منكرين لها مبطلين ، ونسارع فنقول مقالة القس عبد الأحد : "إن بولس يبجل ويعظم رجلاً اسمه عيسى أميت ومات. وحيى فقط ، وإن خمس عشرة رسالة من كتب العهد الجديد تحمل اسم الرسول المشار إليه ، فلا محمل للحيرة إذا قلت أن المؤسس الحقيقي للمسيحية الحاضرة هو بولس ، فإن شاول الشاب الطرسوسي من سبط بنامين. ومن مذهب الفريسيين وتلميذ أحد علماء الدهر عضو مجلس صانهدرين المدعو عمانيل ... الذي كان يجتهد اسم عيسى وأتباعه من الأرض ، والذي رأى عدوه الناصرى في السماء لامعاً داخل الأنوار وقت الظهر أمام دمشق. اهتدى وسمى باسم بولس.
وهو الذي وضع أساس العيسوية". والقسم الأعظم من أعمال الرسل يبحث من سباحات بولس الطويلة وجهوده ومتاعبه ، فهل هو صادق في النقل عن المسيح ، والأخبار عنه ؟ للإجابة عن هذا السؤال موضعها عند الكلام في الإلهام الذي نحلوه لرسلهم ، ونقد الكتب نقداً علمياً.




كتب العهد القديم والأناجيل والرسائل كتبت بإلهام في اعتقادهم



51- إلى هنا قد بينا الكتب ، وذكرنا طرفا من حياة منشئيها ، وأحوالهم ومقدار الاختلاف في نسبة الكتب إلى أصحابها ، وقبل أن ننتقل إلى نقد هذه الكتب نقداً علمياً في متنها وإسنادها ، نقول : إن المسحيين يقولون إن هذه الكتب كلها ، كتبت بالإلهام أي بالوحي عن طريق الإلهام ، وإنها لذلك لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، فهي حق وصدق ، لأنه موحي بها ، وسواء في ذلك كتب العهد القديم ، والعهد الجديد ، سواء أكانت أناجيل أم رسائله تعليمية أم رسالة النبوة.
ولذا يقول مؤلفو موجز تاريخ الأمة القبطية في شأن الكتاب المقدس : "الكتاب المقدس هو مجموع الأسفار التي كتبها رجال الله القديسيون بإلهام الروح القدس في أوقات مختلفة ، وفيها أعلن الله مشيئته ووصاياه ، وما قطعه من المواعيد ، وما فرضه من المثوبة ، وما فيه إرشاد للناس وخيرهم وخلاصهم وما أتمه من عمل الفداء" وبمراجعة ما كتبه شراحهم وعلماؤهم نفهم أن الإلهام عندهم ، هو إلهام في المضمون الرئيسي ، ولذا يقول هورن : "إذا قيل أن الكتب المقدسة أوحى بها من عند الله لا يراد أن كل الألفاظ والعبارات من إلهام الله ، بل يعلم من اختلاف محاورات المصنفين واختلاف بيانهم إنهم قد جوز لهم أن يكتبوا ، على حسب طباعهم وعاداتهم وفهومهم واستعمل علم الإلهام على طريقة استعمال العلوم الرسمية ، ولا يتخيل إنهم كانوا يلهمون في كل أمر يبينونه ، وفي كل حكم كانوا يحكمون به".
إذن لم تكن كل الكتب المقدسة ملهمة من حيث أسلوب البيان ، ومن حيث التصرف في التعبير ، ومن حيث كل ما تشتمل عليه من معان بل موضع الإلهام فقط المعاني الرئيسية أو الرسمية ، وبقية الأفكار والمعاني على حسب الطبائع والإفهام والعادات.

محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بوجى
المدير العام
المدير العام
بوجى


اسم العضو : محمد حسن
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 739
تاريخ الميلاد : 25/03/1994
تاريخ التسجيل : 28/09/2010
العمر : 30

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 21, 2011 5:01 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

نظرة فاحصة



52- عرضنا على القارئ كلام القوم في كتبهم ، وحاولنا أن نكون حاكين ولم نعلق عليها ولم ننقدها ، ولم ننبه إلى وهنها ، إلا إذا كان ذلك التنبيه قد سبق إليه علماؤهم ، والباحثون منهم ، ووجهوا هم النقد إليه ، أو كان الأمر من الوضوح بحيث يكون المرور عليه من غير تنبيه إلى موضع الضعف يجعل البحث غير منسق ، وبعيداً عن الانسجام الفكري.
والآن نريد أن ننتقل من النظرة الحاكية المتغاضية إلى النظرة الفاحصة الكاشفة ، ولسنا نريد أن نحصى كل أوجه النقد التي وجهت ، فإن ذلك يحتاج بيانه إلى مجلدات ضخام لكثرتها ، وتعدد نواحيها ، وكثرة دواعيها ، ولكنا نكتفي بإيراد بعضها ، ونترك الباقي للإطلاع عليه في مصادرة المسيحية وغير المسيحية

ما يجب أن يكون في الكتاب الديني من صفات ليكون حجة

لأجل أن يكون الكتاب الديني حجة - يجب الأخذ به على إنه شريعة الله ودينه ، ومجموع أوامره ونواهيه ، ومصدر الاعتقاد ، وأساس الملة - يجب أن يتوافر في هذا الكتاب أمور :
أحدها : أن يكون الرسول الذي نسب إليه قد علم صدقه بلا ريب ولا شك ، وأن يكون قد دعم ذلك الصدق بمعجزة ، أي بأمر خارق للعادة قد تحدى به المنكرين المكذبين ، وأن يشتهر أمر ذلك التحدي وهذا الإعجاز ، ويتوارثه الناس خلفاً عن سلف ، ويتواتر بينهم تواتراًً لا يكون للإنسان مجال لتكذيبه.
ثانيها : إلا يكون ذلك الكتاب متناقضاً مضطرباً يهدم بعضه بعضاً فلا تتعارض تعليماته ، ولا تتناقض أخباره ، بل يكون كل جزء منه متمماً للآخر ومكملاً له ، لأن ما يكون عن الله لا يختلف ، ولا يفترق ، ولا يتناقض ، بل أن العقلاء ، في أقوالهم ، وفي كتبهم ، يتحرون إلا يتناقض قولهم ، ولا يختلف بتفكيرهم.
ثالثها : أن يدعى ذلك الرسول إنه أوحى إليه به ، ويدعم ذلك الإدعاء بالبينات الثابتة ، وهي المعجزات التي بعث بها الرسول ، ودعا إلى كتابه على أساسها ، ويثبت ذلك الإدعاء بالخبر التواتر ، أو يثبت بالكتاب نفسه.
رابعها : أن تكون نسبة الكتاب إلى الرسول الذي نسب إليه ثابتة بالطريق القطعي ، بأن يثبت نسبة الكتاب إلى الرسول ، بحيث يتلقاه الإخلاف عن الأسلاف ، جيلاً بعد جيل من غير أي مظنة للانتحال.
وأساس ذلك التواتر أن يروى جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ، حتى تصل إلى الرسول بحيث يسمع كل فرد من الجمع الراوي عن الجمع الذي سبقه ، والذي سبقه كذلك ، حتى يصل إلى الرسول الذي أسند إليه الكتاب ، ونسب إليه ، ونزل به الوحي عليه.

