ولكن ما الحكمة من إباحة تعدد الزوجات؟
والجواب لما فيه من الفوائد والمنافع التي تعود على المرأة أولاً. وعلى الرجل ثانياً. وعلى المجتمع ثالثاً.
• فمن فوائده التي تعود على المرأة: أن النساء عادة يكن أكثر من الرجال وحين يمنع التعدد تتضرر النسوة اللاتي لا يجدن زوجاً يعولهن وتظهر هذه الصورة بصفة خاصة عقب الحروب التي تأكل الرجال وتكثر أعداد النساء والأرامل من هنا أباح الإسلام تعدد الزوجات وجعله رخصة ورحمة وحماية للمجتمع من السقوط في مهاوي الرذيلة والفوضى الاجتماعية التي تنشأ لا محالة من وجود نساء بلا رجال وفي هذه الحالة يكون التعدد مصلحة اجتماعية لصالح الأمة [42].
• وقد يكون التعدد ضرورة بالنسبة للزوج كأن يتزوج بامرأة عاقر لا تلد أو امرأة مريضة لا تكفيه لإحصان فرجه أو يكون الرجل بطبيعته شهوانياً لا تكفيه امرأة واحدة، لأن غريزته تدفعه إلى كثرة إلافضاء[43].
ففي كل هذه الحالات يكون التعدد ضرورة لا بد منها، وإلا فلا بد من وقوع المحظور وهو الزنا والمخادنة وغير ذلك من العلاقات التي ظهرت في أوربا نتيجة لتحريم التعدد.
هذه هي خصائص الأسرة المسلمة كما أراد الله سبحانه وتعالى ولكن أعداء الإسلام حاولوا انتزاع هذه الخصائص وصبغها بالصبغة الغربية وهذا ما سوف نوضحه فيما يأتي:
أساليب أعداء الإسلام في مسخ الأسرة المسلمة:
لقد قام المجتمع الغربي على نقيض ما قام عليه المجتمع الإسلامي، فبينما قام المجتمع الإسلامي على أساس العفة والطهر وتقديس العرض والشرف، واعتبار الزواج أساس بناء المجتمع، قام المجتمع الغربي على أساس: السفاح والمخادنة والنظر إلى العرض نظرة ازدراء. وسبب ذلك – أن أوربا قد داست على دينها بقدمها بعد الصراع الذي حدث بين الدين والدولة هناك – وحينما قامت الثورة الصناعية. فرضوا على المرأة أن تخرج للعمل بجانب الرجل، فخرجت المرأة لأن الرجل بخل بالإنفاق عليها، واختلطت النساء بالرجال. وترتب على ذلك أن ظهرت صورة جديدة للعلاقة بين الرجل والمرأة مثل علاقة الزمالة، والبغاء، كما ترتب على ذلك أن أصبحت الرذيلة شيئاً معتاداً، بل أصبحت مهنة استغلها اليهود والرأسماليون الذين تاجروا في كل شيء حتى في أعراض النساء.
• ومع الثورة الصناعية وظهور الرأسمالية المستغلة ظهرت ثورة على الأخلاق والقيم حيث شاعت نظرية داروين التي ادعت أن الإنسان أصله القرد، ونظرية فرويد التي فسرت الوجود الإنساني وجوداً جنسياً وحللت النفس البشرية على أساس من الشهوة الحيوانية ودعت الإنسان إلى التحرر من قيم الأديان وتعاليمه، وإشباع الشهوات الحيوانية بأي طريق، فالإنسان عنده ينبع من طاقة واحدة من طاقاته هي الطاقة الجنسية وهي التي تحركه طفلاً وشاباً وشيخاً.
هذا بالإضافة إلى ظهور نظريات دور كايم في علم الاجتماع حيث راح يدعي أن الأخلاق والدين شيء لا يمكن الحديث عنه ككيان ثابت وأن الجريمة وارتكاب الفواحش ظواهر طبيعية، وأن الزواج ليس فطرة.
وهكذا ظهرت المؤامرة على المرأة الأوربية.
• ماركس يقول إن المرأة لا بد أن تعمل.
•ودور كايم يقول لها إن الزواج ليس فطرة.
• وفرويد يتلقفها فيقول لها إنها لا بد أن تحقق كيانها تحقيقاً جنسياً خالصاً من القيود.
• والرأسماليون والمرابون اليهود يدفعونها إلى العمل تحت عنوان تحقيق الذات وتحرير المرأة.
