بان سنة 2 هــــ
كان الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بعثته قد أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس في صلاته ، فكان بمكة يصلي بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو في نفس الوقت مستقبل صخرة بيت المقدس ، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه المدينة واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهرًا ، وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام ، فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فأعلمهم بذلك ، وكان أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر ، ويروى أن ذلك كان في صلاة ظهر.وكان تحويل القبلة في النصف من شعبان من السنة الثانية للهجرة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الخبر أعلاه من موقع ( إسلام ويب ), يتكلم عن حدث مهم في تاريخ الأسلام ، ألا وهو
" تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة في المَسْجِدِ الحَرَامِ "
وفيما يلي بعض ما استطعت تجميعه وترتيبه في هذا الخصوص
أسأل الله للجميع التوفيق وحسن الفائدة
------------------------------------------
ورد عن تحويل القبلة في كتاب " زاد المعاد في هدي خير العباد " للحافظ ابن القيم
وكان يُصلِّى إلى قِبلة بيت المقدس، ويُحِبُّ أن يُصرَفَ إلى الكعبة، وقال لجبريل: ( وَدِدْتُ أَنْ يَصْرِفَ الله وَجْهِى عَنْ قِبْلَةِ اليَهُودِ ) فقال: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَادْعُ رَبَّكَ، واسْأَلْهُ فَجَعَلَ يُقَلِّبُ وجهه فى السماء يرجُو ذَلِكَ حتى أنزل الله عليه: { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ} البقرة: 144، وذلك بعد ستةَ عشر شهراً مِن مَقْدَمِهِ المدينةَ قبل وقعةِ بدر بشهرين , وكان للهِ فى جعل القِبلة إلى بيت المقدس، ثم تحويلِها إلى الكعبة حِكَمٌ عظيمة , ومِحْنَةٌ للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين
فأما المسلمون، فقالوا
سَمِعْنَا وأطعنا وقالُوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَا } آل عمران: 7 , وهم الذين هدى الله، ولم تكن كبيرةً عليهم
وأما المشرِكُونَ، فقالُوا
كما رجع إلى قبلتنا يُوشِكُ أن يَرْجعَ إلى ديننا، وما رجع إليها إلا أنه الحقُّ
وأما اليهودُ، فقالوا
خالف قِبْلة الأنبياء قبله، ولو كان نبياً، لكان يُصلِّى إلى قِبْلة الأنبياء
وأما المنافقون، فقالوا
ما يدرى محمد أين يتوجه إن كانت الأولى حقاً، فقد تركها، وإن كانت الثانية هى الحق، فقد كان على باطل.
وكثرت أقاويلُ السفهاء مِن الناس، وكانت كما قال الله تعالى
{وَإنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ}
وكانت مِحنة من الله امتحن بها عبادَهُ، ليرى مَن يتَّبعُ الرسول منهم ممن يَنْقَلِبُ على عَقِبَيه
زاد المعادابن القيم
قال البخاري: حدثنا أبو نعيم سمع زهيرا عن أبي إسحاق، عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - أو سبعة عشر شهرا - وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها إلى الكعبة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ِقبل مكة فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 143] رواه مسلم من وجه آخر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا الحسن بن عطية، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر - أو سبعة عشر - شهرا، وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل الله: { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } البقرة: 144
قال: فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس: - وهم اليهود - ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها.
فأنزل الله: { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وحاصل الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه كما رواه الإمام أحمد، عن ابن عباس رضي الله عنه، فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه أن يجمع بينهما فصلى إلى بيت المقدس أول مقدمه المدينة واستدبر الكعبة ستة عشر شهرا - أو سبعة عشر شهرا - وهذا يقتضي أن يكون ذلك إلى رجب من السنة الثانية والله أعلم.
وكان عليه السلام يحب أن يصرف قبلته نحو الكعبة قبلة إبراهيم وكان يكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله عز وجل فكان مما يرفع يديه وطرفه إلى السماء سائلا ذلك فأنزل الله عز وجل: { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام } الآية.
البداية والنهاية – الجزء الثالث ,ابن كثير
ولما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم
المدينة؛ أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ورافع بن أبي رافع، والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق؛ فقالوا: يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها؛ نتبعك ونصدقك! وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه
ابن هشام في السيرة النبوية
وقد أجابهم الله تعالى مع هذا كله عن سؤالهم، ونعتهم فقال: { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } أي: هو المالك المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه الذي يفعل ما يشاء في خلقه ويحكم ما يريد في شرعه، وهو الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ويضل من يشاء عن الطريق القويم، وله في ذلك الحكمة التي يجب لها الرضا والتسليم.
البداية والنهاية – الجزء الثالث ,ابن كثير
بعض الدروس والعبر من تحويل القبلة
1
التسليم بما قدر الله ، والانقياد الكامل المخلص لله تعالى كما فعل رسوله صلى الله عليه وسلم
قال تعالى
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا
الأحزاب 36
2
ومع التسليم بما قدر الله ، لا يكف العبد المؤمن بالله ، عن سوأل اكرم ألأكرامين , فخزائن الله ذا الجود والكرم ملئى لا تنفذ ، جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار وقال أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يده وقال عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع
3
ايمان الصحابة رضي الله عنهم بالله ورسوله ، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوجه في صلاتهم ناحية بيت المقدس فانقادوا وتوجهوا، فلما أُمِروا بالتوجه ناحية المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا
4
كان تحويل القبلة للصحابة تربية على السمع والطاعة ، سارعوا وامتثلوا لله ورسوله ، واختباراً صعباً على المنافقين فشلوا فيه حيث قالوا : يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ قال تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } البقرة الآية143
5
حرص المؤمن على أخيه المؤمن وحب الخير له ، اتضح هذا بجلاء وهو : حرص الصحابة وذلك بسؤالهم عن مصير صلاة من مات منهم قبل تحويل القبلة إلى الكعبة ، فأخبر الله عز وجل أن صلاتهم مقبولة
، قال تعالى : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ },البقرة: الآية143
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( لما وجِّه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى:{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } ,البقرة
الآية143) (يعني صلاتكم ) , وهذا الحديث عند أحمد وبو داود والترمذي ، وله أصل في صحيح البخاري
6
فيه دليل على مكانة النبي صلى الله عليه و سلم ومنزلته عند الله ، قال تعالى: { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} البقرة: 144
، ولا شك في ذلك , يقول الله { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ } سورة آل عمران81 , يقول ابن الجوزي : " فجعل الأنبياء كالأتباع له -عليه الصلاة والسلام- وألهمهم الانقياد، فلو أدركوه وجب عليهم إتباعه
7
إثبات نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم , أخبر الله جلَّ في علاه بما سيقوله " السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ " عند تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، قبل وقوع الأمر، وهذ يدل على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه أمر غيبي، فأخبر عنه صلى الله عليه وسلم بآيات قرآنية وحي من الله قبل وقوعه قال الله تعالى : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } البقرة:142
والله أعلم , اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى نبينا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وصحبه