تطبيق هذه الشروط على كتب النصارى

53- إن الكتب في الدين هي أساسه ، فإن لم تكن مستوفيه الشروط السابقة لم يكن الاطمئنان إلى صحتها كاملاً ، وتطرق إليها الريب والظن من كل جانب ، وبذلك يتهدم الدين من أساسه ، ويؤتى من قواعده ، ولا يكون شيئاً مذكوراً في الأديان ، بل يكون طائفة من أساطير الأولين اكتتبها طائفة من الناس ، وأدعوها ديناً ، ونسبوها لشخص معترف به ، لتروج عند العامة ، وتدخل في أوهامهم ، ويعتمدون على الزمان في تمكينها في نفوسهم وقلوبهم.
وهل الكتب المقدسة عند النصارى سواء أكانت من كتب العهد القديم أم العهد الجديد مستوفيه هذه الشروط ، فتكون ملزمة للكافة ؟.
لا يزعم النصارى أن هذه الكتب كتبها المسيح نفسه ، حتى ننظر في قوة نسبتها إليه ، ولكن يزعمون أن الذين كتبوها رسل من بعده مبعوثون بها ، يبشرون الناس بما فيها ، فنبحث ، هل هؤلاء رسل حقاً وصدقاً قد ثبتت رسالتهم بدليل لا مجال للريب فيه ؟.
لقد قلنا أن الطريق لذلك أن يدعوا هم هذه الرسالة ويثبتوها بمعجزة يجريها الله على أيديهم ، ويتحدوا الناس ليدفعوهم إلى الإذعان أو ليسجلوا عليهم الكفر بعد أن يقوم الدليل عليهم.

إننا نبحث في مراجعهم فلا نجد مرجعاً صحيحاً قرر أن هؤلاء أدعوا مثل هذه الرسالة ، ودعوا الناس إلى الإيمان بها ، ومعهم البرهان عليها ، والدليل القائم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
قد نجد في رسالة أعمال الرسل ذكراً لأخبار تلاميذ المسيح ، وإن روح القدس تجلى عليهم ، وإنهم كانوا يأتون بأمور خارقة للعادة ، وسماهم كاتب تلك الرسالة رسلاً ، ففيها يذكر أن عدد الأصحاب بعد المسيح أحد عشر ، وهو : بطرس ، ويعقوب ، ويوحنا ، وأندراوس ، وفيلبس ، وتوما ، وبرثولماس ، ومتى ، ويعقوب بن حلفى ، وسمعان الغيور ، ويهوذا أخو يعقوب ، وأن بطرس وقف وألقى في وسط التلاميذ - الذين بلغوا نحو عشرين ومائة - خطبة وأنهم امتلئوا جميعاً بروح القدس ، وتكلموا بألسنة غير ألسنتهم.
ثم يذكر أن بطرس شفى الأعرج من عرجه ، ومات من كذب عليه ، بعد أن كشف كذبه واختلاسه ، هو وامرأته.
ذكر سفر الأعمال هذه وذكر عجائب أتى بها بولس في زعمه في آخر ذلك السفر أيضاًَ.
وكذلك نجد في إنجيل لوقا إنه يذكر أن المسيح أرسل سبعين رجلاً ليبشروا باسمه ، وإنهم عادوا يقولون له : "حتى الشياطين تخضع لنا باسمك ، فقال لهم : رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء ، وهاأنذا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب ، وكل قوة العدو ، فلا يضركم شيء ، ولكن لا تفرحوا بهذا لأن الأرواح تخضع لكم ، بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السموات".


مناقشة ادِّعاء الإلهام في سفر الأعمال

54- ونريد أن نناقش سفر أعمال الرسل وإنجيل لوقا في هذا المقام لنعرف منه من هم هؤلاء الرسل ، لم يذكر سفر الأعمال أسماء العشرين والمائة الذي ملئوا من روح القدس ، نعم إنه ذكر أسماء الحواريين الأحد عشر ، وليس منهم من ينسب إليه كتب أو رسائل ، سوى متى وبطرس ، ويوحنا ويعقوب ويهوذا.

وقد علمت بعض ما نسبه إنجيل متى ويوحنا إليهما. وأما بطرس والباقون فلهم رسائل ، ولم يكن معترفاً بصحتها هي ورسائل يوحنا إلى سنة 364 حتى إن مجمع نيقية لم يعترف بصحة نسبتها إلى أصحابها. وقد كان سنة 325.
وإذا كان سفر الأعمال لم يذكر أسماء العشرين والمائة ، ولم يذكر كذلك إنجيل لوقا أسماء ، فكيف تؤمن برسالة لم تعرف أسماؤهم ؟ نعم كانت تذكر بعد ذلك أسماء أشخاص ، ويوصفون بأنهم رسل ، ولكن لم يذكر أهم من العشرين والمائة ، أم ليسوا منهم ، ومن المؤكد أن بولس لم يكن في العدد الذي ذكر في الأعمال ، ولا في العدد الذي ذكر في إنجيل لوقا.
إذن لا مقتنع فيما جاء في سفر الأعمال. ولا في إنجيل لوقا ، لأنه لم يذكر أسماء هؤلاء معينين بالاسم, ثم من هو مؤلف سفر الأعمال ؟ قالوا إنه لوقا صاحب الإنجيل. إذن فالمصدر هو لوقا في الاثنين ، ولوقا قد بينا إنه طبيب وقيل إنه مصور ، أو هو طبيب مصور ، فهل هو كان من تلاميذ المسيح أو كان من تلاميذ تلاميذه ؟ لم يثبت شيء من ذلك ، وكل ما ثبت من صلته برجال المسيحية إنه كان من أصحاب أو تلاميذ بولس ، وإذن فروايته عن هؤلاء وعن المسيح ليست رواية من شاهد وعاين ، وعلى ذلك يكون السند غير متصل بين لوقا والمسيح ، أو تلاميذ المسيح.

الرسل غير معروفين

55- لم تعرف إذن حقيقة هؤلاء الرسل ، ومن هم بسند صحيح ، فضلاً عن أن يكون السند قطعياً ، وإذا كنا لا نعرف من هم ، فكيف نؤمن لهم بمعجزات ؟ إن المصدر الذي ذكر المعجزات هو نفس المصدر الذي ذكر الرسل من غير أن يبين من هم ، وهو راو لم يعاين ولم يشاهد. وعلى ذلك يكون الكلام في الإلهام ، وإنهم رسل ملهمون لم يثبت بسند يصح الاعتماد عليه ، والاطمئنان إليه ، وبناء عقيد تشرق وتغرب على أساسه.
ولكن لا نكاد ننتهي إلى النتيجة حتى نجد من مجادلي القوم ، والمناظرين عنهم من يزعمون أن لوقا نفسه ، صاحب سفر الأعمال ، وصاحب الإنجيل كان من الرسل الملهمين فهو لا يحتاج إلى سند ، لأن كل كلامه من الروح القدس الذي ملأه كما ملأ إخوانه الرسل ، ولكن أين معجزته التي تثبت الهامة حتى نصدق كل ما جاء في كتابيه ، ويؤمن مؤمن (يحترم الإيمان) بكل ما اشتملا عليه ؟ لم يرد عندهم أي شيء يدل على إلهام لوقا ، وإنه كان من العشرين والمائة الذين ألقى فيهم بطرس خطبته ، وامتلئوا بروح القدس في زعمه ، ولم يكن من السبعين الذين أرسلهم المسيح (كما ذكر في إنجيله) واخضعوا الأرواح وأخبرهم أن أسماءهم كتبت في السماء.
ولسنا في ذلك إلا مطالبين بأن يثبتوا إلهام لوقا ، لنصدق بأخباره عن الرسل وأعمالهم وعن إلهامهم ، وامتلائهم بالروح القدس ، وأعجازهم. لا يوجد أمانا أي دليل يثبتون به إلهام لوقا فيما كتب ، حتى كنا نصدقه في كلامه عن الرسل الذين تجلى عليهم الروح القدس ، وامتلئوا به ، وإن كنا لا نعرف أشخاصهم ، ولا شيئاً عن أسمائهم وأعمالهم.
بل لقد وجدنا من كتاب القوم الباحثين من يصرح بأن لوقا لم يكن من الملهمين ، وأن إنجيله لم يكن إلهامياً ، وبالأولى رسالته لم تكن بإلهام ، فقد قال من المحدثين ، واطسن في المجلد الرابع من كتابه الإلهام ما ترجمته : " أن عدم كون تحرير لوقا إلهامياً يظهر مما كتب في ديباجة إنجيله ونصها : إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المستيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين ، وخداماً للكلمة ، رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس ، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به".
ويمثل هذا القول من أن ما كتب لوقا ليس بإلهامي قال العلماء الأقدمون من المسيحيين ، فيقول ارينوس : " أن الأشياء تعلمها من بلغها إلينا ".



