- اقتباس :
أى ولا بدع فى دخوله صلى الله عليه وسلم فى أمان
كافر لأن حكمة الحكيم القادر قد تخفى وهذا السياق يدل على أن قريشا كانوا
أزمعوا على عدم دخوله صلى الله عليه وسلم مكة بسبب ذهابه إلى الطائف
ودعائه لأهله أى ولهذا المعروف الذى فعله المطعم قال صلى الله عليه وسلم
فى أسارى بدر لو كان المطعم بن عدى حيا ثم كلمنى فى هؤلاء النتنى لتركتهم
له
ورأيت فى أسد الغابة أن جبيرا ولد المطعم رضى الله تعالى عنه
فإنه أسلم بين الحديبية والفتح وقيل يوم الفتح جاء إلى النبى صلى الله
عليه وسلم وهو كافر فسأله
فى أسارى بدر
فقال لو كان الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم لشفعناه فيهم كما سيأتى أى لأنه
فعل معه صلى الله عليه وسلم هذا الجميل وكان من جملة من سعى فى نقض
الصحيفة كما تقدم
قال وعن كعب الأحبار رضى الله تعالى عنه لما انصرف
النفر السبعة من أهل نصيبين من بطن نخلة جاءوا قومهم منذرين ثم جاءوا مع
قومهم وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وهم ثلثمائة
فانتهوا إلى الحجون فجاء واحد من أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال إن قومنا قد حضروا بالحجون يلقونك فوعده رسول الله صلى الله
عليه وسلم ساعة من الليل بالحجون اه
وعن ابن مسعود رضى الله تعالى
عنه قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنى أمرت أن أقرأ على
إخوانكم من الجن فليقم معى رجل منكم ولا يقم رجل فى قلبه مثقال حبة خردل
من كبر فقمت معه أى بعد أن كرر ذلك ثلاثا ولم يجبه أحد منهم ولعلهم فهموا
أن من الكبر ماليس منه وهو محبة الترفع فى نحو الملبس الذى لا يكاد يخلو
منه أحد
وقد بين صلى الله عليه وسلم الكبر فى الحديث ببطر الحق وغمص
الناس أى استصغارهم وعدم رؤيتهم شيئا بعد أن قالوا له يا رسول الله إن
الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال إن الله جميل يحب الجمال
الكبر من بطر الحق وغمط الناس بالطاء المهملة كما فى رواية أبى داود وجاء
لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار أحد فى
قلبه مثقال حبة خردل من إيمان قال الخطابى المراد بالكبر هنا أى فى هذه
الرواية كبر الكفر لأنه قابله بالإيمان قال ابن مسعود وذهب صلى الله عليه
وسلم فى بعض نواحى مكة أى بأعلاها بالحجون فلما برز خط لى خطا أى برجله
وقال لا تخرج فإنك إن خرجت لم ترنى ولم أرك إلى يوم القيامة وفى رواية لا
تحدثن شيئا حتى آتيك لا يروعنك أى لا يخوفنك ويفزعنك ولا يهولنك أى لا
يعظم عليك شىء تراه ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رجال سود
كأنهم رجال الزط وهم طائفة من السودان الواحد منهم زطى وكانوا كما قال
الله تعالى كادوا يكونون عليه أى لازدحامهم لبدا أى كاللبد فى ركوب بعضهم
بعضا حرصا على سماع القرآن منه صلى الله عليه وسلم فأردت أن أقوم فأذب
عنه
فذكرت عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثت ثم إنهم تفرقوا عنه صلى
الله عليه وسلم فسمعتهم يقولون يا رسول الله إن شفتنا أى أرضنا التى نذهب
إليها بعيدة ونحن منطلقون فزودونا أى لأنفسنا ودوابنا ولعله كان نفد زادهم
وزاد دوابهم فقال كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى يد أحدكم أوفر ما كان
لحما رواه مسلم
وفى رواية إلا وجد عليه لحمه الذى كان عليه يوم أكل
وكل بعر علف دوابكم وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنهم لما سألوه صلى
الله عليه وسلم الزاد قال لهم لكم كل عظم عراق ولكم كل روثة خضرة والعراق
بضم العين وفتح الراء جمع عرق بفتح العين وسكون الراء العظم الذى أخذ عنه
اللحم وقيل الذى أخذ عنه معظم اللحم قلت يا رسول الله وما يغنى ذلك عنهم