• ثم قامت الحرب العالمية الأولى: وقتل فيها عشرة مليون رجلاً في ساحة القتال -غير النساء والأطفال – ووجدت ملايين الأسر نفسها بلا عائل إما لأن عائلها قد قتل في الحرب، أو شوه بدرجة تعجزه عن العمل، أو فقد عقله وأعصابه بفعل الحياة الدائمة في الخنادق والغازات السامة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فإن الذين خرجوا من الشباب قادرين على العمل لم يكونوا كلهم على استعداد لأن يتزوجوا ويكونوا أسرة، وإنما راحوا يعيشون حياتهم على هواهم، فلا بأس بالمرأة صديقة تستجيب للرغبة اللاهفة، أو جسداً يشترى بالنقود، ولكن لا مرحباً بها زوجاً وأم ولد[44].
ومن هنا فرض على المرأة أن تخرج للعمل في أي مكان وبأي ثمن وفرض عليها أن تشبع رغبتها بأي طريق، مات الرجال وعزف الشباب عن الزواج، والنظام الموجود هناك لا يسمح بتعدد الزوجات، وإن كان يسمح بتعدد العشيقات.
ونضيف إلى ذلك الانقلاب النفسي الذي حدث للمرأة الأوربية، فلقد كانت من قبل شيئاً مهملاً لا وجود له، ولا كيان ولا استقلال، بل مجرد تابع للرجل تعيش عن طريقه اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً وفكرياً. فقد كانت هذه المرأة في جاهلية العصور الوسطى لا قيمة لها، لا تملك شيئاً ولا تستطيع أن تتصرف في شيء.
محرومة من حقوقها في كل شيء، فلما حدث الانقلاب الصناعي وعملت المرأة شعرت بفرديتها، وتعاملت بنفسها مع المجتمع في المصنع والمتجر. وتعاملت مع الرجل على أنها ند له يحاول أن يصل إلى مستواه وينازعه السلطان في الحرية المطلقة من القيود ومن القيم والتقاليد.
فطالبت المرأة هناك بالمساواة في كل شيء حتى المساواة في الإباحية والتحلل والانطلاق من قيود الزواج. ومن هنا ضاع الزواج كأساس من أسس المجتمع وبعض دول أوربا مثل فرنسا حاولت تكثير نسلها بأي طريقة حتى ولو كان هو الزنا دون مراعاة للقيود والتقاليد، فنادوا بأن العذراء التي تتبرع برحمها للتوليد خدمة للوطن تستحق الكرامة والعزة لا التحقير والازدراء. وترتب على ذلك ظهور المحاضن الجماعية التي تربي أطفال الزنا، واختراع وسائل منع الحمل وإباحة الإجهاض وغير ذلك.
وهنا نجد أنفسنا في مجتمع لا يفرق بين النكاح والسفاح، بل الفضيلة فيه تتحول إلى رذيلة والرذيلة تتحول إلى فضيلة، مجتمع تطالب فيه المرأة بإلغاء عقد الزوجية لأنه يحد من حريتها.
مجتمع ليس فيه فرق بين طفل شرعي وآخر غير شرعي، مجتمع يتبادل الزوجات، مجتمع متناقض تماماً مع خصائص المجتمع الإسلامي الذي يقوم على أساساً من الأخلاق والمبادئ الرفيعة.
وهنا حاول أعداء الإسلام صبغ المجتمعات الإسلامية بالصبغة الغربية، والقضاء على صورة الأسرة المسلمة وسحب صفات الأسرة الغربية عليها.
وهذا ما أشار إليه الإنجليزي جلادستون بقوله. «لا بد لاختلال قوى الإسلام من رفع الحجاب عن وجه المرأة المسلمة، ونغطي به القرآن، ولا بد من إتيان المسكرات والمخدرات والفواحش والمنكرات»[45].
ومن هنا قام أعداء الإسلام بما يأتي:
أولاً: حاولوا هدم النظام الإسلامي في الزواج وتكوين الأسرة، وأشاعوا في العالم الإسلامي صوراً أخر من العلاقات بين الرجل والمرأة غير علاقة الزواج.
وهدم الأسرة المسلمة خطة يهودية شيوعية معاً – فقد نص عليها اليهود في محاضر جلساتهم السرية بقولهم«سوف ندمر الحياة الأسرية بين الأميين ونفسد أهميتها التربوية»[46] كما أكد ماركس في فلسفته على هدم نظام الأسرة وتنشئة الأطفال في محاضن عامة بحيث لا يكون لهم أي ارتباط بأم أو أب أو أسرة، بل يكون ارتباطهم الوحيد بالدولة والحزب.
كذلك أشار إنجلز إلى أهمية الزواج الجماعي, ودعا إلى تقويض القيود التي فرضتها الأديان في علاقة الرجل بالمرأة[47] من أجل هذا دعا أعداء الإسلام في المجتمعات الإسلامية عن طريق الإذاعة والتمثيلية والقصة الأدبية والتليفزيون والسينما – إلى تحرر المرأة والرجل من قيود الزواج، والانطلاق في خلق