لوقا صاحب سفر الأعمال لم يكن ملهماً

56- لم يكن إذن لوقا ملهماً ، أنه لا يوجد دليل يثبت إلهامه ، ولأن مقدمة إنجيله كمقدمة رسالته تدل على إنه لم يكن ملهماً ، ولأن الثقات من العلماء الأقدمين والمحدثين يقررون إنه لم يكن ملهماً فيما كتب ، بل كتب ما تعلم ، ولقن ، لا ما أوحى إليه به وإلهم .
وإذا كانت رسالة الأعمال هي المصدر المثبت لإلهام الرسل وامتلائهم بالروح القدس ، فيكون ذلك المصدر قد فقد صلاحيته للاعتماد عليه ، لأنه لم يكن متصل السند بين لوقا والتلاميذ والمسيح ، ولأن لوقا لم يكن ملهماً. وهذا كله على فرض صحة نسبة ما أسند إلى لوقا ، وفي تلك الصحة كلام سنثبته في موضعه من بحثنا إن شاء الله .
ليس عندنا إذن دليل نقلي عندهم يثبت رسالة من يسمونهم رسلاً ، ويثبت معهم إنهم كتبوا بالإلهام ، حتى يعتبر كلامهم وحياً أوحى به ، ويجب تصديقه وقبوله ، ولا نجد من الكتب ما يؤيد هذه الدعوى ويثبتها ، بل إن راجعنا هذه الكتابات لا نجد أن كتابها يدعون لأنفسهم إنهم رسل ، ولا من تلاميذه العشرين والمائة ، ولا من السبعين الذين ذكرهم لوقا.
وقد رأينا بطرس في رسالتيه يقدمهما بأنه رسول يسوع المسيح ، ولم يذكر لنفسه وصف الرسالة المطلقة من الله. ولا نجد في عباراتهم ما يدل على إنهم كتبوا ما كتبوا بالإلهام ، إلا رسائل بولس ، فهو الذي يذكر في رسالته أنه يتكلم عن الله ، وأحياناً يقول إنه يتكلم من نفسه.
وإذن فلنا أن نقول أن أصحاب هذه الكتب والرسائل لا يدعون لأنفسهم الرسالة والإلهام إلا بولس الذي كانت صلته بالمسيحية على ما علمتم ، وليس في كتبها ما يشهد له بالرسالة والإلهام ، بله الإيمان إلا سفر الأعمال ، وقد علمت قوة الاستدلال به ، والاعتماد عليه في الاحتجاج والإثبات.



دعوى الإلهام ليست محل إجماع المسيحيين

57- وفي الحق أن دعوى إلهام الرسل في كل ما كتبوا لم تكن محل إجماع من كتاب المسيحيين في القديم والحديث ، فطائفة من علماء إنجلترا قالوا في مؤلف كتبوه إن الذين قالوا أن كل قول مندرج في الكتب المقدسة إلهامي لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة ، ثم قالوا : "إن سألنا أحد على سبيل التحقيق أي جزء تعتبرون من العهد الجديد إلهامياً ، قلنا المسائل ، والأحكام ، والأخبار بالحوادث الآتية التي هي أصل الملة المسيحية - لا ينفك الإلهام عنها. وأما الحالات الأخرى فكان حفظ الحواريين كافياً لبيانها ".

وترى من هذا أن بعض العلماء لا يرون إن كل ما في كتب العهد الجديد إلهامي ، بل منه الإلهامي وغير الإلهامي.
ولكن هناك من يقول : إنه يشك في أصل الإلهام فيها ، فهذا عالم مسيحي يقال له ريس يقول ناقلاً حاكياً بعض أقوال المتقدمين : "أن الناس قد تكلموا في كون الكتب المقدسة إلهامية ، وقالوا إنه يوجد في أفعال مؤلفي هذه الكتب وأقوالهم أغلاط ، واختلافات ، فمثلاً إذا قوبلت الآيات 19 ، 20 من الإصحاح العاشر من متى و11 من الإصحاح الثالث عشر من إنجيل مرقس إذا قوبلت هذه الآيات بالآيات الست التي في سفر الأعمال في إصحاحه الثالث والعشرين يظهر ذلك الاختلاف جلياً. وقيل أيضاً أن الحواريين ما كان يرى بعضهم بعضا صاحب وحي ، كما يظهر هذه من مباحثهم في محفل أورشليم ، ومن إلزام بولس لبطرس ، وقيل أيضاً أن المسيحيين القدماء ما كانوا يعتقدونهم منزهين عن الخطأ ، لأنهم في بعض الأوقات تعرضوا له".
ولقد قطع بعض العلماء بأن بعض هذه الكتب ليس من الإلهام في شيء فإنجيل متى على قول القدماء من المسيحيين ، وقول جمهور المتأخرين الذين قالوا إنه كتب باللسان العبراني كما أسلفنا من القول ، قد قالوا أن أصله فقد ، وترجمته ليست بالإلهام.
ويقول استادلن وغيره أن إنجيل يوحنا ليس بإلهام ، وجميع رسائل يوحنا ليست بإلهام على رأي فرقة لوجين ، وكذلك الرسالة الثانية لبطرس ، ورسالة يهوذا ، ورسالة يعقوب ، والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا ، ورؤياه النبوي - كل ذلك عند الأكثرين ليس بإلهام ، وكان كذلك إلى سنة 393 ميلادية".



دعوى الإلهام باطلة ممن يدعيها

58- ومهما يكن اختلافهم بالنسبة لكونها ملهمة كلها أو بعضها ، وطريق الإلهام ، فإدعاء الإلهام على فرض اتفاقهم عليه ليس له من البينات ما يثبته ، ولا من الأدلة ما يقيم ادعاءه ، ونحن نطالبهم بدليل.
وكان يصح لنا أن نقف موقف المانع منعاًً مجرداً ، نطالبهم بالدليل حتى يقيموه ، ولكن تتميماً للبحث وتعريفاً للحقائق نثبت أن دعوى الإلهام باطلة من أساسها ، ليس لعدم إقامة الدليل عليها ، بل لأن البينات قائمة ضدها ، ذلك لأنها لو كانت بإلهام من الله كما يقولون لكانت صادقة في كل ما أخبرت به ، وما وجد الباطل منفذاً ينفذ منه إليها ، ولم يكن ثمة محل لتكذيبها ، ولكانت متفقة غير مختلفة ، ولم تكن متضاربة بأي نوع من أنواع التضارب ، وذلك لوحدة من صدرت عنه ، لأنها جميعاً صادرة عن واحد ، وإن اختلف الناطقون بها ، ولكنا وجدنا بينها اختلافات من أوجه عدة ، ووجدنا فيها أخباراً تناقض ما علم في التاريخ وكان مشهوراً فيه ، ولنذكر بعض هذه الأمور على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر.