أى عن أنفسهم وعن دوابهم بدليل قوله فقال إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا
عليه لحمه يوم أكل ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت وفى رواية وجدوه
أى الروث والبعر شعيرا فهذه الرواية تدل على أن الروثة مطعوم دوابهم
ويوافقه ما جاء أن الشعير يعود خضرا لدوابهم ويحتاج للجمع بين كون الروث
كالبعر يعود حبا يوم أكل وبين كونه يعود شعيرا وبين كونه يعود خضرا
هذا وفى رواية لأبى نعيم أن الروث يعود لهم تمرا وهى تدل على أن الروث من
مطعومهم ويحتاج إلى الجمع وجمع ابن حجر الهيتمى بأن الروث يكون تارة علفا
لدوابهم وتارة يكون طعاما لهم أنفسهم أى وفى لفظ سألونى المتاع فمتعتهم كل
عظم حائل وكل روثة وبعرة والحائل البالى بمرور الزمن لأنه لم يخرج بذلك عن
كونه مطعوما كما يخرج بذلك عن كونه مطعوما لهم لهم لو حرق وصار فحما ولعل
الغرض من ذكر الحائل الإشارة إلى أن زادهم العظم ولو كان حائلا لا أنه لم
يمنعهم إلا الحائل وقوله إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل يدل على أن المراد
عظم المذكاة وبدليل ذكر اسم الله تعالى عليه فلا يأكلون مالم يذكر اسم
الله تعالى عليه من عظم أى وكذا من طعام الإنس سرقة كما جاء فى بعض
الأخبار هذا ولكن فى رواية أبى داود كل عظم لم يذكر اسم الله تعالى عليه
قال السهيلى وأكثر الأحاديث تدل على معنى رواية أبى داود
وقال بعض
العلماء رواية ذكر اسم الله عليه فى الجن المؤمنين ورواية لم يذكر اسم
الله تعالى عليه فى حق الشياطين منهم وهذا قول صحيح يعضده الأحاديث هذا
كلامه
أى التى من تلك الأحاديث أن إبليس قال يا رب لليس أحد من خلقك إلا وقد
جعلت له رزقا ومعيشة فما رزقى قال كل مالم يذكر عليه اسمى ومعلوم أن إبليس
أبو الجن وأن مالم يذكر اسم الله عليه يشمل عظم الميتة
ومقابلة
الشياطين بالمؤمنين تدل على أن المراد بهم فسقتهم لا الكفار منهم لأن فى
كون الكفا رمن الجن اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين وأن كلا
الفريقين سأله الزاد وأنه خاطب كلا بما يليق به فيه بعد لا سيما مع ما
تقدم عن ابن مسعود ومايأتى من قوله إخوانكم من الجن ومن ثم قال بعضهم إن
السائلين له صلى الله عليه وسلم الزاد كانوا مسلمين فليتأمل
ولما
ذكر صلى الله عليه وسلم لهم العظم والروث قالوا يا رسول الله إن الناس
يقذرونهما علينا فنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بالعظم أو بروثه
بقوله فلا يستنقين أحدكم إذا خرج من الخلاء بعظم ولا بعرة ولا روثة لأنه
زاد إخوانكم من الجن
وفى رواية قالوا له صلى الله عليه وسلم انه
أمتك عن الاستنجاء بهما فإن الله تعالى قد جعل لنا فيهما رزقا فنهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بالعظم والبعر أى وحرمه نحو البول
أو التغوط عليهما تعلم من ذلك بالأولى ومنه يعلم أن مرادهم بالتقذير
التنجيس لا ما يشمل التقذير بالطاهر كالبصاق والمخاط
وعن جابر بن
عبد الله رضى الله تعالى عنهما قال بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمشى إذ جاءت حية فقامت إلى جنبه صلى الله عليه وسلم وأدنت فاها من
أذنه وكأنها تناجيه فقال النبى صلى الله عليه وسلم نعم فانصرفت قال جابر
فسألته فأخبرنى أنه رجل من الجن وأنه قال له مر أمتك لا يستنجوا بالروث
ولا بالرمة أى العظم لأن الله تعالى جعل لنا فى ذلك رزقا ولعل هذا الرجل
من الجن لم يبلغه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولا يخفى أن سؤال
الزاد يقتضى أن ذلك لم يكن زادهم وزاد دوابهم قبل ذلك وحينئذ يسأل ماكان
زادهم قبل ذلك وقد يقال هو كل مالم يذكر اسم الله عليه من طعام الآدميين
