أحمد أحمد جنديه
***********
تفاصيل الطريقة التي وسوس بها إبليس لعنه الله ، لأبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام ، فقد اقتصر القرآن الكريم على ذكر أصل الحادثة من غير تفصيل طبيعة الوسوسة ولا طريقتها ، وأوضح ما جاء في ذلك قوله عز وجل :
( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ . وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) الأعراف/20-21
وقوله سبحانه :
( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ) طه/120
فإذا وقفنا مع ظاهر الآيات بدا لنا أن هذه الوسوسة كانت مشافهة ومخاطبة مباشرة ، وقد نقل بعض أهل العلم ذلك عن جمهور المفسرين ، فقال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (1/312) : " قال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء : أغواهما مشافهة ، ودليل ذلك قوله تعالى : ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) ، والمقاسمة ظاهرها المشافهة " انتهى.
غير أن هذا الظاهر لا يفسر كيف استطاع إبليس أن يخاطب آدم وحواء بهذا الخطاب ، وهل كان على هيئته المعروفة أم تمثل لهما ، وهل دخل الجنة دخولا حقيقيا أم عارضا ، كل ذلك من الغيب الذي لا يمكننا أن نخوض فيه من غير أثارة من علم .
إلا أن نذهب إلى ما روي عن بعض الصحابة والتابعين ، ومال إليه ابن جرير الطبري (1/532) ، وأصله من كلام وهب بن منبه عن علوم أهل الكتاب أنه : " لما أراد إبليس أن يستزلَّهما دَخل في جوف الحية ، وكانت للحية أربع قوائم كأنها بُخْتِيَّة ، من أحسن دابة خلقها الله ، فلما دخلت الحية الجنة ، خرج من جوفها إبليس " انتهى باختصار.
أو يقال بما قرره الشيخ الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" حين قال :
" والمفسرون يذكرون في ذلك قصة الحية ، وأنه دخل فيها فأدخلته الجنة ، والملائكة الموكّلون بها لا يشعرون بذلك ، وكل ذلك من الإسرائيليات ، والواقع أنه لا إشكال في ذلك ، لإمكان أن يقف إبليس خارج الجنة قريباً من طرفها ، بحيث يسمع آدم كلامه وهو في الجنة ، وإمكان أن يدخله الله إياها لامتحان آدم وزوجه ، لا لكرامة إبليس ، فلا محال - عقلاً - في شيء من ذلك ، والقرآن قد جاء بأن إبليس كلّم آدم ، وحلف له حتى غره وزوجه بذلك " انتهى .
وإنما يعنينا من ذلك أن نؤمن إيماناً لا شك فيه ، أن هذه القصة وقعت ، كما أخبرنا الله في كتابه ، وأن سوق العداوة قد قامت بين إبليس وجنده وآدم وذريّته : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) الإسراء / 53 ، فاحذره كما حذّرك الله ، واستعن عليه بإخلاص الدين لله ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ص/82-83 ، واحذر يا عبد الله أن تكون من حزب الغاوين ( قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) الحجر41-44 .
والله تعالى أعلم