التضارب بين كتب العهد الجديد

(أ) أول ما يلقاك من أوجه اختلاف الأناجيل في الأمر الواحد الذي لا يقبل إلا حقيقة واحدة. اختلاف إنجيل متى عن إنجيل لوقا في نسب المسيح ، فإن من يقابل بين نسب يوسف النجار متبني المسيح في الأناجيل يجد الاختلاف في ستة أرجه ذكرها الشيخ - رحمه الله - الهندي في كتابه إظهار الحق فقال :
1- في متى أن يوسف بن يعقوب ، وفي لوقا أنه ابن هالى.
2- يعلم من متى أن عيسى من أولاد سليمان بن داود عليهم السلام ، ومن لوقا أنه من أولاد ناثان بن داود.
3- يعلم من متى أن جميع آباء المسيح من داود إلى جلاء بابل سلاطين مشهورون ، ومن لوقا إنهم ليسوا بسلاطين ولا مشهورين غير داود وناثان.
4- يعلم من متى أن سلتاثيل بن بكينا ، ومن لوقا أن سلتاثيل ابن نيرى.
5- يعلم من متى أن اسم ابن زربايل أبيهود ، ومن لوقا أن اسمه ربسا.
والعجب أن أسماء بني زربايل مكتوبة في الباب الثالث من السفر الأول من أخبار الأيام من كتب العهد القديم. وليس فيها أبيهود ولا ريسا فكل منهما غلط.

6- من داود إلى المسيح عليهما السلام ستة وعشرون جيلاً على ما بين متى ، وواحد وأربعون على ما ذكر لوقا.
هذه أوجه اختلاف ستة في نسب المسيح عليه السلام وهو نسب يوسف النجار ، الذي كان رجل مريم كما تذكر الأناجيل ، وهذا الاختلاف الذي يعترف به المسيحيون ، ولا يجدون مناصاً من الإقرار به يدل على أمرين :
أحدهما : أن أحد الإنجيلين لم يكن بإلهام بيقين ، إذا فرضنا أن أحدهما صادق والآخر كاذب ، فالكاذب لا شك لم يكن بإلهام ، وإلا كان الإله الذي أوحى به كاذباً ، وذلك لا يليق بحسب بداهة العقل ، ولما كان الصحيح منهما غير متعين فالشك يرد على الاثنين ، حتى يثبت الصحيح ، ويقوم الدليل على صدقه دون الآخر ، ومع هذا الشك لا يمكن الاعتقاد بأن ثمة إلهاماً ، لأن الشك أن أعترى الأصل زال الاعتقاد.
ثانيهما : أن إنجيل متى لم يكن معروفاً للوقا ، أي إنه لم يكن متدارسة معروفاً لدى العلماء في المسيحية. مع أن تدوين إنجيل متى يسبق تدوين إنجيل لوقا بأكثر من عشرين سنة على ما عليه جمهورهم ، ولو كان لوقا يعرفه لراجعه ، وما وقع في الخطأ الذي وقع فيه ، أو على الأقل ما خالفه ، وإذا لم يكن معروفاً لدى علماء المسيحية ، وحوارييها ورسلها ، فلابد إنه لم يكن معروفاً قط ، أو بعبارة أصرح ، ربما لم يكن موجوداً قط.
ولا مناص من هذا إلا أن يقول أن لوقا كان يعرفه ، وأطلع على حديث النسب فيه ، وخالفه على بينه منه ، لأنه لم يصدقه ، وعلى ذلك لا يكون لوقا معترفاً برسالة متى ، والإيحاء إليه ، وإن ما كتبه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وإلا ما خالف مع علمه.
وخلاصة القول في ذلك أن تلك المخالفة تنتج إحدى اثنتين : أما ألا يكون إنجيل متى معروفاً للرسول لوقا ، وذلك يقتضي إلا يكون موجوداً. وأما أن يكون موجوداً يعرفه لوقا ، ولكن لا يعترف به مصدراً صادق الرواية. وإحدى القضيتين لازمة حتماً ، ولكن لا يعترف المسيحيون بكلتيهما.

(ب) ونجد في الإصحاح الخامس عشر من إنجيل متى إنه بعد مناقشة الفريسيين تقدمت إليه امرأة ، ابنتها مريضة بالجنون تطلب شفاءها ، ونص الخبر كما جاء في ذلك الإصحاح : "ثم خرج يسوع من هناك ، وانصرف إلى نواحي صور صيداء. وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة : ارحمني يا سيدي يا ابن داود ، ابنتي مجنونة جداً ، فلم يجبها بكلمة ، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين : اصرفها ، لأنها تصيح وراءنا". تجئ هذه القصة في الإصحاح الثامن من إنجيل مرقص بالنص الآتي : "ثم قام من هناك ، ومضى إلى تخوم صور وصيداء ، ودخل بيتاً وهو يريد ألا يعلم به أحد ، فلم يقدر أن يختفي لأن امرأة كان بابنتها روح نجس سمعت به ، فأتت وخرت عند قدميه ، وكانت المرأة أممية وفي جنسيتها فينيقية سورية".
ففي هذا النص يبين جنس المرأة بأنها فينيقية سورية ، وإنها أممية ليست من اليهود ، وفي الأولى توصف بأنها كنعانية أي ليست فينيقية ، فأيها الأحرى بالقبول ؟ لاشك إنه لا يمكن أن تكون الروايتان صادقتين معاً ، بل لابد أن تكون أحداهما كاذبة وليست بإلهام من الله ، لأن الله لا يكذب ، وإذا كانت أحداهما ليست صادقة بيقين ، وكاذبة بيقين ، ولم يدر أيتهما الكذابة المفتراة ، فالشك إذن ملازم الاثنتين لا ينفصل عنهما ، حتى نتبين الصدق من الكذب ، ولا سبيل إلى ذلك ، ولا يمكن أن نثبت لأيهما إلهاماً مع هذا الشك الملازم الذي لا سبيل إلى إزالته.
(جـ) وقد اختلف خبر القبض على المسيح لمحاكمته في متى عن يوحنا ، ففي متى جاء في ذلك بالإصحاح السادس والعشرين ما نصه : وفيما هو يتكلم ، وإذا يهوذا واحد من الاثني عشر قد جاء ، ومعه جمع كثير بسيوف وعصى من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب ، والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلاً : "الذي أقبله هو أمسكوه فالوقت تقدم إلى يسوع ؟ وقال السلام يا سيدي وقبله ، فقال يسوع يا صاحب لماذا جئت ؟ حينئذ تقدموا ، وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه" هذا ما جاء متى ، وجاء في يوحنا في هذا المقام ما نصه : "فأخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح فخرج يسوع ، وهو عالم بكل ما يأتي ، وقال لهم : من تطلبون ؟ أجابوه : يسوع الناصري ، قال لهم : أني أنا هو ، وكان يهوذا مسلمه أيضاً واقفاً معهم ، فلما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض ، فسألهم أيضاً من تطلبون ؟ فقالوا يسوع الناصري ، أجاب يسوع قد قلت لكم : أني أنا هو ، فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون ليتم القول الذي قاله : إن الذين أعطيتني لم أهلك أحداً".
وترى هنا اختلافاً بينا بين الروايتين ، فمتى يقول : أن يهوذا هو الذي أعلمهم بالمسيح بالعلامة التي اتفق معهم عليها ، وهي تقبيله ، ويوحنا يقول : إن المسيح هو الذي قدم نفسه وكفى يهوذا مئونة التعريف ، ولا شك أن ذلك الاختلاف البين في رواية حادثة واحدة يجعل إحدى الروايتين كاذبة والثانية صادقة ، والكاذبة ليست بإلهام ، فإحداهما ليست بإلهام ، ولا سبيل إلى معرفتها فيثبت الشك في الروايتين.
وفي الحق أن من يراجع الأناجيل في خبرها عن القبض على المسيح وحبسه ، ثم محاكمته وصلبه في زعم النصارى ، ثم قيامته من قبره ، يجد الاختلاف في أخبارها اختلافاً بينا ، ولو كان بعض هذا الاختلاف في شهادة اثنين يشهدان في درهم ما ثبت بشهادتهما دعوى ، ولا انتصر بها حق.
ولتراجع الأناجيل في هذا المقام لتعرف مقدار الصحة في خبرها ، ولتعرف مقدار ما في دعوى الإلهام لكاتبيها عند كتابتها من حق ، فلا شك أن ذلك الاختلاف الذي لا يمكن التوفيق بين متناقضة يؤدي إلى أن تلك الأناجيل يأتيهما الشك من كل جانب ، يأتيها من بين يديها ، ومن خلفها ، فلا يمكن أن تكون إلهاماً من حكيم حميد.
وإن ذلك الاختلاف فيما أحاط بمسألة الصلب - فوق إنه يفقد الثقة بالأناجيل ، هو أيضاً يجعل خبر الصلب عند القارئ الخالي الذهن الذي لم يكن في ذهنه قبل القراءة ما ينفيه أو يثبته موضع الشك الذي يرجح فيه الرد على القبول ، والتكذيب على التصديق.
(د) وفي موت يهوذا الذي خان المسيح على زعمهم ، اختلف رواية متى عن رواية لوقا في سفر أعمال الرسل. فمتى يقول : إنه خنق نفسه ومات ، كما جاء في الإصحاح السابع والعشرين.