وحينئذ يكون ماتقدم فى خبر إبليس المراد يمالم يذكر اسم اله عليه غير
العظم فليتأمل والنهى عن الاستنجاء يدل على أن ذلك لا يختص بحالة السفر بل
هو زادهم بعد ذلك دائما وأبدا
وقصة
جابر هذه سيأتي فى غزوة تبوك نظيرها وهو أن حية عظيمة الخلق عارضتهم فى
الطريق فانحاز الناس عنها فأقبلت حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون إليها ثم التوت حتى اعتزلت
الطريق فقامت قائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون من هذا
قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا
إلى يستمعون القرآن قال فى المواهب وفى هذا رد على من زعم أن الجن لا تأكل
ولا تشرب أى وإنما يتغذون بالشم
أقول ذكرت فى كتابى عقد المرجان
فيما يتعلق بالجان أن فى أكل الجن ثلاثة أقوال قيل يأكلون بالمضغ والبلع
ويشربون بالازدراد والثانى لا يأكلون ولا يشربون بل يتغذون بالشم والثالث
أنهم صنفان صنف يأكل ويشرب وصنف لا يأكل ولا يشرب وإنما يتغذون بالشم وهو
خلاصتهم والله أعلم
قال ابن مسعود فلماولوا قلت من هؤلاء قال هؤلاء
جن نصيبين وفى رواية فتوارى عنى حتى لم أره فلما سطع الفجر أقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال لى أراك قائما فقلت ماقعدت فقال ماعليك لو فعلت
أى قعدت قلت خشيت أن أخرج منه فقال أما إنك لو خرجت لم ترنى ولم أرك إلى
يوم القيامة أى وفى رواية لم آمن عليك أن يخطفك بعضهم وفيه أن الخروج لا
ينشأ عن القعود حتى يخشى منه الخروج وفى رواية قال لي أنمت فقلت لا والله
يا رسول الله ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس أى لما تراكموا عليك وسمعت
منهم لغطا شديدا حتى خفت عليك إل أن سمعتك تقرعهم بعصاك وتقول اجلسوا
وسأله عن سبب اللغط الشديد الذى كان منهم فقال إن الجن تداعت فى قتيل قتل
بينهم فتحاكموا إلى فحكمت بينهم بالحق
وفى رواية عن سعيد بن جبير
أنه أى ابن مسعود قال له أولئك جن نصيبين وكانوا اثنى عشر ألفا والسورة
التى قرأها عليهم اقرأ باسم ربك أى ولا ينافى ذلك ما جاء عن ابن مسعود رضي
الله تعالى عنه أنه افتتح القرآن لأن المراد بالقرآن القراءة زاد ابن
مسعود على ما فى بعض الروايات ثم شبك أصابعه فى أصابعى وقال إنى وعدت أن
تؤمن بى الجن والإنس أما الإنس فقد آمنت وأما الجن فقد رأيت
أقول وفى هذا أن ابن مسعود لم يخرج من الدائرة التى اختطها له صلى الله
عليه وسلم
وفى
السيرة الهشامية ما يقتضى أنه خرج منها حيث قال عن ابن مسعود فجئتهم فرأيت
الرجال ينحدرون عليه صلى الله عليه وسلم من الجبال فازدحمواعليه إلى آخره
فليتأمل
فعلم أن هذه القصة بعد كل من قصة ابن عباس وقصة رجوعه صلى
الله عليه وسلم من الطائف فإن قصة ابن عباس رضى الله تعالى عنهما كانت فى
أول البعث وقصة رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف بعدها بمدة مديدة كما
علمت وهذه القصة كانت بعدهما بمكة والله أعلم ثم قال صلى الله عليه وسلم
لابن مسعود هل معك وضوء أى ماء نتوضأ به قلت لا فقال ما هذه الإداوة أى
وهى إناء من جلد قلت فيها نبيذ قال ثمرة طيبة وماء طهور صب على فصببت عليه
فتوضأ وأقام الصلاة وصلى
أقول وهو محمول عند أئمتنا معاشر الشافعية
على أن الماء لم يتغير بالتمر تغيرا كثيرا يسلب اسم الماء ومن ثم قال ماء
طهور وقول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فيها نبيذ أى منبوذ الذى هو التمر
وسماه نبيذا باعتبار الأول على حد قوله تعالى إنى أرانى اعصر خمرا وهذا
بناء على فرض صحة الحديث وإلا فقد قال بعضهم حديث النبيذ ضعيف باتفاق
المحدثين
وفى كلام الشيخ محيى الدين بن العربى رضى الله تعالى عنه
