حرب الغاز .. الصراع على سوريا و الشرق الأوسط
الحلقة الثانية .. (شركتى غازبروم و نابكو)
كانت البداية عام 1995 حين رسم بوتين استراتيجية شركة غاز بروم ؛ لتتحرك فينطاق وجود الغاز من روسيا فأذربيجان فتركمانستان فإيران (للتسويق) وصولاً إلى منطقة الشرق الأوسط (أخيراً) .. و كان من المؤكد أن مشروعي السيل الشمالي و السيل الجنوبي سيكونان وسام الاستحقاق التاريخي على صدر فلاديمير بوتين من أجل عودة روسيا إلى المسرح العالمي ، و من أجل إحكام السيطرة على الاقتصاد الأوروبي الذي سيعتمد لعقود على الغاز بديلاً من النفط أو بالتوازي معه .. و لكن بأولوية أكبر لصالح الأول. و هنا كان على واشنطن أن تسارع إلى تصميم مشروعها الموازي (نابوكو) لينافس المشروع الروسي على قسمة دولية .. على أساسها ستتحدد آفاق القرن المقبل سياسياً و استراتيجياً.
يشكل الغاز فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد و العشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً أو من حيث الطاقة النظيفة. و لهذا .. فإن السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم تُعتَبَر بالنسبة للقوى القديمة و الحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية.
واضح أن روسيا قد قرأت الخارطة ، و تعلمت الدرس جيداً ؛ فسقوط الاتحاد السوفيتى كان بسبب غياب موارد الطاقة العالمية (التى تضخ إلى البنى الصناعية المال و الطاقة .. و بالتالي البقاء) عن سيطرته ؛ لذلك تعلمت (روسيا) أن لغة الطاقة الآتية إلى القرن الواحد و العشرين على الأقل هي لغة الغاز.
بقراءة أولية لخارطة الغاز نراها تتموضع في المناطق التالية من حيث الكم والقدرة على الوصول إلى مناطق الاستهلاك:
1- روسيا.. انطلاقاً من فيبورغ (Vyborg) و بيري غوفيا (Beregovya).
2- الملحق الروسي: تركمانستان.
3- المحيط الروسي القريب: أذربيجان.
4- المحيط الروسي الأبعد: إيران
5- المقنوص من روسيا: جورجيا.
6- منطقة شرق المتوسط (سورية و لبنان).
7- قطر و مصر.
لذلك سارعت موسكو للعمل على خطين استراتيجيين: الأول .. التأسيس لقرن (روسي – صيني "شنغهايى") ، يقوم على أساس النمو الاقتصادي لكتلة شنغهاي من ناحية .. و السيطرة على منابع الغاز من ناحية أخرى ؛ و بناءاً عليه فقد أسست لمشروعين: أولهما هو مشروع السيل الجنوبي ، و ثانيهما هو مشروع السيل الشمالي .. و ذلك في مواجهة مشروع أمريكي لاقتناص غاز البحر الأسود و غاز أذربيجان ؛ و هو مشروع نابوكو.
إذن فهناك سباق استراتيجي بين مشروعين ؛ للسيطرة على أوروبا من ناحية ، و على مصادر الغاز من ناحية أخرى:
1. المشروع الأميركي نابوكو: و مركزه آسيا الوسطى ، و محيطه البحر الأسود .. فيما موقعه المخزِّن هو (تركيا) ، و مساره منها إلى بلغاريا فرومانيا ثم هنغاريا فالتشيك و كرواتيا و سلوفينيا فإيطاليا .. و كان من المقرر أن يمر باليونان ؛ إلا أنه تم غض الطرف عن هذا كرمى لتركيا.
2. المشروع الروسي شقين شمالي و جنوبي ، و مساره كالتالي:
2.1. السيل الشمالي: و ينتقل من روسيا إلى ألمانيا مباشرة .. و من فاينبرغ إلى ساسنيتز عبر بحر البلطيق دون المرور ببيلاروسيا .. و هو ما خفف الضغط الأميركي عليها.
2.2. السيل الجنوبي: و يمر من روسيا إلى البحر الأسود فبلغاريا و يتفرع إلى اليونان فجنوب إيطاليا وإلى هنغاريا فالنمسا.
كان من المقرر لمشروع نابوكو أن يسابق المشروعين الروسيين ؛ إلا أن الأوضاع التقنية قد أخرت المشروع إلى عام 2017 (بعد أن كان مقرراً عام 2014) .. ما جعل السباق محسوماً لصالح روسيا في هذه المرحلة بالذات ؛ ما يستدعي البحث عن مناطق دعم رديفة/بديلة لكل من المشروعين و تتمثل في:
1- الغاز الإيراني الذي تصر الولايات المتحدة على أن يكون رديفاً لغاز نابوكو ؛ ليمر في خط مواز لغاز جورجيا (و إن أمكن أذربيجان) إلى نقطة التجمع في أرضروم (Erzurum) في تركيا.
2- غاز منطقة شرق المتوسط (سورية و لبنان و إسرائيل).
3- خط الغاز المُقبل من "الربع الخالي" السعودي الذي لا طريق له إلا سورية.
4- خط الغاز القطري الذي لا طريق له نحو أوروبا إلا سورية أيضاً ، و الذي يجب منع مروره لأنه عتلة المنافسة الأميركية لسيطرة روسيا على عصر الغاز.
و بالقرار الذي اتخذته إيران و وقعت اتفاقياته لنقل الغاز عبر العراق إلى سورية في شهر يوليو 2011 ؛ تصبح سورية هي بؤرة منطقة التجميع و الإنتاج بالتضافر مع الاحتياطي اللبناني .. و هو فضاء (استراتيجي – طاقي) يُفتح لأول مرة جغرافياً من إيران إلى العراق إلى سورية فلبنان.
و هذا الأمر كان من الممنوعات (الغير مسموح بها) لسنين طويلة خلت ؛ الأمر الذي يفسر حجم الصراع على سورية و لبنان في هذه المرحلة ، و بروز دور لفرنسا التي تَعتَبِر منطقة شرق المتوسط منطقة نفوذ تاريخية و مصالح لا تموت ..
و هذا الدور ينسجم مع طبيعة الغياب الفرنسي منذ الحرب العالمية الثانية ، ما يعني أن فرنسا تريد أن يكون لها دور في عالم (الغاز) ؛ حيث اقتطعت لنفسها بوليصة تأمين صحي بخصوصه في ليبيا ، و تريد بوليصة تأمين على الحياة به في كل من سورية و لبنان.
في هذا الوقت .. تشعر تركيا انها ستضيع في بحر صراع الغاز ؛ طالما أن مشروع نابوكو متأخر .. و مشروعا السيل الشمالي ، و السيل الجنوبي يستبعدانها .. فيما غاز شرق المتوسط قد بات بعيداً من نفوذ نابوكو و بالتالي تركيا.