ولوقا يقول في سفر الأعمال : إنه خر على وجهه ، وانشق بطنه ، فانسكبت أحشاؤه كلها ومات.
ولا شك أن بين الروايتين اختلافاً ، لأن الموت بالخنق غير الموت بشق البطن ، ولابد أن تكون أحداهما على الأقل كاذبة. ولكنها غير معلومة ، فيتطرق الشك إلى الأخرى فيردان معاً ، ولا يمكن أن تكونا بإلهام أو لا يمكن مع ذلك الشك الإيمان بأن كلتيهما بإلهام.
(هـ) قد اشتمل بعض هذه الكتب على أخبار لو صحت لكانت معلومة مشهورة في التاريخ يعرفها الخاص والعام ، ولدونتها كتب التاريخ على إنها حوادث مفردة عجيبة في الدهر. ولكن لم يرد لها ذكر في التاريخ ، ولم يعرف الناس أمرها إلا من تلك الكتب.
هذا متى يقول عند صلب المسيح وقيامته : فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح ، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل ، والأرض تزلزلت ، والصخور تشققت ، والقبور تفتحت ، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين ، وخرجوا من القبور بعد قيامته ، ودخلوا المدينة المقدسة ، وظهروا لكثيرين. وأما قائد المائة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة ، وما كان ، خافوا جداً ، وقالوا : حقاً كان هذا ابن الله".
وهذه حادثة عظيمة لو صحت لدونها التاريخ العلم الذي لم يشر إلى المسيح بكلمة ، ولو صحت أيضاً لآمن الرومان واليهود ، الصخور تتشقق ، والأرض تزلزل ، والأموات ينتشرون ، ويسيرون على الأرض ، ويراهم الكثيرون ، ويبقى بعد ذلك مساغ لإنكار ، ولكن لم ترد أخبار بإيمان أحد من اليهود على أثر تلك البينات الباهرات.
ولقد جزم العلامة المسيحي نورتن يكذب هذه الحكاية ، وقال في تكذيبها : "هذه الحكاية كاذبة والغالب أن أمثال هذه الحكاية كانت رائجة في اليهود بعد خراب أورشليم ، فلعل أحداً كتب هذه الحكاية في النسخة العبرانية ، وأدخلها الكتاب في المتن ، وهذا المتن في يد المترجم فترجمها كما وجدها".
ونقول : لعل كثيراً مما في المتن أصله في الحاشية ثم نقل خطأ في المتن ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكيف يكون هذا الكتاب وأشباهه مصدراً لاعتقاد جازم ، وإيمان بدين ، وكيف يزعم زاعم أن هذا الكتاب بحواشيه الدخيلة غير المعلومة من متنه الأصيل ، هو بإلهام من الله العلي القدير ؟! ولكن في العالم عقول تقبل ذلك.
بيد إنه من الإنصاف لهذه العقول أن نقول : أنهم يقيمون غواشي تمنع نورها أن يكشف عن موضع الضعف فيها فهي لا تقبله على نور وبينة ، وسلطان مبين.
59- هذه بعض المتناقضات بين هذه الكتب بعضها مع بعض وبعض مناقضتها للعقل والمدون في التاريخ ، وإنَّا نحيل القارئ في هذا المقام إلى كتاب إظهار الحق للشيخ - رحمه الله - الهندي : فقد أتى بأكثر من مائة اختلاف بين هذه الكتب ، وجابه بها مناظريه ، فلم يحيروا جواباً ، ولم يستطيعوا خطاباً ، ولسنا نريد أن ننقلها برمتها منه فليرجع القارئ إليه ، فسيجد الغريب.



التناقض بينها مبطل لإدعاء الإلهام وبيان إنكارهم لبعضها ثم اعترافهم به

وإذا كانت هذه الكتب متناقضة متضاربة يلحق الكذب كلها في حملتها وأجزائها عند مناقشتها فهي إذن ليست بإلهام ، ويكفي هذا بطلانا لمدعاهم في الإلهام.
وإن نسبة هذه الكتب إلى من نسبت إليهم على ما فيها ، وعلى إنها في ذاتها ليست حجة ، هي موضع شك كثير ، فإنه ليس لهم سند متصل يصل هذه الكتب في أقدم العصور التي عرفت فيها - بالكاتبين لها ، فهي لم تعرف معرفة كاملة قبل مجمع نيقية الذي كان في سنة 325 ، ولم يجئ ذكر لها قبل ذلك إلا على لسان أرينيوس سنة 200 وكليمنس سنة 216.
بل إن مجمع نيقية لم يعترف بكثير منها ، فإن ذلك المجمع لم يعترف بما يأتي :
1- برسالة بولس إلى العبرانيين.
2- ورسالة بطرس الثانية.

3 ، 4- ورسالة يوحنا الثانية والثالثة.
5- ورسالة يعقوب.
6- ورسالة يهوذا.
7- ورؤيا يوحنا التي تسمى "الكتاب النبوي" ولم يحكم بصحة هذه الكتب إلا في مجمع لوديسيا سنة 364.