الذى أقول به منع التطهر بالنبيذ لعدم صحة الخبر المروى فيه ولو أن الحديث
صح لم يكن نصا فى الوضوء به فإنه صلى الله عليه وسلم قال ثمرة طيبة وماء
طهور أى قليل الامتزاج والتغير عن وصف الماء وذلك لأن الله تعالى ما شرع
الطهارة عند فقد الماء إلا بالتيمم بالتراب خاصة
قال ومن شرف
الإنسان أن الله تعالى جعل له التطهر بالتراب وقد خلقه الله من تراب فأمره
بالتطهر أيضا به تشريفا له وعند أحمد ومسلم والترمذى عن علقمة قلت لابن
مسعود هل صحب النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد فقال ما صحبه
منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا استطير أو اغتيل وطلبناه فلم نجده
فبتنا بشر ليلة فلما أصبحنا إذ هو جاء من قبل الحجون وفى لفظ من قبل حراء
فقلنا يا رسول الله إنا فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة فقال إنه
أتانى داعى الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق فأرانا آثارهم
وآثار نيرانهم وهذه القصة
يجوز أت تكون
هى المنقولة عن كعب الأحبار المتقدم ذكرها وهى سابقة على القصة التى كان
فيها ابن مسعود ويجوز أن تكون غيرها وهى المرادة بقول عكرمة إنهم كانوا
اثنى عشر ألفا جاءوا من جزيرة الموصل لأن المتقدم فى تلك عن كعب الأحبار
رضى الله تعالى عنه أنهم كانوا ثلثمائة من جن نصيبين
وحينئذ يحتمل
أن تكون هذه القصة سابقة على القصة التى كان بها ابن مسعود ويحتمل أن تكون
متأخرة عنها وعلى ذلك يكون اجتماع الجن به صلى الله عليه وسلم فى مكة ثلاث
مرات مرة كان فيها معه ابن مسعود ومرتين لم يكن معه ابن مسعود فيهما
قال فى الأصل ويكفى فى أمر الجن ما فى سورة الرحمن وسورة قل أوحى إلى
وسورة الأحقاف
أقول فعلم أن الجن سمعوا قراءته صلى الله عليه وسلم ولم يجتمعوا به ولا
شعر بهم فى المرة الأولى وهو ذاهب من مكة إلى سوق عكاظ فى ابتداء البعث
المتقدمة عن ابن عباس على ما تقدم ولا فى المرة الثانية عند منصرفه من
الطائف بنخلة على ما قدمنا فيه وعلم أن الروايات متفقة على استماعهم
لقراءته صلى الله عليه وسلم فى المرتين وبه يعلم ما فى المواهب عن الحافظ
ابن كثير أن كون الجن اجتمعوا له صلى الله عليه وسلم فى نخلة عند منصرفه
من الطائف فيه نظر وإنما استماعهم له كان فى ابتداء البعث كما يدل عليه
حديث ابن عباس أى من أن ذلك كان عند ذهابه إلى سوق عكاظ وعلم أنهم اجتمعوا
به صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم وآمنوا به فى مكة مرتين أو ثلاثة بعد
ذلك والله أعلم
وقد أخرج البيهقى فى شعب الإيمان عن قتادة أنه قال
لما أهبط إبليس قال أى رب قد لعنته فما علمه قال السحر قال فما قراءته قال
الشعر قال فما كتابته قال الوشم قال فما طعامه قال كل ميتة وما لم يذكر
اسم الله عليه أى من طعام الإنس يأخذه سرقة قال فما شرابه قال كل مسكر قال
فأين مسكنه قال الحمام قال فأين محله قال فى الأسواق قال فما صوته قال
المزمار قال فما مصايده قال النساء فالحمام محل أكثر إقامته والسوق محل
تردده فى بعض الأوقات والظاهر أن مثل إبليس فيما ذكر كل من لم يؤمن من الجن
= باب ذكر خبر الطفيل بن عمرو الدوسى وإسلامه رضى الله تعالى عنه
كان الطفيل بن عمرو الدوسى شريفا فى قومه شاعرا نبيلا قدم مكة فمشى إليه
رجال من قريش فقالوا يا أبا الطفيل كنوه بذلك تعظيما ل فلم يقولوا يا طفيل
إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل بين أظهرنا قد أعضل أمره بنا اى اشتد وفرق
جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق به بين المرء وأخيه وبين الرجل
وزوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما دخل علينا فلا تكلمه ولا تسمع منه قال
