الروائية الأستاذة /مديحة حمدى تكتب ..مسلسل سجن النساء .. الشيطان السوفسطائى

مسلسل سجن النساء .. الشيطان السوفسطائى

كعادة كل عام ما يشغل صناع الدراما هو السباق الرمضانى والعمل على جذب المشاهدين لزيادة الإعلانات وبالتالى زيادة الإرباح .. لا بأس فهذا مشروع ولكن لا يكون على حساب امور أكثر أهمية .. فمصر كانت ولا زالت وستظل رائدة للفن فى الوطن العربى ومن أوائل الدول التى تبنت قضايا المرأة ولها تاريخ طويل من أجل الحفاظ على حقوقها فى كافة المجالات .. وزاد هذا الطموح وخاصة بعد ما مرت به مصر من أحداث خلال الثلاث سنوات السابقة .. كان لدينا الأمل فى التغيير وخاصة فى المجال الفنى لأن الفن هو ضمير الأمة والمعبر عن آمالها وطموحاتها .. وتزايد دور المرأة بمشاركتها الفعالة فى التصويت على الدستور وثورة الثلاثين من يونيو .. وزادت مشاركتها السياسية فى المجتمع وأصبحت قوة لا يستهان بها ..
فى ظل ما نعيشه من متغيرات سريعة متلاحقة إنتظرت مسلسل سجن النساء وتوقعت عمل درامى نموذجى يجسد بالفعل المراة المصرية .. وخاصة ان العمل لرائدة الكتابة المسرحية المثقفة الجرئية فتحية العسال فهى تتميز بقوة شخصيتها ووعيها وثقافتها وثقتها بنفسها رغم انها لم تنه دراستها الابتدائية بسبب والدها الذي قرر حرمانها من الدراسه وهي في عمر عشر سنوات ..
ولكنها لم تتنازل عن حلمها في ان تقرأ وتكتب وقررت ان تُعلم نفسها بنفسها وتشتري الكتب الدراسية .. وتتمرن على كتابة الاحرف الهجائيه والقراءه ... وهذا يدل على ارادتها وان لا شئ يقف امام الاصرار على النجاح..
وكانت الكاتبه المتألقة فتحيه العسال هي أول أديبة عربية يتم عرض عمل أدبي لها علي خشبة المسرح وهي مسرحية المرجيحة وقد قدمت للمسرح بعدها العديد من المسرحيات الناجحة مثل "لام الف همزه لا" و"البين بين" ومسرحية "بلا اقنعه"
التي تم اعتقالها بسببها لأنها تتحدث عن رفضها لاتفاقية كامب دافيد.. ومسرحية سجن النساء التي كتبتها بين جدران السجن .. كذلك قدمت الاديبة كتابات عديده للتلفزيون والسينما ..
ونشرت جريدة جريدة المصرى اليوم فى عددها الصادر فى 19/ 10/ 2009 أن الكاتبة فتحية العسال قد تعاقدت مع شركة ( العدل جروب ) لتحويل مسرحية سجن النساء إلى مسلسل .. وأكدت فتحية أنها قطعت شوطا كبيرا فى كتابة حلقات المسلسل الذى يتناول ظروف السجينات وأسباب دخولهن السجن، وقالت: هناك اختلاف كبير بين كتابة مسرحية والمسلسل، كل شخصية فى المسرحية تصلح لأن تكون بطلة مسلسل، كما يوجد فيها أكثر من خط درامى، وما أركز عليه فى المسلسل أن السجن الداخلى فى حياة الإنسان أكبر وأقوى من السجن الحقيقى ..
ولكن يبدو ان الكاتبة الكبيرة تعرضت لوعكة صحية ولم تستطع إستكمال الكتابة .. وإتجهت الشركة المنتجة لمريم نعوم لكتابة المسلسل .. وإستطاعت السينارست مريم نعوم وبكل جدارة ان تفرغ فكرة المسرحية من محتواها .. حيث أتخذت الفكر التجارى بغض النظر عن إبعاد مسرحية الكاتبة فتحية العسال ومن الواضح انسياق الشركة المنتجة وراء هذه الفكرة لتحقيق اكبر قدر من المشاهدة والأرباح فهذا هو معيار النجاح الآن .. اما ما طرحته فتحية العسال فى المسرحية بعيد كل البعد عما كتبته نعوم .. ففكرة المسرحية عن سجينة الرأى وكيف يمكن لها ان تضحى بحريتها وهى أغلى ما يملك الإنسان من أجل الدفاع عن رأيها وما تؤمن به ..