انقطاع السند في نسبتها لكاتبيها :

فقبل سنة 364 لم يعترف بصحة هذه الرسائل السبع ، وقبل سنة 325 لم تكن الكتب كلها معروفة أو مختصة بذلك التقديس. وآخر كتاب من هذه الكتب كتب في القرن الأول ، فبين آخر كتبهم تدويناً في زعمهم ، ومعرفته والاعتراف به أكثر من خمس وعشرين سنة ومائتين لا راوي يرويها ، وقد وقع بهم من الأحداث في هذه المدة ما يذهب باللب ويضيع الرشد ، وينسي المرء معه كل شيء ، وإن الكتب نفسها لم تسلم من الاضطهاد. فقد أصدر أحد أباطرة الروم سنة 303 أمراً بهدم الكنائس وإحراق الكتب ، وعدم اجتماع المسيحيين لأداء عباداتهم ، فنفذ الولاة الأمر ، فهدموا الكنائس ، وحرقوا الكتب ، وأتوا على كل ما للمسيحيين من بيوت عبادة وكتب ، هدماً وتحريقاً ، ومن سبق إلى ظنهم إنه أخفى كتاباً عذبوه عذاباً شديداً ، حتى يعلنه فيحرق.
ومن قبل ومن بعد أنزلوا البلاء بعلمائهم ، فما تركوا عالماً منهم بالديانة إلا قتلوه ، وكان الولاة يتفننون في طرق إبادة المسيحية من الوجود ، أبادوا العلماء حتى لا يوجد من يرشد إليها ، ويتوارث العلم بها ، وأبادوا الكتب حتى لا تحفظ تلك الديانة في الصدور أو السطور.
ولا شك أن ذلك الاضطهاد الذي دام إلى صدر القرن الرابع يجعل الكتب التي رويت قبل ذلك موضع شك في نسبتها إلى قائليها ، حتى يقوم دليل على صحة تلك النسبة ، ولم يقيموا أي دليل ، لأن السند منقطع بينها وبين من تنسب إليهم ، والحبل بينهم وبينها غير متصل بأوهى أنواع الاتصال ، لأن السند المتصل الذي يطمئن معه القارئ لكتاب ، فيغلب على ظنه إنه صادق النسبة إن نسب إليه ، هو أن يروى ثقة عن ثقة مثله حتى يصل السند إلى من لقي المؤلف فيقول : سمعته منه أو تلقيته عنه ، أو قرأته عليه كما ترى في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويكون كل راو من تلك السلسلة المتصلة حلقاتها عدلاً ثقة ، ضابطاً حافظاً ، وإذا كان السند غير متصل بين ذيوع هذه الكتب واشتهارها ، وبين قائليها ، فقد ذاعت بعد سنة 364 ، ومن نسبت إليهم كتابتها كانوا في وسط وآخر القرن الأول ، فالعقل يتشكك في هذه النسبة ، ولا يثبت مع الشك كتاب يكون حجة لديانة.
هذه كتبهم ، اعتقدوا إنها كتبت بإلهام من كتابها ، ولم يقيموا أي دليل على دعوى الإلهام ، وبدراستها يتبين التناقض بينها ، مما يثبت إنها ليست بإلهام من الله ، وبدراسة تاريخها يثبت إنها منقطعة السند عمن نسبت إليهم.


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع **


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7stars.forumarabia.com
بوجى
المدير العام
المدير العام
بوجى


اسم العضو : محمد حسن
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 739
تاريخ الميلاد : 25/03/1994
تاريخ التسجيل : 28/09/2010
العمر : 30

المسيحية والمسيح والقول الفصل ** Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسيحية والمسيح والقول الفصل **   المسيحية والمسيح والقول الفصل ** I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 21, 2011 5:04 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


موازنة قس بين أحاديث الرسول وكتبهم من حيث الرواية

60- ولقد جرؤ قس اسمه إبراهيم سعيد في شرحه لإنجيل لوقا ، فعقد موازنة بين روايته ، ورواية أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : "إن الذي يطالع ديباجة بشارة لوقا يستعيد إلى ذاكرته ديباجة الأحاديث في الإسلام ، غير إنه إذا تشابهت الديباجتان في بعض الأوجه ، فإن أوجه الخلاف تفوق بكثير أوجه الشبه ، فمن أوجه الشبه :
(أ) أن بشارة لوقا والأحاديث كلاهما ترجمة حياة ، وأقوال مؤسس لدين واسع الانتشار.
(ب) إن الذين كتبوها أخذوها من أقوال مسلمة إليهم.
إلى هنا فقط تنتهي أوجه الشبه ، أو تبتدئ زاوية الانفراج تتسع إلى أن تختفي خطوطها مع رسوم الأبد.
(أ) فالأحاديث النبوية كتبها أناس أخذوها عن أناس آخرين ، وهؤلاء الآخرون أخذوها عن التابعين ، وهؤلاء أخذوها عن الصحابة ، والتبر متى تنقل بين الأيدي الكثيرة أمتزج بكثير من التراب ، أن لم يتحول تراباً ، ولكن لوقا أخذها عن شهود عيان ممن رأوا المسيح ، وخدموا إنجيله.
(ب) نقلت الأحاديث النبوية عن رواة ، وما آفه الأخبار إلا رواتها لكن سيرة المسيح سجلها مؤرخون محققون للأمور المتيقنة عندهم.

(جـ) كانت مهمة كتبة سيرة نبي الإسلام جمع الأحاديث وتكديسها ، لكي يظفروا بأكبر عدد ممكن ، وكانت مهمة لوقا التمحيص العلمي ، إذ كان هو طبيباً عملياً ، علمياً دقيقاً.