الطفيل فو الله ما زالوا بى حتى أجمعت أى قصدت وعزمت على أن لا أسمع منه
شيئا ولا أكلمه أى حتى حشوت فى أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا وهو بضم
الكاف وسكون الراء ثم سين مهملة مضمومة ثم فاء أى قطنا فرقا أى خوفا من أن
يبلغنى شىء من قوله فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قائم يصلى عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن أسمع بعض قوله أى
فسمعت كلاما حسنا فقلت فى نفسى أنا ما يخفى على الحسن من القبيح فما
يمنعنى من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذى يأتى به حسنا قبلت
وإن كان قبيحا تركت فمكثت حتى انصرف إلى بيته فقلت يا محمد إن قومك قالوا
لى كذا وكذا حتى سددت أذنى بكرسف حتى لا أسمع قولك فاعرض على أمرك فعرض
عليه الإسلام وتلا عليه القرآن أى قرأ عليه قل هو الله أحد إلى آخرها و قل
أعوذ برب الفلق إلى آخرها وقل أعوذ برب الناس إلى آخرها
وفيه أنه
سيأتى أن نزول قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس كان بالمدينة عند ما
سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقال يجوز أن يكون ذلك مما تكرر
نزوله فقال والله ماسمعت قط قولا أحسن من هذا ولا أمرا أعدل منه فأسلمت
فقلت يا نبى الله إنى امرؤ مطاع فى قومى وأنا راجع إليهم فأدعوهم إلى
الإسلام فادع الله أن يكون لى عونا عليهم قال اللهم اجعل له آيه فخرجت حتى
إذا كنت بثنية تطلعنى على الحاضر أى وهم النازلون المقيمون على الماء لا
يرحلون عنه وكان ذلك فى ليلة مظلمة وقع نور بين عينى مثل المصباح فقلت
اللهم فى غير وجهى فإنى أخشى أن
يظنوا
أنه مثله فتحول فى رأس سوطى فجعل الحاضر يتراءون ذلك كالقنديل المعلق أى
ومن ثم عرف بذى النور وإلى ذلك أشار الإمام السبكى فى تائيته بقوله ** وفى
جبهة الدوسى ثم بسوطه ** جعلت ضياء مثل شمس منيرة **
قال فأتانى أبى
فقلت له إليك عنى يا أبت فلست منى ولست منك فقال لم يا بنى قلت قد أسلمت
وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم فقال أى بنى دينى دينك فأسلم أى بعد
أن قال له اغتسل وطهر ثيابك ففعل ثم جاء فعرض عليه الإسلام ثم أتتنى
صاحبتى فذكرت لها مثل ذلك أى قلت لها إليك عنى فلست منك ولست منى قد أسلمت
وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قالت فدينى دينك فأسلمت ثم دعوت دوسا
إلى الإسلام فأبطأوا على ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا
رسول الله قد غلبنى دوس وفى رواية قد غلبنى على دوس الزنا فادع الله عليهم
فقال الهم اهد دوسا قال زاد فى رواية وأت بهم فقال الطفيل فرجعت فلم أزل
بأرض قومى أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة ومضى بدر وأحد والخندق اه فأسلموا قال فقدمت بمن أسلم من قومى
عليه صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر سبعين أو ثمانين بيتا من دوس أى ومنهم
أبو هريرة فأسهم لنا مع المسلمين أى مع عدم حضورهم القتال اه
أقول
قال فى النور وفى الصحيح ما ينفى هذا وأنه لم يعط أحدا لم يشهد القتال إلا
أهل السفينة الجائين من أرض الحبشة جعفرا ومن معه أى ومنهم الأشعريون أبو
موسى الأشعرى وقومه فقد تقدم أنهم هاجروا من اليمن إلى الحبشة ثم جاءوا
إلى المدينة
وفيه أنه سيأتى أنه صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه أن
يشركوهم معهم فى الغنيمة ففعلوا وسيأتى أنه إنما أعطى أهل السفينة أى
والدوسيين على ما علمت من الحصنين اللذين فتحا صلحا فقد أعطاهما مما أفاء
الله عليه لا من الغنيمة وسؤال أصحابه فى إعطائهم من المشهورة العامة
المأمور بها فى قوله تعالى وشاورهم فى الأمر لا لاستنزالهم عن شىء من حقهم
والله أعلم