وشتان بين فكر الكاتبة الرائعة فتحية العسال والسينارست نعوم التى لم تأخذ من المسرحية سوى اسمها والسجن الذى كان العامل المشترك بين كل النماذج التى قامت بالكتابة عنها .. فرأينا مجموعة من النساء خارجات عن القانون وتريد من المشاهدين التعاطف معهم .. مع العلم انها أصرت ان تبتعد وعن عمد عن النماذج التى تستحق الكتابة عنها فى السجن .. فآثرت الكتابة عن من تعمل فى الدعارة أو المخدرات أو السرقة القتل أوالشواذ جنسياً ( السجينة جعفر ) وأخيراً المريضة النفسية .. وكأن السجن لا يعرف سوى هؤلاء .. وتناست ان هناك سجينات رأى مثل فتحية العسال التى تاجرت بإسمها الشركة المنتجة لتوزيع المسلسل .. وهناك الغارمات وهن ( السجينات ) بسبب عدم قدرتهم على تسديد مبلغ مالي معين .. قد يصل فى بعض الإحيان هذا المبلغ إلى بضعة مئات أو آلاف .وأكد خبراء القانون أن 'عوارا قانونيا ' يشوب قانون الجنايات المصري، يحول دون حل أزمة 'السيدات الغارمات' التي تفاقمت مؤخرا بازدياد الأعداد التي تواجه مثل تلك القضايا . .وكذلك السجينات التى تعانى من عدم سداد قروض للمشروعات الصغيرة من أجل البحث عن عمل شريف لتوفير حياة كريمة لأسرهن .. وهناك العديد والعديد من الأمثال المشرفة فى السجن ليس فقط هؤلاء .. ومن الطبيعى إحداث توازن فى كل شىء فكان لابد من وجود نماذج متزنة مثل ما تم عرضه من نماذج منحرفة والغريب ان نعوم عرضت نماذج بعيدة عن التدين وإعادة الحسابات للرجوع والتوبة فمن تأتى إلى السجن فى وجهة نظرها تشتاق إليه سريعاً برغم قسوته !! .. وبذلك تجاهلت تماماً دور وزارة الداخلية فى إصلاح مثل هذه النماذج .. ولم نشاهد مسجد فى السجن لإرشادهم وتهذيب سلوكياتهم ولا ورش عمل لتدريبهم على الصناعات اليدوية ولم أجد دور الإخصائية الإجتماعية والنفسية لحل مشكلات السجينات وأين المكتبات والوقت المخصص لمشاهدة التلفاز لزيادة وعيهن .. ما شاهدناه فقط سجينات تتعامل مع مسجونات وبشكل غير لائق مثل القيام بأخذ أدوات تجميل أو مأكولات والتباسط فى الحديث وتبادل الضحكات وهذا بعيداً تماماً عن الواقع وبذلك تكون قد دمرت جميع الخطوط الحمراء والقانون .. أما عن الأفراح والليالى الملاح فحدث ولا حرج ..
ومن الأحداث شديدة السوء والعنف دور ( رضا ) والتى قامت به الممثلة روبى القروية التى تعمل خادمة وقامت بحرق إبنة سيدتها بحجة ( أنتى بترازينى يا دليلة ) .. أى بلغتنا تجرح مشاعرها .. فكان عقابها أن تحرقها أثنا نومها مع سبق الأصرار .. ومع كل هذه البشاعة يرفض صانعى المسلسل أى إنتقادات فنيللى كريم تصر على ان العمل ناجح وغصب عن الكل بعد إعتراض السجينات على العمل .. فلا غرو فهذا حال كل من شارك فى العمل ففى وجهة نظرهم الجمهور ليس له أى إعتبارومن الغريب يريدون ان نتقبل هذا الإسفاف بلا إعتراض وإلا سوف نكون إعداء النجاح الحاقدين ..
فصناع العمل أصبحوا مثل الشيطان السوفسطائى الذى يدافع عن الباطل بكل شراسة .. والسوفسطائى هو كثير الكلام دون أدلة وبراهين وبدون وعى كامل بما يقول .. ففى اى موضوع يتحدث عن جهالة.. والسفوسطائيه كانت اتجاه فلسفى معارض لأرسطو .. فهم يريدون دس السم فى العسل وتجريد مصر من قيمها وهاويتها ..
والسؤال الآن .. أين المجلس القومى للمرأة ؟ وأين الحقوقيات والناشطات والثوريات من هذا العمل الذى يشوة المراة المصرية وتاريخها ؟ .. والأهم أين دور الدولة الذى طال أنتظارة !! ..
تحية للمرأة المصرية التى قامت بالتبليغ عن إبنها المشارك فى حادث الفرافرة منحازة لوطنها وجيشها .. وللمرأة التى تبرعت بقرطها وهى لا تملك شيئاً غيره من اجل مصر .. تحية لكل أم فقدت إبنها من إبطال قواتنا المسلحة والشرطة .. وكل أم معيلة لإسرتها .. تحية للصامدات المكافحات الصابرات على الشدائد .. فالمرأة المصرية أعظم من المتاجرة بها فى أعمال تدل على ثقافة صناعها ..
الروائية .. مديحة مجدى
—