بيان ما في كلامه من زيف

61- هذا نص ما كتبه ذلك القس في الموازنة بين أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإنجيل لوقا ، ونحن نقره في أن أوجه الاختلاف تنفرج زاويتها ، حتى لا يتلاقى المتشابهان بعدها ، وأن شئت الحق الخالص من كل تمويه ، والصدق الخالي من كل تزوير فقل إنه لا تشابه بينهما ، كخطين متوازيين لم يتلاقيا ، ولن يتلاقيا قط.
ولكن أذلك الاختلاف يعلى الأحاديث أم يعلى البشارة المنسوبة للوقا ؟ هنا نختلف مع القس. فهو يزعم أن ذلك الاختلاف يعلى بشارة لوقا ، وبفقد الثقة أحاديث الرسول ، وهو لكي يؤيد هذا الزعم يأتي بالمحاسن فيسميها مساوئ ، ويعرض لما يوجب الثقة ، فيزعمه دليل نقيضها ، وهو في هذا كمن يزعم قبح الشمس في نورها الرائع ، وضوئها الساطع ، وقبح القمر في صفائه ، وانبلاجه في ظلمة الليل البهيم ، ثم يستعين في تقبيح المحاسن إلى التشبيهات والأخيلة والرموز ، كشأن المموهين دائماً ، عندما يحاولون طمس المعقول ورد المقبول. ومعارضة ما تنتجه بدائه العقول ، والمنطق المستقيم.
يقول أن الأحاديث كتبها ناس عن ناس حتى يصلوا إلى التابعين ، فالصحابة ، وبشارة لوقا أخذها عن شهود عاينوا ، ويرى أن رواية بشارة لوقا هي المثلى ، ورواية الأحاديث ليست المثلى. ويستدل على ذلك بأن التبر متى تنقل بين الأيدي أمتزج بالتراب أو تحول إلى تراب ، فأي دليل هذا ؟ ومن أي أبواب الأقيسة المنطقية ، ومن أي أشكالها ؟ أن ذلك ليس من المنطق في شيء ، ولا يمت إليه بنسب ، بل لا نستطيع أن نقول أن ذلك قياس خطابي ، لأن الأقيسة الخطابية ، وإن كانت ظنية لا تناقض العقل ، ولا تكذب على البدائه ، ولكنا مع ذلك نناقش ذلك الاستدلال.
إن أحاديث الرسول رويت بسند متصل ، وذلك عيبها في زعم هذا الكاتب ، وبشارة لوقا لم ترو بسند متصل ، وذلك حسنها ، وإذا قال لك قائل : أين ما تثبت به إنه روى عن شهود عاينوا ، ومن هم هؤلاء الذين عاينوا وأخبروه ؟ ولماذا لم يتولوا هم التدوين ، وهم أولى بذلك ، وكلامهم أحرى بالتصديق ، فلا جواب عنده بلا ريب.
فأيتها العقول المستقيمة ، أي الخبرين أحرى بالقبول ، خبر من ذكر إنه روى عن فلان العدل المعروف بالصدق والتقوى ، وعينه ، وعدالته مشهورة ، وصدقه معروف ، أم خبر من ذكر لك إنه روى عمن عاين ولم يبين من هو ، ولم يخبر عنه ؟ فلم نعرف أهو ثقة مقبول الرواية أم هو غير ثقة كيهوذا الأسخريوطي ؟ إن أقصى ما يقال هو أن لوقا نقل عن بولس ، لأنه كان رفيقاً له في بعض أسفاره ، ولكن بولس نفسه لم يكن من تلاميذ المسيح الذين عاينوا وشاهدوا بل كان في صدر حياته حرباً عليهم وألباً ، أذاقهم البلاء اكؤساً ، والشر ألواناً ، فهو راو يحتاج إلى من يوثقه ، إن أدعى أن لوقا روى عنه ، وذلك ما لم يقله حضرة القس.
ولننتقل إلى مناقشة تشبيه الذي ذكره دليلاً : أن التبر إذا انتقل إلى أيد تستطيع صيانته وحياطته - تحفظه من التراب ، وتصونه من الاختلاط به وتميط عنه كل ما يخالط جوهره ، فيزداد بهذا الحفظ بريقاً وصفاء ، أن أحاديث الرسول نقلها ثقات صانوها وحفظوها ، ولكن يظهر أن القس يأبى في مناقشته إلا أن يخالف كل معقول ، حتى يكون كل كلامه متفقاً مع الباعث عليه والداعي إليه ، فيزعم أن التبر قد يتحول إلى تراب إذا تناقلته الأيدي.
فأيها الناس ، ويأيها العرب والعجم ، ويأيها الشرق ، ويأيها الغرب هل علمتم أن الذهب يتحول إلى تراب ، ولكن القس المرشد الرشيد يقول ذلك فصدقوه وكذبوا العقل والحس والمشاهدة.
ثم من الذي روى لنا تلك البشارة عن لوقا ؟ أن السند يجب أن يكون معروفاً حتى لوقا ، قبل أن نتعرف النسبة بين لوقا والمسيح ، أن بشارة لوقا كتبت كما يزعم النصارى في العشرة السابعة بعد المسيح من غير أن يعينوا الزمن تعييناً دقيقاً ، ولكن لم يرد في التاريخ ، ولا على ألسنة الرؤساء والقسيسين أي ذكر لها إلى سنة 200 ثم ذكرت الأناجيل الأربعة على لسان اثنين من العلماء فقط من سنة 200 إلى سنة 325 ، ولم نعرف هذه الأناجيل المدونة المسطورة الآن هي التي جاء ذكرها على لسان عالمين من علمائهم في فترة من التاريخ قدرها خمس وعشرون سنة وثلاثمائة ، وهي فترة طويلة.
ولكن مع كل هذا يستحسن القس إبراهيم سعيد تلك الحال ، فقد زينت له فرآها الأمر الحسن الجدير بالثقة. ورأى غيرها الأمر القبيح الجدير بالرد. وهل نطالب ذا رمد أن يفتح عينية في ضوء الشمس ، أو نطالب من فقد حاسة الشم أن يدرك أريج الزهر ، وعرف الطيب ، أو نطالب من تلفت منه المشاعر أن يكون صادق الحس دقيق الشعور.
62- ولننتقل إلى الفرق الثاني الذي ذكره معلياً لبشارته ، ومنزلاً بأحاديث نبيناً عليه الصلاة والسلام يقول : فقلت الأحاديث عن طريق رواة ، وما آفة الأخبار إلا رواتها ، أما سيرة المسيح فقد سجلها مؤرخون محققون للأمور المتيقنة عندهم.
هذا ما ذكره بنصه تقريباً ، وهو يبين أرجحية أخبار أناجيله عن سيرة المسيح بأنها رواها التاريخ ، أما عن السنة فراوية رواة ، وآفة الأخبار رواتها ، ولا نريد مناقشة تلك الكلمة العامية التافهة " آفة الأخبار رواتها " فإنها لا تصلح مقدمة لدليل علمي ، ولو أن طالباً ممن تلقوا العلم عليما قالها لعركنا أذنه وأسررنا إليه أن رواة الأخبار الذين هم آفاتها إنما هم الكاذبون ، وأما الصادقون العادلون ، فليسوا آفاتها بل حملتها ، وإلا ما صحت شهادة ، ولا قبل القضاء بينات ، ولا ثبتت حقوق ، ولا أدين منهم ، ولا برئ بريء.
ثم يقول إن أناجيله سجلها مؤرخون محققون ، فكيف نسميهم ؟ أرواة رووا عن غيرهم ؟ إن كانوا كذلك ، فقد سجل على سيرته ما عنده قبيحاً عند غيره ، وإن كانوا مؤرخين لم يتعرفوه بطريق الرواية ، بل بالنقش على الأحجار ، أو فيما استبطنته بطون الآثار ، فأي أثر هذا وجدوا تلك الأناجيل منقوشة عليه ، ومدونة فيه ، وأثبت التحقيق العلمي أنها ترجع إلى عصر المسيح ، وإنه هو الذي ألقاها ، أو أن تلاميذه دونوها عنه ؟.
إن أخبار التاريخ تثبت بأحد أمرين ، أما بالرواة يروون ، أو بالآثار ينقبون فيها ، ويتعرفونها منها ، لم تثبت الأناجيل بواحد من الأمرين ، فليست ثمة رواية لها ولا رواة ، وهم ينزهونها عن ذلك ، ولا آثار تنطق بها ، وتعلن خبرها فهي إذن يرفضها التاريخ ، ولا يمكن أن يسجلها مؤرخون محققون قط ، وإن التاريخ لا يعرف لها ذكراً إلا من مجمع نيقية أو بعده. فهي مسندة إلى ثمانية عشر وثلاثمائة اجتمعوا في نيقية ، وليست محققة النصبة لغيرهم بل بعضها ليس محقق النسبة عندهم ، وبين هؤلاء وبين المسيح خمس وعشرون سنة وثلاثمائة !! وبعد هؤلاء المجتمعين تناقلها الرواة عنهم ، وأن أغضب ذلك حضرة القس ، وأن ذلك المجمع لنا فيه كلام ، سنقوله في موضعه.
63- ولننتقل إلى مناقشة الفرق الثالث الذي قاله رافعاً مؤرخيه إلى مرتبة الثقة ، يقول : كما كانت مهمة كتبه سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمع ، ليظفروا بأكبر عدد من الأحاديث. وأما مهمة لوقا ، فقد كانت التحقيق والتمحيص ، وهنا نرى القس أخذ يجد بعد الهزل ، ويقول بعد الهذر ، ولكنه إذ ابتدأ يجد قد كذب وأعظم الفرية على أحاديث نبينا ، وأدعى على بشارة لوقا ما ليس فيها ، فأي تحقيق علمي فيها ، وأي تمحيص اشتملت عليه ؟ إنها لا تفترق عن غيرها من حيث اشتمالها على أمور غريبة ، وأشياء عجيبة ، ولم يبين لنا رأيه فيها ، بل كان قاصاً ككل القصاص ، ولا يرفعها إنه كان طبيباً ، لأن نسبتها إليه موضع شك كبير ، ولم يتفق الكتاب على شخصه كما بينا ، ولم يتفقوا على أنه كان طبيباً ، بل منهم من قال إنه كان مصوراً ، وعلى ذلك تكون دعواه التمحيص في بشارة لوقا لا تؤيدها ما دون فيها ، ولا تؤيدها نسبتها إلى لوقا.
ولننتقل بعد ذلك إلى رد افترائه ، وكذبه على أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن المطلع على أخبار رواتها العدول ، وما كتب في صحاحهم يتبين له إنهم ما كان همهم الجمع ، بل كان همهم التنقيب والبحث فإنهم ما كانوا يروون كل ما يتلقون ، بل يختارون الصادق مما يتلقون ، وإن الذي يرفضون كان أضعاف ما يقبلون وينقلون ، لأنهم كانوا يتحرون الصدق ليتميز الخبيث من الطيب ، وإن الصحابة كانوا يتهمون من يكثر من الرواية خشية أن يخبر عن الرسول بغير ما رأى وشاهد ، فكيف يقول ذلك الرجل على غير علم ، أو محرفاً الكلم عن مواضعه : "إن رواة الأحاديث كان همهم الجمع" ، كلا إنهم كانوا ينقدون ما يروون ، ينقدون السند أولاً ، فلا يقبلون إلا من الرواة الذين أشتهر صدقهم وضبطهم وفهمهم لما يحملون ويروون ، وينقدون متن الحديث ، فيعرضونه على الكتاب وما أشتهر من السنة واستفاضت به الأخبار ، وما علم من هذا الدين بالضرورة فإن لم يخالفها بعد أن روى بسند متصل مكون من عدول كان مقبولاً ، وإلا كان مردوداً ، ونريد أن نهمس في أذن حضرة القس الرشيد بأن من أسباب ردهم لبعض الأحاديث ورفض نسبتها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام - عدم موافقتها للعقل ، فهل له أن يطبق ذلك النقد على أناجيله ورسائله ؟ إنا ننصح له أن يفعل ، لأنا نريد له الهدى ، لا الضلال ، والرشد لا الغي ، وهي نية نحتسبها عند الله.


