Shaban Muba*
*******************
هل تلعنه الملائكة مثلها؟!
============
تصرخ نساء كافرات أو علمانيات: كيف يقول رسولكم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأتِه - وفى رواية فتأبى عليه - فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" ؟؟
والحديث متفق عليه أى رواه الشيخان البخاري ومسلم , فهو حديث صحيح بلا جدال. لكن الجهل أو الغرض مرض كما قيل بحق.
فالشخص ذو القصد الخبيث أو الجهل الفاضح لا يحاول قراءة النص على ضوء مقاصد الشريعة وقواعدها العامة التى توضحها نصوص أخرى يؤدى الجهل بها أو تجاهلها إلى الخروج بنتائج خاطئة تمامًا.. وهذا واضح فيما يتعلق بهذا الحديث الشريف. فالهدف من الحديث هو تحذير المرأة من خطورة حرمان زوجها من حقه فى الجماع بدون عذر شرعي.
وقد صَرَّح علماء السلف - رضي الله عنهم - مثل النووي بأن التحريم أو لعن الملائكة يقتصر على المرأة التى تمتنع عن تلبية رغبة زوجها فى قضاء شهوته بدون عذر قهرى مثل المرض أو الإرهاق الشديد(3)؛ لأنها في هذه الحالة تُعَرِّضُه للفتنة, وتساعد الشيطان عليه. فإذا استطاع بعض الرجال التحكم في النفس والصبر, فإن رجالاً آخرين قد يؤدى تمرُّد زوجاتهم وامتناعهن عن الجماع معهم إلى تطلع هؤلاء إلى الزنا - والعياذ بالله - فهل مثل هذه الزوجة العاصية لربها وزوجها لا تستحق اللعن والعقاب الشديد على فعلتها النكراء تلك إذا لم يكن لها عذر في ذلك؟!
وماذا يبقى من الزواج إذا حرمنا الزوج - وهى تحرم نفسها أيضًا بذلك - من الحق في الجماع كُلما ثارت دواعى الشهوة واشتعلت نيران الغريزة؟!
إنه لا رهبانية في الإسلام ولا تبتل - انقطاع عن الزواج - ولا خِصَاء, بل هو دين يُلبى الاحتياجات الفطرية للبشر بالطرق المشروعة. ثم إن الجماع هو عمل يثيب الله عليه الطرفين كما ورد فى حديث آخر رواه مسلم: "وفى بضع أحدكم صدقة" , وهو السبيل الوحيد لإنجاب الذرية الصالحة التي تعبد الله – تعالى - ويكفل استمرار البشرية والعمران في الأرض.. أفليس منع الجماع ذنبًا عظيمًا يستحق مرتكبه اللعن؛ لأنه يتسبب في تعطيل سنن الله فى الكون ودفع صاحبه إلى الرذيلة؟!!
وتجدر الإشارة إلى أن الحكم الوارد بهذا الحديث ينطبق أيضًا على الرجل الذى يمتنع عن مجامعة زوجته بلا عذر شرعي. فالقاعدة الأساسية هي: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]. وكان ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لى عملاً بهذه الآية. (4)
وروى البخاري قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو: "و إن لزوجك عليك حقًّا". ونضيف إلى ذلك أن الزواج هو عقد يبيح استمتاع كلا الطرفين بالآخر , فللزوجة ذات حق الاستمتاع بالجماع مثل الزوج, ولا يجوز له مطلقًا حرمانها من هذا الحق , كما أن العلة فى التحريم وهى خطورة تعريض الزوج للفتنة والرذيلة موجودة حتمًا بالنسبة للزوجة المحرومة من الجماع بدون عذر قاهر للزوج. وتكرار امتناع الزوج عن مجامعتها بدون عذر يعطيها الحق فى طلب الطلاق للضرر أو الخلع كما سبق. (5).
ثم إن السُنَّة المطهّرة عَلَّمَت الرجل ألا يقضى حاجته ثم ينصرف عن زوجته, بل لابد أن ينتظر حتى تقضى شهوتها بدورها. عن طلق بن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جامعأحدكم أهله فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها كما يحب أن يقضي حاجته" أخرجه ابن عدي فيالكامل وأبو يعلى في مسنده, وفيه ضعف وله طرق أخرى يتقوى بها.
ومن اللهو المباح طبقًا للسُّنَّة أيضًا ملاعبة الرجل أهله كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم:" هلاًّ بكرا تلاعبها وتلاعبك؟".
وهكذا فإن القواعد العامة تُوَضِِّح أن الملائكة تلعن الرجل أيضًا إذا امتنع عن فراش زوجته بلا عذر.
ونلاحظ أن الحديث الشريف حصر اللعن أو سخط الملائكة فى حالة واحدة هى إذا بات الزوج غاضبًا. أمَّا إذا نجحت - بلباقتها ومهارتها الفطرية - في إقناعه بعذرها أو ترضيته قبل أن ينام فإنها لا تتعرض لهذا اللعن, بل تؤجر - بإذن الله -على ترضيتها لزوجها وتطييب نفسه. وحتى لو بات غاضبًا عليها فإنه لا عقاب عليها ولا لعن في حالة وجود عذر قاهر كالمرض أو الإرهاق الشديد.
وأخيرًا يثور التساؤل: ولماذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التى تمتنع ولم يذكر الزوج الذى يتجاهل رغبة زوجته في الفراش؟!
والرد على هذا يسير: فالغالب الأعم في معظم الحالات أن الرجل هو الذى يدعو زوجته إلى الجماع. بل هو المشاهد في كل الكائنات الحية, فالذكور هي التي تبدأ بمغازلة الإناث وهى التى تسعى إليها وتبدأ الممارسات الجنسية معها, ونادرًا ما تطلب الزوجة من زوجها - بشكل صريح - أن يجامعها, فالحياء يعقد لسانها.
ومن المعلوم أن الأحكام الشرعية تُبْنَى على الغالب من أحوال الناس , وأن النادر لا حكم له. ولهذا ذكر الحديث المرأة التى ترفض دعوة زوجها إلى الفراش, ولم يذكر حالة الرجل الذي يرفض دعوة زوجته لندرة حدوث ذلك.
وعلى أية حال فلو افترضنا جدلاً أن إحداهن امتلكت الجرأة وصارحت زوجها برغبتها فلا حرج عليها؛ لأنه حقها الشرعي مع حليلها, ويجب عليه أن يُلَبِّى رغبتها وإلا وقع عليه اللعن من الملائكة إن لم يكن له عذر قاهر كما تقدم.
متقول