نظرة في الوحي في الإسلام والوحي في المسيحية

64- نريد أن نختم مناقشتنا لذلك القسيس بمناقشة كلمة ذكرها : وهي التفرقة بين الوحي في الإسلام والوحي في المسيحية. فيقول عن الوحي في الإسلام : "أن الوحي في الإسلام هو التجرد عن كل شيء إنساني ، وتلاوة ما يسمونه اللوح المحفوظ ، ولكن الوحي في المسيحية يجمع بين العنصر البشري والعنصر الإلهي ، أي الملهمات الإلهية تتجسد في لباس لغوي بشري ، لتكون مفهومة لدى الناس الذين تبلغ إليهم ، فالكلمة المعلنة المكتوبة في الإنجيل هي رمز لكلمة الله ، الوحي المعلن لنا حق الله.
من أجل هذا يعتقد المسيحيون أن الوحي بالروح القدس لا يحرم على الموحي إليهم استخدام الوسائل البشرية الاجتهادية الممكنة لديهم ولا يرفع من الكاتب مسئولية الاجتهاد ، والتحقيق والتدقيق ، هذا بخلاف الإعلانات المحتوى عليها كتاب الوحي التي لا تتدخل فيها مواهب الكاتب الطبيعية ، بل هي من الله أولاً وأخراً ، كالنبوات المتفرقة في كل أجزاء الكتاب المقدس ، وسفر الرؤيا".

معنى الوحي

هذه كلمته ، ونريد قبل أن نتعرف من تلك الكلمة معنى الوحي في كتبهم أن نسارع إلى بيان وحي الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام فنقول : إن وحي الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - قسمان : قسم يوحى به على إنه كلام الله تعالت كلماته ، ولهذا يكون المعنى والتعبير لله جلت قدرته ، وذلك كما في القرآن الكريم الذي نزل به الروح الأمين.

القسم الثاني ، الأمور الشرعية التي كان يوحي الله بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبينها للناس ، فالمعنى فيها بوحي من الله تعالى والعبارة فيها للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإذن فكلامه عن الوحي في الإسلام لم يكن صحيحاً في عمومه ، وكان عليه أن يتحرى قبل أن يكتب ، ولكنه لن يفعل.
ولننتقل إلى الوحي بالكتب عندهم ، وهذا ما نريد أن نأخذ العلم به عنه ، وعساه يهدينا إلى ما نعرف به محض الحق المبين.
هو يقول إن كلمات الإنجيل ليست هي كلمات الروح القدس ، التي ألهمها رسلهم ، سواء في ذلك كل كتبهم ، فالعبارة فيها للكاتب ، وليست الروح القدس الذي يلهم رسلهم بما يكتبون فيما يزعمون ، ثم تنقسم كتبهم بعد ذلك إلى قسمين : قسم هو وحي لا تدخل فيه المواهب الطبيعية بالتصرف فيه بأي نوع من أنواع التصرف ، وهو ما يسمى بالنبوات عندهم. والقسم الثاني تتصرف فيه مواهب الكاتب ، وفي هذا القسم لا يرفع عن الكاتب ما يوجبه عليه التحقيق والتدقيق والاجتهاد.
ونظرة فاحصة إلى هذا القول ترينا أن الإلهام قد أخذ يضؤل أمره ، وتتواضع دعواه ، خصوصاً بالنسبة للأناجيل ، لأنها ليست بكتب نبوة كالرؤيا ، ولم يتخللها كلام الله ، كما يفعل بولس في رسائله ، إذ كان يزعم أحياناً إنه يتكلم عن الله ، وأحياناً يقول إنه يتكلم من عنده ، فالأناجيل ليست فيها إذن تلك النبوات ، وعلى ذلك يكون للمواهب الطبيعية البشرية دخل في كتابتها ، ويتحملون تبعة الاجتهاد فيها والتدقيق والتمحيص. ومن يتحمل تبعة عمل ينسب إليه. وعلى ذلك قد يتوارد الخطأ على اجتهادهم وتدقيقهم وتمحيصهم ، فيكون من أخبارهم ما صادف التحقيق فيه الصواب ، وما عرض له الخطأ ، وكيف تكون بعد ذلك بإلهام أو وحي ؟ وكيف تكون مقدسة لا يأتيها الباطل من يديها ولا من خلفها ؟ وإذن فقد أتوا على دعوى الإلهام بالنقض فلا إلهام في الأناجيل إذن.
هذه كلمتنا في كتبهم تحرينا فيها أن نكتبها كما كتبها المسيحيون ، ونوجه من النقد ما وجهوا ، وذلك لكي ننصف القوم.
ولقد القينا عليها نظرة فاحصة لنوائم بين أخبارها المختلفة ، ونجمع بين الأقوال المتضاربة ، ونشير إلى حكم العقل المستقيم عليها ، أهي صالحة لأن تكون مصدر دين يتدين به ألوف من البشر وأهل العلم ، أم غير صالحة ؟.
إن كتاب كل دين هو الأصل والدعامة والأساس ، فإذا كان غير صحيح السند ، أو غير مقبول لدى العقول كان ثبوت الدين فيه نظر ، بل إنه انهار ، وفقد أصله ، ولم يعد شيئاً في الأديان مذكوراً.
ولننتقل بعد ذلك إلى عقيدة المسيحيين ، وبعض شرائعهم كما جاءت بها تلك الكتب التي علمت أمرها


محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)
**




[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://7stars.forumarabia.com
 
المسيحية والمسيح والقول الفصل **
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خير الدعاء والقول والحكمة**
» إصابة عشرات الفلسطينيين فى مظاهرة ضد جدار الفصل
» عودة ذو القرنين .......... الفصل الأول....بقلم/ كامل عشري
» القول الفصل في فتوى زواج ملك اليمين ........... بقلم الأستاذ/فاخر الكيالى**
» المسيحيون فرق وملل( الفرق المسيحية - ((اليعقوبيون )))(((النسطوريون)))(((الفرق القديمة في عهد التثليث)))(((ضياع التوحيد بسبب تحريف الكتب )))**

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سيفن ستارز :: المنتدى الاسلامى :: قصص الانبياء-
انتقل الى: